تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : صيد الخاطر للإمام إبن الجوزي .. مختارات



الصفحات : [1] 2 3

مقاوم
04-24-2006, 03:19 PM
تقدير العواقب

من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها نال خيرها ونجا من شرها‏.‏

ومن لم ير العواقب غلب عليه الحس فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة وبالنصب ما رجا منه الراحة‏.‏

وبيان هذا في المستقبل يتبين بذكر الماضي وهو أنك لا تخلو أن تكون عصيت الله في عمرك أو أطعته‏.‏


فليت الذنوب إذ تخلت خلت‏!‏ وأزيدك في هذا بياناً‏:‏ مثل ساعة الموت وأنظر إلى مرارة الحسرات على التفريط ولا أقول‏:‏ كيف تغلب حلاوة اللذات لأن حلاوة اللذات استحالت حنظلاً فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم‏.‏



أتراك ما علمت أن الأمر بعواقبه فراقب العواقب تسلم ولا تمل مع هوى الحس فتندم‏.‏


الإمام أبن الجوزي في "صيد الخاطر"

من هناك
04-24-2006, 08:49 PM
ذكرتني بفيض الخاطر :)

جزاك الله خيراً على التذكرة

مقاوم
04-25-2006, 01:10 PM
متاع الغرور


من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر‏.‏
ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه ويتحقق ضرر حال ثم يغشاه ‏"‏ وتخشى الناس واللّه أحق أن تخشاه ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(32,37,37)).‏
تغلبك نفسك على ما تظن ولا تغلبها على ما تستيقن‏.‏
أعجب العجائب سرورك بغرورك وسهوك في لهوك عما قد خبىء لك‏.‏
تغتر بصحتك وتنسى دنو السقم وتفرح بعافيتك غافلاً عن قرب الألم‏.‏
لقد أراك مصرع غيرك مصرعك وأبدى مضجع سواك - قبل الممات - مضجعك‏.‏
كأنّك لم تسمع بأخبار من مضى ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر‏!‏ فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الرّيح بعدك والقبر‏!‏ كم رأيت صاحب منزل ما نزل لحده حتى نزل‏!‏‏.‏
وكم شاهدت والي قصر وليه عدوه لما عزل‏!‏‏.‏
فيا من كل لحظة إلى هذا يسري وفعله فعل من لا يفهم ولا يدري‏.‏
وكيف تنام العين وهي قريرة ولم تدر من أيّ المحلين تنزل فصل لا تحم حول الحمى من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة‏.‏
ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه‏.‏
ورب نظرة لم تناظر‏!‏‏.‏
وأحق الأشياء بالضبط والقهر اللسان والعين‏.‏
فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة‏.‏
فإن الهوى مكايد‏.‏
وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه‏!‏ واذكر حمزة مع وحشي‏.‏
واغضض الطرف تسترح من غرام تكتسي فيه ثوب ذل وشين فبلاء الفتى موافقة النف - س وبدء الهوى طموح العين فصل حالة القلب مع العبادة أعظم المعاقبة أن لا يحس المعاقب بالعقوبة‏.‏
وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة كالفرح بالمال الحرام والتمكن من الذنوب‏.‏
ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة‏.‏
وإني تدبرت أحوال أكثر العلماء والمتزهدين فرأيتهم في عقوبات لا يحسون بها ومعظمها من قبل طلبهم للرياسة‏.‏
فالعالم منهم يغضب إن رد عليه خطؤه والواعظ متصنع بوعظه والمتزهد منافق أو مراء‏.‏
فأول عقوباتهم إعراضهم عن الحق شغلاً بالخلق‏.‏
ومن خفي عقوباتهم سلب حلاوة المناجاة ولذة التعبد‏.‏
إلا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات يحفظ الله بهم الأرض بواطنهم كظواهرهم بل أجلى وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى وهممهم عند الثريا بل أعلى‏.‏

فالناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم تحبهم بقاع الأرض وتفرح بهم أملاك السماء‏.‏
نسأل الله عز وجل التوفيق لاتباعهم وأن يجعلنا من أتباعهم‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

من هناك
04-26-2006, 07:26 PM
السلام عليكم،
جزاك الله خيراً اخي. احياناً تصيبنا الدنيا فنغتر بما نملك ولكن الآخرة خير وابقى

كثيراً ما يظن الإنسان انه متمكن من المسألة ويغضب لما ينبهه عليها الناس فيقع فيها رغم انه يعلم انه سيخطئ ولكن هذا هو الطبع البشري اعاذنا الله من زلاتنا

محبتكم في الله
04-26-2006, 09:14 PM
جزاكم الله خيرا و سدد الله خطاكم
سبحان الله امس كنت اسمع محاضرة عن الغرور
اعاننا الله جميعا"
فالناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم تحبهم بقاع الأرض وتفرح بهم أملاك السماء‏.‏
نسأل الله عز وجل التوفيق لاتباعهم وأن يجعلنا من أتباعهم‏
آمين

مقاوم
04-27-2006, 06:43 AM
آآآمييين
شكرا لمروركم وترقبوا المزيد الجديد دوريا إن شاء المولى عز وجل

مقاوم
04-27-2006, 06:51 AM
دعوة إلى علو الهمة


من علامة كمال العقل علو الهمة‏!‏ والراضي بالدون دنيء‏!‏‏!‏‏.‏
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام

المحبة الإلهية

سبحان من سبقت محبته لأحبابه فمدحهم على ما وهب لهم واشترى منهم ما أعطاهم وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم فباهى بهم في صومهم وأحب خلوف أفواههم‏.‏
يا لها من حالة مصونة لا يقدر عليها كل طالب‏!‏ ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب‏.‏

من هناك
04-27-2006, 07:51 PM
إن شاء الله

من هناك
04-27-2006, 07:51 PM
جزاك الله خيراً

لا بد من تحري وسائل إعلاء الهمة بشكل مستمر

مقاوم
04-28-2006, 06:46 AM
دوام اليقظة


الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه ولا يدري متى يستدعى‏.‏
وربما قال العالم المحض لنفسه‏:‏ أشتغل بالعلم اليوم ثم أعمل به غداً فيتساهل في الزلل بحجة الراحة ويؤخر الأهبة لتحقيق التوبة ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع‏.‏

وينسى أن الموت قد يبغت فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه‏.‏
فإن بغته الموت رئي مستعداً وإن نال الأمل ازداد خيراً‏.

صيد الخاطر - الإمام أبن الجوزي

مقاوم
04-29-2006, 12:38 PM
الذنب


خطرت لي فكرة فيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة والبلايا العظيمة التي تتناهى إلى نهاية الصعوبة‏.‏
فقلت‏:‏ سبحان الله‏!‏ إن الله أكرم الأكرمين والكرم يوجب المسامحة‏.‏
فما وجه هذه المعاقبة‏.‏
فتفكرت فرأيت كثيراً من الناس في وجودهم كالعدم لا يتصفحون أدلة الوحدانية ولا ينظرون في أوامر الله تعالى ونواهيه بل يجرون - على عاداتهم - كالبهائم‏.‏
فإن وافق الشرع مرادهم وإلا فمعولهم على أغراضهم‏.‏
وإن سهلت عليهم الصلاة فعلوها وإن لم تسهل تركوها‏.‏
وفيهم من يبارز بالذنوب العظيمة مع نوع معرفة المناهي‏.‏
وربما قويت معرفة عالم منهم وتفاقمت ذنوبه‏.‏
فعلمت أن العقوبات وإن عظمت دون إجرامهم‏.‏
فإذا وقعت عقوبة لتمحص ذنباً صاح مستغيثهم‏:‏ ترى هذا بأي ذنب‏.‏
وينسى ما قد كان مما تتزلزل الأرض لبعضه‏.‏


وقد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه‏.‏
فمتى رأيت معاقباً فاعلم أنه لذنوب‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

من قلب بغداد
04-29-2006, 01:26 PM
السلام عليكم

جزاك الله خيراً على هذا الصيد النافع .. كلمات قليله العديد عظيمة المعنى
نسأل الله ان ينفع بها .. و بكم

" يابه اهم شي بعيده عن حرف الحاء "

مقاوم
04-29-2006, 01:33 PM
وإياكم أختي الكريمة

وكل حاء وأنتم بخير

من قلب بغداد
04-29-2006, 06:10 PM
السلام عليكم

جزاك الله خير و جزا الله عنا الامام كل خير
الجميل في الموضوع انه قصير لا يملل القارئ
بارك الله فيك في موازين حسناتك بعونه تعالى

ذكرتنا بما لا نستطيع نسيانه من كثرة ما ذكر على مسامعنا مات فلان و مات اخر
و شاهد البعض منا موتى ايضاً حتى لكأن القلوب ماتت .. و باتت تنتظر موت صاحبها .. !
اسأل الله ان يكتب لنا حسن الخاتمه و يجمعنا بالحبيب المصطفى
و بالاحبة و الصحب ..اجمعين .. اللهم آمين ..

و كل حاء في موازين حسناتك ان شاء الله

من هناك
04-29-2006, 07:41 PM
احياناً يكون العقاب ابتلاء من رب العالمين ايضاً

من هناك
04-29-2006, 08:02 PM
جزاك الله خيراً اخي مقاوم

الموت باب وكل الناس داخله

مقاوم
04-30-2006, 04:52 AM
حقيقة زهد العلماء


تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حب الدنيا فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون كما قال عز وجل‏:‏ ‏"‏ وَلاَ يَجدُون في صُدُورِهِمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(58,9,9))‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ والّذِيْنَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ‏:‏ رَبَّنَا أغْفِرْ لَنَا ولإِخْوَانِنا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِْيمَانِ (http://javascript<b></b>:openquran(58,10,10)) وقد كان أبو الدرداء‏:‏ يدعو كل ليلة لجماعة من إخوانه‏.‏
وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي‏:‏ أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر‏.‏
والأمر الفارق بين الفئتين‏:‏ أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها ويحبون كثرة الجمع والثناء‏.‏
وعلماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك وقد كانوا يتخوفونه ويرحمون من بلي به‏.‏
وكان النخعي‏:‏ لا يستند إلى سارية‏.‏
وقال علقمة‏:‏ أكره أن يوطأ عقبي‏.‏
وكان بعضهم‏:‏ إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام عنهم‏.‏
وكانوا يتدافعون الفتوى ويحبون الخمول مثل القوم كمثل راكب البحر وقد خب فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة‏.‏
وإنما كان بعضهم يدعو لبعض ويستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا فالأيام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة‏.‏

الخمول : عدم الشهرة


الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

مقاوم
04-30-2006, 05:02 AM
وإياكم يا أحباب، هي فعلا كلمات قليلة، فيها معان جميلة وفوائد جليلة!!

اللهم اجعلنا من المستعدين للموت وهون علينا سكراته
اللهم إن حان الأجل فاجعلها شهادة في سبيلك يا رب العالمين

مقاوم
04-30-2006, 05:13 AM
احياناً يكون العقاب ابتلاء من رب العالمين ايضاً

بل هو دائما كذلك أخي بلال لكن..." أمر المؤمن كله خير له"...
و"إذا إحب الله عبدا ابتلاه" ... "لا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة!"
أو كما قال عليه الصلاة والسلام

من هناك
04-30-2006, 12:14 PM
بارك الله بك

من هناك
04-30-2006, 12:33 PM
جزاك الله خيراً على النقل وعلى تفسير كلمة الخمول لانني فوجئت بها في مكانها

مقاوم
05-01-2006, 09:43 AM
وفيكم بارك الله

مقاوم
05-01-2006, 09:48 AM
فعلا لقد استوقفتني نفس الكلمة ولهذا أحببت أن أشرحها منعا لأي لبس

مقاوم
05-01-2006, 10:32 AM
ما يطيقه البشر وما لا يطيقونه من التكليف


تفكرت يوماً في التكليف فرأيته ينقسم إلى سهل وصعب‏.‏
فأما السهل فهو أعمال الجوارح إلا أن منه ما هو أصعب من بعض فالوضوء والصلاة أسهل من الصوم والصوم ربما كان عند قوم أسهل من الزكاة‏.‏
وأما الصعب فيتفاوت فبعضها أصعب من بعض‏.‏
فمن المستصعب النظر والاستدلال الموصلان إلى معرفة الخالق‏.‏
فهذا صعب عند من غلبت عليه أمور الحس سهل عند أهل العقل‏.‏
ومن المستصعب غلبة الهوى وقهر النفوس وكف أكف الطباع عن التصرف فيما يؤثره وكل هذا يسهل على العاقل النظر في ثوابه ورجاء عاقبته وإن شق عاجلاً‏.‏
وإنما أصعب التكاليف وأعجبها أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل ثم نراه يفقر المتشاغل بالعلم المقبل على العبادة حتى يعضه الفقر بناجذيه فيذل للجاهل في طلب القوت‏.‏
ويغني الفاسق مع الجهل حتى تفيض الدنيا عليه‏.‏
ثم تراه ينشيء الأجسام ويحكمها ثم ينقض بناء الشباب في مبدأ أمره وعند استكمال بنائه ثم تراه يؤلم الأطفال حتى يرحمهم كل طبع‏.‏
ثم يقال له‏:‏ إياك أن تشك في أنه أرحم الراحمين‏.‏
ثم يسمع بإرسال موسى إلى فرعون ويقال له‏:‏ أعتقد أن الله تعالى أضل فرعون واعلم أنه ما كان لآدم بد من أكل الشجرة وقد وبخ بقوله‏:‏ ‏"‏ وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(19,121,121)).‏
وفي مثل هذه الأشياء تحير خلق حتى خرجوا إلى الكفر والتكذيب‏.‏

ولو فتشوا على سر هذه الأشياء لعلموا أن تسليم هذه الأمور تكليف العقل ليذعن وهذا أصل إذا فهم حصل السلامة والتسليم‏.‏
نسأل الله عز وجل أن يكشف لنا الغوامض التي حيرت من ضل إنه قريب مجيب‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

lady hla
05-01-2006, 11:32 AM
............ السلام عليكم ...........








........... باركَ الله بكَ ......!..... بس الخط فسفوس ........!.......


سلامي اليك
lady hla
القدس

مقاوم
05-01-2006, 02:35 PM
أختي حلا
أي خط فيهم؟

ابو المهاجر
05-01-2006, 10:34 PM
جزاك الله خيرا

مقاوم
05-02-2006, 07:05 AM
أهمية الزمن


ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة‏.‏
ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل‏.‏
ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل كما جاء في الحديث‏:‏ ‏"‏ نية المؤمن خير من عمله ‏"‏‏.‏
وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات‏.‏
قال ابن ثابت البناني‏:‏ ذهبت ألقن أبي فقال‏:‏ يا بني دعني فإني في وردي السادس‏.‏
ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي فقيل له كلاما‏.‏
فقال‏:‏ الآن تطوى صحيفتي‏.‏
فإذا علم الإنسان - وإن بالغ في الجد - بأن الموت يقطعه عن العمل عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته‏.‏
فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً وغرس غرساً وأجرى نهراً وسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده فيكون الأجر له‏.‏
أو أن يصنف كتاباً من العلم فإن تصنيف العالم ولده المخلد‏.‏
أوأن يكون عاملاً بالخير عالماً فيه فينقل من فعله ما يقتدي الغير به‏.‏

فذلك الذي لم يمت‏.‏
قد مات قوم وهم في الناس أحياء‏.‏

الإمام إبن الجوزي -صيد الخاطر

مقاوم
05-03-2006, 07:06 AM
شرف العالم غناه بعمله


رأيت من أعظم حيل الشيطان ومكره أن يحيط أرباب الأموال بالآمال والتشاغل باللذات فإذا علقهم بالمال - تحريضاً على جمعه وحثا على تحصيله - أمرهم بحراسته بخلا به‏.‏
فذلك من متين حيله وقوي مكره‏.‏
ثم دفن في هذا الأمر من دقائق الحيل الخفية أن خوّف من جمعه المؤمنين فنفر طالب الآخرة منه وبادر التائب يخرج ما في يده‏.‏
ولا يزال الشيطان يحرضه على الزهد ويأمره بالترك ويخوّفه من طرقات الكسب إظهاراً لنصحه وحفظ دينه‏.‏
وفي خفايا ذلك عجائب من مَكره‏.‏
وربما تكلم الشيطان على لسان بعض المشايخ الذين يقتدي بهم التائب فيقول له‏:‏ اخرج من مالك وادخل في زمرة الزهاد‏.‏
ومتى كال لك غداء أو عشاء فلست من أهل الزهد ولا تنال مراتب العزم‏.‏
وربما كرر عليه الأحاديث البعيدة عن الصحة والواردة على سبب ولمعنى‏.‏
فإذا أخرج ما في يده‏.‏
وتعطل عن مكاسبه عاد يعلق طموحه بصلة الإخوان‏.‏
أو يحسن عنده صحبة السلطان لأنه لا يقوى على طريق الزهد والترك إلا أياماً ثم يعود الطبع فيتقاضى مطلوباته فيقع في أقبح مما فر منه‏.‏
ويبذل أول السلع في التحصيل دينه وعرضه ويصير متمندلاً به ويقف في مقام اليد السفلى‏.‏
ولو أنه نظر في سير الرجال من نبلائهم وتأمل صحاح الأحاديث عن رؤسائهم لعلم أن الخليل عليه الصلاة والسلام كان كثير المال حتى ضاقت بلدته بمواشيه‏.‏
وكذلك لوط عليه الصلاة والسلام وكثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والجمع الغفير من الصحابة‏.‏
وإنما صبروا عند العدم ولم يمتنعوا من كسب ما يصلحهم ولا من تناول المباح عند الوجود‏.‏
وكان أبو بكر رضي الله عنه يخرج للتجارة والرسول صلى الله عليه وسلم حي‏.‏
وكان أكثرهم يخرج فاضل مما يأخذ من بيت المال ويسلم من ذل الحاجة إلى الإخوان‏.‏
وقد كان ابن عمر لا يرد شيئاً ولا يسأل‏.‏
وإني تأملت أكثر أهل الدين والعلم على هذه الحال فوجدت العلم شغلهم عن المكاسب في بداياتهم فلما احتاجوا إلى قوام نفوسهم ذلوا وهم أحق بالعز‏.‏
وقد كانوا قديماً يكفيهم بيت المال فضلات الإخوان فلما عدمت في هذا الأوان لم يقدر متدين على شيء إلا يبذل شيء من دينه‏.‏
وليته قدر فربما تلف الدين لم يحصل له شيء‏.‏
فالواجب على العاقل أن يحفظ ما معه وأن يجتهد في الكسب ليربح مداراة ظالم أو مداهنة فما الفقر إلا مرض العجزة وللصابر على الفقر ثواب الصابر على المرض‏.‏
اللهم إلا أن يكون جباناً عن التصرف مقتنعاً بالكفاف فليس ذلك من مراتب الأبطال بل هو من مقامات الجبناء الزهاد‏.‏
وأما الكاسب ليكون المعطي لا المعطى والمتصدق لا المتصدق عليه فهي من مراتب الشجعان الفضلاء‏.‏
ومن تأمل هذا علم شرف الغنى ومخاطرة الفقر‏.

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

مقاوم
05-04-2006, 05:40 AM
الندم على ما فات


تأملت أحوال الفضلاء فوجدتهم - في الأغلب - قد بخسوا من حظوظ الدنيا ورأيت الدنيا - غالباً - في أيدي أهل النقائص‏.‏
فنظرت في الفضلاء فإذا هم يتأسفون على ما فاتهم مما ناله أولو النقص وربما تقطع بعضهم أسفاً على ذلك‏.‏
فخاطبت بعض المتأسفين فقلت له‏:‏ ويحك تدبر أمرك فإنك غالط من وجوه‏.‏
أحدها‏:‏ أنه إن كانت لك همة في طلب الدنيا فاجتهد في طلبها تربح التأسف على فوتها
والثاني‏:‏ أن الدنيا إنما تراد لتعبر لا لتعمر وهذا هو الذي يدلك عليه علمك ويبلغه فهمك‏.‏
وما يناله أهل النقص من فضولها يؤذي أبدانهم وأديانهم‏.‏
فإذا عرفت ذلك ثم تأسفت على فقد ما فقده أصلح لك وكان تأسفك عقوبة لتأسفك على ما تعلم المصلحة في بعده فاقنع بذلك عذاباً عاجلاً إن سلمت من العذاب الآجل‏.‏
والثالث‏:‏ أنك قد علمت بخس حظ الآدمي في الجملة من مطاعم الدنيا ولذاتها بالإضافة إلى الحيوان البهيم‏.‏
لأنه ينال ذلك أكثر مقداراً مع أمن وأنت تناله مع خوف وقلة مقدار‏.‏
فإذا ضوعف حظك من ذلك كان ذلك لاحقاً بالحيوان البهيم من جهة أنه يشغله ذلك عن تحصيل الفضائل‏.‏

وتخفيف المؤن يحث صاحبه على نيل المراتب‏.‏
فإذا آثرت - مع قلة الفضول - الفضول عدت على ما علمت بالإرزاء فشنت علمك ودللت على اختلاط رأيك‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

lady hla
05-04-2006, 09:23 AM
............ السلام عليكم ...........








............. خط الموضوع كلو ما عدا عبارة ..... حقيقة زهد العلماء .......!........



سلامي اليك
lady hla
القدس

مقاوم
05-04-2006, 09:28 AM
............. خط الموضوع كلو ما عدا عبارة ..... حقيقة زهد العلماء .......!........

لا أعرف سببا لذلك مع أن حجم الخط هو 4

هل يحصل معك نفس الشيء في مواضيع "صيد الخاطر" الأخرى

lady hla
05-04-2006, 10:15 AM
............... السلام عليكم ............






........... خط رقم 4 .........!.........


........... خط رقم 5 .........!.........



........... خط رقم 6 .........!.........


........... خط رقم 7 .........!.........


....... اختر السادس أفضل ..........!..........


سلامي اليك
lady hla
القدس

مقاوم
05-05-2006, 05:47 AM
أسباب الخطأ


تأملت إقدام الناس على شهوات النفس المنهي عنها فرأيتها مرتبة تزاحم الكفر لولا تلوح
فمنهم‏:‏ جاهل بالمحظور أنه محظور فهذا نوع له عذر‏.‏
ومنهم‏:‏ من يظن المحظور مكروهاً لا محرماً فهذا قريب من الأول‏.‏ وربما دخل في هذا القسم آدم صلى الله عليه وسلم‏.‏
ومنهم‏:‏ من يتأول فيغلط كما يقال‏:‏ إن آدم عليه الصلاة والسلام نهي عن شجرة بعينها فأكل من جنسها لا من عينها‏.‏
ومنهم‏:‏ من يعلم التحريم غير أن غلبات الشهوة أنسته تذكر ذاك فشغله ما رأى عما يعلم‏.‏ ولهذا لا يذكر السارق القطع بل يغيب بكليته في نيل الحظ‏.‏
ولا يذكر راكب الفاحشة الفضيحة ولا الحد لأن ما يرى يذهله عما يعلم‏.‏
ومنهم‏:‏ من يعلم الخطر ويذكره‏.

‏ غير أن الحزم أولى بالعاقل كيف وقد علم أن هذا الملك الحكيم قطع اليد في ربع دينار وهدم بناء الجسم المحكم بالرجم بالحجارة لالتذاذ ساعة‏.‏
وخسف ومسخ وأغرق‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

من هناك
05-06-2006, 12:29 PM
جزاك الله خيراً على النقل. هذه اول مرة اسمع ان آدم عصى ربه لأنه ظن ان الأمر مكروه فقط وليس محرماً.

مقاوم
05-06-2006, 02:33 PM
ضرورة الجزاء


من تأمل أفعال البارىء سبحانه رآها على قانون العدل وشاهد الجزاء مرصداً ولو بعد حين‏.‏
فلا ينبغي أن يغتر مسامح فالجزاء قد يتأخر‏.‏
ومن أقبح الذنوب التي قد أعد لها الجزاء العظيم الإصرار على الذنب ثم يصانع صاحب باستغفار وصلاة وتعبد وعنده أن المصانعة تنفع‏.‏
وأعظم الخلق اغتراراً من أتى ما يكرهه الله‏.‏
وطلب منه ما يحبه هو كما روي في الحديث‏:‏ ‏"‏ والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ‏"‏‏.‏
ومما ينبغي للعاقل أن يترصد وقوع الجزاء فإن ابن سيرين قال‏:‏ عيرت رجلاً فقلت‏:‏ يا مفلس فأفلست بعد أربعين سنة‏.‏
وقال ابن الجلا‏:‏ رآني شيخ لي وأنا أنظر إلى أمرد فقال‏:‏ ما هذا لتجدن غبها فنسيت القرآن بعد أربعين سنة‏.‏
وبالضد من هذا كل من عمل خيراً أو صحح نية فلينتظر جزاءها الحسن وإن امتدت المدة‏.‏

قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ إِنَّه مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(11,90,90))‏‏.‏
وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ من غض بصره عن محاسن امرأة أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه فليعلم العاقل أن ميزان العدل لا يحابى‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

مقاوم
05-08-2006, 09:50 AM
حقائق الحياة بين العلم والجهل


تأملت أحوال الصوفية والزهاد فرأيت أكثرها منحرفاً عن الشريعة بين جهل بالشرع وابتداع بالرأي‏.‏
يستدلون بآيات لا يفهمون معناها وبأحاديث لها أسباب وجمهورها لا يثبت‏.‏
فمن ذلك أنهم سمعوا في القرآن العزيز‏:‏ ‏"‏ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(2,185,185))‏"‏ اعلَمْوا أنَّما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(56,20,20)) ثم سمعوا في الحديث‏:‏ ‏"‏ للدنيا أهون على الله من شاة ميتة على أهلها ‏"‏ فبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها‏.‏
وذلك أنه ما لم يعرف حقيقة الشيء فلا يجوز أن يمدح ولا أن يذم‏.‏
فإذا بحثنا عن الدنيا رأينا هذه الأرض البسيطة التي جعلت قراراً للخلق تخرج منها أقواتهم ويدفن فيها أمواتهم‏.‏
ومثل هذا لا يذم لموضع المصلحة فيه‏.‏
ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان كله لمصالح الآدمي وفيه حفظ لسبب بقائه‏.‏
وما كان سبباً لبقاء العارف العابد يمدح ولا يذم‏.‏
فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل أو العاصي في الدنيا‏.‏
فإنه إذا اقتنى المال المباح وأدى زكاته لم يلم‏.‏
فقد علم ما خلف الزبير وابن عوف وغيرهما وبلغت صدقة علي - رضي الله عنه - أربعين ألفاً‏.‏
وخلف ابن مسعود‏:‏ تسعين ألفاً وكان الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفاً وكان سفيان يتجر بمال وكان ابن مهدي يستغل كل سنة ألفي دينار‏.‏
وإن أكثر من النكاح والسراري كان ممدوحاً لا مذموماً فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم زوجات وسراري وجمهور الصحابة كانوا على الإكثار من ذلك‏.‏
وكان لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أربع حرائر وسبع عشرة أمة‏.‏
وتزوج ولده الحسن نحواً من أربعمائة‏.‏
فإن طلب التزوج للأولاد فهو الغاية في التعبد وإن أراد التلذذ فمباح يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى من إعفاف نفسه والمرأة إلى غير ذلك‏.‏
وقد أنفق موسى - عليه السلام - من عمره الشريف عشر سنين في مهر ابنة شعيب‏.‏
فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه وقد قال ابن عباس وكان يطأ جارية له وينزل في أخرى‏.‏
وقالت سرية الربيع بن خيثم‏:‏ كان الربيع يعزل‏.‏
وأما المطعم فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله عز وجل وحق على ذي الناقة أن يكرمها لتحمله‏.‏
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم‏ يأكل ما وجد فإن وجد اللحم أكله ويأكل لحم الدجاج وأحب الأشياء إليه الحلوى والعسل وما نقل عنه أنه امتنع من مباح‏.‏
وجيء علي رضي الله عنه بفالوذج فأكل منه وقال‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ يوم النوروز فقال‏:‏ نوروزنا كل يوم‏.‏
وإنما يكره الأكل فوق الشبع واللبس على وجه الاختيال والبطر‏.‏
وقد اقتنع أقوام بالدون من ذلك لأن الحلال الصافي لا يكاد يمكن فيه تحصيل المراد وإلا فقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ حلة اشتريت له بسبعة وعشرين بعيراً‏.‏
وكان لتميم الداري‏:‏ حلة اشتريت بألف درهم يصلي فيها بالليل‏.‏
فجاء أقوام فأظهروا التزهد وابتكروا طريقة زينها لهم الهوى ثم تطلبوا لها الدليل‏.‏
وإنما ينبغي للإنسان أن يتبع طريقاً ويتطلب دليلها‏.‏
يتناول في خلواته الشهوات وينعكف على اللذات‏.‏
ويري الناس بزيه أنه متصوف متزهد وما تزهد إلا القميص وإذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون‏.‏
ومنهم‏:‏ سليم الباطن إلا أنه في الشرع جاهل‏.‏
ومنهم‏:‏ من تصدر وصنف فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة وكانوا كعمي اتبعوا أعمى‏.‏
ولو أنهم تلمحوا للأمر الأول الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم لما ذلوا‏.‏
ولقد كان جماعة من المحققين لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة بل يوسعونه لوماً‏.‏
فنقل عن أحمد أنه قال له المروزي‏:‏ ما تقول في النكاح فقال‏:‏ سنة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
فقال‏:‏ فقد قال إبراهيم‏.‏
قال‏:‏ فصاح بي وقال‏:‏ جئتنا ببنيات الطريق وقيل له‏:‏ إن سريا السقطي قال‏:‏ لما خلق الله تعالى الحروف وقف الألف وسجدت الباء فقال‏:‏ نفروا الناس عنه‏.‏
واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على الباطل فقال له‏:‏ إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق ولعمري إنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله لتعظيمهم في نفسه‏.‏
كما ينقل عن أبي يزيد رضي الله عنه أنه قال‏:‏ تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة‏.‏
وهذا إذا صح عنه كان خطأ قبيحاً وزلة فاحشة لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن ولا يقوم مقامه شيء‏.‏
فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه‏.‏
وقد كان يستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها‏.‏
وكذلك ينقلون عن بعض الصوفية أنه قال‏:‏ سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض ولا أرفعها وكان علي مسح فكانت عيني إذا المتنبي أدلكها بالمسح فذهبت إحدى عيني‏.‏
وأمثال هذا كثير وربما حملها القصاص على الكرامات وعظموها عند العوام فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي وأحمد‏.‏
ولعمري إن هذا من أعظم الذنوب وأقبح العيوب لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏"‏ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(3,29,29)).‏
وقد طلب أبو بكر رضي الله عنه في طريق الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم ظلاً حتى رأى صخرة ففرش له في ظلها‏.‏
وقد نقل عن قدماء هذه الأمة بدايات هذا التفريط وكان سببه من وجهين‏.‏
أحدهما‏:‏ الجهل بالعلم والثاني‏:‏ قرب العهد بالرهبانية‏.‏
وقد كان الحسن يعيب فرقد السنجي ومالك بن دينار في زهدهما فرئي عنده طعام فيه لحم فقال‏:‏ لا رغيفي مالك ولا صحنا فرقد‏.‏
ورأى على فرقد كساء فقال‏:‏ يا فرقد إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية‏.‏
وكم قد زوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد ولا ماء وهو لا يعلم أن هذا من أقبح الأفعال وأن الله تعالى لا يجرب عليه‏.‏
فربما سمعه جاهل من التائبين فخرج فمات في الطريق فصار للقائل نصيب من إثمه‏.‏
وكم يروون عن ذي النون‏:‏ أنه لقي امرأة في السياحة فكلمها وكلمته وينسون الأحاديث الصحاح‏:‏ لا يحل لامرأة أن تسافر يوماً وليلة إلا بمحرم‏.‏
وكم ينقلون‏:‏ أن أقواماً مشوا على الماء قد قال إبراهيم الحربي‏:‏ لا يصح أن أحداً مشى على الماء قط‏.‏
فنقول‏:‏ لسنا من المنكرين لها بل نتبع ما صح والصالحون هم الذين يتبعون الشرع ولا يتعبدون بآرائهم‏.‏
وفي الحديث‏:‏ إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم‏.‏
وكم يحثون على الفقر حتى حملوا خلقاً على إخراج أموالهم ثم آل بهم الأمر إما إلى التسخط عند الحاجة وإما إلى التعرض بسؤال الناس‏.‏
وكم تأذى مسلم بأمرهم الناس بالتقلل‏!‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة في التقلل‏.‏
فحكى أبو طالب المكي في ‏"‏ قوت القلوب ‏"‏‏:‏ أن فيهم من كان يزن قوته بكربة رطبة ففي كل ليلة يذهب من رطوبتها قليل وكنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا فضاق المعي وأوجب ذلك مرض سنين‏.‏
أفترى هذا شيئاً تقتضيه الحكمة أو ندب إليه الشرع‏.‏
وإنما مطية الآدمي قواه فإذا سعى في تقليلها ضعف عن العبادة‏.‏
ولا تقولن‏:‏ الحصول على الحلال المحض مستحيل لذلك وجب الزهد تجنباً للشبهات فإن المؤمن حسبه أن يتحرى في كسبه هو الحلال ولا عليه من الأصول التي نبتت من هذه الأموال‏.‏
أفتريد حلالاً على معنى أن الحبة من الذهب لم تنتقل - مذ خرجت من المعدن على وجه لا يجوز‏.‏
فهذا شيء لم ينظر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
أوليس قد سمعت أن الصدقة عليه حرام فلما تصدق على بريرة بلحم فأهدته جاز له أكل تلك العين لتغير الوصف‏.‏
وقد قال أحمد بن حنبل‏:‏ أكره التقلل من الطعام فإن أقواماً فعلوه فعجزوا عن الفرائض‏.‏
وهذا صحيح فإن المتقلل لا يزال يتقلل إلى أن يعجز عن النوافل ثم الفرائض ثم يعجز عن مباشرة أهله وإعفافهم وعن بذل القوى في الكسب لهم وعن فعل خير قد كان يفعله‏.‏
ولا يهولنك ما تسمعه من الأحاديث التي تحث على الجوع فإن المراد بها إما الحث على الصوم وإما النهي عن مقاومة الشبع‏.‏
فأما تنقيص المطعم على الدوام فمؤثر في القوى فلا يجوز‏.‏
ثم في هؤلاء المذمومين من يرى هجر اللحم والنبي صلى الله عليه وسلم كان يود أن يأكله كل يوم‏.‏
واسمع مني بلا محاباة‏.‏
لا تحتجن علي بأسماء الرجال فتقول‏:‏ قال بشر وقال إبراهيم بن أدهم فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم - أقوى أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن‏.‏
ولقد ذاكرت بعض مشايخنا ما يروى عن جماعة من السادات أنهم دفنوا كتبهم فقلت له‏:‏ ما وجه هذا‏.‏
فقال‏:‏ أحسن ما نقول أن نسكت يشير إلى أن هذا جهل من فاعله‏.‏
وتأولت أنا لهم‏:‏ فقلت‏:‏ ما دفنوا من كتبهم فيه شيء من الرأي فما رأوا أن يعمل الناس به‏.‏
ولقد روينا في الحديث عن أحمد بن أبي الحواري‏:‏ أنه أخذ كتبه فرمى بها في البحر‏:‏ وقال نعم الدليل كنت‏!‏ ولا حاجة لنا إلى الدليل بعد الوصول إلى المدلول‏.‏
وهذا - إذا أحسنا به الظن - قلنا‏:‏ كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه‏.‏
فأما إذا كانت علوماً صحيحة كان هذا من أفحش الإضاعة وأنا وإن تأولت لهم هذا فهو تأويل صحيح في حق العلماء منهم لأنا قد روينا عن سفيان الثوري‏:‏ أنه قد أوصى بدفن كتبه وكان ندم على أشياء كتبها عن قوم وقال‏:‏ حملني شهوة الحديث - وهذا لأنه كان يكتب عن الضعفاء والمتروكين فكأنه لما عسر عليه التمييز أوصى بدفن الكل‏.‏
وكذلك من كان له رأي من كلامه ثم رجع عنه جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك فهذا وجه التأويل للعلماء‏.‏
فأما المتزهدون الذين رأوا صورة فعل العلماء ودفنوا كتباً صالحة لئلا تشغلهم عن التعبد فإنه جهل منهم‏.‏
لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم مع الإقدام على تضييع مال لا يحل تضييعه‏.‏
ومن جملة من عمل بواقعة دفن كتب العلم يوسف بن أسباط ثم لم يصبر عن التحديث فخلط فعد في الضعفاء‏.‏
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا محمد بن المظفر الشامي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي قال‏:‏ حدثنا يوسف بن أحمد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمرو العقيلي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عيسى قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن خالد الخلال‏.‏
قال‏:‏ سمعت شعيب بن حرب يقول‏:‏ قلت ليوسف بن أسباط‏:‏ كيف صنعت بكتبك قال‏:‏ جئت إلى الجزيرة فلما نضب الماء دفنتها حتى جاء الماء عليها فذهبت‏.‏
قلت‏:‏ ما حملك على ذلك قال‏:‏ أردت أن يكون الهم هماً واحداً‏.‏
قال العقيلي‏:‏ وحدثني آدم قال‏:‏ سمعت البخاري قال‏:‏ قال صدقة‏:‏ دفن يوسف بن أسباط قال المؤلف قلت‏:‏ الظاهر أن هذه كتب علم ينفع ولكن قلة العلم أوجبت هذا التفريط الذي قصده به الخير وهو شر‏.‏
فلو كانت كتبه من جنس كتب الثوري فإن فيها‏.‏
عن ضعفاء ولم يصح له التمييز قرب الحال‏.‏
إنما تعليله بجمع الهم هو الدليل على أنها ليست كذلك فانظر إلى قلة العلم ماذا تؤثر مع أهل الخير‏.‏
ولقد بلغنا في الحديث عن بعض من نعظمه ونزوره أنه كان على شاطىء دجلة فبال ثم تيمم فقيل له الماء قريب منك فقال‏:‏ خفت أن لا أبلغه‏!‏‏!‏‏.‏
وهذا وإن كان يدل على قصر الأمل إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث تلاعبوا به من جهة أن التيمم إنما يصح عند عدم الماء‏.‏
فإذا كان الماء موجوداً كان تحريك اليدين بالتيمم عبثاً‏.‏
وليس من الضروري وجود الماء أن يكون إلى جانب المحدث بل لو كان على أذرع كثيرة كان موجوداً فلا فعل للتيمم ولا أثر حينئذ‏.‏
ومن تأمل هذه الأشياء علم أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتباعه وخفت إذا مات أشياعه - أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبركاً ويشيع جنائزهم ما لا يحصى‏.‏
نعوذ بالله من الجهل وتعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل‏!‏‏.‏
فإن من ورد المشرب الأول رأى سائر المشارب كدرة‏.‏
والمحنة العظمى مدائح العوام فكم غرت‏.‏
كما قال علي رضي الله عنه‏:‏ ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً‏.‏
ولقد رأينا وسمعنا من العوام أنهم يمدحون الشخص فيقولون‏:‏ لا ينام الليل ولا يفطر النهار ولا يعرف زوجة ولا يذوق من شهوات الدنيا شيئاً قد نحل جسمه ودق عظمه حتى إنه يصلي قاعداً فهو خير من العلماء الذي يأكلون ويتمتعون‏.‏
ذلك مبلغهم من العلم ولو فقهوا علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يفتي عن الله ويخبر بشريعته كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيراً وأفضل من عبادة ذلك العابد باقي عمره‏.‏
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد‏.‏
ومن سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه‏.‏
وإنما أمدح العالمين بالعلم وهم أعلم بمصالح أنفسهم‏.‏
فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش كأحمد بن حنبل‏.‏
وكان فيهم من يستعمل رقيق العيش كسفيان الثوري مع ورعه ومالك مع تدينه والشافعي مع قوة فقهه‏.‏
ولا ينبغي أن يطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره فيضعف هو عنه‏.‏
فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه‏.‏
وقد قالت رابعة‏:‏ إن كان صلاح قلبك في الفالوذج فكله‏.‏
ولا تكونن أيها السامع ممن يرى صور الزهد‏.‏
فرب متنعم لا يريد التنعم وإنما يقصد المصلحة‏.‏

وليس كل بدن يقوى على الخشونة خصوصاً من قد لاقى الكد وأجهده الفكر أو أمضه الفقر فإنه إن لم يرفق بنفسه ترك واجباً عليه من الرفق بها‏.‏
فهذه جملة لو شرحتها بذكر الأخبار والمنقولات لطالت غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري والله ولي النفع برحمته‏.‏

الإمام ابن الجوزي - صيد الخاطر

مقاوم
05-09-2006, 05:54 AM
حياة البرزخ


قد أشكل على الناس أمر النفس وماهيتها مع إجماعهم على وجودها ولا يضر الجهل بذاتها ثم أشكل عليهم مصيرها بعد الموت ومذهب أهل الحق أن لها وجوداً بعد موتها وأنها تنعم وتعذب‏.‏
قال أحمد بن حنبل أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار‏.‏
وقد جاء في أحاديث الشهداء‏:‏ أنها في حواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة‏.‏
وقد أخذ بعض الجهلة بظواهر أحاديث النعيم فقال‏:‏ إن الموتى يأكلون في القبور وينكحون‏.‏
والصواب من ذلك أن النفس تخرج بعد الموت إلى نعيم أو عذاب وأنها تجد ذلك إلى يوم القيامة‏.‏
فإذا كانت القيامة أعيدت إلى الجسد ليتكامل لها التنعم بالوسائط وقوله - في حواصل طير خضر - دليل على أن النفوس لا تنال لذة إلا بواسطة‏.‏
إلا أن تلك اللذة لذة مطعم أو مشرب فأما لذات المعارف والعلوم فيجوز أن تنالها بذاتها مع عدم الوسائط‏.‏
والمقصود من هذا المذكور أني رأيت بعض الانزعاج من الموت وملاحظة النفس بعين العدم عنده فقلت لها‏:‏ إن كنت مصدقة للشريعة فقد أخبرت بما تعرفين ولا وجه للإنكار‏.‏
وإن كانت هناك ريب في أخبار الشريعة صار الكلام في بيان صحة الشريعة‏.‏
فقالت‏:‏ لا ريب عندي قلت‏:‏ فاجتهدي في تصحيح الإيمان وتحقيق التقوى وأبشري حينئذ بالراحة من ساعة الموت‏.‏

فإني لا أخاف عليك إلا من التقصير في العمل‏.‏
واعلمي أن تفاوت النعيم بمقدار درجات الفضائل فارتفعي بأجنحة الجد إلى أعلى أبراجها واحذري من قانص هوى أو شرك غرة والله الموفق‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

من هناك
05-09-2006, 10:00 PM
جزاك الله خيراً
حبذا لو تفتح موضوعاً واحداً يكون فهرساً لكل هذه المواضيع او تجمع كلها في موضوع واحد متتابع

أبو رمضان
05-10-2006, 01:22 PM
نحن في زمن أحوج فيه لتلبيس إبليس من صيد الخاطر.

مقاوم
05-10-2006, 03:14 PM
هداك الله وهل هناك آدمي "يحتاج" لتلبيس ابليس ;)

أم أنك تقصد كتاب الإمام ابن الجوزي الآخر؟ :)

في كل خير إن شاء الله نفعنا الله وإياك بهما

مقاوم
05-11-2006, 11:27 AM
حيرة عالم


قلت يوماً في مجلسي‏:‏ لو أن الجبال حملت ما حملت لعجزت‏.‏
فلما عدت إلى منزلي قالت لي النفس‏:‏ كيف قلت هذا وربما أوهم الناس أن بك بلاء وأنت في عافية في نفسك وأهلك‏!‏‏!‏‏.‏
وهل الذي حمل إلا التكليف الذي يحمله الخلق كلهم فما وجه هذه الشكوى‏.‏
فأجبتها‏:‏ إني لما عجزت عما حملت قلت هذه الكلمة لا على سبيل الشكوى‏.‏
ولكن للاسترواح‏.‏
وقد قال كثير من الصحابة والتابعين قبلي‏:‏ ليتنا لم نخلق‏!‏‏.‏
ثم من ظن أن التكاليف سهلة فما عرفها‏.‏
أترى يظن الظان أن التكاليف غسل الأعضاء برطل من الماء أو الوقوف في محراب لأداء ركعتين هيهات‏!‏ هذا أسهل التكليف‏.‏
وإن التكليف هو الذي عجزت عنه الجبال ومن جملته‏:‏ أنني إذا رأيت القدر يجري بما لا يفهمه العقل ألزمت العقل الإذعان للمقدر فكان من أصعب التكليف‏.‏
وخصوصاً فيما لا يعلم العقل معناه كإيلام الأطفال وذبح الحيوان مع الاعتقاد بأن المقدر لذلك والآمر به أرحم الراحمين‏.‏
فهذا مما يتحير العقل فيه فيكون تكليفه التسليم وترك الاعتراض‏.‏
فكم بين تكليف البدن وتكليف العقل‏.‏
ولو شرحت هذا لطال غير أني أعتذر عما قلته فأقول عن نفسي وما يلزمني حال غيري‏.‏
إني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به ثم لم يحبب إلي فن واحد منه بل فنونه كلها‏.‏
ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه بل أروم استقصاءه‏.‏
والزمان لا يسع والعمر أضيق والشوق يقوى والعجز يظهر فيبقى وقوف بعض المطلوبات ثم إن العلم دلني على معرفة المعبود وحثني على خدمته‏.‏
ثم صاحت بي الأدلة عليه إليه فوقفت بين يديه فرأيته في نعته وعرفته بصفاته‏.‏
وعاينت بصيرتي من ألطافه ما دعاني إلى الهيمان في محبته وحركني إلى التخلي لخدمته‏.‏
وصار يملكني أمر كالوجد كلما ذكرته فعادت خلوتي في خدمتي له أحلى عندي من كل حلاوة‏.‏
فكلما ملت إلى الانقطاع عن الشواغل إلى الخلوة صاح بي العلم أين تمضي‏.‏
أتعرض عني وأنا سبب معرفتك به‏.‏
فأقول له‏:‏ إنما كنت دليلاً وبعد الوصول يستغنى عن الدليل‏.‏
قال‏:‏ هيهات‏!‏ كلما زدت زادت معرفتك بمحبوبك وفهمت كيف القرب منه‏.‏
ودليل هذا أنك تعلم غداً أنك اليوم في نقصان‏.‏
أو ما تسمعه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(19,114,114)).‏
ثم ألست تبغي القرب منه فاشتغل بدلالة عباده عليه فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام‏.‏
أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم‏.‏
أما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه‏:‏ لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم‏.‏
فلما فهمت صدق هذه المقالة تهوست على تلك الحالة وكلما تشاغلت بجمع الناس تفرق همي‏.‏
وإذا وجدت مرادي من نفعهم ضعفت أنا فأبقى في حيز التحير متردداً لا أدري على أي القدمين أعتمد‏.‏
فإذا وقفت متحيراً صاح العلم‏:‏ قم لكسب العيال وادأب في تحصيل ولد بذكر الله فإذا شرعت في ذلك قلص ضرع الدنيا وقت الحلب ورأيت باب المعاش مسدوداً في وجهي‏.‏
لأن صناعة العلم شغلتني عن تعلم صناعة‏.‏
فإذا التفت إلى أبناء الدنيا رأيتهم لا يبيعون شيئاً من سلعها إلا بدين المشتري‏.‏
وليت من نافقهم أو راءاهم نال من ديناهم بل ربما ذهب دينه ولم يحصل مراده‏.‏
فإن قال الضجر‏:‏ اهرب‏.‏
قال الشرع‏:‏ كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت‏.‏
وإن قال العزم‏:‏ انفرد قال‏:‏ فكيف بمن تعول‏.‏
فغاية الأمر أنني أشرع في التقلل من الدنيا وقد ربيت في نعيمها وغذيت بلبانها ولطف فإذا غيرت لباسي وخشنت مطعمي لأن القوت لا يحتمل الانبساط نفر الطبع لفراق العادة فحل المرض فقطع عن واجبات وأوقع في آنات‏.‏
ومعلوم أن لين اللقمة بعد التحصيل من الوجوه المستطابة ثم تخشينها لمن لم يألف سعي في تلف النفس‏.‏
فأقول‏:‏ كيف أصنع وما الذي أفعل‏.‏
وأخلو بنفسي في خلواتي وأتزيد من البكاء على نقص حالاتي‏.‏
وأقول‏:‏ أصف حال العلماء وجسمي يضعف عن إعادة العلم‏.‏
وحال الزهاد وبدني لا يقوى على الزهد‏.‏
وحال المحبين ومخالطة الخلق تشتت همي وتنقش صور المحبوبات من الهوى في نفسي فتصدأ مرآة قلبي‏.‏
وشجرة المحبة تحتاج إلى تربية في تربة طيبة لتسقى ماء الخلوة من دولاب الفكرة‏.‏
وإن آثرت التكسب لم أطق‏.‏
وإن تعرضت لأبناء الدنيا - مع أن طبعي الأنفة من الذل وتديني يمنعني - فلا يبقى للميل مع هذين الجاذبين أثر‏.‏
ومخالطة الخلق تؤذي النفس مع الأنفاس‏!‏‏!‏‏!‏‏.‏
ولا تحقيق التوبة أقدر عليه ولا نيل مرتبة من علم أو عمل أو محبة يصح لي‏.‏
فإذاً رأيتني كما قال القائل‏:‏ ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء تحيرت في أمري وبكيت على عمري وأنادي في فلوات خلواتي بما سمعته من بعض العوام وكأنه وصف حالي‏:‏ واحسرتي كم أداري فيك تعثيري مثل الأسير بلا حبل ولا سيري ما حيلتي في الهوى قد ضاع تدبيري لما شكلت جناحي قلت لي طيري فصل طريق الفلاح تأملت أمر الدنيا والآخرة فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية وحوادث الآخرة إيمانية يقينية‏.‏
والحسيات أقوى جذباً لمن لم يقو علمه ويقينه‏.‏
والحوادث إنما تبقى بكثرة أسبابها فمخالطة الناس ورؤية المستحسنات والتعرض بالملذوذات يقوي حوادث الحس‏.‏
والعزلة والفكر والنظر في العلم يقوي حوادث الآخرة‏.‏
ويبين هذا بأن الإنسان إذا خرج يمشي في الأسواق ويبصر زينة الدنيا ثم دخل إلى المقابر فتفكر ورق قلبه فإنه يحس بين الحالتين فرقاً بيناً‏.‏
وسبب ذلك التعرض بأسباب الحوادث‏.‏
فعليك بالعزلة والذكر والنظر في العلم فإن العزلة حمية والفكر والعلم أدوية‏.‏
والدواء مع التخليط لا ينفع‏.‏
وقد تمكنت منك أخلاط المخالطة للخلق والتخليط في الأفعال فليس لك دواء إلا ما وصفت لك‏.‏
فأما إذا خالطت الخلق وتعرضت للشهوات ثم رمت صلاح القلب رمت الممتنع‏.‏
فصل أسباب الحرص تأملت حرص النفس على ما منعت منه فرأيت حرصها يزيد على قدر قوة المنع‏.‏
ورأيت في الشرب الأول أن آدم عليه السلام لما نهي عن الشجرة حرص عليها مع كثرة الأشجار المغنية عنها‏.‏
وفي الأمثال‏:‏ المرء حريص على ما منع وتواق إلى ما لم ينل‏.‏
وقالوا‏:‏ ما نهينا عنه إلا لشيء‏.‏
وقد قيل‏:‏ أحب شيء إلى الإنسان ما منعا فلما بحثت عن سبب ذلك وجدت سببين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن النفس لا تصبر على الحصر فإنه يكفي حصرها في صورة البدن فإذا حصرت في المعنى بمنع زاد طيشها‏.‏
ولهذا لو قعد الإنسان في بيته شهراً لم يصعب عليه‏.‏
ولو قيل له‏:‏ لا تخرج من بيتك يوماً طال عليه‏.‏

والثاني‏:‏ أنها يشق عليها الدخول تحت حكم ولهذا تستلذ الحرام ولا تكاد تستطيب المباح‏.‏
ولذلك يسهل عليها التعبد على ما ترى وتؤثره لا على ما يؤثر‏.‏

الإمام إبن الجوزي - صيد الخاطر

من هناك
05-11-2006, 03:41 PM
لقد احتجت لإعادة القراءة مرتين حتى استوعبت كل ما قاله

بارك الله بك اخي المقاوم

مقاوم
05-12-2006, 01:03 PM
جميع كتابات الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر تحتاج إلى تأمل وتفكر.
نصيحتي للإخوة القراء أن التوقف بعد كل سطر والتأمل فيه لتتكشف لهم
معان غابت عنهم في القراءة الأولى.
وقد أغفلت التشكيل عمدا لكي يعاود القارئ قراءة السطر مرات حتى يتبين له المقصود والله أعلم

نفعني الله وإياكم بهذه اللفتات المباركة

مقاوم
05-12-2006, 01:19 PM
حقيقة العمل ودوافعه


ما زالت نفسي تنازعني بما يوجبه مجلس الوعظ وتوبة التائبين ورؤية الزاهدين‏.‏
إلى الزهد والانقطاع عن الخلق والانفراد بالآخرة‏.‏
فتأملت ذلك فوجدت عمومه من الشيطان فإن الشيطان يرى أنه لا يخلو لي مجلس من خلق لا يحصون يبكون ويندبون على ذنوبهم ويقوم في الغالب جماعة يتوبون ويقطعون شعور الصبا‏.‏
وربما اتفق خمسون ومائة‏.‏
ولقد تاب عندي في بعض الأيام أكثر من مائة‏.‏
وعمومهم صبيان قد نشأوا على اللعب والانهماك في المعاصي‏.‏
فكأن الشيطان لبعد غوره في الشر رآني أجتذب إلي من أجتذب منه فأراد أن يشغلني عن ذلك بما يزخرفه ليخلو هو بمن أجتذبهم من يده‏.‏
ولقد حسن إلي الانقطاع عن المجالس وقال‏:‏ لا يخلو من تصنع للخلق‏.‏
فقلت‏:‏ أما زخرفة الألفاظ وتزويقها وإخراج المعنى من مستحسن العبارة ففضيلة لا رذيلة‏.‏
وأما أن أقصد الناس بما لا يجوز في الشرع فمعاذ الله‏.‏
ثم رأيته يرغبني في التزهد وقطع أسباب ظاهرها الإباحة - من الاكتساب‏.‏
فقلت له‏:‏ فإن طاب لي الزهد وتمكنت من العزلة فنفذ ما بيدي أو احتاج بعض عائلتي ألست أعود القهقرى‏.‏
فدعني أجمع ما يسد خلتي ويصونني عن مسألة الناس فإن مد عمري كان نعم السبب وإلا كان للعائلة‏.‏
ولا أكون كراكب أراق ماءه لرؤية سراب فلما ندم وقت الفوات لم ينتفع وإنما الصواب توطئة المضجع قبل النوم وجمع المال الساد للحاجة أخذاً بالحزم‏.‏
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ لأن تترك ورثتك أغنياء خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس وقال‏:‏ نعم المال الصاح للرجل الصالح‏.‏
وأما الانقطاع فينبغي أن تكون العزلة عن الشر لا عن الخير والعزلة عن الشر واجبة على كل حال‏.‏
وأما تعليم الطالبين وهداية المريدين فإنه عبادة العالم‏.‏
وإن من تفضيل بعض العلماء إيثاره التنفل بالصلاة والصوم عن تصنيف كتاب أو تعليم علم ينفع لأن ذلك بذر يكثر ريعه ويمتد زمان نفعه‏.‏
وإنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين‏.‏
أحدهما‏:‏ حب البطالة لأن الانقطاع عندها أسهل‏.‏
والثاني‏:‏ حب المدحة فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر‏.‏
فعليك بالنظر في الشرب الأول فكن مع الشرب المقدم‏.‏
وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم‏.‏
فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة من الانقطاع عن العلم والانفراد عن الخلق‏.‏

إلا أن ينقطع من ليس بعالم بقصد الكف عن الشر فذاك في مرتبة المحتمي يخاف شر التخليط
فأما الطيب العالم بما يتناول فإنه ينتفع بما يناله‏.‏

من هناك
05-12-2006, 08:07 PM
بارك الله بك اخي مقاوم وكثر الله من ورثة هذا الرجل



وربما اتفق خمسون ومائة‏.‏
ولقد تاب عندي في بعض الأيام أكثر من مائة‏.‏
وعمومهم صبيان قد نشأوا على اللعب والانهماك في المعاصي‏.‏
فكأن الشيطان لبعد غوره في الشر رآني أجتذب إلي من أجتذب منه فأراد أن يشغلني عن ذلك بما يزخرفه ليخلو هو بمن أجتذبهم من يده‏.‏
ولقد حسن إلي الانقطاع عن المجالس وقال‏:‏ لا يخلو من تصنع للخلق‏.‏

مقاوم
05-13-2006, 05:04 AM
وفيكم بارك الله أخي بلال
رب اغفر لي ولأخي بلال
رب زدنا علما

مقاوم
05-13-2006, 05:09 AM
بين العلم والعمل


تأملت المراد من الخلق فإذا هو الذل واعتقاد التقصير والعجز‏.‏
ومثلت العلماء والزهاد العاملين صنفين فأقمت في صف العلماء مالكاً وسفيان وأبا حنيفة والشافعي وأحمد وفي صف العباد مالك بن دينار ورابعة ومعروف الكرخي وبشر بن الحارث‏.‏
فكلما جد العباد في العبادة وصاح بهم لسان الحال‏:- عباداتكم لا يتعداكم نفعها
وإنما يتعدى النفع العلماء وهم ورثة الأنبياء وخلفاء الله في الأرض هم الذين عليهم المعول ولهم الفضل إذا أطرقوا وانكسروا وعلموا صدق تلك الحال.
وجاء مالك بن دينار إلى الحسن يتعلم منه ويقول‏:‏ الحسن أستاذنا‏.‏
وإذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلاً صاح لسان الحال بالعلماء‏:‏ وهل المراد من العلم إلا العمل وقال أحمد بن حنبل‏:‏ وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف وصح عن سفيان الثوري قال‏:‏ وددت أن يدي قطعت ولم أكتب الحديث‏.‏
وقالت أم الدرداء لرجل‏:‏ هل عملت بما علمت قال‏:‏ لا‏.‏
قالت‏:‏ فلم تستكثر من حجة الله عليك‏.‏
وقال أبو الدرداء‏:‏ ويل لمن يعلم ولم يعمل مرة وويل لمن علم ولم يعمل سبعين مرة‏.‏
وقال الفضيل‏:‏ يغفر للجاهل سبعون ذنباً‏ قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد‏.‏
فما يبلغ من الكل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِيْنَ يَعْلَمُون والَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(38,9,9))‏‏.‏

وجاء سفيان إلى رابعة‏:‏ فجلس بين يديها ينتفع بكلامها فدل العلماء العلم على أن المقصود منه العمل به وأنه آلة فانكسروا واعترفوا بالتقصير‏.‏
فحصل الكل على الاعتراف والذل فاستخرجت المعرفة منهم حقيقة العبودية باعترافهم فذلك هو المقصود من التكليف‏.

مقاوم
05-15-2006, 06:28 AM
التفكر في الله ومحبته


تأملت قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يُحِبُّهُم وَيُحبُّونهُ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(4,54,54)).‏
فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقاً وبيان هذا‏:‏ أن محبة الحس لا تتعدى الصور الذاتية ومحبة العلم والعمل ترى الصور المعنوية فتحبها‏.‏
فإنا نرى خلقاً يحبون أبا بكر رضي الله عنه وخلقاً يحبون علياً بن أبي طالب رضي الله عنه وقوماً يتعصبون لأحمد بن حنبل وقوماً للأشعري فيقتتلون ويبذلون النفوس في ذلك‏.‏
وليسوا ممن رأى صور القوم ولا صور القوم توجب المحبة‏.‏
ولكن لما تصورت لهم المعاني فدلتهم على كمال القوم في العلوم وقع الحب لتلك الصور التي شوهدت بأعين البصائر‏.‏
فكيف بمن صنع تلك الصور المعنوية وبذلها وكيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي وعرفني ملذوذات علمي فإن التذاذي بالعلم وإدراك العلوم أولى من جميع اللذات الحسية فهو الذي علمني وخلق لي إدراكاً وهداني إلى ما أدركته‏.‏
ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد أراه فيه بإتقان ذلك الصنع وحسن ذلك المصنوع‏.‏
فكل محبوباتي منه وعنه وبه الحسية والمعنوية وتسهيل سبل الإدراك به والمدركات منه وكيف لا أحب من أنا به وبقائي منه وتدبيري بيده ورجوعي إليه وكل مستحسن محبوب هو صنعه وحسنه وزينه وعطف النفوس إليه‏.‏
فكذلك الكامل القدرة أحسن من المقدور والعجيب الصنعة أكمل من المصنوع ومعنى الإدراك أحلى عرفاناً من المدرك‏.‏
ولو أننا رأينا نقشاً عجيباً لاستغرقنا تعظيم النقاش وتهويل شأنه وظريف حكمته عن حب المنقوش‏.‏
وهذا مما تترقى إليه الأفكار الصافية إذا خرق نظرها الحسيات ونفذ إلى ما وراءها فحينئذ تقع محبة الخالق ضرورة‏.‏
وعلى قدر رؤية الصانع في المصنوع يقع الحب له‏.‏
فإن قوي أوجب قلقاً وشوقاً‏.‏

وإن مال بالعارف إلى مقام الهيبة أوجب خوفاً‏.‏
وإن انحرف به إلى تلمح الكرم أوجب رجاء قوياً ‏"‏ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(1,60,60)).‏

مقاوم
05-16-2006, 02:07 PM
التسليم للحكمة العليا


تأملت حالاً عجيبة وهي أن الله سبحانه وتعالى قد بنى هذه الأجسام متقنة على قانون فدل بذلك المصنوع على كمال قدرته ولطيف حكمته‏.‏
ثم عاد فنقضها فتحيرت العقول بعد إذعانها له بالحكمة في سر ذلك الفعل‏.‏
فأعلمت أنها ستعاد للمعاد وأن هذه البنية لم تخلق إلا لتجوز في مجاز المعرفة وتتجر في موسم المعاملة فسكنت العقول لذلك‏.‏
ثم رأت أشياء من هذا الجنس أظرف منه مثل اخترام شاب ما بلغ بعض المقصود بنيانه‏.‏
وأعجب من ذلك أخذ طفل من أكف أبويه يتململان‏.‏
ولا يظهر سر سلبه والله الغني عن أخذه وهما أشد الخلق فقراً إلى بقائه‏.‏
وأظرف منه إبقاء هرم لا يدري معنى البقاء وليس له فيه إلا مجرد أذى‏.‏
ومن هذا الجنس تقتير الرزق على المؤمن الحكيم وتوسعته على الكافر الأحمق‏.‏
وفي نظائر لهذه المذكورات يتحير العقل في تعليلها فيبقى مبهوتاً‏.‏
فلم أزل أتلمح جملة التكاليف فإذا عجزت قوي العقل عن الاطلاع على حكمة ذلك وقد ثبت لها حكمة الفاعل علمت قصورها عن درك جميع المطلوب فأذعنت مقرة بالعجز‏.‏
وبذلك تؤدي مفروض تكليفها‏.‏
فلو قيل للعقل‏:‏ قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بني أفيجوز أن ينقدح في حكمته أنه نقض لقال‏.‏
لأني عرفت بالبرهان أنه حكيم وأنا أعجز عن إدراك علله فأسلم على رغمي مقراً بعجزي‏.‏

من هناك
05-16-2006, 09:39 PM
سبحان الله ما اعظمه وما احكمه

مقاوم
05-17-2006, 02:53 PM
صدقت والله يا بلال

مقاوم
05-17-2006, 03:03 PM
حلاوة الطاعة وشؤم المعصية


كل شيء خلقه الله تعالى في الدنيا فهو أنموذج في الآخرة وكل شيء يجري فيها أنموذج ما يجري في الآخرة‏.‏
فأما المخلوق منها فقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء‏.‏
وهذا لأن الله تعالى شوق بنعيم وخوف بعذاب من عذاب‏.‏
فأما ما يجري في الدنيا فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل وكذلك كل مذنب ذنباً وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(3,123,123))‏‏.‏
وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أن لا عقوبة وغفلته عما عوقب به عقوبة‏.‏
وربما كان العقاب العاجل معنوياً كما قال بعض أحبار بني إسرائيل‏:‏ يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني فقيل له‏:‏ كم أعاقبك وأنت لا تدري أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي‏.‏
فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد حتى قال وهب بن الورد وقد سئل‏:‏ أيجد لذة الطاعة من يعصي فقال‏:‏ ولا من هم‏.‏
فرب شخص أطلق بصره فحرم اعتبار بصيرته أو لسانه فحرمه الله صفاء قلبه أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم سره وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة إلى غير ذلك‏.‏
وهذا أمر يعرفه أهل محاسبة النفس وعلى ضده يجد من يتقي الله تعالى من حسن الجزاء على التقوى عاجلاً كما في حديث أبي أمامة‏:‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى‏:‏ النظرة إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان من تركه ابتغاء مرضاتي آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه‏.‏
فهذه نبذة من هذا الجنس تنبه على مغفلها‏.‏
فأما المقابلة الصريحة في الظاهر فقل أن تحتبس ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الصبحة تمنع الرزق وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه‏.‏
وقد روى المفسرون‏:‏ أن كل شخص من الأسباط جاء باثني عشر ولداً وجاء يوسف بأحد عشر بالهمة ومثل هذا إذا تأمله ذو بصيرة رأى الجزاء وفهم كما قال الفضيل‏:‏ إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي‏.‏
وعن عثمان النيسابوري‏:‏ أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلى الجمعة فتعوق لإصلاحه ساعة ثم قال‏:‏ ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة‏.‏
ومن عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف‏:‏ ‏"‏ وَشَرَوْهُ بِثَمَنِ بَخْسٍ ‏"‏ امتدت أكفهم بين يديه بالطلب يقولون‏:‏ ‏"‏ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(11,88,88))‏‏.‏
ولما صبر هو يوم الهمة ملك المرأة حلالاً ولما بغت عليه بدعواها‏:‏ ‏"‏ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(11,25,25)) نطقها الحق بقولها‏:‏ ‏"‏ أَنَا رَاوَدْتُهُ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(11,51,51)).‏
ولو أن شخصاً ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك وكذلك إذا فعل طاعة‏.‏
وفي الحديث‏:‏ إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة أي عاملوه لزيادة الأرباح العاجلة‏.‏

ولقد رأينا من سامح نفسه بما يمنع منه الشرع طلباٍ للراحة العاجلة فانقلبت أحواله إلى التنغص العاجل وعكست عليه المقاصد‏.‏
حكى بعض المشايخ‏:‏ أنه اشترى في زمن شبابه جارية قال‏:‏ فلما ملكتها تاقت نفسي إليها فما زلت أسأل الفقهاء لعل مخلوقاً يرخص لي فكلهم قال‏:‏ لا يجوز النظر إليها بشهوة ولا لمسها ولا جماعها إلا بعد حيضها قال‏:‏ فسألتها فأخبرتني أنها اشتريت وهي حائض فقلت‏:‏ قرب الأمر فسألت الفقهاء فقالوا‏:‏ لا يعتد بهذه الحيضة حتى تحيض في ملكه قال‏:‏ فقلت لنفسي وهي شديدة التوقان لقوة الشهوة وتمكن القدرة وقرب المصاقبة‏:‏ ما تقولين فقالت الإيمان بالصبر على الجمر شئت أو أبيت فصبرت إلى أن حان ذلك فأثابني الله تعالى على ذلك الصبر بنيل ما هو أعلى منها أرفع‏.‏

lady hla
05-18-2006, 11:50 AM
............ السلام عليكم ..........





...... الخط صاير منيح ...... واضح ....!........


سلامي اليك
lady hla
القدس

مقاوم
05-23-2006, 02:09 PM
بين السر والعلانية


نظرت في الأدلة على الحق سبحانه وتعالى فوجدتها أكثر من الرمل ورأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عز وجل فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس‏.‏
وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار ولا يضاع لديه عمل‏.‏
وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه ويتحدث الناس بها وبأكثر منها وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه وتذمه أو تمدحه وفق ما يتحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم ويدفع عنه كل شر‏.‏
وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر الحق إلا انعكس مقصوده وعاد حامده ذاماً‏.‏

مقاوم
05-24-2006, 08:06 AM
السابقون الأولون


تأملت الأرض ومن عليها بعين فكري فرأيت خرابها أكثر من عمرانها‏.‏
ثم نظرت في المعمور منها فوجدت الكفار مستولين على أكثره ووجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً بالإضافة إلى الكفار‏.‏
ثم تأملت المسلمين فرأيت الأكساب قد شغلت جمهورهم عن الرازق وأعرضت بهم عن العلم الدال عليه‏.‏
فالسلطان مشغول بالأمر والنهي واللذات العارضة له ومياه أغراضه جارية لا شكر لها‏.‏
ولا يتلقاه أحد بموعظة بل بالمدحة التي تقوي عنده هوى النفس‏.‏
وإنما ينبغي أن تقاوم الأمراض بأضدادها‏.‏
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا‏.‏
فأحوج الخلق إلى النصائح والمواعظ السلطان‏.‏
وأما جنوده فجمهورهم في سكر الهوى وزينة الدنيا وقد انضاف إلى ذلك الجهل وعدم العلم فلا يؤلمهم ذنب ولا ينزعجون من لبس حرير أو شرب خمر حتى ربما قال بعضهم‏:‏ إيش يعمل الجندي‏.‏
أيلبس القطن‏.‏
ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها فالظلم معهم كالطبع‏.‏
وأرباب البوادي قد غمرهم الجهل وكذلك أهل القرى‏.‏
ما أكثر تقلبهم في الأنجاس وتهوينهم لأمر الصلوات وربما صلت المرأة منهن قاعدة‏.‏
ثم نظرت في التجار فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص حتى لا يرون سوى وجوه الكسب كيف كانت وصار الربا في معاملتهم فاشياً فلا يبالي أحدهم من أين تحصل له الدنيا‏.‏
وهم في باب الزكاة مفرطون ولا يستوحشون من تركها إلا من عصم الله‏.‏
ثم نظرت في أرباب المعاش فوجدت الغش في معاملاتهم عاماً والتطفيف والبخس وهم مع هذا مغمورون بالجهل‏.‏
ورأيت عامة من له ولد يشغله ببعض هذه الأشغال طلباً للكسب قبل أن يعرف ما يجب عليه ثم نظرت في أحوال النساء فرأيتهن قليلات الدين عظيمات الجهل ما عندهم من الآخرة خبر إلا من عصم الله‏.‏
فقلت‏:‏ واعجباً فمن بقي لخدمة الله عز وجل ومعرفته‏.‏
فنظرت فإذا العلماء والمتعلمون والعباد والمتزهدون‏.‏
فتأملت العباد والمتزهدين فرأيت جمهورهم يتعبد بخير علم ويأنس إلى تعظيمه وتقبيل يده وكثرة أتباعه حتى إن أحدهم لو اضطر إلى أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل لئلا ينكسر جاهه‏.‏
ثم تترقى بهم رتبة الناموس إلى أن لا يعودوا مريضاً ولا يشهدوا جنازة إلا أن يكون عظيم القدر عندهم‏.‏
ولا يتزاورون بل ربما ضن بعضهم على بعض بلقاء فقد صارت النواميس كالأوثان يعبدونها ولا يعلمون‏.‏
وفيهم من يقدم على الفتوى بجهل لئلا يخل بناموس التصدر ثم يعيبون العلماء لحرصهم على الدنيا ولا يعلمون أن المذموم من الدنيا ما هم فيه لا تناول المباحات‏.‏
ثم تأملت العلماء والمتعلمين‏.‏
فرأيت القليل من المتعلمين عليه أمارة النجابة لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به وجمهورهم يطلب منه ما يصيره شبكة للكسب إما ليأخذ به قضاء مكان أو ليصير به قاضي بلد أو قدر ما يتميز به عن أبناء جنسه ثم يكتفي‏.‏
ثم تأملت العلماء فرأيت أكثرهم يتلاعب به الهوى ويستخدمه فهو يؤثر ما يصده العلم عنه ويقبل على ما ينهاه ولا يكاد يجب ذوق معاملة لله سبحانه وإنما همته أن يقول وحسب‏.‏
إلا أن الله لا يخلي الأرض من قائم له بالحجة جامع بين العلم والعمل‏.‏
عارف بحقوق الله تعالى خائف منه‏.‏
فذلك قطب الدنيا ومتى مات أخلف الله عوضه‏.‏
وربما لم يمت حتى يرى من يصلح للنيابة عنه في كل نائبة‏.‏
ومثل هذا لا تخلو الأرض منه‏.‏
فهو بمقام النبي في الأمة‏.‏
وهذا الذي أصفه يكون قائماً بالأصول حافظاً للحدود وربما قل علمه أو قلت معاملته‏.‏
فأما الكاملون في جميع الأدوات فيندر وجودهم فيكون في الزمان البعيد منهم واحد‏.‏
ولقد سبرت السلف كلهم فأردت أن أستخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين وبين العمل حتى صار قدوة للعابدين فلم أر أكثر من ثلاثة‏:‏ أولهم الحسن البصري وثانيهم سفيان الثوري وثالثهم أحمد بن حنبل‏.‏
وقد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتاباً وما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب‏.‏
وإن كان في السلف سادات إلا أن أكثرهم غلب عليه فن فنقص من الآخر فمنهم من غلب عليه العلم ومنهم من غلب عليه العمل وكلا هؤلاء كان له الحظ الوافر من العلم والنصيب ولا يأس من وجود من يحذو حذوهم وإن كان الفضل بالسبق لهم‏.‏
فقد أطلع الله عز وجل الخضر على ما خفى من موسى عليهما السلام‏.‏
فخزائن الله مملوءة وعطاؤه لا يقف على شخص‏.‏
ولقد حكي لي عن ابن عقيل أنه كان يقول عن نفسه‏:‏ أنا عملت في قارب ثم كسر وهذا غلط فمن أين له فكم معجب بنفسه كشف له من غيره ما عاد يحقر نفسه على ذلك وكم من متأخر سبق متقدماً وقد قيل‏:‏ إن الليالي والأيام حاملةٌ وليس يعلم غير اللّه ما تلد فصل جهادا لهوى رأيت ميل النفس إلى الشهوات زائداً في المقدار حتى إنها إذا مالت مالت بالقلب والعقل والذهن فلا يكاد المرء ينتفع بشيء من النصح‏.‏
فصحت بها يوماً وقد مالت بكليتها إلى شهوة‏:‏ ويحك‏!‏ قفي لحظة أكلمك كلمات ثم افعلي ما بدا لك‏.‏
قالت‏:‏ قل أسمع‏.‏
قلت‏:‏ قد تقرر قلة ميلك إلى المباحات من الشهوات وأما جل ميلك فإلى المحرمات‏.‏
وأما أكشف لك عن الأمرين فربما رأيت الحلوين مرين‏.‏
أما المباحات من الشهوات فمطلقة لك ولكن طريقها صعب لأن المال قد يعجز عنها والكسب قد لا يحصل معظمها والوقت الشريف يذهب بذلك‏.‏
ثم شغل القلب بها وقت التحصيل وفي حالة الحصول وبحذر الفوات‏.‏
ثم ينغصها من النقص ما لا يخفى على مميز وإن كان مطعماً فالشبع يحدث آفات وإن كان شخصاً فالملل أو الفراق أو سوء الخلق‏.‏
ثم ألذ النكاح أكثره إيهاناً للبدن إلى غير ذلك مما يطول شرحه‏.‏
وأما المحرمات‏:‏ فتشتمل على ما أشرنا إليه من المباحات وتزيد عليها بأنها آفة العرض ومظنة عقاب الدنيا وفضيحتها وهناك وعيد الآخرة ثم الجزع كلما ذكرها التائب‏.‏
وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة‏.‏
ألا ترين إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً لأنه قهر‏.‏
بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب عزيزاً لأنه قهر‏.‏
فالحذر الحذر من رؤية المشتهى بعين الحسن كما يرى اللص لذة أخذ المال من الحرز ولا يرى بعين فكره القطع‏.‏
وليفتح عين البصيرة لتأمل العواقب واستحالة اللذة نغصة وانقلابها عن كونها لذة إما لملل أو لغيره من الآفات أو لانقطاعها بامتناع الحبيب‏.‏
فتكون المعصية الأولى كلقمة تناولها جائع فما ردت كلب الجوع بل شهت الطعام‏.‏

وليتذكر الإنسان لذة قهر الهوى مع تأمل فوائد الصبر عنه‏.‏
فمن وفق لذلك كانت سلامته قريبة منه‏.‏

من هناك
05-24-2006, 08:34 PM
ورأيت عامة من له ولد يشغله ببعض هذه الأشغال طلباً للكسب قبل أن يعرف ما يجب عليه

فتأملت العباد والمتزهدين فرأيت جمهورهم يتعبد بخير علم ويأنس إلى تعظيمه وتقبيل يده وكثرة أتباعه حتى إن أحدهم لو اضطر إلى أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل لئلا ينكسر جاهه‏.

ولقد سبرت السلف كلهم فأردت أن أستخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين وبين العمل حتى صار قدوة للعابدين فلم أر أكثر من ثلاثة‏:‏ أولهم الحسن البصري وثانيهم سفيان الثوري وثالثهم أحمد بن حنبل‏.‏
وقد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتاباً وما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب‏.‏

مقاوم
05-26-2006, 06:26 AM
حجب العيش


خطر لي خاطر والمجلس قد طاب والقلوب قد حضرت والعيون جارية والرؤوس مطرقة والنفوس قد ندمت على تفريطها والعزائم قد نهضت لإصلاح شؤونها وألسنة اللوم تعمل في الباطل على تضييع الحزم وترك الحذر فقلت لنفسي‏:‏ ما بال هذه اليقظة لا تدوم فإني أرى النفس واليقظة في المجلس متصادقين متصافيين فإذا قمنا عن هذه التربة وقعت الغربة‏.‏
فتأملت ذلك فرأيت أن النفس ما تزال متيقظة والقلب ما يزال عارفاً غير أن القواطع كثيرة والفكر الذي ينبغي استعماله في معرفة الله سبحانه وتعالى قد كل مما يستعمل في اجتلاب الدنيا وتحصيل حوائج النفوس والقلب منغمس في ذلك والبدن أسير مستخدم‏.‏
وبينما الفكر يجول في اجتلاب الطعام والشراب والكسوة وينظر في صدد ذلك وما يدخره لغده وسنته إذا هو مهتم بخروج الفضلات المؤذية - ومنها المني - فاحتاج إلى النكاح فعلم أنه لا يصح إلا باكتساب كسب الدنيا‏.‏
فتفكر في ذلك وعمل بمقتضاه‏.‏
ثم جاء الولد فاهتم به وله وإذا الفكر عامل في أصول الدنيا وفروعها‏.‏
فإذا حضر الإنسان المجلس فإنه لا يحضر جائعاً ولا حاقناً‏.‏
بل يحضره جامعاً لهمته ناسياً ما كان من الدنيا على ذكره‏.‏
فيخلو الوعظ بالقلب فيذكره بما ألف ويجذبه بما عرف فينهض عمال القلب في زوارق عرفانه‏.‏
فيحضرون النفس إلى باب المطالبة بالتفريط ويؤاخذون الحس بما مضى من العيوب فتجري عيون الندم وتنعقد عزائم الاستدراك‏.‏
ولو أن هذه النفس خلت عن المعهودات التي وصفتها لتشاغلت بخدمة باريها‏.‏
ولو وقعت في سورة حبه لاستوحشت عن الكل شغلاً بقربه‏.‏
ولهذا اعتمد الزهاد الخلوات وتشاغلوا بقطع المعوقات وعلى قدر مجاهدتهم في ذلك نالوا من الخدمة مرادهم كما أن الحصاد على مقدار البذر‏.‏
غير أني تلمحت في هذه الحالة - دقيقة - وهو أن النفس لو دامت لها اليقظة لوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها‏.‏
وهو العجب بحالها والاحتقار لجنسها‏.‏
وربما ترقت بقوة علمها وعرفانها إلى دعوى‏:‏ لي وعندي وأستحق‏.‏
فتركها في حومة ذنوبها تتخبط‏.‏
فإذا وقفت على الشاطىء قامت بحق ذلة العبودية وذلك أولى لها‏.‏
هذا حكم الغالب من الخلق ولذلك شغلوا عن هذا المقام‏.‏
فمن بذر فصلح له فلا بد له من هفوة تراقبها عين الخوف بها تصح له عبوديته وتسلم له عبادته‏.‏
وإلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح‏:‏ ‏"‏ لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ‏"‏‏.‏
فصل من شطحات التصوف تفكرت فرأيت أن حفظ المال من المتعين وما يسميه جهلة المتزهدين توكلاً من إخراج ما في اليد ليس بالمشروع‏.‏
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك‏:‏ ‏"‏ أمسك عليك بعض مالك أو كما قال له ‏"‏‏.‏
وقال لسعد‏:‏ ‏"‏ لأن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ‏"‏‏.‏
فإن اعترض جاهل فقال‏:‏ فقد جاء أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله‏.‏
فالجواب أن أبا بكر فمن كان على هذه الصفة لا أذم إخراجه لماله وإنما الذم متطرق إلى من يخرج ماله ليس من أرباب المعائش‏.‏
أو يكون من أولئك إلا أنه ينقطع عن المعاش فيبقى كلا على الناس يستعطيهم ويعتقد أنه على الفتوح وقلبه متعلق بالخلق وطمعه ناشب فيهم‏.‏
ومتى حرك بابه نهض قلبه‏.‏
وقال‏:‏ رزق قد جاء‏.‏
وهذا أمر قبيح بمن يقدر به على المعاش وإن لم يقدر كان إخراج ما يملك أقبح لأنه يتعلق قلبه بما في أيدي الناس‏.‏
وربما ذل لبعضهم أو تزين له بالزهد وأقل أحواله أن يزاحم الفقراء والمكافيف والزمنى في الزكاة‏.‏
فعليك بالشرب الأول فانظر هل فيهم من فعل ما يفعله جهلة المتزهدين‏.‏
وقد أشرت في أول هذا إلى أنهم كسبوا وخلفوا الأموال فرد إلى الشرب الأول الذي لم يطرق فإنه الصافي‏.‏
واحذر من المشارع المطروقة بالآراء الفاسدة الخارجة في المعنى على الشريعة مذعنة بلسان حالها أن الشرع ناقص يحتاج إلى ما يتم به‏.‏
فإذا أهملت ذلك كان سبباً لوقوفك عن السير‏.‏
وقد رئي سلمان رضي الله عنه يحمل طعاماً على عاتقه فقيل له‏:‏ أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت‏.‏
وقال سفيان الثوري‏.‏
إذا حصلت قوت شهر فتعبد‏.‏
وقد جاء أقوام ليس عندهم سوى الدعاوي فقالوا‏:‏ هذا شك في الرازق والثقة به أولى‏.‏
فإياك وإياهم‏.‏
وربما ورد مثل هذا عن بعض صدور الزهاد من السلف فلا يعول عليه ولا يهولنك خلافهم‏.‏
فقد قال أبو بكر المروزي‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يرغب في النكاح‏.‏
فقلت له‏:‏ قال ابن أدهم فما تركني أتمم حتى صاح علي وقال‏:‏ أذكر لك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأتيني ببنيات الطريق‏.‏
واعلم وفقك الله‏:‏ أنه لو رفض الأسباب شخص يدعي التزهد‏.‏
وقال‏:‏ لا آكل ولا أشرب ولا أقوم من الشمس في الحر ولا استدفيء من البرد كان عاصياً بالإجماع‏.‏
وكذلك لو قال وله عائلة‏:‏ لا أكتسب ورزقهم على الله تعالى‏:‏ فأصابهم أذى كان آثماً‏.‏
كما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ‏"‏‏.‏
واعلم أن الاهتمام بالكسب يجمع الهم ويفرغ القلب ويقطع الطمع في الخلق فإن الطبع له حق يتقاضاه‏.‏
وقد بين الشرع ذلك فقال‏:‏ إن لنفسك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقاً‏.‏

ومثال الطبع مع المريد السالك كمثل كلب لا يعرف الطارق فكل من رآه يمشي نبح عليه فإن ألقى إليه كسرة سكت عنه‏.‏
فالمراد من الاهتمام بذلك جمع الهم لا غير فافهم هذه الأصول فإن فهمها مهم‏.‏

من هناك
05-26-2006, 08:12 PM
لم افهم ماذا تعني عبارة
الطبع مع المريد السالك كمثل الكلب؟

مقاوم
05-27-2006, 06:20 AM
أخي بلال
الإمام إبن الجوزي بهذه العبارة يذم الطبع الذي هو بمعنى الهوى والله أعلم
ومراده أن الطبع وهوى النفس إذا تمكنا من طالب العلم يجعلان موازين حكمه على الأمور
مختلة فيستخدم علمه في الذم والانتقاد بغية الحصول على عرض من الدنيا قليل فإن أعطي
سكت وإلا سخط و"نبح".
وعلى الصعيد النفسي الداخلي فإن الطبع والهوى يظلان ينبحان على النفس
حتى تحقق لهما ما يريدان فيصبح بذلك ممن يتبع نفسه هواها.
هذا دلوي في الموضوع والله أعلى وأعلم

سبحان الله! كتبت الرد أعلاه قبل إضافة الموضوع أدناه الذي يوضح المسألة نوعا ما

مقاوم
05-27-2006, 06:24 AM
الشهوات مهلكة


تأملت في شهوات الدنيا فرأيتها مصائد هلاك وفخوخ تلف‏.‏
فمن قوي عقله على طبعه وحكم عليه يسلم ومن غلب طبعه فيا سرعة هلكته‏.‏
ولقد رأيت بعض أبناء الدنيا كان يتوق في التسري‏.‏
ثم يستعمل الحرارات المهيجة للباه فما لبث أن انحلت حرارته الغريزية وتلف‏.‏
ولم أر في شهوات النفس أسرع هلاكاً من هذه الشهوة فإنه كلما مال الإنسان إلى شخص مستحسن أوجب ذلك حركة الباه زائداً عن العادة‏.‏
وإذا رأى أحسن منه زادت الحركة وكثر خروج المني زائداً عن الأول فيفنى جوهر الحياة أسرع شيء‏.‏
وبالضد من هذا أن تكون المرأة مستقبحة فلا يوجب نكاحها خروج الفضلة المؤذية كما ينبغي فيقع التأذي بالاحتباس وقوة التوق إلى منكوح‏.‏

وكذلك المفرط في الأكل فإنه يجني على نفسه كثيراً من الجنايات والمقصر في مقدار القوت كذلك فعلمت أن أفضل الأمور أوساطها‏.‏
والدنيا مفازة فينبغي أن يكون السابق فيها العقل فمن سلم زمام راحلته إلى طبعه وهواه فيا عجلة تلفه - هذا فيما يتعلق بالبدن والدنيا - فقس عليه أمر الآخرة فافهم‏.‏

مقاوم
05-29-2006, 09:14 AM
النجاة في العلم


بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم إليه طعام فقال‏:‏ لا آكل‏.‏
فقيل له‏:‏ لم‏.‏
لأن نفسي تشتهيه وأنا منذ سنين ما بلغت نفسي ما تشتهي‏.‏
فقلت‏:‏ لقد خفيت طريق الصواب عن هذا من وجهين وسبب خفائها عدم العلم‏.‏
أما الوجه الأول‏:‏ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على هذا ولا أصحابه وقد كان عليه ودخل فرقد السبخي على الحسن وهو يأكل الفالوذج فقال‏:‏ يا فرقد ما تقول في هذا فقال لا آكله ولا أحب من أكله‏.‏
فقال الحسن‏:‏ لعاب النحل للباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم‏.‏
وجاء رجل إلى الحسن فقال‏:‏ إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج‏.‏
فقال‏:‏ ولم قال يقول‏:‏ لا أؤدي شكره فقال‏:‏ إن جارك جاهل وهل يؤدي شكر الماء البارد‏.‏
وكان سفيان الثوري‏:‏ يحمل في سفره الفالوذج‏.‏
والحمل المشوي ويقول‏:‏ إن الدابة إذا أحسن إليها عملت‏.‏
وما حدث في الزهاد بعدهم من هذا الفن فأمور مسروقة من الرهبانية وأنا خائف من قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا تُحَرِّمُو طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم ولاَ تَعْتَدُوا ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(1,1,1))‏‏.‏
ولا يحفظ عن أحد من السلف الأول من الصحابة من هذا الفن شيء إلا أن يكون ذلك لعارض‏.‏
وسبب ما يروى عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أنه اشتهى شيئاً فآثر به فقيراً وأعتق جاريته رميثة وقال‏:‏ إنها أحب الخلق إلي فهذا وأمثاله حسن لأنه إيثار بما هو أجود عند النفس من غيره وأكثر لها من سواه‏.‏
فأما من دام على مخالفتها على الإطلاق فإنه يعمي قلبها ويبلد خواطرها ويشتت عزائمها فيؤذيها أكثر مما ينفعها‏.‏
وقد قال إبراهيم بن أدهم‏:‏ إن القلب إذا أكره عمي وتحت مقالته سر لطيف وهو أن الله عز وجل قد وضع طبيعة الآدمي على معنى عجيب وهو أنها تختار الشيء من الشهوات مما يصلحها فتعلم باختيارها له صلاحه وصلاحها به‏.‏
وقد قال حكماء الطب‏:‏ ينبغي أن يفسح للنفس فيما تشتهي من المطاعم وإن كان فيه نوع ضرر لأنها إنما تختار ما يلائمها فإذا قمعها الزاهد في مثل هذا عاد على بدنه بالضرر‏.‏
ولولا جواذب الباطن من الطبيعة ما بقي البدن فإن الشهوة للطعام تثور فإذا وقعت الغنية بما يتناول كفت الشهوة‏.‏
فالشهوة مريد ورائد ونعم الباعث هي على مصلحة البدن‏.‏
غير أنها إذا أفرطت وقع الأذى ومتى منعت ما تريد على الإطلاق مع الأمن من فساد العاقبة عاد ذلك بفساد أحوال النفس ووهن الجسم‏.‏
واختلاف السقم الذي تتداعى به الجملة مثل أن يمنعها الماء عند اشتداد العطش والغذاء عند الجوع والجماع عند قوة الشهوة والنوم عند غلبته حتى إن المغتم إذا لم يتروح بالشكوى قتله الكمد‏.‏
فهذا أصل إذا فهمه هذا الزاهد علم أنه قد خالف طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏
من حيث النقل وخالف الموضوع من حيث الحكمة‏.‏
ولا يلزم على هذا قول القائل‏:‏ فمن أين يصفو المطعم لأنه إذا لم يصف كان الترك ورعاً وإنما الكلام في المطعم الذي ليس فيه ما يؤذي في باب الورع وكان ما شرحته جواباً للقائل - ما أبلغ نفسي شهوة على الإطلاق‏.‏
والوجه الثاني‏:‏ أني أخاف على الزاهد أن تكون شهوته انقلبت إلى الترك فصار يشتهي أن لا يتناول وللنفس في هذا مكر خفي ورياء دقيق فإن سلمت من الرياء للخلق كانت الآفة من جهة تعلقها بمثل هذا الفعل وإدلالها في الباطن به فهذه مخاطرة وغلط‏.‏
وربما قال بعض الجهال‏:‏ هذا صد عن الخير والزهد‏.‏
وليس كذلك فإن الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ‏"‏‏.‏
ولا ينبغي أن يغتر بعبادة جريج ولا بتقوى ذي الحويصرة ولقد دخل المتزهدون في طرق لم يسلكها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه‏.‏
من إظهار التخشع الزائد في الحد والتنوق في تخشين الملبس وأشياء صار العوام يستحسنونها‏.‏
وصارت لأقوام كالمعاش يجتنون من أرباحها تقبيل اليد وتوفير التوقير وحراسة الناموس‏.‏
وقد كان ابن سيرين يضحك بين الناس قهقهة وإذا خلا بالليل فكأنه قتل أهل القرية‏.‏

فنسأل الله تعالى علماً نافعاً فهو الأصل فمتى حصل أوجب معرفة المعبود عز وجل وحرك إلى خدمته بمقتضى ما شرعه وأحبه وسلك بصاحبه طريق الإخلاص‏.‏
وأصل الأصول‏:‏ العلم وأنفع العلوم النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏:‏ ‏"‏ أُولئكَ الّذِينَ هدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ ‏"‏‏.‏

مقاوم
05-30-2006, 07:39 AM
تربية النفس


تأملت جهاد النفس فرأيته أعظم الجهاد ورأيت خلقاً من العلماء والزهاد لا يفهمون معناه لأن فيهم من منعها حظوظها على الإطلاق وذلك غلط من وجهين‏.‏
أحدهما‏:‏ أنه رب مانع لها شهوة أعطاها بالمنع أوفى منها‏.‏
مثل أن يمنعها مباحاً فيشتهر بمنعه إياها ذلك فترضى النفس بالمنع لأنها قد استبدلت به المدح‏.‏
وأخفى من ذلك أن يرى - بمنعه إياها ما منع - أنه قد فضل من سواه ممن لم يمنعها ذلك وهذه دفائن تحتاج إلى منقاش فهم يخلصها‏.‏
والوجه الثاني‏:‏ أننا قد كلفنا حفظها ومن أسباب حفظها ميلها إلى الأشياء التي تقيمها فلا بد من إعطائها ما يقيمها وأكثر ذلك أو كله مما تشتهيه‏.‏
ونحن كالوكلاء في حفظها‏.‏
لأنها ليست لنا بل هي وديعة عندنا فمنعها حقوقها على الإطلاق خطر‏.‏
ثم رب شد أوجب استرخاء ورب مضيق على نفسه فرت منه فصعب عليه تلافيها‏.‏
وإنما الجهاد لها كجهاد المريض العاقل يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية ويذوب في المرارة قليلاً من الحلاوة ويتناول من الأغذية مقدار ما يصفه الطبيب‏.‏
ولا تحمله شهوته على موافقة غرضها من مطعم ربما جر جوعاً ومن لقمة ربما حرمت لقمات‏.‏
فكذلك المؤمن العاقل لا يترك لجامها ولا يهمل مقودها - بل يرخي لها في وقت والطول بيده‏.‏
فما دامت على الجادة لم يضايقها في التضييق عليها‏.‏
فإذا رآها قد مالت ردها باللطف فإن ونت وأبت فبالعنف‏.‏
ويحبسها في مقام المداراة كالزوجة التي مبني عقلها على الضعف والقلة فهي تدارى عند نشوزها بالوعظ فإن لم تصلح فبالهجر فإن لم تستقم فبالضرب‏.‏
وليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم‏.‏
هذه مجاهدة من حيث العمل فأما من حيث وعظها وتأنيبها فينبغي لمن رآها تسكن للخلق وتتعرض بالدناءة من الأخلاق أن يعرفها تعظيم خالقها لها فيقول‏:‏ ألست التي قال فيك‏:‏ خلقتك بيدي وأسجدت لك ملائكتي وارتضاك للخلافة في أرضه وراسلك واقترض منك واشترى‏.‏
فإن رآها تتكبر قال لها‏:‏ هل أنت إلا قطرة من ماء مهين تقتلك شرقة وتؤلمك بقة‏.‏
وإن رأى تقصيرها عرفها حق الموالي على العبيد‏.‏
وإن ونت في العمل حدثها بجزيل الأجر‏.‏

وإن مالت إلى الهوى خوفها عظيم الوزر ثم يحذرها عاجل العقوبة الحسية كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُمْ ‏" (http://javascript<b></b>:openquran(5,46,46))‏ والمعنوية كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتَي الّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأرضِ بِغَيرِ الْحَقِّ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(6,146,146)).‏
فهذا جهاد بالقول وذاك جهاد بالفعل‏.‏

مقاوم
06-01-2006, 04:54 AM
علة الإبطاء في الإجابة


رأيت من البلاء العجاب أن المؤمن يدعو فلا يجاب فيكرر الدعاء وتطول المدة ولا يرى أثراً وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب‏.‏
ولقد عرض لي من هذا الجنس‏.‏
فإنه نزلت بي نازلة‏.‏
فدعوت وبالغت فلم أر الإجابة فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده‏.‏
فتارة يقول‏:‏ الكرم واسع والبخل معدوم فما فائدة تأخير الجواب‏.‏
فقلت‏:‏ إخسأ يا لعين فما أحتاج إلى تقاضي ولا أرضاك وكيلاً‏.‏
ثم عدت إلى نفسي فقلت‏:‏ إياك ومساكنة وسوسته فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو لكفى في الحكمة‏.‏
قالت‏:‏ فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة‏.‏
فقلت‏:‏ قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك وللمالك التصرف بالمنع والعطاء فلا وجه للاعتراض عليه‏.‏
والثاني‏:‏ أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة فربما رأيت الشيء مصلحة والحق أن الحكمة لا تقتضيه وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر بقصد بها المصلحة فلعل هذا من ذاك‏.‏
والثالث‏:‏ أنه قد يكون التأخير مصلحة والاستعجال مضرة وقد قال النبي صلى الله عليه والرابع‏:‏ أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك فربما يكون في مأكولك شبهة أو قلبك وقت الدعاء في غفلة أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه‏.‏
فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك توقنين بالمقصود كما روي عن أبي يزيد رضي الله عنه‏:‏ أنه نزل بعض الأعاجم في داره فجاء فرآه فوقف بباب الدار وأمر بعض أصحابه فدخل فقلع طيناً جديداً قد طينه فقام الأعجمي وخرج‏.‏
فسئل أبو يزيد عن ذلك فقال‏:‏ هذا الطين من وجه فيه شبهة فلما زالت الشبهة زال صاحبها‏.‏
وعن إبراهيم الخواص رحمة الله عليه أنه خرج لإنكار منكر فنبحه كلب له فمنعه أن يمضي فعاد ودخل المسجد وصلى ثم خرج فبصبص الكلب له فمضى وأنكر فزال المنكر‏.‏
فسئل عن تلك الحال فقال‏:‏ كان عندي منكر فمنعني الكلب فلما عدت تبت من ذلك فكان ما رأيتم‏.‏
والخامس‏:‏ أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب فربما كان في حصوله زيادة إثم أو تأخير عن مرتبة خير فكان المنع أصلح‏.‏
وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو فهتف به هاتف‏:‏ إنك إن غزوت أسرت والسادس‏:‏ أنه ربما كان فقد ما تفقدينه سبباً للوقوف على الباب واللجأ وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسؤول‏.‏
وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ‏.‏
فالحق عز وجل علم من الخلق اشتغالهم بالبر عنه فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به فهذا من النعم في طي البلاء‏.‏
وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك‏.‏

وقد حكي عن يحيى البكاء أنه رأى ربه عز وجل في المنام فقال‏:‏ يا رب كم أدعوك ولا تجيبني فقال‏:‏ يا يحيى إني أحب أن أسمع صوتك‏.‏
وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتذار من زلل أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب‏.‏

مقاوم
06-05-2006, 06:49 AM
علاج البلايا

من نزلت به بلية فأراد تمحيقها فليتصورها أكثر مما هي تهن‏.‏

وليتخيل ثوابها وليتوهم نزول أعظم منها ير الربح في الاقتصار عليها‏.‏
وليعلم أن مدة مقامها عنده كمدة مقام الضيف يتفقد حوائجه في كل لحظة فيا سرعة انقضاء مقامه ويا لذة مدائحه وبشره في المحافل ووصف المضيف بالكرم‏.‏
فكذلك المؤمن في الشدة ينبغي أن يراعي الساعات ويتفقد فيها أحوال النفس ويتلمح الجوارح مخافة أن يبدو من اللسان كلمة أو من القلب تسخط فكأن قد لاح فجر الأجر فانجاب ليل البلاء ومدح الساري بقطع الدجى فما طلعت شمس الجزاء إلا وقد وصل إلى منزل السلامة‏.‏

مقاوم
06-06-2006, 08:19 AM
خطر العلم مع قلة العمل


لما رأيت نفسي في العلم حسناً فهي تقدمه على كل شيء وتعتقد الدليل وتفضل ساعة التشاغل به على ساعات النوافل وتقول‏:‏ أقوى دليل لي على فضله على النوافل‏ أني رأيت كثيراً ممن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم قد عاد ذلك عليهم بالقدح في الأصول فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة والرأي الصحيح‏.‏
إلا أني رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم فصحت بها فما الذي أفادك العلم‏.‏
أين الخوف أين القلق أين الحذر‏.‏
أما كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الكل ثم إنه قام حتى ورمت قدماه‏.‏
أما كان أبو بكر رضي الله عنه شجي النشيج كثير البكاء‏.‏
أما كان في خد عمر رضي الله عنه خطان من آثار الدموع‏.‏
أما كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة‏.‏
أما كان علي رضي الله عنه يبكي بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع‏.‏
ويقول‏:‏ يا دنيا غري غيري‏.‏
أما كان الحسن البصري يحيا على قوة القلق‏.‏
أما كان سعيد بن المسيب ملازماً للمسجد فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة‏.‏
أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر‏.‏
أما قالت ابنة الربيع بن خيثم له‏:‏ ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام‏.‏
فقال‏:‏ إن أباك يخاف عذاب البيات‏.‏
أما كان أبو مسلم الخولاني يعلق سوطاً في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر‏.‏
أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة وكان يقول‏:‏ والفاه سبقني العابدون وقطع بي‏.‏
أما صام منصور بن المعتمر أربعين سنة‏.‏
أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف
أما تعلمين أخيار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد‏.‏
احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به فإنها حالة الكسالى الزمنى‏:‏

وخذ لك منك على مهلة *** ومقبل عيشك لم يدبر
وخف هجمة لا تقيل العثا *** ر وتطوي الورود على المصدر
ومثّل لنفسك أي الرعي *** ل يضمك في حلبة المحشر

مقاوم
06-10-2006, 10:48 AM
زهاد جهلة

مما يزيد العلم عندي فضلاً أن قوماً تشاغلوا بالتعبد عن العلم فوقفوا عن الوصول إلى حقائق الطلب‏.، فروي عن بعض القدماء أنه قال لرجل‏:‏ يا أبا الوليد إن كنت أبا الوليد يتورع أن يكنيه ولا ولد له‏!‏‏!‏‏.‏
ولو أوغل هذا في العلم لعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كنى صهيباً أبا يحيى وكنى طفلاً فقال‏:‏ يا أبا عمير ما فعل النغير‏.‏
وقال بعض المتزهدين‏:‏ قيل لي يوماً‏:‏ كل من هذا اللبن‏.‏
فقلت‏:‏ هذا يضرني ثم وقفت بعد مدة عند الكعبة فقلت‏:‏ اللهم إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين فهتف بي هاتف ولا يوم اللبن‏.‏
وهذا لو صح جاز أن يكون تأديباً له لئلا يقف مع الأسباب ناسياً للمسبب وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قال‏:‏ ‏"‏ ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى الآن قطعت أبهري‏.‏
وقال‏:‏ ما نفعني مال كمال أبي بكر ‏"‏‏.‏
ومن المتزهدين أقوام يرون التوكل قطع الأسباب كلها وهذا جهل بالعلم‏.‏
فإن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ دخل الغار وشاور الطبيب ولبس الدرع وحفر الخندق ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي وكان كافراً وقال لسعد‏:‏ لأن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس‏.‏
فالوقوف مع الأسباب مع نسيان المسبب غلط والعمل على الأسباب مع تعلق القلب بالمسبب هو المشروع‏.‏
وكل هذه الظلمات إنما تقطع بمصباح العلم‏.‏
ولقد ضل من مشى في ظلمة الجهل أو في زقاق الهوى‏.‏
ما أزال أتعجب ممن يرى تفضيل الملائكة على الأنبياء والأولياء فإن كان التفضيل بالصور فصورة الآدمي أعجب من ذوي أجنحة‏.‏
وإن تركت صورة الآدمي لأجل أوساخها المنوطة بها فالصورة ليست الآدمي إنما هي قالب‏.‏
ثم قد استحسن منها ما يستقبح في العادة مثل خلوف فم الصائم ودم الشهداء والنوم في الصلاة فبقيت صورة معمورة وصار الحكم للمعنى‏.‏
ألهم مرتبة يحبهم أو فضيلة يباهي بهم‏.‏
وكيف دار الأمر فقد سجدوا لنا‏.‏
وهو صريح في تفضيلنا عليهم فإن كانت الفضيلة بالعلم فقد علمت القصة يوم ‏"‏ لاَ عِلْمَ لَنَا ‏"‏ ‏"‏ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ ‏"‏‏.‏
وإن فضلت الملائكة بجوهرية ذواتهم فجوهرية أرواحنا من ذلك الجنس وعلينا أثقال أعباء الجسم‏.‏
بالله لولا احتياج الراكب إلى الناقة فهو يتوقف لطلب علفها ويرفق في السير بها لطرق أرض مني قبل العشر‏.‏
واعجبا أتفضل الملائكة بكثرة التعبد‏!‏ فما ثم صاد‏.‏
أو يتعجب من الماء إذا جرى أو من منحدر يسرع إنما العجب من مصاعد يشق الطريق ويغالب العقبات‏.‏
بلى قد يتصور منهم الخلاف ودعوى الإلهية‏.‏
لقدرتهم على دك الصخور وشق الأرض لذلك توعدوا‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(20,29,29)) لكنهم يعلمون عقوبة الحق فيحذرونه‏.‏
فأما بعدنا عن المعرفة الحقيقية وضعف يقيننا بالناهي وغلبة شهوتنا مع الغفلة‏.‏
يحتاج إلى جهاد أعظم من جهادهم‏.‏
تالله لو ابتلى أحد المقربين بما ابتلينا به ما قدر على التماسك‏.‏
يصبح أحدنا وخطاب الشرع يقول له‏:‏ الكسب لعائلتك واحذر في كسبك‏.‏
وقد تمكن منه ما ليس من فعله كحب الأهل وعلوق الولد بنياط القلب واحتياج بدنه إلى ما لا بد منه‏.‏
فتارة يقال للخليل عليه السلام‏:‏ اذبح ولدك بيدك واقطع ثمرة فؤادك بكفك ثم قم إلى المنجنيق لترمى في النار‏.‏
وتارة يقال لموسى عليه السلام‏:‏ صم شهراً ليلاً ونهاراً‏.‏
ثم يقال للغضبان‏:‏ اكظم وللبصير أغضض ولذي المقول اصمت ولمستلذ النوم تهجد ولمن مات حبيبه اصبر ولمن أصيب في بدنه أشكر وللواقف في الجهاد بين الغمرات‏:‏ لا يحل أن تفر‏.‏
ثم اعلم أن الموت يأتي بأصعب المرارات فينزع الروح عن البدن فإذا نزل فاثبت‏.‏
واعلم أنك فهل للملائكة من هذه الأشياء شيء وهل ثم إلا عبادة ساذجة ليس فيها مقاومة طبع ولا رد هوى‏.‏
وهل هي إلا عبادة صورية بين ركوع وسجود وتسبيح فأين عبادتهم المعنوية من عبادتنا ثم أكثرهم في خدمتنا بين كتبة علينا ودافعين عنا ومسخرين لإرسال الريح والمطر وأكبر وظائفهم الاستغفار لنا‏.‏
فكيف يفضلون علينا بلا علة ظاهرة‏.‏
وإذا ما حكت على محك التجارب طائفة منهم مثل ما روي عن هاروت وماروت خرجوا أقبح من بهرج‏.‏
ولا تظنن أني أعتقد في تعبد الملائكة نوع تقصير لأنهم شديدو الإشفاق والخوف لعلمهم بعظمة الخالق‏.‏
لكن طمأنينة من لم يخطىء تقوي نفسه‏.‏

وانزعاج الغائص في الزلل يرقى روحه إلى التراقي‏.‏
فاعرفوا إخواني شرف أقداركم وصونوا جواهركم عن تدنيسها بلوم الذنوب فأنتم معرض الفضل على الملائكة فاحذروا أن تحطكم الذنوب إلى حضيض البهائم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

مقاوم
06-13-2006, 09:34 AM
السلامة في كتاب الله


رأيت كثيراً من الخلق وعالماً من العلماء لا ينتهون عن البحث عن أصول الأشياء التي أمر بعلم جلها من غير بحث عن حقائقها كالروح مثلاً فإن الله تعالى سترها بقوله‏:‏ ‏"‏ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ‏"‏ فلم يقنعوا وأخذوا يبحثون عن ماهيتها ولا يقعون بشيء ولا يثبت لأحد منهم برهان على ما يدعيه وكذلك العقل فإنه موجود بلا شك كما أن الروح موجودة بلا شك كلاهما يعرف بآثاره لا بحقيقة ذاته‏.‏
فإن قال قائل‏:‏ فما السر في كتم هذه الأشياء قلت‏:‏ لأن النفس ما تزال تترقى من حالة إلى حالة فلو اطلعت على هذه الأشياء لترقت إلى خالقها فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه لأنه إذا كان بعض مخلوقاته لا يعلم كنهه فهو أجل وأعلى‏.‏
ولو قال قائل‏:‏ ما الصواعق وما البرق وما الزلازل‏.‏
قلنا‏:‏ شيء مزعج ويكفي‏.‏
والسر في ستر هذا أنه لو كشفت حقائقه خف مقدار تعظيمه‏.‏
ومن تلمح هذا الفصل علم أنه فصل عزيز فإذا ثبت هذا في المخلوقات فالخالق أجل وأعلى‏.‏
فينبغي أن يوقف في إثباته على دليل وجوده ثم يستدل على جواز بعثه رسله ثم تتلقى أوصافه من كتبه ورسله ولا يزاد على ذلك‏.‏
وإذا قلنا‏:‏ إنه موجود وعلمنا من كلامه أنه سميع بصير حي قادر‏.‏
كفانا هذا في صفاته ولا نخوض في شيء آخر‏.‏
وكذلك نقول‏:‏ متكلم والقرآن كلامه ولا نتكلف ما فوق ذلك‏.‏
ولم يقل السلف‏:‏ تلاوة ومتلو وقراءة ومقروء ولا قالوا‏:‏ استوى على العرش بذاته ولا قالوا‏:‏ ينزل بذاته بل أطلقوا ما ورد من غير زيادة‏.‏

ونقول‏:‏ لما لم يثبت بالدليل ما لا يجوز عليه‏.‏
وهذه كلمات كالمثال فقس عليها جميع الصفات تفز سليماً من تعطيل متخلصاً من تشبيه‏.‏

مقاوم
06-17-2006, 01:07 PM
سر وجود الهمل


رأيت أكثر الخلق في وجودهم كالمعدومين فمنهم من لا يعرف الخالق ومنهم من يثبته على مقتضى حسه ومنهم من لا يفهم المقصود من التكليف‏.‏
وترى المترسمين بالزهد يدأبون في القيام والقعود ويتركون الشهوات وينسون ما قد أنسوا به من شهوة الشهرة وتقبيل الأيادي‏.‏
ولو كلم أحدهم لقال‏:‏ ألمثلي يقال هذا ومن فلان الفاسق‏.‏
فتعجبت كيف يصلح هؤلاء لمجاورة الحق وسكنى الجنة‏!‏‏.‏
فرأيت أن الفائدة في وجودهم في الدنيا تجانس الفائدة في دخولهم الجنة فإنهم في الدنيا بين معتبر به يعرف عارف الله سبحانه نعمة الله عليه بما كشف له مما غطى عن ذاك ويتم النظام بالاقتداء تصور أولئك‏.‏
فإن العارف لا يتسع وقته لمخالطة من يقف مع الصورة الزاهد كراعي البهم والعالم كمؤدب الصبيان والعارف كملقن الحكمة‏.‏
ولولا نفاط الملك وحارسه‏.‏
ووقاد أتونه‏.‏
ما تم عيشه‏.‏
فمن تمام عيش العارف استعمال أولئك بحسبهم فإذا وصلوا إليه حرر مانعهم وفيهم من لا يصل إليه فيكون وجود أولئك كزيادة - لا - في الكلام‏.‏
هي حشو وهي موكدة‏.‏
فإن قال قائل‏:‏ فهب هذا يصح في الدنيا‏.‏
فكيف في الجنة‏.‏

والجواب‏:‏ أن الأنس بالجيران مطلوب ورؤية القاصر من تمام لذة الكامل ولكل شرب‏.‏
ومن تأمل ما أشرت إليه كفاه رمز لفظي عن تطويل الشرح‏.‏

من هناك
06-17-2006, 08:55 PM
جزاك الله خيراً
تابع يا اخي ونحن معك

مقاوم
06-20-2006, 01:18 PM
من دروس النشأة


لما تلمحت تدبير الصانع في سوق رزقي‏.‏
بتسخير السحاب‏.‏
وإنزال المطر برفق والبذر دفين تحت الأرض كالموتى قد عفن ينتظر نفخة من صور الحياة فإذا أصابته اهتز خضراً‏.‏
وإذا انقطع عنه الماء مد يد الطلب يستعطي وأمال رأسه خاضعاً ولبس حلل التغير فهو محتاج إلى ما أنا محتاج إليه من حرارة الشمس وبرودة الماء ولطف النسيم وتربية الأرض فسبحان من أراني - فيما يربيني به - كيف تربيتي في الأصل‏.‏
فيا أيتها النفس التي قد اطلعت على بعض حكمه قبيح بك - والله - الإقبال على غيره‏.‏
ثم العجب كيف تقبلين على فقير مثلك ينادي لسان حاله بي مثل ما بك يا حمام‏!‏‏.‏
فارجعي إلى الأصل الأول واطلبي من المسبب‏.‏
ويا طوبى لك أن عرفتيه فإن عرفانه ملك الدنيا والآخرة‏

مقاوم
06-24-2006, 03:56 PM
الخلوة وحلاوة المناجاة


كنت في بداية الصبوة قد ألهمت سلوك طريق الزهاد بإدامة الصوم والصلاة‏.‏
وحببت إلي الخلوة‏.‏
فكنت أجد قلباً طيباً‏.‏
وكانت عين بصيرتي قوية الحدة تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات‏.‏
ولي نوع أنس وحلاوة مناجاة فانتهى الأمر إلى أن صار بعض ولاة الأمور يستحسن كلامي فأمالني إليه فمال الطبع ففقدت تلك الحلاوة‏.‏
ثم استمالني آخر فكنت أتقي مخالطته ومطاعمه لخوف الشبهات‏.‏
وكانت حالتي قريبة‏.‏
ثم جاء التأويل فانبسطت فيما يباح فانعدم ما كنت أجد من استنارة وسكينة‏.‏
وصارت المخالطة توجب ظلمة في القلب إلى أن عدم النور كله‏.‏
فكان حنيني إلى ما ضاع مني يوجب انزعاج أهل المجلس فيتوبون ويصلحون وأخرج مفلساً فيما بيني وبين حالي‏.‏
وكثر ضجيجي من مرضي وعجزت عن طب نفسي فلجأت إلى قبور الصالحين وتوسلت في صلاحي فاجتذبني لطف مولاي إلى الخلوة على كراهة مني ورد قلبي علي بعد نفور عني وأراني عيب ما كنت أوثره‏.‏
فأفقت من مرض غفلتي‏!‏ وقلت في مناجاة خلوتي‏:‏ سيدي كيف أقدر على شكرك وبأي لسان أنطق بمدحك إذ لم تؤاخذني على غفلتي ونبهتني من رقدتي وأصلحت حالي على كره من طبعي‏.‏
فما أربحني فيما سلب مني إذا كانت ثمرته اللجأ إليك‏!‏‏.‏
وما أغناني إذ أفقرتني إليك وما آنسني إذ أوحشتني من خلقك‏.‏
آه على زمان ضاع في غير خدمتك‏!‏ أسفاً لوقت مضى في غير طاعتك‏.‏
قد كنت إذا انتبهت وقت الفجر لا يؤلمني نومي طول الليل‏.‏
وإذا انسلخ عني النهار لا يوجعني ضياع ذلك اليوم‏.‏
وما علمت أن عدم الإحساس لقوة المرض‏.‏
فالآن قد هبت نسائم العافية فأحسست بالألم فاستدللت على الصحة‏.‏
فيا عظيم الإنعام تممم لي العافية‏.‏
آه من سكر لم يعلم قدر عربدته إلا في وقت الإفاقة‏.‏
لقد فتقت ما يصعب رتقه فواأسفاً على بضاعة ضاعت وعلى ملاح تعب في موج الشمال مصاعداً مدة ثم غلبه النوم فرد إلى مكانه الأول‏.‏
يا من يقرأ تحذيري من التخليط فإني - وإن كنت نفسي بالفعل نصيح لإخواني بالقول - احذروا - إخواني من الترخص فيما لا يؤمن فساده‏.‏
فإن الشيطان يزين المباح في أول مرتبة‏.‏
ثم يجر إلي الجناح فتلمحوا المآل وافهموا الحال‏.‏
وربما أراكم الغاية الصالحة وكان في الطريق إليها نوع مخالفة فيكفي الاعتبار في تلك الحال إنما تأمل آدم الغاية وهي الخلد ولكنه غلط في الطريق وهذا أعجب مصايد إبليس التي يصيد بها العلماء‏.‏
يتأولون لعواقب المصالح فيستعجلون ضرر المفاسد‏.‏
مثاله أن يقول للعالم أدخل على هذا الظالم فاشفع في مظلوم فيستعجل الداخل رؤية المنكرات ويتزلزل دينه‏.‏
وربما وقع في شرك صار به أظلم من ذلك الظالم‏.‏
فمن لم يتق بدينه فليحذر من المصائد فإنها خفية‏.‏
وأسلم ما للجبان العزلة خصوصاً في زمان قد مات فيه المعروف وعاش المنكر ولم يبق لأهل العلم وقع عند الولاة‏.‏
فمن داخلهم دخل معهم فيما لا يجوز ولم يقدر على جذبهم مما هم فيه‏.‏
ثم من تأمل حال العلماء الذين يعملون لهم في الولايات يراهم منسلخين من نفع العلم قد صاروا كالشرطة‏.‏
فليس إلا العزلة عن الخلق‏.‏
والإعراض عن كل تأويل فاسد في المخالطة‏.‏
ولأن أنفع نفسي وحدي‏:‏ خير لي من أن أنفع غيري وأتضرر‏.‏
فإنه إن انفردت بمولاك فتح لك باب معرفته‏.‏

فهان كل صعب وطاب كل مر وتيسر كل عسر وحصلت كل مطلوب‏.‏
والله الموفق بفضله ولا حول ولا قوة إلا به‏.‏

منال
06-26-2006, 07:36 AM
جزاك الله خيرا وبارك الله بك



ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام

مقاوم
06-27-2006, 04:29 PM
مدخل الفساد


تأملت على نفسي تأويلاً في مباح أنال به شيئاً من الدنيا إلا أنه في باب الورع كدر‏.‏
فرأيته أولاً قد احتلب ضرع الدين فذهبت حلاوة المعاملة لله تعالى‏.‏
ثم عاد فقلص ضرع حلبي له فوقع الفقد للحالين‏.‏
فقلت لنفسي‏:‏ ما مثلك إلا كمثل وال ظالم جمع مالاً من غير حله فصودر‏.‏
فأخذ منه الذي جمع وألزم ما لم يجمع‏.‏
فالحذر الحذر من فساد التأويل فإن الله تعالى لا يخادع ولا ينال ما عنده بمعصيته‏.‏

مقاوم
06-28-2006, 04:02 PM
خير الأمور الوسط


رأيت نفسي كلما صفا فكرهاً أو اتعظت بدارج أو زارت قبور الصالحين تتحرك همتها في طلب العزلة والإقبال على معاملة الله تعالى‏.‏
أتراك تريدين مني أن أسكن قفراً لا أنيس به فتفوتني صلاة الجماعة ويضيع مني ما قد علمته لفقد من أعلمه‏.‏
وأن آكل الجشب الذي لم أتعوده فيقع نضوي طلحاً في يومين‏.‏
وأن ألبس الخشن الذي لا أطيقه فلا أدري من كرب محمولي من أنا‏.‏
وأن أتشاغل عن طلب ذرية تتعبد بعدي مع بقاء القدرة على الطلب‏.‏
بالله ما نفعني العلم الذي بذلت فيه عمري إن وافقتك وأنا أعرفك غلط ما وقع لك بالعلم‏.‏
اعلمي أن البدن مطية والمطية إذا لم يرفق بها لم تصل براكبها إلى المنزل‏.‏
وليس مرادي بالرفق الإكثار من الشهوات وإنما أعني أخذ البلغة الصالحة للبدن فحينئذ يصفو الفكر ويصح العقل ويقوي الذهن‏.‏
ألا ترين إلى تأثير المعوقات عن صفاء الذهن في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان وقاس العلماء على ذلك الجوع وما يجري مجراه من كونه حاقناً أو حاقباً‏.‏
وهل الطبع إلا ككلب يشغله الأكل فإذا رمي له ما يتشاغل به طاب له الأكل‏.‏
فأما الانفراد والعزلة فعن الشر لا عن الخير‏.‏
ولو كان فيها لك وقع خير لنقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم‏.‏
هيهات لقد عرفت أن أقواماً دام بهم التقلل واليبس إلى أن تغير فكرهم وقوي الخلط السوداوي عليهم فاستوحشوا من الناس ومنهم من اجتمعت له من المآكل الردية أخلاط مجة فبقي اليوم واليومين والثلاثة لا يأكل وهو يظن ذلك من أمداد اللطف وإذا به من سوء الهضم‏.‏
وفيهم من ترقى به الخلط إلى رؤية الأشباح فيظنها الملائكة‏.‏
فالله الله في العلم والله الله في العقل فإن نور العقل لا ينبغي أن يتعرض لإطفائه والعلم لا يجوز الميل إلى تنقيصه‏.‏
فإذا حفظا حفظاً وظائف الزمان ودفعا ما يؤذي وجلبا ما يصلح وصارت القوانين مستقيمة في المطعم والمشرب والمخالطة‏.‏
فقالت لي النفس‏:‏ فوظف لي وظيفة واحسبني مريضاً قد كتبت له شربة‏.‏
فقلت لها‏:‏ قد دللتك على العلم وهو طبيب ملازم‏.‏
يصف كل لحظة لكل داء يعرض دواء يلائم‏.‏
وفي الجملة ينبغي لك ملازمة تقوى الله عز وجل في المنطق والنظر وجميع الجوارح وتحقق الحلال في المطعم وإيداع كل لحظة ما يصلح لها من الخير ومناهبة الزمان في الأفضل ومجانبة ما يؤدي إلى من نقص ربح أو وقوع خسران‏.‏
ولا تعملي عملاً إلا بعد تقديم النية‏.‏
وتأهبي لمزعج الموت فكأن قد وما عندك من مجيئه في أي وقت يكون‏.‏
ولا تتعرضي لمصالح البدن بل وفريها عليه وناوليه إياها على قانون الصواب لا على مقضى الهوى فإن إصلاح البدن سبب لإصلاح الدين‏.‏
ودعي الرعونة التي يدل عليها الجهل لا العلم من قول النفس فلان يأكل الخل والبقل وفلان لا ينام الليل فاحملي ما تطيقين وما قد علمت قوة البدن عليه‏.‏
فإن البهيمة إذا أقبلت إلى نهر أو ساقية فضربت لتقفز لم تفعل حتى تزن نفسها فإن علمت فيها قوة الطفر طفرت وإن علمت أنها لا تطيق لم تفعل ولو قتلت‏.‏
وليس كل الأبدان تتساوى في الإطاقة ولقد حمل أقوام من المجاهدات في بداياتهم أشياء أوجبت أمراضاً قطعتهم عن خير وتسخطت قلوبهم بوقوعها فعليك بالعلم‏.‏
فإنه شفاء من كل داء والله الموفق‏.‏

مقاوم
07-01-2006, 06:51 AM
بين النقل والعقل

عجبت من أقوام يدعون العلم ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا لأن من أمر ما جاء ومر من غير اعتراض ولا تعرض فما قال شيئاً لا له ولا عليه‏.‏
ولكن أقواماً قصرت علومهم فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا‏.‏
وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء فقالت‏:
‏ إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة *** تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها *** غلام إذا هز القناة شفاها
فلما أتمت القصيدة قال‏:‏ لكاتبه إقطع لسانها فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى‏.‏
فقالت له‏:‏ ويلك إنما قال أجزل لها العطاء‏.‏
ثم ذهبت إلى الحجاج فقالت‏:‏ كاد والله يقطع مقولي‏.‏
فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم فإنه من قرأ الآيات والأحاديث ولم يزد، لم ألمه وهذه طريقة السلف‏.‏
فأما من قال‏:‏ الحديث يقتضي كذا ويحمل على كذا مثل أن يقول‏:‏ استولى على العرش بذاته ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له ابن عبد البر صنف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال‏:‏ هذا يدل على أن الله تعالى على العرش‏.‏
لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى‏.‏
وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام‏.‏
فقاس صفة الحق عليه‏.‏
فأين هؤلاء وأتباع الأثر‏.‏
ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ثم عابوا المتكلمين‏.‏
واعلم أيها الطالب للرشاد أنه سبق إلينا من العقل والنقل أصلان راسخان‏.‏
عليهما مر الأحاديث كلها‏.‏
أما النقل فقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(41,11,11)).‏
ومن فهم هذا لم يحمل وصفاً له على ما يوجبه الحس‏.‏
وأما العقل فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات واستدل على حدوثها بتغيرها ودخول الانفعال عليها فثبت له قدم الصانع‏.‏
وا عجباً كل العجب من راد لم يفهم طبيعة الكلام‏.‏
أوليس العقل إذا استغنى في هذا صرف الأمر عن حقيقته‏.‏
لما ثبت عند من يفهم ماهية الموت‏.‏
فقال‏:‏ الموت عرض يوجب بطلان الحياة‏.‏
فكيف يمات الموت‏.‏
فإذا قيل له فما تصنع بالحديث‏.‏
قال‏:‏ هذا ضرب مثل بإقامة صورة ليعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى‏.‏
قلنا له‏:‏ فقد روي في الصحيح‏:‏ تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان‏.‏
فقال الكلام لا يكون غمامة ولا يتشبه بها‏.‏
قلنا له أفتعطل النقل قال‏:‏ لا ولكن أقول يأتي ثوابهما‏.‏
قلنا‏:‏ فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق‏.‏
فقال‏:‏ علمي بأن الكلام لا يتشبه بالأجسام والموت لا يذبح ذبح الأنعام ولقد علمتم سعة لغة العرب‏.‏
ما ضاقت أعطانكم من سماع مثل هذا‏.‏
فقال العلماء صدقت‏:‏ هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة وفي ذبح الموت‏.‏

فقال‏:‏ واعجبا لكم صرفتم عن الموت والكلام ما لا يليق بهما حفظاً لما علمتم من حقائقهما فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه بما قد دل الدليل على تنزيهه فما زال يجادل الخصوم بهذه الأدلة‏.‏
ويقول‏:‏ لا أقطع حتى أقطع فما قطع حتى قطع‏.‏

مقاوم
07-05-2006, 02:15 PM
حول دليل الرجم


تفكرت في السر الذي أوجب حذف آية الرجم من القرآن لفظاً‏.‏
مع ثبوت حكمها إجماعاً فوجدت لذلك معنيين‏.‏
أحدهما‏:‏ لطف الله تعالى بعباده في أنه لا يواجههم بأعظم المشاق‏.‏
بل ذكر الجلد وستر الجرم ومن هذا المعنى قال بعض العلماء‏:‏ إن الله تعالى قال في المكروهات ‏"‏ كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيَامُ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(1,183,183)) على لفظ لم يسم فاعله وإن كان قد علم أن هو الكاتب‏.‏
فلما جاء إلى ما يوجب الراحة قال‏:‏ ‏"‏‏:‏ كَتَبَ رَبُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(5,54,54)).‏
والوجه الثاني‏:‏ أنه يبين بذلك فضل الأمة في بذلها النفوس قنوعاً ببعض الأدلة‏.‏
فإن الاتفاق لما وقع على ذلك الحكم كان دليلاً‏.‏

إلا أنه ليس كالدليل المقطوع بنصه‏.‏
ومن هذا الجنس شروع الخليل عليه الصلاة والسلام في ذبح ولده بمنام وإن كان الوحي في اليقظة آكد‏.‏

مقاوم
07-16-2006, 10:08 AM
قوانين الأسباب والمسببات


عرضت لي حالة لجأت فيها بقلبي إلى الله تعالى وحده عالماً بأنه لا يقدر على جلب نفعي ودفع ضري سواه‏.‏
ثم قمت أتعرض بالأسباب فأنكر على يقيني وقال‏:‏ هذا قدح في التوكل‏.‏
فقلت‏:‏ ليس كذلك فإن الله تعالى وضعها من الحكم‏.‏
وكان معنى حالي أن ما وضعت لا يفيد وإن وجوده كالعدم‏.‏
وما زالت الأسباب في الشرع كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وَإذَا كُنْتَ فِيِهمْ فَأَقَمْتَ لَهْمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(3,102,102)).‏
وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلهِ ‏"‏‏ (http://javascript<b></b>:openquran(11,47,47)).‏
وقد ظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين وشاور طبيبين ولما خرج إلى الطائف لم يقدر على دخول مكة حتى بعث إلى المطعم بن عدي فقال‏:‏ أدخل في جوارك‏.‏
وقد كان يمكنه أن يدخل متوكلاً بلا سبب‏.‏
فإذا جعل الشرع الأمور منوطة بالأسباب كان إعراضي عن الأسباب دفعاً للحكمة‏.‏
ولهذا أرى أن التداوي مندوب إليه وقد ذهب صاحب مذهبي إلى أن ترك التداوي أفضل ومنعني الدليل من اتباعه في هذا فإن الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ما ومرتبة هذه اللفظة الأمر والأمر إما أن يكون واجباً أو ندباً‏.‏
ولم يسبقه حظر فيقال‏:‏ هو أمر إباحة‏.‏
وكانت عائشة رضي الله عنه تقول‏:‏ تعلمت الطب من كثرة أمراض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينعت له‏.‏
وقال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ كل من هذا فإنه أوفق لك من هذا‏.‏
ومن ذهب إلى أن تركه أفضل احتج بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ يدخل الجنة سبعون ألفاً بلا حساب‏.‏
ثم وصفهم فقال‏:‏ لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون‏.‏
وهذا لا ينافي التداوي لأنه قد كان أقوام يكتوون لئلا يمرضوا ويسترقون لئلا تصيبهم نكبة وقد كوى عليه الصلاة والسلام سعد بن زرارة ورخص في الرقية في الحديث الصحيح‏.‏
فعلمنا أن المراد ما أشرنا إليه‏.‏
وإذا عرفت الحاجة إلى إسهال الطبع رأيت أن أكل البلوط مما يمنع عنه علمي وشرب ماء التمر عندي أوفق وهذا طب‏.‏
فإذا لم أشرب ما يوافقني ثم قلت اللهم عافني قالت لي الحكمة‏:‏ أما سمعت أعقلها وتوكل إشرب وقل عافني ولا تكن كمن بين زرعه وبين النهر كف من تراب تكاسل أن يرفعه بيده ثم قام يصلي صلاة الاستسقاء‏.‏
وما هذه الحالة إلا كحال من سافر على التجريد وإنما سافر على التجريد لأنه يجرب بربه عز وجل هل يرزقه أو لا وقد تقدم الأمر إليه‏:‏ ‏"‏ وَتَزَوَّدُوا ‏"‏ فقال‏:‏ لا أتزود فهذا هالك قبل أن يهلكه‏.‏
ولو جاء وقت صلاة وليس معه ماء ليم على تفريطه وقيل له‏:‏ هلا استصحبت الماء قبل المفازة‏.‏

فالحذر الحذر من أفعال أقوام فمرقوا عن الأوضاع الدينية وظنوا أن كمال الدين بالخروج عن الطباع والمخالفة للأوضاع‏.‏
ولولا قوة العلم والرسوخ فيه لما قدرت على شرح هذا ولا عرفته فافهم ما أشرت إليه فهو أنفع لك من كراريس تسمعها وكن مع أهل المعاني لا مع أهل الحشو‏.‏

@عاشقة الحوراء@
08-24-2006, 11:52 PM
جزاكم الله خيرا و سدد الله خطاكم
سبحان الله امس كنت اسمع محاضرة عن الغرور
اعاننا الله جميعا"

مقاوم
09-08-2006, 02:42 PM
النظافة والجمال

تلمحت على خلق كثير من الناس إهمال أبدانهم فمنهم من لا ينظف فمه بالخلال بعد الأكل‏.‏
ومنهم من لا ينقي يديه في غسلها من الزهم ومنهم من لا يكاد يستاك وفيهم من لا يكتحل وفيهم من لا يراعي الإبط إلى غير ذلك فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا‏.‏
أما الدين إنه قد أمر المؤمن بالتنظف والاغتسال للجمعة لأجل اجتماعه بالناس ونهى عن دخول المسجد إذا أكل الثوم وأمر الشرع بتنقية البراجم وقص الأظفار والسواك والاستحداد‏.‏
وغير ذلك من الآداب‏.‏
فإذا أهمل ذلك ترك مسنون الشرع وربما تعدى بعض ذلك إلى فساد العبادة مثل أن يهمل أظفاره فيجمع تحته الوسخ المانع للماء في الوضوء أن يصل‏.‏
وأما الدنيا فإني رأيت جماعة من المهملين أنفسهم يتقدمون إلى السرار‏.‏
والغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم أوجبت جهلهم بالأذى الحادث عنهم‏.‏
فإذ أخذوا في مناجاة السر لم يمكن أن أصدف عنهم لأنهم يقصدون السر فألقى الشدائد من ريح أفواههم‏.‏
ولعل أكثرهم من وقت انتباههم ما أمر أصبعه على أسنانه‏.‏
ثم يوجب مثل هذا نفور المرأة وقد لا تستحسن ذكر ذلك للرجل فيثمر ذلك التفاتها عنه‏.‏
وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول‏:‏ إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين وفي الناس من يقول‏:‏ هذا تصنع‏.‏
وليس بشيء فإن الله تعالى‏:‏ ‏"‏ زيَّنَنَا لَمّا خَلَقَنَا ‏"‏‏.‏
لأن العين حظاً في النظر‏.‏
ومن تأمل أهداب العين والحاجبين‏.‏
وحسن ترتيب الخلقة علم أن الله زين الآدمي‏.‏
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أنظف الناس وأطيب الناس وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى تبين عفرة إبطيه وكان ساقه ربما انكشفت فكأنها جمارة‏.‏
وكان لا يفارقه السواك وكان يكره أن يشم منه ريح ليست طيبة‏.‏
وفي حديث أنس الصحيح‏:‏ ما شانه الله بيضاء‏.‏
وقد قالت الحكماء‏:‏ من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله‏.‏
وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه‏:‏ ما لكم تدخلون علي قلحاً استاكوا‏.‏
وقد فضلت الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك فالمتنظف ينعم نفسه ويرفع منها قدرها‏.‏
وقد قال الحكماء‏:‏ من طال ظفره قصرت يده ثم إنه يقرب من قلوب الخلق وتحبه النفوس لنظافته وطيبه‏.‏
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطيب‏.‏
ثم إنه يؤنس الزوجة بتلك الحال‏.‏
فإن النساء شقائق الرجال فكما أنه يكره الشيء منها فكذلك هي تكرهه وربما صبر هو على ما يكره وهي لا تصبر‏.‏
وقد رأيت جماعة يزعمون أنهم زهاد وهم من أقذر الناس وذلك أنهم ما قومهم العلم‏.‏


وأما ما يحكى عن داود الطائي‏:‏ أنه قيل له لو سرحت لحيتك فقال‏:‏ إني عنها مشغول فهذا معتذر عن العمل بالسنة والإخبار عن غيبته عن نفسه بشدة خوفه من الآخرة ولو كان مفيقاً لذلك لم يتركه فلا يحتج بحال المغلوبين‏.‏
ومن تأمل خصائص الرسول الله صلى الله عليه وسلم رأى كاملاً في العلم والعمل فيه يكون الاقتداء وهو الحجة على الخلق‏.‏

مقاوم
09-11-2006, 09:52 AM
اخشوشنوا

تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر والبرد‏.‏
فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة‏.‏
وإنما تحصل مجرد لذة ولا خير في لذة تعقب ألماً‏.‏
فأما في الحر فإنهم يشربون الماء المثلوج‏.‏
وذلك على غاية في الضرر وأهل الطب يقولون‏:‏ إنه يحدث أمراضاً صعبة يظهر أثرها في وقت الشيخوخة ويضعون الخيوش المضاعفة الرقيق وهذا من حيث الحكمة مضاد ما وضعه الله تعالى‏.‏
فإنه جعل الحر لتحلل الأخلاط والبرد لجمودها فيجعلون هم جميع السنة ربيعاً فتنعكس الحكمة التي وضع الحر والبرد لها ويرجع الأذى على الأبدان‏.‏
ولا يظن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر والبرد‏.‏
وإنما أقول له‏:‏ لا يفرط في التوقي بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط إلى حد لا يؤثر في القوة‏.‏

وفي البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي فإن الحر والبرد لمصالح البدن‏.‏
وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر والبرد أصلاً فتغيرت حالته فمات عاجلاً وقد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب‏.‏

مقاوم
09-22-2006, 11:38 AM
فلسفة الصبر والرضا


ليس في التكليف أصعب من الصبر على القضاء ولا فيه أفضل من الرضى به‏.‏
فأما الصبر‏:‏ فهو فرض‏.‏
وأما الرضا فهو فضل‏.‏
وإنما صعب الصبر لأن القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في البدن بل هو يتنوع حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر‏.‏
فمن ذلك أنك إذا رأيت مغموراً بالدنيا قد سالت له أوديتها حتى لا يدري ما يصنع بالمال فهو يصوغه أواني يستعملها‏.‏
ومعلوم أن البلور والعقيق والشبه قد يكون أحسن منها صورة غير أن قلة مبالاته بالشريعة جعلت عنده وجود النهي كعدمه‏.‏
ويلبس الحرير ويظلم الناس والدنيا منصبة عليه‏.‏
ثم يرى خلقاً من أهل الدين وطلاب العلم مغمورين بالفقر والبلاء مقهورين تحت ولاية ذلك الظالم‏.‏
فحينئذ يجد الشيطان طريقاً للوسواس ويبتدي بالقدح في حكمة القدر‏.‏
فيحتاج المؤمن إلى الصبر على ما يلقى من الضر في الدنيا وعلى جدال إبليس في ذلك‏.‏
وكذلك في تسليط الكفار على المسلمين والفساق على أهل الدين‏.‏
وأبلغ من هذا إيلام الحيوان وتعذيب الأطفال ففي مثل هذه المواطن يتمحص الإيمان‏.‏
ومما يقوي الصبر على الحالتين النقل والعقل‏.‏
أما النقل فالقرآن والسنة أما القرآن فمنقسم إلى قسمين أحدهما بيان سبب إعطاء الكافر والعاصي فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إِنَّمَا نُملي لهمْ ليزْدَادُوا إثماً ‏"‏‏.‏
‏"‏ وَلَوْلاَ أَنْ يَكونَ الناسُ أمة واحة لجَعْلنا لمنْ يكفُرُ بالرَّحمن لبُيوتهم سقفاً مِنْ فِضَّةٍ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(42,33,33))‏"‏ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيْهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(16,16,16))‏.‏
وفي القرآن من هذا كثير‏.‏
والقسم الثاني‏:‏ ابتلاء المؤمن بما يلقى كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمُ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(2,142,142))‏"‏ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(1,214,214))‏"‏ أًمْ حَسِبْتُمُ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(8,16,16)) وفي القرآن من هذا كثير‏.‏
وأما السنة فمنقسمة إلى قول وحال‏.‏
أما الحال‏:‏ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتقلب على رمال حصير تؤثر في جنبه فبكى عمر رضي الله عنه وقال‏:‏ كسرى وقيصر في الحرير والديباج فقال له صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفي شك أنت يا عمر ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا‏.‏
وأما القول فكقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء‏.‏
وأما العقل‏:‏ فإنه يقوي عساكر الصبر بجنود منها أن يقول‏:‏ قد ثبتت عندي الأدلة القاطعة على حكمة المقدر‏.‏
فلا أترك الأصل الثابت لما يظنه الجاهل خللاً‏.‏
ومنها أن يقول‏:‏ ما قد استهولته أيها الناظر من بسط يد العاصي هي قبض في المعنى وما قد أثر عندك من قبض يد الطائع بسط في المعنى لأن ذلك البسط يوجب عقاباً طويلاً وهذا القبض يؤثر انبساطاً في الأجر جزيلاً فزمان الرجلين ينقضي عن قريب‏.‏
والمراحل تطوى‏.‏
والركبان في السير الحثيث‏.‏
ومنها أن يقول‏:‏ قد ثبت أن المؤمن بالله كالأجير وأن زمن التكليف كبياض نهار ولا ينبغي للمستعمل في الطين إن يلبس نظيف الثياب بل ينبغي أن يصابر ساعات العمل فإذا فرغ تنظف ولبس أجود ثيابه‏.‏
فمن ترفه وقت العمل ندم وقت تفريق الأجرة وعوقب على التواني فيما كلف فهذه النبذة تقوي أزر الصبر‏.‏
وأزيدها بسطاً فأقول‏:‏ أترى إذا أريد اتخاذ شهداء فكيف لا يخلق أقوام يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين أفيجوز أن يفتك بعمر إلا مثل أبي لؤلؤة وبعلي إلا مثل ابن ملجم‏:‏ أفيصح أن يقتل يحيى بن زكريا إلا جبار كافر ولو أن عين الفهم زال عنها غشاء العشا‏لرأيت المسبب لا الأسباب والمقدر لا الأقدار فصبرت على بلائه‏ إيثاراً لما يريد ومن ههنا ينشأ الرضى‏.‏
كما قيل لبعض أهل البلاء‏:‏ ادع الله بالعافية فقال‏:‏ أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل‏.‏
إن كان رضاكم في سهري فسلام اللّه على وسني.
لما أنهيت كتابة الفصل المتقدم‏ هتف بي هاتف من باطني‏،
دعني من شرح الصبر على الأقدار فإني قد اكتفيت بأنموذج ما شرحت‏‏ وصف حال الرضى‏.‏
فإني أجد نسيماً من ذكره فيه روح للروح‏.‏
فقلت‏:‏ أيها الهاتف اسمع الجواب‏.‏
وافهم الصواب‏.‏
إن الرضى من جملة ثمرات المعرفة فإذا عرفته رضيت بقضائه وقد يجري في ضمن القضاء مرارات يجد بعض طعمها الراضي‏.‏
أما العارف فتقل عنده المرارات لقوة حلاوة المعرفة‏.‏
فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة صارت مرارة الأقدار حلاوة كما قال القائل‏:‏ عذابه فيك عذب وبعده فيك قرب وأنت عندي كروحي بل أنت منها أحب حسبي من الحب أني لما تحبّ أحبّ وقال بعض المحبين في هذا المعنى‏:‏ ويقبح من سواك الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاك فصاح بي الهاتف‏.‏
حدثني بماذا أرضى قدر أني أرضى في أقداره بالمرض والفقر أفأرضى بالكسل عن خدمته والبعد عن أهل محبته فبين لي ما الذي يدخل تحت الرضى مما لا يدخل‏.‏
فقلت له‏:‏ نعم ما سألت فاسمع الفرق سماع من ألقى السمع وهو شهيد‏.‏
إرضى بما كان منه‏.‏
فأما الكسل والتخلف فذاك منسوب إليك فلا ترضى به من فعلك‏.‏
وكن مستوفياً حقه عليك مناقشاً نفسك فيما يقربك منه غير راض منها بالتواني في المجاهدة‏.‏
فأما ما يصدر من أقضيته المجردة التي لا كسب لك فيها‏.‏
فكن راضياً بها كما قالت رابعة رحمة الله عليها - وقد ذكر عندها رجل من العباد يلتقط من مزبلة فيأكل فقيل‏:‏ هلا سأل الله تعالى أن يجعل رزقه من غير هذا - فقالت‏:‏ إن الراضي لا يتخير ومن ذاق طعم المعرفة‏.‏
وجد فيه طعم المحبة فوقع الرضى عنده ضرورة‏.‏
فينبغي الاجتهاد في طلب المعرفة بالأدلة ثم العمل بمقتضى المعرفة بالجد في الخدمة لعل ذلك يورث المحبة‏.‏
فقد قال سبحانه وتعالى‏:‏ لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‏.‏
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به‏.‏
فذلك الغنى الأكبر‏.‏
ووافقراه‏.‏
رأيت جمهور العلماء يشغلهم طلبهم للعلم في زمن الصبا عن المعاش فيحتاجون إلى ما لا بد منه فلا يصلهم من بيت المال شيء ولا من صلات الإخوان ما يكفي فيحتاجون إلى التعرض للإذلال فلم أر في ذلك من الحكمة إلا سببين‏.‏
أحدهما‏:‏ قمع إعجابهم بهذا الإذلال والثاني‏:‏ نفع أولئك بثوابهم‏.‏
ثم أمعنت الفكر فتلمحت نكتة لطيفة وهو أن النفس الأبية إذا رأت حال الدنيا كذلك‏.‏
لم تساكنها بالقلب ونبت عنها بالعزم ورأت أقرب الأشياء شبهاً بها‏.‏
مزبلة عليها الكلاب أو غائطاً يؤتى لضرورة‏.‏

فإذا نزل الموت بالرحلة عن مثل هذه الدار‏.‏
لم يكن للقلب بها متعلق متمكن فتهون حينئذ‏.‏

مقاوم
09-22-2006, 11:39 AM
كلام درر والله ... لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!

Saowt
09-22-2006, 03:46 PM
أذكر أنني قرأت في إحدى الزوايا أن أهل البلاء يصب عليهم النعيم والأجر والثواب يوم القيامة، حتى يتمنى غير المبتلين أن لو ابتلوا، فقد قال الله تعالي في ذلك: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"
فالبلاء من أعظم مكفرات الذنوب، ورفعا للدرجات، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل.

وكما قال رسول الله ثلى الله عليه وسلم: "يقول الله سبحانه: ابن آدم! إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض لك ثوابا دون الجنة". رواه ابن ماجة والنسائي والترمذي وقال الإمام البوصيري: صحيح

سأعود لاحقا إن شاء الله لمتابعة المشاركات الأولى.... أحسن الله إليك يا مقاوم

مقاوم
09-23-2006, 11:10 AM
شكرا لمرورك أختي الفاضلة ومرور الأخت الكريمة عاشقة الحوراء وأرجو أن تجدي في القراءة متعة وفائدة إن شاء الله

مقاوم
09-23-2006, 11:47 AM
من خلط الزهاد

ما زال جماعة من المتزهدين يزرون على كثير من العلماء إذا انبسطوا في مباحات‏.‏
والذي يحملهم على هذا الجهل‏.‏
فلو كان عندهم فضل علم ما عابوهم‏.‏
وهذا لأن الطباع لا تتساوى فرب شخص يصلح على خشونة العيش وآخر لا يصلح على ذلك ولا يجوز لأحد أن يحمل غيره على ما يطيقه هو‏.‏
غير أن لنا ضابطاً هو الشرع فيه الرخصة وفيه العزيمة‏.‏
فلا ينبغي أن يلام من حصر نفسه في ذلك الضابط‏.‏
ورب رخصة كانت أفضل من عزائم لتأثير نفعها‏.‏
ولو علم المتزهدون أن العلم يوجب المعرفة بالله تعالى‏.‏
فتنبت القلوب من خوفه وتنحل الأجسام للحذر منه فوجب التلطف حفظاً لقوة الراحلة‏.‏
ولأن آلة العلم والحفظ‏.‏
القلب والفكر فإذا رفهت الآلة جاد العمل وهذا أمر لا يعلم إلا بالعلم‏.‏
فلجهل المتزهدين بالعلم أنكروا ما لم يعلموا‏.‏

وظنوا أن المراد إتعاب الأبدان وإنضاء الرواحل وما علموا أن الخوف المضني يحتاج إلى راحة مقاومة كما قال القائل‏.‏
روحوا القلوب تعي الذكر‏.‏

مقاوم
09-30-2006, 12:08 PM
التصوف ونشر الجهل


ليس في الوجود شيء أشرف من العلم كيف لا وهو الدليل‏.‏
فإذا عدم وقع الضلال‏.‏
وإن من خفي مكائد الشيطان أن يزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد وهو العلم حتى أنه زين لجماعة من القدماء أنهم دفنوا كتبهم ورموها في البحر‏.‏
وهذا قد ورد عن جماعة‏.‏
وأحسن ظني بهم أن أقول‏:‏ كان فيها شيء من رأيهم وكلامهم فما أحبوا انتشاره‏.‏
وإلا فمتى كان فيها علم مفيد صحيح لا يخاف عواقبه كان رميها إضافة للمال لا يحل وقد دنت حيلة إبليس إلى جماعة من المتصوفة حتى منعوا من حمل المحابر تلامذتهم‏.‏
وحتى قال جعفر الخلدي‏:‏ لو تركني الصوفية جئتكم بإسناد الدنيا كتبت مجلساً عن أبي العباس الدوري فلقيني بعض الصوفية فقال‏:‏ دع علم الورق وعليك بعلم الخرق‏.‏
ورأيت محبرة مع بعض الصوفية‏.‏
فقال له صوفي آخر‏:‏ استر عورتك‏!‏ وقد أنشدوا للشبلي‏:‏ إذا طالبوني بعلم الورق برزت عليهم بعلم الخرق وهذا من خفي حيل إبليس ‏"‏ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ‏" (javascript:openquran(33,20,20))‏ وإنما فعل وزينه عندهم لسببين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه أرادهم يمشون في الظلمة‏.‏
والثاني‏:‏ أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم‏.‏
ويكشف له ما كان خفي عنه ويقوي إيمانه ومعرفته ويريه عيب كثير من مسالكه خصوصاً إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة‏.‏
فأراد إبليس سد تلك الطرق بأخفى حيلة فأظهر أن المقصود العمل لا العلم لنفسه وخفي فاحذر من هذه الخديعة الخفية فإن العلم هو الأصل الأعظم والنور الأكبر‏.‏
وربما كان تقليب الأوراق أفضل من الصوم والصلاة والحج والغزو‏.‏
وكم من معرض عن العلم يخوض في عذاب من الهوى في تعبده ويضيع كثيراً من الفرض بالنقل ويشتغل بما يزعمه الأفضل عن الواجب‏.‏
ولو كانت عنده شعلة من نور العلم لاهتدى فتأمل ما ذكرت لك ترشد إن شاء الله تعالى‏.‏

مقاوم
10-04-2006, 01:10 PM
تعليل النفس

مر بي حمالان جذع ثقيل وهما يتجاوبان بإنشاد النغم وكلمات الاستراحة‏.‏
فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله والآخر همته مثل ذلك‏.‏
فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما وثقل الأمر وكلما فعلا هذا هان الأمر‏.‏
فتأملت السبب في ذلك فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما بما يقوله الآخر وطربه به وإحالة فكره في الجواب بمثل ذلك فينقطع الطريق وينسى ثقل المحمول‏.‏
فأخذت من هذا إشارة عجيبة ورأيت الإنسان قد حمل من التكليف أموراً صعبة ومن أثقل ما حمل مداراة نفسه وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره‏.‏
فإن تشكت فعلّلها المجرة من ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى ومن هذا ما يحكى عن بشر الحافي رحمة الله عليه‏:‏ سار ومعه رجل في طريق فعطش صاحبه فقال له‏:‏ نشرب من هذه البئر فقال بشر‏:‏ اصبر إلى البئر الأخرى فلما وصلا إليها قال له‏:‏ البئر الأخرى‏.‏
فما زال يعلله‏.‏
‏.‏
‏.‏
ثم التفت إليه فقال له‏:‏ هكذا تنقطع الدنيا‏.‏
ومن فهم هذا الأصل علل النفس وتلطف بها ووعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت كما كان بعض السلف يقول لنفسه‏:‏ والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك‏.‏

وقال أبو يزيد رحمة الله عليه‏:‏ ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك‏.‏
واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم وبذلك ينقطع الطريق فهذا رمز إلى الإشارة وشرحه يطول‏.‏

lady hla
10-04-2006, 01:31 PM
............ السلام عليكم ............







............. باركَ الله بكَ ....... وبنقلكَ ..........!!!..........

......... مواضيع جميلة ومهمه ......... وخاصةُ آخر موضوع وضعته اعجبني جداً .........!!!.........


سلامي اليك
lady hla
القدس

مقاوم
10-04-2006, 01:39 PM
وفيكم بارك الله ونفعنا بما نقرأ
شاكر لك مرورك الكريم

lady hla
10-04-2006, 01:48 PM
............ السلام عليكم ............






........ لا شكر على واجب ..........!!!........

........ مواضيعٌ تستحق المرور .... والوقوف ........!........


سلامي اليك
lady hla
القدس

مقاوم
10-09-2006, 10:21 AM
تلحين الوحي وتطريب الوعظ

تأملت أشياء تجري في مجالس الوعظ يعتقدها العوام وجهال العلماء قربة وهي منكر وبعد‏.‏
وذاك أن المقرىء يطرب ويخرج الألحان إلى الغناء والواعظ ينشد بتطريب أشعار المجنون وليلى فيصفق هذا ويخرق ثوبه هذا ويعتقدون أن ذلك قربة‏.‏
ومعلوم أن هذه الألحان كالموسيقى توجب طرباً للنفوس ونشوة والتعرض لما يوجب الفساد غلط عظيم‏.‏
وينبغي الاحتساب على الوعاظ في هذا وكذلك المقابريون منهم فإنهم يهيجون الأحزان ليكثر بكاء النساء فيعطون على ذلك الأجرة‏.‏
ولو أنهم أمروا بالصبر لم ترد النسوة ذلك وهذه أضداد للشرع‏.‏
قال ابن عقيل‏:‏ حضرنا عزاء رجل قد مات له ولد فقرأ المقرىء‏:‏ ‏"‏ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(11,84,84)) فقلت له‏:‏ هذه نياحة بالقرآن‏.‏
وفي الوعاظ من يتكلم على طريق المعرفة والمحبة فترى الحائك والسوقي الذي لا يعرف فرائض تلك الصلاة يمزق أثوابه دعوى لمحبة الله تعالى‏.‏
والصافي حالاً منهم - وهو أصلحهم - يتخايل بوهمه شخصاً هو الخالق فيبكيه شوقه إليه لما يسمع من عظمته ورحمته وجماله‏.‏
وليس ما يتخايلونه المعبود لأن‏:‏ المعبود لا يقع في خيال‏.‏
إلا أن الواعظ مأمور بأن لا يتعدى الصواب ولا يتعرض لما يفسدهم‏.‏
بل يجذبهم إلى ما يصلح بألطف وجه وهذا يحتاج إلى صناعة فإن من العوام من يعجبه حسن اللفظ ومنهم من يعجبه الإشارة ومنهم من ينقا ببيت من الشعر‏.‏
وأحوج الناس إلى البلاغة الواعظ ليجمع مطالبهم لكنه ينبغي أن ينظر في اللازم الواجب وأن يعطيهم من المباح في اللفظ قدر الملح في الطعام ثم يجتذبهم إلى العزائم ويعرفهم الطريق الحق‏.‏
وقد حضر أحمد بن حنبل فسمع كلام الحارث المحاسبي فبكى ثم قال‏:‏ لا يعجبني الحضور وإنما بكى لأن الحال أوجبت البكاء‏.‏


وقد كان جماعة من السلف يرون تخليط القصاص فينهون عن الحضور عندهم‏.‏
وهذا على الإطلاق لا يحسن اليوم لأنه كان الناس في ذلك الزمان متشاغلين بالعلم فرأوا حضور القصص صاداً لهم واليوم كثر الإعراض عن العلم فأنفع ما للعامي مجلس الوعظ يرده عن ذنب ويحركه إلى توبة وإنما الخلل في القاص فليتق الله عز وجل‏.‏

مقاوم
01-13-2007, 04:24 PM
فصل ضرر الجدال

فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا في الإثبات ليتقرر في أنفس العوام وجود الخالق فإن النفوس تأنس بالإثبات فإذا سمع العامي ما يوجب النفي،
طرد عن قلبه الإثبات فكان أعظم ضرر عليه وكان هذا المنزه من العلماء على زعمه مقاوماً لإثبات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمحو وشارعاً في إبطال ما يفتون به‏.‏
وبيان هذا أن الله تعالى أخبر باستوائه على العرش فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(54,27,27)) وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتَانِ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(4,64,64)) وقال‏:‏ ‏"‏ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(47,6,6))‏"‏ رَضيَ اللَّهُ عنهم ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(4,119,119)) وأخبر الرسول أن ينزل إلى السماء الدنيا وقال‏:‏ قلوب العباد بين إصبعين وقال‏:‏ وكتب التوراة بيده وكتب كتاباً فهو عنده فوق العرش إلى غير ذلك مما يطول ذكره‏.‏
فإذا امتلأ العامي والصبي من الإثبات وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس قيل له‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(41,11,11)) فمحا من قلبه ما نقشه الخيال وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة‏.‏
ولهذا أقر الشرع مثل هذا فسمع منشداً يقول‏:‏ وفوق العرش رب العالمينا فضحك‏.‏
وقال له آخر‏:‏ أويضحك ربنا فقال‏:‏ نعم وقال‏:‏ إنه على عرشه هكذا كل هذا ليقرر الإثبات في النفوس‏.‏
وأكثر الخلق لا يعرفون الإثبات إلا على ما يعلمون من الشاهد فيقنع منهم بذلك إلى أن يفهموا فأما إذا ابتدأنا بالعامي الفارغ من فهم الإثبات فقلنا‏:‏ ليس في السماء ولا على العرش ولا يوصف بيد وكلامه صفة قائمة بذاته وليس عندنا منه شيء ولا يتصور نزوله انمحى من قلبه تعظيم المصحف ولم يتحقق في سره إثبات إله‏.‏
وهذه جناية عظيمة على الأنبياء توجب نقض ما تعبوا في بيانه ولا يجوز لعالم أن يأتي إلى عقيدة عامي قد أنس بالإثبات فيهوشها فإنه يفسده ويصعب صلاحه‏.‏
فأما العالم فإنا قد أمناه لأنه لا يخفى عليه استحالة تجدد صفة الله تعالى وأنه لا يجوز أن يكون استوى كما يعلم ولا يجوز أن يكون محمولاً ولا أن يوصف بملاصقة ومس ولا أن ينتقل‏.‏
ولا يخفى عليه أن المراد بتقليب القلوب بين أصبعين الإعلام بالتحكم في القلوب فإن ما يدبره الإنسان بين أصبعين هو متحكم فيه إلى الغالية‏.‏
ولا يحتاج إلى تأويل من قال‏:‏ الإصبع الأثر الحسن فالقلوب بين أثرين من آثار الربوبية وهما‏:‏ الإقامة والإزاغة‏.‏
ولا إلى تأويل من قال‏:‏ يداه نعمتاه لأنه إذا فهم أن المقصود الإثبات‏.‏
وقد حدثنا بما نعقل‏.‏
وضربت لنا الأمثال بما نعلم وقد ثبت عندنا بالأصل المقطوع به أنه لا يجوز عليه ما يعرفه وأصلح ما نقول للعوام‏:‏ أمروا هذه الأشياء كما جاءت ولا تتعرضوا لتأويلها وكل ذلك يقصد به حفظ الإثبات وهذا الذي قصده السلف‏.‏
وكان أحمد يمنع من أن يقال‏:‏ لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق كل ذلك ليحمل على الاتباع وتبقى ألفاظ الإثبات على حالها‏.‏
وأجهل الناس من جاء إلى ما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فأضعف في النفوس قوي التعظيم‏.‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو يشير إلى المصحف‏.‏
ومنع الشافعي أن يحمله المحدث بعلاقته تعظيماً له‏.‏
فإذا جاء متحذلق فقال‏:‏ الكلام صفة قائمة بذات المتكلم فمعنى قوله هذا أن ما ههنا شيء يحترم فهذا قد ضاد بما أتى به مقصود الشرع‏.‏
وينبغي أن يفهم أوضاع الشرع ومقاصد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد منعوا من كشف ما قد قنع الشرع فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلام في القدر ونهى عن الاختلاف لأن هذه الأشياء تخرج إلى ما يؤذي‏.‏
فإن الباحث عن القدر إذا بلغ فهمه إلى أن يقول‏:‏ قضى وعاقب تزلزل إيمانه بالعدل‏.‏
وإن قال‏:‏ لم يقدر ولم يقض تزلزل إيمانه بالقدرة والملك فكان الأولى ترك الخوض في هذه الأشياء‏.‏
ولعل قائلاً يقول‏:‏ هذا منع لنا عن الاطلاع على الحقائق وأمر بالوقوف مع التقليد‏.‏
فأقول‏:‏ لا إنما أعلمك أن المراد منك الإيمان بالجمل وما أمرت بالتنقير لمعرفة الكنه مع أن قوى فهمك تعجز عن إدراك الحقائق‏.‏
فإن الخليل عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ أرني كيف تحيي فأراه ميتاً حيي ولم يره كيف أحياه لأن قواه تعجز عن إدراك ذلك‏.‏
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي بعث ليبين للناس ما نزل إليهم يقنع من الناس بنفس الإقرار واعتقاد الجمل‏.‏
وكذلك كانت الصحابة فما نقل عنهم أنهم تكلموا في تلاوة ومتلو وقراءة ومقروء ولا أنهم قالوا استوى بمعنى استولى ويتنزل بمعنى يرحم‏.‏

بل قنعوا بإثبات الجمل التي تثبت التعظيم عند النفوس وكفوا كف الخيال بقوله‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ‏"‏‏.‏
ثم هذا منكر ونكير إنما يسألان عن الأصول المجملة فيقولان‏:‏ من ربك وما دينك ومن ومن فهم هذا الفصل سلم من تشبيه المجسمة وتعطيل المعطلة ووقف على جادة السلف الأول والله الموفق‏.‏

من هناك
01-13-2007, 07:18 PM
جزاك الله خيراً اخي مقاوم وهذه المشاركة تستحق ان تكون موضوعاً مفرداً بذاته. الحمد لله ان الأحباش لم يستفيدوا منها وإلا لكان تبعهم من العوام الكثير.

قد يبدو المنطق في هذه المقالة متعارضاً مع الأسلوب الإلهي في الشهادة حيث نبدأ بالنفي كي ننتقل للإثبات بعدها بينما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالإثبات في إفهام العامة العقائد.

كيف ترى هذا؟

مقاوم
01-14-2007, 04:47 AM
وإياك أخي الكريم

لكني أعتبر الشهادتين نوع من الإثبات بالنص والمضمون وذلك أن أول كلماتها "أشهد أن" وهذا إثبات وثانيها "لا إله إلا" وهي في اللغة أداة إثبات عكسية حيث أنها تنفي الضد فتثبت المقصود والله أعلم

Saowt
01-14-2007, 01:54 PM
مر بي حمالان جذع ثقيل وهما يتجاوبان بإنشاد النغم وكلمات الاستراحة‏.‏
فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله والآخر همته مثل ذلك‏.‏
فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما وثقل الأمر وكلما فعلا هذا هان الأمر‏.‏
كلام جميل جدا
رحمكما الله تعالى

من هناك
01-14-2007, 02:31 PM
معك حق اخي مقاوم،
ولكن في المنطقا البشري، تثبيت النفي هو نفي للأصل. ولكن في الشهادة كما قال العديد من العلماء اراد رب العزة نفي كل الأديان والمفاهيم الإلهية السابقة من اجل إثبات احقية رب الأرباب بالإلوهية وحده. لذلك بدأت الشهادة بنفي كل الآلهة السابقة وتثبيت الوهية الله وحده.

انا لا اعارض ما نقلته عن ابن الجوزي ولكني اعرض لرأي آخر في الموضوع.

بما ان الشهادة بسيطة ومفهومها غير معقد فيمكن ان تبدأ بنفي وتنتهي بإثبات. لكن المفاهيم الأخرى اكثر تعقيداً على العامة ولذلك يكون الإبتداء بالتثبيت اقوى اثراً في النفوس.

مقاوم
01-17-2007, 03:18 PM
أرأيتم إن أخذ الله سمعكم

قرأت هذه الآية‏:‏ ‏"‏ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيْكُمْ بِهِ ‏"‏ (http://javascript<b></b>:openquran(5,46,46)) فلاحت لي فيها إشارة كدت أطيش منها‏.‏
وذلك أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر فإن السمع آلة لإدراك المسموعات والبصر آلة لإدراك المبصرات فهما يعرضان ذلك على القلب فيتدبر ويعتبر‏.‏


فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدل على الخالق وتحمل على طاعة الصانع وتحذر من بطشه عند مخالفته‏.‏
وإن عني معنى السمع والبصر فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا شغلا بالهوى فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات فيرى وكأنه ما رأى ويسمع وكأنه ما سمع والقلب ذاهل عن ما يتأدب به فيبقى الإنسان خاطئاً على نفسه لا يدري ما يراد به لا يؤثره عنده أنه يبلى ولا تنفعه موعظة تجلى ولا يدري أين هو ولا ما المراد منه ولا إلى أين يحمل وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ولا يتفكر في خسران آجلته لا يعتبر برفيقه ولا يتعظ بصديقه ولا يتزود لطريقه كما قال الشاعر‏:‏ الناس في غفلة والموت يوقظهم وما يفيقون حتى ينفد العمر يشيعون أهاليهم بجمعهم وينظرون إلى ما فيه قد قبروا ويرجعون إلى أحلام غفلتهم كأنهم ما رأوا شيئاً ولا نظروا وهذه حالة أكثر الناس فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات فإنها أقبح الحالات‏.‏

مقاوم
03-02-2007, 12:10 PM
حقيقة العشق
نظرت فيما تكلم به الحكماء في العشق وأسبابه وأدويته وصنفت في ذلك كتاباً سميته ذم الهوى‏.‏
وذكرت فيه عن الحكماء أنهم قالوا‏:‏ سبب العشق حركة نفس فارغة وأنهم اختلفوا‏.‏
فقال قوم منهم‏:‏ لا يعرض العشق إلا لظراف الناس‏.‏
وقال آخرون‏:‏ بل لأهل الغفلة منهم عن تأمل الحقائق‏.‏
إلا أنه خطر لي بعد ذلك معنى عجيب أشرحه ههنا‏.‏
وهو أنه لا يتمكن العشق إلا مع واقف جامد‏.‏
فأما أرباب صعود الهمم فإنها كلما تخايلت ما توجبه المحبة فلاحت عيوبه لها إما بالفكر في المحبوب أو بالمخالطة له تسلت أنفسهم وتعلقت بمطلوب آخر‏.‏
فلا يقف على درجة العشق الموجب للتمسك بتلك الصورة العامي عن عيوبها إلا جامد واقف‏.‏
فأما العشق فلا يفهم أبداً في سيرتهم بل يوقفوا الطبع تتبع حادي فإذا علقت الطباع محبة شخص لم يبلغوا مرتبة العشق المستأثر بل ربما مالوا ميلاً شديداً إما في البداية لقلة التفكر أو لقلة المخالطة والاطلاع على العيوب وإما لتشبث بعض الخلال الممدوحة بالنفوس من جهة مناسبة وقعت بين الشخصين كالظريف مع الظريف والفطن مع الفطن فيوجب ذلك المحبة‏.‏
فأما العشق فلا يفهم أبداً في سيرتهم بل يوقفوا إبل الطبع عن تتبع حادي الفهم فإن للهمم متعلقاً لا تجده في الدنيا لأنه يروم ما لا يصح وجوده من الكمال في الأشخاص فإذا تلمح عيوبها نفر‏.‏
وأما متعلق القلوب من محبة الخالق البارىء فهو مانع لها من الوقوف مع سواه‏.‏
وإن كانت محبة لا تجانس محبة المخلوقين غير أن أرباب المعرفة ولهى قد شغلهم حبه عن حب غيره‏.‏
وصارت الطباع مستغرقة لقوة معرفة القلوب ومحبتها كما قالت رابعة‏:‏ ولقد روي عن بعض فقراء الزهاد أنه مر بامرأة فأعجبته فخطبها إلى أبيها فزوجه وجاء به إلى المنزل وألبسه غير خلقانه‏.‏
فلما جن الليل صاح الفقير‏:‏ ثيابي ثيابي‏ فقدت ما كنت أجده!!
فهذه عثرة في طريق هذا الفقير دلته على أنه منحرف عن الجادة‏.‏
وإنما تعتري هذه الحالات أرباب المعرفة بالله عز وجل وأهل الأنفة من الرذائل‏.‏
وقد قال ابن مسعود‏:‏ إذا أعجبت أحدكم امرأة فليتذكر مثانتها‏.‏
ومثال هذه الحال أن العقل يغيب عند استحلاء تناول المشتهى من الطعام عن التفكر في تقلبه في الفم وبلعه‏.‏
ويذهل عن الجماع عن ملاقات القاذورات لقوة غلبة الشهوة وينسى عند بلع الرضاب استحالته عن الغذاء وفي تغطية تلك الأحوال مصالح‏.‏
إلا أن أرباب اليقظة يعتريهم هذا الإحساس من غير طلب له في غالب أحوالهم فينغص عليهم لذيذ العيش ويوجب الأنفة من رذالة الهوى‏.‏
وعلى قدر النظر في العواقب يخف العشق عن قلب العاشق وعلى قدر وجمود الذهن يقوى القلق قال المتنبي‏:‏ ومجموع ما أردت شرحه‏.‏
أن طباع المتيقظين تترقى فلا تقف مع شخص مستحسن‏.‏
وسبب ترقيها التفكر في نقص ذلك الشخص وعيوبه أو في طلب ما هو أم منه‏.‏

وقلوب العارفين تترقى إلى معروفها وتتنقل في معبر الاعتبار‏.‏
فأما أهل الغفلة فجمودهم في الحالتين وغفلتهم عن المقامين يوجب أسرهم وقسرهم وحيرتهم‏.‏

مقاوم
03-16-2007, 12:48 PM
دعاء المقر بالذنب

عرض لي أمر لي يحتاج إلى سؤال الله عز وجل ودعائه فدعوت وسألت‏.‏
فأخذ بعض أهل الخير يدعو معي فرأيت نوعاً من أثر الإجابة‏.‏
فقالت لي نفسي‏:‏ هذا بسؤال ذلك العبد لا بسؤالك فقلت لها‏:‏ أما أنا فإني أعرف من نفسي من الذنوب والتقصير ما يوجب منع الجواب غير أنه يجوز أن يكون أنا الذي أجبت لأن هذا الداعي الصالح سليم مما أظنه من نفسي إذ معي انكسار تقصيري ومعه الفرح بمعاملته‏.‏
وربما كان الاعتراف بالتقصير أنجح في الحوائج على أنني أنا وهو نطلب من الفضل لا بأعمالنا فإذا وقفت أنا على قدم الانكسار معترفاً بذنوبي‏ وقلت أعطوني بفضلكم فما لي في سؤالي شيء أجبت به‏.‏
فلا تكسريني أيتها النفس فيكفيني كسر علمي بي لي‏.‏

ومعي من العلم الموجب للأدب والاعتراف بالتقصير وشدة الفقر إلى ما سألت ويقيني بفضل المطلوب عنه ما ليس مع ذلك العابد فبارك الله في عبادته‏.‏
فربما كان اعترافي بتقصيري أوفى‏.‏