mohammad
12-11-2004, 08:28 PM
بكيت على الشباب بدمع عيني**فلا نفع البكاء ولا النحيب
فيا أسفاأسفت على شباب**نعاه الشيب والراس الخضيب
عريت من الشباب وكان غضا**كما يعرى من الورق القضيب
ألا ليت الشباب يعود يوما**فأخبره بما فعل المشيب
قال الراوي : دخلنا على جماعة من الشباب ، قد أسدلوا الشعر وأسبلوا الثياب ، ووقعوا في جدال وسباب ، فقام خطيبنا فقال وأصاب ، وأقسم بمن أنزل الكتاب ، وأجرى السحاب ، وهزم الأحزاب ، أن الشباب أمل الأمة المنشود ، وعلمها المعقود ، وسجلها المحمود ، ثم التفت إلى الشباب فقال ، وقد فاض دمعه وسال : ما لكم خالفتم السنة ، وهجرتم طريق الجنة ، تركتم هدي النبي ، وتشبهتم بالأجنبي ، قال أوسطهم طريقة ، وأعرفهم حقيقة : لماذا وجهت الكلام إلينا ، وماذا تنقم علينا ؟
قال الخطيب : سبحان الملك القدوس ، ما أغبى هذه النفوس!،أليست أوقاتكم في القيل والقال ، وإضاعة المال ، وهدر الساعات الطوال ، قصَّرتم في الطاعة ، وبالغتم في الإضاعة ، وفرطتم في صلاة الجماعة ، هجرتم القرآن ، وأطعتم الشيطان ، وغرّكم الشباب الفتّان ، ألستم أحفاد المهاجرين والأنصار ، وأبناء الأبرار ، وعليكم تعلق الآمال الكبار . فقام أصغرهم ، وهو في العين أحقرهم ، فقال : أيها الخطيب ، يكفي هذا التأنيب ، فإنهم قالوا : لا ينفع التهذيب في الذيب ، واعلم أنا في عصر الصبا ، كنبت الربى ، وكم من سيف نبا ، وضوء خبا ، وجواد كبا ، فلا تشمت بنا العِدا ، ولا تكثر المرا ، قال الخطيب : عجب ، أيها الخب ابن الخب ، أتيت بعذر أقبح من ذنب ، أتعتذر بالشبيبة ، لعمل كل خيبة ، فهذه مصيبة ، هؤلاء الصحابة ، كلٍّ حفظ شبابه ، وحمل كتابه ، وخاف حسابه ، وهل عندكم عهد وأمان ، من طروق الحدثان ، أم أنكم في لهوكم تلعبون ، ولهواكم تركبون ؟
قال قائل منهم ، وقد ناب عنهم ، يا عم : ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه . ونحن في مقتبل العمر ، وفي غفلة من الدهر ، فدعنا نبهج ابتهاج الزهر ، ونقبل على الدنيا إقبال القطر ، كما قال الشاعر :
أقبل على اللذات ويحك إنه**تطوى بك الأيام والساعاتُ
واترك مواعظ من يُخوِّف بالردى**قبل الردى يا صاحبي أوقاتُ
قال الخطيب والذي قرّت بحبه العيون ، وأزال بالعلم الظنون ، إنكم في غيّكم تلعبون ، ومن حتفكم تطربون ، أين العقول هل ذهبت ، أين البصائر هل سُلبت ، أما ترون أنه يُساق بكم إلى القبور ، وكل واحد منكم مغرور ، تغترون بالمُهلة ، وتظنون أن الأمور سهلة :
فلا تقل الصبا فيه أمتهل**وفكر كم صبي قد دفنتا
تفر من الهجير وتتقيه**فهلا من جهنم قد فررتا
يا قوم : الأنفاس تكتب عليكم ، والمنايا تزف إليكم ، فقال أحدهم : فماذا نفعل أيها الواعظ ؟ فإني أراك تنتقد وتلوم وتلاحظ ، هل ترانا في حياتنا أخطأنا ، وعن مناد الصلاح أبطأنا ؟ قال الخطيب : أين نور الهداية ، وحسن البداية ، والاستعداد للنهاية ، المساجد منكم مهجورة ، والمقاهي بكم معمورة ،كل منكم ركب لهوه وطيشه،وأقبل على الدخان والشيشة ، تسبلون الإزار ، وتطيلون الأظفار ، وتقلّدون الكفار ، تضيّعون الصلوات ، وتقعون في الشهوات ، وتسهرون الساعات ، وتزجون الأوقات ، لم تفلحوا في دنيا ولا دين ، وأراكم في غيّكم قاعدين ، لستم في صلاح ولا طاعة ، ولا سنة ولا جماعة ، ولا صناعة ، ولا زراعة ، ولا جلب بضاعة .
شباب الغرب في المصانع عاكفون ، وإلى العمل منصرفون ، وفي التجارة محترفون ، وبالجد والمثابرة متصفون ، المهندس منهم في صناعته ، والفلاح في زراعته ، والتاجـر في متابعة بضاعته ، والطبيب في عيادته .
وأنتم ماذا فعلتم ، وأروني ماذا عملتم ؟
أحدكم في الليل جيفة ، وفي النهار ريشة خفيفة ، فَصَلْتم من الجامعة ، وهجرتم القراءة والمطالعة ، وجلستم على القارعة ، كل منكم قد أزعج شارعه، شغلتكم الأغاني والأماني عن المثاني ، للرياضة تشجعون ، وللمنتخب تتابعون ، وللملاعب تسارعون ، وفي اللهو واللغو بارعون ، حياتكم فوضة ، تتابعون آخر موضة ، كأنكم أطفال الروضة.
متى عهدكم بالقرآن ، هل حفظتم شيئاً من سنة ولد عدنان ، لا تعرفون المؤلفين والمكتشفين ، والمخترعين والبارعين ، ولا تذكرون أحداً من العلماء والحكماء ، والأدباء، والأولياء ، حفظتم عن ظهر قلب أسماء المغنيّين ، واللاعبين ، واللاّهين، والمسرحيّين ، والممثلين ، عققتم الأوطان ، وأطعتم الشيطان .
هَمُّ أحدكم حذاء وساعة ، وميدالية لمّاعة ، كأنه شمّاعة .
ما لكم أهداف سامية ، ولا همم عالية ، ولا أخلاق غالية ، ما عندكم عزائم ، أصبتم بإحباطاتٍ وهزائم ، مقصد أحدكم الأفراح والولائم .
ألستم أحفاد الراشدين ، وأبناء المجاهدين ، وسلالة العابدين .
صار همّ أحدكم ثياب فاخرة ، وجلسات ساخرة ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة . كأنكم أطفال يفرح أحدكم بركوب السيارة ، ومشاهدة الطيارة ، ومعايشة السيجارة ، تحفظون أسماء اللاعبين ، وتغفلون عن أسماء العلماء العاملين ، اتركوا الشوارع، واخرجوا إلى الجوامع ، اذهبوا إلى المصانع ، هبوا إلى المزارع ، هيّا إلى الحدادة والنجارة ، هيّا إلى الصناعة والعمارة ، هيّا إلى البيع والتجارة ، هيّا إلى الورشة والنشارة .
نريد منكم علماء وحكماء وأطباء وأدباء .
شباب الحق للإسلام عودوا**فأنتم مجده وبكم يسود
وأنتم سر نهضته قديما**وأنتم فجره الباهي الجديد
فقال أحدهم وقد تسربل بالخجل ، وتكنفه الوجل ، فتكلم على عجل ، فقال : لسنا سبب الضياع ، وإنما آباؤنا الرعاع ، أهملونا من زمن الرضاع ، ما أعطونا من ماء التربة ولو قطرة ، وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة .
ما كانوا يسألون عنّا ، كأنا لسنا منهم وليسوا منّا ، ربّونا تربية الدواب، وعلمونا تعليم الأعراب ، فنفوسنا من الآداب خراب .
أشغلونا بالتلفزيون ، والتلفون ، وسيّـبونا في السكك مع شباب يهمزون ويغمزون ، ما أخذونا إلى المساجد ، ما عرّفونا على عالم واحد ، ما حفّظونا الآيات البيّنات ، ما علّمونا الأحاديث النبويّات ، أهملونا للمجلاّت الخليعات ، والأفلام المائعات، والسهرات الضائعات . غرسوا فينا حب الرذيلة ، وكراهية الفضيلة ، علّمونا سوء الأدب ، وكثرة الضحك من غير سبب ، وسرعة الغضب ، وإضاعة الطلب .
فقال الخطيب : قد سمعت ما قلت ، وأنت بالحق نطقت ، وبررت فيما قلت وصدقت ، ولكن ما عذركم الآن ، وقد وضح لكم الربح من الخسران ، والتوفيق من الخذلان ، وقد قال شاعر أصفهان :
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها
ما بال أشيب يستهويه شيطان
فليس لكم عذر في الآباء ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، أيها الأبناء ،جددوا التوبة، وأصلحوا الأوبة ، وارقعوا بيد الصلاح ما تمزق من ثوب الأعمار،واغسلوا بدمع الندم ما تركته الذنوب من غبار ، واتركوا مصاحبة الفجّار ، ومصادقة الأشرار ، ومرافقة الشطار ، والتشبه بالكفار ، أقبلوا على الحياة السعيدة ، واعكفوا على الكتب المفيدة ، وتخلّقوا بالأخلاق الحميدة ، واحملوا الآداب الرشيدة ، حافظوا على تكبيرة الإحرام ، واجتنبوا الحرام ، وتوبوا من العشق والغرام ، وارتفعوا إلى منازل الكرام ، تذكّروا الموت وسكرته ، والقبر وظلمته ، والحساب ودقته ، والصراط ومزلته ، تفكروا في البعث والنشور ، يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصّل ما في الصدور ، وينفخ في الصور ، ويعضُّ على كفه المثبور ، وتقصم الظهور .
والله لو عاش الفتى في عمره**ألفاً من الأعـوام مالك أمره
ما كان ذلك كله في أن يفي**فيها بأول ليـلة فـي قبـره
فلما سمعوا كلامه ، وشاهدوا مقامه ، غلبتهم الحسرة والندامة ، ووضع كل منهم على وجهه أكمامه ، وبكوا بكاء من عاين القيامة ، وتذكر لياليه وأيامه .
فرفع الخطيب يديه ، واجتمعوا عليه ، ودنوا إليه ، فقال: اللهم يا قويّ الأسباب ، يا كريم الجناب ، افتح لعبادك الأبواب ، وتب على من تاب ، وارحم هؤلاء الشباب ، فإنك تقيل العثرات ، وتغفر الزلات ، وتعفو عن السيئات ، وتتجاوز عن الخطيئات ، اللهم أصلح قلوبهم ، واستر عيوبهم ، واحفظ غيوبهم ، واغفر ذنوبهم .
ثم قال الخطيب : هيّا بنا إلى المسجد ، لنركع ونسجد ، ونصلي ونتعبد ، ونعود إلى الله فالعود أحمد ، ونقتدي بالرسول محمّد .
فسمعوا نداءه ، وأجابوا دعاءه ، وذهبوا وراءه ، فأصلح الله لهم البال ، ووفقهم لأحسن الأعمال ، وأزكى الأقوال ، وأشرف الأحوال ، فصاروا كالنجوم الزاهرة ، والبدور الباهرة ، بقلوب طاهرة ، وأعمال بالخير ظاهرة .
منقول
فيا أسفاأسفت على شباب**نعاه الشيب والراس الخضيب
عريت من الشباب وكان غضا**كما يعرى من الورق القضيب
ألا ليت الشباب يعود يوما**فأخبره بما فعل المشيب
قال الراوي : دخلنا على جماعة من الشباب ، قد أسدلوا الشعر وأسبلوا الثياب ، ووقعوا في جدال وسباب ، فقام خطيبنا فقال وأصاب ، وأقسم بمن أنزل الكتاب ، وأجرى السحاب ، وهزم الأحزاب ، أن الشباب أمل الأمة المنشود ، وعلمها المعقود ، وسجلها المحمود ، ثم التفت إلى الشباب فقال ، وقد فاض دمعه وسال : ما لكم خالفتم السنة ، وهجرتم طريق الجنة ، تركتم هدي النبي ، وتشبهتم بالأجنبي ، قال أوسطهم طريقة ، وأعرفهم حقيقة : لماذا وجهت الكلام إلينا ، وماذا تنقم علينا ؟
قال الخطيب : سبحان الملك القدوس ، ما أغبى هذه النفوس!،أليست أوقاتكم في القيل والقال ، وإضاعة المال ، وهدر الساعات الطوال ، قصَّرتم في الطاعة ، وبالغتم في الإضاعة ، وفرطتم في صلاة الجماعة ، هجرتم القرآن ، وأطعتم الشيطان ، وغرّكم الشباب الفتّان ، ألستم أحفاد المهاجرين والأنصار ، وأبناء الأبرار ، وعليكم تعلق الآمال الكبار . فقام أصغرهم ، وهو في العين أحقرهم ، فقال : أيها الخطيب ، يكفي هذا التأنيب ، فإنهم قالوا : لا ينفع التهذيب في الذيب ، واعلم أنا في عصر الصبا ، كنبت الربى ، وكم من سيف نبا ، وضوء خبا ، وجواد كبا ، فلا تشمت بنا العِدا ، ولا تكثر المرا ، قال الخطيب : عجب ، أيها الخب ابن الخب ، أتيت بعذر أقبح من ذنب ، أتعتذر بالشبيبة ، لعمل كل خيبة ، فهذه مصيبة ، هؤلاء الصحابة ، كلٍّ حفظ شبابه ، وحمل كتابه ، وخاف حسابه ، وهل عندكم عهد وأمان ، من طروق الحدثان ، أم أنكم في لهوكم تلعبون ، ولهواكم تركبون ؟
قال قائل منهم ، وقد ناب عنهم ، يا عم : ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه . ونحن في مقتبل العمر ، وفي غفلة من الدهر ، فدعنا نبهج ابتهاج الزهر ، ونقبل على الدنيا إقبال القطر ، كما قال الشاعر :
أقبل على اللذات ويحك إنه**تطوى بك الأيام والساعاتُ
واترك مواعظ من يُخوِّف بالردى**قبل الردى يا صاحبي أوقاتُ
قال الخطيب والذي قرّت بحبه العيون ، وأزال بالعلم الظنون ، إنكم في غيّكم تلعبون ، ومن حتفكم تطربون ، أين العقول هل ذهبت ، أين البصائر هل سُلبت ، أما ترون أنه يُساق بكم إلى القبور ، وكل واحد منكم مغرور ، تغترون بالمُهلة ، وتظنون أن الأمور سهلة :
فلا تقل الصبا فيه أمتهل**وفكر كم صبي قد دفنتا
تفر من الهجير وتتقيه**فهلا من جهنم قد فررتا
يا قوم : الأنفاس تكتب عليكم ، والمنايا تزف إليكم ، فقال أحدهم : فماذا نفعل أيها الواعظ ؟ فإني أراك تنتقد وتلوم وتلاحظ ، هل ترانا في حياتنا أخطأنا ، وعن مناد الصلاح أبطأنا ؟ قال الخطيب : أين نور الهداية ، وحسن البداية ، والاستعداد للنهاية ، المساجد منكم مهجورة ، والمقاهي بكم معمورة ،كل منكم ركب لهوه وطيشه،وأقبل على الدخان والشيشة ، تسبلون الإزار ، وتطيلون الأظفار ، وتقلّدون الكفار ، تضيّعون الصلوات ، وتقعون في الشهوات ، وتسهرون الساعات ، وتزجون الأوقات ، لم تفلحوا في دنيا ولا دين ، وأراكم في غيّكم قاعدين ، لستم في صلاح ولا طاعة ، ولا سنة ولا جماعة ، ولا صناعة ، ولا زراعة ، ولا جلب بضاعة .
شباب الغرب في المصانع عاكفون ، وإلى العمل منصرفون ، وفي التجارة محترفون ، وبالجد والمثابرة متصفون ، المهندس منهم في صناعته ، والفلاح في زراعته ، والتاجـر في متابعة بضاعته ، والطبيب في عيادته .
وأنتم ماذا فعلتم ، وأروني ماذا عملتم ؟
أحدكم في الليل جيفة ، وفي النهار ريشة خفيفة ، فَصَلْتم من الجامعة ، وهجرتم القراءة والمطالعة ، وجلستم على القارعة ، كل منكم قد أزعج شارعه، شغلتكم الأغاني والأماني عن المثاني ، للرياضة تشجعون ، وللمنتخب تتابعون ، وللملاعب تسارعون ، وفي اللهو واللغو بارعون ، حياتكم فوضة ، تتابعون آخر موضة ، كأنكم أطفال الروضة.
متى عهدكم بالقرآن ، هل حفظتم شيئاً من سنة ولد عدنان ، لا تعرفون المؤلفين والمكتشفين ، والمخترعين والبارعين ، ولا تذكرون أحداً من العلماء والحكماء ، والأدباء، والأولياء ، حفظتم عن ظهر قلب أسماء المغنيّين ، واللاعبين ، واللاّهين، والمسرحيّين ، والممثلين ، عققتم الأوطان ، وأطعتم الشيطان .
هَمُّ أحدكم حذاء وساعة ، وميدالية لمّاعة ، كأنه شمّاعة .
ما لكم أهداف سامية ، ولا همم عالية ، ولا أخلاق غالية ، ما عندكم عزائم ، أصبتم بإحباطاتٍ وهزائم ، مقصد أحدكم الأفراح والولائم .
ألستم أحفاد الراشدين ، وأبناء المجاهدين ، وسلالة العابدين .
صار همّ أحدكم ثياب فاخرة ، وجلسات ساخرة ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة . كأنكم أطفال يفرح أحدكم بركوب السيارة ، ومشاهدة الطيارة ، ومعايشة السيجارة ، تحفظون أسماء اللاعبين ، وتغفلون عن أسماء العلماء العاملين ، اتركوا الشوارع، واخرجوا إلى الجوامع ، اذهبوا إلى المصانع ، هبوا إلى المزارع ، هيّا إلى الحدادة والنجارة ، هيّا إلى الصناعة والعمارة ، هيّا إلى البيع والتجارة ، هيّا إلى الورشة والنشارة .
نريد منكم علماء وحكماء وأطباء وأدباء .
شباب الحق للإسلام عودوا**فأنتم مجده وبكم يسود
وأنتم سر نهضته قديما**وأنتم فجره الباهي الجديد
فقال أحدهم وقد تسربل بالخجل ، وتكنفه الوجل ، فتكلم على عجل ، فقال : لسنا سبب الضياع ، وإنما آباؤنا الرعاع ، أهملونا من زمن الرضاع ، ما أعطونا من ماء التربة ولو قطرة ، وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة .
ما كانوا يسألون عنّا ، كأنا لسنا منهم وليسوا منّا ، ربّونا تربية الدواب، وعلمونا تعليم الأعراب ، فنفوسنا من الآداب خراب .
أشغلونا بالتلفزيون ، والتلفون ، وسيّـبونا في السكك مع شباب يهمزون ويغمزون ، ما أخذونا إلى المساجد ، ما عرّفونا على عالم واحد ، ما حفّظونا الآيات البيّنات ، ما علّمونا الأحاديث النبويّات ، أهملونا للمجلاّت الخليعات ، والأفلام المائعات، والسهرات الضائعات . غرسوا فينا حب الرذيلة ، وكراهية الفضيلة ، علّمونا سوء الأدب ، وكثرة الضحك من غير سبب ، وسرعة الغضب ، وإضاعة الطلب .
فقال الخطيب : قد سمعت ما قلت ، وأنت بالحق نطقت ، وبررت فيما قلت وصدقت ، ولكن ما عذركم الآن ، وقد وضح لكم الربح من الخسران ، والتوفيق من الخذلان ، وقد قال شاعر أصفهان :
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها
ما بال أشيب يستهويه شيطان
فليس لكم عذر في الآباء ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، أيها الأبناء ،جددوا التوبة، وأصلحوا الأوبة ، وارقعوا بيد الصلاح ما تمزق من ثوب الأعمار،واغسلوا بدمع الندم ما تركته الذنوب من غبار ، واتركوا مصاحبة الفجّار ، ومصادقة الأشرار ، ومرافقة الشطار ، والتشبه بالكفار ، أقبلوا على الحياة السعيدة ، واعكفوا على الكتب المفيدة ، وتخلّقوا بالأخلاق الحميدة ، واحملوا الآداب الرشيدة ، حافظوا على تكبيرة الإحرام ، واجتنبوا الحرام ، وتوبوا من العشق والغرام ، وارتفعوا إلى منازل الكرام ، تذكّروا الموت وسكرته ، والقبر وظلمته ، والحساب ودقته ، والصراط ومزلته ، تفكروا في البعث والنشور ، يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصّل ما في الصدور ، وينفخ في الصور ، ويعضُّ على كفه المثبور ، وتقصم الظهور .
والله لو عاش الفتى في عمره**ألفاً من الأعـوام مالك أمره
ما كان ذلك كله في أن يفي**فيها بأول ليـلة فـي قبـره
فلما سمعوا كلامه ، وشاهدوا مقامه ، غلبتهم الحسرة والندامة ، ووضع كل منهم على وجهه أكمامه ، وبكوا بكاء من عاين القيامة ، وتذكر لياليه وأيامه .
فرفع الخطيب يديه ، واجتمعوا عليه ، ودنوا إليه ، فقال: اللهم يا قويّ الأسباب ، يا كريم الجناب ، افتح لعبادك الأبواب ، وتب على من تاب ، وارحم هؤلاء الشباب ، فإنك تقيل العثرات ، وتغفر الزلات ، وتعفو عن السيئات ، وتتجاوز عن الخطيئات ، اللهم أصلح قلوبهم ، واستر عيوبهم ، واحفظ غيوبهم ، واغفر ذنوبهم .
ثم قال الخطيب : هيّا بنا إلى المسجد ، لنركع ونسجد ، ونصلي ونتعبد ، ونعود إلى الله فالعود أحمد ، ونقتدي بالرسول محمّد .
فسمعوا نداءه ، وأجابوا دعاءه ، وذهبوا وراءه ، فأصلح الله لهم البال ، ووفقهم لأحسن الأعمال ، وأزكى الأقوال ، وأشرف الأحوال ، فصاروا كالنجوم الزاهرة ، والبدور الباهرة ، بقلوب طاهرة ، وأعمال بالخير ظاهرة .
منقول