منال
11-03-2004, 02:03 PM
أسباب الانتكاسة
الشيخ عبد الرحمن العايد
حمداً لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، موضوعنا موضوع مهم جداً، كيف لا، وهو يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله على عبده، ونعم الله علينا كثيرة، إلا أن نعمة الهداية أعظم هذه النعم، وأجلها... نعمة الهداية: الهداية إلى الإسلام، الهداية إلى الثبات على هذا الدين، ولفضل هذه النعمة أحببت الكلام عن أسباب فقدها، وإذا عرف الإنسان أسباب فقد هذه النعمة؛ فإنه يحرص أشد الحرص على الابتعاد عنها؛ حتى تدوم له هذه النعمة. ومع كثرة الملتزمين الذين نراهم- ولله الحمد- إلا أننا نرى أيضا كثرة في المنتكسين- نسأل الله العافية- لذلك لابد من التعرف على الأسباب، أو بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتكاس، ومن الأسباب:
* الالتحاق مع الشباب الملتزم من غير اقتناع ورغبة:
وإنما التحق بهم لأسباب معينة مثلا:
* لأنه يجد الأنس معهم، وللخروج إلى الرحلات، والذهاب إلى الأماكن البعيدة دون أن يجد ملامة في ذلك، فلما وجد أن هذا الشيء يتوفر عند هؤلاء؛ التحق بهم، ولم يلتحق بهم لأنه يرغب في الالتزام على نهج الطريق المستقيم.
• أو لأنه أعجب بشخص معين، أو أشخاص معينين، فلا يأتي للشباب الملتزم إلا لأجل هذا الشخص.
• وقد يكون التحق معهم لأجل ظروف معينة كأن يريد مثلًا تعمية الشرطة، أو غيرها عنه، فقد يكون مطالبا بأمر معين، فيلتحق بالشباب الملتزمين حتى يعمي النظر عنه، وحتى يقال عنه أنه التزم وترك ما كان عليه سابقا.
• قد يكون التحق مع الشباب بسبب صدمة هائلة حدثت له في حياته كأن يشاهد حادثاً، أو وفاة، أو رأى محتضِراً، أو غير ذلك مما يعيده إلى صوابه، فيلتحق بالشباب؛ ولأنها صدمة مؤقتة، فإن تأثيرها قد يكون مؤقتا؛ لذلك قد يرجع مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقا.
• قد يكون التحق مع الشباب الملتزمين لغرض: كأن يريد الزواج مثلًا، فيلتحق مع الشباب حتى إذا سئل عنه قالوا: أنه شخص صالح، مستقيم، محافظ على الصلوات، ويسير مع أناس طيبين. هذه كلها قد تكون أسباب لأن يلتحق الشخص بالشباب الملتزمين مع أنه غير مقتنع، ولم يرد التوبة، وإنما أراد الالتحاق بهم لهذه الأغراض التي ذكرناها. هذا السبب الأول من أسباب الانتكاسة.
* عدم الاهتمام بتربية الشاب لنفسه:
فلا قراءة قرآن، ولا محافظة على الصلوات، ولا أداء للنوافل بأنواعها من قيام ليل، أو قراءة قرآن، أو صوم نافلة، أو غير ذلك؛ فأهمل نفسه، ورضي بأن يكتفي بأن يكون ملتزما في مظهره فقط، وهذا هو الالتزام الأجوف، يكون ملتزما شكلًا، أما مضمونا، فهو في الحقيقة منتكسا وإذا انتكس الباطن فإن الظاهر سهل جدا أن ينتكس بعد أن ينتكس الباطن، وهذا هو السر في أنك تفاجأ بانتكاس بعض الأشخاص الذين تحسبهم من أنشط الناس، وأحرصهم على عبادة الله، وهو في الحقيقة انتكس سابقا في الباطن، واحتفظ بالشكل الخارج حتى أتى اليوم الذي لم يبق للشكل الخارج فائدة فانجر الانتكاس إلى الشكل الخارج أيضا .
• الكمال الزائف:
فقد يجد الشاب الملتزم في بداية التزامه تشجيعاً، ومدحا له من المشرف على الشباب، أو من يقوم بتربيتهم؛ مما يوهم هذا الشخص بأنه قد بلغ الكمال، فيغفل عن المحافظة على نفسه، والمشاركة في أعمال الخير، وبذلك يفتر، ثم ينتكس، والعياذ بالله.
• عدم فهم الشباب الملتزم فهما صحيحا:
وذلك أن بعض الشباب الذين بدءوا بالالتزام عندما يدخل مع الشباب الملتزمين يصور لنفسه أنه يدخل مع ملائكة لا يخطئون، ويجب أن لا يخطئوا، مع أنهم بشر كغيرهم من البشر لهم أخطاء، ونحسب أن صوابهم أكثر من خطأهم، لكن لا يعني هذا أن خطأهم غير موجود، فعندما يدخل معهم بهذا التفكير، ويفاجأ بوجود خطأ منهم، بل ربما يفاجأ بوقوع الخطأ عليه، فيولد هذا صدمة هائلة في حياته؛ تؤثر عليه تأثيرا سلبيا مما يجعله ينتكس مرة أخرى ويقول: انظر إلى هؤلاء الشباب الملتزمين ماذا يفعلون! ونسي أنهم بشر، يخطئون ويصيبون.
• سوء التربية من قبل المربي:
ونقصد بالمربين: المشرفون على أمثال التجمعات الشبابية التي يجتمعون فيها كحلق تحفيظ القرآن، أو غيرها. والخطأ في التربية جوانب متعددة فربما يكون الخطأ من المربي في:
• عدم مراعاة الجانب الوجداني في الشخص: فلا يحرص على تقوية إيمانه وربطه بالله - سبحانه -، بل تراه يكثر من المزاح معه، ومن جلبه ما يؤنس هذا الشخص الجديد كأشرطة الأناشيد مثلا، والإكثار من النكت والطرائف وغير ذلك مما يجعل هذا الشخص يتربى على هذه الأشياء، وينسى الجانب الوجداني الذي يصله بالله.
• عدم مراعاة الجانب العلمي في الشخص:
فلا يحرص على تعليمه، وتحبيبه للعلم وأهله، ولا شك أن الدخول في مجال العلم طلبا وتعليما؛ وسيلة عظيمة للثبات.
• عدم مراعاة الجانب الخلقي في الشخص:
وذلك بألّا يحرص على تحسينه، وتهذيب أخلاق هذا الشخص الملتزم الجديد، فينشأ سيئ الخلق، مما قد يوصله إلى الانتكاس.
• عدم تدرج المربي مع هذا الشخص التدرج المطلوب:
فربما يعامله بالشدة القاسية التي تنفر هذا الشخص، وربما يكون العكس تماما، فيربيه على التساهل، وعدم الانضباط، وهذه أيضا وسيلة للانتكاس.
• عدم طرح أسباب الانتكاس على الشباب:
إن معرفة الشر وسيلة لاجتنابه كما قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وحذيفة - رضي الله عنه - يقول: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" رواه البخاري ومسلم. ولا شك أنك إذا عرفت أسباب الانتكاس، وطرحت عليك؛ فإن هذا يجعل لك وقاية، والوقاية خير من العلاج.
• التعلق ببعض قضايا الماضي:
كأن يكثر من التفكير في معاص قد اقترفها سابقا، ويتلذذ بهذا التفكير أو يحتفظ بأفلام، أو صور، أو أشرطة قديمة، أو غير ذلك مما يذكره بالماضي، بل ومن أهم ما يُذّكر الإنسان بالماضي صديق الماضي قبل الالتزام، هذا الصديق من أخطر الأسباب التي قد تجرك إلى الانتكاس لأن:
• هذا الصديق يتكلم بلسان يؤثر فيك، ثم أيضا أن هذا الصديق لا تعده عدواً، ولذلك لا تحتاط منه.
• هذا الصديق مفتاح لماضيك، فربما يذكرك بما اقترفته أنت وإياه في الماضي، حتى ولو كان هذا الشيء الذي فعلتموه مباحا، وهذا التذكير قد يحرك فيك بعض المشاعر لأن ترجع لمثل هذه الذكريات.
• هذا الصديق يوافق هواك، وبذلك تكون قد جابهت ثلاثة جيوش: الشيطان، وهذا الصديق، وهواك.
• ربما سلم لك هذا الصديق قيادة نفسه، فجعلك رئيسا عليه، وربما تكون ممن يحب الرئاسة والترأس، وبذلك ترتاح مع هذا الصديق؛ لأنك لا تجد من تترأس عليه مع الشباب الملتزمين، ولذلك تشبع هذه الرغبة بالترأس على هذا، وتكثر من مخالطته، وهذا يؤدي إلى الانتكاس.
• قد يكون في هذا الصديق شيء من الدعابة، والظرافة مما يجذبك إليه.
فهذه الأشياء التي يتصف بها صديق الماضي تجعله أخطر ما يمكن أن تحتفظ به من ذكريات الماضي.
• الإنفراد عن الشباب الصالحين:
قال الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... (28)} سورة الكهف. والابتعاد عن الشباب الصالحين سيجعلك منفردا، ولن تستمر على هذا الانفراد بل ستبحث عن أصدقاء آخرين، فإن لم يكن لك أصدقاء طيبين، صالحين، يحثونك على الخير، فإنه سيكون لك- ولو بعد مدة- أصدقاء سيئين يحثونك على الشر.
• عدم إبراز الملتزم شخصيته الدينية:
وخصوصا إذا كان مظهره لا يدل على الالتزام، كأن يكون يلبس لباساً لا يصلح للشاب الملتزم، فإذا لم يتميز، ولم تظهر صورته الدينية واضحة؛ فإنه سيكون عرضة لوساوس شياطين الإنس والجن،فيجترئون عليه؛ لأنهم لا يعرفون أنه ملتزم، ولذلك ربما ذكروا المنكرات عنده وربما أغروه بالمنكرات. لكن إذا أظهرت شخصيتك الدينية بشكل واضح؛ لتنكر ما يقولون من الباطل، ولتأمرهم بالخير، فإذا رأوك وجدوا أنك تذكرهم بالله: تقرأ القرآن، ثوب قصير، محافظ على الالتزام بالشخصية الملتزمة بصورة واضحة، هذا يجعلهم على الأقل يحجبون ذكر المنكرات عندك، وأيضا من باب أولى ألّا يغروك باقترافها.
• التوسع في المباحات:
لأن التوسع في المباحات يؤدي إلى أن يكون التزام الشخص التزاماً أجوف، ولاشك أن الالتزام الأجوف من أسباب الانتكاس.
• الحماس الزائد غير المضبوط بضوابط معينة:
بل حماس وثورة لمدة معينة، ثم ينطفىء كسعف النخل إذا أشعلته رأيت له نارا تلظى، ولكن سرعان ما تنطفيء، وتخمد، ويذهب هذا الضوء، وهكذا سرعان ما ينتكس من يريد الشيء بسرعة كبيرة بعد أن يلتزم، يريد أن يحقق كل شيء بسرعة، وقد يصل به هذا إلى الغلو، ومن ثم التقصير؛ لأنه سيتعب، ويكل، ويمل، ثم بعد ذلك سينتكس- نسأل الله العافية-.
• الخوف من غير الله:
كالخوف من السجن، أو الفصل من الوظيفة، وهذا الخوف قد يجعله ينتكس، قال - تعالى -:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ... (10) }.
• عدم حب الانضباط بل حب التساهل والتسيب:
وهذا يؤدي به في النهاية إلى أنه لا يحصل شيئا، ولا يستفيد من أي شيء، متسيب، فينتكس؛ لأنه ليس عنده شيء يمنعه من الانتكاس.
• أن يكون في قلبه مرض، أو آفة كبرت مع الوقت:
مثل أن يكون في قلبه مثلا غرور، أو عجب، أو كبر، أو حب رئاسة، أو غير ذلك من الآفات؛ ولم يجاهد نفسه في التخلص منها، فتكون مثل النبتة الصغيرة، فتضرب بعروقها في قلبه، فتحرفه عن الطريق فيما بعد.
• عدم العمل بما يوعظ به:
يسمع الموعظة لكنه لا يعمل بها، ولو عمل بها لزاده الله ثباتا قال - تعالى -:}وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66) {سورة النساء. إذاً بإمكانك أن تقول: من الوسائل التي تعينك على الثبات، وتمنعك من الانتكاس؛ العمل بما توعظ به من أعمال الخير العمل.
• أخيرا
أقول: أن المنتكس قد بدل نعمة الله عليه، هل تجدون نعمة أعظم من نعمة الالتزام؟ إذاً،فلنسمع لقول الله: }وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211) }سورة البقرة ويقول - تعالى -:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25) }سورة محمد .
نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
الشيخ عبد الرحمن العايد
حمداً لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، موضوعنا موضوع مهم جداً، كيف لا، وهو يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله على عبده، ونعم الله علينا كثيرة، إلا أن نعمة الهداية أعظم هذه النعم، وأجلها... نعمة الهداية: الهداية إلى الإسلام، الهداية إلى الثبات على هذا الدين، ولفضل هذه النعمة أحببت الكلام عن أسباب فقدها، وإذا عرف الإنسان أسباب فقد هذه النعمة؛ فإنه يحرص أشد الحرص على الابتعاد عنها؛ حتى تدوم له هذه النعمة. ومع كثرة الملتزمين الذين نراهم- ولله الحمد- إلا أننا نرى أيضا كثرة في المنتكسين- نسأل الله العافية- لذلك لابد من التعرف على الأسباب، أو بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتكاس، ومن الأسباب:
* الالتحاق مع الشباب الملتزم من غير اقتناع ورغبة:
وإنما التحق بهم لأسباب معينة مثلا:
* لأنه يجد الأنس معهم، وللخروج إلى الرحلات، والذهاب إلى الأماكن البعيدة دون أن يجد ملامة في ذلك، فلما وجد أن هذا الشيء يتوفر عند هؤلاء؛ التحق بهم، ولم يلتحق بهم لأنه يرغب في الالتزام على نهج الطريق المستقيم.
• أو لأنه أعجب بشخص معين، أو أشخاص معينين، فلا يأتي للشباب الملتزم إلا لأجل هذا الشخص.
• وقد يكون التحق معهم لأجل ظروف معينة كأن يريد مثلًا تعمية الشرطة، أو غيرها عنه، فقد يكون مطالبا بأمر معين، فيلتحق بالشباب الملتزمين حتى يعمي النظر عنه، وحتى يقال عنه أنه التزم وترك ما كان عليه سابقا.
• قد يكون التحق مع الشباب بسبب صدمة هائلة حدثت له في حياته كأن يشاهد حادثاً، أو وفاة، أو رأى محتضِراً، أو غير ذلك مما يعيده إلى صوابه، فيلتحق بالشباب؛ ولأنها صدمة مؤقتة، فإن تأثيرها قد يكون مؤقتا؛ لذلك قد يرجع مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقا.
• قد يكون التحق مع الشباب الملتزمين لغرض: كأن يريد الزواج مثلًا، فيلتحق مع الشباب حتى إذا سئل عنه قالوا: أنه شخص صالح، مستقيم، محافظ على الصلوات، ويسير مع أناس طيبين. هذه كلها قد تكون أسباب لأن يلتحق الشخص بالشباب الملتزمين مع أنه غير مقتنع، ولم يرد التوبة، وإنما أراد الالتحاق بهم لهذه الأغراض التي ذكرناها. هذا السبب الأول من أسباب الانتكاسة.
* عدم الاهتمام بتربية الشاب لنفسه:
فلا قراءة قرآن، ولا محافظة على الصلوات، ولا أداء للنوافل بأنواعها من قيام ليل، أو قراءة قرآن، أو صوم نافلة، أو غير ذلك؛ فأهمل نفسه، ورضي بأن يكتفي بأن يكون ملتزما في مظهره فقط، وهذا هو الالتزام الأجوف، يكون ملتزما شكلًا، أما مضمونا، فهو في الحقيقة منتكسا وإذا انتكس الباطن فإن الظاهر سهل جدا أن ينتكس بعد أن ينتكس الباطن، وهذا هو السر في أنك تفاجأ بانتكاس بعض الأشخاص الذين تحسبهم من أنشط الناس، وأحرصهم على عبادة الله، وهو في الحقيقة انتكس سابقا في الباطن، واحتفظ بالشكل الخارج حتى أتى اليوم الذي لم يبق للشكل الخارج فائدة فانجر الانتكاس إلى الشكل الخارج أيضا .
• الكمال الزائف:
فقد يجد الشاب الملتزم في بداية التزامه تشجيعاً، ومدحا له من المشرف على الشباب، أو من يقوم بتربيتهم؛ مما يوهم هذا الشخص بأنه قد بلغ الكمال، فيغفل عن المحافظة على نفسه، والمشاركة في أعمال الخير، وبذلك يفتر، ثم ينتكس، والعياذ بالله.
• عدم فهم الشباب الملتزم فهما صحيحا:
وذلك أن بعض الشباب الذين بدءوا بالالتزام عندما يدخل مع الشباب الملتزمين يصور لنفسه أنه يدخل مع ملائكة لا يخطئون، ويجب أن لا يخطئوا، مع أنهم بشر كغيرهم من البشر لهم أخطاء، ونحسب أن صوابهم أكثر من خطأهم، لكن لا يعني هذا أن خطأهم غير موجود، فعندما يدخل معهم بهذا التفكير، ويفاجأ بوجود خطأ منهم، بل ربما يفاجأ بوقوع الخطأ عليه، فيولد هذا صدمة هائلة في حياته؛ تؤثر عليه تأثيرا سلبيا مما يجعله ينتكس مرة أخرى ويقول: انظر إلى هؤلاء الشباب الملتزمين ماذا يفعلون! ونسي أنهم بشر، يخطئون ويصيبون.
• سوء التربية من قبل المربي:
ونقصد بالمربين: المشرفون على أمثال التجمعات الشبابية التي يجتمعون فيها كحلق تحفيظ القرآن، أو غيرها. والخطأ في التربية جوانب متعددة فربما يكون الخطأ من المربي في:
• عدم مراعاة الجانب الوجداني في الشخص: فلا يحرص على تقوية إيمانه وربطه بالله - سبحانه -، بل تراه يكثر من المزاح معه، ومن جلبه ما يؤنس هذا الشخص الجديد كأشرطة الأناشيد مثلا، والإكثار من النكت والطرائف وغير ذلك مما يجعل هذا الشخص يتربى على هذه الأشياء، وينسى الجانب الوجداني الذي يصله بالله.
• عدم مراعاة الجانب العلمي في الشخص:
فلا يحرص على تعليمه، وتحبيبه للعلم وأهله، ولا شك أن الدخول في مجال العلم طلبا وتعليما؛ وسيلة عظيمة للثبات.
• عدم مراعاة الجانب الخلقي في الشخص:
وذلك بألّا يحرص على تحسينه، وتهذيب أخلاق هذا الشخص الملتزم الجديد، فينشأ سيئ الخلق، مما قد يوصله إلى الانتكاس.
• عدم تدرج المربي مع هذا الشخص التدرج المطلوب:
فربما يعامله بالشدة القاسية التي تنفر هذا الشخص، وربما يكون العكس تماما، فيربيه على التساهل، وعدم الانضباط، وهذه أيضا وسيلة للانتكاس.
• عدم طرح أسباب الانتكاس على الشباب:
إن معرفة الشر وسيلة لاجتنابه كما قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وحذيفة - رضي الله عنه - يقول: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" رواه البخاري ومسلم. ولا شك أنك إذا عرفت أسباب الانتكاس، وطرحت عليك؛ فإن هذا يجعل لك وقاية، والوقاية خير من العلاج.
• التعلق ببعض قضايا الماضي:
كأن يكثر من التفكير في معاص قد اقترفها سابقا، ويتلذذ بهذا التفكير أو يحتفظ بأفلام، أو صور، أو أشرطة قديمة، أو غير ذلك مما يذكره بالماضي، بل ومن أهم ما يُذّكر الإنسان بالماضي صديق الماضي قبل الالتزام، هذا الصديق من أخطر الأسباب التي قد تجرك إلى الانتكاس لأن:
• هذا الصديق يتكلم بلسان يؤثر فيك، ثم أيضا أن هذا الصديق لا تعده عدواً، ولذلك لا تحتاط منه.
• هذا الصديق مفتاح لماضيك، فربما يذكرك بما اقترفته أنت وإياه في الماضي، حتى ولو كان هذا الشيء الذي فعلتموه مباحا، وهذا التذكير قد يحرك فيك بعض المشاعر لأن ترجع لمثل هذه الذكريات.
• هذا الصديق يوافق هواك، وبذلك تكون قد جابهت ثلاثة جيوش: الشيطان، وهذا الصديق، وهواك.
• ربما سلم لك هذا الصديق قيادة نفسه، فجعلك رئيسا عليه، وربما تكون ممن يحب الرئاسة والترأس، وبذلك ترتاح مع هذا الصديق؛ لأنك لا تجد من تترأس عليه مع الشباب الملتزمين، ولذلك تشبع هذه الرغبة بالترأس على هذا، وتكثر من مخالطته، وهذا يؤدي إلى الانتكاس.
• قد يكون في هذا الصديق شيء من الدعابة، والظرافة مما يجذبك إليه.
فهذه الأشياء التي يتصف بها صديق الماضي تجعله أخطر ما يمكن أن تحتفظ به من ذكريات الماضي.
• الإنفراد عن الشباب الصالحين:
قال الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... (28)} سورة الكهف. والابتعاد عن الشباب الصالحين سيجعلك منفردا، ولن تستمر على هذا الانفراد بل ستبحث عن أصدقاء آخرين، فإن لم يكن لك أصدقاء طيبين، صالحين، يحثونك على الخير، فإنه سيكون لك- ولو بعد مدة- أصدقاء سيئين يحثونك على الشر.
• عدم إبراز الملتزم شخصيته الدينية:
وخصوصا إذا كان مظهره لا يدل على الالتزام، كأن يكون يلبس لباساً لا يصلح للشاب الملتزم، فإذا لم يتميز، ولم تظهر صورته الدينية واضحة؛ فإنه سيكون عرضة لوساوس شياطين الإنس والجن،فيجترئون عليه؛ لأنهم لا يعرفون أنه ملتزم، ولذلك ربما ذكروا المنكرات عنده وربما أغروه بالمنكرات. لكن إذا أظهرت شخصيتك الدينية بشكل واضح؛ لتنكر ما يقولون من الباطل، ولتأمرهم بالخير، فإذا رأوك وجدوا أنك تذكرهم بالله: تقرأ القرآن، ثوب قصير، محافظ على الالتزام بالشخصية الملتزمة بصورة واضحة، هذا يجعلهم على الأقل يحجبون ذكر المنكرات عندك، وأيضا من باب أولى ألّا يغروك باقترافها.
• التوسع في المباحات:
لأن التوسع في المباحات يؤدي إلى أن يكون التزام الشخص التزاماً أجوف، ولاشك أن الالتزام الأجوف من أسباب الانتكاس.
• الحماس الزائد غير المضبوط بضوابط معينة:
بل حماس وثورة لمدة معينة، ثم ينطفىء كسعف النخل إذا أشعلته رأيت له نارا تلظى، ولكن سرعان ما تنطفيء، وتخمد، ويذهب هذا الضوء، وهكذا سرعان ما ينتكس من يريد الشيء بسرعة كبيرة بعد أن يلتزم، يريد أن يحقق كل شيء بسرعة، وقد يصل به هذا إلى الغلو، ومن ثم التقصير؛ لأنه سيتعب، ويكل، ويمل، ثم بعد ذلك سينتكس- نسأل الله العافية-.
• الخوف من غير الله:
كالخوف من السجن، أو الفصل من الوظيفة، وهذا الخوف قد يجعله ينتكس، قال - تعالى -:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ... (10) }.
• عدم حب الانضباط بل حب التساهل والتسيب:
وهذا يؤدي به في النهاية إلى أنه لا يحصل شيئا، ولا يستفيد من أي شيء، متسيب، فينتكس؛ لأنه ليس عنده شيء يمنعه من الانتكاس.
• أن يكون في قلبه مرض، أو آفة كبرت مع الوقت:
مثل أن يكون في قلبه مثلا غرور، أو عجب، أو كبر، أو حب رئاسة، أو غير ذلك من الآفات؛ ولم يجاهد نفسه في التخلص منها، فتكون مثل النبتة الصغيرة، فتضرب بعروقها في قلبه، فتحرفه عن الطريق فيما بعد.
• عدم العمل بما يوعظ به:
يسمع الموعظة لكنه لا يعمل بها، ولو عمل بها لزاده الله ثباتا قال - تعالى -:}وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66) {سورة النساء. إذاً بإمكانك أن تقول: من الوسائل التي تعينك على الثبات، وتمنعك من الانتكاس؛ العمل بما توعظ به من أعمال الخير العمل.
• أخيرا
أقول: أن المنتكس قد بدل نعمة الله عليه، هل تجدون نعمة أعظم من نعمة الالتزام؟ إذاً،فلنسمع لقول الله: }وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211) }سورة البقرة ويقول - تعالى -:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25) }سورة محمد .
نسأل الله أن يثبتنا على دينه.