منير الليل
10-20-2004, 10:39 AM
من الرداء الأسود الى محطة شارل حلو...
شبان وشابات طرابلس <<المحافظة>>: أين يلتقون وكيف؟
نيفين أفيوني
الملعب الأولمبي في طرابلس، يقابله البحر بأجمل صوره عند الغروب... السيارات تحيط بالمكان قبالة الشاطئ. وهي من كل نوع؛ فخم، عادي، وأقل من عادي... من كل طبقات المجتمع. معظمها <<مفَيَّم>>... وبحركة مستمرة... ولكنها <<متسمّرة>> في نفس المكان... وبالطبع هي ليست فارغة؛ مأهولة بشبان وشابات كما يبدو... لكن هل هذا هو المكان الطبيعي للخلوة؟ خاصة في مجتمع معروف بتحفّظه الشديد كطرابلس، وتحديداً في المدى الضيق للعلاقات بين الذكور والإناث؛ التي وإن لم تظهر الى العلن فهذا لا يعني أنها غير موجودة... البحث عنها يقلّنا الى اماكن قد لا تخطر ببالنا كالباحات الخارجية للمساجد مع الحفاظ على الحد الأقصى من احترام المكان بالطبع او في أماكن مخصصة كما هو معلوم للبحث والإطلاع، كالمكتبات العامة... أو أماكن من الغريب العثور فيها على نماذج تناقضها قلباً وقالباً... شبان وشابات من طرابلس المدينة التي تحمل عدة علامات استفهام، يتنقلون من مكان الى آخر لا بدافع المغامرة إنما رغبةً بالابتعاد عن العقاب والعواقب الإجتماعية...
يقف التاكسي عند المقهى الأميركي في شارع رياض الصلح في طرابلس... تنزل <<الأنثى>> كما يبدو عليها... الملابس سوداء فضفاضة. تغطي كامل الجسد من الرأس الى أخمص القدمين. تدخل المقهى وتصعد مباشرةً الى الطابق العلوي منه... أحد ما بانتظارها كما يبدو... تخلع ما عليها من رداءٍ أسود. ويبدو وجهها واضحاً للجميع بمن فيهم؛ وهو الأهم، <<صاحبها>>... الذي يلبس الجينز والتيشرت. شعره أشعث طويل ويحمل غيتاراً كهربائياً... إنه يوم اللقاء بين <<الحبيبين>> كما يطلقان على نفسيهما... الخلوة الشرعية...
الى محطة شارل حلو...
السبت ليس يوماً عادياً بالنسبة لسلام... إنه اليوم الذي تقابل فيه <<صديقها>> هادي في بيروت... وسلام فتاة من طرابلس من عائلة محافظة كمجمل العائلات الطرابلسية... تصل الشابة أسبوعياً في الصباح الباكر في اول محطة انطلاق من طرابلس الى بيروت. وصديقها بانتظارها عند محطة شارل حلو. أما الحجة التي تعطيها سلام لأهلها كي يسمحوا لها بالذهاب أسبوعياً الى بيروت فهي شراء دواء للوجه غير متوفر في طرابلس. عند المساء من السبت تعود سلام الى مدينتها بانتظار لقاء الأسبوع المقبل... سلام تصاحب شاباً من بيروت لا لإعجابها بالشباب البيروتي كما تقول، ولكن هرباً من أعين الناس في مدينتها المحافظة.
ربى المراهقة، لها جوّها الخاص... ربى لا تتوجه الى بيروت. بل لا تغادر طرابلس بتاتاً. عائلتها أيضاً محافظة جداً، كما تقول... ابتكرت ربى جوّها الخاص. مثلها مثل معظم الشباب المراهق في طرابلس. تقابل ربى صديقها في أحد المقاهي الأميركية في طرابلس. هي تقابله متى شاءت خاصة في فصل الصيف. كيف؟ <<أبعث له برسالة خطية على الهاتف أو شي مس كول miss call ...>> كما تقول. وهما في معظم الأحيان يقابلان بعضهما في الطابق العلوي من المقهى... حيث <<الأشكال والألوان>> كما يقول أحد الشباب في المقهى. أما المسألة المضحكة فهي وجود كاميرا مراقبة في هذا الجزء من المقهى!! ترى هل يعلم هؤلاء ذلك؟
حسن ونهاد جاران... يصطحب حسن <<جارته>> نهاد في نهاية كل اسبوع الى سهرة في البترون. بالطبع بدون علم اهل كلا الجارين!! يتفق الطرفان على موعد مغادرة المنزل وهو عادةً بعد منتصف الليل عندما يكون الأهل نياماً. <<بعملها مسّ كول وعندها تنزل هي وننطلق بسيارتي الى أحد الملاهي الليلية في منطقة البترون>>، كما يقول حسن... والباقي نعلمه انا وهي، وأصدقاءٌ كثر يفعلون ما نفعله كي يختلوا ببعضهم خلوات مميزة بعيداً عن ضغوط المجتمع...
أما علاء فهو شاب يساري من طرابلس تعرف الى فتاة طرابلسية كانت زميلته في الجامعة. يقول علاء، استمرت علاقتنا خمسة أشهر على احسن ما يرام... ثم بدأت تسوء شيئاً فشيئاً... لم اعد لأحتمل جملة <<لربما رآني أحد وأخبر والدي أو أخي بعلاقتنا>>، التي كانت ترددها صديقته على مسامعه كلما عرض عليها الذهاب الى أحد الأماكن العامة... يضيف أن الحب لم يستطع ان يتغلب على الخوف من العقاب الإجتماعي، في البيئة المحافظة في طرابلس. وهكذا انتهت علاقتهما كما قبل أن تبدأ... صديقته الآن متزوجة بالطريقة التقليدية كما قد سمّاها. أما هو فتعرف على فتاة من طائفة أخرى ومن خارج طرابلس...
محمد وسلوى...
أفضل خلوة <<شرعية>> في مكان <<شريف>> كما يقول محمد؛ للقاء صديقته سلوى، هو الباحة الخارجية لأحد المساجد... المكان هناك فسيح وهادئ. ويراعي هذا الشاب وضع صديقته الاجتماعي فهي محجبة. ولا يَسمح لها ذووها بالجلوس في الأماكن العامة مع بنات جنسها فكيف بهم مع الجنس الآخر. وعندما يجلسان معاً أو يقفان في مكان عام، لا تقل المسافة بينهما عن متر تقريباً... وتتركز اللقاءات في شهر رمضان حيث يقضي محمد طيلة النهار <<متعبدا>>... ويدافع محمد بحماس عن <<فكرته>> رافضاً أي مكان آخر للقاء محبوبته ليس خوفاً من كلام الناس ولكن عن اقتناع تام بأن باحة المسجد تبقى المكان الأمثل والأشرف، لعلاقة <<نظيفة>> لا تثير الشُبهات... تحت شعار ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما... وهما قد تعاهدا الاّ يتلامسا قبل وجود عقد شرعي بينهما...
تطرّف... فتطرّف آخر مقابل...
لن تصادف في طرابلس شاباً وفتاةً يقضيان وقتاً لوحدهما إلا ما قلّ وندر وبحذر شديد تراه واضحاً في أعينهم... لا بد وان يعكّر صفو الّلقاء؛ وإن كان بريئاً، القيل والقال... لا مهرب من ردات فعل كهذه في مجتمع تسيطر عليه البطالة فتكثر فيه المقاهي و<<اللتلتة>> حيث تكمن سلوى البعض في بعضهم الآخر... أماكن خلواتهم مع من يحبّون ربما لا تخطر ببال المتشددين من مجتمعهم... يحاولون قدر المستطاع ان يخرجوا عن الحدود الضيقة المرسومة لهم. قد يسمي البعض هذا التصرف ضعفاً، أو قد يطلق عليه آخرون صفة <<الجبن>>، أو ربما حتى <<حربقة>>. لكن الأحوال باقية على ما هي عليه ولا بوادر بانفراجها، طالما أن الفئة المتحكمة بالجميع في طرابلس؛ وهي الفئة المتشددة، تحرم الفئة الأضعف بعددها وقدرتها على التغيير. إضافة الى عدم نضجها الكافي والواعي للضرورة الحتمية لهذا التغيير، الّلازم في أي مجتمع. خاصة ان فسحة العلاقات الاجتماعية الى ضيق مخيف، بما يخص العلاقات بين الجنسين في المدينة المحافظة طرابلس... فتكون النتيجة الهروب من الواقع، ولعب دور ذي وجهين: إظهار الطاعة داخل إطار المجتمع <<البارد>>. وإشباع الرغبات خارج هذه الحدود...
نقلا عن جريدة السفير اللبنانية
شبان وشابات طرابلس <<المحافظة>>: أين يلتقون وكيف؟
نيفين أفيوني
الملعب الأولمبي في طرابلس، يقابله البحر بأجمل صوره عند الغروب... السيارات تحيط بالمكان قبالة الشاطئ. وهي من كل نوع؛ فخم، عادي، وأقل من عادي... من كل طبقات المجتمع. معظمها <<مفَيَّم>>... وبحركة مستمرة... ولكنها <<متسمّرة>> في نفس المكان... وبالطبع هي ليست فارغة؛ مأهولة بشبان وشابات كما يبدو... لكن هل هذا هو المكان الطبيعي للخلوة؟ خاصة في مجتمع معروف بتحفّظه الشديد كطرابلس، وتحديداً في المدى الضيق للعلاقات بين الذكور والإناث؛ التي وإن لم تظهر الى العلن فهذا لا يعني أنها غير موجودة... البحث عنها يقلّنا الى اماكن قد لا تخطر ببالنا كالباحات الخارجية للمساجد مع الحفاظ على الحد الأقصى من احترام المكان بالطبع او في أماكن مخصصة كما هو معلوم للبحث والإطلاع، كالمكتبات العامة... أو أماكن من الغريب العثور فيها على نماذج تناقضها قلباً وقالباً... شبان وشابات من طرابلس المدينة التي تحمل عدة علامات استفهام، يتنقلون من مكان الى آخر لا بدافع المغامرة إنما رغبةً بالابتعاد عن العقاب والعواقب الإجتماعية...
يقف التاكسي عند المقهى الأميركي في شارع رياض الصلح في طرابلس... تنزل <<الأنثى>> كما يبدو عليها... الملابس سوداء فضفاضة. تغطي كامل الجسد من الرأس الى أخمص القدمين. تدخل المقهى وتصعد مباشرةً الى الطابق العلوي منه... أحد ما بانتظارها كما يبدو... تخلع ما عليها من رداءٍ أسود. ويبدو وجهها واضحاً للجميع بمن فيهم؛ وهو الأهم، <<صاحبها>>... الذي يلبس الجينز والتيشرت. شعره أشعث طويل ويحمل غيتاراً كهربائياً... إنه يوم اللقاء بين <<الحبيبين>> كما يطلقان على نفسيهما... الخلوة الشرعية...
الى محطة شارل حلو...
السبت ليس يوماً عادياً بالنسبة لسلام... إنه اليوم الذي تقابل فيه <<صديقها>> هادي في بيروت... وسلام فتاة من طرابلس من عائلة محافظة كمجمل العائلات الطرابلسية... تصل الشابة أسبوعياً في الصباح الباكر في اول محطة انطلاق من طرابلس الى بيروت. وصديقها بانتظارها عند محطة شارل حلو. أما الحجة التي تعطيها سلام لأهلها كي يسمحوا لها بالذهاب أسبوعياً الى بيروت فهي شراء دواء للوجه غير متوفر في طرابلس. عند المساء من السبت تعود سلام الى مدينتها بانتظار لقاء الأسبوع المقبل... سلام تصاحب شاباً من بيروت لا لإعجابها بالشباب البيروتي كما تقول، ولكن هرباً من أعين الناس في مدينتها المحافظة.
ربى المراهقة، لها جوّها الخاص... ربى لا تتوجه الى بيروت. بل لا تغادر طرابلس بتاتاً. عائلتها أيضاً محافظة جداً، كما تقول... ابتكرت ربى جوّها الخاص. مثلها مثل معظم الشباب المراهق في طرابلس. تقابل ربى صديقها في أحد المقاهي الأميركية في طرابلس. هي تقابله متى شاءت خاصة في فصل الصيف. كيف؟ <<أبعث له برسالة خطية على الهاتف أو شي مس كول miss call ...>> كما تقول. وهما في معظم الأحيان يقابلان بعضهما في الطابق العلوي من المقهى... حيث <<الأشكال والألوان>> كما يقول أحد الشباب في المقهى. أما المسألة المضحكة فهي وجود كاميرا مراقبة في هذا الجزء من المقهى!! ترى هل يعلم هؤلاء ذلك؟
حسن ونهاد جاران... يصطحب حسن <<جارته>> نهاد في نهاية كل اسبوع الى سهرة في البترون. بالطبع بدون علم اهل كلا الجارين!! يتفق الطرفان على موعد مغادرة المنزل وهو عادةً بعد منتصف الليل عندما يكون الأهل نياماً. <<بعملها مسّ كول وعندها تنزل هي وننطلق بسيارتي الى أحد الملاهي الليلية في منطقة البترون>>، كما يقول حسن... والباقي نعلمه انا وهي، وأصدقاءٌ كثر يفعلون ما نفعله كي يختلوا ببعضهم خلوات مميزة بعيداً عن ضغوط المجتمع...
أما علاء فهو شاب يساري من طرابلس تعرف الى فتاة طرابلسية كانت زميلته في الجامعة. يقول علاء، استمرت علاقتنا خمسة أشهر على احسن ما يرام... ثم بدأت تسوء شيئاً فشيئاً... لم اعد لأحتمل جملة <<لربما رآني أحد وأخبر والدي أو أخي بعلاقتنا>>، التي كانت ترددها صديقته على مسامعه كلما عرض عليها الذهاب الى أحد الأماكن العامة... يضيف أن الحب لم يستطع ان يتغلب على الخوف من العقاب الإجتماعي، في البيئة المحافظة في طرابلس. وهكذا انتهت علاقتهما كما قبل أن تبدأ... صديقته الآن متزوجة بالطريقة التقليدية كما قد سمّاها. أما هو فتعرف على فتاة من طائفة أخرى ومن خارج طرابلس...
محمد وسلوى...
أفضل خلوة <<شرعية>> في مكان <<شريف>> كما يقول محمد؛ للقاء صديقته سلوى، هو الباحة الخارجية لأحد المساجد... المكان هناك فسيح وهادئ. ويراعي هذا الشاب وضع صديقته الاجتماعي فهي محجبة. ولا يَسمح لها ذووها بالجلوس في الأماكن العامة مع بنات جنسها فكيف بهم مع الجنس الآخر. وعندما يجلسان معاً أو يقفان في مكان عام، لا تقل المسافة بينهما عن متر تقريباً... وتتركز اللقاءات في شهر رمضان حيث يقضي محمد طيلة النهار <<متعبدا>>... ويدافع محمد بحماس عن <<فكرته>> رافضاً أي مكان آخر للقاء محبوبته ليس خوفاً من كلام الناس ولكن عن اقتناع تام بأن باحة المسجد تبقى المكان الأمثل والأشرف، لعلاقة <<نظيفة>> لا تثير الشُبهات... تحت شعار ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما... وهما قد تعاهدا الاّ يتلامسا قبل وجود عقد شرعي بينهما...
تطرّف... فتطرّف آخر مقابل...
لن تصادف في طرابلس شاباً وفتاةً يقضيان وقتاً لوحدهما إلا ما قلّ وندر وبحذر شديد تراه واضحاً في أعينهم... لا بد وان يعكّر صفو الّلقاء؛ وإن كان بريئاً، القيل والقال... لا مهرب من ردات فعل كهذه في مجتمع تسيطر عليه البطالة فتكثر فيه المقاهي و<<اللتلتة>> حيث تكمن سلوى البعض في بعضهم الآخر... أماكن خلواتهم مع من يحبّون ربما لا تخطر ببال المتشددين من مجتمعهم... يحاولون قدر المستطاع ان يخرجوا عن الحدود الضيقة المرسومة لهم. قد يسمي البعض هذا التصرف ضعفاً، أو قد يطلق عليه آخرون صفة <<الجبن>>، أو ربما حتى <<حربقة>>. لكن الأحوال باقية على ما هي عليه ولا بوادر بانفراجها، طالما أن الفئة المتحكمة بالجميع في طرابلس؛ وهي الفئة المتشددة، تحرم الفئة الأضعف بعددها وقدرتها على التغيير. إضافة الى عدم نضجها الكافي والواعي للضرورة الحتمية لهذا التغيير، الّلازم في أي مجتمع. خاصة ان فسحة العلاقات الاجتماعية الى ضيق مخيف، بما يخص العلاقات بين الجنسين في المدينة المحافظة طرابلس... فتكون النتيجة الهروب من الواقع، ولعب دور ذي وجهين: إظهار الطاعة داخل إطار المجتمع <<البارد>>. وإشباع الرغبات خارج هذه الحدود...
نقلا عن جريدة السفير اللبنانية