صلاح الدين يوسف
09-20-2004, 10:01 PM
هذا ما يجري في بغداد ليلا.. : طمس الوقائع وتعتيم إعلامي
الكاتب: مازن غازي وسمير حداد|| التاريخ: 19/07/1425 || القراء: 6562
بغداد- مازن غازي وسمير حداد- إسلام أون لاين.نت/ كنا للتو نهمّ بالخروج بعد أن قضينا يومين وليلة في مكتب "إسلام أون لاين.نت" نتابع أحداث النجف، وما إن وصلنا للباب الخارجي لحديقة الدار حتى وجدنا جارنا "أبو فهد" يستغيث بنا؛ فزوجته فاجأتها آلام المخاض، والوقت تجاوز منتصف الليل بأربعين دقيقة، والحركة في شوارع بغداد الآن هي الهلاك بعينه، صاحبناه وزوجه في السيارة، تجنبنا المرور في الشوارع الداخلية؛ حيث تكثر كمائن قطاع الطرق من اللصوص والأمريكيين، واتجهنا للطريق السريع عبر جامع أم القرى (أم الطبول سابقا) ومقصدنا مستشفى اليرموك.
في الطريق المظلم شاهدنا على مرمى الأفق حريقا هائلا، وما إن بلغناه حتى رأينا ثلاث سيارات هامفي (إحداها مقلوبة والأخريان مشتعلتان) ومدرعة"، كانت الصيحات والطلقات تملأ المكان، ولم يكن هناك مفر من الفرار بأقصى سرعة عبر هذا الجحيم الذي يبدو أنه انفجار هائل أدى لاحتراق "الهامرات" وتدمير المدرعة.
ما إن وصلنا المستشفى حتى تنفسنا الصعداء؛ حيث هدأ روع أبو فهد قليلا، وتركناه وزوجه بعد أن وضعت طفلها الثالث "منصور".
أبت علينا حاستنا الصحفية أن نعود لبيوتنا قبل أن نرجع؛ حيث الهامرات المحترقة. كانت السادسة صباحا، وبغداد في بكورها النشط رغم الحرب، وفي المكان المعين لم نجد لا مدرعة ولا همرات محترقة، خيل إلينا أن قلة النوم أثرت علينا، فصرنا نتخيل أضغاث أحلام.
طمس الوقائع
أردنا أن نقطع الشك باليقين، كان على جانب الطريق بائع كاهي وقيمر (فطير وقشطة)، سألناه: أين ذهبت المدرعات والسيارات والجثث الأمريكية، قال: "هم لا يتركون أي أثر خلفهم، بعد ربع ساعة من أي عملية للمقاومة تأتي طائرات مروحية خاصة ومجموعة إخلاء أمريكية وتنظف المكان تماما، لكن انظروا، لم يسعفهم الوقت أن يردموا تلك الحفرة التي أحدثها الانفجار أمس".
وأضاف: "أحضر بعيد الفجر كل يوم حتى أجهز ما أبيعه للريوق (الفطور)، ودائما ما أجد آثارا لم يتم رفعها بعدُ لسيارات محترقة، ومرة أجد بقايا جثث أمريكية، تقريبا أربع مرات بالأسبوع تقع هنا عملية للمقاومة".
قبل أن تأخذنا الدهشة أضاف بائع الكاهي: "هؤلاء الأمريكان أغبياء؛ فكل يوم تقع لهم خسائر في نفس المكان، وما زالوا يمرون منه وبالطريقة نفسها وتقريبا في المواعيد نفسها!".
انفجارات ليلية
تأكدنا أكثر من شكوكنا التي أثارتها أصوات عدة انفجارات تُسمع بشكل دوري ليلا في محيط مدينة بغداد، خاصة عند المحاور التي اعتادت الدوريات الأمريكية المرور عليها، يكتشف بعدها الأهالي صباحا آثارا لهجوم دامٍ على القوات الأمريكية؛ حفرا غائرة في الأرض نتيجة انفجار عبوات ناسفة، وصرنا نحاول أن نعرف وقائع ما يجري في بغداد ليلا.
من بين هذه الوقائع ما رواه لـ"إسلام أون لاين.نت" أحد سكان حي الخضراء المحاذي لطريق المرور السريع في غرب العاصمة بغداد الذي تسلكه الدوريات والأرتال الأمريكية.
ويقول الساكن الذي اكتفى بالقول إن اسمه "أبوعزيز": "قبل أسبوع وقع انفجار شديد بعيد منتصف الليل أثناء مرور رتل عسكري أمريكي مدرع، شاهدت معالمه عن بعد، وسمعت هدير أصواته المميز الذي اعتدت على سماعه في ذلك الوقت".
ويضيف: "في البداية لم نستطع التأكد من وقوع خسائر بين الجنود الأمريكان، رغم اشتعال النيران الذي كان واضحا ليلا، إلا أنه في الصباح توجهنا لموقع الحريق الذي يبعد عن منزلي بنحو 30 مترا، فوجدنا آثارا كبيرة لاحتراق أرضية الطريق الإسفلتي وبقايا لقطع معدنية بلون الآليات العسكرية، كان باديا أنها أجزاء من آلية أمريكية محترقة".
ويقول الساكن: "أهالي منطقتنا المحاذية للطريق السريع يشهدون أكثر من مرة في الأسبوع مثل هذه العمليات".
تعتيم إعلامي
هذه الواقعة لم تتحدث عنها أي وكالة أنباء، كما لم يصدر أي بيان أمريكي رسمي عنها، ومثلها الواقعة التي شاهدناها بأم أعيننا ونحن في طريقنا لمستشفى اليرموك، وغيرها من عمليات المقاومة التي رواها لنا شهود العيان، ومن بينها احتراق 8 جنود أمريكيين وتفحمهم في سيارتين عسكريتين كانتا تمران على الطريق المؤدي لحي عامل، وتمت باستخدام كلب ميت مفخخ تم تفجيره عن بعد وقت مرور القافلة الأمريكية باستخدام "ريموت كنترول" وفق رواية شاهد عيان من سكان المنطقة.
وقائع عديدة
وفي واقعة أخرى مشابهة قال أحد سكان حي العدل: لقد سمعنا في ساعة متأخرة ليلا أصوات إطلاقات نارية كثيفة تبعها أصوات اصطدامات حديدية لم نفسر مصدرها أثناء مرور رتل عسكري لقوات الاحتلال الذي اعتاد استخدام هذا الطريق في تنقلاته منذ احتلال العراق.
ويضيف: "في طبيعة الأمر نحن لا نتحرى مثل هذه الحوادث الليلية لخطورة الموقف، ولكننا بدافع الفضول نتساءل صباحا عما جرى ليلا ممن يكون أقرب أو شاهد تلك الواقعة".
وبين الراوي: "في الصباح علمنا من خلال المشاهدة لموقع الحدث أنه قد صب الكاز (السولار) على منحدر جسر طريق المرور السريع".
وقبل أن يصل الرتل الأمريكي لمكان الفخ تم إطلاق النار عليه، فزادت السيارات والمدرعات من سرعتها؛ حتى وصلت إلى مكان الكاز وهي تهبط المنحدر بسرعة عالية فانزلقت وانقلبت، وحدث اصطدام عنيف بينها وتبعه انفجار في خزانات وقودها، وكان الأمر أشبه بمذبحة للأمريكيين؛ حيث كان الرتل مكونا من سيارتين في الأمام، وأربع دبابات في الوسط، ثم مدرعة، ثم ناقلة جنود، ثم سيارة هامفي، تم تدميرها جميعا بمن فيها.
تغير إستراتيجية المقاومة
الدكتور منذر الراوي المحلل السياسي فسر لنا هذا التجاهل الإعلامي لعمليات المقاومة المستمرة بقوله: "هناك سياسة تعتيم إعلامي متبعة تجاه تلك العمليات من الحكومة العراقية والقوات الأمريكية، وتمثلت بشكل جلي في إغلاق قناة الجزيرة الفضائية قبل أكثر من أسبوعين، وهو القرار الذي أدى إلى اتباع الفضائيات الأخرى أسلوبا أكثر حذرا في تغطية فعاليات المقاومة".
وأضاف "كما أن جماعات المقاومة أصبحت تركز عملياتها ليلا لتجنب استهداف المدنيين؛ حيث تكون حركة السيارات المدنية قليلة جدا وحركة المارة شبه معدومة، ويضاف إلى ذلك أن اهتمام وسائل الإعلام بمتابعة أحداث النجف المتصاعدة منذ عدة أسابيع أدى إلى عدم تسليط الأضواء بشكل كافٍ على عمليات المقاومة".
وأكد مراقبون عراقيون على دراية بإستراتيجية جماعات المقاومة العراقية حدوث ذلك التغيير منذ نحو شهرين، موضحين أن المقاومة أصبحت تعمد إلى تركيز هجماتها ليلا، اعتمادا على التفجير عن بعد، وتجنب استخدام القصف الذي يخطئ أحيانا هدفه فيصيب مدنيين، وخصوصا قذائف الهاون التي تحتاج لدقة ومهارة فائقة حتى تصل لهدفها الصحيح.
ولكن هذا التطور لم يعد يعطي المراسلين الفرصة السانحة لمتابعة الحدث، خصوصا مع حرص القوات الأمريكية على قطع كافة الطرق المؤدية إلى مكان وقوع العملية وسرعة تطويقها.
ويؤكد بشكل ما هذا التوجه الجديد للمقاومة عدة بيانات صدرت عن مجاميع المقاومة العراقية، وآخرها بيان الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية "جامع" التي تضم عددا من فصائل المقاومة، بتاريخ 23-7-2004.
وجاء في هذا البيان: "إن معركتنا الأساسية هي مع المحتل حصرا لا مع غيره، والأصل في أبناء بلدنا أنهم معنا في خندق واحد، ولا نفكر أبدا في إشهار السلاح بوجه أحد منهم. فهم معصومون في دمهم ومالهم وعرضهم.. ولذلك فنحن نقف ضد كل استهداف للمدنيين بأي شكل كان، سواء أكان بسيارات مفخخة أم بغيرها. ونحن ضد استهداف أفراد ومؤسسات الدولة بأية طريقة كانت".
وكان عدة شيوخ وعلماء دين وأكاديميون عراقيون قد دعوا -نهاية يونيو 2004، من خلال فتاوى خصوا بها إسلام أون لاين.نت- كل من يتواجد على أرض العراق إلى تجنب العمليات التي تستهدف المدنيين، واصفين هذه العمليات بـ"أعمال عنف عشوائية" يحرمها الشرع، لكنهم شددوا على مشروعية أعمال المقاومة التي تستهدف بصورة مباشرة المحتل لإخراجه من العراق، مطالبين في الوقت نفسه رجال المقاومة بتجنب العمليات الموجهة ضد الاحتلال التي يمكن في الوقت نفسه أن تسبب ضررا للمدنيين.
الكاتب: مازن غازي وسمير حداد|| التاريخ: 19/07/1425 || القراء: 6562
بغداد- مازن غازي وسمير حداد- إسلام أون لاين.نت/ كنا للتو نهمّ بالخروج بعد أن قضينا يومين وليلة في مكتب "إسلام أون لاين.نت" نتابع أحداث النجف، وما إن وصلنا للباب الخارجي لحديقة الدار حتى وجدنا جارنا "أبو فهد" يستغيث بنا؛ فزوجته فاجأتها آلام المخاض، والوقت تجاوز منتصف الليل بأربعين دقيقة، والحركة في شوارع بغداد الآن هي الهلاك بعينه، صاحبناه وزوجه في السيارة، تجنبنا المرور في الشوارع الداخلية؛ حيث تكثر كمائن قطاع الطرق من اللصوص والأمريكيين، واتجهنا للطريق السريع عبر جامع أم القرى (أم الطبول سابقا) ومقصدنا مستشفى اليرموك.
في الطريق المظلم شاهدنا على مرمى الأفق حريقا هائلا، وما إن بلغناه حتى رأينا ثلاث سيارات هامفي (إحداها مقلوبة والأخريان مشتعلتان) ومدرعة"، كانت الصيحات والطلقات تملأ المكان، ولم يكن هناك مفر من الفرار بأقصى سرعة عبر هذا الجحيم الذي يبدو أنه انفجار هائل أدى لاحتراق "الهامرات" وتدمير المدرعة.
ما إن وصلنا المستشفى حتى تنفسنا الصعداء؛ حيث هدأ روع أبو فهد قليلا، وتركناه وزوجه بعد أن وضعت طفلها الثالث "منصور".
أبت علينا حاستنا الصحفية أن نعود لبيوتنا قبل أن نرجع؛ حيث الهامرات المحترقة. كانت السادسة صباحا، وبغداد في بكورها النشط رغم الحرب، وفي المكان المعين لم نجد لا مدرعة ولا همرات محترقة، خيل إلينا أن قلة النوم أثرت علينا، فصرنا نتخيل أضغاث أحلام.
طمس الوقائع
أردنا أن نقطع الشك باليقين، كان على جانب الطريق بائع كاهي وقيمر (فطير وقشطة)، سألناه: أين ذهبت المدرعات والسيارات والجثث الأمريكية، قال: "هم لا يتركون أي أثر خلفهم، بعد ربع ساعة من أي عملية للمقاومة تأتي طائرات مروحية خاصة ومجموعة إخلاء أمريكية وتنظف المكان تماما، لكن انظروا، لم يسعفهم الوقت أن يردموا تلك الحفرة التي أحدثها الانفجار أمس".
وأضاف: "أحضر بعيد الفجر كل يوم حتى أجهز ما أبيعه للريوق (الفطور)، ودائما ما أجد آثارا لم يتم رفعها بعدُ لسيارات محترقة، ومرة أجد بقايا جثث أمريكية، تقريبا أربع مرات بالأسبوع تقع هنا عملية للمقاومة".
قبل أن تأخذنا الدهشة أضاف بائع الكاهي: "هؤلاء الأمريكان أغبياء؛ فكل يوم تقع لهم خسائر في نفس المكان، وما زالوا يمرون منه وبالطريقة نفسها وتقريبا في المواعيد نفسها!".
انفجارات ليلية
تأكدنا أكثر من شكوكنا التي أثارتها أصوات عدة انفجارات تُسمع بشكل دوري ليلا في محيط مدينة بغداد، خاصة عند المحاور التي اعتادت الدوريات الأمريكية المرور عليها، يكتشف بعدها الأهالي صباحا آثارا لهجوم دامٍ على القوات الأمريكية؛ حفرا غائرة في الأرض نتيجة انفجار عبوات ناسفة، وصرنا نحاول أن نعرف وقائع ما يجري في بغداد ليلا.
من بين هذه الوقائع ما رواه لـ"إسلام أون لاين.نت" أحد سكان حي الخضراء المحاذي لطريق المرور السريع في غرب العاصمة بغداد الذي تسلكه الدوريات والأرتال الأمريكية.
ويقول الساكن الذي اكتفى بالقول إن اسمه "أبوعزيز": "قبل أسبوع وقع انفجار شديد بعيد منتصف الليل أثناء مرور رتل عسكري أمريكي مدرع، شاهدت معالمه عن بعد، وسمعت هدير أصواته المميز الذي اعتدت على سماعه في ذلك الوقت".
ويضيف: "في البداية لم نستطع التأكد من وقوع خسائر بين الجنود الأمريكان، رغم اشتعال النيران الذي كان واضحا ليلا، إلا أنه في الصباح توجهنا لموقع الحريق الذي يبعد عن منزلي بنحو 30 مترا، فوجدنا آثارا كبيرة لاحتراق أرضية الطريق الإسفلتي وبقايا لقطع معدنية بلون الآليات العسكرية، كان باديا أنها أجزاء من آلية أمريكية محترقة".
ويقول الساكن: "أهالي منطقتنا المحاذية للطريق السريع يشهدون أكثر من مرة في الأسبوع مثل هذه العمليات".
تعتيم إعلامي
هذه الواقعة لم تتحدث عنها أي وكالة أنباء، كما لم يصدر أي بيان أمريكي رسمي عنها، ومثلها الواقعة التي شاهدناها بأم أعيننا ونحن في طريقنا لمستشفى اليرموك، وغيرها من عمليات المقاومة التي رواها لنا شهود العيان، ومن بينها احتراق 8 جنود أمريكيين وتفحمهم في سيارتين عسكريتين كانتا تمران على الطريق المؤدي لحي عامل، وتمت باستخدام كلب ميت مفخخ تم تفجيره عن بعد وقت مرور القافلة الأمريكية باستخدام "ريموت كنترول" وفق رواية شاهد عيان من سكان المنطقة.
وقائع عديدة
وفي واقعة أخرى مشابهة قال أحد سكان حي العدل: لقد سمعنا في ساعة متأخرة ليلا أصوات إطلاقات نارية كثيفة تبعها أصوات اصطدامات حديدية لم نفسر مصدرها أثناء مرور رتل عسكري لقوات الاحتلال الذي اعتاد استخدام هذا الطريق في تنقلاته منذ احتلال العراق.
ويضيف: "في طبيعة الأمر نحن لا نتحرى مثل هذه الحوادث الليلية لخطورة الموقف، ولكننا بدافع الفضول نتساءل صباحا عما جرى ليلا ممن يكون أقرب أو شاهد تلك الواقعة".
وبين الراوي: "في الصباح علمنا من خلال المشاهدة لموقع الحدث أنه قد صب الكاز (السولار) على منحدر جسر طريق المرور السريع".
وقبل أن يصل الرتل الأمريكي لمكان الفخ تم إطلاق النار عليه، فزادت السيارات والمدرعات من سرعتها؛ حتى وصلت إلى مكان الكاز وهي تهبط المنحدر بسرعة عالية فانزلقت وانقلبت، وحدث اصطدام عنيف بينها وتبعه انفجار في خزانات وقودها، وكان الأمر أشبه بمذبحة للأمريكيين؛ حيث كان الرتل مكونا من سيارتين في الأمام، وأربع دبابات في الوسط، ثم مدرعة، ثم ناقلة جنود، ثم سيارة هامفي، تم تدميرها جميعا بمن فيها.
تغير إستراتيجية المقاومة
الدكتور منذر الراوي المحلل السياسي فسر لنا هذا التجاهل الإعلامي لعمليات المقاومة المستمرة بقوله: "هناك سياسة تعتيم إعلامي متبعة تجاه تلك العمليات من الحكومة العراقية والقوات الأمريكية، وتمثلت بشكل جلي في إغلاق قناة الجزيرة الفضائية قبل أكثر من أسبوعين، وهو القرار الذي أدى إلى اتباع الفضائيات الأخرى أسلوبا أكثر حذرا في تغطية فعاليات المقاومة".
وأضاف "كما أن جماعات المقاومة أصبحت تركز عملياتها ليلا لتجنب استهداف المدنيين؛ حيث تكون حركة السيارات المدنية قليلة جدا وحركة المارة شبه معدومة، ويضاف إلى ذلك أن اهتمام وسائل الإعلام بمتابعة أحداث النجف المتصاعدة منذ عدة أسابيع أدى إلى عدم تسليط الأضواء بشكل كافٍ على عمليات المقاومة".
وأكد مراقبون عراقيون على دراية بإستراتيجية جماعات المقاومة العراقية حدوث ذلك التغيير منذ نحو شهرين، موضحين أن المقاومة أصبحت تعمد إلى تركيز هجماتها ليلا، اعتمادا على التفجير عن بعد، وتجنب استخدام القصف الذي يخطئ أحيانا هدفه فيصيب مدنيين، وخصوصا قذائف الهاون التي تحتاج لدقة ومهارة فائقة حتى تصل لهدفها الصحيح.
ولكن هذا التطور لم يعد يعطي المراسلين الفرصة السانحة لمتابعة الحدث، خصوصا مع حرص القوات الأمريكية على قطع كافة الطرق المؤدية إلى مكان وقوع العملية وسرعة تطويقها.
ويؤكد بشكل ما هذا التوجه الجديد للمقاومة عدة بيانات صدرت عن مجاميع المقاومة العراقية، وآخرها بيان الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية "جامع" التي تضم عددا من فصائل المقاومة، بتاريخ 23-7-2004.
وجاء في هذا البيان: "إن معركتنا الأساسية هي مع المحتل حصرا لا مع غيره، والأصل في أبناء بلدنا أنهم معنا في خندق واحد، ولا نفكر أبدا في إشهار السلاح بوجه أحد منهم. فهم معصومون في دمهم ومالهم وعرضهم.. ولذلك فنحن نقف ضد كل استهداف للمدنيين بأي شكل كان، سواء أكان بسيارات مفخخة أم بغيرها. ونحن ضد استهداف أفراد ومؤسسات الدولة بأية طريقة كانت".
وكان عدة شيوخ وعلماء دين وأكاديميون عراقيون قد دعوا -نهاية يونيو 2004، من خلال فتاوى خصوا بها إسلام أون لاين.نت- كل من يتواجد على أرض العراق إلى تجنب العمليات التي تستهدف المدنيين، واصفين هذه العمليات بـ"أعمال عنف عشوائية" يحرمها الشرع، لكنهم شددوا على مشروعية أعمال المقاومة التي تستهدف بصورة مباشرة المحتل لإخراجه من العراق، مطالبين في الوقت نفسه رجال المقاومة بتجنب العمليات الموجهة ضد الاحتلال التي يمكن في الوقت نفسه أن تسبب ضررا للمدنيين.