no saowt
08-31-2004, 05:37 AM
قبل ثلاثة أيام، أعلمتنا وكالات الأنباء أن سلطات الأمن الداخلي بالولايات المتحدة، أبلغت طارق رمضان، المصري الأصل، السويسري المولد والجنسية، أنه لا يستطيع التدريس ولا الاستمرار في الولايات المتحدة لدواعٍ أمنية.
وقصة طارق رمضان القصيرة/ الطويلة بأوروبا قبل الولايات المتحدة، نموذج لما يُعانيه المسلمون في عوالم الغرب، قبل 11 أيلول وبعده. فهو معروف منذ ثمانينات القرن الماضي بالدعوة لإسلام أوروبي، يستند الى التعددية الثقافية والسياسية والتي يمكن معها أن يتجذر انتماؤك الوطني في التربة الجديدة، وأن يظل انتماؤك الديني بمعزل عن الإنكار والاستنكار.
وقد لقيت دعوة رمضان استجابة حسنة من جانب الكنائس ومنظمات المجتمع المدني، ورأوا فيها خدمة وفرصة للجاليات المسلمة بأوروبا، ولأوروبا الموحّدة والمتجددة في الوقت نفسه. بيدأن تداعيات ضغوط أزمات البلقان وشرق أوروبا والشرق الأوسط من جهة، وأحداث 11 أيلول من جهة ثانية، سخّنت الأرض تحت أقدام سائر المسلمين، المعتدلين والمتطرفين.
وكان على طارق وأمثاله أن يقرروا إمّا التنازل عن جلودهم بعد انتزاع أظفارهم، أو انتظار المتاعب. وكان أن نشر الرجل مقالة على الإنترنت تساءل فيها: كيف يستطيع الليبراليون الأوروبيون الوقوف مع الحريات في العالم كله إلا في فلسطين، حيث تقف كثرة منهم مع شارون، ويوصَمُ سائر الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال بالإرهاب، لا لشيء إلا لأن الاحتلال هناك إسرائيلي؟!
وقامت القيامة على الرجل، وأراد ساركوزي، وزير الداخلية الفرنسي آنذاك اختبار "إسلامه" أو "أصوليته" بأن طلب منه أن يقول رأيه صراحة بالحجاب والحدود والنصّ القرآني والجهاد.. إلخ. في ذلك الوقت تلقى طارق رمضان دعوة من جامعة نوتردام بشيكاغو للتدريس عاماً هناك.
وظنّ الشاب المتضايق من أجواء أوروبا الملبّدة أنه وجد المخرج لهدنة تستمر عاماً أو أكثر. واستجاب للدعوة، وحصل هو وأسرته على الفيزا العزيزة (حتى على سويسري!)، ومضى قبل شهرين الى أميركا فعلاً، وسجّل أولاده في المدارس، وكان عليه أن يبدأ بالتدريس في منتصف شهر آب، لكنه تلقى من طريق الجامعة أمر وزارة الأمن الداخلي الأميركية (التي جرى استحداثها بعد 11 أيلول) بمغادرة الأراضي الأميركية، باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه!
وقد اتّضح الآن أن اللوبي الصهيوني الذي كان أحد رموزه دانييل بايبس قد أسّس ما سمّاه "كامبوس ووتش" لمراقبة أساتذة دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، له ضلع في قضية طارق رمضان. فقد علّق بايبس على طرد رمضان من أميركا، بأن الرجل يغطّي نفسه بآراء غامضة ومعقّدة، لكنه في الحقيقة من أتباع القاعدة وأسامة بن لادن!
نريد أن ننسى أن "الحرب على الإرهاب" دائرة على مدى العالم، وشاملة للمسائل الأمنية والعسكرية والسياسية والثقافية. نظن أن الأمر مقصور على الاحتلالات في أفغانستان والعراق وفلسطين. ونظن أن خطة "الشرق الأوسط الأوسع" إنما تعني تغييراً من نوع ما في السياسات تجاه منطقتنا ـ وهذا ما أكده وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر في زيارته للبنان وسوريا قبل يومين. لكن الأميركيين والأوروبيين يذكّروننا كل يوم تقريباً بأن الحرب شاملة، وإنما تختلف أشكالها من مكان لآخر. كل يوم يجري القبض على شباب مسلمين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا وأوستراليا. وكل يوم نسمع عن بدء أو استمرار محاكمات لآخرين في هذا البلد أو ذاك. وكل يوم يصدر كتاب أو تُنشر مقالة عن ثقافة العنف التي يغذّيها الإسلام. وتكون الاستجابات المحتجة على ذلك على القدر نفسه من السلبية والتوتير واللاجدوى. بحيث صارت الأمور "رمزية" لشدة تجريدها من جهة، والعنف المتبادل من الجانبين على أشياء غير ملموسة، من جهة أخرى. فإذا كان طارق رمضان، الذي يعتبره المتشددون الإسلاميون منحرفاً عن الدين الصحيح، ما عاد يستطيع العيش بأوروبا أو الولايات المتحدة، فماذا يكون عليه الوضع بالنسبة للمسلمين الآخرين، الذين لا تصل أصوات معاناتهم الى وسائل الإعلام؟!
حروب الرموز، والتحامل الذي لا يُحتمل، على ديانة عالمية وأتباعها، لأنهم كذلك، لا تخدم الأمن الأوروبي أو الأميركي. بيد أن خطف فرنسيين بالعراق بزعم مقاومة "قانون الحجاب" هو على الدرجة نفسها من الحمق، والاستهانة بحريات الناس وكراماتهم: فمتى تخرج إدارة الشؤون الاستراتيجية هذه من أيدي "المتطرفين" على الجانبين؟
رضوان السيد
وقصة طارق رمضان القصيرة/ الطويلة بأوروبا قبل الولايات المتحدة، نموذج لما يُعانيه المسلمون في عوالم الغرب، قبل 11 أيلول وبعده. فهو معروف منذ ثمانينات القرن الماضي بالدعوة لإسلام أوروبي، يستند الى التعددية الثقافية والسياسية والتي يمكن معها أن يتجذر انتماؤك الوطني في التربة الجديدة، وأن يظل انتماؤك الديني بمعزل عن الإنكار والاستنكار.
وقد لقيت دعوة رمضان استجابة حسنة من جانب الكنائس ومنظمات المجتمع المدني، ورأوا فيها خدمة وفرصة للجاليات المسلمة بأوروبا، ولأوروبا الموحّدة والمتجددة في الوقت نفسه. بيدأن تداعيات ضغوط أزمات البلقان وشرق أوروبا والشرق الأوسط من جهة، وأحداث 11 أيلول من جهة ثانية، سخّنت الأرض تحت أقدام سائر المسلمين، المعتدلين والمتطرفين.
وكان على طارق وأمثاله أن يقرروا إمّا التنازل عن جلودهم بعد انتزاع أظفارهم، أو انتظار المتاعب. وكان أن نشر الرجل مقالة على الإنترنت تساءل فيها: كيف يستطيع الليبراليون الأوروبيون الوقوف مع الحريات في العالم كله إلا في فلسطين، حيث تقف كثرة منهم مع شارون، ويوصَمُ سائر الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال بالإرهاب، لا لشيء إلا لأن الاحتلال هناك إسرائيلي؟!
وقامت القيامة على الرجل، وأراد ساركوزي، وزير الداخلية الفرنسي آنذاك اختبار "إسلامه" أو "أصوليته" بأن طلب منه أن يقول رأيه صراحة بالحجاب والحدود والنصّ القرآني والجهاد.. إلخ. في ذلك الوقت تلقى طارق رمضان دعوة من جامعة نوتردام بشيكاغو للتدريس عاماً هناك.
وظنّ الشاب المتضايق من أجواء أوروبا الملبّدة أنه وجد المخرج لهدنة تستمر عاماً أو أكثر. واستجاب للدعوة، وحصل هو وأسرته على الفيزا العزيزة (حتى على سويسري!)، ومضى قبل شهرين الى أميركا فعلاً، وسجّل أولاده في المدارس، وكان عليه أن يبدأ بالتدريس في منتصف شهر آب، لكنه تلقى من طريق الجامعة أمر وزارة الأمن الداخلي الأميركية (التي جرى استحداثها بعد 11 أيلول) بمغادرة الأراضي الأميركية، باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه!
وقد اتّضح الآن أن اللوبي الصهيوني الذي كان أحد رموزه دانييل بايبس قد أسّس ما سمّاه "كامبوس ووتش" لمراقبة أساتذة دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، له ضلع في قضية طارق رمضان. فقد علّق بايبس على طرد رمضان من أميركا، بأن الرجل يغطّي نفسه بآراء غامضة ومعقّدة، لكنه في الحقيقة من أتباع القاعدة وأسامة بن لادن!
نريد أن ننسى أن "الحرب على الإرهاب" دائرة على مدى العالم، وشاملة للمسائل الأمنية والعسكرية والسياسية والثقافية. نظن أن الأمر مقصور على الاحتلالات في أفغانستان والعراق وفلسطين. ونظن أن خطة "الشرق الأوسط الأوسع" إنما تعني تغييراً من نوع ما في السياسات تجاه منطقتنا ـ وهذا ما أكده وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر في زيارته للبنان وسوريا قبل يومين. لكن الأميركيين والأوروبيين يذكّروننا كل يوم تقريباً بأن الحرب شاملة، وإنما تختلف أشكالها من مكان لآخر. كل يوم يجري القبض على شباب مسلمين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا وأوستراليا. وكل يوم نسمع عن بدء أو استمرار محاكمات لآخرين في هذا البلد أو ذاك. وكل يوم يصدر كتاب أو تُنشر مقالة عن ثقافة العنف التي يغذّيها الإسلام. وتكون الاستجابات المحتجة على ذلك على القدر نفسه من السلبية والتوتير واللاجدوى. بحيث صارت الأمور "رمزية" لشدة تجريدها من جهة، والعنف المتبادل من الجانبين على أشياء غير ملموسة، من جهة أخرى. فإذا كان طارق رمضان، الذي يعتبره المتشددون الإسلاميون منحرفاً عن الدين الصحيح، ما عاد يستطيع العيش بأوروبا أو الولايات المتحدة، فماذا يكون عليه الوضع بالنسبة للمسلمين الآخرين، الذين لا تصل أصوات معاناتهم الى وسائل الإعلام؟!
حروب الرموز، والتحامل الذي لا يُحتمل، على ديانة عالمية وأتباعها، لأنهم كذلك، لا تخدم الأمن الأوروبي أو الأميركي. بيد أن خطف فرنسيين بالعراق بزعم مقاومة "قانون الحجاب" هو على الدرجة نفسها من الحمق، والاستهانة بحريات الناس وكراماتهم: فمتى تخرج إدارة الشؤون الاستراتيجية هذه من أيدي "المتطرفين" على الجانبين؟
رضوان السيد