أمانة
08-02-2004, 11:36 PM
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد فيقول الله تعالى: { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين }.
أخي المسلم : ها نحن نلتقي معك مرة أخرى لنتذاكر ونتناصح في الله كما قال تعالى: { وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين }، ونواصل حديثنا عن الشيعة ومعتقداتهم رداً على أحد دجاجلة الشيعة المسمى "جعفر السبحاني!" والتي يرد فيها على فتوى (1) للشيخ الجبرين من الجزيرة العربية الذي اعتبر فيها الشيعة من جنس المشركين الخارجين من الملّة، والذين لا تؤكل ذبائحهم ولا يُصلى خلفهم ولا في مساجدهم ولا'يناكحون…إلى آخره من أحكام المشركين والمرتدين.
فيبدأ هذا الدجال كما هي عادتهم دائماً ـ في رده الذي نشرته مجلة رسالة الثقلين/العدد الثاني/ السنة الأولى بعنوان " شبهة ورد، ميزان التوحيد والشرك " ـ بالتباكي على وحدة المسلمين الضائعة وضرورة مواجهة العدو المشترك وعدم تفريق الصف و.. و… ثم يدخل في صلب الموضوع فيقول في ص64 : ( لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتفي في قبول الإسلام من الذين يُريدون الانضواء تحت رايته بمجرد الشهادة بالوحدانية واستقبال القبلة والصلاة… بهذا كان يكتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لإطلاق وصف الإسلام على الأشخاص من دون أن ينبش في أعرافهم الاجتماعية وممارساتهم التقليدية ) .
فنقول مستعينين بالله :
نعم من أتى بهذه المباني ولم يُشرك بالله شيئاً فقد أتى بالتوحيد اللازم ، ولكن أنْ يأتي بشهادة التوحيد ويناقضها فقد أتى بالشيء وضده، فالتوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم السلام وأُنزلت من أجله الكتب وبه قامت العداوة بين أهل الأيمان وأهل الشرك هو توحيد الألوهية الذي هو إفرادُ الله تعالى بالعبادة، والعبادة كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيميه: ( هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة) فنحن نعلم من خلال ما قصّ الله تعالى علينا في القران الكريم أنَّ المشركين الذين بُعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا مُقرين بتوحيد الربوبية ولم يكونوا جاحدين لها، ومن جحد الربوبية كانوا أيضاً مقرين بها في أنفسهم { وجحدوا بها وآستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلّوا } ، فهم يعلمون بالفطرة أنَّ الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع المالك المعطى المانع هو الله وحده، ولكن كان شركهم أنهم جعلوا بينهم وبين الله سبحانه وتعالى وسائط في جلب الرزق وطلب الشفاعة وقضاء الحاجات، فمنهم من كان يعبد ـ وليست العبادة هنا أن تنسب إلى المدعو من دون الله شيئاً من صفات المولى عز وجل ـ الأنبياء والصالحين والملائكة والجن، وهؤلاء صرفوا الدعاء الذي هو العبادة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى غير الله تعالى، فسمّاهم الله مشركين وكفرّهم بذلك وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم .
والذي يعُرف من سيرة الصحابة أنهم كانوا يستشفعون بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فاستشفعوا بدعاء غيره كما في حادثة استسقاء عمر والصحابة بالعباس رضي الله عنه أيام خلافة عمر رضي الله عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حرصاً على حماية جناب التوحيد من المساس به، فقد ظل طوال 13 عاماً في مكة يدعو قائلاً: ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ) وقد لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، ونهى أمته عن ذلك وقال: ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد) ، حتى أنه صلى الله عليه وسلم نهى أمته عن الصلاة في وقت طلوع الشمس وقبل غروبها، وعلّل ذلك بأنها تخرج بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار، نهى أمته عن ذلك حتى لا يشابهوا الكفار وإن كان الكفار يسجدون للشيطان والمسلمون يسجدون لله ولكنه سدٌ لباب الذريعة فكيف بعد هذا يدّعي هذا الدجال أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من المسلمين مجرد التلفظ بالشهادتين دون نبش تقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية؟
ويُبنى على هذا الاعتقاد الفاسد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك الناس على ما هم عليه!
ثم من هذا الذي يعتد بقوله الذي زعم فيه أن مجرد التلفظ بالشهادتين يُدخلك في حظيرة الإسلام؟!
نعم إنها إبتداءاً تُدخل الإنسان في الإسلام فإن لم يأت بأركانها وشروطها فإنها لا تنفعه. ألم يقرؤوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: ( من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة)، وقوله صلى الله عليه وسلّم: ( فإن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي وجه الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حَرُمَ ماله ودمه وحسابه على الله) ، وقوله: ( أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) .
فما حقها؟
أليس من معاني لا إله إلا الله نفي الآلهة من دون الله وإثباتها لله وحده؟!
أليس من حقها خلع الأنداد والكفر بما يُعبد من دون الله؟!
وكلُّ هذه الأحاديث تدل على أن من قالها خالصاً من قلبه غير شاكٍ فيها هو من حقق شروط هذه الكلمة العظيمة.
وإذا كان الله تعالى يُحذّر نبيه صلى الله عليه وسلم من الشرك قائلاً: { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين } فإذا كان سيد البشر والمصطفى من خلق الله صلى الله عليه وسلم يُوحى إليه هذا الإنذار فنحن من باب أولى يجب أن نحذر من الوقوع في الشرك وما يؤدي إليه، وفي الحديث الصحيح حينما جاءه صلى الله عليه وسلم رجل فقال له: ( ما شاء الله وشئت، قال: اجعلتني لله نداً؟ بل قل ما شاء الله وحده ) ، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم حينما أراد بعض الصحابة الاستغاثة به من أذى بعض المنافقين فقال صلى الله عليه وسلم: ( إنه لا يُستغاث بي وإنما يُستغاث بالله ) ، وقوله: ( يا غلام أني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ) .
أبعد كل هذا يأتي من يقول إن دعاء الأنبياء والصالحين ليس بشرك؟!
بل إن شرك هؤلاء فاق شرك الأولين الذين كانوا يدعون مع الله آلهتهم المزعومة في الرخاء لكنهم يُخلصون لله الدعاء وقت الشدة وهؤلاء يدعون غير الله في الشدة والرخاء!، وهذا ما رأيناه من صغيرهم وكبيرهم، ومن يرى الأضرحة التي أقاموها على قبور بعض أهل البيت رضي الله عنهم لرأى العجب العجاب من شدة إخلاصهم الدعاء لغير الله وطلبهم من الموتى أموراً لا يقدر عليها إلا الله، حتى إن المرء ليستغرب ماذا أبقوا لله من صفات الربوبية والألوهية.
حتى قال شاعرهم:
نادي علياً مظهر العجائب تراه عوناً لك في النوائب
فأي توحيد هذا الذي يدعونه؟
أليس شرك قوم نوح عليه السلام جاء من باب تقديس الصالحين ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم من دون الله؟
أليس هذا حاصلاًً اليوم حول القبور والأضرحة؟
بل ازداد الحال سوءاً إذ وصل بهم إلى تقديس الموتى من الناس الذين يزعمون أنهم من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقربون إلى الله ـ زعموا ـ بزيارة قبورهم والطواف بها والذبح والنذر لها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها : ( يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً).
فهل هذا هو الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين التوحيد الذي دعا إليه وقاتل من أجله؟
وأما إذا كان فهمهم للتوحيد كما تقدم فعلى إسلامهم السلام.
* * *
ثم يقول " السبحاني " في ص66: ( ثم يقول المدعو الجبرين : حيث جعلوه ـ أي علياً ـ رباً وخالقاً ومتصرفاً في الكون ).
فنقول:
إن الشيخ ما ادعى ذلك كذباً أو افتراءً عليهم، كيف وكتبهم مليئة بذلك ورواياتهم في أصح كتبهم تدل على ذلك وإن تأولوا الأحاديث، فهذا " الكليني " يروي في الكافي عدة روايات تحت باب " الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علِموا !"، وباب " إن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم " ، ويروون كذباً على علي رضي الله عنه : ( أنا قسيم الجنة والنار ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد صلى الله عليه وآله.. ولقد أُعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، عُلّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني ) . [الكافي1/196] .
وأيضاً عن جعفر الصادق : ( إني لأعلم ما في الجنة والنار وأعلم ما كان وما يكون ) [ الكافي /261].
وفي رواية : ( إن الدنيا بيد الأمام يضعها حيث يشاء ويدفعها لمن يشاء ) [ الكافي1/409].
وفي رواية مكذوبة على علي رضي الله عنه أنه كان يقول: ( أنا الأول والأخر والظاهر والباطن ) [ الاحتجاج على أهل اللجاج للطوسي ].
إن غلوهم جعلهم يضعون أئمتهم في درجة أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة المقربين كما يذكر ذلك " الحر العاملي " قائلاً: ( الأئمة الإثني عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم ) [ الفصول المهمة ص:152].
ووصل بهم الحال إلى اختلاق روايات على أهل البيت أن الأئمة يُوحى إليهم وأن علياً ناجاه جبريل عليه السلام في فتح خيبر كما يذكر ذلك صاحب بصائر الدرجات [ بصائر الدرجات 8/باب16] ، وإن ( من الأئمة من يُنكت في أذنه ومنهم من يستمع الصوت ) [ بصائر الدرجات 5/باب7].
وأن فاطمة رضي الله عنها لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله لها ثلاثة ملائكة يُكلمونها ويسلونها وكان علي يكتب ما يقول المَلك ! [ خطاب ألقاه الخميني يوم الأحد 2/3/86 بمناسبة عيد المرأة].
ويقول الخميني: ( إن للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل… ووردَ عنهم عليهم السلام: إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل ) [ الحكومة الإسلامية ص:52] . وقال أيضاً: ( إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة ) [ الحكومة الإسلامية ص:112]. ويقول أيضاً: ( فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً من أجل البشرية، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما أخفق في تحقيقه جميع الأنبياء ) [ خطاب ألقاه الخميني بمناسبة الخامس عشر من شعبان 1400].
وغير هذا كثير ولولا الإطالة لذكرنا المزيد. أبعد هذا الغلو غلو؟
ولكن لا عجب فما كان يُعدُّ به الغُلاة غلاة أيام أئمتهم هو الآن من ضروريات المذهب كما يذكر ذلك " المامقاني " [ تنقيح المقال للمامقاني 3/240 ].
كلُّ هذه الصفات التي ذكروها لأئمتهم لا تَصلُح إلا لله كما قال تعالى: { وما لهم فيهما من شِرك وما له منهم من ظهير} ، فالمُلك بيد الله وحده لم يعطِ أحداً من عباده شيئاً منه كما قال: { وما يملكون من قطمير}، وفي الملائكة عباد الله المكرمون قال سبحانه: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون* يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون* ومن يقل منهم إني إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} ، والرُسل الكرام صلوات الله عليهم أجمعين يُخبر الله عنهم أنهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا حيث قال سبحانه عن سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم: { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك } ، وقال : { قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشدا } ، وقال تعالى: { قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله} ، ويُعاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في المنافقين : { عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ، وعن المنافقين أيضاً يقول المولى عز وجل: { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم } .
هذا بحق المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، والرافضة تُثبت علم الغيب لأئمتهم افتراءً على الله وعليهم، فكذبوا على جعفر الصادق أنه قال: ( أي إمام لا يعلم ما يغيبه وإلى ما يصير فليس حجة على خلقه ) [ الكافي 1/285].
والأئمة ( يعرفون الرجل إذا رأوه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ) [ الكافي 1/223].
وإن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون ـ كما عند الأئمة ـ [ الكافي 1/261].
* * *
وفي صفحة 69 يرد هذا الدجال على الشيخ الجبرين حينما بيّن أن الشيعة تطعن في القران الكريم، مُحاولاً جاهداً إلصاق عار هذه الطامة التي ركبتهم بأهل السنة، فيصح عليه المثل " رمتني بدائها وانسلت" ، فيقول: ( إن الشيعة لا يطعنون في القران الكريم، ولا يقولون بوقوع التحريف فيه… ولكن غيرهم قال بهذا ـ أي أهل السنة ـ ) ، ويُعدد المصادر التي يُحاول بها أن يُلبس على الناس فيها - كما في " جامع الأحكام " للقرطبي حينما تحدث عن نسخ اللفظ، وحاول أن يصوره بأنه القول بالتحريف- .
أقول :
إنني حقاً لم أرَ أوقح من هؤلاء وأجرأ منهم على الكذب على الله ورسوله، ومن المعلوم أن من أقسام النسخ في القران ما نسخ لفظه وبقي حكمه، كآية { والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم } والقسم الأخر ما نسخ لفظه كما في رواية البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: { أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم} ) ، والتي يستدل بها هذا الرافضي على أن أهل السنة يقولون بالتحريف ليُوهم الناس بذلك، ومن المعلوم أن أقسام النسخ مما أجمع عليه المسلمون - سوى من لا يعتد برأيهم كالمعتزلة ومن لف لفهم - وقولنا بنسخ اللفظ والمعنى لا يعتبر طعناً في كتاب الله لأنه حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هم - الشيعة - يُقِرون بوجود هذا النوع من النسخ كما عند بعض شيوخهم كما سنذكر ذلك إن شاء الله.
ويستدل بعد ذلك بأقوال بعض من شيوخهم المتقدمين والمتأخرين كـ " ابن بابويه القمي " و" المرتضى " و" الطوسي " و" الحلي " و" الخميني " و" كاشف الغطا " على أنهم لا يقولون بوقوع التحريف ، وهذا الدجال ادعى دعوى سنناقشها بأذن الله - وستعلم إذا انجلى الغبار أفرس تحتك رجلك أم حمار- :
يقول بعد ذكر نماذج من أقوال شيوخهم المذكورين أعلاه في ص72 : ( هذه نماذج صريحة تعكس عقيدة الشيعة الأمامية منذ القديم وإلى الان وكلها تؤكد على صيانة الكتاب العزيز من أية زيادة أو نقيصة وخلوه من كل تغيير أو تبديل.. ).
وإليك أخي المسلم بعض من أقوال شيوخهم الذين يكنون إليهم كل تقدير وإجلال:
فيذكر صاحب " الكافي " : ( رفع إلي أبو الحسن ـ ع ـ مصحفاً وقال لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه { لم يكن الذين كفروا } فوجدت فيها ـ السورة ـ اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، فبعث إلي أن ابعث إلي بالمصحف ) [ الكافي2/261].
والبحراني في شرحه لنهج البلاغة: ( أن عثمان بن عفان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وأبطل ما لاشك أنه من القرآن المُنزل ) [ شرح نهج البلاغة /هاشم البحراني 1/11].
ويقول المحدث الشيعي " نعمة الله الجزائري " في كتابه " الأنوار النعمانية ": ( إن الأئمة أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من بين أيدي الناس إلى السماء ويُخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين، ويعمل بأحكامه) .
ويقول محدثهم " النوري الطبرسي": ( إن الأخبار الدالة على ذلك ـ التحريف ـ يزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كـ " المفيد " والمحقق " الداماد " والعلامة " المجلسي " وغيرهم، واعلم أن الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية ) [ فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب 227 /النوري الطبرسي ].
وينقل الإجماع على التحريف " الجزائريّ " في كتابه " الأنوار النعمانية " كما يذكر ذلك صاحب كتاب: " فصل الخطاب " : ( إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القران ) [ فصل الخطاب ص 30 ].
ويقول المفسر الشيعي " محسن الكاشاني ": ( إن القران الذي بين أيدينا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة ) [ تفسير الصافي /المقدمة - محسن الكاشاني ].
ويؤكد ذلك " طيب الموسوي " في تعليقه على تفسير " القمي علي بن إبراهيم ": ( ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين، المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كـ " الكليني " و" البرقي " و" العياشي " و" النعماني " و" فرات بن إبراهيم " و" أحمد بن طالب الطبرسي " و" المجلسي " والسيد " الجزائري " و" الحر العاملي " والعلامة " الفتوني " والسيد " البحراني " وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عليها ) [ تفسير القمي / المقدمة ص23].
و" المجلسي " يُصرح قائلاً: ( أن عثمان حذف عن هذا القرآن ثلاثة أشياء: مناقب أمير المؤمنين علي، وأهل البيت، وذم قريش والخلفاء الثلاثة مثل آية " يا ليتني لم أتخذ أبا بكر خليلا " ) [ تذكرة الأئمة المجلسي ص9].
أما بعد فيقول الله تعالى: { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين }.
أخي المسلم : ها نحن نلتقي معك مرة أخرى لنتذاكر ونتناصح في الله كما قال تعالى: { وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين }، ونواصل حديثنا عن الشيعة ومعتقداتهم رداً على أحد دجاجلة الشيعة المسمى "جعفر السبحاني!" والتي يرد فيها على فتوى (1) للشيخ الجبرين من الجزيرة العربية الذي اعتبر فيها الشيعة من جنس المشركين الخارجين من الملّة، والذين لا تؤكل ذبائحهم ولا يُصلى خلفهم ولا في مساجدهم ولا'يناكحون…إلى آخره من أحكام المشركين والمرتدين.
فيبدأ هذا الدجال كما هي عادتهم دائماً ـ في رده الذي نشرته مجلة رسالة الثقلين/العدد الثاني/ السنة الأولى بعنوان " شبهة ورد، ميزان التوحيد والشرك " ـ بالتباكي على وحدة المسلمين الضائعة وضرورة مواجهة العدو المشترك وعدم تفريق الصف و.. و… ثم يدخل في صلب الموضوع فيقول في ص64 : ( لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتفي في قبول الإسلام من الذين يُريدون الانضواء تحت رايته بمجرد الشهادة بالوحدانية واستقبال القبلة والصلاة… بهذا كان يكتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لإطلاق وصف الإسلام على الأشخاص من دون أن ينبش في أعرافهم الاجتماعية وممارساتهم التقليدية ) .
فنقول مستعينين بالله :
نعم من أتى بهذه المباني ولم يُشرك بالله شيئاً فقد أتى بالتوحيد اللازم ، ولكن أنْ يأتي بشهادة التوحيد ويناقضها فقد أتى بالشيء وضده، فالتوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم السلام وأُنزلت من أجله الكتب وبه قامت العداوة بين أهل الأيمان وأهل الشرك هو توحيد الألوهية الذي هو إفرادُ الله تعالى بالعبادة، والعبادة كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيميه: ( هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة) فنحن نعلم من خلال ما قصّ الله تعالى علينا في القران الكريم أنَّ المشركين الذين بُعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا مُقرين بتوحيد الربوبية ولم يكونوا جاحدين لها، ومن جحد الربوبية كانوا أيضاً مقرين بها في أنفسهم { وجحدوا بها وآستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلّوا } ، فهم يعلمون بالفطرة أنَّ الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع المالك المعطى المانع هو الله وحده، ولكن كان شركهم أنهم جعلوا بينهم وبين الله سبحانه وتعالى وسائط في جلب الرزق وطلب الشفاعة وقضاء الحاجات، فمنهم من كان يعبد ـ وليست العبادة هنا أن تنسب إلى المدعو من دون الله شيئاً من صفات المولى عز وجل ـ الأنبياء والصالحين والملائكة والجن، وهؤلاء صرفوا الدعاء الذي هو العبادة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى غير الله تعالى، فسمّاهم الله مشركين وكفرّهم بذلك وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم .
والذي يعُرف من سيرة الصحابة أنهم كانوا يستشفعون بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فاستشفعوا بدعاء غيره كما في حادثة استسقاء عمر والصحابة بالعباس رضي الله عنه أيام خلافة عمر رضي الله عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حرصاً على حماية جناب التوحيد من المساس به، فقد ظل طوال 13 عاماً في مكة يدعو قائلاً: ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ) وقد لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، ونهى أمته عن ذلك وقال: ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد) ، حتى أنه صلى الله عليه وسلم نهى أمته عن الصلاة في وقت طلوع الشمس وقبل غروبها، وعلّل ذلك بأنها تخرج بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار، نهى أمته عن ذلك حتى لا يشابهوا الكفار وإن كان الكفار يسجدون للشيطان والمسلمون يسجدون لله ولكنه سدٌ لباب الذريعة فكيف بعد هذا يدّعي هذا الدجال أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من المسلمين مجرد التلفظ بالشهادتين دون نبش تقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية؟
ويُبنى على هذا الاعتقاد الفاسد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك الناس على ما هم عليه!
ثم من هذا الذي يعتد بقوله الذي زعم فيه أن مجرد التلفظ بالشهادتين يُدخلك في حظيرة الإسلام؟!
نعم إنها إبتداءاً تُدخل الإنسان في الإسلام فإن لم يأت بأركانها وشروطها فإنها لا تنفعه. ألم يقرؤوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: ( من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة)، وقوله صلى الله عليه وسلّم: ( فإن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي وجه الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حَرُمَ ماله ودمه وحسابه على الله) ، وقوله: ( أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) .
فما حقها؟
أليس من معاني لا إله إلا الله نفي الآلهة من دون الله وإثباتها لله وحده؟!
أليس من حقها خلع الأنداد والكفر بما يُعبد من دون الله؟!
وكلُّ هذه الأحاديث تدل على أن من قالها خالصاً من قلبه غير شاكٍ فيها هو من حقق شروط هذه الكلمة العظيمة.
وإذا كان الله تعالى يُحذّر نبيه صلى الله عليه وسلم من الشرك قائلاً: { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين } فإذا كان سيد البشر والمصطفى من خلق الله صلى الله عليه وسلم يُوحى إليه هذا الإنذار فنحن من باب أولى يجب أن نحذر من الوقوع في الشرك وما يؤدي إليه، وفي الحديث الصحيح حينما جاءه صلى الله عليه وسلم رجل فقال له: ( ما شاء الله وشئت، قال: اجعلتني لله نداً؟ بل قل ما شاء الله وحده ) ، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم حينما أراد بعض الصحابة الاستغاثة به من أذى بعض المنافقين فقال صلى الله عليه وسلم: ( إنه لا يُستغاث بي وإنما يُستغاث بالله ) ، وقوله: ( يا غلام أني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ) .
أبعد كل هذا يأتي من يقول إن دعاء الأنبياء والصالحين ليس بشرك؟!
بل إن شرك هؤلاء فاق شرك الأولين الذين كانوا يدعون مع الله آلهتهم المزعومة في الرخاء لكنهم يُخلصون لله الدعاء وقت الشدة وهؤلاء يدعون غير الله في الشدة والرخاء!، وهذا ما رأيناه من صغيرهم وكبيرهم، ومن يرى الأضرحة التي أقاموها على قبور بعض أهل البيت رضي الله عنهم لرأى العجب العجاب من شدة إخلاصهم الدعاء لغير الله وطلبهم من الموتى أموراً لا يقدر عليها إلا الله، حتى إن المرء ليستغرب ماذا أبقوا لله من صفات الربوبية والألوهية.
حتى قال شاعرهم:
نادي علياً مظهر العجائب تراه عوناً لك في النوائب
فأي توحيد هذا الذي يدعونه؟
أليس شرك قوم نوح عليه السلام جاء من باب تقديس الصالحين ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم من دون الله؟
أليس هذا حاصلاًً اليوم حول القبور والأضرحة؟
بل ازداد الحال سوءاً إذ وصل بهم إلى تقديس الموتى من الناس الذين يزعمون أنهم من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقربون إلى الله ـ زعموا ـ بزيارة قبورهم والطواف بها والذبح والنذر لها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها : ( يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً).
فهل هذا هو الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين التوحيد الذي دعا إليه وقاتل من أجله؟
وأما إذا كان فهمهم للتوحيد كما تقدم فعلى إسلامهم السلام.
* * *
ثم يقول " السبحاني " في ص66: ( ثم يقول المدعو الجبرين : حيث جعلوه ـ أي علياً ـ رباً وخالقاً ومتصرفاً في الكون ).
فنقول:
إن الشيخ ما ادعى ذلك كذباً أو افتراءً عليهم، كيف وكتبهم مليئة بذلك ورواياتهم في أصح كتبهم تدل على ذلك وإن تأولوا الأحاديث، فهذا " الكليني " يروي في الكافي عدة روايات تحت باب " الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علِموا !"، وباب " إن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم " ، ويروون كذباً على علي رضي الله عنه : ( أنا قسيم الجنة والنار ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد صلى الله عليه وآله.. ولقد أُعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، عُلّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني ) . [الكافي1/196] .
وأيضاً عن جعفر الصادق : ( إني لأعلم ما في الجنة والنار وأعلم ما كان وما يكون ) [ الكافي /261].
وفي رواية : ( إن الدنيا بيد الأمام يضعها حيث يشاء ويدفعها لمن يشاء ) [ الكافي1/409].
وفي رواية مكذوبة على علي رضي الله عنه أنه كان يقول: ( أنا الأول والأخر والظاهر والباطن ) [ الاحتجاج على أهل اللجاج للطوسي ].
إن غلوهم جعلهم يضعون أئمتهم في درجة أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة المقربين كما يذكر ذلك " الحر العاملي " قائلاً: ( الأئمة الإثني عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم ) [ الفصول المهمة ص:152].
ووصل بهم الحال إلى اختلاق روايات على أهل البيت أن الأئمة يُوحى إليهم وأن علياً ناجاه جبريل عليه السلام في فتح خيبر كما يذكر ذلك صاحب بصائر الدرجات [ بصائر الدرجات 8/باب16] ، وإن ( من الأئمة من يُنكت في أذنه ومنهم من يستمع الصوت ) [ بصائر الدرجات 5/باب7].
وأن فاطمة رضي الله عنها لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله لها ثلاثة ملائكة يُكلمونها ويسلونها وكان علي يكتب ما يقول المَلك ! [ خطاب ألقاه الخميني يوم الأحد 2/3/86 بمناسبة عيد المرأة].
ويقول الخميني: ( إن للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل… ووردَ عنهم عليهم السلام: إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل ) [ الحكومة الإسلامية ص:52] . وقال أيضاً: ( إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة ) [ الحكومة الإسلامية ص:112]. ويقول أيضاً: ( فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً من أجل البشرية، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما أخفق في تحقيقه جميع الأنبياء ) [ خطاب ألقاه الخميني بمناسبة الخامس عشر من شعبان 1400].
وغير هذا كثير ولولا الإطالة لذكرنا المزيد. أبعد هذا الغلو غلو؟
ولكن لا عجب فما كان يُعدُّ به الغُلاة غلاة أيام أئمتهم هو الآن من ضروريات المذهب كما يذكر ذلك " المامقاني " [ تنقيح المقال للمامقاني 3/240 ].
كلُّ هذه الصفات التي ذكروها لأئمتهم لا تَصلُح إلا لله كما قال تعالى: { وما لهم فيهما من شِرك وما له منهم من ظهير} ، فالمُلك بيد الله وحده لم يعطِ أحداً من عباده شيئاً منه كما قال: { وما يملكون من قطمير}، وفي الملائكة عباد الله المكرمون قال سبحانه: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون* يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون* ومن يقل منهم إني إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} ، والرُسل الكرام صلوات الله عليهم أجمعين يُخبر الله عنهم أنهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا حيث قال سبحانه عن سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم: { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك } ، وقال : { قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشدا } ، وقال تعالى: { قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله} ، ويُعاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في المنافقين : { عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ، وعن المنافقين أيضاً يقول المولى عز وجل: { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم } .
هذا بحق المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، والرافضة تُثبت علم الغيب لأئمتهم افتراءً على الله وعليهم، فكذبوا على جعفر الصادق أنه قال: ( أي إمام لا يعلم ما يغيبه وإلى ما يصير فليس حجة على خلقه ) [ الكافي 1/285].
والأئمة ( يعرفون الرجل إذا رأوه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ) [ الكافي 1/223].
وإن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون ـ كما عند الأئمة ـ [ الكافي 1/261].
* * *
وفي صفحة 69 يرد هذا الدجال على الشيخ الجبرين حينما بيّن أن الشيعة تطعن في القران الكريم، مُحاولاً جاهداً إلصاق عار هذه الطامة التي ركبتهم بأهل السنة، فيصح عليه المثل " رمتني بدائها وانسلت" ، فيقول: ( إن الشيعة لا يطعنون في القران الكريم، ولا يقولون بوقوع التحريف فيه… ولكن غيرهم قال بهذا ـ أي أهل السنة ـ ) ، ويُعدد المصادر التي يُحاول بها أن يُلبس على الناس فيها - كما في " جامع الأحكام " للقرطبي حينما تحدث عن نسخ اللفظ، وحاول أن يصوره بأنه القول بالتحريف- .
أقول :
إنني حقاً لم أرَ أوقح من هؤلاء وأجرأ منهم على الكذب على الله ورسوله، ومن المعلوم أن من أقسام النسخ في القران ما نسخ لفظه وبقي حكمه، كآية { والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم } والقسم الأخر ما نسخ لفظه كما في رواية البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: { أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم} ) ، والتي يستدل بها هذا الرافضي على أن أهل السنة يقولون بالتحريف ليُوهم الناس بذلك، ومن المعلوم أن أقسام النسخ مما أجمع عليه المسلمون - سوى من لا يعتد برأيهم كالمعتزلة ومن لف لفهم - وقولنا بنسخ اللفظ والمعنى لا يعتبر طعناً في كتاب الله لأنه حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هم - الشيعة - يُقِرون بوجود هذا النوع من النسخ كما عند بعض شيوخهم كما سنذكر ذلك إن شاء الله.
ويستدل بعد ذلك بأقوال بعض من شيوخهم المتقدمين والمتأخرين كـ " ابن بابويه القمي " و" المرتضى " و" الطوسي " و" الحلي " و" الخميني " و" كاشف الغطا " على أنهم لا يقولون بوقوع التحريف ، وهذا الدجال ادعى دعوى سنناقشها بأذن الله - وستعلم إذا انجلى الغبار أفرس تحتك رجلك أم حمار- :
يقول بعد ذكر نماذج من أقوال شيوخهم المذكورين أعلاه في ص72 : ( هذه نماذج صريحة تعكس عقيدة الشيعة الأمامية منذ القديم وإلى الان وكلها تؤكد على صيانة الكتاب العزيز من أية زيادة أو نقيصة وخلوه من كل تغيير أو تبديل.. ).
وإليك أخي المسلم بعض من أقوال شيوخهم الذين يكنون إليهم كل تقدير وإجلال:
فيذكر صاحب " الكافي " : ( رفع إلي أبو الحسن ـ ع ـ مصحفاً وقال لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه { لم يكن الذين كفروا } فوجدت فيها ـ السورة ـ اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، فبعث إلي أن ابعث إلي بالمصحف ) [ الكافي2/261].
والبحراني في شرحه لنهج البلاغة: ( أن عثمان بن عفان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وأبطل ما لاشك أنه من القرآن المُنزل ) [ شرح نهج البلاغة /هاشم البحراني 1/11].
ويقول المحدث الشيعي " نعمة الله الجزائري " في كتابه " الأنوار النعمانية ": ( إن الأئمة أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من بين أيدي الناس إلى السماء ويُخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين، ويعمل بأحكامه) .
ويقول محدثهم " النوري الطبرسي": ( إن الأخبار الدالة على ذلك ـ التحريف ـ يزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كـ " المفيد " والمحقق " الداماد " والعلامة " المجلسي " وغيرهم، واعلم أن الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية ) [ فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب 227 /النوري الطبرسي ].
وينقل الإجماع على التحريف " الجزائريّ " في كتابه " الأنوار النعمانية " كما يذكر ذلك صاحب كتاب: " فصل الخطاب " : ( إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القران ) [ فصل الخطاب ص 30 ].
ويقول المفسر الشيعي " محسن الكاشاني ": ( إن القران الذي بين أيدينا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة ) [ تفسير الصافي /المقدمة - محسن الكاشاني ].
ويؤكد ذلك " طيب الموسوي " في تعليقه على تفسير " القمي علي بن إبراهيم ": ( ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين، المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كـ " الكليني " و" البرقي " و" العياشي " و" النعماني " و" فرات بن إبراهيم " و" أحمد بن طالب الطبرسي " و" المجلسي " والسيد " الجزائري " و" الحر العاملي " والعلامة " الفتوني " والسيد " البحراني " وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عليها ) [ تفسير القمي / المقدمة ص23].
و" المجلسي " يُصرح قائلاً: ( أن عثمان حذف عن هذا القرآن ثلاثة أشياء: مناقب أمير المؤمنين علي، وأهل البيت، وذم قريش والخلفاء الثلاثة مثل آية " يا ليتني لم أتخذ أبا بكر خليلا " ) [ تذكرة الأئمة المجلسي ص9].