شيركوه
07-24-2004, 07:43 PM
الأندلس من الفتح إلى السقوط
(1)
الأفكار:
1- لماذا نتحدث في التاريخ ؟ .
2- لماذا تاريخ الأندلس ؟ .
3- سؤال هام جدا .
4- لماذا تمت الدعوة للإسلام عندما دخل المسلمون الحرب ولماذا لم تكن بالتجارة ؟ .
5- لماذا يلام المسلمين على فتوحاتهم ؟ .
6- لماذا لا يترك المسلمون الناس ودينهم فلماذا يحاربون من أجل نشر هذا الدين ؟ .
7- ما هي الأندلس ؟ ولماذا فتحت دونا عن غيرها ؟ .
(1)
كثير من الناس يتساءل لماذا نتحدث عن التاريخ ولماذا نبكي على اللبن المسكوب ؟ .
في الحقيقة إن ثلث القرآن الكريم قصص وهذا أمر يلفت النظر وهو أسلوب رباني فريد في التربية والقرآن الكريم فيه آيات تشير إلى منهج المسلم في تلقي القصص فيقول الله عز وجل { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (176) سورة الأعراف .
ويقول أيضا { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (111) سورة يوسف .
إذن لما نقص القصص بصفة عامة لابد أن نأخذه بهذا المنطلق منطلق التفكر والتدبر وهذه السلسلة التي سنذكرها لكم ليست من باب إشعال العواطف أو تحريكها أو البكاء على اللبن المسكوب لكن هي دعوة للتفكر والتدبر وهي طريق نبدأ فيه سويا ننقب عن صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي وهي ليست كافية أبدا لتاريخ الأندلس الذي استمر حوالي 800 سنة وهذه السلسلة نحاول فيها إظهار الحق الذي حاول كثيرون جعله باطلا أو إظهار الباطل الذي زعم الكثيرون أنه حق .
وفي هذه السلسلة أيضا سنتعرف على سنن الله في كونه التي لا تتغير ولا تتبدل {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (62) سورة الأحزاب .
بمعنى أننا نجد الماء على سبيل المثال يغلي عند درجة حرارة 100 درجة مئوية فلو أنه يغلي يوما عند 50 درجة ويوما آخر يغلي عند 150 درجة فلن تستقيم الحياة ولكن الله يثبت قوانين معنية فمثلا النار تحرق وستظل تحرق إلى يوم القيامة وهناك استثناءات فمثلا النار لم تحرق إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فهل يمكن للمؤمن أن يعيش على هذه الاستثناءات بأن يضع يده في النار ويقول ربما لا تحرقني بالطبع لا .
ومن ينظر إلى التاريخ ويقلب صفحاته يجد أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة عجيبة فتشعر وكأنها نفس الأحداث ولكن بأسماء مختلفة وبهذا فتشعر أن الله عز وجل فتح لك المستقبل فكأنه يمكنك النظر إلى المستقبل من خلال أحداث ماضية وثوابت الله التي لم تتغير والمؤمن الفطن هو الذي يتجنب أخطاء السابقين ويستفيد منها حتى لا يكررها هو .
(2)
والسؤال الآن لماذا ندرس التاريخ الأندلسي ؟ .
وذلك لأنه تاريخ يشمل أكثر من 800 سنة من سنة 92 هـ إلى 897 هـ وكان له تداعيات بعد هذه الفترة أيضا ومن العجيب أن كثير من المسلمين لا يدري شيئا من هذا التاريخ وأيضا لكبر هذا التاريخ نجد أن سنن الله تتكرر ونجد دولا تصبح قوية وتنتصر ودولا تصبح ضعيفة وتنهزم كما يحدث الآن وظهر في هذا التاريخ المجاهد الشجاع والخائف الجبان وظهر التقي الورع وظهر المخالف لشرع ربه وظهر الأمين على نفسه ودينه وبلده وظهر الخائن لنفسه ودينه وبلده وظهرت هذه الأمور في عوام الشعب والحكام والعلماء.
فعلى سبيل المثال من منا يسمع عن معركة ( وادي برباط ) Berbat والتي تشبه في التاريخ بمعركة القادسية واليرموك ؟ .
وهي التي كانت بداية فتح الأندلس وهي التي لا نعلم عنها شيئا وقصة حرق السفن التي أحرقها طارق بن زياد أهي حقيقية؟ وتفاصيل هذا الأمر لا يعلمه أحد ومن هو عبد الرحمن الداخل والذي قال فيه المؤرخون لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من الأندلس؟ ومن هو عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق وكيف وصل لهذه المكانة وكيف أصبح أقوى قوة في العالم في عصره ؟ .
ويوسف بن تشفين صاحب موقعة ( الزلاقة ) كيف نشأ ؟ وكيف ربى الناس على الجهاد وكيف وصل بدولته إلى حدود لم يصل إليها المسلمين في كثير من الفترات ؟ .
وأبو بكر بن عمر المنصوري من يسمع عن هذا الرجل ومن يسمع عن هذا الرجل من عامة المسلمين هذا المجاهد الذي أدخل الإسلام في أكثر من خمسة عشر دولة إفريقية ؟.
ومن يسمع عن أبي يوسف يعقوب المنصور صاحب ( موقعة الأرك ) التي دكت فيها حصون الصليبيين والتي انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا ؟ ومن يسمع عن مسجد قرطبة الذي كان أكبر مسجد في زمانه وإلى أزمان متلاحقة بعد ذلك وكيف حُول إلى كنيسة ومن يسمع عن دولة المرابطين ودولة الموحدين ومن يسمع عن مسجد أشبيلية العجيب ومن يسمع عن جامعة قرطبة والمكتبة الأموية ومن يسمع عن قصر الزهراء ومدينة الزاهرة وقصر الحمراء وغيرها من الأماكن التي يزورها المسلمين وغير المسلمين إلى الآن .
ومن يسمع عن موقعة العقاب التي هُزم فيها المسلمون فيها هزيمة ساحقة والتي كان عددهم يفوق عدد أعدائهم وكأن حنين تتكرر من جديد والتي قال فيها المؤرخون أن بعد هذه المعركة لا يُرى شاب مسلم يصلح للقتال في الأندلس أو المغرب كلها والتي قتل فيها أكثر من ثمانين ألف مسلم .
وكيف سقطت الأندلس وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت سقطت الأمة لأن لله سننا لا تتغير ؟ وكيف سطعت شمس الإسلام في القسطنطينية بعد سقوط الأندلس ؟.
وما هي مأساة ( بلنسيا ) وقتل ستين ألف مسلم في يوم واحد وما هي مأساة (أُوبَادَّا ) وقتل ستين ألف مسلم آخرين في يوم واحــــــــــــــد وما هي مأساة ( بَرْبَشْتَر) وقتل أربعين ألف مسلم وسبي سبعة آلاف فتاة بكر من فتيات بربشتر وكأنها البوسنة والهرسك وكيف قاموا المسلمين من هذه المآسي والتي إن عرفنا أسباب القيام لقمنا الآن .
فتاريخ الأندلس ثروة حقيقية من العلم والخبرة والعبرة وهو صفحات من 800 سنة ومن المستحيل أن نلخصها في مجموعة من المقالات فأنت في حاجة لأن تقرأ هذا التاريخ لعدة سنين فأنت أمامك مشوار طويل في البحث حتى تتعرف على سنن الله في الكون .
وهناك بعض الأسئلة التي قد تجول في خاطر الناس وهنا نحن نحاول الرد عليها لأن هذه مقدمة لتاريخ الأندلس ومن أمثلة هذه الأسئلة هي:
(3)
لماذا حمل المسلمون السلاح وانطلقوا يحاربون دولة أخرى مستقلة كالأندلس وهي دولة حرة وليعرضوا عليها الإسلام أو يفرضوا عليها الجزية أليس هذا يعتبر تعديا على شرعية الدول كما نقول الآن وأن الإسلام انتشر بحد السيف؟ وكيف توفق بين انتشار الإسلام بحد السيف وقوله تعالى { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (256) سورة البقرة ؟.
وللتفسير نقول إن الجهاد في الإسلام نوعان جهاد الدفع و جهاد الطلب
أما عن جهاد الدفع فهو الدفاع عن الأرض والبلد وهو نوع يقره الجميع الآن والنوع الآخر هو جهاد الطلب أو جهاد نشر الدعوة فالإسلام هو الدين الخاتم والله كلف الأمة أن تعلم الناس الإسلام ومن سنن الله عز وجل أن هناك أقوام يحكمون الشعوب الأخرى التي لا تدين بالإسلام وهذه الأقوام لا محالة ستمنع وصول هذه الدعوة للناس فالإسلام شرع للمسلمين أن يتجهوا بسيوفهم وجيوشهم لحماية الدعاة لله سبحانه وتعالى لنشر هذا الدين وتعليمهم الدين .
فمن لهؤلاء الذين يولدون ويعلمونهم أن المسيح عيسى بن مريم هو الله ؟ ومن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن البقرة هي الإله ؟ ومن للذين يولدون ويعلموهم أن ليس للكون إله وأن الطبيعة هو المسيرة لنفسها ؟.
ومن المعروف أن الحكام لهذه الشعوب سيقفون أمام الدعاة بسيوفهم وجيوشهم لأنهم مستفيدون من عبادة شعوبهم لهذه الآلهة الباطلة وبالتالي علينا أيضا كمسلمين أن نقف أمامهم لمنعهم .
فالمسلمون لا يقاتلون الشعوب فكان عمر بن الخطاب يقول للجيوش الفاتحة ( اتقوا الله في الفلاحين ) وهم الذين لا يهمهم أمر الحاكم أو الناس الذين لا يستطيعون القتال أو الناس الذين هم أقوياء ولكنهم لا يحاربون أو النساء أو الأطفال فقط كان المسلمون يحاربون الجيوش .
(4)
وقد يسأل سائل فيقول لو توفر لنا دعوتهم بغير حرب كما حدث في اندونيسيا عن طريق التجارة أسلموا وليس عن طريق الحرب فلماذا نبدأ بالحرب ؟ .
في الحقيقة انتشار الإسلام بالتجارة هو الاستثناء من القاعدة كما بينا سابقا فمثلا بلاد فارس فُتحت عسكريا كلها وهي دول تشمل 15على 16 من دول الإتحاد السوفيتي قبل أن يسقط وهذه الدول فتحها المسلمون بجهاد واستشهاد وقتال مرير طويل وكذلك الرومان فتحها المسلمون بقتال عسكري والشام والتي تضم لبنان وفلسطين وكذلك القسطنطينية وكذلك شرق أوروبا كله فُتح عسكريا وهناك بلاد ظلت إسلامية في شرق أوروبا قرونا مثل بلغاريا واليونان والمجر ورومانيا ويغوسلفيا بكاملها وقبرص ومالطا وأجزاء من النمسا عاش فيها الإسلام قرونا ثم اختفى منها الإسلام وكل هذه البلاد فُتح بالجهاد في سبيل الله وكذلك شمال إفريقيا ووسط أفريقيا وكذلك الأندلس .
إذن فالأساس أن الجهاد هو القاعدة التي يريد الله بها نشر دينه وليس التجارة أو حرية الكلام ونجد الآن أن الناس قد فُتنت بحرية الرأي والتعبير في الدول الغربية بصفة عامة ونرد فنقول أن الدعاة يسمح لهم بالكلام والدعوة لأنهم لم يصلوا إلى القوة المغيرة في هذه المجتمعات فإن وصلوا لهذه القوة مُنعوا من الدعوة وإذا كانت هذه الدول لا تسمح بإقامة دولة إسلامية مجاورة لها ومثال لهذا السودان عندما أعلنت إقامة الشريعة الإسلامية في بعض الولايات فقامت الدنيا ولم تقعد وقامت أمريكا بضرب مصنع للأدوية بحجة تصنيع أسلحة كيميائية وكان ذلك بسبب بوادر قيام دولة إسلامية في بلد ضعيفة كالسودان وبعيدة كل البعد عن الدول الغربية فما بالكم إن قامت دولة إسلامية في دولة من هذه الدول أو كان هناك وجود قوي للمسلمين في هذه الدول ؟ .
مثال آخر ما حدث في فرنسا عندما دخلت الفتيات الصغيرات المدرسة وهن محجبات منعوهم من دخولها الآن بل ويناقشوا الآن قانون حظر الحجاب وهي بلد الحريات كما يزعمون .
وكان في أمريكا يدرسون قانون القبض على أي شخص يمس الأمن القومي لهذه البلد بغير دليل وذلك ليكون فتحة للقبض على الدعاة النشطين فيها وفرصة لهم .
وقد تجد بعض الناس يقول لك إن هذا الزمن ليس بزمن الحروب والفتوحات وإنما هو زمن السياسات والمفاوضات ولكن واقع الأمر أنك تجد الحروب العسكرية في كل مكان حتى على المسلمين وأقربها على العراق .
(5)
ومن العجيب تجد المسلمين يلاموا أنهم قاموا بهذه الفتوحات التي نشرت الدين والعلم في العالم ولا تلام إسرائيل التي دمرت المفاعل النووي في العراق والتي قتلت المصريين في 67 وما فعلته في لبنان وسوريا وما تفعله في فلسطين أليس كان هذا حلا عسكريا ؟ ألم يكن من ناتج هذا الحل هو نهب ثرواتنا وأموالنا وقد كان المسلمون في فتوحاتهم ينشرون الرحمة والعدل بين الناس وهل يلام المسلمين ولا تلام أمريكا على الحروب المتتالية على دولة العراق والموبقات التي فعلت بالعراق وعلى وفات أكثر من نصف مليون طفل عراقي والحرب السابقة على العراق وما فيها من قتل للأبرياء؟ ولا يلام الصرب على ما فعلوا في البوسنة والهرسك وما حدث في كوسوفا وقتل 200 ألف مسلم في كل منهما وهتك عرض 50 ألف فتاة مسلمة ويلام المسلمون على الحريات العظيمة التي أعطوها لليهود والنصارى في حكم الدولة الإسلامية ؟ .
ألا تلام روسيا على اجتياح الشيشان واجتياح أفغانستان وقتل الكثير من المدنيين ليل نهار وتدمير المنشآت المدنية في هذه البلاد ويلام المسلمين على نشر العلم في هذه البلاد وكانت من قبل تعبد النار ؟ .
أيلام المسلمون الذين فتحوا جمهوريات جنوب روسيا بصفة عامة ولا تلام روسيا والصين الذين احتلوا أجزاء كثيرة وحكموا البلاد بالحديد والنار وقتلوا كل من كان يخفي في بيته مصحفا فهؤلاء الذين حكموا البلاد باسم الحضارة والمدنية .
نلاحظ أن مثل هؤلاء يحاولون تشويه التاريخ الإسلامي وهو الذي يجب ألا نستحي منه أبدا بل هم الذين يجب ألا يستحوا منه .
(6)
وكثير من الناس يقول لك مالنا ومال الآخرين ما الذي يجعلنا نحرك جيوشنا لنعلم الناس أن الله واحد افرض أن الناس لم يريدوا هذا الدين وقالوا لك لا نريد أن نسلم فنقول إن الله عز وجل جعل للمسلم رسالة وهذه الرسالة يوضحها لنا الصحابي الجليل ربعي بن عامر الذي قال لرستم قائد الفرس في موقعة القادسية فيقول ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه ( لقد إبتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ) .
وفي صحيح البخاري يعلق أبي هريرة رضي الله عنه على الآية { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (110) سورة آل عمران. ( خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ). فلو أن الناس ترفض الإسلام فتأتي فتنقذهم من أن يخلد في جهنم أو من جور الحكام إلى أن يدخل في عدل الإسلام وسعة الدنيا والآخرة .
تخيل أن رجلا أراد أن يلقي بنفسه من مكان مرتفع وقمت أنت بشد يده بقوة وآلمته على هذا فهل سيلومك أحد على ما فعلت ؟ فكذلك يفعل الإسلام مع الذين لا يريدون الإسلام لهذا نخرج لهم بالجيوش لننقذهم من هاوية السقوط في النار وليست هاوية الدنيا .
وكثير من الناس لا تسمع لك إلا إذا كنت محاطا بقوة فتجد أن ما كانت ترفضه هو النجاة وما كانت تريد إتباعه هو الهلاك المحقق فكثير من الناس دخلوا الإسلام على يد الفاتحين وقول الله عز وجل لا إكراه في الدين لا يتعارض أبدا مع هذا الفتح فالمسلمون عندما يدخلون هذه البلاد يخيرون الناس بأن يظلوا على إيمانهم ومعتقداتهم أم يدخلون في الإسلام وبالطبع كان المسلمون يعلموهم الإسلام وعلى الناس الاختيار .
فالناس بحاجة إلى الإسلام حتى وإن رفضوا ذلك فالكثير من الدول الغربية تكيل بمكاييل مختلفة وتجعل الظلم قاعدة من القواعد التي ترسخها في العالم ونلاحظ الأمراض الأخلاقية بدأت تنتشر ففي أحد المؤتمرات عن الإيدز وجدوا أنه في خلال العشرين سنة الماضية من 1980إلى 2000 قتل من البشر 20 مليون بسبب الإيدز وهو مرض خلاقي نتج من بعد الناس عن دين الله سبحانه وتعالى وعن شرعه وأقل معدلات الإصابة بهذا المرض في البلاد الإسلامية لارتباط المسلمون بشرع ربهم وإن كان ضعيفا .
وانظروا إلى المذابح التي تحدث في أفريقيا وأمريكا الجنوبية فكثير من الناس يموتون ظلما فالإسلام كان دين رحمة ويجعل الإنسان يعش في سعادة ويخرج من ظلم نفسه وهو الشرك بالله رب العالمين .
(7)
ترى ما هي بلاد الأندلس التي سنتحدث عنها ؟ .
الأندلس الآن هي أسبانيا والبرتغال أو ما يسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية ومساحتها حوالي 600 ألف كيلو متر مربع أي ثلثي مساحة مصر وتناقصت الأرض عليهم بمرور الأزمان .
ومن الذي سماها الأندلس ؟ .
فنقول بعض القبائل الهمجية التي دخلت هذه البلاد وهذه هي قبائل الفندال وهي قبائل وحشية همجية ثم حرف الاسم إلى فندالسيا حتى إنه في اللغة الإنجليزية كلمة (vandalism) أي همجي أو غير حضاري ثم خرجت هذه القبائل من الأندلس وجاءت طائفة من النصارى والتي تسمى قبائل القوط .
ولماذا الأندلس تحديدا هي التي تم فتحها ؟ .
نجد أن المسلمين فكروا في فتح هذه الدولة بعد أن وصلوا إلى المغرب فالناظر لخريطة هذه المنطقة يجد أنه في الشمال الأندلس وفي الغرب المحيط الأطلسي وفي الجنوب الصحراء الكبرى فإما أن تصعد شمالا وإما أن تنزل جنوبا في الصحراء الكبرى ولكن المسلمين لم يكونوا يهتمون بجمع الأراضي المهم عندهم هو السكان فلما انتهوا من المغرب انتقلوا للدولة المجاورة وهي الأندلس ثم فرنسا ثم ايطاليا وألمانيا فالله عز وجل يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (123) سورة التوبة .
فهناك حوار لطيف جرى بين معاذ بن جبل وأحد ملوك الروم في معركة اليرموك فهذا الملك يسأل معاذ بن جبل رضي الله عنه فيقول ( ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا وبلاد الحبشة أسهل عليكم ؟ ) . حيث كانت الروم قوة عظمى في العالم آن ذاك ، فقال معاذ بن جبل ( قال لنا ربنا في كتابه الكريم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (123) سورة التوبة. أنتم البلاد التي تلينا ثم بعد الانتهاء من بلاد الروم سنُزوجُها إلى الحبشة وغيرها . بمعنى بعد الانتهاء من بلاد الروم سنفتح الحبشة والأندلس وغيرهم .
في أي زمان فتحت بلاد الأندلس؟ في أي عصر نقصد ؟.
هذه فترة من فترات بني أمية في منتصف خلافة الوليد بن عبد الملك رحمه الله والدولة الأموية دولة مظلومة جدا في الإسلام وأشيع عنها الكثير من الأمور حتى تظن أنه ما كان لك تاريخ إلا في عهد أبي بكر وعمر وأن تنسى إقامة أمة إسلامية إذا كان القريبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلوا ما فعلوا.
فكثير من البلاد دخلت الإسلام على يد بني أمية فمثلا شمال أفريقيا دخل الإسلام على يد بني أمية ابتداء من ليبيا إلى المغرب نعم بدأت الفتوح في عهد عثمان بن عفان ولكن هذه البلاد ارتدت مرة أخرى وعادت للإسلام في عهد بني أمية وأفغانستان دخلت الإسلام في عهد بني أمية ودول جنوب روسيا دخلت الإسلام في عهد بني أمية ورُغِّب في الجهاد في عهد بني أمية حيث كان شيء طبيعي جدا أن يخرج الناس للجهاد حيث كان هناك جهاد في الصيف وجهاد في الشتاء والناس كانوا يخرجوا للجهاد كأنهم يخرجون لأعمالهم ودونت السنة في عهدهم والشرع كان مطبقا ومن المؤكد أنهم كان لهم أخطائهم ولكن أخطائهم هذه تذوب في بحر حسناتهم .
ودولة بني أمية حكمت من سنة 40 من الهجرة إلى سنة 132 من الهجرة وكان أول بني أمية معاوية بن أبي سفيان والذي كثيرا من الناس يطعنوا في خلافة معاوية بن أبي سفيان وكذبوا ولكن ليس هذا المجال للحديث عن معاوية بن أبي سفيان .
ودولة بني أمية تتابع فيها الحكام وكان أشهرهم عبد الملك بن مروان وأولاده من بعده والذين تخللهم عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي المشهور الذي ملأ الأرض عدلا ورحمة وآخر سبع سنوات فقط هي التي كان فيها كثير من الاختلافات على المنهج الإسلامي والمآسي وكان من سنن الله عز وجل أن تتغير هذه الدولة وهذا ما حدث .
كيف كان الوضع في أوروبا عند فتح الأندلس وكيف تغير عندما دخل المسلمون هذه البلاد ؟ .
أوروبا في هذه الفترات كانت تعيش في حالة من الجهل الشديد جدا وحالة من الظلم البين للمحكومين فقد اهتموا كثيرا في بناء الحصون والقصور وعامة الشعب يعيش في فقر شديد ونجد أن هناك بعد عن مقومات الحياة الطبيعية فكانوا لا يستحمون غير مرة أو مرتين في السنة ويظنون أن الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي بركة وخير لهم والرحالة المسلمين كانوا يقولون أن بعض هذه البلاد كانوا يتفاهمون بالإشارة فضلا عن كون هناك لغة مكتوبة .
وكان في هذه البلاد بعض أفعال المجوس من حرق للمتوفى ومن حرق لزوجته معه وهي حية أو حرق لجاريته أو من يحبه فكانت هذه البلاد تعيش في ظلم وفقر ثم سننظر ماذا حدث للأندلس بعد دخول الإسلام منذ الفتح إلى السقوط وهذه الرسالة هي مجرد مقدمة لهذا التاريخ العظيم .
هذا تلخيص لأحد دروس الشيخ راغب السرجاني عن الأندلس
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1)
الأفكار:
1- لماذا نتحدث في التاريخ ؟ .
2- لماذا تاريخ الأندلس ؟ .
3- سؤال هام جدا .
4- لماذا تمت الدعوة للإسلام عندما دخل المسلمون الحرب ولماذا لم تكن بالتجارة ؟ .
5- لماذا يلام المسلمين على فتوحاتهم ؟ .
6- لماذا لا يترك المسلمون الناس ودينهم فلماذا يحاربون من أجل نشر هذا الدين ؟ .
7- ما هي الأندلس ؟ ولماذا فتحت دونا عن غيرها ؟ .
(1)
كثير من الناس يتساءل لماذا نتحدث عن التاريخ ولماذا نبكي على اللبن المسكوب ؟ .
في الحقيقة إن ثلث القرآن الكريم قصص وهذا أمر يلفت النظر وهو أسلوب رباني فريد في التربية والقرآن الكريم فيه آيات تشير إلى منهج المسلم في تلقي القصص فيقول الله عز وجل { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (176) سورة الأعراف .
ويقول أيضا { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (111) سورة يوسف .
إذن لما نقص القصص بصفة عامة لابد أن نأخذه بهذا المنطلق منطلق التفكر والتدبر وهذه السلسلة التي سنذكرها لكم ليست من باب إشعال العواطف أو تحريكها أو البكاء على اللبن المسكوب لكن هي دعوة للتفكر والتدبر وهي طريق نبدأ فيه سويا ننقب عن صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي وهي ليست كافية أبدا لتاريخ الأندلس الذي استمر حوالي 800 سنة وهذه السلسلة نحاول فيها إظهار الحق الذي حاول كثيرون جعله باطلا أو إظهار الباطل الذي زعم الكثيرون أنه حق .
وفي هذه السلسلة أيضا سنتعرف على سنن الله في كونه التي لا تتغير ولا تتبدل {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (62) سورة الأحزاب .
بمعنى أننا نجد الماء على سبيل المثال يغلي عند درجة حرارة 100 درجة مئوية فلو أنه يغلي يوما عند 50 درجة ويوما آخر يغلي عند 150 درجة فلن تستقيم الحياة ولكن الله يثبت قوانين معنية فمثلا النار تحرق وستظل تحرق إلى يوم القيامة وهناك استثناءات فمثلا النار لم تحرق إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فهل يمكن للمؤمن أن يعيش على هذه الاستثناءات بأن يضع يده في النار ويقول ربما لا تحرقني بالطبع لا .
ومن ينظر إلى التاريخ ويقلب صفحاته يجد أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة عجيبة فتشعر وكأنها نفس الأحداث ولكن بأسماء مختلفة وبهذا فتشعر أن الله عز وجل فتح لك المستقبل فكأنه يمكنك النظر إلى المستقبل من خلال أحداث ماضية وثوابت الله التي لم تتغير والمؤمن الفطن هو الذي يتجنب أخطاء السابقين ويستفيد منها حتى لا يكررها هو .
(2)
والسؤال الآن لماذا ندرس التاريخ الأندلسي ؟ .
وذلك لأنه تاريخ يشمل أكثر من 800 سنة من سنة 92 هـ إلى 897 هـ وكان له تداعيات بعد هذه الفترة أيضا ومن العجيب أن كثير من المسلمين لا يدري شيئا من هذا التاريخ وأيضا لكبر هذا التاريخ نجد أن سنن الله تتكرر ونجد دولا تصبح قوية وتنتصر ودولا تصبح ضعيفة وتنهزم كما يحدث الآن وظهر في هذا التاريخ المجاهد الشجاع والخائف الجبان وظهر التقي الورع وظهر المخالف لشرع ربه وظهر الأمين على نفسه ودينه وبلده وظهر الخائن لنفسه ودينه وبلده وظهرت هذه الأمور في عوام الشعب والحكام والعلماء.
فعلى سبيل المثال من منا يسمع عن معركة ( وادي برباط ) Berbat والتي تشبه في التاريخ بمعركة القادسية واليرموك ؟ .
وهي التي كانت بداية فتح الأندلس وهي التي لا نعلم عنها شيئا وقصة حرق السفن التي أحرقها طارق بن زياد أهي حقيقية؟ وتفاصيل هذا الأمر لا يعلمه أحد ومن هو عبد الرحمن الداخل والذي قال فيه المؤرخون لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من الأندلس؟ ومن هو عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق وكيف وصل لهذه المكانة وكيف أصبح أقوى قوة في العالم في عصره ؟ .
ويوسف بن تشفين صاحب موقعة ( الزلاقة ) كيف نشأ ؟ وكيف ربى الناس على الجهاد وكيف وصل بدولته إلى حدود لم يصل إليها المسلمين في كثير من الفترات ؟ .
وأبو بكر بن عمر المنصوري من يسمع عن هذا الرجل ومن يسمع عن هذا الرجل من عامة المسلمين هذا المجاهد الذي أدخل الإسلام في أكثر من خمسة عشر دولة إفريقية ؟.
ومن يسمع عن أبي يوسف يعقوب المنصور صاحب ( موقعة الأرك ) التي دكت فيها حصون الصليبيين والتي انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا ؟ ومن يسمع عن مسجد قرطبة الذي كان أكبر مسجد في زمانه وإلى أزمان متلاحقة بعد ذلك وكيف حُول إلى كنيسة ومن يسمع عن دولة المرابطين ودولة الموحدين ومن يسمع عن مسجد أشبيلية العجيب ومن يسمع عن جامعة قرطبة والمكتبة الأموية ومن يسمع عن قصر الزهراء ومدينة الزاهرة وقصر الحمراء وغيرها من الأماكن التي يزورها المسلمين وغير المسلمين إلى الآن .
ومن يسمع عن موقعة العقاب التي هُزم فيها المسلمون فيها هزيمة ساحقة والتي كان عددهم يفوق عدد أعدائهم وكأن حنين تتكرر من جديد والتي قال فيها المؤرخون أن بعد هذه المعركة لا يُرى شاب مسلم يصلح للقتال في الأندلس أو المغرب كلها والتي قتل فيها أكثر من ثمانين ألف مسلم .
وكيف سقطت الأندلس وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت سقطت الأمة لأن لله سننا لا تتغير ؟ وكيف سطعت شمس الإسلام في القسطنطينية بعد سقوط الأندلس ؟.
وما هي مأساة ( بلنسيا ) وقتل ستين ألف مسلم في يوم واحد وما هي مأساة (أُوبَادَّا ) وقتل ستين ألف مسلم آخرين في يوم واحــــــــــــــد وما هي مأساة ( بَرْبَشْتَر) وقتل أربعين ألف مسلم وسبي سبعة آلاف فتاة بكر من فتيات بربشتر وكأنها البوسنة والهرسك وكيف قاموا المسلمين من هذه المآسي والتي إن عرفنا أسباب القيام لقمنا الآن .
فتاريخ الأندلس ثروة حقيقية من العلم والخبرة والعبرة وهو صفحات من 800 سنة ومن المستحيل أن نلخصها في مجموعة من المقالات فأنت في حاجة لأن تقرأ هذا التاريخ لعدة سنين فأنت أمامك مشوار طويل في البحث حتى تتعرف على سنن الله في الكون .
وهناك بعض الأسئلة التي قد تجول في خاطر الناس وهنا نحن نحاول الرد عليها لأن هذه مقدمة لتاريخ الأندلس ومن أمثلة هذه الأسئلة هي:
(3)
لماذا حمل المسلمون السلاح وانطلقوا يحاربون دولة أخرى مستقلة كالأندلس وهي دولة حرة وليعرضوا عليها الإسلام أو يفرضوا عليها الجزية أليس هذا يعتبر تعديا على شرعية الدول كما نقول الآن وأن الإسلام انتشر بحد السيف؟ وكيف توفق بين انتشار الإسلام بحد السيف وقوله تعالى { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (256) سورة البقرة ؟.
وللتفسير نقول إن الجهاد في الإسلام نوعان جهاد الدفع و جهاد الطلب
أما عن جهاد الدفع فهو الدفاع عن الأرض والبلد وهو نوع يقره الجميع الآن والنوع الآخر هو جهاد الطلب أو جهاد نشر الدعوة فالإسلام هو الدين الخاتم والله كلف الأمة أن تعلم الناس الإسلام ومن سنن الله عز وجل أن هناك أقوام يحكمون الشعوب الأخرى التي لا تدين بالإسلام وهذه الأقوام لا محالة ستمنع وصول هذه الدعوة للناس فالإسلام شرع للمسلمين أن يتجهوا بسيوفهم وجيوشهم لحماية الدعاة لله سبحانه وتعالى لنشر هذا الدين وتعليمهم الدين .
فمن لهؤلاء الذين يولدون ويعلمونهم أن المسيح عيسى بن مريم هو الله ؟ ومن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن البقرة هي الإله ؟ ومن للذين يولدون ويعلموهم أن ليس للكون إله وأن الطبيعة هو المسيرة لنفسها ؟.
ومن المعروف أن الحكام لهذه الشعوب سيقفون أمام الدعاة بسيوفهم وجيوشهم لأنهم مستفيدون من عبادة شعوبهم لهذه الآلهة الباطلة وبالتالي علينا أيضا كمسلمين أن نقف أمامهم لمنعهم .
فالمسلمون لا يقاتلون الشعوب فكان عمر بن الخطاب يقول للجيوش الفاتحة ( اتقوا الله في الفلاحين ) وهم الذين لا يهمهم أمر الحاكم أو الناس الذين لا يستطيعون القتال أو الناس الذين هم أقوياء ولكنهم لا يحاربون أو النساء أو الأطفال فقط كان المسلمون يحاربون الجيوش .
(4)
وقد يسأل سائل فيقول لو توفر لنا دعوتهم بغير حرب كما حدث في اندونيسيا عن طريق التجارة أسلموا وليس عن طريق الحرب فلماذا نبدأ بالحرب ؟ .
في الحقيقة انتشار الإسلام بالتجارة هو الاستثناء من القاعدة كما بينا سابقا فمثلا بلاد فارس فُتحت عسكريا كلها وهي دول تشمل 15على 16 من دول الإتحاد السوفيتي قبل أن يسقط وهذه الدول فتحها المسلمون بجهاد واستشهاد وقتال مرير طويل وكذلك الرومان فتحها المسلمون بقتال عسكري والشام والتي تضم لبنان وفلسطين وكذلك القسطنطينية وكذلك شرق أوروبا كله فُتح عسكريا وهناك بلاد ظلت إسلامية في شرق أوروبا قرونا مثل بلغاريا واليونان والمجر ورومانيا ويغوسلفيا بكاملها وقبرص ومالطا وأجزاء من النمسا عاش فيها الإسلام قرونا ثم اختفى منها الإسلام وكل هذه البلاد فُتح بالجهاد في سبيل الله وكذلك شمال إفريقيا ووسط أفريقيا وكذلك الأندلس .
إذن فالأساس أن الجهاد هو القاعدة التي يريد الله بها نشر دينه وليس التجارة أو حرية الكلام ونجد الآن أن الناس قد فُتنت بحرية الرأي والتعبير في الدول الغربية بصفة عامة ونرد فنقول أن الدعاة يسمح لهم بالكلام والدعوة لأنهم لم يصلوا إلى القوة المغيرة في هذه المجتمعات فإن وصلوا لهذه القوة مُنعوا من الدعوة وإذا كانت هذه الدول لا تسمح بإقامة دولة إسلامية مجاورة لها ومثال لهذا السودان عندما أعلنت إقامة الشريعة الإسلامية في بعض الولايات فقامت الدنيا ولم تقعد وقامت أمريكا بضرب مصنع للأدوية بحجة تصنيع أسلحة كيميائية وكان ذلك بسبب بوادر قيام دولة إسلامية في بلد ضعيفة كالسودان وبعيدة كل البعد عن الدول الغربية فما بالكم إن قامت دولة إسلامية في دولة من هذه الدول أو كان هناك وجود قوي للمسلمين في هذه الدول ؟ .
مثال آخر ما حدث في فرنسا عندما دخلت الفتيات الصغيرات المدرسة وهن محجبات منعوهم من دخولها الآن بل ويناقشوا الآن قانون حظر الحجاب وهي بلد الحريات كما يزعمون .
وكان في أمريكا يدرسون قانون القبض على أي شخص يمس الأمن القومي لهذه البلد بغير دليل وذلك ليكون فتحة للقبض على الدعاة النشطين فيها وفرصة لهم .
وقد تجد بعض الناس يقول لك إن هذا الزمن ليس بزمن الحروب والفتوحات وإنما هو زمن السياسات والمفاوضات ولكن واقع الأمر أنك تجد الحروب العسكرية في كل مكان حتى على المسلمين وأقربها على العراق .
(5)
ومن العجيب تجد المسلمين يلاموا أنهم قاموا بهذه الفتوحات التي نشرت الدين والعلم في العالم ولا تلام إسرائيل التي دمرت المفاعل النووي في العراق والتي قتلت المصريين في 67 وما فعلته في لبنان وسوريا وما تفعله في فلسطين أليس كان هذا حلا عسكريا ؟ ألم يكن من ناتج هذا الحل هو نهب ثرواتنا وأموالنا وقد كان المسلمون في فتوحاتهم ينشرون الرحمة والعدل بين الناس وهل يلام المسلمين ولا تلام أمريكا على الحروب المتتالية على دولة العراق والموبقات التي فعلت بالعراق وعلى وفات أكثر من نصف مليون طفل عراقي والحرب السابقة على العراق وما فيها من قتل للأبرياء؟ ولا يلام الصرب على ما فعلوا في البوسنة والهرسك وما حدث في كوسوفا وقتل 200 ألف مسلم في كل منهما وهتك عرض 50 ألف فتاة مسلمة ويلام المسلمون على الحريات العظيمة التي أعطوها لليهود والنصارى في حكم الدولة الإسلامية ؟ .
ألا تلام روسيا على اجتياح الشيشان واجتياح أفغانستان وقتل الكثير من المدنيين ليل نهار وتدمير المنشآت المدنية في هذه البلاد ويلام المسلمين على نشر العلم في هذه البلاد وكانت من قبل تعبد النار ؟ .
أيلام المسلمون الذين فتحوا جمهوريات جنوب روسيا بصفة عامة ولا تلام روسيا والصين الذين احتلوا أجزاء كثيرة وحكموا البلاد بالحديد والنار وقتلوا كل من كان يخفي في بيته مصحفا فهؤلاء الذين حكموا البلاد باسم الحضارة والمدنية .
نلاحظ أن مثل هؤلاء يحاولون تشويه التاريخ الإسلامي وهو الذي يجب ألا نستحي منه أبدا بل هم الذين يجب ألا يستحوا منه .
(6)
وكثير من الناس يقول لك مالنا ومال الآخرين ما الذي يجعلنا نحرك جيوشنا لنعلم الناس أن الله واحد افرض أن الناس لم يريدوا هذا الدين وقالوا لك لا نريد أن نسلم فنقول إن الله عز وجل جعل للمسلم رسالة وهذه الرسالة يوضحها لنا الصحابي الجليل ربعي بن عامر الذي قال لرستم قائد الفرس في موقعة القادسية فيقول ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه ( لقد إبتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ) .
وفي صحيح البخاري يعلق أبي هريرة رضي الله عنه على الآية { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (110) سورة آل عمران. ( خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ). فلو أن الناس ترفض الإسلام فتأتي فتنقذهم من أن يخلد في جهنم أو من جور الحكام إلى أن يدخل في عدل الإسلام وسعة الدنيا والآخرة .
تخيل أن رجلا أراد أن يلقي بنفسه من مكان مرتفع وقمت أنت بشد يده بقوة وآلمته على هذا فهل سيلومك أحد على ما فعلت ؟ فكذلك يفعل الإسلام مع الذين لا يريدون الإسلام لهذا نخرج لهم بالجيوش لننقذهم من هاوية السقوط في النار وليست هاوية الدنيا .
وكثير من الناس لا تسمع لك إلا إذا كنت محاطا بقوة فتجد أن ما كانت ترفضه هو النجاة وما كانت تريد إتباعه هو الهلاك المحقق فكثير من الناس دخلوا الإسلام على يد الفاتحين وقول الله عز وجل لا إكراه في الدين لا يتعارض أبدا مع هذا الفتح فالمسلمون عندما يدخلون هذه البلاد يخيرون الناس بأن يظلوا على إيمانهم ومعتقداتهم أم يدخلون في الإسلام وبالطبع كان المسلمون يعلموهم الإسلام وعلى الناس الاختيار .
فالناس بحاجة إلى الإسلام حتى وإن رفضوا ذلك فالكثير من الدول الغربية تكيل بمكاييل مختلفة وتجعل الظلم قاعدة من القواعد التي ترسخها في العالم ونلاحظ الأمراض الأخلاقية بدأت تنتشر ففي أحد المؤتمرات عن الإيدز وجدوا أنه في خلال العشرين سنة الماضية من 1980إلى 2000 قتل من البشر 20 مليون بسبب الإيدز وهو مرض خلاقي نتج من بعد الناس عن دين الله سبحانه وتعالى وعن شرعه وأقل معدلات الإصابة بهذا المرض في البلاد الإسلامية لارتباط المسلمون بشرع ربهم وإن كان ضعيفا .
وانظروا إلى المذابح التي تحدث في أفريقيا وأمريكا الجنوبية فكثير من الناس يموتون ظلما فالإسلام كان دين رحمة ويجعل الإنسان يعش في سعادة ويخرج من ظلم نفسه وهو الشرك بالله رب العالمين .
(7)
ترى ما هي بلاد الأندلس التي سنتحدث عنها ؟ .
الأندلس الآن هي أسبانيا والبرتغال أو ما يسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية ومساحتها حوالي 600 ألف كيلو متر مربع أي ثلثي مساحة مصر وتناقصت الأرض عليهم بمرور الأزمان .
ومن الذي سماها الأندلس ؟ .
فنقول بعض القبائل الهمجية التي دخلت هذه البلاد وهذه هي قبائل الفندال وهي قبائل وحشية همجية ثم حرف الاسم إلى فندالسيا حتى إنه في اللغة الإنجليزية كلمة (vandalism) أي همجي أو غير حضاري ثم خرجت هذه القبائل من الأندلس وجاءت طائفة من النصارى والتي تسمى قبائل القوط .
ولماذا الأندلس تحديدا هي التي تم فتحها ؟ .
نجد أن المسلمين فكروا في فتح هذه الدولة بعد أن وصلوا إلى المغرب فالناظر لخريطة هذه المنطقة يجد أنه في الشمال الأندلس وفي الغرب المحيط الأطلسي وفي الجنوب الصحراء الكبرى فإما أن تصعد شمالا وإما أن تنزل جنوبا في الصحراء الكبرى ولكن المسلمين لم يكونوا يهتمون بجمع الأراضي المهم عندهم هو السكان فلما انتهوا من المغرب انتقلوا للدولة المجاورة وهي الأندلس ثم فرنسا ثم ايطاليا وألمانيا فالله عز وجل يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (123) سورة التوبة .
فهناك حوار لطيف جرى بين معاذ بن جبل وأحد ملوك الروم في معركة اليرموك فهذا الملك يسأل معاذ بن جبل رضي الله عنه فيقول ( ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا وبلاد الحبشة أسهل عليكم ؟ ) . حيث كانت الروم قوة عظمى في العالم آن ذاك ، فقال معاذ بن جبل ( قال لنا ربنا في كتابه الكريم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (123) سورة التوبة. أنتم البلاد التي تلينا ثم بعد الانتهاء من بلاد الروم سنُزوجُها إلى الحبشة وغيرها . بمعنى بعد الانتهاء من بلاد الروم سنفتح الحبشة والأندلس وغيرهم .
في أي زمان فتحت بلاد الأندلس؟ في أي عصر نقصد ؟.
هذه فترة من فترات بني أمية في منتصف خلافة الوليد بن عبد الملك رحمه الله والدولة الأموية دولة مظلومة جدا في الإسلام وأشيع عنها الكثير من الأمور حتى تظن أنه ما كان لك تاريخ إلا في عهد أبي بكر وعمر وأن تنسى إقامة أمة إسلامية إذا كان القريبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلوا ما فعلوا.
فكثير من البلاد دخلت الإسلام على يد بني أمية فمثلا شمال أفريقيا دخل الإسلام على يد بني أمية ابتداء من ليبيا إلى المغرب نعم بدأت الفتوح في عهد عثمان بن عفان ولكن هذه البلاد ارتدت مرة أخرى وعادت للإسلام في عهد بني أمية وأفغانستان دخلت الإسلام في عهد بني أمية ودول جنوب روسيا دخلت الإسلام في عهد بني أمية ورُغِّب في الجهاد في عهد بني أمية حيث كان شيء طبيعي جدا أن يخرج الناس للجهاد حيث كان هناك جهاد في الصيف وجهاد في الشتاء والناس كانوا يخرجوا للجهاد كأنهم يخرجون لأعمالهم ودونت السنة في عهدهم والشرع كان مطبقا ومن المؤكد أنهم كان لهم أخطائهم ولكن أخطائهم هذه تذوب في بحر حسناتهم .
ودولة بني أمية حكمت من سنة 40 من الهجرة إلى سنة 132 من الهجرة وكان أول بني أمية معاوية بن أبي سفيان والذي كثيرا من الناس يطعنوا في خلافة معاوية بن أبي سفيان وكذبوا ولكن ليس هذا المجال للحديث عن معاوية بن أبي سفيان .
ودولة بني أمية تتابع فيها الحكام وكان أشهرهم عبد الملك بن مروان وأولاده من بعده والذين تخللهم عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي المشهور الذي ملأ الأرض عدلا ورحمة وآخر سبع سنوات فقط هي التي كان فيها كثير من الاختلافات على المنهج الإسلامي والمآسي وكان من سنن الله عز وجل أن تتغير هذه الدولة وهذا ما حدث .
كيف كان الوضع في أوروبا عند فتح الأندلس وكيف تغير عندما دخل المسلمون هذه البلاد ؟ .
أوروبا في هذه الفترات كانت تعيش في حالة من الجهل الشديد جدا وحالة من الظلم البين للمحكومين فقد اهتموا كثيرا في بناء الحصون والقصور وعامة الشعب يعيش في فقر شديد ونجد أن هناك بعد عن مقومات الحياة الطبيعية فكانوا لا يستحمون غير مرة أو مرتين في السنة ويظنون أن الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي بركة وخير لهم والرحالة المسلمين كانوا يقولون أن بعض هذه البلاد كانوا يتفاهمون بالإشارة فضلا عن كون هناك لغة مكتوبة .
وكان في هذه البلاد بعض أفعال المجوس من حرق للمتوفى ومن حرق لزوجته معه وهي حية أو حرق لجاريته أو من يحبه فكانت هذه البلاد تعيش في ظلم وفقر ثم سننظر ماذا حدث للأندلس بعد دخول الإسلام منذ الفتح إلى السقوط وهذه الرسالة هي مجرد مقدمة لهذا التاريخ العظيم .
هذا تلخيص لأحد دروس الشيخ راغب السرجاني عن الأندلس
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.