islam
04-03-2004, 02:41 AM
ملاحظات حول التجربة الجهادية في سوريا
المبحث الأول : ملاحظات حول التجربة ككل
أولا - غياب الاستراتيجية والتخطيط الشامل المسبق :
لم يكن لدى المجاهدين الأوائل عندما أقدموا على إرساء خط الجهاد العسكري أي تصور استراتيجي مبني على حساب دقيق لمعطيات الواقع وتوقعات المستقبل، و لم تؤخذ بعين الاعتبار كدراسة جدية حالة البلاد، وجغرافيتها، وجغرافيتها السكانية، وتركيبتها الدينية والقومية والسياسية، وطبيعة النظام وتركيبته، ونسبة قوتنا الذاتية إلى قوته، وطبيعة القوى الصديقة والمعادية، ومعطياتها وإمكانية الإفادة منها . . إلى ا خر تلك الأمور الهامة التي كان يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتبنى عليها طبيعة العمل العسكري المناسب وطبيعة بنية التنظيم المطلوب... الخ .
بل على العكس سار العمل بشكل شبه فطري قدرت فيه الضرورات دائما حسب معطيات الأمر الواقع، وما لبث الأمر أن خرج من يد مخططيه بمجرد انفجار الأحداث، وأصبحت الأحداث تجر مخططيها عبر سلسلة من الضرورات واختيار أهون الشرور .. فلما خرج الأمر من يد الطليعة وأصبح بيد قيادة الخارج لم يكن نصيبها من العمل غير المخطط بأقل من نصيب المرحلة السابقة، فرغم توافر الوقت والإمكانيات والظروف وتأييد الجوار لم تستطع القيادة أن تنتقل بالعمل إلى المستوى الاستراتيجي بل على العكس اعتمدت على معطيات الدخل وبنت عليه أحلامها بالحسم وغابت الاستراتيجية حتى عن برامج الإعداد والتدريب وكل شاردة وواردة ولم يكن العمل في الخارج إلا سلسلة من الاعتباطات وربما أن أهل الداخل ونعني القيادة الميدانية في (حماه ودمشق والضباط ) كانوا أول من فكر بإعطاء العمل منحنى استراتيجيا، ولكن خطأهم القاتل بالاعتماد على معطيات الخارج ودعمه، أخرج الأمر من أيديهم وآل بهم إلى الدمار، لغياب هذا العامل الاستراتيجي المهم في التخطيط لحرب عصابات ثورية . وهكذا ظلت الأحداث تتحكم بفاعلية والت كل المحاولات العسكرية رغم كل البطولات الفردية الرائعة إلى فشل ذريع لم يستطع المجاهدون خلاله إلا أن يعطوا الدليل على قدرتهم على الاستشهاد.
ثانيا - تشرذم المخلصين المجاهدين في تنظيمات شتى وولاءات شتى:
لقد جاء فهم هذا الأمر متأخرا جدا ولا زلنا إلى حد ما بعيدين عن تصحيحه ودفع الأمر في مجراه الطبيعي، ولعل هذا أول واجب لإرساء خط جهادي متميز، لقد حفلت الساحة بفعل عامل المبادئ والتنظيمات والولاءات بين من جاهد عبر تصور مسبق ومن دفع إليه خوفا ومن فاء إليه طمعا ومن سيق إليه اضطرارا.. الخ، إلى تواجد تشكيل بشري معقد في قواعد التنظيمات التي أصبحت معنية بهذا الأمر.. ومن سوء الطالع فقد تشرذم المجاهدون الصادقون أنفسهم أيضا في هذا السياق وهكذا وجد مجاهدون مؤمنون بالعمل الثوري الجهادي المسلح وفي نفس الوقت في صفوف تنظيمات شتى وتحت قيادات شتى مما أفقد جدوى هذه الجذوة المؤمنة في صدور أصحابها فرصة الالتقاء وتركيز الجهد في منحى واحد، ولقد ذهب الأمر إلى أبعد من هذا، فبفعل الحزازات وأجواء الحزبية، نشأ في بعض الأحيان جو من الشحناء والحزبية والكراهية حتى بين شباب مجاهد يحمل الفكر ذاته والروح ذاتها والهدف ذاته، وما ذلك إلا لتواجده تحت قيادات مختلفة المشارب متضاربة الأهداف .. وعدا ما لهذا التفرق والشرذمة من منعكسات سلبية على الصعيد الديني والأخلاقي .. فقد كان تشرذم هذه القوى في مناحي شتى عاملا استراتيجيا كافيا لعدم الإفادة منها في آخر المطاف.
ثالثا - العجز عن إيضاح نظرية جهادية ثورية وجملة أهداف واضحة على الصعيد الإيديولوجي:
(إقامة الحكم الإسلامي وحرب النصيريين )، لقد كان هذا شعار كل من وجد في تكتل من التكتلات الإسلامية التي غدت معنية بذلك الصراع، وإن من أولى البديهيات التي يجب أن يعنى بها تنظيم ثوري طليعي يتصدى لقيادة الجماهير أن يرسي جملة من الأهداف والشعارات ليطرحها للجماهير وليكون عليها وحولها مدار استقطابه لها وطرح نفسه كطليعة ثورية قيادية موجهة. وللأسف فقد فشل المجاهدون الحقيقيون في طرح مثل هذا الفكر والهدف والشعار بشكل واضح مبلور وموجه عبر خطة إعلامية مبيتة، على الأقل ليهلك من هلك على بينة ويحمى من حي عن بينة.. لقد كان قصارى ما فهمته الجماهير، أو من اهتم منها بالأحداث فقط لا غير، أن ثمة مجموعة من الشباب الإسلاميين يحاربون هذا النظام. ولعل غالبهم فهم أنهم يريدون إقامة الحكم الإسلامي، دون أن يتطرق لفهمهم ما هو شكل هذا الحكم ؟ ولماذا هذه الحرب؟ وما مدى فرضيتها ولم يدعون للمشاركة والموت في سبيلها؟.. لم يستطع المجاهدون أن يفهموا الناس على وجه الدقة والتحديد من هم ؟ وماذا يريدون ؟ وما الذي يحركهم ؟ (على العكس فإن من تطفلوا على هذه الحركة والثورة كان أول ما فعلوه هو أنهم تصدوا لإفهام الناس ماذا يريدون وما هي أهدافهم.. الخ كأطراف التحالف الوطني مثلا.. ) على الرغم من أن هذا الإيضاح كان ولا يزال أساس استقطاب الجماهير وتعبئة القواعد بالدفع الفكري والعقائدي لهذا العمل الخطير.
رابعا - ضحالة الوعي السياسي والثوري وانخفاض مستوى العلم الشرعي إجمالا:
باستثناء بعض الأفراد في القيادات المجاهدة وبعض القواعد فقد تميزت جل تلك الجموع التي تصدت لهذه الحرب الثورية الضروس بانخفاض مستوى الوعي السياسي لإبعاد هذه اللعبة الثورية الطابع، ولأن كان هذا نقيصة يمكن تجاوزها في القواعد فإن خطرها أكبر وأعظم عندما تكون إحدى صفات القيادة المتصدية لإدارة العمل . فإن الجهل بطبيعة هذا العمل الثوري ذي الجوهر السياسي البحث حيث أن الحرب بكل تفاصيلها ليست إلا أداة لهذه التوجهات السياسية الثورية التي يتبناها العمل . إن الجهل بهذا الأمر يترك القيادة عاجزة عن وضع أي مخطط ذي طابع استراتيجي متكامل على كل الأصعدة.. وحتى القواعد وقيادات الوسط يجب أن تنال حظها من الفهم لأنها هي التي ستفرز قيادات المستقبل في درب يستهلك كوادره أول بأول . ولأن فهمها لهذا الأمر يوضح أمامها مبررات توجهات القيادة في وضع تصوراتها ويجعلها واعية لدربها بشكل أكبر. إن هذا الوعي بهذا المفهوم كان ضحلا وقلما تحلى به أفراد ممن سلكوا هذا الدرب على مختلف الأصعدة.
كما أن مستوى العلم الشرعي إجمالا ولاسيما في القواعد المجاهدة. وبعد أن طالت كوارث الإستشهادات المتلاحقة الشريحة الممتازة من نخبة المجاهدين في الصدمة الأولى، واعتمدت الفئات الإسلامية على الحشد الكمي للأفراد. وأصبح هذا المستوى منخفضا.. مما كان له الدور الأول في تلك المؤامرات التي مرت بكل سهولة. وأمكن التحكم بهده القواعد التي أصبح لسان حالها يقر بالتسليم والثقة لبعض الرجال العاملين في الأمر حيث يفهمون فيما لا نفهم ! ولذلك وقعت كثير من التجاوزات ومرر كثير من المؤامرات في ظل هذا الجهل شبه الشامل.. وباختصار لقد تميز جل أولئك المجاهدين بالإخلاص والاندفاع والاستماتة.. هذا صحيح.. ولكن مستوى الوعي على الصعيد العلمي الشرعي والسياسي كان ضحلا، وأقل بكثير مما يجب توفره في صفوف تجمعات جهادية ثورية.
خامسا - الاعتماد على الكم بعد أن ذهبت الضربة الأولى بالنوعيات :
بالنسبة للطليعة ومجاهدي الداخل، فقد ذهبت الصدمة الأولى وهي الفترة الممتدة من أواسط 1970 وحتى أواخر 1980 بصفوفهم في سلسلة مأسوية من الإستشهادات، ولذلك تورطت تلك القيادات بفتح باب التنظيم غير المنظم وغير المدروس أمام الجماهير لتوسيع قاعدتها فغلب الكم على النوع وظهرت ظواهر سلبية وشاذة مميتة فيما بعد، فقد كان العديد من الملتحقين بالدرب من غير المتعمقين في طريق الثبات والالتزام الإسلامي، و لم يكن يميزهم إلا الحماس والاندفاع الذي فتر بعيد تراجع الأحداث ولاسيما الخروج خارج الحدود..
وعلى صعيد الإخوان فقد ذهبت ضربة الإعتقالات مع بداية تفجر الأحداث بالألوف من كوادرهم المعدة في حلقات التربية والتكوين.. وفتحوا الباب بعد خروجهم خارج الحدود أمام استقطاب واستيعاب ما هب ودب مما اظهر بوادر غير واضحة في صفوف بعض القواعد، بوادر مؤسفة ومخجلة في بعض حوادث متفرقة . ولقد زاد في سلبية هذا الحشد الكمي أن الظرف في الداخل لم يكن مواتيا لإعداد هذه الجموع وتربيتها ورفع سويتها العلمية والشرعية والسياسية وإعدادها إعدادا مناسبا بل ضروريا، أما في الخارج فقد كان فشل الإخوان على صعيد التربية والإعداد لا يقل عن فشلهم على الصعيد العمل العسكري، وعلى الرغم من بقاء المئات من العناصر في القواعد، لم تفلح القيادة في إنجاح برنامج تربوي ناجع على مستوى القضية باستثناء دروس الحزبية الإسلامية الكلاسيكية المملة التي كانت تجري بين الحين والحين.. وبعض برامج التدريب العسكري النظري والعملي غير الكافي، هذا ناهيك عما وفره جو الحشد الكمي للمخابرات السورية من إمكانية دس العملاء في جو الصراع من أجل رفع العدد وتجاذب العناصر الذي حصل بين التنظيمات.
سادسا - ضعف الإعلام الداخلي والخارجي للمجاهدين :
سبق وأن تكلمنا عن فشل المجاهدين في بلورة فكرة يفهمون الناس بها جملة من الأهداف والشعارات التي كانوا متفهمين لها عاملين في سبيلها. ولقد كان هذا طرفا من فشلهم الاعلامى، فباستثناء بعض البيانات التي كانت تصدر لأغراض بعينها لم يكن هناك مخطط إعلامي مبرمج لتعبئة الجماهير وتوسيع القاعدة الثورية للأنصار والمؤيدين.
ولما آل الأمر لقيادة الإخوان في الخارج، أهمل الإعلام على صعيد الداخل نهائيا، واقتصر الإعلام على نطاق الخارج ولكنه تورط في التهويل وتوج ذلك فيما رافق حماه وأحداثها وما دأبت عليه النذير من التهاويل، ولقد كان إعلاما إخباريا، أكثر منه إعلاما فكريا موجها لغزو قلوب الأنصار والمؤيدين في الداخل والخارج. ولا تخفى نتيجة مثل هذا القصور على متبصر، قصور جعل أنهار الدماء تلك وجهود الألوف من المخلصين تذهب سدى ولا يحصد فيها إلا نعوت الاستشهاد.. لقد كان درس فشل الإعلام الجهادي درسا لا ينسى.
سابعا - انتظار المجاهدين الدعم من جهات خارجية باستمرار وعدم الاعتماد على النفس:
كان خطأ قاتلا دمر الطليعة في الداخل، ثم دمر حشود المجاهدين في الخارج، ثم دمر القيادة الميدانية والإدارة العسكرية للضباط في حماه ودمشق (ما سمي بمخطط الحسم ). لقد تورط كل المعنيين بإدارة العمل الجهادي بالاعتماد على إمداد الخارج المهزوز وغير المستقر، بل تعدى ذلك بالاعتماد على الأنظمة المعادية في الجوار (كالعراق ). وتمددت الثورة واتسعت وارتفعت تكاليفها بشكل سرطاني غير مدروس متغذية . مما تدفق من الجوار من مال وسلاح ولوازم وفي لحظات بعينها قطعت تلك الإمدادات أو خيبت الآمال كما حصل للطليعة ثم لقيادة حماه والضباط، فحصلت المأساة، لقد كان درسا من أعظم الدروس (لا يمكن لحركة جهادية ثورية تمارس حرب عصابات شاملة أن تعتمد في تمويلها وتسليح أفرادها وإعالتهم إلا على نفسها وما تستخلصه من عدوها، وعليها أن تضع المخطط لهذا الأمر بكل وضوح وتفصيل . وإلا فإنها ستتحول لورقة لعب سياسية بأيدي الآخرين فإن أبت فالقضاء عليها رهن قرار هؤلاء الآخرين ). لقد كان درسا قاسيا جاء فهمه متأخرا وليعتبر معتبر!
ثامنا - التورط في شكل من أشكال حرب العصابات طويلة الأمد لا يناسب البلد:
لعل هذا أحد أخطاء التخطيط الغير الإستراتيجي، أو عدم التخطيط بالأحرى، ووضع التصورات بناء على بنات الأفكار المحضة، ودون استمدادها من الواقع ومعطياته، إن نظرة متبصرة في طبيعة البلد وجغرافيته وجغرافيته السكانية وتركيبة السكان الدينية والعرقية والنفسية.. ومعرفة ودراسة وضع وبنية النظام الطائفية الهرمية كافية لأن يتخذ الدارس لمخطط صدام عسكري مع هذا النظام المعادي أسلوبا آخر غير الذي اتخذ وسلك وما يزال يسلك من قبل من لا يعتبر ولا يتعظ بتجربته ! ولا بتجربة غيره.
لقد كان كافيا وممكنا في وقت من الأوقات، ومع بداية الأحداث الإطاحة بالنظام عبر ضربات نوعية مركزة تستهدف ركائزه الأساسية وشخصياته الفاعلة، ولقد أثبتت بعض العمليات الناجحة إمكانية ذلك رغم تعقد الظرف فيما بعد "محاولة اغتيال الرئيس مرتين -عملية تفجير مجلس الوزراء- الآمرية الجوية-المدفعية.." وعلى العكس بدأ المجاهدون بتوريط أنفسهم بحرب طويلة المدى غير متكافئة، حرب استنزاف بين فقير ضعيف وقوي غني في بلد هذا حاله، فاستهدفوا صغار العملاء وأذيال النظام ودخلوا تلك المتاهة.. لقد كان ذلك أحد نتائج العمل الغير مدروس والغير استراتيجي.. ودرس آخر في هذه السلسلة المحزنة المفيدة من الدروس.
تاسعا - الانتقال للخارج فترة طويلة وخسارة الجماهير وإمدادها وتدني المستوى الديني والثوري لدى الأفراد:
لقد تعددت أسباب الخروج وطبيعتها من البلد وهي تتراوح بين الفرار من الزحف وبين الضرورة ! وكل حسب حاله وليس هذا مجال بحثنا هنا.. ولكن انتقال الكوادر الجهادية للخارج، وترتيبها لحياتها في دار المهجر والرباط ولاسيما في العراق والأردن، أو هجرها الساحة بكاملها للخليج والسعودية وأوروبا.. أفقد الثورة احتكاكها بالجماهير وبالتالي قطع عنها المدد الطبيعي للإمكانات المادية والبشرية والمعنوية فتحولت لجسد معزول صغير بدأ مرحلة التآكل، لقد كان تآكلا على كل المستويات، فخسارة العناصر التي لا تعوض عبر العمليات العسكرية التي تمت من الخارج للداخل هي شكل من أشكال التآكل، وسأم بعض المجاهدين وهجرتهم لساحة الرباط والإعداد للبحث عن حياتهم، تآكل... الخ . وشيئا فشيئا أصبح دار الهجرة يرتب وكأنه دار مقام لا مرحلة ضرورية استثنائية، لقد ساهمت قيادة الإخوان المسلمين إلى حد كبير في إرساء هذا الوضع المؤلم، ووجهت الكثير من عناصرها للدراسة أو العمل والزواج في وقت من الأوقات و لم يكن في المنظور وضع مخطط لإعادة المجاهدين للداخل عبر برنامج مدروس، ولقد تورط الطليعة أنفسهم في هذا إلى حد كبير وإن كانوا يعذرون بالفاقة والحصار الذي ضرب عليهم، إلا أن الاتجاه العام للجميع كان هو استقرار كل من خرج من المجاهدين والمتضررين في الخارج وترتيب أمره على أنه مقام سيطول.
عاشرا - عدم الإفادة من التجارب الإسلامية والعالمية لحروب العصابات :
التاريخ مليء بالتجارب، والعلوم والتجارب الإنسانية كلها تتطور بناء على الرصيد الإنساني من مجموع نشاطات هذا الكائن الحي في مختلف المجالات، ولا تشذ الحروب ولا الثورية منها عن هذه القاعدة، ولهذا وغيره دأب القرآن والسنة النبوية على دفعنا في هذه الاتجاه المنطقي من البحث والعبرة من التاريخ، وطلب العلم واستقراء العبرة... لقد أتاحت لنا الفترة التي تلت المأساة، مجالا للمطالعة والإطلاع على تجارب إسلامية وعالمية ثرية وجديرة بالبحث، ولقد مرت شعوب إسلامية وغير إسلامية بأحوال شبيهة بالتي مررنا بها وكتبت عنها كتب ودراسات هامة لو كان قد اطلع عليها بعض القائمين بالأمر لأمكنهم العبرة والإفادة من خطأ الآخرين ليوفر عليهم التورط في مطبات شبيهة.
لقد كان هذا شكلا من أشكال الجهل الذي ميز شعبا جله لا يقرأ ولا يطلع، لقد أديرت كثير من الأمور على طريقة أعراب البوادي، بشكل عشوائي وفطري في حين كانت تجارب غنية شتى لأمم مسلمة وغير مسلمة مدروسة ومدونة وفي متناول اليد لمن أراد الاطلاع والعبرة .. إلا أن أحدا لم يطلع وكان علينا أن نمر في هذه المتاهة لنكتشف بأنفسنا حتى أبسط المطبات... وليتنا نتعظ من التجربة.
أحد عشر - التعامل مع الأنظمة كسد دائم:
لقد كان هذا شكلا من أشكال الاعتماد على الإمكانات الغير ذاتية الذي تحدثنا عنه، ولقد قدمت أنظمة الجوار كلها الدليل تلو الدليل على أنها لا ترقى حتى لأن تكون حليفا مصلحيا مؤقتا، فكلها أنظمة تخاف الإسلام وتسجن أصحابه من إخواننا وأشباهنا في قماقم السجن خشية انطلاقتهم الماردة! ومن هذا المنطلق والواقع تعاملت معنا، ولقد تلقينا الضربة تلو الضربة، وحري بنا أن نكون قد فهمنا الدرس، لا يمكن لعدو الأسى واليوم أن يكون حليف المستقبل وصديق الدرب ورفيق المعركة والناصر المعين، لقد كان درسا قاسيا لا تزال إرهاصاته تلاحقنا حتى الآن.
اثني عشر - العمل العلني في الخارج :
لقد كان خطأ فادحا مزدوج النتيجة الخاسرة، لقد كنا في الداخل ندير معركتنا كتنظيم أو كتنظيمات سرية بحكم واقع المعركة، وما أن خرجنا للجوار حتى تبدل الحال وبشكل مريع ودون ما سبب ! لقد تحولت كل التنظيمات تقريبا إلى العمل العلني في ظل الأنظمة المضيفة، صحيح أن تلك الأنظمة (المعادية في واقع الحال ) لم تكن لتقبل بضيافتنا كتجمعات سرية مخفية دون أن تفهم حدا أدنى مما نعمل وما نريد، ولكن كثيرا من السلوك العلني كنا في غنى عنه، كالكشف عن أعدادنا وأسماء عناصرنا ونوايانا وقدراتنا بل ومخططاتنا، ولقد ذهبت قيادة الإخوان المسلمين في هذا ولاسيما في العراق ثم الأردن إلى حدود بعيدة. وكذلك في مناطق أخرى، لم تمارس تلك الحشود الهاربة أي نوع من أنواع السرية، كانت أخطر الأسرار وأفدح الفضائح والمشاكل الداخلية تذكر على الهواتف التي يعلم أصحابها علم اليقين أنها مراقبة بل ويكلمون المراقب أحيانا! لقد كان الجنون بعينه! ولكن في تلك الظروف لم يكن أحد ليستمع لرأي رشيد! وهكذا أعطينا الأنظمة المجاورة العدوة معلومات كاملة وتفصيلية عنا في كل شيء.. كل شيء ولا داعي للتعداد ! فعرفتنا على حقيقتنا، واستخفت بنا وعرفت كيف تحاصرنا وتشارك في خنقنا، وما التنسيق الأمني الذي جرى في بعض المراحل بين الأردن وسوريا والعراق وغير ذلك بخاف على أحد..
ومن ناحية أخرى وجهنا طعنة نجلاء إلى التنظيمات الإسلامية الأخرى في الدول المجاورة، حيث أخذت أجهزة مخابراتها المهتمة بحرب الإسلاميين الأصوليين الإرهابيين المتطرفين الدينيين كما يسمونهم، أخذت درسا رائعا وتعلمت كيف تحاربهم وتوجه لهم الضربات من خلال دراستها لحركة أشباههم بل أقرانهم ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ثلاثة عشر - قصور العمل العسكري الخارجي وفقدان القدرة على ردع العدو وأصدقائه :
لم يكن لدى الطليعة أثناء وجودها في الداخل أي وقت أو إمكانية للتفكير في أي عمل عسكري خارجى، وبعد أن توجهت للخارج فكرت في هذا بشكل جزئي ثم صرف النظر عنه، أما الإخوان فقد شكلوا لهذا -بزعمهم - جهازا مستقلا عن جهاز العمل الخارجي ولكنه كان ميتا كباقي الأجهزة بحكم فقدان النية على العمل وتحكم الشيوخ العجزة بكهرباء كل الأجهزة وقطعها في مرحلة النضوج، إن قصور المعنيين بهذا الأمر عن إعطائه حقه، أطمع النظام فينا ودفعه إلى حد محاصرتنا والإندساس في صفوفنا، وتوجيه فرق الاغتيال والرصد بين الحين والحين، فترصد قادتنا والفاعلين فينا، بل وذهبت لحد قتل بعض عناصرنا وفعاليتنا في الخارج! أمام سمع وبصر كل العالم! ولم يكمن ثمة قدوة ولا مخطط ولا نية على ردع العدو في الخارج، صحيح أن ساحة المعركة هي سوريا ولكن مثل هذه القدرة على الردع كان ضروريا حتى نصرف العدو عن ملاحقتنا في مناطق أمننا وتحركنا وعقر دارنا الجديد . ولم يحصل!
من ناحية أخرى، تكالبت الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية وغيرها علينا عبر دعم عدونا ماديا ومعنويا ومعلوماتيا! ويكفي أنه في الوقت الذي كنا نعاني فيه من القتل والدمار وأهوال الحرب، كانت أموال النفط العربي الغادر تتدفق على أسدنا النصيري لتتحول إلى طلقات تخترق صدور أبناء امتنا المسلمين وإلى لبنات تبني سجون القهر والظلم حيث تنتهك أعراضنا ! لقد تدفقت من الخليج العربي الإسلامي مليارات الدولارات على نظام النصيري المحتل الذي أجمعت على كفره كل عمائم الخليج (وعكالاته )... ولكنها المصالح! وكان هذا بحاجة لحل وردع ولو بالتهديد! ولم يحصل. لقد كان هناك موازين قوى ومصالح لا تمت إلى الجهاد بصلة يجب أن تراعى! وهكذا كان التناقض وكان الدرس. إذ لم يكن لدى المجاهدين أي قدرة على ا لردع!...
أربعة عشر - غياب أي تصور عن مرحلة ما بعد سقوط النظام لو حصل بفعلنا أو فعل غيرنا :
لقد كان هذا أحد نتائج التخطيط الغير مدروس أو اللاتخطيط بالأحرى.. لقد كنا نصارع عدوا تتحكم بوجوده عوامل متشابكة بعضها دولي وبعضها إقليمي وبعضها داخلي.. وكان من الممكن أن يسقط بفعلنا أو فعل غيرنا.. وكان مثل هذا سيولد ظرفا جديدا لم يكن بالحسبان ولم تعد له أي خطة أو أي تصور، ولكن كيف بمن لا يعرف كيف يخطط لحربه، أن يخطط لما بعد هذه الحرب! ولكنه درس آخر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.. كيف سيكون موقفنا من انقلاب مفاجئ... من سقوط مفاجئ... تعاملنا مع الجوار... مع الكتل.. مع الجماعات.. توزع قوانا المطلوب.. الخ. لم يكن شيء من هذا في الحسبان...
خمسة عشر - عدم الالتفاف حول العلماء المخلصين الثقاة والإفادة منهم:
لقد كان هذه خطأ من الطرفين. من المجاهدين والعلماء، لقد انفض العلماء الثقاة عن هذا الدرب وغطوا في معتزلهم الاختياري ولاسيما في السعودية وكان شيئا لا يعنيهم تاركين المجال لأنصاف وأرباع وأعشار العلماء بل ومن لا يمتون للعلم الشرعي بصلة، أن يتصدوا لقيادة الحركة الإسلامية والجهاد ويشرفوا على الدرب وما يحتاجه من إفتاء ودراية.. كما لم يعط المجاهدون من طرفهم هذا الأمر عناية كافية فيتوجهوا للعلماء مستنيرين برأيهم عاملين بمشورتهم معطيهم حقهم، فكان جفاء من طرفين وطلاقا نكدا بين العالم والعامل.. ولقد خلت الساحة من علماء عاملين، وكان لابد من توحيد جهد العالم والعامل، العالم الثقة، والعامل المخلص ولكن شيئا من هذا لم يحصل. وانحرف الدرب ووقعت التجاوزات وصحا الغافلون على هذا الخطأ المميت وعسى يكون في الوقت متسع للإصلاح.
ستة عشر - عدم الإفادة من كافة القطاعات الإسلامية في البلد على صعيد التعبئة في الثورة ولاسيما عشائر البادية والأكراد:
لقد كانت الثورة إسلامية الطابع، شمولية الأهداف، تعني كل مسلم في هذا البلد، ولما كان امتداد الدعوة في الأصل امتدادا تركيزيا لا أفقياء. بمعنى أنه تركز في المدن وفي قطاعات محدودة الشرائح الاجتماعية و لم ينتشر في كل الساحة، انعكس هذا سلبا على الحركة الجهادية نفسها فأهملت قطاعات مهمة كان يمكن إدخالها في المعركة وبشكل حاسم، وكلها قطاعات مسلمة ملتزمة إلى حد ما ومتعاطفة مع الإسلام إلى حد كبير ولاسيما الأرياف المحيطة بالمدن، والعشائر في البادية، والأكراد في الشمال، وهكذا فشل المجاهدون في تعبئة هذه القطاعات واستطاعت الدولة أن تجند أغلبهم عبر الإغراء والتهديد ودنيا المصالح، كما وقع آخرون ولاسيما إخواننا المسلمون الأكراد فريسة الأفكار المنحرفة الوافدة لتحقيق هويتهم التي يتنكر لها كل الوسط الظالم الجائر.. وخسرنا رافدا جماهيريا قويا، وكان أحد الدروس الناجحة عن عدم دراسة الساحة و الإفادة من معطياتها والتخطيط لها تخطيطا شموليا..
سبعة عشر - عدم إمكانية تحويل التنظيمات الإسلامية الدعوية المدنية إلى تنظيمات عسكرية قادرة على المقاومة والدفاع عن النفس:
ولعله أثمن الدروس التي تعني إخواننا في التنظيمات الدعوية في الأقطار الإسلامية والعربية.. لقد انفجرت المعركة بشكل مفاجئ إلى حد ما، ولكن قطاعا واسعا من الإسلاميين كان يعرف ولاسيما قيادتها أن هذه المعركة واقعة لا محالة، و لم يتخذ أولئك القادة العظام أي استعداد ولا أي تخطيط وهكذا راحت كل تلك الكوادر ضحية الاعتقال، ولقد فشلت الكوادر التي سلمت في تعبئة أنفسها ككوادر عسكرية قتالية، بل لقد حملت معها كل أساليب الدعوة السلمية المسجدية المدنية لتطبقها في العمل العسكري وكان فشل الشيخ ذريعا عندما لبس بدلة الجنرال! إنه لعجيب أن نرى ونسمع بتنظيمات ترفع شعار الجهاد، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها تترك قواعدها وعلى مدى عشرات السنين من التربية والتكوين عاجزة عن حمل السلاح؟ فاشلة في إعداد ولو وثيقة سفر لكارثة مفاجئة، ولو درهم مدخر ليوم عصيب. لقد كانت تجمعات خروفية ضعيفة ما لبثت أن أتت عليها سكين الجزار.. وحتى السنين القليلة التالية أثبتت فشل إمكان تعبئة شريحة كهذه تعبئة عسكرية بشكل مفاجئ وسريع.. وهذا درس.. درس لكل التنظيمات الإسلامية التي تزعم الجهاد وترقب يوم الواقعة. لتعيد النظر في بنيتها وتركيبها ومدى استعدادها لذلك اليوم، وإلا فلتعلن الركون والمهادنة، ولا تزايد على نفسها وعلى المسلمين ثم تقدم تلك الألوف من الضحايا الواثقة بالشيخ ضحية للمشنقة او المعتقل تحت الشعار" ذي السيفين"!
ثمانية عشر - إلى جانب تلك الدروس القاسية كان لنا بعض العبرة المفيدة:
لقد أثبتت الأحداث إمكانية تعبئة الجماهير المسلمة لصالح ثورة إسلامية جهادية، بشرط إعطاء المثل والقدوة الحسنة في التضحية والإقدام وإثبات القدرة على مقارعة الطغيان، ولقد حملت سنة ونصف من الجهاد العسكري على علاته، حملت مئات الألوف من المسلمين على الانطلاق في الشوارع منادية بحياة الجهاد والإسلام وسقوط النظام والطغيان ومطالبة بالسلاح للمشاركة في شرف الجهاد، ولقد أثبتت تجربة حماه أن الألوف المسلمة لبت نداء الجهاد وقاتلت جنبا إلى جنب مع إخواننا المجاهدين ..
كما أثبتت الأحداث أن شعبنا شعب معطاء.. سرعان ما أفرز قيادته المجاهدة التي انبثقت من داخل الشعب وأبرزت كوادر عسكرية رائعة على صعيد القيادة والجندية في صفوف هذا الشعب الذي تعمدت السلطات العميلة نائبة الاستعمار إبعاده عن السلاح والرجولة وأخلاق الفروسية الإسلامية.. ولكنه أعطى ومراجعة في سجلات أبطالنا وشهداءنا الميامين رحمهم الله نؤكد هذا.. وهذا ذخر ما بعده ذخر في شعب مسلم معطاء وأمل كبير بالله ثم بمستقبل عطاء مماثل .
المبحث الأول : ملاحظات حول التجربة ككل
أولا - غياب الاستراتيجية والتخطيط الشامل المسبق :
لم يكن لدى المجاهدين الأوائل عندما أقدموا على إرساء خط الجهاد العسكري أي تصور استراتيجي مبني على حساب دقيق لمعطيات الواقع وتوقعات المستقبل، و لم تؤخذ بعين الاعتبار كدراسة جدية حالة البلاد، وجغرافيتها، وجغرافيتها السكانية، وتركيبتها الدينية والقومية والسياسية، وطبيعة النظام وتركيبته، ونسبة قوتنا الذاتية إلى قوته، وطبيعة القوى الصديقة والمعادية، ومعطياتها وإمكانية الإفادة منها . . إلى ا خر تلك الأمور الهامة التي كان يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتبنى عليها طبيعة العمل العسكري المناسب وطبيعة بنية التنظيم المطلوب... الخ .
بل على العكس سار العمل بشكل شبه فطري قدرت فيه الضرورات دائما حسب معطيات الأمر الواقع، وما لبث الأمر أن خرج من يد مخططيه بمجرد انفجار الأحداث، وأصبحت الأحداث تجر مخططيها عبر سلسلة من الضرورات واختيار أهون الشرور .. فلما خرج الأمر من يد الطليعة وأصبح بيد قيادة الخارج لم يكن نصيبها من العمل غير المخطط بأقل من نصيب المرحلة السابقة، فرغم توافر الوقت والإمكانيات والظروف وتأييد الجوار لم تستطع القيادة أن تنتقل بالعمل إلى المستوى الاستراتيجي بل على العكس اعتمدت على معطيات الدخل وبنت عليه أحلامها بالحسم وغابت الاستراتيجية حتى عن برامج الإعداد والتدريب وكل شاردة وواردة ولم يكن العمل في الخارج إلا سلسلة من الاعتباطات وربما أن أهل الداخل ونعني القيادة الميدانية في (حماه ودمشق والضباط ) كانوا أول من فكر بإعطاء العمل منحنى استراتيجيا، ولكن خطأهم القاتل بالاعتماد على معطيات الخارج ودعمه، أخرج الأمر من أيديهم وآل بهم إلى الدمار، لغياب هذا العامل الاستراتيجي المهم في التخطيط لحرب عصابات ثورية . وهكذا ظلت الأحداث تتحكم بفاعلية والت كل المحاولات العسكرية رغم كل البطولات الفردية الرائعة إلى فشل ذريع لم يستطع المجاهدون خلاله إلا أن يعطوا الدليل على قدرتهم على الاستشهاد.
ثانيا - تشرذم المخلصين المجاهدين في تنظيمات شتى وولاءات شتى:
لقد جاء فهم هذا الأمر متأخرا جدا ولا زلنا إلى حد ما بعيدين عن تصحيحه ودفع الأمر في مجراه الطبيعي، ولعل هذا أول واجب لإرساء خط جهادي متميز، لقد حفلت الساحة بفعل عامل المبادئ والتنظيمات والولاءات بين من جاهد عبر تصور مسبق ومن دفع إليه خوفا ومن فاء إليه طمعا ومن سيق إليه اضطرارا.. الخ، إلى تواجد تشكيل بشري معقد في قواعد التنظيمات التي أصبحت معنية بهذا الأمر.. ومن سوء الطالع فقد تشرذم المجاهدون الصادقون أنفسهم أيضا في هذا السياق وهكذا وجد مجاهدون مؤمنون بالعمل الثوري الجهادي المسلح وفي نفس الوقت في صفوف تنظيمات شتى وتحت قيادات شتى مما أفقد جدوى هذه الجذوة المؤمنة في صدور أصحابها فرصة الالتقاء وتركيز الجهد في منحى واحد، ولقد ذهب الأمر إلى أبعد من هذا، فبفعل الحزازات وأجواء الحزبية، نشأ في بعض الأحيان جو من الشحناء والحزبية والكراهية حتى بين شباب مجاهد يحمل الفكر ذاته والروح ذاتها والهدف ذاته، وما ذلك إلا لتواجده تحت قيادات مختلفة المشارب متضاربة الأهداف .. وعدا ما لهذا التفرق والشرذمة من منعكسات سلبية على الصعيد الديني والأخلاقي .. فقد كان تشرذم هذه القوى في مناحي شتى عاملا استراتيجيا كافيا لعدم الإفادة منها في آخر المطاف.
ثالثا - العجز عن إيضاح نظرية جهادية ثورية وجملة أهداف واضحة على الصعيد الإيديولوجي:
(إقامة الحكم الإسلامي وحرب النصيريين )، لقد كان هذا شعار كل من وجد في تكتل من التكتلات الإسلامية التي غدت معنية بذلك الصراع، وإن من أولى البديهيات التي يجب أن يعنى بها تنظيم ثوري طليعي يتصدى لقيادة الجماهير أن يرسي جملة من الأهداف والشعارات ليطرحها للجماهير وليكون عليها وحولها مدار استقطابه لها وطرح نفسه كطليعة ثورية قيادية موجهة. وللأسف فقد فشل المجاهدون الحقيقيون في طرح مثل هذا الفكر والهدف والشعار بشكل واضح مبلور وموجه عبر خطة إعلامية مبيتة، على الأقل ليهلك من هلك على بينة ويحمى من حي عن بينة.. لقد كان قصارى ما فهمته الجماهير، أو من اهتم منها بالأحداث فقط لا غير، أن ثمة مجموعة من الشباب الإسلاميين يحاربون هذا النظام. ولعل غالبهم فهم أنهم يريدون إقامة الحكم الإسلامي، دون أن يتطرق لفهمهم ما هو شكل هذا الحكم ؟ ولماذا هذه الحرب؟ وما مدى فرضيتها ولم يدعون للمشاركة والموت في سبيلها؟.. لم يستطع المجاهدون أن يفهموا الناس على وجه الدقة والتحديد من هم ؟ وماذا يريدون ؟ وما الذي يحركهم ؟ (على العكس فإن من تطفلوا على هذه الحركة والثورة كان أول ما فعلوه هو أنهم تصدوا لإفهام الناس ماذا يريدون وما هي أهدافهم.. الخ كأطراف التحالف الوطني مثلا.. ) على الرغم من أن هذا الإيضاح كان ولا يزال أساس استقطاب الجماهير وتعبئة القواعد بالدفع الفكري والعقائدي لهذا العمل الخطير.
رابعا - ضحالة الوعي السياسي والثوري وانخفاض مستوى العلم الشرعي إجمالا:
باستثناء بعض الأفراد في القيادات المجاهدة وبعض القواعد فقد تميزت جل تلك الجموع التي تصدت لهذه الحرب الثورية الضروس بانخفاض مستوى الوعي السياسي لإبعاد هذه اللعبة الثورية الطابع، ولأن كان هذا نقيصة يمكن تجاوزها في القواعد فإن خطرها أكبر وأعظم عندما تكون إحدى صفات القيادة المتصدية لإدارة العمل . فإن الجهل بطبيعة هذا العمل الثوري ذي الجوهر السياسي البحث حيث أن الحرب بكل تفاصيلها ليست إلا أداة لهذه التوجهات السياسية الثورية التي يتبناها العمل . إن الجهل بهذا الأمر يترك القيادة عاجزة عن وضع أي مخطط ذي طابع استراتيجي متكامل على كل الأصعدة.. وحتى القواعد وقيادات الوسط يجب أن تنال حظها من الفهم لأنها هي التي ستفرز قيادات المستقبل في درب يستهلك كوادره أول بأول . ولأن فهمها لهذا الأمر يوضح أمامها مبررات توجهات القيادة في وضع تصوراتها ويجعلها واعية لدربها بشكل أكبر. إن هذا الوعي بهذا المفهوم كان ضحلا وقلما تحلى به أفراد ممن سلكوا هذا الدرب على مختلف الأصعدة.
كما أن مستوى العلم الشرعي إجمالا ولاسيما في القواعد المجاهدة. وبعد أن طالت كوارث الإستشهادات المتلاحقة الشريحة الممتازة من نخبة المجاهدين في الصدمة الأولى، واعتمدت الفئات الإسلامية على الحشد الكمي للأفراد. وأصبح هذا المستوى منخفضا.. مما كان له الدور الأول في تلك المؤامرات التي مرت بكل سهولة. وأمكن التحكم بهده القواعد التي أصبح لسان حالها يقر بالتسليم والثقة لبعض الرجال العاملين في الأمر حيث يفهمون فيما لا نفهم ! ولذلك وقعت كثير من التجاوزات ومرر كثير من المؤامرات في ظل هذا الجهل شبه الشامل.. وباختصار لقد تميز جل أولئك المجاهدين بالإخلاص والاندفاع والاستماتة.. هذا صحيح.. ولكن مستوى الوعي على الصعيد العلمي الشرعي والسياسي كان ضحلا، وأقل بكثير مما يجب توفره في صفوف تجمعات جهادية ثورية.
خامسا - الاعتماد على الكم بعد أن ذهبت الضربة الأولى بالنوعيات :
بالنسبة للطليعة ومجاهدي الداخل، فقد ذهبت الصدمة الأولى وهي الفترة الممتدة من أواسط 1970 وحتى أواخر 1980 بصفوفهم في سلسلة مأسوية من الإستشهادات، ولذلك تورطت تلك القيادات بفتح باب التنظيم غير المنظم وغير المدروس أمام الجماهير لتوسيع قاعدتها فغلب الكم على النوع وظهرت ظواهر سلبية وشاذة مميتة فيما بعد، فقد كان العديد من الملتحقين بالدرب من غير المتعمقين في طريق الثبات والالتزام الإسلامي، و لم يكن يميزهم إلا الحماس والاندفاع الذي فتر بعيد تراجع الأحداث ولاسيما الخروج خارج الحدود..
وعلى صعيد الإخوان فقد ذهبت ضربة الإعتقالات مع بداية تفجر الأحداث بالألوف من كوادرهم المعدة في حلقات التربية والتكوين.. وفتحوا الباب بعد خروجهم خارج الحدود أمام استقطاب واستيعاب ما هب ودب مما اظهر بوادر غير واضحة في صفوف بعض القواعد، بوادر مؤسفة ومخجلة في بعض حوادث متفرقة . ولقد زاد في سلبية هذا الحشد الكمي أن الظرف في الداخل لم يكن مواتيا لإعداد هذه الجموع وتربيتها ورفع سويتها العلمية والشرعية والسياسية وإعدادها إعدادا مناسبا بل ضروريا، أما في الخارج فقد كان فشل الإخوان على صعيد التربية والإعداد لا يقل عن فشلهم على الصعيد العمل العسكري، وعلى الرغم من بقاء المئات من العناصر في القواعد، لم تفلح القيادة في إنجاح برنامج تربوي ناجع على مستوى القضية باستثناء دروس الحزبية الإسلامية الكلاسيكية المملة التي كانت تجري بين الحين والحين.. وبعض برامج التدريب العسكري النظري والعملي غير الكافي، هذا ناهيك عما وفره جو الحشد الكمي للمخابرات السورية من إمكانية دس العملاء في جو الصراع من أجل رفع العدد وتجاذب العناصر الذي حصل بين التنظيمات.
سادسا - ضعف الإعلام الداخلي والخارجي للمجاهدين :
سبق وأن تكلمنا عن فشل المجاهدين في بلورة فكرة يفهمون الناس بها جملة من الأهداف والشعارات التي كانوا متفهمين لها عاملين في سبيلها. ولقد كان هذا طرفا من فشلهم الاعلامى، فباستثناء بعض البيانات التي كانت تصدر لأغراض بعينها لم يكن هناك مخطط إعلامي مبرمج لتعبئة الجماهير وتوسيع القاعدة الثورية للأنصار والمؤيدين.
ولما آل الأمر لقيادة الإخوان في الخارج، أهمل الإعلام على صعيد الداخل نهائيا، واقتصر الإعلام على نطاق الخارج ولكنه تورط في التهويل وتوج ذلك فيما رافق حماه وأحداثها وما دأبت عليه النذير من التهاويل، ولقد كان إعلاما إخباريا، أكثر منه إعلاما فكريا موجها لغزو قلوب الأنصار والمؤيدين في الداخل والخارج. ولا تخفى نتيجة مثل هذا القصور على متبصر، قصور جعل أنهار الدماء تلك وجهود الألوف من المخلصين تذهب سدى ولا يحصد فيها إلا نعوت الاستشهاد.. لقد كان درس فشل الإعلام الجهادي درسا لا ينسى.
سابعا - انتظار المجاهدين الدعم من جهات خارجية باستمرار وعدم الاعتماد على النفس:
كان خطأ قاتلا دمر الطليعة في الداخل، ثم دمر حشود المجاهدين في الخارج، ثم دمر القيادة الميدانية والإدارة العسكرية للضباط في حماه ودمشق (ما سمي بمخطط الحسم ). لقد تورط كل المعنيين بإدارة العمل الجهادي بالاعتماد على إمداد الخارج المهزوز وغير المستقر، بل تعدى ذلك بالاعتماد على الأنظمة المعادية في الجوار (كالعراق ). وتمددت الثورة واتسعت وارتفعت تكاليفها بشكل سرطاني غير مدروس متغذية . مما تدفق من الجوار من مال وسلاح ولوازم وفي لحظات بعينها قطعت تلك الإمدادات أو خيبت الآمال كما حصل للطليعة ثم لقيادة حماه والضباط، فحصلت المأساة، لقد كان درسا من أعظم الدروس (لا يمكن لحركة جهادية ثورية تمارس حرب عصابات شاملة أن تعتمد في تمويلها وتسليح أفرادها وإعالتهم إلا على نفسها وما تستخلصه من عدوها، وعليها أن تضع المخطط لهذا الأمر بكل وضوح وتفصيل . وإلا فإنها ستتحول لورقة لعب سياسية بأيدي الآخرين فإن أبت فالقضاء عليها رهن قرار هؤلاء الآخرين ). لقد كان درسا قاسيا جاء فهمه متأخرا وليعتبر معتبر!
ثامنا - التورط في شكل من أشكال حرب العصابات طويلة الأمد لا يناسب البلد:
لعل هذا أحد أخطاء التخطيط الغير الإستراتيجي، أو عدم التخطيط بالأحرى، ووضع التصورات بناء على بنات الأفكار المحضة، ودون استمدادها من الواقع ومعطياته، إن نظرة متبصرة في طبيعة البلد وجغرافيته وجغرافيته السكانية وتركيبة السكان الدينية والعرقية والنفسية.. ومعرفة ودراسة وضع وبنية النظام الطائفية الهرمية كافية لأن يتخذ الدارس لمخطط صدام عسكري مع هذا النظام المعادي أسلوبا آخر غير الذي اتخذ وسلك وما يزال يسلك من قبل من لا يعتبر ولا يتعظ بتجربته ! ولا بتجربة غيره.
لقد كان كافيا وممكنا في وقت من الأوقات، ومع بداية الأحداث الإطاحة بالنظام عبر ضربات نوعية مركزة تستهدف ركائزه الأساسية وشخصياته الفاعلة، ولقد أثبتت بعض العمليات الناجحة إمكانية ذلك رغم تعقد الظرف فيما بعد "محاولة اغتيال الرئيس مرتين -عملية تفجير مجلس الوزراء- الآمرية الجوية-المدفعية.." وعلى العكس بدأ المجاهدون بتوريط أنفسهم بحرب طويلة المدى غير متكافئة، حرب استنزاف بين فقير ضعيف وقوي غني في بلد هذا حاله، فاستهدفوا صغار العملاء وأذيال النظام ودخلوا تلك المتاهة.. لقد كان ذلك أحد نتائج العمل الغير مدروس والغير استراتيجي.. ودرس آخر في هذه السلسلة المحزنة المفيدة من الدروس.
تاسعا - الانتقال للخارج فترة طويلة وخسارة الجماهير وإمدادها وتدني المستوى الديني والثوري لدى الأفراد:
لقد تعددت أسباب الخروج وطبيعتها من البلد وهي تتراوح بين الفرار من الزحف وبين الضرورة ! وكل حسب حاله وليس هذا مجال بحثنا هنا.. ولكن انتقال الكوادر الجهادية للخارج، وترتيبها لحياتها في دار المهجر والرباط ولاسيما في العراق والأردن، أو هجرها الساحة بكاملها للخليج والسعودية وأوروبا.. أفقد الثورة احتكاكها بالجماهير وبالتالي قطع عنها المدد الطبيعي للإمكانات المادية والبشرية والمعنوية فتحولت لجسد معزول صغير بدأ مرحلة التآكل، لقد كان تآكلا على كل المستويات، فخسارة العناصر التي لا تعوض عبر العمليات العسكرية التي تمت من الخارج للداخل هي شكل من أشكال التآكل، وسأم بعض المجاهدين وهجرتهم لساحة الرباط والإعداد للبحث عن حياتهم، تآكل... الخ . وشيئا فشيئا أصبح دار الهجرة يرتب وكأنه دار مقام لا مرحلة ضرورية استثنائية، لقد ساهمت قيادة الإخوان المسلمين إلى حد كبير في إرساء هذا الوضع المؤلم، ووجهت الكثير من عناصرها للدراسة أو العمل والزواج في وقت من الأوقات و لم يكن في المنظور وضع مخطط لإعادة المجاهدين للداخل عبر برنامج مدروس، ولقد تورط الطليعة أنفسهم في هذا إلى حد كبير وإن كانوا يعذرون بالفاقة والحصار الذي ضرب عليهم، إلا أن الاتجاه العام للجميع كان هو استقرار كل من خرج من المجاهدين والمتضررين في الخارج وترتيب أمره على أنه مقام سيطول.
عاشرا - عدم الإفادة من التجارب الإسلامية والعالمية لحروب العصابات :
التاريخ مليء بالتجارب، والعلوم والتجارب الإنسانية كلها تتطور بناء على الرصيد الإنساني من مجموع نشاطات هذا الكائن الحي في مختلف المجالات، ولا تشذ الحروب ولا الثورية منها عن هذه القاعدة، ولهذا وغيره دأب القرآن والسنة النبوية على دفعنا في هذه الاتجاه المنطقي من البحث والعبرة من التاريخ، وطلب العلم واستقراء العبرة... لقد أتاحت لنا الفترة التي تلت المأساة، مجالا للمطالعة والإطلاع على تجارب إسلامية وعالمية ثرية وجديرة بالبحث، ولقد مرت شعوب إسلامية وغير إسلامية بأحوال شبيهة بالتي مررنا بها وكتبت عنها كتب ودراسات هامة لو كان قد اطلع عليها بعض القائمين بالأمر لأمكنهم العبرة والإفادة من خطأ الآخرين ليوفر عليهم التورط في مطبات شبيهة.
لقد كان هذا شكلا من أشكال الجهل الذي ميز شعبا جله لا يقرأ ولا يطلع، لقد أديرت كثير من الأمور على طريقة أعراب البوادي، بشكل عشوائي وفطري في حين كانت تجارب غنية شتى لأمم مسلمة وغير مسلمة مدروسة ومدونة وفي متناول اليد لمن أراد الاطلاع والعبرة .. إلا أن أحدا لم يطلع وكان علينا أن نمر في هذه المتاهة لنكتشف بأنفسنا حتى أبسط المطبات... وليتنا نتعظ من التجربة.
أحد عشر - التعامل مع الأنظمة كسد دائم:
لقد كان هذا شكلا من أشكال الاعتماد على الإمكانات الغير ذاتية الذي تحدثنا عنه، ولقد قدمت أنظمة الجوار كلها الدليل تلو الدليل على أنها لا ترقى حتى لأن تكون حليفا مصلحيا مؤقتا، فكلها أنظمة تخاف الإسلام وتسجن أصحابه من إخواننا وأشباهنا في قماقم السجن خشية انطلاقتهم الماردة! ومن هذا المنطلق والواقع تعاملت معنا، ولقد تلقينا الضربة تلو الضربة، وحري بنا أن نكون قد فهمنا الدرس، لا يمكن لعدو الأسى واليوم أن يكون حليف المستقبل وصديق الدرب ورفيق المعركة والناصر المعين، لقد كان درسا قاسيا لا تزال إرهاصاته تلاحقنا حتى الآن.
اثني عشر - العمل العلني في الخارج :
لقد كان خطأ فادحا مزدوج النتيجة الخاسرة، لقد كنا في الداخل ندير معركتنا كتنظيم أو كتنظيمات سرية بحكم واقع المعركة، وما أن خرجنا للجوار حتى تبدل الحال وبشكل مريع ودون ما سبب ! لقد تحولت كل التنظيمات تقريبا إلى العمل العلني في ظل الأنظمة المضيفة، صحيح أن تلك الأنظمة (المعادية في واقع الحال ) لم تكن لتقبل بضيافتنا كتجمعات سرية مخفية دون أن تفهم حدا أدنى مما نعمل وما نريد، ولكن كثيرا من السلوك العلني كنا في غنى عنه، كالكشف عن أعدادنا وأسماء عناصرنا ونوايانا وقدراتنا بل ومخططاتنا، ولقد ذهبت قيادة الإخوان المسلمين في هذا ولاسيما في العراق ثم الأردن إلى حدود بعيدة. وكذلك في مناطق أخرى، لم تمارس تلك الحشود الهاربة أي نوع من أنواع السرية، كانت أخطر الأسرار وأفدح الفضائح والمشاكل الداخلية تذكر على الهواتف التي يعلم أصحابها علم اليقين أنها مراقبة بل ويكلمون المراقب أحيانا! لقد كان الجنون بعينه! ولكن في تلك الظروف لم يكن أحد ليستمع لرأي رشيد! وهكذا أعطينا الأنظمة المجاورة العدوة معلومات كاملة وتفصيلية عنا في كل شيء.. كل شيء ولا داعي للتعداد ! فعرفتنا على حقيقتنا، واستخفت بنا وعرفت كيف تحاصرنا وتشارك في خنقنا، وما التنسيق الأمني الذي جرى في بعض المراحل بين الأردن وسوريا والعراق وغير ذلك بخاف على أحد..
ومن ناحية أخرى وجهنا طعنة نجلاء إلى التنظيمات الإسلامية الأخرى في الدول المجاورة، حيث أخذت أجهزة مخابراتها المهتمة بحرب الإسلاميين الأصوليين الإرهابيين المتطرفين الدينيين كما يسمونهم، أخذت درسا رائعا وتعلمت كيف تحاربهم وتوجه لهم الضربات من خلال دراستها لحركة أشباههم بل أقرانهم ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ثلاثة عشر - قصور العمل العسكري الخارجي وفقدان القدرة على ردع العدو وأصدقائه :
لم يكن لدى الطليعة أثناء وجودها في الداخل أي وقت أو إمكانية للتفكير في أي عمل عسكري خارجى، وبعد أن توجهت للخارج فكرت في هذا بشكل جزئي ثم صرف النظر عنه، أما الإخوان فقد شكلوا لهذا -بزعمهم - جهازا مستقلا عن جهاز العمل الخارجي ولكنه كان ميتا كباقي الأجهزة بحكم فقدان النية على العمل وتحكم الشيوخ العجزة بكهرباء كل الأجهزة وقطعها في مرحلة النضوج، إن قصور المعنيين بهذا الأمر عن إعطائه حقه، أطمع النظام فينا ودفعه إلى حد محاصرتنا والإندساس في صفوفنا، وتوجيه فرق الاغتيال والرصد بين الحين والحين، فترصد قادتنا والفاعلين فينا، بل وذهبت لحد قتل بعض عناصرنا وفعاليتنا في الخارج! أمام سمع وبصر كل العالم! ولم يكمن ثمة قدوة ولا مخطط ولا نية على ردع العدو في الخارج، صحيح أن ساحة المعركة هي سوريا ولكن مثل هذه القدرة على الردع كان ضروريا حتى نصرف العدو عن ملاحقتنا في مناطق أمننا وتحركنا وعقر دارنا الجديد . ولم يحصل!
من ناحية أخرى، تكالبت الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية وغيرها علينا عبر دعم عدونا ماديا ومعنويا ومعلوماتيا! ويكفي أنه في الوقت الذي كنا نعاني فيه من القتل والدمار وأهوال الحرب، كانت أموال النفط العربي الغادر تتدفق على أسدنا النصيري لتتحول إلى طلقات تخترق صدور أبناء امتنا المسلمين وإلى لبنات تبني سجون القهر والظلم حيث تنتهك أعراضنا ! لقد تدفقت من الخليج العربي الإسلامي مليارات الدولارات على نظام النصيري المحتل الذي أجمعت على كفره كل عمائم الخليج (وعكالاته )... ولكنها المصالح! وكان هذا بحاجة لحل وردع ولو بالتهديد! ولم يحصل. لقد كان هناك موازين قوى ومصالح لا تمت إلى الجهاد بصلة يجب أن تراعى! وهكذا كان التناقض وكان الدرس. إذ لم يكن لدى المجاهدين أي قدرة على ا لردع!...
أربعة عشر - غياب أي تصور عن مرحلة ما بعد سقوط النظام لو حصل بفعلنا أو فعل غيرنا :
لقد كان هذا أحد نتائج التخطيط الغير مدروس أو اللاتخطيط بالأحرى.. لقد كنا نصارع عدوا تتحكم بوجوده عوامل متشابكة بعضها دولي وبعضها إقليمي وبعضها داخلي.. وكان من الممكن أن يسقط بفعلنا أو فعل غيرنا.. وكان مثل هذا سيولد ظرفا جديدا لم يكن بالحسبان ولم تعد له أي خطة أو أي تصور، ولكن كيف بمن لا يعرف كيف يخطط لحربه، أن يخطط لما بعد هذه الحرب! ولكنه درس آخر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.. كيف سيكون موقفنا من انقلاب مفاجئ... من سقوط مفاجئ... تعاملنا مع الجوار... مع الكتل.. مع الجماعات.. توزع قوانا المطلوب.. الخ. لم يكن شيء من هذا في الحسبان...
خمسة عشر - عدم الالتفاف حول العلماء المخلصين الثقاة والإفادة منهم:
لقد كان هذه خطأ من الطرفين. من المجاهدين والعلماء، لقد انفض العلماء الثقاة عن هذا الدرب وغطوا في معتزلهم الاختياري ولاسيما في السعودية وكان شيئا لا يعنيهم تاركين المجال لأنصاف وأرباع وأعشار العلماء بل ومن لا يمتون للعلم الشرعي بصلة، أن يتصدوا لقيادة الحركة الإسلامية والجهاد ويشرفوا على الدرب وما يحتاجه من إفتاء ودراية.. كما لم يعط المجاهدون من طرفهم هذا الأمر عناية كافية فيتوجهوا للعلماء مستنيرين برأيهم عاملين بمشورتهم معطيهم حقهم، فكان جفاء من طرفين وطلاقا نكدا بين العالم والعامل.. ولقد خلت الساحة من علماء عاملين، وكان لابد من توحيد جهد العالم والعامل، العالم الثقة، والعامل المخلص ولكن شيئا من هذا لم يحصل. وانحرف الدرب ووقعت التجاوزات وصحا الغافلون على هذا الخطأ المميت وعسى يكون في الوقت متسع للإصلاح.
ستة عشر - عدم الإفادة من كافة القطاعات الإسلامية في البلد على صعيد التعبئة في الثورة ولاسيما عشائر البادية والأكراد:
لقد كانت الثورة إسلامية الطابع، شمولية الأهداف، تعني كل مسلم في هذا البلد، ولما كان امتداد الدعوة في الأصل امتدادا تركيزيا لا أفقياء. بمعنى أنه تركز في المدن وفي قطاعات محدودة الشرائح الاجتماعية و لم ينتشر في كل الساحة، انعكس هذا سلبا على الحركة الجهادية نفسها فأهملت قطاعات مهمة كان يمكن إدخالها في المعركة وبشكل حاسم، وكلها قطاعات مسلمة ملتزمة إلى حد ما ومتعاطفة مع الإسلام إلى حد كبير ولاسيما الأرياف المحيطة بالمدن، والعشائر في البادية، والأكراد في الشمال، وهكذا فشل المجاهدون في تعبئة هذه القطاعات واستطاعت الدولة أن تجند أغلبهم عبر الإغراء والتهديد ودنيا المصالح، كما وقع آخرون ولاسيما إخواننا المسلمون الأكراد فريسة الأفكار المنحرفة الوافدة لتحقيق هويتهم التي يتنكر لها كل الوسط الظالم الجائر.. وخسرنا رافدا جماهيريا قويا، وكان أحد الدروس الناجحة عن عدم دراسة الساحة و الإفادة من معطياتها والتخطيط لها تخطيطا شموليا..
سبعة عشر - عدم إمكانية تحويل التنظيمات الإسلامية الدعوية المدنية إلى تنظيمات عسكرية قادرة على المقاومة والدفاع عن النفس:
ولعله أثمن الدروس التي تعني إخواننا في التنظيمات الدعوية في الأقطار الإسلامية والعربية.. لقد انفجرت المعركة بشكل مفاجئ إلى حد ما، ولكن قطاعا واسعا من الإسلاميين كان يعرف ولاسيما قيادتها أن هذه المعركة واقعة لا محالة، و لم يتخذ أولئك القادة العظام أي استعداد ولا أي تخطيط وهكذا راحت كل تلك الكوادر ضحية الاعتقال، ولقد فشلت الكوادر التي سلمت في تعبئة أنفسها ككوادر عسكرية قتالية، بل لقد حملت معها كل أساليب الدعوة السلمية المسجدية المدنية لتطبقها في العمل العسكري وكان فشل الشيخ ذريعا عندما لبس بدلة الجنرال! إنه لعجيب أن نرى ونسمع بتنظيمات ترفع شعار الجهاد، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها تترك قواعدها وعلى مدى عشرات السنين من التربية والتكوين عاجزة عن حمل السلاح؟ فاشلة في إعداد ولو وثيقة سفر لكارثة مفاجئة، ولو درهم مدخر ليوم عصيب. لقد كانت تجمعات خروفية ضعيفة ما لبثت أن أتت عليها سكين الجزار.. وحتى السنين القليلة التالية أثبتت فشل إمكان تعبئة شريحة كهذه تعبئة عسكرية بشكل مفاجئ وسريع.. وهذا درس.. درس لكل التنظيمات الإسلامية التي تزعم الجهاد وترقب يوم الواقعة. لتعيد النظر في بنيتها وتركيبها ومدى استعدادها لذلك اليوم، وإلا فلتعلن الركون والمهادنة، ولا تزايد على نفسها وعلى المسلمين ثم تقدم تلك الألوف من الضحايا الواثقة بالشيخ ضحية للمشنقة او المعتقل تحت الشعار" ذي السيفين"!
ثمانية عشر - إلى جانب تلك الدروس القاسية كان لنا بعض العبرة المفيدة:
لقد أثبتت الأحداث إمكانية تعبئة الجماهير المسلمة لصالح ثورة إسلامية جهادية، بشرط إعطاء المثل والقدوة الحسنة في التضحية والإقدام وإثبات القدرة على مقارعة الطغيان، ولقد حملت سنة ونصف من الجهاد العسكري على علاته، حملت مئات الألوف من المسلمين على الانطلاق في الشوارع منادية بحياة الجهاد والإسلام وسقوط النظام والطغيان ومطالبة بالسلاح للمشاركة في شرف الجهاد، ولقد أثبتت تجربة حماه أن الألوف المسلمة لبت نداء الجهاد وقاتلت جنبا إلى جنب مع إخواننا المجاهدين ..
كما أثبتت الأحداث أن شعبنا شعب معطاء.. سرعان ما أفرز قيادته المجاهدة التي انبثقت من داخل الشعب وأبرزت كوادر عسكرية رائعة على صعيد القيادة والجندية في صفوف هذا الشعب الذي تعمدت السلطات العميلة نائبة الاستعمار إبعاده عن السلاح والرجولة وأخلاق الفروسية الإسلامية.. ولكنه أعطى ومراجعة في سجلات أبطالنا وشهداءنا الميامين رحمهم الله نؤكد هذا.. وهذا ذخر ما بعده ذخر في شعب مسلم معطاء وأمل كبير بالله ثم بمستقبل عطاء مماثل .