no saowt
02-28-2004, 11:05 PM
<p dir="rtl"><font color="#000080">
السلام عليكم و رحمة الله،
نشر المقال المترجم أسفله في مجلة تايم (</font><font color="#800000">TIME Magazine</font><font color="#000080">) الأمريكية في شهر يونيو الماضي فيأعقاب الغزو الأمريكي للعراق، و مع أن فكرة وجود حملات تبشيرية أمريكية و غربية في الدول المسلمة ليست بجديدة إلا أن عمق التفاصيل عن أساليب تلك الجماعات مهم و خطير. يجب أن ننشر تلك المعلومات في جميع الدول الأسلامية و خاصة بين علماء المسلمين حتى يأخذ الجميع حذره.
</font><font color="#800000">هل للمسيحيين أن ينصّروا المسلمين؟
بدأ فوج جديد من المبشرين حملة لطرح الإنجيل في دول إسلامية، هل ينتج عن ذلك الإيمان أم ردود فعل عكسية ؟ </font><font color="#000080">
كتبها ديفيد فان بيما
لم تكن مسلمة. ولكنها تؤدي الغرض حالياً. في مارس الماضي وفي الوقت الذي بدأت تحتشد فيه الجيوش الأمريكية خارج بغداد، دلفت سيدة وهي ترتدي برقعاً داكناً إلى الغرفة الدراسية الضيقة في حي ’ كوينز‘ بمدينة نيويورك. الفصل الذي كانت تخاطبه كان منظماً من ِقبل المركز الأمريكي لتبشير العالم ويجتمع فيه طلبة متحمسين من المسيحيين البروتستانت التبشيريين لدراسة كيفية التبشير في الدول الأجنبية. كانت ’شفيرة‘ ذات الملابس السوداء تحاول شرح معتقداتها ببسالة.
وبلهجة إنجليزية متقطعة، قالت ملمحة إلى أحداث 11 سبتمبر مباشرة، إن العنف ليس في قلب كل المسلمين. أنا آسفة أن أناساً قد ماتوا. أنا أريد السلام لأولادي وأعتقد أنكم تريدون السلام، إنه نفس الشيء. قالت لهم عن أركان الإسلام الخمس وذكّرت مستمعيها أن الحرب المقدسة لم تكن ضمن تلك الأركان. إن لدينا صفات كثيرة مشتركة هكذا قالت، ولكنها تساءلت عن الثالوث: الإله الآب زائد الإله ماري يساوي الإله الابن؟
سارع أحد الطلاب بالإجابة مثاراً بفرصة التفسير. بعد الاستماع بصبر، نزعت شفيرة زيها واعترفت بأنها ’ليست مسلمة حقيقية.‘ مطلقاً. إنها في الواقع مسيحية تبشيرية في الأراضي المسلمة منذ زمن طويل، وقد كانت مكلفة بشرح كيفية الأداء التبشيري في العديد من المحاضرات التي هي ضمن مائة وخمسين محاضرة ’تطلعية‘ تتم سنوياً. قالت لهم اسمها الحقيقي. (استخدمت الأسماء المستعارة طوال كتابة هذا المقال لسلامة التبشيريين العاملين في المناطق المحتمل أن تكون عدوانية أو العائدين إليها، وسيشار إليهم بعلامتى الاقتباس في الاستخدام الأول. كذلك ستحذف أسماء مناطق عدة.)
على مدى الثلاث ساعات التالية، وضعت ’بربارا‘ الغير مبرقعة قائمة من المقارنات بين يسوع ومحمد ( </font><font color="#800000">لقد بعث يسوع من الموت وهو حي ولكن محمد قد مات</font><font color="#000080">. ) وقائمة لما يجب أن يفعل وما يجب ألا يفعل لإرشاد المسلمين. (استمع إلى قصتهم. لا تناقشهم عن إسرائيل.) ثم عرضت على شاشة مقولة جون أشكروفت المدعي العام الأمريكي إن الإسلام هو دين يريد منك الرب فيه أن ترسل ابنك للموت من أجله بينما المسيحية هو الإيمان حيث يرسل الرب ابنه للموت من أجلك . قال أشكروفت بعدما نُشر تعليقه في أواخر عام 2001 أن ما قاله إنما يقصد به الإرهابيون وليس مسلمي الاتجاه السائد، ولكن يبدو أن ذلك ما تجاهلته بربارا التي أكدت أن الإسلام هو الإرهابي والمسلمون هم الضحية. انتهت المحاضرة بالصلوات حيث قال أحدهم مشيراً إلى العراق نحن نندب الخسائر في الأرواح هناك وأضافت بربارا نحن نصلي أن يسحق سلاح الدمار الشامل الحقيقي وهو الإسلام. يا رب، نحن نعلن أن دمك يكفي للغفران لكلٍ من المسلمين. إنه يكفي.
وقد انهمك الأمريكيون في برنامج سريع لتعلم الإسلام وجغرافيته وأتباعه لواحد وعشرين شهر حتى الآن. لم يكن موضوعاً يُهتم به من قبل، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تترك خياراً. استمر الجيش الأمريكي أثناء العمل في دولتين في دراسة الشيوخ وأمثال آية الله الخميني بالإضافة إلى العادات السنّية والفصائل الشيعية، ورغم ذلك فهناك فئة واحدة أخذت تفكر بعمق في المسلمين لأكثر من عقد. جيش هذه الفئة غير مسلح وجنوده غير مأجورين في الكثير من الأحيان ويقع معسكرهم في أماكن مثل فصول حي كوينز الدراسية، وليس لهم أي رابط رسمي بالحكومة الأمريكية (</font><font color="#800000">قد يكون ذلك باستثناء التشويه الغير متعمد للصورة الأمريكية</font><font color="#000080">) ولكن قواتهم المتقدمة قد دخلت في الشهور القليلة الماضية أرض المعركة العراقية التي لا تزال مشتعلة، ونواياهم هي تشكيل مستقبل شعبه أثناء تواجد القوات الأمريكية.
لمدة قرن من الزمان لم توقظ فكرة تنصير المسلمين مثل هذه الحماسة في المسيحيين المتحفظين. فالتبشيريون يسارعون لما أصبح آخر صيحة تبشير متأثرون بالاحتياجات المادية للمسلمين والاحتياجات الروحانية (المفترضة) ومقتنعون بأن المسلمين من أكثر الشعوب التي لم يصلوا إليها تعدادا ً والتي يجب أن تسمع الإنجيل قبل عودة المسيح. تشير الإحصائيات من مركز دراسة المسيحية العالمية في معهد جوردن-كنويل اللاهوتي لدراسة الأديان بجنوب هاملتون، ماستشوستس أن عدد الجماعات التبشيرية في الدول الإسلامية ما بين عامي 1982 و2001 قد وصل للضِعف تقريباً ـ بعدما كان أكثر من 15000 وصل إلى أكثر من 27000.
يوجد حوالي مبشرأمريكي واحد من كل اثنين مبشرين ومن كل ثلاثة يوجد واحد يتبع الطائفة الإنجيلية التبشيرية. يقول جورج براسويل الإبن، أستاذ التبشير بمعهد التعميد الجنوبي الشرقي اللاهوتي لدراسة الأديان لدينا الآن جماعات أكثر من أي وقت مضى يذهبون لأناس كالمسلمين. يبدو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تكن إلا لشحن ذلك الدافع.
تصادف دوي تلك الحركة مع تصاعد القيود على الجهود التبشيرية من قبل الأنظمة الحاكمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة ومع تفاقم العداء المسلح للغرب. هاج التوتر الناتج عن ذلك بشكل مفجع في بعض الأحيان: فقد شهد العامان الماضيان الحجز والحبس لأمريكيين من الجماعات التبشيرية في أفغانستان أثناء حكم طالبان والاغتيالات التي بدت ناتجة عن دافع ديني من أربعة آخرين في اليمن ولبنان. توحي محاولة التفجير الغير متقنة لعائلة تبشيرية هولندية ألمانية الشهر الماضي في طرابلس بلبنان أن الخطر لم يخمد. يقول ستان جوثري مؤلف كتاب التبشير في الألفية الثالثة لقد بدأ الناس في إحصاء الغرامة، فإنك قد ُتقتل إن تواجدت في المكان الغير مناسب وفي الوقت الغير مناسب. كانت الجماعات التبشيرية دائماً ما تفكر في احتمالية حدوث ذلك ولكن الأمر أصبح الآن حقيقياً أكثر.
طرحت مثل هذه المخاوف أسئلة أخرى خاصة مع دخول التبشيريين البروتستانتيين في أفغانستان والعراق على أثر الجيوش الأمريكية، فالوفود الجديدة تريد خيراً: بالإضافة إلى الإنجيل المسيحي والذي يعتبرونه أثمن هدية لديهم، فقد خصصوا ملايين الدولارات كمعونة وساعات لا تحصى من العمل الخيري. ولكن بعض العاملين في هذا المجال لمنظمات مسيحية أكثر تحرراً يدّعون أن طريقة بعض التبشيريين الهجومية قد تضع كل المؤسسات الخيرية في خطورة كما كان الأمر عندما أغضبت أعمال الجماعات التبشيرية حكومة طالبان منذ عامين مما أدي إلى إغلاق جميع المعونات المسيحية في كابول. يتهم المنتقدون المسلمون التبشيريين بالكذب بشأن هويّاتهم ودينهم كوسيلة لبلوغ أهدافهم. وبينما تستمر التوترات بين الإسلام والغرب في الغليان بدأ بعض المهتمين بالشرق الأوسط في السؤال عما إذا كان التبشيريون الذين يحبون المسلمين في حين يحتقرون الإسلام هم من نوع سفراء النوايا الحسنة الغير مُعينين رسمياً والذين تحتاج إليهم الولايات المتحدة بشدة في منطقة تفرط في الخطابة عن الحرب المقدسة. يقول القس المعمِّد تشارلز كيمبول والذي كان مدير مكتب الجمعية القومية لكنائس الشرق الأوسط خلال الثمانينيات: القضية ليست هي الإخلاص أو التعهد بإيمان شخصٍ ما..وإنما هي أن المنطقة في مرحلة محورية ومتقلبة وأن الوقت غير مناسب لوفود الجماعات إليها مرتدين صورة المسيح على أكمامهم وكأنما دخل أحدهم في غرفة مليئة بالمتفجرات بعود ثقاب مشتعل.
ولكن ما هي نسبة العاملين المسيحيين المتدينين الذين يتصرفون بمثل هذه الطريقة؟ أحد الأسباب التي تجعل معرفة ذلك صعبة هو أن الحماسة كثيراً ما تهدأ بعد قضاء فترة داخل البلد. لقد أرسلت طوائف دينية سائدة مثل أعضاء كنيسة البرسبيتاريين و كنسية الميثوديين منذ قرنين الآلاف من التبشيريين إلى الشرق الأوسط، وكما هي الحال مع المبشرين الحاليين فقد بدءوا متلهفين للتنصير، ولكنهم مع مرور الوقت ارتضوا جدول أعمال أكثر تواضعاً متماشياً مع القوانين المحلية المضادة لتحويل الديانة وركزوا على بناء مؤسسات تعليمية وخيرية توفير المعونات الإنسانية. مثل هذه الجماعات لا تزال تمثل أغلب التواجد التبشيري في المنطقة وهم يتمتعون بعلاقات مثمرة و جيدة - و إن كانت محدودة - مع السكان والسلطات. وحتى في نطاق الموجة التبشيرية البروتستانتية الراهنة فهناك بقطاع عريض من الأساليب والأخلاقيات، فنجد أن بعض التبشيريين يضعون نصب أعينهم القيم الأساسية في تقديم الجهد والمال للمسلمين المحتاجين مع الاحتفاظ بحقهم في التبشير. وعلى صعيد أخر نجد أخرين يقومون عن بعد بإغراق الأهالي في سيل من البرامج المسيحية في التلفاز و الراديو و عشرات الالاف من المنشورات والإعلانات المطبوعة التي تروج لمناهج مسيحية بالمراسلة على أمل أن تتشعب بعض البذور. يتخذ المبشرون البروتستانتيون أعمالاً غير دينية لتجنب شبهة التطفل لدخول عشرات الدول المسلمة التي ترفض إعطاء تصريح الدخول تحت مسمي ’عامل ديني‘.
يُبدي الكثير منهم حساسية مرهفة فلا يدعون إلي الرب إلا مع الذين استطاعوا أن يقيموا معهم صداقات حميمة. في الوقت نفسه لاتزال توجد جماعات ليست بصغيرة تثير المتاعب لأنها جاهلة سياسياً ومتغطرسة دينياً. مثل هذه الجماعات تقوم بتقديم أشرطة الكاسيت و المنشورات و دعوة المارة لمشاهدة فيلم عن حياة يسوع و نشر الدعوة بين الصغار أثناء تقديم اللعب اليهم لإجتذابهم. مثل هذه النشاطات لا تثير الانتباه في الشارع الأمريكي العادي ولكنها قد تؤدي الي العنف في المجتمعات التي تمزج فيها الدولة والمسجد والتي تعتبر تجريح الإسلام جريمة وأن الارتداد عنه نتيجة تلك النشاطات التبشيرية يولد ردود فعل عنيفة من الشعب. كلما زادت جرأة المبشرين في الدعوة، كلما أثاروا حفيظة المواطنين وسواء كانت أفعالهم متعمدة أم لا فإنها تثير الجدل في جنبات المجتمع التبشيري. بعض المتخصصين يرون أن هفواتهم هي نتيجة وجود الكنائس اللاطائفية والتي تفتقد الموارد اللازمة لإعداد برامج تدريبية ملائمة. يري البعض الأخر أن المسيؤون ما هم إلا هواة يقضون وقت قصير في المنطقة فلا يشهدون سلسلة الانتقام التي تولدها أساليبهم الإستفزازية. يقول روبرت سايبل و هو تبشيري إنجيلي ووزير فوق العادة للحريات الدينية الدولية لدى وزارة الخارجية الأمريكية حتى عام 2000 :’ إن المحاولات الجيدة أكثر من المحاولات السيئة فالمذاهب الرئيسية تسلك الطريق الصحيح في أغلب الأحيان و لكن ما إكتشفته أنا هو أن حَسَني النية قد أضرّوا في الكثير من الأحيان بالرسالة التي يريدون توجيهها للناس بسبب انتهاجهم لأساليب غير ملائمة. يُضطهد الفكر التبشيري بسببهم مما يجعل البعض يتمنى لو أنهم لم يأتوا الى تلك البلاد أبداَ‘.
يقول ’جوش ‘ أحد المبشرين الجدد ممن لا يستخدمون أساليب حمقاء: ’</font><font color="#800000">أنا لا يمكن أن ُأقدم على فعل أحمق مثل وعظ الناس بطريقة سافرة في الطريق العام أو أن أقدّم لمن لا أعرفه منشورات دينية</font><font color="#000080">‘. و مع ذلك فقد يصاب جوش بقِلة الصبر في بعض الأحوال، خاصة و قد أمضى ثمانية أشهر في تلك المهمة و هو مازال شاباَ في الرابعة و العشرون من عمره. مازال يتحدث هذا الشاب عن نفسه قائلا: ’</font><font color="#800000">أنا بطبيعتي قليل الصبر و لذلك فإن تطلعاتي قد توقعني في المآزق</font><font color="#000080">‘. جوش يعمل في عاصمة إحدى الدول العربية المزدانة بالنخيل وعلى الرغم من أنه إبن لأحد مبشريي مذهب ’تجمعات بنتاكوستال اللاهوتية‘، مما جعله ينشأ في الخارج، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها وحيداَ و لمدة طويلة. تجده متجولاَ في أحياء الطبقة الوسطى بالمدينة وهو يقضي حوائجه لعمله الصباحي كعامل في المجتمع المسيحي بالمدينة، و تراه متسائلاً في نفسه عمن سيقابل في هذا اليوم. يقول جوش أنه يفضل أن يُحدث قائدي سيارات الأجرة عن المسيح حيث أن تمكنهم من الإنجليزية أفضل من تمكنه من العربية. يستهدف جوش أيضاَ ثلاث شبان يعملون في محل نجارة لأنهم في مثل عمره والأجيال الشابة في مثل هذا العمرمتأثريين جداَ بالثقافة الغربية و رؤوسهم ممتلئة بالأسئلة التي تبحث عن إجابات فيكون التأثير عليهم سهل. يمر جوش باحداث متباينة، فبعض الأحداث تجعله في قمة النشوى مثل تلك المرة عندما أطرى عليه صبي من الحي قائلا:’إنك مسلم صالح...أقصد مسيحي صالح‘ فيحس جوش أنه ناجح في عمله من حيث التأثير على المسلمين. في أحيان أخرى تجده كما يقول هو: </font><font color="#800000">’تحت ضغط نفسي هائل فأنا رجل واحد، ماذا يمكن أن أفعل لكي أساعد كل هؤلاء الناس؟ </font><font color="#000080">‘ و لكن مع كل صباح يتذكر جوش سبب وجوده في هذا المكان عندما يرتفع صوت المؤذن لينادي لصلاة الفجر في الساعة الرابعة. في ذلك الوقت يصلي جوش و يدعوا للمصليين الذين لبوا نداء الآذان بأن ينوّر المسيح بصيرتهم و يتوصّلون الى الرب. يقول:’</font><font color="#800000"> أنا أدعو لهم ألا يُأثر فيهم صوت الآذان و ألا يصل الى قلوبهم، و أن أستطيع أن اٌبعدهم عن هذا الجو الديني المتعسف</font><font color="#000080">‘.
إن النظرة الدينية البحتة توضح أن جوش و أمثاله من رسل المسيحية يتصورون أنهم يطبقون تعاليم المسيح المكتوبة في إنجيل متّى المعروفة بالتفويض العظيم و الذي ورد فيه: ’</font><font color="#800000">إذهب وكون أتباع من كل الأمم، و عمّدهم بإسم الآب و الإبن و الروح القُدس، و علمهم أن يطيعوا كل ما أمرتك به</font><font color="#000080">‘.يعتبرالبعض أن هؤلاء المسيحيين الذين إهتموا بالتبشييرمنذ العصور الوسطى هم من أهم المساهمين في نقل الثقافة بين الحضارات المختلفة.
في القرن الماضي تركت الطرق الرئيسية البروتستانتية و الكاثوليكية في الولايات المتحدة وعظ الجهلاء و سلكت الجانب الإجتماعي من الإنجيل فقامت بمساعدة المعوزين و هذا وقع عبء الجانب التبشيري على عاتق المذهب الإنجيلي التبشيري. ولكن بالنسبة للكنائس البروتستانتية المتحفظة، فإن معظمهم يبعثون بالنشأ الجديد في مهام تبشيرية قصيرة أو يستضيفون أفواج من المبشيرين المغتربين الذين دائماَ ما يحكون عن الأماكن المثيرة التي زاروها أو الناس الذين غيروا معتقداتهم. هؤلاء العائدون من الرحلات التبشيرية يمثّلون قدوة للإنجيليين التبشيريين في فلسفتهم القائمة على الإنتشار بلا هوادة و التي يجعلوا منها محوراَ لحياتهم .’بث سترييتر‘ هي واحدة من هؤلاء المبشرين و تعمل مستشارة طبية في بلدة موراجا بولاية كاليفورنيا. كانت سترييتر قد سافرت الي مصر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبرفي رحلة تبشيرية قصيرة صاحبها فيها زوجها وإبناها. تقول سترييتر:’عندما يرسخ في وجدانك أن حب المسيح هو أقيم هدية للبشرية فإنك ترغب في أن تجد أماكن و اٌناس ليعرفوا تلك الحقيقة و هذا ما يدفعنا الي أماكن غريبة و ظروف صعبة‘.
في حقبة السبعينيات كانت أمريكا اللاتينية هي حلبة الصراع التبشيري بين البروتستانت و الكاثوليك و كلٌ يريد أن يستحوذ على قلوب الفقراء، أما المبشرين الأكثر جرأة فكانوا يذهبون الي أفريقيا و بلدان الستار الحديدي. ثم بدأ إنتباه الجماعات التبشيرية يتحول بعدما نادى مسؤل الإستراتيجية التبشيرية روبرت ونتر عام 1974 بأن الواجب هو وعظ الشعوب التي لم يصل إليها نداء المسيح من قبل عوضاً عن المناطق التي وصل اليها المد المسيحي. تلك الإستراتيجية كان لها سحر خاص في قلوب من قرأوا النص في إنجيل متّى حرفياً فتصوروا أن بداية النهاية المنتظرة ستبدأ عندما تتحول كل الأمم الي المسيحية. و في عام 1989 أوضح المبشر الأرجنتيني الأصل ’لويس بوش‘ أن سبعة و تسعون بالمائة من السكان الذين لم تصل إليهم الدعوة المسيحية يعيشون في المنطقة ما بين خطي عرض 10 و 40. كما أنه أوضح أيضاً أن هذه الشريحة الدولية المهولة تعيش في فقر مدقع و أن أغلبية السكان مقهورون بالإسلام و الهندوسية و البوذية مما يعني أنهم أتباع الشيطان.
ناشد بوش المسيحيين في مقالة كتبها بعد ذلك بفترة أن يتسلحوا بإيمانهم بالرب و يحاربوا بأسلحة الحرب الروحانية. بوش أكد لمجلة التايم أنه لم يقصد حرب عسكرية. وعن الإسلام خاصة كتب بوش ’أن الإسلام ينتشر من وسط منطقته الواقعة بين خطيّ عرض 10/40 بقوة ليصل الي كل البقاع الأرض و لذلك فإننا لابد أن نستخدم نفس الإستراتيجية و نغزوه في عقر داره بتعاليم الإنجيل الحقة التي تحرر العقول‘. و كانت النتيجة لأفكار بوش أن قام العديد من المبشرين بحشد أنفسهم في هذه المنطقة و لكن إكتشفوا أنهم لن يقابلوا بحفاوة.
</font><font color="#800000">إن الإسلام هو الوحيد من بين الأديان السماوية الثلاثة الذي يتصدي بحزم للمرتدين فحكم الشريعة هو قتل المرتدين. و على الرغم من أن هذا الحكم لا ينفّذ في كثير من البلدان الإسلامية إلا أن الإضطهاد يكون أمر طبيعي يواجهه المرتد. إلا أن الإضطهاد وحده لن يكون كافيا لمنع العمل التبشيري حيث يعتبره المبشرون الثمن الذي يدفعوه من أجل تبليغ الدعوة. لكن ما عطّل جهود المبشرين هو ما قامت به معظم الدول الإسلامية من منع تدريجي لإصدار تأشيرات لمن يعملون بالمجال الديني فأصبحت المنظمات المبنية علي تعيين مبشرين براتب شهري عاجزة.
</font><font color="#000080">
لجأت تلك المنظمات الى حل يطلق عليه ’صناعة الخيام‘ نسبة الى الحواريّ بولس الذي كان يكسب قُوته من هذا العمل أثناء تنقله في حوض البحر المتوسط لنشرأنباء ظهور المسيح.وقد إتبع المبشرون المعاصرون نهج بولس و لم يُعلنوا عن حقيقتهم كمبشرين و إنما آثروا أن يعملوا في مجالات أخرى– مثل المساعدات الإنسانية أو مجالات التنمية أو أي مجال يكون فيه البلد المقصود مفتقراً إلى الخبرات – و في تلك الأثناء يقومون بالوعظ بشكل غيررسمي. بالنظر الى مواقع المبشرين على الإنترنت نجد إعلانات عن مجالات عمل عديدة فهذه وظيفة لمهندس ميكانيكا في مدينة عربية كبرى و بائع أجهزة كمبيوتر في بلد مسلم و هذه فرصة عمل كمدرس لتعليم الإدارة في كايراجستان و بهذا تصبح مراكز إقتطاب المبشرين أشبه بمنتديات التوظيف. و في كنيسة صغيرة بمدينة تانيسي الأمريكية، يُطمئن منظم الرحلات التبشيرية الحاضرين بأن ما يكفي أي شخصٍ منهم هو أن تكون الإنجليزية هي لغته الأم و بأقل مجهود يستطيع ذلك الشخص أن يصبح معلماً لها في الدول الأخرى التي يعتزمون أن يبشروا فيها. يعرض المنظم رسم كارتون على الشاشة ليوضح مميزات عدم الذهاب في رحلة تبشيرية من خلال منظمة رسمية، و في هذا الكارتون نرى رجلاً عند نقطة تفتيش يلبس عمامة و يحمل خنجراً مستوقفاً مبشر يحمل حقيبة و يلبس زيّ يوضح نواياه و في الوقت نفسه يدنو رجل ٌغربيّ من مسجد في الأفق و يحمل حقيبة أدوات دون أن يوقفه أحد. هذا الكارتون يرمز الي ان من يدخل الي تلك البلاد معلناً أنه مبشر فسيمنع من الدخول في حين أن مَن يتظاهر بأنه يعمل في حرفة فسيصل في يسرالى هدفه و هو المسجد.
</font></p>
السلام عليكم و رحمة الله،
نشر المقال المترجم أسفله في مجلة تايم (</font><font color="#800000">TIME Magazine</font><font color="#000080">) الأمريكية في شهر يونيو الماضي فيأعقاب الغزو الأمريكي للعراق، و مع أن فكرة وجود حملات تبشيرية أمريكية و غربية في الدول المسلمة ليست بجديدة إلا أن عمق التفاصيل عن أساليب تلك الجماعات مهم و خطير. يجب أن ننشر تلك المعلومات في جميع الدول الأسلامية و خاصة بين علماء المسلمين حتى يأخذ الجميع حذره.
</font><font color="#800000">هل للمسيحيين أن ينصّروا المسلمين؟
بدأ فوج جديد من المبشرين حملة لطرح الإنجيل في دول إسلامية، هل ينتج عن ذلك الإيمان أم ردود فعل عكسية ؟ </font><font color="#000080">
كتبها ديفيد فان بيما
لم تكن مسلمة. ولكنها تؤدي الغرض حالياً. في مارس الماضي وفي الوقت الذي بدأت تحتشد فيه الجيوش الأمريكية خارج بغداد، دلفت سيدة وهي ترتدي برقعاً داكناً إلى الغرفة الدراسية الضيقة في حي ’ كوينز‘ بمدينة نيويورك. الفصل الذي كانت تخاطبه كان منظماً من ِقبل المركز الأمريكي لتبشير العالم ويجتمع فيه طلبة متحمسين من المسيحيين البروتستانت التبشيريين لدراسة كيفية التبشير في الدول الأجنبية. كانت ’شفيرة‘ ذات الملابس السوداء تحاول شرح معتقداتها ببسالة.
وبلهجة إنجليزية متقطعة، قالت ملمحة إلى أحداث 11 سبتمبر مباشرة، إن العنف ليس في قلب كل المسلمين. أنا آسفة أن أناساً قد ماتوا. أنا أريد السلام لأولادي وأعتقد أنكم تريدون السلام، إنه نفس الشيء. قالت لهم عن أركان الإسلام الخمس وذكّرت مستمعيها أن الحرب المقدسة لم تكن ضمن تلك الأركان. إن لدينا صفات كثيرة مشتركة هكذا قالت، ولكنها تساءلت عن الثالوث: الإله الآب زائد الإله ماري يساوي الإله الابن؟
سارع أحد الطلاب بالإجابة مثاراً بفرصة التفسير. بعد الاستماع بصبر، نزعت شفيرة زيها واعترفت بأنها ’ليست مسلمة حقيقية.‘ مطلقاً. إنها في الواقع مسيحية تبشيرية في الأراضي المسلمة منذ زمن طويل، وقد كانت مكلفة بشرح كيفية الأداء التبشيري في العديد من المحاضرات التي هي ضمن مائة وخمسين محاضرة ’تطلعية‘ تتم سنوياً. قالت لهم اسمها الحقيقي. (استخدمت الأسماء المستعارة طوال كتابة هذا المقال لسلامة التبشيريين العاملين في المناطق المحتمل أن تكون عدوانية أو العائدين إليها، وسيشار إليهم بعلامتى الاقتباس في الاستخدام الأول. كذلك ستحذف أسماء مناطق عدة.)
على مدى الثلاث ساعات التالية، وضعت ’بربارا‘ الغير مبرقعة قائمة من المقارنات بين يسوع ومحمد ( </font><font color="#800000">لقد بعث يسوع من الموت وهو حي ولكن محمد قد مات</font><font color="#000080">. ) وقائمة لما يجب أن يفعل وما يجب ألا يفعل لإرشاد المسلمين. (استمع إلى قصتهم. لا تناقشهم عن إسرائيل.) ثم عرضت على شاشة مقولة جون أشكروفت المدعي العام الأمريكي إن الإسلام هو دين يريد منك الرب فيه أن ترسل ابنك للموت من أجله بينما المسيحية هو الإيمان حيث يرسل الرب ابنه للموت من أجلك . قال أشكروفت بعدما نُشر تعليقه في أواخر عام 2001 أن ما قاله إنما يقصد به الإرهابيون وليس مسلمي الاتجاه السائد، ولكن يبدو أن ذلك ما تجاهلته بربارا التي أكدت أن الإسلام هو الإرهابي والمسلمون هم الضحية. انتهت المحاضرة بالصلوات حيث قال أحدهم مشيراً إلى العراق نحن نندب الخسائر في الأرواح هناك وأضافت بربارا نحن نصلي أن يسحق سلاح الدمار الشامل الحقيقي وهو الإسلام. يا رب، نحن نعلن أن دمك يكفي للغفران لكلٍ من المسلمين. إنه يكفي.
وقد انهمك الأمريكيون في برنامج سريع لتعلم الإسلام وجغرافيته وأتباعه لواحد وعشرين شهر حتى الآن. لم يكن موضوعاً يُهتم به من قبل، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تترك خياراً. استمر الجيش الأمريكي أثناء العمل في دولتين في دراسة الشيوخ وأمثال آية الله الخميني بالإضافة إلى العادات السنّية والفصائل الشيعية، ورغم ذلك فهناك فئة واحدة أخذت تفكر بعمق في المسلمين لأكثر من عقد. جيش هذه الفئة غير مسلح وجنوده غير مأجورين في الكثير من الأحيان ويقع معسكرهم في أماكن مثل فصول حي كوينز الدراسية، وليس لهم أي رابط رسمي بالحكومة الأمريكية (</font><font color="#800000">قد يكون ذلك باستثناء التشويه الغير متعمد للصورة الأمريكية</font><font color="#000080">) ولكن قواتهم المتقدمة قد دخلت في الشهور القليلة الماضية أرض المعركة العراقية التي لا تزال مشتعلة، ونواياهم هي تشكيل مستقبل شعبه أثناء تواجد القوات الأمريكية.
لمدة قرن من الزمان لم توقظ فكرة تنصير المسلمين مثل هذه الحماسة في المسيحيين المتحفظين. فالتبشيريون يسارعون لما أصبح آخر صيحة تبشير متأثرون بالاحتياجات المادية للمسلمين والاحتياجات الروحانية (المفترضة) ومقتنعون بأن المسلمين من أكثر الشعوب التي لم يصلوا إليها تعدادا ً والتي يجب أن تسمع الإنجيل قبل عودة المسيح. تشير الإحصائيات من مركز دراسة المسيحية العالمية في معهد جوردن-كنويل اللاهوتي لدراسة الأديان بجنوب هاملتون، ماستشوستس أن عدد الجماعات التبشيرية في الدول الإسلامية ما بين عامي 1982 و2001 قد وصل للضِعف تقريباً ـ بعدما كان أكثر من 15000 وصل إلى أكثر من 27000.
يوجد حوالي مبشرأمريكي واحد من كل اثنين مبشرين ومن كل ثلاثة يوجد واحد يتبع الطائفة الإنجيلية التبشيرية. يقول جورج براسويل الإبن، أستاذ التبشير بمعهد التعميد الجنوبي الشرقي اللاهوتي لدراسة الأديان لدينا الآن جماعات أكثر من أي وقت مضى يذهبون لأناس كالمسلمين. يبدو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تكن إلا لشحن ذلك الدافع.
تصادف دوي تلك الحركة مع تصاعد القيود على الجهود التبشيرية من قبل الأنظمة الحاكمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة ومع تفاقم العداء المسلح للغرب. هاج التوتر الناتج عن ذلك بشكل مفجع في بعض الأحيان: فقد شهد العامان الماضيان الحجز والحبس لأمريكيين من الجماعات التبشيرية في أفغانستان أثناء حكم طالبان والاغتيالات التي بدت ناتجة عن دافع ديني من أربعة آخرين في اليمن ولبنان. توحي محاولة التفجير الغير متقنة لعائلة تبشيرية هولندية ألمانية الشهر الماضي في طرابلس بلبنان أن الخطر لم يخمد. يقول ستان جوثري مؤلف كتاب التبشير في الألفية الثالثة لقد بدأ الناس في إحصاء الغرامة، فإنك قد ُتقتل إن تواجدت في المكان الغير مناسب وفي الوقت الغير مناسب. كانت الجماعات التبشيرية دائماً ما تفكر في احتمالية حدوث ذلك ولكن الأمر أصبح الآن حقيقياً أكثر.
طرحت مثل هذه المخاوف أسئلة أخرى خاصة مع دخول التبشيريين البروتستانتيين في أفغانستان والعراق على أثر الجيوش الأمريكية، فالوفود الجديدة تريد خيراً: بالإضافة إلى الإنجيل المسيحي والذي يعتبرونه أثمن هدية لديهم، فقد خصصوا ملايين الدولارات كمعونة وساعات لا تحصى من العمل الخيري. ولكن بعض العاملين في هذا المجال لمنظمات مسيحية أكثر تحرراً يدّعون أن طريقة بعض التبشيريين الهجومية قد تضع كل المؤسسات الخيرية في خطورة كما كان الأمر عندما أغضبت أعمال الجماعات التبشيرية حكومة طالبان منذ عامين مما أدي إلى إغلاق جميع المعونات المسيحية في كابول. يتهم المنتقدون المسلمون التبشيريين بالكذب بشأن هويّاتهم ودينهم كوسيلة لبلوغ أهدافهم. وبينما تستمر التوترات بين الإسلام والغرب في الغليان بدأ بعض المهتمين بالشرق الأوسط في السؤال عما إذا كان التبشيريون الذين يحبون المسلمين في حين يحتقرون الإسلام هم من نوع سفراء النوايا الحسنة الغير مُعينين رسمياً والذين تحتاج إليهم الولايات المتحدة بشدة في منطقة تفرط في الخطابة عن الحرب المقدسة. يقول القس المعمِّد تشارلز كيمبول والذي كان مدير مكتب الجمعية القومية لكنائس الشرق الأوسط خلال الثمانينيات: القضية ليست هي الإخلاص أو التعهد بإيمان شخصٍ ما..وإنما هي أن المنطقة في مرحلة محورية ومتقلبة وأن الوقت غير مناسب لوفود الجماعات إليها مرتدين صورة المسيح على أكمامهم وكأنما دخل أحدهم في غرفة مليئة بالمتفجرات بعود ثقاب مشتعل.
ولكن ما هي نسبة العاملين المسيحيين المتدينين الذين يتصرفون بمثل هذه الطريقة؟ أحد الأسباب التي تجعل معرفة ذلك صعبة هو أن الحماسة كثيراً ما تهدأ بعد قضاء فترة داخل البلد. لقد أرسلت طوائف دينية سائدة مثل أعضاء كنيسة البرسبيتاريين و كنسية الميثوديين منذ قرنين الآلاف من التبشيريين إلى الشرق الأوسط، وكما هي الحال مع المبشرين الحاليين فقد بدءوا متلهفين للتنصير، ولكنهم مع مرور الوقت ارتضوا جدول أعمال أكثر تواضعاً متماشياً مع القوانين المحلية المضادة لتحويل الديانة وركزوا على بناء مؤسسات تعليمية وخيرية توفير المعونات الإنسانية. مثل هذه الجماعات لا تزال تمثل أغلب التواجد التبشيري في المنطقة وهم يتمتعون بعلاقات مثمرة و جيدة - و إن كانت محدودة - مع السكان والسلطات. وحتى في نطاق الموجة التبشيرية البروتستانتية الراهنة فهناك بقطاع عريض من الأساليب والأخلاقيات، فنجد أن بعض التبشيريين يضعون نصب أعينهم القيم الأساسية في تقديم الجهد والمال للمسلمين المحتاجين مع الاحتفاظ بحقهم في التبشير. وعلى صعيد أخر نجد أخرين يقومون عن بعد بإغراق الأهالي في سيل من البرامج المسيحية في التلفاز و الراديو و عشرات الالاف من المنشورات والإعلانات المطبوعة التي تروج لمناهج مسيحية بالمراسلة على أمل أن تتشعب بعض البذور. يتخذ المبشرون البروتستانتيون أعمالاً غير دينية لتجنب شبهة التطفل لدخول عشرات الدول المسلمة التي ترفض إعطاء تصريح الدخول تحت مسمي ’عامل ديني‘.
يُبدي الكثير منهم حساسية مرهفة فلا يدعون إلي الرب إلا مع الذين استطاعوا أن يقيموا معهم صداقات حميمة. في الوقت نفسه لاتزال توجد جماعات ليست بصغيرة تثير المتاعب لأنها جاهلة سياسياً ومتغطرسة دينياً. مثل هذه الجماعات تقوم بتقديم أشرطة الكاسيت و المنشورات و دعوة المارة لمشاهدة فيلم عن حياة يسوع و نشر الدعوة بين الصغار أثناء تقديم اللعب اليهم لإجتذابهم. مثل هذه النشاطات لا تثير الانتباه في الشارع الأمريكي العادي ولكنها قد تؤدي الي العنف في المجتمعات التي تمزج فيها الدولة والمسجد والتي تعتبر تجريح الإسلام جريمة وأن الارتداد عنه نتيجة تلك النشاطات التبشيرية يولد ردود فعل عنيفة من الشعب. كلما زادت جرأة المبشرين في الدعوة، كلما أثاروا حفيظة المواطنين وسواء كانت أفعالهم متعمدة أم لا فإنها تثير الجدل في جنبات المجتمع التبشيري. بعض المتخصصين يرون أن هفواتهم هي نتيجة وجود الكنائس اللاطائفية والتي تفتقد الموارد اللازمة لإعداد برامج تدريبية ملائمة. يري البعض الأخر أن المسيؤون ما هم إلا هواة يقضون وقت قصير في المنطقة فلا يشهدون سلسلة الانتقام التي تولدها أساليبهم الإستفزازية. يقول روبرت سايبل و هو تبشيري إنجيلي ووزير فوق العادة للحريات الدينية الدولية لدى وزارة الخارجية الأمريكية حتى عام 2000 :’ إن المحاولات الجيدة أكثر من المحاولات السيئة فالمذاهب الرئيسية تسلك الطريق الصحيح في أغلب الأحيان و لكن ما إكتشفته أنا هو أن حَسَني النية قد أضرّوا في الكثير من الأحيان بالرسالة التي يريدون توجيهها للناس بسبب انتهاجهم لأساليب غير ملائمة. يُضطهد الفكر التبشيري بسببهم مما يجعل البعض يتمنى لو أنهم لم يأتوا الى تلك البلاد أبداَ‘.
يقول ’جوش ‘ أحد المبشرين الجدد ممن لا يستخدمون أساليب حمقاء: ’</font><font color="#800000">أنا لا يمكن أن ُأقدم على فعل أحمق مثل وعظ الناس بطريقة سافرة في الطريق العام أو أن أقدّم لمن لا أعرفه منشورات دينية</font><font color="#000080">‘. و مع ذلك فقد يصاب جوش بقِلة الصبر في بعض الأحوال، خاصة و قد أمضى ثمانية أشهر في تلك المهمة و هو مازال شاباَ في الرابعة و العشرون من عمره. مازال يتحدث هذا الشاب عن نفسه قائلا: ’</font><font color="#800000">أنا بطبيعتي قليل الصبر و لذلك فإن تطلعاتي قد توقعني في المآزق</font><font color="#000080">‘. جوش يعمل في عاصمة إحدى الدول العربية المزدانة بالنخيل وعلى الرغم من أنه إبن لأحد مبشريي مذهب ’تجمعات بنتاكوستال اللاهوتية‘، مما جعله ينشأ في الخارج، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها وحيداَ و لمدة طويلة. تجده متجولاَ في أحياء الطبقة الوسطى بالمدينة وهو يقضي حوائجه لعمله الصباحي كعامل في المجتمع المسيحي بالمدينة، و تراه متسائلاً في نفسه عمن سيقابل في هذا اليوم. يقول جوش أنه يفضل أن يُحدث قائدي سيارات الأجرة عن المسيح حيث أن تمكنهم من الإنجليزية أفضل من تمكنه من العربية. يستهدف جوش أيضاَ ثلاث شبان يعملون في محل نجارة لأنهم في مثل عمره والأجيال الشابة في مثل هذا العمرمتأثريين جداَ بالثقافة الغربية و رؤوسهم ممتلئة بالأسئلة التي تبحث عن إجابات فيكون التأثير عليهم سهل. يمر جوش باحداث متباينة، فبعض الأحداث تجعله في قمة النشوى مثل تلك المرة عندما أطرى عليه صبي من الحي قائلا:’إنك مسلم صالح...أقصد مسيحي صالح‘ فيحس جوش أنه ناجح في عمله من حيث التأثير على المسلمين. في أحيان أخرى تجده كما يقول هو: </font><font color="#800000">’تحت ضغط نفسي هائل فأنا رجل واحد، ماذا يمكن أن أفعل لكي أساعد كل هؤلاء الناس؟ </font><font color="#000080">‘ و لكن مع كل صباح يتذكر جوش سبب وجوده في هذا المكان عندما يرتفع صوت المؤذن لينادي لصلاة الفجر في الساعة الرابعة. في ذلك الوقت يصلي جوش و يدعوا للمصليين الذين لبوا نداء الآذان بأن ينوّر المسيح بصيرتهم و يتوصّلون الى الرب. يقول:’</font><font color="#800000"> أنا أدعو لهم ألا يُأثر فيهم صوت الآذان و ألا يصل الى قلوبهم، و أن أستطيع أن اٌبعدهم عن هذا الجو الديني المتعسف</font><font color="#000080">‘.
إن النظرة الدينية البحتة توضح أن جوش و أمثاله من رسل المسيحية يتصورون أنهم يطبقون تعاليم المسيح المكتوبة في إنجيل متّى المعروفة بالتفويض العظيم و الذي ورد فيه: ’</font><font color="#800000">إذهب وكون أتباع من كل الأمم، و عمّدهم بإسم الآب و الإبن و الروح القُدس، و علمهم أن يطيعوا كل ما أمرتك به</font><font color="#000080">‘.يعتبرالبعض أن هؤلاء المسيحيين الذين إهتموا بالتبشييرمنذ العصور الوسطى هم من أهم المساهمين في نقل الثقافة بين الحضارات المختلفة.
في القرن الماضي تركت الطرق الرئيسية البروتستانتية و الكاثوليكية في الولايات المتحدة وعظ الجهلاء و سلكت الجانب الإجتماعي من الإنجيل فقامت بمساعدة المعوزين و هذا وقع عبء الجانب التبشيري على عاتق المذهب الإنجيلي التبشيري. ولكن بالنسبة للكنائس البروتستانتية المتحفظة، فإن معظمهم يبعثون بالنشأ الجديد في مهام تبشيرية قصيرة أو يستضيفون أفواج من المبشيرين المغتربين الذين دائماَ ما يحكون عن الأماكن المثيرة التي زاروها أو الناس الذين غيروا معتقداتهم. هؤلاء العائدون من الرحلات التبشيرية يمثّلون قدوة للإنجيليين التبشيريين في فلسفتهم القائمة على الإنتشار بلا هوادة و التي يجعلوا منها محوراَ لحياتهم .’بث سترييتر‘ هي واحدة من هؤلاء المبشرين و تعمل مستشارة طبية في بلدة موراجا بولاية كاليفورنيا. كانت سترييتر قد سافرت الي مصر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبرفي رحلة تبشيرية قصيرة صاحبها فيها زوجها وإبناها. تقول سترييتر:’عندما يرسخ في وجدانك أن حب المسيح هو أقيم هدية للبشرية فإنك ترغب في أن تجد أماكن و اٌناس ليعرفوا تلك الحقيقة و هذا ما يدفعنا الي أماكن غريبة و ظروف صعبة‘.
في حقبة السبعينيات كانت أمريكا اللاتينية هي حلبة الصراع التبشيري بين البروتستانت و الكاثوليك و كلٌ يريد أن يستحوذ على قلوب الفقراء، أما المبشرين الأكثر جرأة فكانوا يذهبون الي أفريقيا و بلدان الستار الحديدي. ثم بدأ إنتباه الجماعات التبشيرية يتحول بعدما نادى مسؤل الإستراتيجية التبشيرية روبرت ونتر عام 1974 بأن الواجب هو وعظ الشعوب التي لم يصل إليها نداء المسيح من قبل عوضاً عن المناطق التي وصل اليها المد المسيحي. تلك الإستراتيجية كان لها سحر خاص في قلوب من قرأوا النص في إنجيل متّى حرفياً فتصوروا أن بداية النهاية المنتظرة ستبدأ عندما تتحول كل الأمم الي المسيحية. و في عام 1989 أوضح المبشر الأرجنتيني الأصل ’لويس بوش‘ أن سبعة و تسعون بالمائة من السكان الذين لم تصل إليهم الدعوة المسيحية يعيشون في المنطقة ما بين خطي عرض 10 و 40. كما أنه أوضح أيضاً أن هذه الشريحة الدولية المهولة تعيش في فقر مدقع و أن أغلبية السكان مقهورون بالإسلام و الهندوسية و البوذية مما يعني أنهم أتباع الشيطان.
ناشد بوش المسيحيين في مقالة كتبها بعد ذلك بفترة أن يتسلحوا بإيمانهم بالرب و يحاربوا بأسلحة الحرب الروحانية. بوش أكد لمجلة التايم أنه لم يقصد حرب عسكرية. وعن الإسلام خاصة كتب بوش ’أن الإسلام ينتشر من وسط منطقته الواقعة بين خطيّ عرض 10/40 بقوة ليصل الي كل البقاع الأرض و لذلك فإننا لابد أن نستخدم نفس الإستراتيجية و نغزوه في عقر داره بتعاليم الإنجيل الحقة التي تحرر العقول‘. و كانت النتيجة لأفكار بوش أن قام العديد من المبشرين بحشد أنفسهم في هذه المنطقة و لكن إكتشفوا أنهم لن يقابلوا بحفاوة.
</font><font color="#800000">إن الإسلام هو الوحيد من بين الأديان السماوية الثلاثة الذي يتصدي بحزم للمرتدين فحكم الشريعة هو قتل المرتدين. و على الرغم من أن هذا الحكم لا ينفّذ في كثير من البلدان الإسلامية إلا أن الإضطهاد يكون أمر طبيعي يواجهه المرتد. إلا أن الإضطهاد وحده لن يكون كافيا لمنع العمل التبشيري حيث يعتبره المبشرون الثمن الذي يدفعوه من أجل تبليغ الدعوة. لكن ما عطّل جهود المبشرين هو ما قامت به معظم الدول الإسلامية من منع تدريجي لإصدار تأشيرات لمن يعملون بالمجال الديني فأصبحت المنظمات المبنية علي تعيين مبشرين براتب شهري عاجزة.
</font><font color="#000080">
لجأت تلك المنظمات الى حل يطلق عليه ’صناعة الخيام‘ نسبة الى الحواريّ بولس الذي كان يكسب قُوته من هذا العمل أثناء تنقله في حوض البحر المتوسط لنشرأنباء ظهور المسيح.وقد إتبع المبشرون المعاصرون نهج بولس و لم يُعلنوا عن حقيقتهم كمبشرين و إنما آثروا أن يعملوا في مجالات أخرى– مثل المساعدات الإنسانية أو مجالات التنمية أو أي مجال يكون فيه البلد المقصود مفتقراً إلى الخبرات – و في تلك الأثناء يقومون بالوعظ بشكل غيررسمي. بالنظر الى مواقع المبشرين على الإنترنت نجد إعلانات عن مجالات عمل عديدة فهذه وظيفة لمهندس ميكانيكا في مدينة عربية كبرى و بائع أجهزة كمبيوتر في بلد مسلم و هذه فرصة عمل كمدرس لتعليم الإدارة في كايراجستان و بهذا تصبح مراكز إقتطاب المبشرين أشبه بمنتديات التوظيف. و في كنيسة صغيرة بمدينة تانيسي الأمريكية، يُطمئن منظم الرحلات التبشيرية الحاضرين بأن ما يكفي أي شخصٍ منهم هو أن تكون الإنجليزية هي لغته الأم و بأقل مجهود يستطيع ذلك الشخص أن يصبح معلماً لها في الدول الأخرى التي يعتزمون أن يبشروا فيها. يعرض المنظم رسم كارتون على الشاشة ليوضح مميزات عدم الذهاب في رحلة تبشيرية من خلال منظمة رسمية، و في هذا الكارتون نرى رجلاً عند نقطة تفتيش يلبس عمامة و يحمل خنجراً مستوقفاً مبشر يحمل حقيبة و يلبس زيّ يوضح نواياه و في الوقت نفسه يدنو رجل ٌغربيّ من مسجد في الأفق و يحمل حقيبة أدوات دون أن يوقفه أحد. هذا الكارتون يرمز الي ان من يدخل الي تلك البلاد معلناً أنه مبشر فسيمنع من الدخول في حين أن مَن يتظاهر بأنه يعمل في حرفة فسيصل في يسرالى هدفه و هو المسجد.
</font></p>