بشرى
10-04-2002, 01:16 PM
غزوة أحد
كانت مكة تحترق غيظا على المسلمين مما أصابها في معركة بدر من مأساة الهزيمة وكانت تجيش فيها نزعات من الانتقام وأخذ الثأر، وعلى إثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة، وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان والتي كانت سببا لمعركة بدر، فباعوها استعدادا لتلك المعركة، ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين، واجتمع إليهم من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل، وكانت القيادة العامة لأبي سفيان بن حرب.
فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضمنها جميع التفاصيل، وبعد أن قرأت عليه صلى الله عليه وسلم أمر القارئ بالكتمان، وعاد مسرعا إلى المدينة ثم تبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار.
وحينئذ عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا استشاريا عسكريا أعلى تبادل فيه الرأي لاختيار الموقف المناسب، فقدم رأيه إلى صحابته أن لا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها، إلا أن جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر أِشاروا بالخروج وألحوا عليه في ذلك، وأمام رأي الأغلبية استقر الرأي على الخروج من المدينة واللقاء في الميدان السافر.
وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه إلى ثلاث كتائب، كتيبة المهاجرين وكتيبة الأنصار من الأوس وكتيبة الأنصار من الخزرج، وكان الجيش متألفا من ألف مقاتل، انطلق بعدها ولما صار على مقربة من العدو تمرد رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول وانسحب بنحو ثلث العسكر، هدفه الرئيسي من هذا التمرد إحداث البلبلة في جيش المسلمين على مرأى ومسمع من العدو، لكنه فشل فيما أراد وانتوى، ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقبلا المدينة وجاعلا ظهره إلى هضاب جبل أحد، وكان جيش العدو فاصلا بين المسلمين وبين المدينة، وهناك عبأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه وهيأهم صفوفا للقتال، فانتخب منهم فصيلة من الرماة الماهرين قوامها خمسون رجلا وأمرهم بالتمركز على رأس جبل عرف فيما بعد باسم جبل الرماة، وكان مما أمرهم به صلى الله عليه وسلم : "احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا"، أما بقية الجيش فقسمه إلى ميمنة وميسرة، وتمت تعبئة الجيش النبوي صباح السبت السابع من شهر شوال في السنة الثالثة للهجرة.
وتقارب الجمعان وتدانت الفئتان ثم اندلعت نيران المعركة بعد مقتل حامل لواء المشركين، وقد كان ثقل المعركة كله يدور حول لواء قريش، وكانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الإسلامي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد ثلاث مرات ليحكموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر، ولكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث.
وبعد أن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست بالعجز والخور وانكسرت همتها فأخذت في الانسحاب ولجأت إلى الفرار، وبينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر وقعت أغلبية فصيلة الرماة في غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما، فعلى الرغم من تلك الأوامر المشددة لما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض الغنيمة الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟
وهكذا خلت ظهور المسلمين بعد أن غادر أربعون رجلا من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، ولم يبق فيها إلا ابن جبير قائدهم وتسعة من أصحابه التزموا مواقعهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا.
وانتهز خالد بن الوليد الفرصة فاستدار بسرعة خاطفة حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن قضى على عبد الله بن الجبير وأصحابه، ثم انقض على المسلمين من خلفهم وصاح فرسانه صيحة عرف المشركون المنهزمون منها بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين، وأحيط المسلمون من الأمام ومن الخلف ووقعوا بين شقي الرحى.
أخذ بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي على أصحابه الذين كانت تسري فيه إشاعة مقتله عليه السلام، ففر منهم من فر والتف عدد قليل حول النبي صلى الله عليه وسلم وعملوا على تطويقه وحمايته، ثم احتدم القتال حوله وقام المسلمون ببطولات نادرة وتضحيات رائعة لم يعرف لها التاريخ نظيرا في الصد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستطاع بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق، فأقبل إليهم وبلغ صوته آذان المسلمين فلاذوا إليه حتى تجمع حوله صلى الله عليه وسلم حوالي الثلاثين من الصحابة، وبعد هذا التجمع أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في الانسحاب المنظم بهم إلى شعب الجبل، وشقوا لبقية الجيش طريقا إلى هذا المقام المأمون فتلاحقوا جميعا إلى ها هناك.
وبعد عدد من المحاولات البائسة رجع المشركون إلى مقرهم وأخذوا يتهيئون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم وكذا اشتغلت نساؤهم بقتلى المسلمين يمثلون بهم.
ولما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من دفن الشهداء والثناء على الله والتضرع إليه انصرف مع صحابته، واتفقت جل الروايات على أن قتلى المسلمين كانوا سبعين وكانت الأغلبية الساحقة من الأنصار.
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف من أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئا من النصر والغلبة التي اكتسبوها في ساحة القتال أن يندموا على ذلك ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية، فصمم على مطاردة الجيش المكي فكانت غزوة حمراء الأسد، إلا أن الجيش القريشي أخذه الرعب والفزع وواصل الانسحاب والرجوع إلى مكة، ومما لاشك فيه أن هذه الغزوة ليست بغزوة مستقلة بل امتداد لأحد عاد بعدها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومما نتج عن هذه الغزوة التأكيد على أن كفة الجيش الإسلامي لم تسقط إلى حد أن يطارده الجيش المكي، وأن أحدا من جيش المدينة لم يقع في الأسر، وأن الكفار لم يحصلوا على شيء من غنائم المسلمين.
كل ذلك يؤكد لنا أن ما حصل لقريش لم يكن أكثر من أنهم وجدوا فرصة نجحوا فيها بإلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين مع الفشل فيما كانوا يهدفون إليه من إبادة الجيش الإسلامي، إذا فهذه الغزوة إنما كانت حربا غير منفصلة أخذ كل فريق بقسطه ونصيبه من النجاح والخسارة فيها ثم حاد كل منهما عن القتال.
كانت مكة تحترق غيظا على المسلمين مما أصابها في معركة بدر من مأساة الهزيمة وكانت تجيش فيها نزعات من الانتقام وأخذ الثأر، وعلى إثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة، وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان والتي كانت سببا لمعركة بدر، فباعوها استعدادا لتلك المعركة، ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين، واجتمع إليهم من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل، وكانت القيادة العامة لأبي سفيان بن حرب.
فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضمنها جميع التفاصيل، وبعد أن قرأت عليه صلى الله عليه وسلم أمر القارئ بالكتمان، وعاد مسرعا إلى المدينة ثم تبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار.
وحينئذ عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا استشاريا عسكريا أعلى تبادل فيه الرأي لاختيار الموقف المناسب، فقدم رأيه إلى صحابته أن لا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها، إلا أن جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر أِشاروا بالخروج وألحوا عليه في ذلك، وأمام رأي الأغلبية استقر الرأي على الخروج من المدينة واللقاء في الميدان السافر.
وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه إلى ثلاث كتائب، كتيبة المهاجرين وكتيبة الأنصار من الأوس وكتيبة الأنصار من الخزرج، وكان الجيش متألفا من ألف مقاتل، انطلق بعدها ولما صار على مقربة من العدو تمرد رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول وانسحب بنحو ثلث العسكر، هدفه الرئيسي من هذا التمرد إحداث البلبلة في جيش المسلمين على مرأى ومسمع من العدو، لكنه فشل فيما أراد وانتوى، ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقبلا المدينة وجاعلا ظهره إلى هضاب جبل أحد، وكان جيش العدو فاصلا بين المسلمين وبين المدينة، وهناك عبأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه وهيأهم صفوفا للقتال، فانتخب منهم فصيلة من الرماة الماهرين قوامها خمسون رجلا وأمرهم بالتمركز على رأس جبل عرف فيما بعد باسم جبل الرماة، وكان مما أمرهم به صلى الله عليه وسلم : "احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا"، أما بقية الجيش فقسمه إلى ميمنة وميسرة، وتمت تعبئة الجيش النبوي صباح السبت السابع من شهر شوال في السنة الثالثة للهجرة.
وتقارب الجمعان وتدانت الفئتان ثم اندلعت نيران المعركة بعد مقتل حامل لواء المشركين، وقد كان ثقل المعركة كله يدور حول لواء قريش، وكانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الإسلامي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد ثلاث مرات ليحكموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر، ولكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث.
وبعد أن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست بالعجز والخور وانكسرت همتها فأخذت في الانسحاب ولجأت إلى الفرار، وبينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر وقعت أغلبية فصيلة الرماة في غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما، فعلى الرغم من تلك الأوامر المشددة لما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض الغنيمة الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟
وهكذا خلت ظهور المسلمين بعد أن غادر أربعون رجلا من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، ولم يبق فيها إلا ابن جبير قائدهم وتسعة من أصحابه التزموا مواقعهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا.
وانتهز خالد بن الوليد الفرصة فاستدار بسرعة خاطفة حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن قضى على عبد الله بن الجبير وأصحابه، ثم انقض على المسلمين من خلفهم وصاح فرسانه صيحة عرف المشركون المنهزمون منها بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين، وأحيط المسلمون من الأمام ومن الخلف ووقعوا بين شقي الرحى.
أخذ بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي على أصحابه الذين كانت تسري فيه إشاعة مقتله عليه السلام، ففر منهم من فر والتف عدد قليل حول النبي صلى الله عليه وسلم وعملوا على تطويقه وحمايته، ثم احتدم القتال حوله وقام المسلمون ببطولات نادرة وتضحيات رائعة لم يعرف لها التاريخ نظيرا في الصد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستطاع بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق، فأقبل إليهم وبلغ صوته آذان المسلمين فلاذوا إليه حتى تجمع حوله صلى الله عليه وسلم حوالي الثلاثين من الصحابة، وبعد هذا التجمع أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في الانسحاب المنظم بهم إلى شعب الجبل، وشقوا لبقية الجيش طريقا إلى هذا المقام المأمون فتلاحقوا جميعا إلى ها هناك.
وبعد عدد من المحاولات البائسة رجع المشركون إلى مقرهم وأخذوا يتهيئون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم وكذا اشتغلت نساؤهم بقتلى المسلمين يمثلون بهم.
ولما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من دفن الشهداء والثناء على الله والتضرع إليه انصرف مع صحابته، واتفقت جل الروايات على أن قتلى المسلمين كانوا سبعين وكانت الأغلبية الساحقة من الأنصار.
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف من أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئا من النصر والغلبة التي اكتسبوها في ساحة القتال أن يندموا على ذلك ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية، فصمم على مطاردة الجيش المكي فكانت غزوة حمراء الأسد، إلا أن الجيش القريشي أخذه الرعب والفزع وواصل الانسحاب والرجوع إلى مكة، ومما لاشك فيه أن هذه الغزوة ليست بغزوة مستقلة بل امتداد لأحد عاد بعدها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومما نتج عن هذه الغزوة التأكيد على أن كفة الجيش الإسلامي لم تسقط إلى حد أن يطارده الجيش المكي، وأن أحدا من جيش المدينة لم يقع في الأسر، وأن الكفار لم يحصلوا على شيء من غنائم المسلمين.
كل ذلك يؤكد لنا أن ما حصل لقريش لم يكن أكثر من أنهم وجدوا فرصة نجحوا فيها بإلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين مع الفشل فيما كانوا يهدفون إليه من إبادة الجيش الإسلامي، إذا فهذه الغزوة إنما كانت حربا غير منفصلة أخذ كل فريق بقسطه ونصيبه من النجاح والخسارة فيها ثم حاد كل منهما عن القتال.