no saowt
02-22-2004, 05:03 AM
كنت في الثانية والعشرين من عمري عندما بدأت قصتي مع الحجاب. لا أتذكر كيف اتخذت قرار التحجب. كل ما أذكره أن ذلك حصل سريعاً سريعا.
في البداية ابتعدتُ شيئا فشيئا عن لبس الثياب الكاشفة وعن الذهاب إلى المسابح وعن المشاركة في الحفلات المختلطة. كنتُ منذ الثانية عشرة من عمري أواظب على الصلاة، وكنتُ مقتنعة بأن الحجاب فرض ديني، وإن كنت غير قادرة على التزامه في البداية. فقد كانت مرحلة بحث عن الذات، ولم أكن أعرف ماذا أريد من الدنيا. أذكر أن حادثة جرت لي في تلك الفترة ولا أدري مدى تأثيرها على قراري بالتحجب. فقد توفي أحد أعمامي وقد رأيته ميتا بأم عيني مما أحدث جرحاً كبيراً في قلبي.
فخلال مراسم العزاء، شهد البيت حالاً مأسوية وخيم عليه جو ديني تخللته صلوات متتابعة. لا أدري ما الذي دفعني أثناء ذلك الى أن أضع غطاء الحداد الأبيض على رأسي طوال مدة العزاء. أذكر أني خرجتُ بين الناس وقد وضعتُ على رأسي الغطاء الأبيض، لأرى كيف يكون شعوري! بعد إنقضاء فترة العزاء بأسبوعين، استيقظت لأقول للجميع وسط ذهولهم بأني أريد التحجب. وفي اليوم نفسه قصدتُ السوق لأشتري أغطية عدة للرأس. وفي اليوم التالي تحضرت للذهاب إلى الجامعة وقد أخذت الحجاب إلى السيارة وبقيت جالسة فيها نصف ساعة. ثم رميته على المقعد الخلفي واتجهت إلى الجامعة حاسرة الرأس. إلاّ أني لم اشعر بالراحة. في اليوم الثالث، خرجت من المنزل إلى الجامعة وأنا مرتدية غطاء الرأس. وهكذا حسمتُ مسألة ارتدائي الحجاب وبدأت قصتي معه.
أول المشوار، ابتعدتُ عن الأمكنة التي قد التقي فيها أحد معارفي. أول الذين رأيتهم، شابان يصغرانني بسنتين، وكان تعليقهما مريحا: "مبروك. كتير حلو عليك". صديقة أخرى التقيتها في اليوم نفسه وكان تعليقها أكثر سلبية. قالت لي وهي تضحك: "شو عامله بحالك مثل أهل الريف والقرى. شو تخلفتي؟".
ثم استمرت التعليقات في الفترة الأولى بين مرحّبة ومستهجنة. واحدة قالت:"شو عملتِ بحالك. دفنتِ نفسك حية ولن تجدي عريساً بعد اليوم".
صديقاتي المقربات قلن لي: "أنت حرة وهذا قرارك وستظلين صديقتنا".
هناك من أيدني بشدة وبارك لي حجابي. لم يعارض والدي القرار ولم يؤيده في تلك الفترة، لكنه قال لي: بابا، فكّري جيدا في الموضوع، فالحجاب مبدأ ومن الصعب على الفتاة أن تتراجع عنه بعد ذلك في مواجهة الناس.
كانت عائلتنا الموسعة بالكاد تخلو من إمرأة محجبة، حتى أن بنات إحدى عماتي غير المتحجبات سرعان ما تبعنني والتزمن الحجاب. أما عائلتنا الصغيرة فلم تكن شديدة التدين، ولا أمي كانت ترتدي الحجاب.
في بداية تحجبي أعتبرتُ الحجاب فرضاً إلهياً وواجباً. كنتُ أعتبر العذاب والمعاناة امتحاناً لإيماني وأن ذلك سيكسبني أجراً ويجعلني أتجاوز المشكلة.
لكني أحسستُ في ما بعد بأني مرهقةٌ حقاً ومتعبة، وبأني أعيش صراعاً دائماً مع الذات.
دروس الدين
جاء قراري التحجب قبل أن أتابع أيا من دروس الدين. في مرحلة لاحقة قيل لي إن هناك دروساً دينية للنساء تقام في المنازل، فاستعلمتُ عن العنوان من صديقة لي وذهبتُ لأرى. هناك جرت عملية التعارف وبدأت قصتي. في الفترة الأولى، كنت أجلس في المقاعد الأخيرة من الغرفة، مستمعة، من دون أن أشارك في النقاش. كانت الدروس شيئاً مهماً وجميلا بالنسبة إليّ، إذ أخرجتني من عزلتي وجعلتني أتعرف الى فتيات متحجباب يخضن التجربة نفسها. لم أعد أشعر بالوحدة بعدما عثرتُ على ما كنتُ أبحث عنه.
في الدروس العامة كنا نلاحظ أن بعض الفتيات يعدن محجبات بعد فترة من مواظبتهن على الدوام. أما في "ليلة القدر" فكانت هناك نسبة كبيرة من الفتيات اللواتي يقررن وضع الحجاب. وكان ذلك يجري وفق طقوس معينة، إذ كنا ننظم وليمة إفطار عامرة ونقيم الصلوات طوال الليل الى أن تأتي الأستاذة المشرفة التي يسمّونها الآنسة ومعها رزمة من أغطية الرأس الجديدة لتلبية طلب أي فتاة تقرر ارتداء الحجاب في تلك الليلة المباركة.
تبدأ الآنسة بالكلام، وفجأةً تفصح إحدى الفتيات عن رغبتها في التحجب، فتتولى مساعدات الآنسة دعوتها إلى الوقوف في وسط الحلقة ليوضع الحجاب على رأسها وسط الزغاليد والأناشيد وضرب الدفوف. وغالبا ما كانت الفتاة تبكي تأثراً ويشاركها بعض الحضور بكاءها وخصوصا الفتيات اللواتي لم يتحجبن بعد. وفي أحيان، تبكي الآنسة وتبارك المتحجبة الجديدة وتدعو الله أن يثبتها على قرارها وأن يهدي بقية الفتيات، مؤكدةً أن دعاء الفتاة المحجبة سيكون مستجاباً مدة أربعين يوما وستكون ذنوبها السابقة مغفورة كلها.
ثم تتولى الآنسة دعوة الفتاة المتحجبة لتروي أمام الحضور تجربتها وشعورها الجديد.
أنا نفسي، كنتُ أبكي أحياناً، لذا لا أريد أن يؤخذ كلامي هذا بمثابة استهزاء.
في الدروس الخصوصية كانت الأستاذة المشرفة لا تكبرنا سناً بكثير، فهي في حدود الثلاثين من العمر، وكانت مثلنا طالبة جامعية تحجبت حديثاً. وكانت تالياً قريبة منا وقادرة على الإصغاء إلينا وتفهم مشكلاتنا. كنا نلجأ إليها لنتحادث معها في أمور شتى تخص حياتنا.
وبعد أن نكون أنهينا ما يُسمّى مرحلة فقه العبادات، تعلمنا الآنسة بضرورة الانتقال الى مرحلة متقدمة تتولى المسؤولية فيها آنسة من مستوى أعلى. يومها شعرت أننا وقعنا في فخ وأن الآنسة التي اعتبرناها صديقة فعلية، قد تخلت عنا ببساطة. أما الآنسة الجديدة فقد تم تخويفنا من مكانتها وخصوصاً عندما طلبت منا الآنسة السابقة أن نتعامل مع خليفتها باحترام كبير، وأن لا نتكلم في حضرتها، وأن نقف كلما دخلت الغرفة، وأن لا نجلس قبل جلوسها. في المناسبة، فإن لون حجاب كل آنسة يدل على مكانتها، من الأبيض أولاً مرورا بالأزرق الفاتح فالكحلي وصولا الى الأسود.
تحت الجلباب الطويل
في المحصلة، وبعد درسين أو ثلاثة خلال هذه المرحلة المتقدمة، قالت الآنسة الجديدة إن الفتاة التي تريد إكمال الدروس معها، عليها أن تلبس الجلباب الطويل. معظم الفتيات وافقن، أما أنا فتوقفت عن متابعة الدروس الخاصة. في البداية، حاولت الآنسة السابقة إقناعي بالعزوف عن قراري، لكن بلا جدوى. وفي فترة لاحقة عرضت عليّ إحدى الآنسات أن أشاركها إعطاء دروس خاصة لمجموعة من الفتيات كوني أمثل نموذجاً يتقاسمن معه الخلفية الإجتماعية نفسها، فحضرت درسين ثم انسحبت من جديد.
وبسبب حاجتي في تلك الفترة إلى سماع "كلمتين" عن الله من دون إلتزامات، فقد عدتُ مجدداً إلى الدروس العامة الأساسية. لكن تمّ إفهامي بأن الآنسة المسؤولة لا ترغب في ذلك، كوني تعديت منذ سنتين مرحلة الدروس العامة. بعد فترة، تعرفتُ الى مجموعة أخرى من الفتيات، على صلة بفئة ثانية من الآنسات، لكني سرعان ما اكتشفت أن تلك الجماعات كلها تدور في فلك واحد، فتوقفتُ نهائياً عن متابعة الدروس.
يتبع :(
في البداية ابتعدتُ شيئا فشيئا عن لبس الثياب الكاشفة وعن الذهاب إلى المسابح وعن المشاركة في الحفلات المختلطة. كنتُ منذ الثانية عشرة من عمري أواظب على الصلاة، وكنتُ مقتنعة بأن الحجاب فرض ديني، وإن كنت غير قادرة على التزامه في البداية. فقد كانت مرحلة بحث عن الذات، ولم أكن أعرف ماذا أريد من الدنيا. أذكر أن حادثة جرت لي في تلك الفترة ولا أدري مدى تأثيرها على قراري بالتحجب. فقد توفي أحد أعمامي وقد رأيته ميتا بأم عيني مما أحدث جرحاً كبيراً في قلبي.
فخلال مراسم العزاء، شهد البيت حالاً مأسوية وخيم عليه جو ديني تخللته صلوات متتابعة. لا أدري ما الذي دفعني أثناء ذلك الى أن أضع غطاء الحداد الأبيض على رأسي طوال مدة العزاء. أذكر أني خرجتُ بين الناس وقد وضعتُ على رأسي الغطاء الأبيض، لأرى كيف يكون شعوري! بعد إنقضاء فترة العزاء بأسبوعين، استيقظت لأقول للجميع وسط ذهولهم بأني أريد التحجب. وفي اليوم نفسه قصدتُ السوق لأشتري أغطية عدة للرأس. وفي اليوم التالي تحضرت للذهاب إلى الجامعة وقد أخذت الحجاب إلى السيارة وبقيت جالسة فيها نصف ساعة. ثم رميته على المقعد الخلفي واتجهت إلى الجامعة حاسرة الرأس. إلاّ أني لم اشعر بالراحة. في اليوم الثالث، خرجت من المنزل إلى الجامعة وأنا مرتدية غطاء الرأس. وهكذا حسمتُ مسألة ارتدائي الحجاب وبدأت قصتي معه.
أول المشوار، ابتعدتُ عن الأمكنة التي قد التقي فيها أحد معارفي. أول الذين رأيتهم، شابان يصغرانني بسنتين، وكان تعليقهما مريحا: "مبروك. كتير حلو عليك". صديقة أخرى التقيتها في اليوم نفسه وكان تعليقها أكثر سلبية. قالت لي وهي تضحك: "شو عامله بحالك مثل أهل الريف والقرى. شو تخلفتي؟".
ثم استمرت التعليقات في الفترة الأولى بين مرحّبة ومستهجنة. واحدة قالت:"شو عملتِ بحالك. دفنتِ نفسك حية ولن تجدي عريساً بعد اليوم".
صديقاتي المقربات قلن لي: "أنت حرة وهذا قرارك وستظلين صديقتنا".
هناك من أيدني بشدة وبارك لي حجابي. لم يعارض والدي القرار ولم يؤيده في تلك الفترة، لكنه قال لي: بابا، فكّري جيدا في الموضوع، فالحجاب مبدأ ومن الصعب على الفتاة أن تتراجع عنه بعد ذلك في مواجهة الناس.
كانت عائلتنا الموسعة بالكاد تخلو من إمرأة محجبة، حتى أن بنات إحدى عماتي غير المتحجبات سرعان ما تبعنني والتزمن الحجاب. أما عائلتنا الصغيرة فلم تكن شديدة التدين، ولا أمي كانت ترتدي الحجاب.
في بداية تحجبي أعتبرتُ الحجاب فرضاً إلهياً وواجباً. كنتُ أعتبر العذاب والمعاناة امتحاناً لإيماني وأن ذلك سيكسبني أجراً ويجعلني أتجاوز المشكلة.
لكني أحسستُ في ما بعد بأني مرهقةٌ حقاً ومتعبة، وبأني أعيش صراعاً دائماً مع الذات.
دروس الدين
جاء قراري التحجب قبل أن أتابع أيا من دروس الدين. في مرحلة لاحقة قيل لي إن هناك دروساً دينية للنساء تقام في المنازل، فاستعلمتُ عن العنوان من صديقة لي وذهبتُ لأرى. هناك جرت عملية التعارف وبدأت قصتي. في الفترة الأولى، كنت أجلس في المقاعد الأخيرة من الغرفة، مستمعة، من دون أن أشارك في النقاش. كانت الدروس شيئاً مهماً وجميلا بالنسبة إليّ، إذ أخرجتني من عزلتي وجعلتني أتعرف الى فتيات متحجباب يخضن التجربة نفسها. لم أعد أشعر بالوحدة بعدما عثرتُ على ما كنتُ أبحث عنه.
في الدروس العامة كنا نلاحظ أن بعض الفتيات يعدن محجبات بعد فترة من مواظبتهن على الدوام. أما في "ليلة القدر" فكانت هناك نسبة كبيرة من الفتيات اللواتي يقررن وضع الحجاب. وكان ذلك يجري وفق طقوس معينة، إذ كنا ننظم وليمة إفطار عامرة ونقيم الصلوات طوال الليل الى أن تأتي الأستاذة المشرفة التي يسمّونها الآنسة ومعها رزمة من أغطية الرأس الجديدة لتلبية طلب أي فتاة تقرر ارتداء الحجاب في تلك الليلة المباركة.
تبدأ الآنسة بالكلام، وفجأةً تفصح إحدى الفتيات عن رغبتها في التحجب، فتتولى مساعدات الآنسة دعوتها إلى الوقوف في وسط الحلقة ليوضع الحجاب على رأسها وسط الزغاليد والأناشيد وضرب الدفوف. وغالبا ما كانت الفتاة تبكي تأثراً ويشاركها بعض الحضور بكاءها وخصوصا الفتيات اللواتي لم يتحجبن بعد. وفي أحيان، تبكي الآنسة وتبارك المتحجبة الجديدة وتدعو الله أن يثبتها على قرارها وأن يهدي بقية الفتيات، مؤكدةً أن دعاء الفتاة المحجبة سيكون مستجاباً مدة أربعين يوما وستكون ذنوبها السابقة مغفورة كلها.
ثم تتولى الآنسة دعوة الفتاة المتحجبة لتروي أمام الحضور تجربتها وشعورها الجديد.
أنا نفسي، كنتُ أبكي أحياناً، لذا لا أريد أن يؤخذ كلامي هذا بمثابة استهزاء.
في الدروس الخصوصية كانت الأستاذة المشرفة لا تكبرنا سناً بكثير، فهي في حدود الثلاثين من العمر، وكانت مثلنا طالبة جامعية تحجبت حديثاً. وكانت تالياً قريبة منا وقادرة على الإصغاء إلينا وتفهم مشكلاتنا. كنا نلجأ إليها لنتحادث معها في أمور شتى تخص حياتنا.
وبعد أن نكون أنهينا ما يُسمّى مرحلة فقه العبادات، تعلمنا الآنسة بضرورة الانتقال الى مرحلة متقدمة تتولى المسؤولية فيها آنسة من مستوى أعلى. يومها شعرت أننا وقعنا في فخ وأن الآنسة التي اعتبرناها صديقة فعلية، قد تخلت عنا ببساطة. أما الآنسة الجديدة فقد تم تخويفنا من مكانتها وخصوصاً عندما طلبت منا الآنسة السابقة أن نتعامل مع خليفتها باحترام كبير، وأن لا نتكلم في حضرتها، وأن نقف كلما دخلت الغرفة، وأن لا نجلس قبل جلوسها. في المناسبة، فإن لون حجاب كل آنسة يدل على مكانتها، من الأبيض أولاً مرورا بالأزرق الفاتح فالكحلي وصولا الى الأسود.
تحت الجلباب الطويل
في المحصلة، وبعد درسين أو ثلاثة خلال هذه المرحلة المتقدمة، قالت الآنسة الجديدة إن الفتاة التي تريد إكمال الدروس معها، عليها أن تلبس الجلباب الطويل. معظم الفتيات وافقن، أما أنا فتوقفت عن متابعة الدروس الخاصة. في البداية، حاولت الآنسة السابقة إقناعي بالعزوف عن قراري، لكن بلا جدوى. وفي فترة لاحقة عرضت عليّ إحدى الآنسات أن أشاركها إعطاء دروس خاصة لمجموعة من الفتيات كوني أمثل نموذجاً يتقاسمن معه الخلفية الإجتماعية نفسها، فحضرت درسين ثم انسحبت من جديد.
وبسبب حاجتي في تلك الفترة إلى سماع "كلمتين" عن الله من دون إلتزامات، فقد عدتُ مجدداً إلى الدروس العامة الأساسية. لكن تمّ إفهامي بأن الآنسة المسؤولة لا ترغب في ذلك، كوني تعديت منذ سنتين مرحلة الدروس العامة. بعد فترة، تعرفتُ الى مجموعة أخرى من الفتيات، على صلة بفئة ثانية من الآنسات، لكني سرعان ما اكتشفت أن تلك الجماعات كلها تدور في فلك واحد، فتوقفتُ نهائياً عن متابعة الدروس.
يتبع :(