أبو يونس العباسي
01-20-2012, 05:08 PM
[أوجه التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة]
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما بلا اعوجاج , وجعله عصمة لمن تمسك به واعتمد عليه في الاحتجاج , وأوجب فيه مقاطعة أهل الشرك بإيضاح الشرعة والمنهاج , والصلاة والسلام على محمد الذي مزق الله ظلام الشرك بما معه من السراج , وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا الكفار وباينوهم من غير امتزاج .. ثم أما بعد …
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في كونهما سببا لحياة الموتى]
الأرض ينقطع عنها الغيث فتموت , فينزل الله عليها الغيث فتحيا بإذنه (جل في علاه ) …
قال الله تعالى:
{ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)}[النحل]
وقال أيضا:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}[فصلت]
والناس بدون منهج الله قرآنا وسنة موتى وإن كانوا يعيشون بين الأحياء …
قال الله تعالى:
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}[الأنعام]
وهذا هو السر في تسمية نصوص الوحي روحا …
قال الله تعالى:
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}[الشورى]
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في كونهما نازلين من السماء]
الغيث إذا نزل فإنما ينزل من السماء …
قال الله تعالى:
{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}[الواقعة]
ونصوص الوحي أيضا نزلت من السماء , جهة العلو حيث الرب العلي (سبحانه وتعالى ) …
قال الله تعالى:
{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)}[الدخان]
وكما هو القرآن منزل من عند الله , فالسنة منزلة من عند الله …
قال الله تعالى:
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}[النجم]
وقال أيضا:
{… وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}[النحل]
والذكر هو السنة كما يظهر لكل من تأمل الآية وتدبرها… وجهة العلو جهة شريفة ؛ لأنها جهة الإله العظيم ؛ لذلك فالشيطان لا يأتي للإنسان موسوسا له من هذه الجهة …
قال الله تعالى على لسان إبليس لعنه الله:
{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}[الأعراف]
فتأمل رعاك الله , فقد ذكر الشيطان الجهات كلها إلا جهة العلو , لا يتسلط من خلالها علن الإنسان ؛ ذلك أنها جهة الرب I.
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في التطهير]
لا شك أن ماء الغيث طاهر في نفسه مطهر لغيره …
قال الله تعالى:
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}[الأنفال]
بل هو لا يطهر الإنسان من القاذورات المادية وفقط , بل ويطهره من الذنوب والسيئات والخطايا …
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ):
(( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن , فغسل وجهه , خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا , وإذا غسل يديه , خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء , حتى يخرج نقيا من الذنوب. ))
وكذلك نصوص الكتاب والسنة تطهر الإنسان من الرجس والنجس والأمراض مادية كانت أو معنوية …
قال الله تعالى:
{… مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}[المائدة]
بل إن المؤمن لا ينجس , وكيف ينجس رجل جعل من الكتاب والسنة نبراسا لحياته …
والدليل على أن القرآن يطهر من الأمراض مادية كانت أو معنوية قول الله تعالى:
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}[الإسراء]
أخرج البخاريعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ :أَنَّهُ لَقِيَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ ، فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ، فَفَقَدَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جَاءَ قَالَ :
« أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ».
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتَنِى وَأَنَا جُنُبٌ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ فَقَالَ:
« سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ ».
أما الكافر والمشرك فنجس , لأنه معرض عن القرآن والسنة …
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}[التوبة]
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في إثارة مشاعر الخوف والرجاء]
يوم ينزل الغيث أو قبيل نزوله , تكون مشاعر الإنسان خليطا بين الخوف والرجاء , خوف من عتمة الغيم وظلمته , خوفا من البرق وضوئه , والرعد وصوته , ورجاء وطمع في نزول هذا الغيث على الأرض فينتفع العباد , يزرعون ويشربون ويأكلون , ويسقون دوابهم ومواشيهم …
قال الله تعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}[الروم]
وكذلك نصوص القرآن والسنة لمن يقرأها , فيها خوف وفيها رجاء , فيها ترهيب وفيها ترغيب … فيها خوف وترهيب من النار , ورجاء ورغبة في دخول الجنة …
قال الله تعالى عن أنبيائه:
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}[الأنبياء]
وقال الله عن عباده المطيعين , والذين هم للمعصية تاركين …
{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}[السجدة]
وفي الإسلام يقدم الترغيب على الترهيب , ودليل هذا قوله تعالى:
{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}[الحجر]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في ضرورة التأمل والتدبر والاعتبار وعدم الغفلة فيهما]
إن نزول الغيث آية من آيات الله العظيمة لمن تأملها وتدبرها وتفحصها , ولم يكن عنها من الغافلين الساهين المعرضين …
قال الله تعالى:
{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)}[الفرقان]
وكذلك نصوص الكتاب والسنة كالغيث تحتاج إلى تأمل وتدبر وتفكر وترك للغفلة والإعراض …
قال الله تعالى عن ثلة كبيرة من بني آدم:
{ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}[الأنعام]
وقال أيضا:
{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}[الكهف]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في تحدي الله لعباده في الإتيان بالمثيل]
لقد تحدى الله عباده أن يأتوا ولو بسورة من مثل القرآن الكريم , فما استطاعوا ولن يستطيعوا …
قال الله تعالى:
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}[الإسراء]
وكذلك أشار رب العالمين أنه ليس بمقدور الناس إنشاء الغيوم وإنزال الغيث , فهذه أمور لا يقدر عليها سوى الله …
قال الله تعالى:
{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)}[لقمان]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في أنهما نعم تستوجب الشكر لله وحده لا شريك له]
لا شك أن الغيث نعمة عظيمة جدا , والنعم تستوجب شكر المنعم…
قال الله تعالى:
{ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)}[يس]
وكذلك نصوص القرآن والسنة نعمة تستوجب منا الشكر والحمد الدائمين لله الواحد القهار …
قال الله تعالى:
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}[البقرة]
لقد من الأعراب على الرسول r إسلامهم فانظر بماذا رد الله:
{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)}[الحجرات]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في تفاوت الانتفاع بهما]
هل الأرض على درجة واحدة بالانتفاع من الغيث النازل عليها؟
بالتأكيد لا , وكذلك الناس على تفاوت بالانتفاع بنصوص الكتاب والسنة …
أخرج البخاريعن أَبِي مُوسى t عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ، أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تَنْبتُ كَلأَ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ.))
والحديث ينص على التالي:
1ـ من الأرض ما هو طيب يقبل الماء, وينبت العشب والكل الكثير , وهذه الأرض تشبه الإنسان الذي تعلم الكتاب والسنة وعمل بهما وعلم ودعا.
2ـ ومن الأرض أجادب أراض صخرية, أمسكت الماء واحتفظت به فشرب الناس وزرعوا وسقوا مواشيهم , وهذه الأرض كإنسان تعلم الكتاب والسنة وعمل ولم يدع ويعلم غيره , فاقتصر نفعه على نفسه.
3ـ ومن الأرض قيعان , لم تنبت كلأ ولا عشبا , كما أنها لم تمسك ماء , فهذه الأرض كإنسان تعلم الكتاب والسنة , ولم ينفع نفسه ولا غيره , ما عمل بالكتاب والسنة , وما دعا ولا علم.
يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه):
<< الناس ثلاثة: عالم رباني , ومتعلم على سبيل النجاة , وهمج رعاع أتباع كل ناعق , يميلون مع كل ريح , لم يستضيئوا بالكتاب والسنة.>>
[العلاقة بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة]
كلما كان الالتزام بنصوص الكتاب والسنة أكبر , كلما كان نزول الغيث النافع أكثر …
قال الله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}[الأعراف]
[التشابه بين الغيث وأمة محمد r ]
وأما عن التشابه بين الغيث وأمة محمد r فنجده في هذا الحديث :
أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول:
((مثل أمتي كالمطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره؟ ))
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما بلا اعوجاج , وجعله عصمة لمن تمسك به واعتمد عليه في الاحتجاج , وأوجب فيه مقاطعة أهل الشرك بإيضاح الشرعة والمنهاج , والصلاة والسلام على محمد الذي مزق الله ظلام الشرك بما معه من السراج , وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا الكفار وباينوهم من غير امتزاج .. ثم أما بعد …
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في كونهما سببا لحياة الموتى]
الأرض ينقطع عنها الغيث فتموت , فينزل الله عليها الغيث فتحيا بإذنه (جل في علاه ) …
قال الله تعالى:
{ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)}[النحل]
وقال أيضا:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}[فصلت]
والناس بدون منهج الله قرآنا وسنة موتى وإن كانوا يعيشون بين الأحياء …
قال الله تعالى:
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}[الأنعام]
وهذا هو السر في تسمية نصوص الوحي روحا …
قال الله تعالى:
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}[الشورى]
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في كونهما نازلين من السماء]
الغيث إذا نزل فإنما ينزل من السماء …
قال الله تعالى:
{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}[الواقعة]
ونصوص الوحي أيضا نزلت من السماء , جهة العلو حيث الرب العلي (سبحانه وتعالى ) …
قال الله تعالى:
{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)}[الدخان]
وكما هو القرآن منزل من عند الله , فالسنة منزلة من عند الله …
قال الله تعالى:
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}[النجم]
وقال أيضا:
{… وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}[النحل]
والذكر هو السنة كما يظهر لكل من تأمل الآية وتدبرها… وجهة العلو جهة شريفة ؛ لأنها جهة الإله العظيم ؛ لذلك فالشيطان لا يأتي للإنسان موسوسا له من هذه الجهة …
قال الله تعالى على لسان إبليس لعنه الله:
{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}[الأعراف]
فتأمل رعاك الله , فقد ذكر الشيطان الجهات كلها إلا جهة العلو , لا يتسلط من خلالها علن الإنسان ؛ ذلك أنها جهة الرب I.
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في التطهير]
لا شك أن ماء الغيث طاهر في نفسه مطهر لغيره …
قال الله تعالى:
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}[الأنفال]
بل هو لا يطهر الإنسان من القاذورات المادية وفقط , بل ويطهره من الذنوب والسيئات والخطايا …
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ):
(( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن , فغسل وجهه , خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا , وإذا غسل يديه , خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء , حتى يخرج نقيا من الذنوب. ))
وكذلك نصوص الكتاب والسنة تطهر الإنسان من الرجس والنجس والأمراض مادية كانت أو معنوية …
قال الله تعالى:
{… مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}[المائدة]
بل إن المؤمن لا ينجس , وكيف ينجس رجل جعل من الكتاب والسنة نبراسا لحياته …
والدليل على أن القرآن يطهر من الأمراض مادية كانت أو معنوية قول الله تعالى:
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}[الإسراء]
أخرج البخاريعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ :أَنَّهُ لَقِيَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ ، فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ، فَفَقَدَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جَاءَ قَالَ :
« أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ».
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتَنِى وَأَنَا جُنُبٌ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ فَقَالَ:
« سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ ».
أما الكافر والمشرك فنجس , لأنه معرض عن القرآن والسنة …
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}[التوبة]
[التشابه بين الغيث ونصوص القرآن والسنة في إثارة مشاعر الخوف والرجاء]
يوم ينزل الغيث أو قبيل نزوله , تكون مشاعر الإنسان خليطا بين الخوف والرجاء , خوف من عتمة الغيم وظلمته , خوفا من البرق وضوئه , والرعد وصوته , ورجاء وطمع في نزول هذا الغيث على الأرض فينتفع العباد , يزرعون ويشربون ويأكلون , ويسقون دوابهم ومواشيهم …
قال الله تعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}[الروم]
وكذلك نصوص القرآن والسنة لمن يقرأها , فيها خوف وفيها رجاء , فيها ترهيب وفيها ترغيب … فيها خوف وترهيب من النار , ورجاء ورغبة في دخول الجنة …
قال الله تعالى عن أنبيائه:
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}[الأنبياء]
وقال الله عن عباده المطيعين , والذين هم للمعصية تاركين …
{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}[السجدة]
وفي الإسلام يقدم الترغيب على الترهيب , ودليل هذا قوله تعالى:
{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}[الحجر]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في ضرورة التأمل والتدبر والاعتبار وعدم الغفلة فيهما]
إن نزول الغيث آية من آيات الله العظيمة لمن تأملها وتدبرها وتفحصها , ولم يكن عنها من الغافلين الساهين المعرضين …
قال الله تعالى:
{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)}[الفرقان]
وكذلك نصوص الكتاب والسنة كالغيث تحتاج إلى تأمل وتدبر وتفكر وترك للغفلة والإعراض …
قال الله تعالى عن ثلة كبيرة من بني آدم:
{ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}[الأنعام]
وقال أيضا:
{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}[الكهف]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في تحدي الله لعباده في الإتيان بالمثيل]
لقد تحدى الله عباده أن يأتوا ولو بسورة من مثل القرآن الكريم , فما استطاعوا ولن يستطيعوا …
قال الله تعالى:
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}[الإسراء]
وكذلك أشار رب العالمين أنه ليس بمقدور الناس إنشاء الغيوم وإنزال الغيث , فهذه أمور لا يقدر عليها سوى الله …
قال الله تعالى:
{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)}[لقمان]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في أنهما نعم تستوجب الشكر لله وحده لا شريك له]
لا شك أن الغيث نعمة عظيمة جدا , والنعم تستوجب شكر المنعم…
قال الله تعالى:
{ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)}[يس]
وكذلك نصوص القرآن والسنة نعمة تستوجب منا الشكر والحمد الدائمين لله الواحد القهار …
قال الله تعالى:
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}[البقرة]
لقد من الأعراب على الرسول r إسلامهم فانظر بماذا رد الله:
{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)}[الحجرات]
[التشابه بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة في تفاوت الانتفاع بهما]
هل الأرض على درجة واحدة بالانتفاع من الغيث النازل عليها؟
بالتأكيد لا , وكذلك الناس على تفاوت بالانتفاع بنصوص الكتاب والسنة …
أخرج البخاريعن أَبِي مُوسى t عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ، أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تَنْبتُ كَلأَ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ.))
والحديث ينص على التالي:
1ـ من الأرض ما هو طيب يقبل الماء, وينبت العشب والكل الكثير , وهذه الأرض تشبه الإنسان الذي تعلم الكتاب والسنة وعمل بهما وعلم ودعا.
2ـ ومن الأرض أجادب أراض صخرية, أمسكت الماء واحتفظت به فشرب الناس وزرعوا وسقوا مواشيهم , وهذه الأرض كإنسان تعلم الكتاب والسنة وعمل ولم يدع ويعلم غيره , فاقتصر نفعه على نفسه.
3ـ ومن الأرض قيعان , لم تنبت كلأ ولا عشبا , كما أنها لم تمسك ماء , فهذه الأرض كإنسان تعلم الكتاب والسنة , ولم ينفع نفسه ولا غيره , ما عمل بالكتاب والسنة , وما دعا ولا علم.
يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه):
<< الناس ثلاثة: عالم رباني , ومتعلم على سبيل النجاة , وهمج رعاع أتباع كل ناعق , يميلون مع كل ريح , لم يستضيئوا بالكتاب والسنة.>>
[العلاقة بين الغيث ونصوص الكتاب والسنة]
كلما كان الالتزام بنصوص الكتاب والسنة أكبر , كلما كان نزول الغيث النافع أكثر …
قال الله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}[الأعراف]
[التشابه بين الغيث وأمة محمد r ]
وأما عن التشابه بين الغيث وأمة محمد r فنجده في هذا الحديث :
أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول:
((مثل أمتي كالمطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره؟ ))
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم