أبو يونس العباسي
01-07-2012, 03:57 AM
[[آثار التمسك بالكتاب والسنة على الأمة]]
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما بلا اعوجاج , وجعله عصمة لمن تمسك به واعتمد عليه في الاحتجاج , وأوجب فيه مقاطعة أهل الشرك بإيضاح الشرعة والمنهاج , والصلاة والسلام على محمد الذي مزق الله ظلام الشرك بما معه من السراج , وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا الكفار وباينوهم من غير امتزاج .. ثم أما بعد …
[التمسك بالكتاب والسنة طريق العزة]
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)} [الأنبياء]
أتعلمون ما المقصود بقوله تعالى: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } , يعني: فيه عزكم وشرفكم وسؤددكم.
قال الفاروق ( رضي الله عنه ) :
<< نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله >>
[التمسك بالكتاب والسنة طريق الهداية]
أخرج مالك في موطئه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال:
((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه.))
فالحديث يبين أن النجاة من الضلالة لا تكون إلا بالتزام الكتاب والسنة , والنجاة من الضلالة هي بذاتها الهداية.
[التمسك بالكتاب والسنة طريق النجاة من فتن الحياة]
أخرج أبو داوود في سننه من حديث عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ :
«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ , وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ , وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ , فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ».
وجه الشاهد في الحديث أن قوله ( صلى الله عليه وسلم ): ((وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)) يصف وقت الفتن , ثم بين الواجب عمله في وقت الفتن عندما قال: ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) , وقد يتساءل البعض ما العلاقة بين التمسك بالسنة وبين البدع؟ فأقول:
إن البدع إنما تتولد وتنشأ عن قلة التمسك والتشبث بالكتاب والسنة.
[التمسك بالكتاب والسنة طريق للأمن والأمان]
قال الله تعالى:
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}[البقرة]
والخوف هو ما يؤرق الإنسان في المستقبل , والحزن هو ما يؤلمه من جروح الماضي , والنجاة من آلام الماضي , وهموم المستقبل تكون بالتمسك بالكتاب والسنة , وهذا معنى قولي: التمسك بالكتاب والسنة طريق للأمن والأمان.
بل إن النجاة من الشقاء الذي وقع الكثيرون من البشر فريسة له إنما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة …
قال الله تعالى:
{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)}[طه]
[التمسك بالكتاب والسنة طريق لرفقة أهل والإحسان]
قال الله تعالى:
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}
وإن مرافقة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هي مُنية من عاش معه من أصحابه , وهم الذين كحلوا عيونهم برؤياه , فما بالكم بأمثالنا ممن لم يره …
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
((كُنْتُ آتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : سَلْنِي ، فَقُلْتُ : مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، فَقَالَ : أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.))
[التمسك بالكتاب والسنة طريق للفوز بخيري الدنيا والآخرة]
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}[الأحزاب]
إن مقياس الفوز والخسارة عند الله , مختلف عما هو عليه عند البشر , فالفائز عند الله هو من دخل الجنة , ونجا من النار …
قال الله تعالى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران]
[التمسك بالكتاب والسنة طريق الرحمة]
الرحمة … ذلكم المفهوم العظيم , والذي لا يستغني عنه واحد منا , فنحن نحتاج الرحمة بين الزوجة وزوجها , بين الوالدين وابنائهم , بين المدرس والتلاميذ , بين الراعي والرعية , بين الشعب والمسؤولين , وهذه الرحمة من أعظم أسباب حصولها وانتشارها في المجتمع التمسك بالكتاب والسنة …
قال الله تعالى:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}[التوبة]
[التمسك بالكتاب والسنة طريق الوَحدة والنجاة من الفرقة]
قال الله تعالى:
{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}[الأنفال]
ولو ربطت بين قوله تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وبين قوله: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } لوصلت إلى حقيقة مفادها أن التمسك بالكتاب والسنة طريق الوحد والنجاة من الفرقة.
لما اختلف الصحابة في شأن غنائم بدر أمرهم الله بطاعته ورسوله , أتعلمون لماذا؟
لأن التمسك بالكتاب والسنة طريق الوحد والنجاة من الفرقة , والعرب ما عرفوا للوحدة طريق إلا بالدين إلا بالتمسك بالكتاب والسنة , فهل آن لنا أن نعي تجارب التاريخ ويقينيات القرآن والسنة …
قال الله تعالى:
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}[الأنفال]
[التمسك بالكتاب والسنة طري قبول الأعمال]
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)}[محمد]
إن العمل حتى يكون مقبولا عند الله يحتاج إلى شرطين:
1ـ الإخلاص لله رب العالمين …
قال الله تعالى:
{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)}[البينة]
2ـ متابعة النبي ( صلى الله عليه وسلم) …
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ):
((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي .)) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ .
[التمسك بالكتاب والسنة معا وسويا]
يخرج علينا بين الفينة والأخرى من يثرثر بضرورة التمسك بالقرآن دون السنة , وأن في الأول الكفاية , وقد أخطأ هذا لأن القرآن لا غنى له عن السنة , والدين قرآن وسنة معا وسويا , ولن يفترقا حتى يردا الحوض …
فالسنة كما القرآن منزَّلة من عند الله ( جل في علاه ) …
قال الله تعالى:
{… وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}[النساء]
قال الشافعي ( رحمه الله ) :
<< سمعت عددا من أهل العلم يقولون : الحكمة هي سنة النبي ( صلى الله عليه وسلم )>>
كما وأن السنة وحي متلو كالقرآن …
قال الله تعالى:
{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}[الأحزاب]
فقد جاءت الأحكام في القرآن مجملة وفصلها القرآن , فالله ( عز وجل ) أمرنا بالصلاة في القرآن , ولم يبين كيفيتها , ولا عدد ركعاتها … فكيف كنا سنصلي عندئذ لولا أن السنة فصلت ذلك …
قال الله تعالى:
{… وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}[النحل]
والمعنى:
وأنزلنا إليك يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذكر وهو السنة , لتبين للناس ما نزل إليهم , وهو القرآن الكريم.
والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا يخرج من فمه كلمة تتعلق بالدين إلا وقد أوحاها الله له …
قال الله تعالى:
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}[النجم]
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما بلا اعوجاج , وجعله عصمة لمن تمسك به واعتمد عليه في الاحتجاج , وأوجب فيه مقاطعة أهل الشرك بإيضاح الشرعة والمنهاج , والصلاة والسلام على محمد الذي مزق الله ظلام الشرك بما معه من السراج , وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا الكفار وباينوهم من غير امتزاج .. ثم أما بعد …
[التمسك بالكتاب والسنة طريق العزة]
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)} [الأنبياء]
أتعلمون ما المقصود بقوله تعالى: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } , يعني: فيه عزكم وشرفكم وسؤددكم.
قال الفاروق ( رضي الله عنه ) :
<< نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله >>
[التمسك بالكتاب والسنة طريق الهداية]
أخرج مالك في موطئه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال:
((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه.))
فالحديث يبين أن النجاة من الضلالة لا تكون إلا بالتزام الكتاب والسنة , والنجاة من الضلالة هي بذاتها الهداية.
[التمسك بالكتاب والسنة طريق النجاة من فتن الحياة]
أخرج أبو داوود في سننه من حديث عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ :
«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ , وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ , وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ , فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ».
وجه الشاهد في الحديث أن قوله ( صلى الله عليه وسلم ): ((وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)) يصف وقت الفتن , ثم بين الواجب عمله في وقت الفتن عندما قال: ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) , وقد يتساءل البعض ما العلاقة بين التمسك بالسنة وبين البدع؟ فأقول:
إن البدع إنما تتولد وتنشأ عن قلة التمسك والتشبث بالكتاب والسنة.
[التمسك بالكتاب والسنة طريق للأمن والأمان]
قال الله تعالى:
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}[البقرة]
والخوف هو ما يؤرق الإنسان في المستقبل , والحزن هو ما يؤلمه من جروح الماضي , والنجاة من آلام الماضي , وهموم المستقبل تكون بالتمسك بالكتاب والسنة , وهذا معنى قولي: التمسك بالكتاب والسنة طريق للأمن والأمان.
بل إن النجاة من الشقاء الذي وقع الكثيرون من البشر فريسة له إنما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة …
قال الله تعالى:
{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)}[طه]
[التمسك بالكتاب والسنة طريق لرفقة أهل والإحسان]
قال الله تعالى:
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}
وإن مرافقة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هي مُنية من عاش معه من أصحابه , وهم الذين كحلوا عيونهم برؤياه , فما بالكم بأمثالنا ممن لم يره …
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
((كُنْتُ آتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : سَلْنِي ، فَقُلْتُ : مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، فَقَالَ : أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.))
[التمسك بالكتاب والسنة طريق للفوز بخيري الدنيا والآخرة]
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}[الأحزاب]
إن مقياس الفوز والخسارة عند الله , مختلف عما هو عليه عند البشر , فالفائز عند الله هو من دخل الجنة , ونجا من النار …
قال الله تعالى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران]
[التمسك بالكتاب والسنة طريق الرحمة]
الرحمة … ذلكم المفهوم العظيم , والذي لا يستغني عنه واحد منا , فنحن نحتاج الرحمة بين الزوجة وزوجها , بين الوالدين وابنائهم , بين المدرس والتلاميذ , بين الراعي والرعية , بين الشعب والمسؤولين , وهذه الرحمة من أعظم أسباب حصولها وانتشارها في المجتمع التمسك بالكتاب والسنة …
قال الله تعالى:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}[التوبة]
[التمسك بالكتاب والسنة طريق الوَحدة والنجاة من الفرقة]
قال الله تعالى:
{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}[الأنفال]
ولو ربطت بين قوله تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وبين قوله: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } لوصلت إلى حقيقة مفادها أن التمسك بالكتاب والسنة طريق الوحد والنجاة من الفرقة.
لما اختلف الصحابة في شأن غنائم بدر أمرهم الله بطاعته ورسوله , أتعلمون لماذا؟
لأن التمسك بالكتاب والسنة طريق الوحد والنجاة من الفرقة , والعرب ما عرفوا للوحدة طريق إلا بالدين إلا بالتمسك بالكتاب والسنة , فهل آن لنا أن نعي تجارب التاريخ ويقينيات القرآن والسنة …
قال الله تعالى:
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}[الأنفال]
[التمسك بالكتاب والسنة طري قبول الأعمال]
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)}[محمد]
إن العمل حتى يكون مقبولا عند الله يحتاج إلى شرطين:
1ـ الإخلاص لله رب العالمين …
قال الله تعالى:
{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)}[البينة]
2ـ متابعة النبي ( صلى الله عليه وسلم) …
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ):
((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي .)) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ .
[التمسك بالكتاب والسنة معا وسويا]
يخرج علينا بين الفينة والأخرى من يثرثر بضرورة التمسك بالقرآن دون السنة , وأن في الأول الكفاية , وقد أخطأ هذا لأن القرآن لا غنى له عن السنة , والدين قرآن وسنة معا وسويا , ولن يفترقا حتى يردا الحوض …
فالسنة كما القرآن منزَّلة من عند الله ( جل في علاه ) …
قال الله تعالى:
{… وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}[النساء]
قال الشافعي ( رحمه الله ) :
<< سمعت عددا من أهل العلم يقولون : الحكمة هي سنة النبي ( صلى الله عليه وسلم )>>
كما وأن السنة وحي متلو كالقرآن …
قال الله تعالى:
{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}[الأحزاب]
فقد جاءت الأحكام في القرآن مجملة وفصلها القرآن , فالله ( عز وجل ) أمرنا بالصلاة في القرآن , ولم يبين كيفيتها , ولا عدد ركعاتها … فكيف كنا سنصلي عندئذ لولا أن السنة فصلت ذلك …
قال الله تعالى:
{… وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}[النحل]
والمعنى:
وأنزلنا إليك يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذكر وهو السنة , لتبين للناس ما نزل إليهم , وهو القرآن الكريم.
والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا يخرج من فمه كلمة تتعلق بالدين إلا وقد أوحاها الله له …
قال الله تعالى:
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}[النجم]
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.