أبو يونس العباسي
12-18-2011, 07:16 PM
[دوافع العمل والالتزام بشريعة الرحيم الرحمن]
الحمد الذي يجزي بالقليل الكثير , ويغفر لمن عصى وأذنب الذنب الكبير , وأشهد أن إله إلا الله جل جلال الله العليم القدير , وأصلي وأسلم على محمد (صلى الله عليه وسلم) نعم النبي ونعم الأمير , اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه قدموا الآخرة على الياقوت والمرجان والحرير , ثم أما بعد …
[بين سائق وشاب ملتزم]
كان السائق قد أشعل سيجارة وأراد أن يدخنها , فاعترض عليه الملتزم وأمره بإطفائها , مذكرا له بالآيات والأحاديث التي تحرم التدخين , وأردف الشاب الملتزم قائلا للسائق: أما علمت بأنه صدر قانون عندنا في غزة يحظر التدخين في السيارات والأماكن العامة!!! , فقال السائق للشاب الملتزم: اعلم أنني ما رميت السيجارة من أجل القانون , ولكن من أجل النصوص الشرعية التي ذكرتها , كما وإنني سمعت من شيخ في بلدتنا بأن الإنسان يؤجر يوم ينقاد لنصوص الشرع , بينما لا يؤجر عندما ينقاد للقانون …
هذا الحوار دار أمامي , فدفعني للحديث حول موضوع هذا المقال ألا وهو: دوافع العمل والالتزام بشريعة الرحيم الرحمن.
[المقصود بالدافع]
الدافع هو: الشيء الذي يجعلك متحمسا لفعل شيء ما أو تركه.
فمثلا:أنت عندما تأكل يدفعك إلى ذلك الجوع , والطالب الذي يجد ويثابر في دراسته يدفعه إلى ذلك رغبته في الحصول على أعلى الدرجات , وأفضل العلامات , فما الذي يدفعنا لطاعة الله وترك معاصيه؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
[الحب وعلاقته بالالتزام بمنهج الله]
من الدوافع التي تدفع الإنسان للالتزام بمنهج الله دافع الحب , فنحن نطيع الله ولا نعصيه , ونتبع نبيه r يدفعنا في ذلك حبنا لله U …
قال الله تعالى:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}[آل عمران]
بل إننا لا نلتزم بالفرائض , ونطبق النوافل إلا حبا في الله الذي خلقنا ورزقنا …
أخرج البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بشيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ التي يَمْشِى بَهَا وَلَئِنْ سألني عَبْدِى أَعْطَيْتُهُ ، وَلَئِنِ استعاذني لأُعِيذَنَّهُ ».
وإن رجلا يزعم حب الله ثم هو يعصيه ولا يلتزم طاعته , فحبه لله كاذب كاذب كاذب …
قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع.
[الخوف وعلاقته بالالتزام بمنهج الله]
من الدوافع التي تدفع الإنسان للالتزام بمنهج الله دافع الخوف , وبهذا تعرف السر في ذكر الله لجهنم والنار والعذاب والعقاب وسقر مرارا وتكرارا , لقد أكثر الله من ذكر جهنم في القرآن لتمتلئ قلوبنا منه خوفا , فيدفعنا ذلك لالتزام أوامره , واجتناب نواهيه …
قال الله تعالى:
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)}[الملك]
ومع كثرة الآيات التي يخوفنا الله بها من جهنم والنار , إلا أن كثيرا منا لا يخافون , ولا يعتبرون , ولا يتعظون , وللمعصية يفعلون , وللطاعة هم تاركون …
قال الله تعالى:
{… وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}[الإسراء]
[المقصود بالرجاء وعلاقته بالالتزام بمنهج الله]
الرجاء هو: الرغبة فيما عند الله من ثواب وجنان ونعيم مقيم.
قال الله تعالى:
{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}[الزمر]
ويعتبر الرجاء دافعا من دوافع الأعمال , إذ يحث الرجاء صاحبه لفعل الطاعات وترك المنكرات …
قال الله تعالى:
{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}[الزخرف]
[الحب والخوف والرجاء وأثرها في دخول الجنة والنجاة من النار]
إن الإنسان لن يدخل الجنان وينجو من النيران إلا يوم تتوفر عنده الدوافع الثلاثة الخوف والحب والرجاء , لا يغني أحدها عن الآخر , وهذا هو ديدن الأنبياء , والمرسلين …
قال الله تعالى عن الأنبياء والمرسلين:
{… إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}[الأنبياء]
قال ابن القيم (رحمه الله):
<< القلب في سيره إلى الله عز و جل بمنزلة الطائر , فالمحبة رأسه , والخوف والرجاء جناحاه , فمتى سلم الرأس والجناحان , فالطير جيد الطيران , ومتى قطع الرأس مات الطائر , ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر , ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء , وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناج الخوف , هذه طريقة أبي سليمان وغيره , وقال غيره : أكمل الأحوال : اعتدال الرجاء والخوف , وغلبة الحب فالمحبة هي المركب , والرجاء حاد , والخوف سائق , والله الموصل بمنه وكرمه .>>
[كيف نبدأ بدعوة الناس , هل نبدأ الدعوة باستثارة دافع الخوف أم دافع الرجاء؟]
بل نبدأ دعوة الناس باستثارة دافع الرجاء , فإذا لم يجد نفعا دعوناهم باستثارة دافع الخوف , وهذا هو الغالب من منهج القرآن في الدعوة , الترغيب ثم الترهيب …
قال الله تعالى:
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}[الحجر]
[العلاقة بين الدافع والحاجة]
إن الدافع إنما يتولد عن حاجة , والحاجة إنما تتولد عند الشعور بالنقص في شيء من الأشياء , والحاجة هي أم الاختراع كما يقولون.
وعليه:
فلماذا نعبد الله ؟ لماذا نطيعه؟ لماذا نترك معصيته؟ لماذا نتوجه إليه؟ لماذا ندعوه… ؟
إننا نفعل ذلك كله لأننا بحاجة إليه , فقراء إلى ذاته الكريمة , لا غنى لنا عنه طرفة عين (سبحانه وتعالى) …
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}[فاطر]
أخرج مسلم عنْ أَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ :
« إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا , يَا عِبَادِى إِنَّكُمُ الَّذِينَ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا الَّذِى أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِى فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ , يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ , يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ , يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا , يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا , يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ اجْتَمَعُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى ثُمَّ أَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا , إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ يُغْمَسَ فِيهِ الْمِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً , يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أَحْفَظُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
[لماذا يبتلينا الله تعالى؟]
يبتلينا الله لحكم كثيرة منها: إظهار حاجتنا إليه وفقرنا له , وتضرعنا ومسكنتنا إليه ( جل جلاله ) …
قال الله تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[البقرة]
وقال أيضا:
{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}[الأنعام]
[كيف ننمي دافع الحب لنكون أكثر جدا واجتهادا في فعل الطاعة وترك المعصية؟]
- يستطيع المسلم تنمية دافع الحب ليكون أكثر جدا واجتهادا في فعل الطاعة وترك المعصية عندما يتذكر نعم الله ويعددها ويتخيل حاله بدونها , وهذا هو السر الذي أكثر الله من أجله الحديث عن نعمه علينا …
قال الله تعالى:
{… وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)}[لقمان]
وقال أيضا:
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}[النحل]
وقال أيضا:
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)}[النحل]
- وينمي المسلم دافع الحب لربه عندما يتفكر في مخلوقاته وآلائه …
قال الله تعالى:
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)}[فصلت]
وقال أيضا:
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}[العنكبوت]
[كيف ننمي دافع الخوف لنكون أكثر جدا واجتهادا في فعل الطاعة وترك المعصية؟]
- يستطيع المرء تنمية دافع الخوف بالتأمل في آيات العذاب في القرآن وقصص المعَذبين , كما ويحسن التدبر في الأحاديث التي تناولت هذا الموضوع…
قال الله تعالى:
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}[العنكبوت]
- وينمي الإنسان دافع الخوف بالنظر في الزلازل والبراكين والأعاصير والحرائق التي تحدث حوله والتي تخطف أرواح الملايين …
قال الله تعالى:
{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}[الزخرف]
- ينمي المرء دافع الخوف بتذكر الموت وتأمل حال الموتى …
أخرج الترمذي عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ )) يَعْنِي : المَوْتَ .
عن بُرَيْدَة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُوروها )) رواه مسلم .
وفي رواية : (( فَمَنْ أرَادَ أنْ يَزُورَ القُبُورَ فَلْيَزُرْ ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُنَا الآخِرَةَ )) .
[علامات قسوة القلب]
إن القلب القاس هو الذي لا يدفعه خوف ولا رجاء ولا حب للعمل بطاعة الله وترك معاصيه …
قال الله تعالى:
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}[الزمر]
[كيف يكون التعامل مع قساة القلوب في ضوء منهج الله؟]
إن الإنسان الذي لا يدفعه حب ولا رجاء ولا خوف لفعل الطاعات وترك المنكرات لا بد من أطره على الحق أطرا …
أخرج الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
((إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ,كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ , فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ , فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ , ثُمَّ قَالَ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ثُمَّ قَالَ:كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ , وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا.))
قال عثمان t:
<< إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.>>
ولذلك شرع الله الحدود والتعازير , فقوام هذا الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر …
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}[الحديد]
والحمد لله , وصلى الله وسلم على رسول الله , وآله وصحبه ومن والاه.
الحمد الذي يجزي بالقليل الكثير , ويغفر لمن عصى وأذنب الذنب الكبير , وأشهد أن إله إلا الله جل جلال الله العليم القدير , وأصلي وأسلم على محمد (صلى الله عليه وسلم) نعم النبي ونعم الأمير , اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه قدموا الآخرة على الياقوت والمرجان والحرير , ثم أما بعد …
[بين سائق وشاب ملتزم]
كان السائق قد أشعل سيجارة وأراد أن يدخنها , فاعترض عليه الملتزم وأمره بإطفائها , مذكرا له بالآيات والأحاديث التي تحرم التدخين , وأردف الشاب الملتزم قائلا للسائق: أما علمت بأنه صدر قانون عندنا في غزة يحظر التدخين في السيارات والأماكن العامة!!! , فقال السائق للشاب الملتزم: اعلم أنني ما رميت السيجارة من أجل القانون , ولكن من أجل النصوص الشرعية التي ذكرتها , كما وإنني سمعت من شيخ في بلدتنا بأن الإنسان يؤجر يوم ينقاد لنصوص الشرع , بينما لا يؤجر عندما ينقاد للقانون …
هذا الحوار دار أمامي , فدفعني للحديث حول موضوع هذا المقال ألا وهو: دوافع العمل والالتزام بشريعة الرحيم الرحمن.
[المقصود بالدافع]
الدافع هو: الشيء الذي يجعلك متحمسا لفعل شيء ما أو تركه.
فمثلا:أنت عندما تأكل يدفعك إلى ذلك الجوع , والطالب الذي يجد ويثابر في دراسته يدفعه إلى ذلك رغبته في الحصول على أعلى الدرجات , وأفضل العلامات , فما الذي يدفعنا لطاعة الله وترك معاصيه؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
[الحب وعلاقته بالالتزام بمنهج الله]
من الدوافع التي تدفع الإنسان للالتزام بمنهج الله دافع الحب , فنحن نطيع الله ولا نعصيه , ونتبع نبيه r يدفعنا في ذلك حبنا لله U …
قال الله تعالى:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}[آل عمران]
بل إننا لا نلتزم بالفرائض , ونطبق النوافل إلا حبا في الله الذي خلقنا ورزقنا …
أخرج البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بشيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ التي يَمْشِى بَهَا وَلَئِنْ سألني عَبْدِى أَعْطَيْتُهُ ، وَلَئِنِ استعاذني لأُعِيذَنَّهُ ».
وإن رجلا يزعم حب الله ثم هو يعصيه ولا يلتزم طاعته , فحبه لله كاذب كاذب كاذب …
قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع.
[الخوف وعلاقته بالالتزام بمنهج الله]
من الدوافع التي تدفع الإنسان للالتزام بمنهج الله دافع الخوف , وبهذا تعرف السر في ذكر الله لجهنم والنار والعذاب والعقاب وسقر مرارا وتكرارا , لقد أكثر الله من ذكر جهنم في القرآن لتمتلئ قلوبنا منه خوفا , فيدفعنا ذلك لالتزام أوامره , واجتناب نواهيه …
قال الله تعالى:
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)}[الملك]
ومع كثرة الآيات التي يخوفنا الله بها من جهنم والنار , إلا أن كثيرا منا لا يخافون , ولا يعتبرون , ولا يتعظون , وللمعصية يفعلون , وللطاعة هم تاركون …
قال الله تعالى:
{… وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}[الإسراء]
[المقصود بالرجاء وعلاقته بالالتزام بمنهج الله]
الرجاء هو: الرغبة فيما عند الله من ثواب وجنان ونعيم مقيم.
قال الله تعالى:
{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}[الزمر]
ويعتبر الرجاء دافعا من دوافع الأعمال , إذ يحث الرجاء صاحبه لفعل الطاعات وترك المنكرات …
قال الله تعالى:
{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}[الزخرف]
[الحب والخوف والرجاء وأثرها في دخول الجنة والنجاة من النار]
إن الإنسان لن يدخل الجنان وينجو من النيران إلا يوم تتوفر عنده الدوافع الثلاثة الخوف والحب والرجاء , لا يغني أحدها عن الآخر , وهذا هو ديدن الأنبياء , والمرسلين …
قال الله تعالى عن الأنبياء والمرسلين:
{… إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}[الأنبياء]
قال ابن القيم (رحمه الله):
<< القلب في سيره إلى الله عز و جل بمنزلة الطائر , فالمحبة رأسه , والخوف والرجاء جناحاه , فمتى سلم الرأس والجناحان , فالطير جيد الطيران , ومتى قطع الرأس مات الطائر , ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر , ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء , وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناج الخوف , هذه طريقة أبي سليمان وغيره , وقال غيره : أكمل الأحوال : اعتدال الرجاء والخوف , وغلبة الحب فالمحبة هي المركب , والرجاء حاد , والخوف سائق , والله الموصل بمنه وكرمه .>>
[كيف نبدأ بدعوة الناس , هل نبدأ الدعوة باستثارة دافع الخوف أم دافع الرجاء؟]
بل نبدأ دعوة الناس باستثارة دافع الرجاء , فإذا لم يجد نفعا دعوناهم باستثارة دافع الخوف , وهذا هو الغالب من منهج القرآن في الدعوة , الترغيب ثم الترهيب …
قال الله تعالى:
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}[الحجر]
[العلاقة بين الدافع والحاجة]
إن الدافع إنما يتولد عن حاجة , والحاجة إنما تتولد عند الشعور بالنقص في شيء من الأشياء , والحاجة هي أم الاختراع كما يقولون.
وعليه:
فلماذا نعبد الله ؟ لماذا نطيعه؟ لماذا نترك معصيته؟ لماذا نتوجه إليه؟ لماذا ندعوه… ؟
إننا نفعل ذلك كله لأننا بحاجة إليه , فقراء إلى ذاته الكريمة , لا غنى لنا عنه طرفة عين (سبحانه وتعالى) …
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}[فاطر]
أخرج مسلم عنْ أَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ :
« إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا , يَا عِبَادِى إِنَّكُمُ الَّذِينَ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا الَّذِى أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِى فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ , يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ , يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ , يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا , يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا , يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ اجْتَمَعُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى ثُمَّ أَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا , إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ يُغْمَسَ فِيهِ الْمِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً , يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أَحْفَظُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
[لماذا يبتلينا الله تعالى؟]
يبتلينا الله لحكم كثيرة منها: إظهار حاجتنا إليه وفقرنا له , وتضرعنا ومسكنتنا إليه ( جل جلاله ) …
قال الله تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[البقرة]
وقال أيضا:
{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}[الأنعام]
[كيف ننمي دافع الحب لنكون أكثر جدا واجتهادا في فعل الطاعة وترك المعصية؟]
- يستطيع المسلم تنمية دافع الحب ليكون أكثر جدا واجتهادا في فعل الطاعة وترك المعصية عندما يتذكر نعم الله ويعددها ويتخيل حاله بدونها , وهذا هو السر الذي أكثر الله من أجله الحديث عن نعمه علينا …
قال الله تعالى:
{… وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)}[لقمان]
وقال أيضا:
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}[النحل]
وقال أيضا:
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)}[النحل]
- وينمي المسلم دافع الحب لربه عندما يتفكر في مخلوقاته وآلائه …
قال الله تعالى:
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)}[فصلت]
وقال أيضا:
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}[العنكبوت]
[كيف ننمي دافع الخوف لنكون أكثر جدا واجتهادا في فعل الطاعة وترك المعصية؟]
- يستطيع المرء تنمية دافع الخوف بالتأمل في آيات العذاب في القرآن وقصص المعَذبين , كما ويحسن التدبر في الأحاديث التي تناولت هذا الموضوع…
قال الله تعالى:
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}[العنكبوت]
- وينمي الإنسان دافع الخوف بالنظر في الزلازل والبراكين والأعاصير والحرائق التي تحدث حوله والتي تخطف أرواح الملايين …
قال الله تعالى:
{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}[الزخرف]
- ينمي المرء دافع الخوف بتذكر الموت وتأمل حال الموتى …
أخرج الترمذي عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ )) يَعْنِي : المَوْتَ .
عن بُرَيْدَة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُوروها )) رواه مسلم .
وفي رواية : (( فَمَنْ أرَادَ أنْ يَزُورَ القُبُورَ فَلْيَزُرْ ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُنَا الآخِرَةَ )) .
[علامات قسوة القلب]
إن القلب القاس هو الذي لا يدفعه خوف ولا رجاء ولا حب للعمل بطاعة الله وترك معاصيه …
قال الله تعالى:
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}[الزمر]
[كيف يكون التعامل مع قساة القلوب في ضوء منهج الله؟]
إن الإنسان الذي لا يدفعه حب ولا رجاء ولا خوف لفعل الطاعات وترك المنكرات لا بد من أطره على الحق أطرا …
أخرج الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
((إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ,كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ , فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ , فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ , ثُمَّ قَالَ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ثُمَّ قَالَ:كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ , وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا.))
قال عثمان t:
<< إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.>>
ولذلك شرع الله الحدود والتعازير , فقوام هذا الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر …
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}[الحديد]
والحمد لله , وصلى الله وسلم على رسول الله , وآله وصحبه ومن والاه.