من هناك
07-04-2011, 02:57 PM
الاحد 03 يوليو 2011
http://38.121.76.242/memoadmin/media/Spain/version4_6816_340_309_.jpg
أم عبد الرحمن محمد يوسف
ها هو رمضان قد اقترب أختي الفتاة، وتتساءل كل واحدة:
ـ أريد أن أدخل رمضان، وأنا أبغي الاستفادة منه الاستفادة القصوى، ولكن لا أعرف الطريق الصحيح لذلك.
أختي الفتاة:
إن رمضان مثله كمثل المياه الصافية التي تغسل الملابس من الأدران، فتصبح نظيفة ذات رائحة جميلة، كذلك فإن رمضان يغسل الإنسان من الذنوب والمعاصي، فلذلك فإن لم تسارع الفتاة إلى التوبة إلى الله عز وجل قبل رمضان، سيأتي عليها رمضان دون أن تحقق الاستفادة الحقيقية من هذا الشهر الكريم.
التوبة النصوح أولًا:
حتى تستعدي لرمضان من الآن عليكِ أن تبدأي أولًا بالتوبة إلى الله عز وجل، فإن التوبة تمحو ما قبلها بل إنها تقلب السيئات إلى حسنات.
ألا تعرفي خبر الرجل الذي قتل مائة نفس ثم غفر الله تبارك وتعالى له بمجرد أن هذا العبد نوى التوبة والرجوع إلى الله عز وجل، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض؛ فدُل على راهب، فأتاه، فقال: إني قتلت تسعة وتسعين نفسًا، فهل لي من توبة؟ فقال: لا، فقتله؛ فكمل به مائة.
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض؛ فدُل على رجل عالم، فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال العالم: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء.
فانطلق، حتى إذا نَصفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط.
فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد؛ فقبضته ملائكة الرحمة ))قال قتادة: فقال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت؛ نأى بصدره ـ أي: استدار بصدره ـ جهة أرض الخير[رواه مسلم].
وعليكِ أن تعلمي جيدًا أن من صفات المتقين الذين يدخلون الجنة أنهم يفعلون الذنوب والمعاصي، بل ربما يفعلون الفواحش ولكنهم سرعان ما يتوبون إلى الله عز وجل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
(والفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها، ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها من رحمة الله، ولا تجعلهم في ذيل القافلة، قافلة المؤمنين، إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة، مرتبة المتقين، على شرط واحد، شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته، أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم، وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء، وبعبارة أخرى: أن يكونوا في إطار العبودية لله والاستسلام له في النهاية؛ فيظلوا في كنف الله، وفي محيط عفوه، ورحمته، وفضله.
إن هذا الدين ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري, الذي تهبط به ثقلة الجسد أحيانًا إلى درك الفاحشة، وتهيج به فورة اللحم والدم؛ فينزو نزوة الحيوان في حُمَّى الشهوة، وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته, إلى المخالفة عن أمر الله في حُّمَّى الاندفاع.
يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه، ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه، حين يرتكب الفاحشة، المعصية الكبيرة، وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفىء، وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف، وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل، وأنه يعرف أنه عبد يخطىء، وأن له ربًا يغفر) [في ظلال القرآن، سيد قطب (1/ 467)].
الهدى والشفاء ثانيًا:
هل تعرفي أختاه ما هو الهدى والشفاء؟ إنه كتاب الله تبارك وتعالى الذي لا هو الدواء الشافي لأمراض القلوب، والذي يطهر القلب بل ويجعل الإنسان يقترب أكثر من الله عز وجل.
وهناك قصة عظيمة يمكن من خلالها أن نعرف فضل هذا القرآن العظيم، يقول الدكتور عبد الحميد البلالي: (إنه رجل ذو منصب عال، في مؤسسة من أكبر مؤسسات الدولة، والمال ينبع من بين يديه ومن خلفه، ومع كل ذلك فلِمَ هذا الضيق الشديد الدائم؟!
جاءني بتواضع جم إلى مكتبي، وقرب مني، وخفض صوته كي لا يسمعه أحد، قائلًا: أحس بضيق شديد في صدري، وبذلت كل شيء في تشتيته فلم أستطع، فالسفر إلى أجمل بقاع العالم، وسماع الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، وشراء ما تلذ به الأعين والأنفس لم يفعل شيئًا في إزالة هذا الضيق، فقد يزيله مؤقتًا، ولكن لا يلبث أن يعود بسرعة لأي خبر سيئ أسمعه، أو تعامل لا يعجبني، فبالله عليك ماذا أفعل؟!
قلت له: هل تقرأ القرآن؟
قال: لا.
قلت: هل تذهب إلى المسجد؟
قال: لا.
قلت: لقد جربت سماع الأغاني والموسيقى الكلاسيكية، وزيارة أطباء النفس، والسفر، وغيرها من الأمور فلم يغير من هذا الضيق شيئًا، بل إنه ازداد يومًا بعد يوم، فهلا جربت ما أقول لك؟
قال لي: لا أعدك بالصلاة في المسجد أو الصلاة، ولكنني أستطيع أن أبدأ بما هو سهل علي وهو قراءة القرآن.
غادرني صاحبي شاكرًا للنصيحة، ثم عاد في اليوم الثاني مهلل الوجه، مبتسمًا ابتسامة جعلت وجهه كله يبتسم.
قلت له: بشر، ما الخبر؟!
قال: ذهبت للبيت وتوضأت، ثم فتحت القرآن وابتدأت بالقراءة في الصفحة الأولى، وما زالت الضيقة لم تغادرني، فزدت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وأنا أحس بأن جبلًا ضخمًا بدأ ينزاح رويدًا رويدًا عن صدري، حتى تسلل الفرح إلى داخلي، وشعرت براحة وطمأنينة لم أشعر بها طيلة حياتي، فقمت وصليت ركعتين لله) [رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(21-22)].
الخير كل الخير في كتاب الله:
كان مالك بن دينار يقول: (ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض)[حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/374)].
لقد أدرك مالك بن دينار رحمه الله عظمة القرآن العظيم، وعرف أثره البالغ في غرس الإيمان، فشبَّهه بالغيث الذي لا ينزل بأرض إلا حلَّت بها البركة، وفاضت عليها النعمة، ونضجت فيها الثمرة، وهكذا القرآن مع قلب المؤمن، كالغيث مع الأرض، فإذا نزل بقلبه حلَّت البركة في رزقه ووقته وسكنت الهداية قلبه، وانشرح الصدر ودخل النور، وذهب الهمُّ وجاء البشر والسرور، وتنزلت السكينة والرحمة، وزادت الإرادة والهمة.
ولقد منَّ الله تعالى على نبيه بهذا القرآن العظيم، فقال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: ٨٧ – ٨٨].
(يقول تعالى لنبيه: كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرن إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنًا عليهم في تكذيبهم لك، ومخالفتهم دينك) [تفسير ابن كثير، (4/546)]، وكانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه رَوحك في السماء وذكر لك في الأرض) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (555)].
نهر الخيرات:
إن القرآن نهر الخيرات وبحر البركات وغيث العطايات والهبات، تحسين ببرد عطاياه في قلبكِ، وفي علاقتكِ بربكِ، وفي تيسير أموركِ، وفي تثبيتكِ في مواقف حياتك، وفي السكينة الجميلة التي تتنزل عليكِ، وفي البركة التي تلمسيها في الأوقات والأرزاق والصحة، وفي حفظ الله لكِ، وفي رفع قدركِ في الدنيا، والهيبة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلوب الخلق لكِ، فيعظِّمون ما بصدركِ، ويقدِّرون ما تحمليه بين جنبيك.
ويوم القيامة يفيض القرآن عليكِ بخيرات أكبر وفضائل أكثر؛ فيثبت لسانكِ وقت السكرات، ويحفظكِ من عذاب القبر، ويرفع درجاتك لترتقي به في أعلى المنازل عند ربك، فيسكنك بمنزل عالٍ بجوار أصحاب المنازل العالية، وبالقربِ من صاحب أعلى منزلة وأعظم قدر وأشرف مكانة، الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن زادكِ أختي الفتاة للاستعداد لرمضان، بل هو زادكِ في حياتكِ كلِها، هو زادكِ بعد مماتك، هو أنيسك في قبرك، وشفيعكِ يوم لقاء ربك، هو الحبل الذي يصلكِ بربك في كل وقت وفي كل حين، فإذا أردتِ أن تناجيه في أي زمان وفي أي مكان؛ عليكِ فقط أن تقرأي القرآن.
ماذا بعد الكلام؟
ـ لكي تحققي أختي الفتاة الاستفادة القصوى من رمضان عليكِ بالرجوع والتوبة إلى الله تبارك وتعالى، وتخفف من حِمل الذنوب والمعاصي التي تُثقل من كاهِلِك، وإن التوبة لن تأخذ منكِ سوى خمس دقائق، ما عليك فقط أن تتذكري الذنوب التي فعلتيها في حق الله تعالى، ثم تنوي التوبة منها، ثم تستغفري الله تبارك وتعالى.
ـ حافظي على قراءة القرآن في شهر شعبان، واستعدي لرمضان بكثرة قراءة القرآن، فاجعلي لكِ وردًا ثابتًا من كتاب الله يوميًا.
المصادر:
· رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي.
· تفسير ابن كثير.
· حلية الأولياء، أبو نعيم.
· في ظلال القرآن، سيد قطب.
http://38.121.76.242/memoadmin/media/Spain/version4_6816_340_309_.jpg
أم عبد الرحمن محمد يوسف
ها هو رمضان قد اقترب أختي الفتاة، وتتساءل كل واحدة:
ـ أريد أن أدخل رمضان، وأنا أبغي الاستفادة منه الاستفادة القصوى، ولكن لا أعرف الطريق الصحيح لذلك.
أختي الفتاة:
إن رمضان مثله كمثل المياه الصافية التي تغسل الملابس من الأدران، فتصبح نظيفة ذات رائحة جميلة، كذلك فإن رمضان يغسل الإنسان من الذنوب والمعاصي، فلذلك فإن لم تسارع الفتاة إلى التوبة إلى الله عز وجل قبل رمضان، سيأتي عليها رمضان دون أن تحقق الاستفادة الحقيقية من هذا الشهر الكريم.
التوبة النصوح أولًا:
حتى تستعدي لرمضان من الآن عليكِ أن تبدأي أولًا بالتوبة إلى الله عز وجل، فإن التوبة تمحو ما قبلها بل إنها تقلب السيئات إلى حسنات.
ألا تعرفي خبر الرجل الذي قتل مائة نفس ثم غفر الله تبارك وتعالى له بمجرد أن هذا العبد نوى التوبة والرجوع إلى الله عز وجل، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض؛ فدُل على راهب، فأتاه، فقال: إني قتلت تسعة وتسعين نفسًا، فهل لي من توبة؟ فقال: لا، فقتله؛ فكمل به مائة.
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض؛ فدُل على رجل عالم، فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال العالم: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء.
فانطلق، حتى إذا نَصفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط.
فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد؛ فقبضته ملائكة الرحمة ))قال قتادة: فقال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت؛ نأى بصدره ـ أي: استدار بصدره ـ جهة أرض الخير[رواه مسلم].
وعليكِ أن تعلمي جيدًا أن من صفات المتقين الذين يدخلون الجنة أنهم يفعلون الذنوب والمعاصي، بل ربما يفعلون الفواحش ولكنهم سرعان ما يتوبون إلى الله عز وجل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
(والفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها، ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها من رحمة الله، ولا تجعلهم في ذيل القافلة، قافلة المؤمنين، إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة، مرتبة المتقين، على شرط واحد، شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته، أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم، وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء، وبعبارة أخرى: أن يكونوا في إطار العبودية لله والاستسلام له في النهاية؛ فيظلوا في كنف الله، وفي محيط عفوه، ورحمته، وفضله.
إن هذا الدين ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري, الذي تهبط به ثقلة الجسد أحيانًا إلى درك الفاحشة، وتهيج به فورة اللحم والدم؛ فينزو نزوة الحيوان في حُمَّى الشهوة، وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته, إلى المخالفة عن أمر الله في حُّمَّى الاندفاع.
يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه، ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه، حين يرتكب الفاحشة، المعصية الكبيرة، وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفىء، وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف، وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل، وأنه يعرف أنه عبد يخطىء، وأن له ربًا يغفر) [في ظلال القرآن، سيد قطب (1/ 467)].
الهدى والشفاء ثانيًا:
هل تعرفي أختاه ما هو الهدى والشفاء؟ إنه كتاب الله تبارك وتعالى الذي لا هو الدواء الشافي لأمراض القلوب، والذي يطهر القلب بل ويجعل الإنسان يقترب أكثر من الله عز وجل.
وهناك قصة عظيمة يمكن من خلالها أن نعرف فضل هذا القرآن العظيم، يقول الدكتور عبد الحميد البلالي: (إنه رجل ذو منصب عال، في مؤسسة من أكبر مؤسسات الدولة، والمال ينبع من بين يديه ومن خلفه، ومع كل ذلك فلِمَ هذا الضيق الشديد الدائم؟!
جاءني بتواضع جم إلى مكتبي، وقرب مني، وخفض صوته كي لا يسمعه أحد، قائلًا: أحس بضيق شديد في صدري، وبذلت كل شيء في تشتيته فلم أستطع، فالسفر إلى أجمل بقاع العالم، وسماع الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، وشراء ما تلذ به الأعين والأنفس لم يفعل شيئًا في إزالة هذا الضيق، فقد يزيله مؤقتًا، ولكن لا يلبث أن يعود بسرعة لأي خبر سيئ أسمعه، أو تعامل لا يعجبني، فبالله عليك ماذا أفعل؟!
قلت له: هل تقرأ القرآن؟
قال: لا.
قلت: هل تذهب إلى المسجد؟
قال: لا.
قلت: لقد جربت سماع الأغاني والموسيقى الكلاسيكية، وزيارة أطباء النفس، والسفر، وغيرها من الأمور فلم يغير من هذا الضيق شيئًا، بل إنه ازداد يومًا بعد يوم، فهلا جربت ما أقول لك؟
قال لي: لا أعدك بالصلاة في المسجد أو الصلاة، ولكنني أستطيع أن أبدأ بما هو سهل علي وهو قراءة القرآن.
غادرني صاحبي شاكرًا للنصيحة، ثم عاد في اليوم الثاني مهلل الوجه، مبتسمًا ابتسامة جعلت وجهه كله يبتسم.
قلت له: بشر، ما الخبر؟!
قال: ذهبت للبيت وتوضأت، ثم فتحت القرآن وابتدأت بالقراءة في الصفحة الأولى، وما زالت الضيقة لم تغادرني، فزدت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وأنا أحس بأن جبلًا ضخمًا بدأ ينزاح رويدًا رويدًا عن صدري، حتى تسلل الفرح إلى داخلي، وشعرت براحة وطمأنينة لم أشعر بها طيلة حياتي، فقمت وصليت ركعتين لله) [رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(21-22)].
الخير كل الخير في كتاب الله:
كان مالك بن دينار يقول: (ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض)[حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/374)].
لقد أدرك مالك بن دينار رحمه الله عظمة القرآن العظيم، وعرف أثره البالغ في غرس الإيمان، فشبَّهه بالغيث الذي لا ينزل بأرض إلا حلَّت بها البركة، وفاضت عليها النعمة، ونضجت فيها الثمرة، وهكذا القرآن مع قلب المؤمن، كالغيث مع الأرض، فإذا نزل بقلبه حلَّت البركة في رزقه ووقته وسكنت الهداية قلبه، وانشرح الصدر ودخل النور، وذهب الهمُّ وجاء البشر والسرور، وتنزلت السكينة والرحمة، وزادت الإرادة والهمة.
ولقد منَّ الله تعالى على نبيه بهذا القرآن العظيم، فقال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: ٨٧ – ٨٨].
(يقول تعالى لنبيه: كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرن إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنًا عليهم في تكذيبهم لك، ومخالفتهم دينك) [تفسير ابن كثير، (4/546)]، وكانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه رَوحك في السماء وذكر لك في الأرض) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (555)].
نهر الخيرات:
إن القرآن نهر الخيرات وبحر البركات وغيث العطايات والهبات، تحسين ببرد عطاياه في قلبكِ، وفي علاقتكِ بربكِ، وفي تيسير أموركِ، وفي تثبيتكِ في مواقف حياتك، وفي السكينة الجميلة التي تتنزل عليكِ، وفي البركة التي تلمسيها في الأوقات والأرزاق والصحة، وفي حفظ الله لكِ، وفي رفع قدركِ في الدنيا، والهيبة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلوب الخلق لكِ، فيعظِّمون ما بصدركِ، ويقدِّرون ما تحمليه بين جنبيك.
ويوم القيامة يفيض القرآن عليكِ بخيرات أكبر وفضائل أكثر؛ فيثبت لسانكِ وقت السكرات، ويحفظكِ من عذاب القبر، ويرفع درجاتك لترتقي به في أعلى المنازل عند ربك، فيسكنك بمنزل عالٍ بجوار أصحاب المنازل العالية، وبالقربِ من صاحب أعلى منزلة وأعظم قدر وأشرف مكانة، الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن زادكِ أختي الفتاة للاستعداد لرمضان، بل هو زادكِ في حياتكِ كلِها، هو زادكِ بعد مماتك، هو أنيسك في قبرك، وشفيعكِ يوم لقاء ربك، هو الحبل الذي يصلكِ بربك في كل وقت وفي كل حين، فإذا أردتِ أن تناجيه في أي زمان وفي أي مكان؛ عليكِ فقط أن تقرأي القرآن.
ماذا بعد الكلام؟
ـ لكي تحققي أختي الفتاة الاستفادة القصوى من رمضان عليكِ بالرجوع والتوبة إلى الله تبارك وتعالى، وتخفف من حِمل الذنوب والمعاصي التي تُثقل من كاهِلِك، وإن التوبة لن تأخذ منكِ سوى خمس دقائق، ما عليك فقط أن تتذكري الذنوب التي فعلتيها في حق الله تعالى، ثم تنوي التوبة منها، ثم تستغفري الله تبارك وتعالى.
ـ حافظي على قراءة القرآن في شهر شعبان، واستعدي لرمضان بكثرة قراءة القرآن، فاجعلي لكِ وردًا ثابتًا من كتاب الله يوميًا.
المصادر:
· رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي.
· تفسير ابن كثير.
· حلية الأولياء، أبو نعيم.
· في ظلال القرآن، سيد قطب.