من خير امه
06-09-2011, 09:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
المصلحة المزعومة ، أم اتباع الهوى
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على الصادق المصدوق نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ..
أما بعد ..
فمن أعظم النعم التي أنعم الله بها على أهل السنة ، تعظيمهم لنصوص الكتاب والسنة ، وعدم تقديم شيئا عليها ، من قياس أو رأي أو قول لأحد ، وقاعدتهم في ذلك التسليم المطلق ، والإنقياد ، والرضى .
ومن هذا ما رواه أبو داود ، وغيره ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ( لو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ) ، صححه الألباني .
وروى البخاري عن الزهري قوله ( من الله عز وجل العلم ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم ) .
ويلخص الطحاوي منهج اهل السنة بقوله ( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والإستسلام ) .
ويشتد هذا التعظيم ، حين تقابل تلك النصوص بآراء الرجال ، ومنه ماجاء في صحيح مسلم ، عن سالم بن عبدالله ، أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تمنعوا نساءكم المساجد ، إذا استأذنكم إليها ) ، فقال بلال بن عبدالله : والله لنمنعهن ! . قال : فأقبل عليه عبدالله فسبه سبا سيئا ، ماسمعته سبه مثله قط . وقال ( أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : لتمنعهن !) .
وروى البيهقي في مناقب الشافعي ، عن الإمام عبدالله بن الزبير الحميدي أنه قال : ( روى الشافعي يوما حديثا ، فقلت له : أتأخذ به ؟ فقال :رأيتني خرجت من كنيسة ! أو علي زُنار! حتى إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا أقول به ! )
وذكر ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى ( وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ، مانصه ( فهذه الآية عامة في جميع الأمور ، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء ، فليس لأحد مخالفته ، ولا اختيار لأحد هاهنا ، ولا رأي ولا قول ... ) .
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في تعظيم سلفنا الصالح للنصوص ، والوقوف عندها ، والإنكار على من لم يُسلم بها .
إلا أنه ظهرت لوثة جديدة محدثة ، من بعض المحسوبين على أهل السنة ، ألا وهي مخالفة النصوص الصريحة بزعم المصلحة ، وهذه الأخيرة باتت شماعة لها رواجها للتملص من تبعة الدليل الصريح ، حتى صارت كأنها من المسلمات التي لا تقبل النقاش ،
وأصبحت بفعل هؤلاء من استثناء محدود ، إلى إطلاق يستوعب حتى مخالفة الدليل المحكم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
يقول الشيخ علي الخضير- ثبته الله على دينه - في وصف له لأصحاب هذا المنهج ، وهو( تعظيم جانب المصلحة والسياسة الشرعية في ظنهم ولو خالفت الشرع ، فإن أكثر استدلالهم في مواقفهم بالمصلحة .. ويعارضون أعمال المجاهدين باسم المصلحة ، ويتنازلون عن أشياء في العقيدة والأصول باسم المصلحة ، ويستخدمون المناورات السياسية باسم المصلحة والسياسة الشرعية ... إلخ ) أهـ بتصرف .
وغفل هؤلاء أن النصوص الظاهرة المحكمة ، لا تُضرب بما يسمى بالمصالح ، أو جمع كلمة الناس ، وأي مصلحة تُرجى ، وأيُ نفع يُراد ، في تقديم تلك العقول على نصوص علام الغيوب ، وهو الذي أنزل شَرعه ، وهو يعلم بما كان ، وبما يكون ، وبما هو كائن .
( قل أأنتم أعلم أم الله ؟) .
قال الشاطبي في الإعتصام (..سمي أهل البدع : أهل الأهواء ، لأنهم اتبعوا
أهواءهم ، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، والتعويل عليها ، حتى يصدروا عنها ، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورا فيها من وراء ذلك . وأكثر هؤلاء هم أهل التحسين والتقبيح ، ومن مال إلى الفلاسفة وغيرهم . ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ماعندهم ، أو طلبا للرياسة ، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم ، ويتأول عليهم فيما أرادوا ) .
ومع توالي النوازل في هذه الأزمنة المتأخرة ، وجهل الناس بعلوم الشريعة ، وتشاغل كثير من أهل العلم بتدريس الفروع عن الأصول ، وتفشي تعظيم الرجال ، شاع هذا المنهج ، وخرج عن إطاره الشرعي ، يقول ابن تيمية ( فالبدع تكون في أولها شبرا ، ثم تكثر في الأتباع ، حتى تصير أذرعا وأميالا وفراسخ ) الفتاوى 8/425.
وأصبح المُنِكر لهذا المنهج ، يُرمى بعدم الفهم ، والظاهرية المفرطة ، وعدم معرفة مقاصد الشريعة ، إلى غير ذلك من التُهم المعلبة الجاهزة ، نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، وأن يثبتنا على دينه إلى أن نلقاه .
***
فصل
إن المرء ليحتار، حين يَعزم الردَ على مثل سلمان العودة ، فمن أي فئة هو حتى ينزل منزلته :
أهو جاهل ، فيعلم ؟ أم ناس ، فيذكر ؟ أم متبع للهوى ، فيحذر منه ومن شره ..
دأب أهل العلم من السلف والخلف ، على التأدب في الرد على المخالف ، وأن لا يكون ذلك الخلاف بابا يلجون منه للنيل من شخص المخالف .
فهل نعامل العودة وفقا لهذا الخلق ؟
وهل خلافنا معه من قبيل ماسبق ؟
حقيقة .. مآخذنا على العودة ليست من قبيل الإختلاف بمعناه الفقهي ، حتى نسلك معه طريقة أهل السنة الآنفة الذكر في الرد على المخالف ، ولكن الأمر أكبر من ذلك .. فبين يدينا كذب صراح ، وتطفيف في الأحكام ، وكتم للحق ، واتباع للهوى ، واتهام وتجريم لثلة مؤمنة ، نقم عليها العودة أنها لم ترضخ لهواه .
فتراه اجتمع فيه ضلال المدعو ( خالص جلبي ) ، وكذب الفتان ( مشعان الجبوري ) ، مع مافيه أصلا من انحرافات سيرد ذكرها لاحقا .
لذا كان التثريب عليه جائزا ، وإغلاظ القول له عدلا ، فمن عامل بالمثل فما ظلم ، وربنا سبحانه يقول (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) ، فسَمى من كذب في حق القوم بأنه فاسق ، و عند مسلم في صحيحه ، قول عمارة بن رويبة ، لما رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال (قبح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ... الحديث ) ، إلى غير ذلك من عشرات النصوص ، الدالة على مشروعية التثريب على المخالف ، إن كان خلافه مبني على معارضة الدليل الصريح . ( انظر مبحث الشيخ عبدالله الجربوع في هذه المسألة ) .
فصل
نشرت جريدة الرأي الكويتية
http://www.alraialaam.com/26-02-2007/ie5/local.htm (http://www.alraialaam.com/26-02-2007/ie5/local.htm)
لقاءً مع سلمان العودة ، تناول قضايا كثيرة ، ومن ضمنها الأوضاع في فلسطين والعراق ، وكعادته تقيأ - أعزكم الله - أمام الملأ ، وقال بما يهاب من قوله ، من في قلبه ذرة من حياء ، فضلا عن إيمان ، وسنقتصر بذكر مخازيه في هاتين القضيتين ، لعظيم ظلمه فيها ، وذلك بذكر سؤال المحاور له ، وإجابة المفتري ، ثم سنعقب على ذلك ، مكتفين بالتعليق دون الخوض بتأصيل المسائل المثارة ، فالمقام لا يتسع ، فكل مسألة منها تستحق موضوعا مستقلا، وكثيرا منها ، سبق بحثه ، فلا داعي للتكرار ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
***
بين يدي اللقاء
قبل أن نبدأ التعليق .. يجب أن نبين أمرا مهما ، وهو أن الحوار نُشر على أنه مع أحد الرموز الإسلامية المعروفة ، وعليه .. فإن الإجابات المنتظرة تمثل في نظر القاريء : الرؤية الإسلامية المعاصرة لهذه القضايا ، من قبل داعية له ثقله في العالم الإسلامي ، وينظر له بعين القبول والرضى .
لذا كان لزاما تحمل مسئولية هذه التبعة ، وأداء واجب الأمانة الملقاة ، فضلا عن الميثاق الرباني قبل ذلك .
وسنرى إن كان هناك شيئا اسمه أمانة أو عدل في هذا الحوار ، وبالله التوفيق ..
***
س/ لو انتقلنا بالحوار الى فلسطين المحتلة، نجد أن حركة حماس خاضت الانتخابات ودخلت عبر الديموقراطية واختيار الشعب، وبعد نجاحها فرضت
الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة حصارا اقتصاديا على فلسطين، وبدأ ذلك يؤثر على تماسك الشعب الفلسطيني حتى بتنا نرى ونسمع القتلى الفلسطينيين ببنادق اخوانهم الفلسطينيين وخصوصا بين أكبر حركتين فتح وحماس، فكيف تنظر الى ما يحصل داخل فلسطين؟
فأجاب العودة بمانصه :
الرابح الأوحد من القتال الفلسطيني هو العدو الصهيوني، يجب أن يكون الفلسطينيون أوعى من أن ينجروا الى القتال في ما بينهم على مصالح أو على دنيا، وألا تزين لهم السياسة ارتكاب ما حرم الله من التنازع والاقتتال ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
ليس هناك أي عذر أو ذريعة تسمح للفلسطيني أن يوجه سلاحه الى الفلسطيني بينما هو يشاهد الصهاينة على بعد أمتار منه وهم يهدمون ويحفرون تحت المسجد الأقصى ويخططون لابتلاع المزيد من حاضر الأمة ومستقبلها.
ما حصل بين الفلسطينيين كان كارثة ولا عذر لأحد فيها، ويشترك في تحمل مسؤوليتها السلطة الفلسطينية ومنظمة فتح مع الحكومة الفلسطينية ومنظمة حماس، ويجب ألا يتكرر ما حصل .... إلخ
التعليق :
السائل أثار من حيث لا يشعر، مسألة وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر الديموقراطية ، كمسألة عقدية مهمة ، تباينت المواقف منها لدى الجماعات الإسلامية ، قبولا ورفضا ، حسب قرب تلك الجماعات أوبعدها من الدين الإسلامي !
وأنه رغم موقف حماس الموافق لما عليه الدول الغربية ، إلا أنها قوبلت بالعزلة ....إلخ .
فجدير به كمسلم موحد ، فضلا على أنه داعية يشار إليه بالبنان ، أن لا تمر عليه هذه المسألة مرور الكرام . وخصوصا وأن المحاور بين أن قبول حماس للديموقراطية ، لم يكن كفيلا برضى الغرب الكافر عنها ، وهو بذلك يلتمس الحل من ضيفه ..
فماذا أجاب سماحة المثقف ؟
أتلى قول الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، تصديقا للواقع المشار إليه ؟
كلا ..
أم هل بين حكم الديموقراطية ، وأنها كفر، من خلال كلام شرعي مؤصل بالدليل ؟
كلا ..
فسماحته تجاوز هذا الطرح ، وبلغ منزلة أكابر المثقفين ، الذين يزنون الأمور بعقولهم الفذة .. وإنما أكد على شرخ عظيم قد سبقه فيه من يتكلم عنهم ، وهو حرمة الدم الفلسطيني ، هكذا .
وهذا المسلك باتباع الهوى ، لم يكن أمرا طارئا ، فهو مازال يدندن حوله كلما سنحت فرصة لظهوره عبر وسائل الإعلام ، وما أكثرها .
وسبق بيان فحش هذا المسلك ، للشيخ علي الخضير ، فك الله أسره ، وثبته على دينه ، قبل بضع سنوات ، في مقال قيم بعنوان (أصول الصحوة الجديدة) ، وذكر كثيرا من أطروحات ( العودة ) ، وأمثاله ، وكأنه للتو قد فرغ من قراءة هذا الحوار ، ومما قال في وصفهم :
( الموقف من العلمانيين والسياسيين ، واستخدام أسلوب الحوار ومد الجسور، وترك مجاهدتهم والاحتساب عليهم وهجر أصول السلف فيهم )
وهذا يوافقه من كلام سماحة المثقف :
إشادته بإتفاق مكة مع علمانيي فتح ، وتعظيمه لحرمة الدم الفلسطيني .
وقال أيضا فك الله أسره في بيان منهجهم
( التركيز من الناحية السياسية على قضايا معينة لا يختلف فيها أحد لكسب رضا الجميع )
وهذا يوافقه قول سماحة المثقف :
الرابح الأوحد العدو الصهيوني ..إلخ
وأن الصهاينة يحفرون تحت المسجد الأقصى ، ويخططون لابتلاع المزيد من حاضر الأمة ومستقبلها.
إلى غير ذلك من الأمور المتفق عليها ، مما ذكره آنفا ، ومما سيأتي لاحقا في إجابات أخرى .
وقال الشيخ – فك الله أسره - في نفس النقطة أيضا (... مع إهمال قضايا مهمة : كالتوحيد ، وأصول الولاء والبراء، ومسائل الكفر بالطاغوت ...).
وهذا يوافقه :
إغفال سماحة المثقف لذكر حُكم الديموقراطية ، على الرغم من إتيان السؤال عليها ، فنسأل الله لنا وللشيخ علي الخضير الثبات على دينه ، وأن يعجل الله بفكاك أسره ، فلقد والله عرف حقيقة القوم ، ولم يخالفوا ماذكر قيد أنملة .
المصلحة المزعومة ، أم اتباع الهوى
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على الصادق المصدوق نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ..
أما بعد ..
فمن أعظم النعم التي أنعم الله بها على أهل السنة ، تعظيمهم لنصوص الكتاب والسنة ، وعدم تقديم شيئا عليها ، من قياس أو رأي أو قول لأحد ، وقاعدتهم في ذلك التسليم المطلق ، والإنقياد ، والرضى .
ومن هذا ما رواه أبو داود ، وغيره ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ( لو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ) ، صححه الألباني .
وروى البخاري عن الزهري قوله ( من الله عز وجل العلم ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم ) .
ويلخص الطحاوي منهج اهل السنة بقوله ( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والإستسلام ) .
ويشتد هذا التعظيم ، حين تقابل تلك النصوص بآراء الرجال ، ومنه ماجاء في صحيح مسلم ، عن سالم بن عبدالله ، أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تمنعوا نساءكم المساجد ، إذا استأذنكم إليها ) ، فقال بلال بن عبدالله : والله لنمنعهن ! . قال : فأقبل عليه عبدالله فسبه سبا سيئا ، ماسمعته سبه مثله قط . وقال ( أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : لتمنعهن !) .
وروى البيهقي في مناقب الشافعي ، عن الإمام عبدالله بن الزبير الحميدي أنه قال : ( روى الشافعي يوما حديثا ، فقلت له : أتأخذ به ؟ فقال :رأيتني خرجت من كنيسة ! أو علي زُنار! حتى إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا أقول به ! )
وذكر ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى ( وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ، مانصه ( فهذه الآية عامة في جميع الأمور ، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء ، فليس لأحد مخالفته ، ولا اختيار لأحد هاهنا ، ولا رأي ولا قول ... ) .
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في تعظيم سلفنا الصالح للنصوص ، والوقوف عندها ، والإنكار على من لم يُسلم بها .
إلا أنه ظهرت لوثة جديدة محدثة ، من بعض المحسوبين على أهل السنة ، ألا وهي مخالفة النصوص الصريحة بزعم المصلحة ، وهذه الأخيرة باتت شماعة لها رواجها للتملص من تبعة الدليل الصريح ، حتى صارت كأنها من المسلمات التي لا تقبل النقاش ،
وأصبحت بفعل هؤلاء من استثناء محدود ، إلى إطلاق يستوعب حتى مخالفة الدليل المحكم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
يقول الشيخ علي الخضير- ثبته الله على دينه - في وصف له لأصحاب هذا المنهج ، وهو( تعظيم جانب المصلحة والسياسة الشرعية في ظنهم ولو خالفت الشرع ، فإن أكثر استدلالهم في مواقفهم بالمصلحة .. ويعارضون أعمال المجاهدين باسم المصلحة ، ويتنازلون عن أشياء في العقيدة والأصول باسم المصلحة ، ويستخدمون المناورات السياسية باسم المصلحة والسياسة الشرعية ... إلخ ) أهـ بتصرف .
وغفل هؤلاء أن النصوص الظاهرة المحكمة ، لا تُضرب بما يسمى بالمصالح ، أو جمع كلمة الناس ، وأي مصلحة تُرجى ، وأيُ نفع يُراد ، في تقديم تلك العقول على نصوص علام الغيوب ، وهو الذي أنزل شَرعه ، وهو يعلم بما كان ، وبما يكون ، وبما هو كائن .
( قل أأنتم أعلم أم الله ؟) .
قال الشاطبي في الإعتصام (..سمي أهل البدع : أهل الأهواء ، لأنهم اتبعوا
أهواءهم ، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، والتعويل عليها ، حتى يصدروا عنها ، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورا فيها من وراء ذلك . وأكثر هؤلاء هم أهل التحسين والتقبيح ، ومن مال إلى الفلاسفة وغيرهم . ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ماعندهم ، أو طلبا للرياسة ، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم ، ويتأول عليهم فيما أرادوا ) .
ومع توالي النوازل في هذه الأزمنة المتأخرة ، وجهل الناس بعلوم الشريعة ، وتشاغل كثير من أهل العلم بتدريس الفروع عن الأصول ، وتفشي تعظيم الرجال ، شاع هذا المنهج ، وخرج عن إطاره الشرعي ، يقول ابن تيمية ( فالبدع تكون في أولها شبرا ، ثم تكثر في الأتباع ، حتى تصير أذرعا وأميالا وفراسخ ) الفتاوى 8/425.
وأصبح المُنِكر لهذا المنهج ، يُرمى بعدم الفهم ، والظاهرية المفرطة ، وعدم معرفة مقاصد الشريعة ، إلى غير ذلك من التُهم المعلبة الجاهزة ، نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، وأن يثبتنا على دينه إلى أن نلقاه .
***
فصل
إن المرء ليحتار، حين يَعزم الردَ على مثل سلمان العودة ، فمن أي فئة هو حتى ينزل منزلته :
أهو جاهل ، فيعلم ؟ أم ناس ، فيذكر ؟ أم متبع للهوى ، فيحذر منه ومن شره ..
دأب أهل العلم من السلف والخلف ، على التأدب في الرد على المخالف ، وأن لا يكون ذلك الخلاف بابا يلجون منه للنيل من شخص المخالف .
فهل نعامل العودة وفقا لهذا الخلق ؟
وهل خلافنا معه من قبيل ماسبق ؟
حقيقة .. مآخذنا على العودة ليست من قبيل الإختلاف بمعناه الفقهي ، حتى نسلك معه طريقة أهل السنة الآنفة الذكر في الرد على المخالف ، ولكن الأمر أكبر من ذلك .. فبين يدينا كذب صراح ، وتطفيف في الأحكام ، وكتم للحق ، واتباع للهوى ، واتهام وتجريم لثلة مؤمنة ، نقم عليها العودة أنها لم ترضخ لهواه .
فتراه اجتمع فيه ضلال المدعو ( خالص جلبي ) ، وكذب الفتان ( مشعان الجبوري ) ، مع مافيه أصلا من انحرافات سيرد ذكرها لاحقا .
لذا كان التثريب عليه جائزا ، وإغلاظ القول له عدلا ، فمن عامل بالمثل فما ظلم ، وربنا سبحانه يقول (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) ، فسَمى من كذب في حق القوم بأنه فاسق ، و عند مسلم في صحيحه ، قول عمارة بن رويبة ، لما رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال (قبح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ... الحديث ) ، إلى غير ذلك من عشرات النصوص ، الدالة على مشروعية التثريب على المخالف ، إن كان خلافه مبني على معارضة الدليل الصريح . ( انظر مبحث الشيخ عبدالله الجربوع في هذه المسألة ) .
فصل
نشرت جريدة الرأي الكويتية
http://www.alraialaam.com/26-02-2007/ie5/local.htm (http://www.alraialaam.com/26-02-2007/ie5/local.htm)
لقاءً مع سلمان العودة ، تناول قضايا كثيرة ، ومن ضمنها الأوضاع في فلسطين والعراق ، وكعادته تقيأ - أعزكم الله - أمام الملأ ، وقال بما يهاب من قوله ، من في قلبه ذرة من حياء ، فضلا عن إيمان ، وسنقتصر بذكر مخازيه في هاتين القضيتين ، لعظيم ظلمه فيها ، وذلك بذكر سؤال المحاور له ، وإجابة المفتري ، ثم سنعقب على ذلك ، مكتفين بالتعليق دون الخوض بتأصيل المسائل المثارة ، فالمقام لا يتسع ، فكل مسألة منها تستحق موضوعا مستقلا، وكثيرا منها ، سبق بحثه ، فلا داعي للتكرار ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
***
بين يدي اللقاء
قبل أن نبدأ التعليق .. يجب أن نبين أمرا مهما ، وهو أن الحوار نُشر على أنه مع أحد الرموز الإسلامية المعروفة ، وعليه .. فإن الإجابات المنتظرة تمثل في نظر القاريء : الرؤية الإسلامية المعاصرة لهذه القضايا ، من قبل داعية له ثقله في العالم الإسلامي ، وينظر له بعين القبول والرضى .
لذا كان لزاما تحمل مسئولية هذه التبعة ، وأداء واجب الأمانة الملقاة ، فضلا عن الميثاق الرباني قبل ذلك .
وسنرى إن كان هناك شيئا اسمه أمانة أو عدل في هذا الحوار ، وبالله التوفيق ..
***
س/ لو انتقلنا بالحوار الى فلسطين المحتلة، نجد أن حركة حماس خاضت الانتخابات ودخلت عبر الديموقراطية واختيار الشعب، وبعد نجاحها فرضت
الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة حصارا اقتصاديا على فلسطين، وبدأ ذلك يؤثر على تماسك الشعب الفلسطيني حتى بتنا نرى ونسمع القتلى الفلسطينيين ببنادق اخوانهم الفلسطينيين وخصوصا بين أكبر حركتين فتح وحماس، فكيف تنظر الى ما يحصل داخل فلسطين؟
فأجاب العودة بمانصه :
الرابح الأوحد من القتال الفلسطيني هو العدو الصهيوني، يجب أن يكون الفلسطينيون أوعى من أن ينجروا الى القتال في ما بينهم على مصالح أو على دنيا، وألا تزين لهم السياسة ارتكاب ما حرم الله من التنازع والاقتتال ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
ليس هناك أي عذر أو ذريعة تسمح للفلسطيني أن يوجه سلاحه الى الفلسطيني بينما هو يشاهد الصهاينة على بعد أمتار منه وهم يهدمون ويحفرون تحت المسجد الأقصى ويخططون لابتلاع المزيد من حاضر الأمة ومستقبلها.
ما حصل بين الفلسطينيين كان كارثة ولا عذر لأحد فيها، ويشترك في تحمل مسؤوليتها السلطة الفلسطينية ومنظمة فتح مع الحكومة الفلسطينية ومنظمة حماس، ويجب ألا يتكرر ما حصل .... إلخ
التعليق :
السائل أثار من حيث لا يشعر، مسألة وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر الديموقراطية ، كمسألة عقدية مهمة ، تباينت المواقف منها لدى الجماعات الإسلامية ، قبولا ورفضا ، حسب قرب تلك الجماعات أوبعدها من الدين الإسلامي !
وأنه رغم موقف حماس الموافق لما عليه الدول الغربية ، إلا أنها قوبلت بالعزلة ....إلخ .
فجدير به كمسلم موحد ، فضلا على أنه داعية يشار إليه بالبنان ، أن لا تمر عليه هذه المسألة مرور الكرام . وخصوصا وأن المحاور بين أن قبول حماس للديموقراطية ، لم يكن كفيلا برضى الغرب الكافر عنها ، وهو بذلك يلتمس الحل من ضيفه ..
فماذا أجاب سماحة المثقف ؟
أتلى قول الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، تصديقا للواقع المشار إليه ؟
كلا ..
أم هل بين حكم الديموقراطية ، وأنها كفر، من خلال كلام شرعي مؤصل بالدليل ؟
كلا ..
فسماحته تجاوز هذا الطرح ، وبلغ منزلة أكابر المثقفين ، الذين يزنون الأمور بعقولهم الفذة .. وإنما أكد على شرخ عظيم قد سبقه فيه من يتكلم عنهم ، وهو حرمة الدم الفلسطيني ، هكذا .
وهذا المسلك باتباع الهوى ، لم يكن أمرا طارئا ، فهو مازال يدندن حوله كلما سنحت فرصة لظهوره عبر وسائل الإعلام ، وما أكثرها .
وسبق بيان فحش هذا المسلك ، للشيخ علي الخضير ، فك الله أسره ، وثبته على دينه ، قبل بضع سنوات ، في مقال قيم بعنوان (أصول الصحوة الجديدة) ، وذكر كثيرا من أطروحات ( العودة ) ، وأمثاله ، وكأنه للتو قد فرغ من قراءة هذا الحوار ، ومما قال في وصفهم :
( الموقف من العلمانيين والسياسيين ، واستخدام أسلوب الحوار ومد الجسور، وترك مجاهدتهم والاحتساب عليهم وهجر أصول السلف فيهم )
وهذا يوافقه من كلام سماحة المثقف :
إشادته بإتفاق مكة مع علمانيي فتح ، وتعظيمه لحرمة الدم الفلسطيني .
وقال أيضا فك الله أسره في بيان منهجهم
( التركيز من الناحية السياسية على قضايا معينة لا يختلف فيها أحد لكسب رضا الجميع )
وهذا يوافقه قول سماحة المثقف :
الرابح الأوحد العدو الصهيوني ..إلخ
وأن الصهاينة يحفرون تحت المسجد الأقصى ، ويخططون لابتلاع المزيد من حاضر الأمة ومستقبلها.
إلى غير ذلك من الأمور المتفق عليها ، مما ذكره آنفا ، ومما سيأتي لاحقا في إجابات أخرى .
وقال الشيخ – فك الله أسره - في نفس النقطة أيضا (... مع إهمال قضايا مهمة : كالتوحيد ، وأصول الولاء والبراء، ومسائل الكفر بالطاغوت ...).
وهذا يوافقه :
إغفال سماحة المثقف لذكر حُكم الديموقراطية ، على الرغم من إتيان السؤال عليها ، فنسأل الله لنا وللشيخ علي الخضير الثبات على دينه ، وأن يعجل الله بفكاك أسره ، فلقد والله عرف حقيقة القوم ، ولم يخالفوا ماذكر قيد أنملة .