مقاوم
03-01-2011, 01:24 PM
لبنان يضبط ساعته على توقيت هولندا مع تسريبات القرار الاتهامي
http://i3.makcdn.com/wp-content/blogs.dir//47180/files//2011/03/p20-karikature-24319.jpg (http://i3.makcdn.com/wp-content/blogs.dir//47180/files//2011/03/p20-karikature-24319.jpg)
كتبت ريتا صفير في "النهار":
يسير لبنان على ايقاع هولندا. سير تضبط وتيرته التسريبات المتعلقة بمضمون القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتوقيت نشره. وفيما تبدو العيون شاخصة الى لاهاي، في انتظار "كلمة" المحكمة الخاصة بلبنان، ينفذ الهولنديون تحركا معاكسا. من بوادره، الجولة الاستطلاعية التي قام بها وفد برلماني الى لبنان الاسبوع الماضي. وهي زيارة لمحت الى اكثر من مؤشر، انطلاقا من مجموعة معطيات:
أولها انها تزامنت مع تسريبات حفل بها الاعلام اللبناني حول تقارير، آخرها صادر عن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى"، وتحدث عن قلق "حزب الله" البالغ من احتمال توجيه اتهامات علنية الى بعض مسؤوليه الكبار، وهو يقوم منذ مدة طويلة بمراقبة دورية لمقر المحكمة حيث تتخذ السلطات الامنية في هولندا تدابير في هذا الصدد، كما تتولى تقويم الوضع الامني في شكل مستمر.
وثانيها، المخاوف التي اعرب عنها اعضاء من البرلمان الهولندي حيال احتمال تراجع بيروت عن تعاونها مع العدالة الدولية. وقد تولى بلورتها رئيس الوفد النائب هانك جان أورمل في حديث الى اذاعة "هولندا الدولية" باعلانه أنه لن يفاجأ إذا "اتبعت الحكومة اللبنانية الجديدة سياسة التأخير والمماطلة"، مشيراً الى أن الانتقادات اللبنانية للمحكمة لا تقتصر على موقف "حزب الله"، وإن كان الاخير هو الأكثر رفضاً لها. ونقل أورمل في هذا السياق عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان انتقاده للطريقة التي أدارت بها المحكمة "ملف شهود الزور"، والتحقيقات مع أربعة من الجنرالات اللبنانيين، مشدداً على أن هذه الانتقادات يجب ألا تصل إلى درجة رفض التعاون مع المحكمة.
ويبقى ثالثها، الكلام المتزايد عن الاجراءات التقنية واللوجستية التي يتم الاعداد لها في "عاصمة العدالة"، ولا سيما مع اطلاق القرار الاتهامي المرتقب صفارة المحاكمات التي يتوقع ان تبدأ مطلع ايلول المقبل.
هولندا في لبنان
في موازاة الاجراءات الجارية في لاهاي، يتحرك السفير الهولندي في لبنان هيرو دي بوور على جبهات عدة. حركة "لولبها" لقاءات جمعته والبعثة الهولندية مع المسؤولين وممثلي الاحزاب على اختلاف انتماءاتهم، الاسبوع الماضي، لتخلص الى سلسلة مواقف يبلورها في لقاء مع "النهار" في مقر السفارة في الاشرفية.
أمر جوهري يسعى الى ابرازه، اساسه الفصل الكلي في بلاده بين السلطات، على انواعها، التنفيذية والبرلمانية والقانونية. ويركز في رد ضمني على التفسيرات التي قد تكون حملتها زيارة الوفد النيابي الى بيروت، على قرار البرلمان الذاتي في تحديد وجهة الجولات الخارجية التي ينوي اعضاؤه القيام بها ونوعية الرسائل التي يود اطلاقها، محددا دور السفارة على هذا المستوى بـ"الوسيط" الذي يتولى شؤون التنظيم.
تمثل لجنة الشؤون الخارجية إحدى اهم اللجان في البرلمان الهولندي، وهي تؤدي دوراً مهماً في الحوار المستمر مع وزارة الشؤون الخارجية. وقد اندرجت جولتها الاخيرة في المنطقة في اطار استطلاع الصورة الاشمل فيها، عبر استكشاف الاوضاع في مصر واسرائيل والسلطات الفلسطينية، علما انه كانت سبقتها زيارات الى سوريا والاردن قبل ثلاثة اعوام. ولوحظ ان اللجنة لم تحضر بكامل اعضائها، نتيجة قرار الجناح اليساري المعارض عدم المشاركة، بعد رفض اسرائيل منح اللجنة اذنا للدخول الى قطاع غزة.
لبنانياً، كانت للوفد الهولندي اتصالات مفيدة جدا، في تقويم دي بوور، شملت رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، فقيادات سياسية، ولقاءات مع الاحزاب وممثليها على اختلاف انتماءاتها. وفي ما يتعلق بممثلي المجتمع الدولي، فقد عقد البرلمانيون الهولنديون اجتماعات مع ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان مايكل وليامس ومدير وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم ("الاونروا") سلفادور لومباردو وقائد القوة الدولية الجنرال البرتو اسارتا.
في طيات الجولة الاستطلاعية التي قام بها الوفد، سعي الى الوقوف على وجهات نظر الاطراف المحليين حيال ادوار اللاعبين المختلفين، كسوريا والمملكة العربية السعودية ومصر واسرائيل والمسألة الفلسطينية، على قول السفير. وتخلله طبعا استماع الى المقاربات المتعلقة بعملية السلام، انطلاقا من دعم البرلمان الهولندي الكامل للموقف الاوروبي المتمثل في حل الدولتين والتوصل الى اتفاق شامل للسلام يأخذ في الاعتبار مسألة اللاجئين: "كان الكلام واضحا لجهة اهمية حق العودة لكل الفلسطينيين في لبنان، وتزامن مع مناقشات حول كيفية التعامل مع المشكلة ككل مستقبلا". ولعل الرسالة الواضحة الوحيدة تمثلت، بتعبير السفير، في دور هولندا السياسي على مستوى الدعم الكامل للمحكمة الخاصة بلبنان كاملا.
القرار الاتهامي
ينطلق الديبلوماسي الهولندي من مقاربة "فصل المسارات" البرلمانية والحكومية والقضائية المطبقة في بلاده، ليؤكد ان "العدالة تأخذ مجراها وهي بوجهيها الوطني والدولي مألوفة بالنسبة الينا." وبمعنى اوضح يشير الى ان تسريع اجراءاتها غير ممكن وكذلك تنفيذ ضغوط على اي من الافرقاء ولا سيما بالنسبة الى البلد المضيف: "نفضل دورا متجردا، ولا تخمينات تتعلق بتوقيت القرار او الاطراف الذين سيصار الى اتهامهم. فكلها امور من شأنها ان تمس صدقيتنا في شكل بالغ".
من المعلوم ان المحاكم الدولية في هولندا اضطلعت بدور مهم جدا على مستوى تعزيز النظام والعدالة العالميين. فقد استضافت الدولة الاوروبية، الى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة بسييراليون والمحكمة المتعلقة بقضية لوكربي. وهي محاكم تساهم في الحد من الافلات من العقاب وتالياً في بناء سلام دائم. وقد مثل امامها رؤساء دول وحكومات، ووزراء، وقادة جيوش.
يضفي دي بوور طابعا "تقنيا" على المسائل الامنية التي يكثر الحديث عنها في الفترة الاخيرة، مقراً بأن بلاده تتابع هذه الامور ويساورها قلق حيال سلامة الشهود، "فاذا طلب امين السجل في المحكمة تدابير خاصة في هذا الشأن، يتولى القسم الامني الاهتمام بها، باعتبارها خدمة تقنية"، بتعبيره. الامر نفسه ينطبق على امور تتعدى هذا الاطار، كاحتمال نقل اشخاص الى هولندا وسجنهم: "دورنا يتمثل هنا في توفير التدابير المناسبة لسلطات السجون. وكل ذلك يتم بطريقة تفاعلية. نسعى الى البقاء بعيدين من اي موقف سياسي او الانحياز الى اي طرف خلال العملية ككل".
معادلة بسيطة يطرحها تقضي بدعم قيام المحكمة بعملها في شكل صحيح، بالتزامن مع التركيز على "تقنيات" ضمنها، طبعا، قسم الدفاع بهدف توفير نوعية دفاع عالية للاشخاص الذين سيتم اتهامهم: "دوري الاساسي يقوم على شرح الامور وبطريقة حيادية ضمن منطق المسهل وليس كطرف يتولى القاء المسؤولية على اي من الافرقاء".
التزام … لا التزام
تسعى الديبلوماسية الهولندية الى التخفيف من وطأة التصريحات التي ادلى بها رئيس البعثة البرلمانية عقب زيارة لبنان وخصوصا موقفه القائل إنه لن يتفاجأ إذا اتبعت الحكومة اللبنانية الجديدة سياسة التأخير والمماطلة. سعي يبلوره دي بوور بالتأكيد ان رئيس الوزراء المكلف لم يقل اي جديد من وجهة نظره في شأن المحكمة وهو كان واضحا بتشديده على انه شخصيا، يهمه مواصلة التعاون معها . وفي الاطار عينه، ينقل عن الرئيس سليمان دعوته الى "نوعية عمل عالية" في اداء المحكمة، معترفاً بأن جزءاً من عملها تعرَّض للانتقاد. كما انه مر على قضية شهود الزور ضمن موقفه العام الذي اعرب فيه عن قلقه حيال تحول المحكمة جزءاً من التجاذب السياسي.
لا تخشى لاهاي امكان حصول ازمة تمويل في الهيئة القضائية المستقلة، رغم التلويحات المتكررة في هذا الشأن. فالطريقة المتبعة اليوم، والقاضية بان يدفع لبنان نسبة 49 في المئة على أن توفر بقية الدول 51 في المئة عبر مساهمات تطوعية، ستتواصل. اما اذا واجهت الدولة اللبنانية صعوبات وبرز نقص، فيمكن العودة الى مجلس الامن الذي يقرر كيفية المتابعة.
يعترف الهولنديون ببروز قلق حيال تأمين الدفعات، منذ انطلاق عمل المحكمة، قلق ما لبث ان استتبع بتحويل المال اللازم. لكنهم يقرون ايضا بأن هذا الاجراء جزء من النظام التطوعي الذي يبدو مألوفا بالنسبة الى الامم المتحدة باعتباره "تمرينا مستمرا يقضي بالتأكد ان المبالغ المالية الضرورية متوافرة". في موازاة ذلك، تلاحظ هولندا التزاما الى ابعد حد في مجلس الامن بالمحكمة، "ولا سبب يدفعنا الى الاعتقاد بأن المجلس قد ينحرف عن هذا التوجه في المستقبل". ملاحظة فتذكير بعضوية لبنان المتواصلة في هذا المجلس والمسؤوليات التي تترتب عنها: "لا يمكننا ان نتخيل امكان ان يقرر عضو في هذا المجلس عدم الالتزام بقرار صادر عنه. ثمة عوامل تتعلق بالصدقية في هذا المجال. فلبنان عضو فاعل ونتوقع ان يتواصل ذلك".
خلافاً لبعض المعطيات التي يتم ترويجها، لا تخشى "عاصمة" العدالة الدولية على الاستقرار اللبناني في حال نشر القرار الاتهامي. ويعرب الهولنديون عن تفاؤلهم بهذا المسار رغم اقرارهم بدور العامل الانساني في العملية: "فالمحكمة تضم افراداً وهم ايضا عرضة لبعض الحوادث والاخطاء. لكننا لم نرَ حتى الآن اي مؤشر الى احتمال بروز مشكلة كبيرة".
ينأى الديبلوماسي الهولندي بنفسه عن التعليق على التقارير المتعلقة بوجود "شهود ملوك" في بلاده، وكذلك على المواعيد المتضاربة عن احتمال نشر القرار الاتهامي معيداً بوصلة الحديث الى الاسس والمبادىء: " نؤمن حقاً بعدالة مستقلة، وبعدالة تأخذ مسارها. نأمل ان يتخطى لبنان الازمة الحكومية الراهنة، فهو بلد جميل وهناك الكثير الذي يجب تنفيذه هنا".
http://i3.makcdn.com/wp-content/blogs.dir//47180/files//2011/03/p20-karikature-24319.jpg (http://i3.makcdn.com/wp-content/blogs.dir//47180/files//2011/03/p20-karikature-24319.jpg)
كتبت ريتا صفير في "النهار":
يسير لبنان على ايقاع هولندا. سير تضبط وتيرته التسريبات المتعلقة بمضمون القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتوقيت نشره. وفيما تبدو العيون شاخصة الى لاهاي، في انتظار "كلمة" المحكمة الخاصة بلبنان، ينفذ الهولنديون تحركا معاكسا. من بوادره، الجولة الاستطلاعية التي قام بها وفد برلماني الى لبنان الاسبوع الماضي. وهي زيارة لمحت الى اكثر من مؤشر، انطلاقا من مجموعة معطيات:
أولها انها تزامنت مع تسريبات حفل بها الاعلام اللبناني حول تقارير، آخرها صادر عن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى"، وتحدث عن قلق "حزب الله" البالغ من احتمال توجيه اتهامات علنية الى بعض مسؤوليه الكبار، وهو يقوم منذ مدة طويلة بمراقبة دورية لمقر المحكمة حيث تتخذ السلطات الامنية في هولندا تدابير في هذا الصدد، كما تتولى تقويم الوضع الامني في شكل مستمر.
وثانيها، المخاوف التي اعرب عنها اعضاء من البرلمان الهولندي حيال احتمال تراجع بيروت عن تعاونها مع العدالة الدولية. وقد تولى بلورتها رئيس الوفد النائب هانك جان أورمل في حديث الى اذاعة "هولندا الدولية" باعلانه أنه لن يفاجأ إذا "اتبعت الحكومة اللبنانية الجديدة سياسة التأخير والمماطلة"، مشيراً الى أن الانتقادات اللبنانية للمحكمة لا تقتصر على موقف "حزب الله"، وإن كان الاخير هو الأكثر رفضاً لها. ونقل أورمل في هذا السياق عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان انتقاده للطريقة التي أدارت بها المحكمة "ملف شهود الزور"، والتحقيقات مع أربعة من الجنرالات اللبنانيين، مشدداً على أن هذه الانتقادات يجب ألا تصل إلى درجة رفض التعاون مع المحكمة.
ويبقى ثالثها، الكلام المتزايد عن الاجراءات التقنية واللوجستية التي يتم الاعداد لها في "عاصمة العدالة"، ولا سيما مع اطلاق القرار الاتهامي المرتقب صفارة المحاكمات التي يتوقع ان تبدأ مطلع ايلول المقبل.
هولندا في لبنان
في موازاة الاجراءات الجارية في لاهاي، يتحرك السفير الهولندي في لبنان هيرو دي بوور على جبهات عدة. حركة "لولبها" لقاءات جمعته والبعثة الهولندية مع المسؤولين وممثلي الاحزاب على اختلاف انتماءاتهم، الاسبوع الماضي، لتخلص الى سلسلة مواقف يبلورها في لقاء مع "النهار" في مقر السفارة في الاشرفية.
أمر جوهري يسعى الى ابرازه، اساسه الفصل الكلي في بلاده بين السلطات، على انواعها، التنفيذية والبرلمانية والقانونية. ويركز في رد ضمني على التفسيرات التي قد تكون حملتها زيارة الوفد النيابي الى بيروت، على قرار البرلمان الذاتي في تحديد وجهة الجولات الخارجية التي ينوي اعضاؤه القيام بها ونوعية الرسائل التي يود اطلاقها، محددا دور السفارة على هذا المستوى بـ"الوسيط" الذي يتولى شؤون التنظيم.
تمثل لجنة الشؤون الخارجية إحدى اهم اللجان في البرلمان الهولندي، وهي تؤدي دوراً مهماً في الحوار المستمر مع وزارة الشؤون الخارجية. وقد اندرجت جولتها الاخيرة في المنطقة في اطار استطلاع الصورة الاشمل فيها، عبر استكشاف الاوضاع في مصر واسرائيل والسلطات الفلسطينية، علما انه كانت سبقتها زيارات الى سوريا والاردن قبل ثلاثة اعوام. ولوحظ ان اللجنة لم تحضر بكامل اعضائها، نتيجة قرار الجناح اليساري المعارض عدم المشاركة، بعد رفض اسرائيل منح اللجنة اذنا للدخول الى قطاع غزة.
لبنانياً، كانت للوفد الهولندي اتصالات مفيدة جدا، في تقويم دي بوور، شملت رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، فقيادات سياسية، ولقاءات مع الاحزاب وممثليها على اختلاف انتماءاتها. وفي ما يتعلق بممثلي المجتمع الدولي، فقد عقد البرلمانيون الهولنديون اجتماعات مع ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان مايكل وليامس ومدير وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم ("الاونروا") سلفادور لومباردو وقائد القوة الدولية الجنرال البرتو اسارتا.
في طيات الجولة الاستطلاعية التي قام بها الوفد، سعي الى الوقوف على وجهات نظر الاطراف المحليين حيال ادوار اللاعبين المختلفين، كسوريا والمملكة العربية السعودية ومصر واسرائيل والمسألة الفلسطينية، على قول السفير. وتخلله طبعا استماع الى المقاربات المتعلقة بعملية السلام، انطلاقا من دعم البرلمان الهولندي الكامل للموقف الاوروبي المتمثل في حل الدولتين والتوصل الى اتفاق شامل للسلام يأخذ في الاعتبار مسألة اللاجئين: "كان الكلام واضحا لجهة اهمية حق العودة لكل الفلسطينيين في لبنان، وتزامن مع مناقشات حول كيفية التعامل مع المشكلة ككل مستقبلا". ولعل الرسالة الواضحة الوحيدة تمثلت، بتعبير السفير، في دور هولندا السياسي على مستوى الدعم الكامل للمحكمة الخاصة بلبنان كاملا.
القرار الاتهامي
ينطلق الديبلوماسي الهولندي من مقاربة "فصل المسارات" البرلمانية والحكومية والقضائية المطبقة في بلاده، ليؤكد ان "العدالة تأخذ مجراها وهي بوجهيها الوطني والدولي مألوفة بالنسبة الينا." وبمعنى اوضح يشير الى ان تسريع اجراءاتها غير ممكن وكذلك تنفيذ ضغوط على اي من الافرقاء ولا سيما بالنسبة الى البلد المضيف: "نفضل دورا متجردا، ولا تخمينات تتعلق بتوقيت القرار او الاطراف الذين سيصار الى اتهامهم. فكلها امور من شأنها ان تمس صدقيتنا في شكل بالغ".
من المعلوم ان المحاكم الدولية في هولندا اضطلعت بدور مهم جدا على مستوى تعزيز النظام والعدالة العالميين. فقد استضافت الدولة الاوروبية، الى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة بسييراليون والمحكمة المتعلقة بقضية لوكربي. وهي محاكم تساهم في الحد من الافلات من العقاب وتالياً في بناء سلام دائم. وقد مثل امامها رؤساء دول وحكومات، ووزراء، وقادة جيوش.
يضفي دي بوور طابعا "تقنيا" على المسائل الامنية التي يكثر الحديث عنها في الفترة الاخيرة، مقراً بأن بلاده تتابع هذه الامور ويساورها قلق حيال سلامة الشهود، "فاذا طلب امين السجل في المحكمة تدابير خاصة في هذا الشأن، يتولى القسم الامني الاهتمام بها، باعتبارها خدمة تقنية"، بتعبيره. الامر نفسه ينطبق على امور تتعدى هذا الاطار، كاحتمال نقل اشخاص الى هولندا وسجنهم: "دورنا يتمثل هنا في توفير التدابير المناسبة لسلطات السجون. وكل ذلك يتم بطريقة تفاعلية. نسعى الى البقاء بعيدين من اي موقف سياسي او الانحياز الى اي طرف خلال العملية ككل".
معادلة بسيطة يطرحها تقضي بدعم قيام المحكمة بعملها في شكل صحيح، بالتزامن مع التركيز على "تقنيات" ضمنها، طبعا، قسم الدفاع بهدف توفير نوعية دفاع عالية للاشخاص الذين سيتم اتهامهم: "دوري الاساسي يقوم على شرح الامور وبطريقة حيادية ضمن منطق المسهل وليس كطرف يتولى القاء المسؤولية على اي من الافرقاء".
التزام … لا التزام
تسعى الديبلوماسية الهولندية الى التخفيف من وطأة التصريحات التي ادلى بها رئيس البعثة البرلمانية عقب زيارة لبنان وخصوصا موقفه القائل إنه لن يتفاجأ إذا اتبعت الحكومة اللبنانية الجديدة سياسة التأخير والمماطلة. سعي يبلوره دي بوور بالتأكيد ان رئيس الوزراء المكلف لم يقل اي جديد من وجهة نظره في شأن المحكمة وهو كان واضحا بتشديده على انه شخصيا، يهمه مواصلة التعاون معها . وفي الاطار عينه، ينقل عن الرئيس سليمان دعوته الى "نوعية عمل عالية" في اداء المحكمة، معترفاً بأن جزءاً من عملها تعرَّض للانتقاد. كما انه مر على قضية شهود الزور ضمن موقفه العام الذي اعرب فيه عن قلقه حيال تحول المحكمة جزءاً من التجاذب السياسي.
لا تخشى لاهاي امكان حصول ازمة تمويل في الهيئة القضائية المستقلة، رغم التلويحات المتكررة في هذا الشأن. فالطريقة المتبعة اليوم، والقاضية بان يدفع لبنان نسبة 49 في المئة على أن توفر بقية الدول 51 في المئة عبر مساهمات تطوعية، ستتواصل. اما اذا واجهت الدولة اللبنانية صعوبات وبرز نقص، فيمكن العودة الى مجلس الامن الذي يقرر كيفية المتابعة.
يعترف الهولنديون ببروز قلق حيال تأمين الدفعات، منذ انطلاق عمل المحكمة، قلق ما لبث ان استتبع بتحويل المال اللازم. لكنهم يقرون ايضا بأن هذا الاجراء جزء من النظام التطوعي الذي يبدو مألوفا بالنسبة الى الامم المتحدة باعتباره "تمرينا مستمرا يقضي بالتأكد ان المبالغ المالية الضرورية متوافرة". في موازاة ذلك، تلاحظ هولندا التزاما الى ابعد حد في مجلس الامن بالمحكمة، "ولا سبب يدفعنا الى الاعتقاد بأن المجلس قد ينحرف عن هذا التوجه في المستقبل". ملاحظة فتذكير بعضوية لبنان المتواصلة في هذا المجلس والمسؤوليات التي تترتب عنها: "لا يمكننا ان نتخيل امكان ان يقرر عضو في هذا المجلس عدم الالتزام بقرار صادر عنه. ثمة عوامل تتعلق بالصدقية في هذا المجال. فلبنان عضو فاعل ونتوقع ان يتواصل ذلك".
خلافاً لبعض المعطيات التي يتم ترويجها، لا تخشى "عاصمة" العدالة الدولية على الاستقرار اللبناني في حال نشر القرار الاتهامي. ويعرب الهولنديون عن تفاؤلهم بهذا المسار رغم اقرارهم بدور العامل الانساني في العملية: "فالمحكمة تضم افراداً وهم ايضا عرضة لبعض الحوادث والاخطاء. لكننا لم نرَ حتى الآن اي مؤشر الى احتمال بروز مشكلة كبيرة".
ينأى الديبلوماسي الهولندي بنفسه عن التعليق على التقارير المتعلقة بوجود "شهود ملوك" في بلاده، وكذلك على المواعيد المتضاربة عن احتمال نشر القرار الاتهامي معيداً بوصلة الحديث الى الاسس والمبادىء: " نؤمن حقاً بعدالة مستقلة، وبعدالة تأخذ مسارها. نأمل ان يتخطى لبنان الازمة الحكومية الراهنة، فهو بلد جميل وهناك الكثير الذي يجب تنفيذه هنا".