مقاوم
01-11-2011, 06:59 AM
خطايا الدولة المصرية في المسألة القبطية
كتب أ. محمد الزواوي*
http://ar.qawim.net/images/stories/qddisine.jpg
جاء تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليمثل نقطة فاصلة في تعامل الدولة المصرية مع الملف القبطي، فقد كان ذلك الاعتداء محصلة إخفاقات كثيرة حدثت في ذلك الملف جاء في ختامها ذلك المشهد الحزين الذي كان اعتداء على كل المصريين، ودفع الوطن جميعًا ثمنه من دماء أبنائه ودفع فاتورة الإخفاقات المتعاقبة في ذلك الملف الشائك الذي كان ينذر بانفجار مصر ولكن يبدو أن المشهد السياسي المصري كان معبئًا بما هو أهم في نظر الحكومة المصرية، وهو ما أدى إلى تأجيل ذلك الملف حتى تضخم ووصل إلى نقطة الانفجار.
فقد تزايدت تجاوزات الكنيسة في حق الدولة والإسلام بصورة مضطردة، وبدا أن الكنيسة كانت تختبر صبر الحكومة المصرية وكانت تتحسس مدى علو سقفها في تقديم التنازلات، وبدأت تتغول وتتوغل في مناطق لم تكن تستطيع أن تسير فيها مسبقًا؛ بدءًا من عرض مسرحية داخل الكنيسة تسخر من الدين الإسلامي ومن النبي صلى الله عليه وسلم، ومرورًا باحتجاز من أسلم من النصرانيات واختطافهن تحت حراسة الحكومة، وتطاول رؤساء الكنيسة على الإسلام وعلى المسلمين، واتهامهم للقرآن بالتحريف بل صعدوا حدة لهجتهم إلى درجة أن قالوا أن المسلمين "ضيوف" لدى المسيحيين في مصر، وانتهوا بالدخول في مواجهة مفتوحة مع رجال الشرطة بقنابل المولوتوف بإيعاز وتدبير كنسي، ليصل الاحتقان إلى مداه، وجاءت القشة الأخيرة بهذا الانفجار في كنيسة القديسين بالاسكندرية والذي هز مصر بكاملها، ونقل الصراع إلى مرحلة جديدة.
وتلك المرحلة الجديدة هي تدخل أطراف خارجية في ذلك الملف الداخلي الهام؛ فمن قام بذلك التفجير هو طرف خارجي، بتصريحات رئيس الجمهورية والأجهزة الأمنية، فمن غير المحتمل أن يكون ذلك الانفجار بتدبير من الداخل، وهو على الأرجح لا يخرج عن أحد ثلاثة، تنظيم القاعدة بالعراق أو الموساد أو أقباط المهجر، فالأول أصدر تهديدًا مباشرًا بتنفيذ عمليات ضد النصارى في مصر، والثاني هو صاحب المصلحة الأولى في تفجر الأوضاع في مصر بحسب روايات رئيس الموساد الأسبق الذي قال أن تفجير الصراعات الداخلية هو الهدف الأسمى لهم، كما تثبت عملية القبض على الجاسوسين مؤخرًا أن الموساد لا يزال يعمل جاهدًا لتقويض أمن مصر بصرف النظر عما يسمى باتفاقات السلام، أما أقباط المهجر فشأنهم شأن جميع الجماعات التي تعمل من الخارج لتقويض أمن مصر بالاشتراك مع جهات أجنبية، بما في ذلك الموساد وأعضاء من الكونجرس الأمريكي، ومن مصلحتهم المباشرة أن يستغلوا أية أزمات ضد أقباط الداخل من أجل نيل مكتسبات طائفية؛ وبعد إنشاء الكيان الصهيوني كان اليهود هم من يقومون بتفجيرات داخل مصر ضد اليهود لإجبارهم على الهجرة إلى الكيان الصهيوني.
ولكن تكمن الخطورة الآن فيما بعد تلك التفجيرات، وهو إقدام الدولة المصرية على تقديم مزيد من التنازلات من أجل إغلاق أو حتى تأجيل الملف القبطي حتى تنتهي أزمة انتقال السلطة، وهي المشكلة الأكبر لدى المؤسسة الرئاسية ولدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ـ تلك المشكلة التي من أجلها تم إخراج الانتخابات البرلمانية بتلك الصورة التي شوهت وجه مصر، والتي من أجلها تم إقصاء العديد من الصحفيين والإعلاميين ـ، ولكن الحل للمشكلة الطائفية في مصر لا يكمن في تقديم تنازلات، ولكن في إرساء مبادئ العدل وإعلاء قيمة القانون، وعدم تجاوزه والقفز عليه ـ مثلما حدث في حالة الإفراج عن كافة المتهمين في أحداث العمرانية ـ، وإرساء قواعد الدولة الراشدة التي تعامل أبناء وطنها جميعًا بكل إنصاف ولا تعامل أي كيان داخلي على أنه دولة داخل الدولة، ولا تطبق قانون الطوارئ على البعض ولا تطبقه على الآخر.
كما يجب على الدولة المصرية أن تهتم بأمن المواطن وليس فقط بأمن النظام؛ وأمن المواطن يبدأ من توفير الحياة الكريمة له والمساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وإرساء قواعد حقيقية لمراقبة الأداء الحكومي والفصل بين السلطات وأن يتم سن قوانين تجرم التطاول على الأديان وتحفظ حقوق مواطنيها بألا يتم احتجازهم قسرًا في مراكز الشرطة أو في الكنائس أو دور العبادة تحت أي ذريعة كانت، ومن أمن المواطن أيضًا أن يشعر بالأمان في بلده وألا تحصد أرواحه حوادث الطرق أو الأمراض الفتاكة نتيجة المعايير البيئية السيئة في مياه الشرب والصرف، وحينئذ فقط سيكون ولاءه للدولة وليس ولاءه لأي طرف آخر داخلي كان أم خارجي.
وفيما يتعلق بالمطالب المسيحية بتعديل قوانين إنشاء دور العبادة فالأولى أن تعمل الدولة على ترشيد الخطاب الديني الكنسي وعدم تطرقه إلى السياسة ـ كما هو الحال مع المؤسسة الدينية الإسلامية ـ قبل أن تزيد من عدد كنائسهم، وعدم استغلالهم لمنشآت الكنيسة الاجتماعية والطبية في تنصير المسلمين أو في إنشاء دولة بديلة موازية تقوم بتقديم خدمات وإعانات للنصارى وجعل ولاءهم الأول للكنيسة وليس للدولة، بإنشاء شبكة أمان اجتماعية لهم تجعلهم أكثر ارتباطًا بالكنيسة وأكثر حنقًا على الدولة، كما يجب أن يتم إنشاء هيئة أوقاف مسيحية يعين وزيرها كما يعين وزير الأوقاف الإسلامية، وأن تخضع تمويلاتهم وتبرعاتهم للرقابة الحكومية مثل أقرانهم من المسلمين، وأن تمارس الدولة رقابتها على الخطاب الديني المسيحي كما تمارسه على الخطاب الديني الإسلامي، إذا كانوا يريدون مساواة في الدولة المصرية.
كما يجب على الدولة المصرية أن تراقب عمليات شراء الأراضي التي تتم باسم الكنيسة في المناطق النائية في كل أنحاء مصر وبخاصة في المحافظات الحدودية، وأن تعلن بكل صراحة ووضوح عن أية مخططات يتم اكتشافها من أجل مصلحة الدولة المصرية بكاملها، ومن أجل وأد أي محاولات لتقطيع أوصال ذلك الوطن الذي يعد محوريًا في العالم العربي، كما أنه مستهدف من العالم الغربي ولا يزال تحت منظاره الذي يراقب عن كثب عملية انتقال السلطة في مصر، وبالرغم من معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني إلا أن مصر هي الهدف الأول على منظار قناصة بني صهيون وعمليات الموساد أكثر من أن تحصر ضد مصر ولا نسمع عن مقابلها ضد تل أبيب.
وكما تحركت الدولة المصرية ضد القنوات الإسلامية كان الأولى بها أن تتحرك ضد القنوات المسيحية التي تكاثرت بصورة غير مسبوقة وتقدم خطابًا دينيًا متطرفًا يغذي الشعور بالاضطهاد لدى المسيحيين في مصر ويحاول أن يرسخ في أذهانهم تلك الدولة البديلة التي هي وطن يعيش فيهم وليس وطن يعيشون فيه بحسب تصريحات البابا شنودة، والتي يتناقلها الجهلاء على أنها دليل على حبه لمصر، ولكنها دليل على أن الوطن الذي يحلم به لا يزال في مخيلته ولم يخرج إلى الوجود بعد، وأنه لا يزال يعيش بداخله كحلم في انتظار التحقيق.
كما يجب على الحكومة المصرية أن تعمل على الحصول على الإجماع الشعبي بالوسائل الشرعية وليس من خلال التزوير، ففي تلك الحالة تستطيع أن تتحرك ضد أي من مثيري الشغب في أي مكان ولا تخشى الضغوط الخارجية لأنها تستمد شرعيتها من الداخل وليس من الخارج، وإذا كانت الدولة قوية وصاحبة منطق سليم تستطيع أن تحشد الشعب كله وراء ملاحقة المتطرفين من الجانبين، وتستطيع أن تبني قضية قوية ضد من يخرج على النظام حتى لو كان باسم الدين.
كما يجب التحرك بقوة ضد أقباط المهجر الذين يمثلون تنظيمًا دوليًا مشابه لتنظيم الإخوان المسلمين ـ إذا أراد المسيحيون المعاملة بالمثل في مصر ـ؛ حيث يضم ذلك التنظيم بين أطيافه مسيحيين من مختلف أنحاء العالم ولهم شبكة تمويلات ضخمة كان يقودها الملياردير المصري عدلي أبادير الذي هلك قريبًا، ولكن شبكة التمويل لا تزال منصوبة وتستهدف زعزعة أمن واستقرار مصر والاستقواء بالخارج، ولهم مخططات لا تختلف كثيرًا عن مخططات الأمريكيين من أصل سوداني الذين نشطوا في الكونجرس الأمريكي من أجل تقطيع أوصال السودان، وهو ما بدا أنهم نجحوا فيه في النهاية، ولا يجب على مصر أن تنتظر على يتكرر ذلك السيناريو مرة أخرى في مصر بطلب استفتاء على حق تقرير مصير المسيحيين في مصر وانفصالهم بدولة في النهاية.
إن حادثة تفجير كنيسة الإسكندرية قد هزت كل المصريين وأوقعت منهم جرحى وقتلى باختلاف دينهم، وتلك الحادثة تعبر عن تقصير أمني أكثر مما تعبر عن اضطهاد ديني بعكس ما يريد أن يروج له المروجون من الطرف الكنسي، ولا يجب بحال من الأحوال أن تتخذ ذريعة لاهتبال المزيد من الامتيازات والتنازلات على حساب الوطن ككل، ولا يجب أن يُقدم القتلى والجرحى من المسلمين والمسيحيين كقرابين على المذبح الكنسي من أجل نيل المزيد من المكتسبات والمزيد من الشحن الطائفي والانحياز للكنيسة على حساب المسجد، فالمشكلة في مصر لا تكمن في أنها تضطهد الأقباط أو أنها تتعسف في بناء دور عبادتهم، أو أنها تقصيهم من الوظائف الحكومية أو أنها تمارس التمييز ضدهم ـ فكل ذلك يتم ضد كل المصريين ـ ولكن المشكلة في مصر هي تعاظم أمن النظام على حساب أمن المواطن، وغياب العدل الاجتماعي من أجل مصلحة فئة قليلة من رجال الأعمال الذين جمعوا السلطة والثروة ويرفضون التنازل عنها، والذي يدفع فاتورة ذلك هم كل أبناء الشعب المصري بلا استثناء.
كاتب وباحث إسلامي مصري.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
كتب أ. محمد الزواوي*
http://ar.qawim.net/images/stories/qddisine.jpg
جاء تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليمثل نقطة فاصلة في تعامل الدولة المصرية مع الملف القبطي، فقد كان ذلك الاعتداء محصلة إخفاقات كثيرة حدثت في ذلك الملف جاء في ختامها ذلك المشهد الحزين الذي كان اعتداء على كل المصريين، ودفع الوطن جميعًا ثمنه من دماء أبنائه ودفع فاتورة الإخفاقات المتعاقبة في ذلك الملف الشائك الذي كان ينذر بانفجار مصر ولكن يبدو أن المشهد السياسي المصري كان معبئًا بما هو أهم في نظر الحكومة المصرية، وهو ما أدى إلى تأجيل ذلك الملف حتى تضخم ووصل إلى نقطة الانفجار.
فقد تزايدت تجاوزات الكنيسة في حق الدولة والإسلام بصورة مضطردة، وبدا أن الكنيسة كانت تختبر صبر الحكومة المصرية وكانت تتحسس مدى علو سقفها في تقديم التنازلات، وبدأت تتغول وتتوغل في مناطق لم تكن تستطيع أن تسير فيها مسبقًا؛ بدءًا من عرض مسرحية داخل الكنيسة تسخر من الدين الإسلامي ومن النبي صلى الله عليه وسلم، ومرورًا باحتجاز من أسلم من النصرانيات واختطافهن تحت حراسة الحكومة، وتطاول رؤساء الكنيسة على الإسلام وعلى المسلمين، واتهامهم للقرآن بالتحريف بل صعدوا حدة لهجتهم إلى درجة أن قالوا أن المسلمين "ضيوف" لدى المسيحيين في مصر، وانتهوا بالدخول في مواجهة مفتوحة مع رجال الشرطة بقنابل المولوتوف بإيعاز وتدبير كنسي، ليصل الاحتقان إلى مداه، وجاءت القشة الأخيرة بهذا الانفجار في كنيسة القديسين بالاسكندرية والذي هز مصر بكاملها، ونقل الصراع إلى مرحلة جديدة.
وتلك المرحلة الجديدة هي تدخل أطراف خارجية في ذلك الملف الداخلي الهام؛ فمن قام بذلك التفجير هو طرف خارجي، بتصريحات رئيس الجمهورية والأجهزة الأمنية، فمن غير المحتمل أن يكون ذلك الانفجار بتدبير من الداخل، وهو على الأرجح لا يخرج عن أحد ثلاثة، تنظيم القاعدة بالعراق أو الموساد أو أقباط المهجر، فالأول أصدر تهديدًا مباشرًا بتنفيذ عمليات ضد النصارى في مصر، والثاني هو صاحب المصلحة الأولى في تفجر الأوضاع في مصر بحسب روايات رئيس الموساد الأسبق الذي قال أن تفجير الصراعات الداخلية هو الهدف الأسمى لهم، كما تثبت عملية القبض على الجاسوسين مؤخرًا أن الموساد لا يزال يعمل جاهدًا لتقويض أمن مصر بصرف النظر عما يسمى باتفاقات السلام، أما أقباط المهجر فشأنهم شأن جميع الجماعات التي تعمل من الخارج لتقويض أمن مصر بالاشتراك مع جهات أجنبية، بما في ذلك الموساد وأعضاء من الكونجرس الأمريكي، ومن مصلحتهم المباشرة أن يستغلوا أية أزمات ضد أقباط الداخل من أجل نيل مكتسبات طائفية؛ وبعد إنشاء الكيان الصهيوني كان اليهود هم من يقومون بتفجيرات داخل مصر ضد اليهود لإجبارهم على الهجرة إلى الكيان الصهيوني.
ولكن تكمن الخطورة الآن فيما بعد تلك التفجيرات، وهو إقدام الدولة المصرية على تقديم مزيد من التنازلات من أجل إغلاق أو حتى تأجيل الملف القبطي حتى تنتهي أزمة انتقال السلطة، وهي المشكلة الأكبر لدى المؤسسة الرئاسية ولدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ـ تلك المشكلة التي من أجلها تم إخراج الانتخابات البرلمانية بتلك الصورة التي شوهت وجه مصر، والتي من أجلها تم إقصاء العديد من الصحفيين والإعلاميين ـ، ولكن الحل للمشكلة الطائفية في مصر لا يكمن في تقديم تنازلات، ولكن في إرساء مبادئ العدل وإعلاء قيمة القانون، وعدم تجاوزه والقفز عليه ـ مثلما حدث في حالة الإفراج عن كافة المتهمين في أحداث العمرانية ـ، وإرساء قواعد الدولة الراشدة التي تعامل أبناء وطنها جميعًا بكل إنصاف ولا تعامل أي كيان داخلي على أنه دولة داخل الدولة، ولا تطبق قانون الطوارئ على البعض ولا تطبقه على الآخر.
كما يجب على الدولة المصرية أن تهتم بأمن المواطن وليس فقط بأمن النظام؛ وأمن المواطن يبدأ من توفير الحياة الكريمة له والمساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وإرساء قواعد حقيقية لمراقبة الأداء الحكومي والفصل بين السلطات وأن يتم سن قوانين تجرم التطاول على الأديان وتحفظ حقوق مواطنيها بألا يتم احتجازهم قسرًا في مراكز الشرطة أو في الكنائس أو دور العبادة تحت أي ذريعة كانت، ومن أمن المواطن أيضًا أن يشعر بالأمان في بلده وألا تحصد أرواحه حوادث الطرق أو الأمراض الفتاكة نتيجة المعايير البيئية السيئة في مياه الشرب والصرف، وحينئذ فقط سيكون ولاءه للدولة وليس ولاءه لأي طرف آخر داخلي كان أم خارجي.
وفيما يتعلق بالمطالب المسيحية بتعديل قوانين إنشاء دور العبادة فالأولى أن تعمل الدولة على ترشيد الخطاب الديني الكنسي وعدم تطرقه إلى السياسة ـ كما هو الحال مع المؤسسة الدينية الإسلامية ـ قبل أن تزيد من عدد كنائسهم، وعدم استغلالهم لمنشآت الكنيسة الاجتماعية والطبية في تنصير المسلمين أو في إنشاء دولة بديلة موازية تقوم بتقديم خدمات وإعانات للنصارى وجعل ولاءهم الأول للكنيسة وليس للدولة، بإنشاء شبكة أمان اجتماعية لهم تجعلهم أكثر ارتباطًا بالكنيسة وأكثر حنقًا على الدولة، كما يجب أن يتم إنشاء هيئة أوقاف مسيحية يعين وزيرها كما يعين وزير الأوقاف الإسلامية، وأن تخضع تمويلاتهم وتبرعاتهم للرقابة الحكومية مثل أقرانهم من المسلمين، وأن تمارس الدولة رقابتها على الخطاب الديني المسيحي كما تمارسه على الخطاب الديني الإسلامي، إذا كانوا يريدون مساواة في الدولة المصرية.
كما يجب على الدولة المصرية أن تراقب عمليات شراء الأراضي التي تتم باسم الكنيسة في المناطق النائية في كل أنحاء مصر وبخاصة في المحافظات الحدودية، وأن تعلن بكل صراحة ووضوح عن أية مخططات يتم اكتشافها من أجل مصلحة الدولة المصرية بكاملها، ومن أجل وأد أي محاولات لتقطيع أوصال ذلك الوطن الذي يعد محوريًا في العالم العربي، كما أنه مستهدف من العالم الغربي ولا يزال تحت منظاره الذي يراقب عن كثب عملية انتقال السلطة في مصر، وبالرغم من معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني إلا أن مصر هي الهدف الأول على منظار قناصة بني صهيون وعمليات الموساد أكثر من أن تحصر ضد مصر ولا نسمع عن مقابلها ضد تل أبيب.
وكما تحركت الدولة المصرية ضد القنوات الإسلامية كان الأولى بها أن تتحرك ضد القنوات المسيحية التي تكاثرت بصورة غير مسبوقة وتقدم خطابًا دينيًا متطرفًا يغذي الشعور بالاضطهاد لدى المسيحيين في مصر ويحاول أن يرسخ في أذهانهم تلك الدولة البديلة التي هي وطن يعيش فيهم وليس وطن يعيشون فيه بحسب تصريحات البابا شنودة، والتي يتناقلها الجهلاء على أنها دليل على حبه لمصر، ولكنها دليل على أن الوطن الذي يحلم به لا يزال في مخيلته ولم يخرج إلى الوجود بعد، وأنه لا يزال يعيش بداخله كحلم في انتظار التحقيق.
كما يجب على الحكومة المصرية أن تعمل على الحصول على الإجماع الشعبي بالوسائل الشرعية وليس من خلال التزوير، ففي تلك الحالة تستطيع أن تتحرك ضد أي من مثيري الشغب في أي مكان ولا تخشى الضغوط الخارجية لأنها تستمد شرعيتها من الداخل وليس من الخارج، وإذا كانت الدولة قوية وصاحبة منطق سليم تستطيع أن تحشد الشعب كله وراء ملاحقة المتطرفين من الجانبين، وتستطيع أن تبني قضية قوية ضد من يخرج على النظام حتى لو كان باسم الدين.
كما يجب التحرك بقوة ضد أقباط المهجر الذين يمثلون تنظيمًا دوليًا مشابه لتنظيم الإخوان المسلمين ـ إذا أراد المسيحيون المعاملة بالمثل في مصر ـ؛ حيث يضم ذلك التنظيم بين أطيافه مسيحيين من مختلف أنحاء العالم ولهم شبكة تمويلات ضخمة كان يقودها الملياردير المصري عدلي أبادير الذي هلك قريبًا، ولكن شبكة التمويل لا تزال منصوبة وتستهدف زعزعة أمن واستقرار مصر والاستقواء بالخارج، ولهم مخططات لا تختلف كثيرًا عن مخططات الأمريكيين من أصل سوداني الذين نشطوا في الكونجرس الأمريكي من أجل تقطيع أوصال السودان، وهو ما بدا أنهم نجحوا فيه في النهاية، ولا يجب على مصر أن تنتظر على يتكرر ذلك السيناريو مرة أخرى في مصر بطلب استفتاء على حق تقرير مصير المسيحيين في مصر وانفصالهم بدولة في النهاية.
إن حادثة تفجير كنيسة الإسكندرية قد هزت كل المصريين وأوقعت منهم جرحى وقتلى باختلاف دينهم، وتلك الحادثة تعبر عن تقصير أمني أكثر مما تعبر عن اضطهاد ديني بعكس ما يريد أن يروج له المروجون من الطرف الكنسي، ولا يجب بحال من الأحوال أن تتخذ ذريعة لاهتبال المزيد من الامتيازات والتنازلات على حساب الوطن ككل، ولا يجب أن يُقدم القتلى والجرحى من المسلمين والمسيحيين كقرابين على المذبح الكنسي من أجل نيل المزيد من المكتسبات والمزيد من الشحن الطائفي والانحياز للكنيسة على حساب المسجد، فالمشكلة في مصر لا تكمن في أنها تضطهد الأقباط أو أنها تتعسف في بناء دور عبادتهم، أو أنها تقصيهم من الوظائف الحكومية أو أنها تمارس التمييز ضدهم ـ فكل ذلك يتم ضد كل المصريين ـ ولكن المشكلة في مصر هي تعاظم أمن النظام على حساب أمن المواطن، وغياب العدل الاجتماعي من أجل مصلحة فئة قليلة من رجال الأعمال الذين جمعوا السلطة والثروة ويرفضون التنازل عنها، والذي يدفع فاتورة ذلك هم كل أبناء الشعب المصري بلا استثناء.
كاتب وباحث إسلامي مصري.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"