عبد الله بوراي
01-02-2011, 09:51 AM
من أجمل ما قرأت:_
يقول مصطفى صادق الرافعي في "وحي القلم"
: أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء ، وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف ؟
أولئك في أخلاقهم كاللوح من البللور ، يُظهر النورُ نفسه فيه ، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب ، يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير !
وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها ، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ، ويغير ويبدل ، ويظهر ويخفي ، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة ، فهو معه في كل حالة ؛ يسأله : ماذا تفعل ؟ وماذا تقول ؟
والرجل الديني لا تتحول أخلاقه ، ولا تتفاوت ، ولا يجيء كل يوم من حوادث اليوم ، فهي بأخلاقه كلها ، لا يكون مرة ببعضها ومرة ببعضها ، ولن تراه مع ذوي السلطان وأهل الحكم والنعمة كعالم السوء هذا ؛ الذي لو نطقت أفعاله لقالت لله بلسانه : هم يعطوني الدراهم والدنانير ، فأين دراهمك أنت ودنانيرك ؟
إن الدينار يا ولدي إذا كان صحيحا في أحد وجهيه دون الآخر ، أو في بعضه دون بعض ، فهو زائف كله .[1]
قال عبد الرزاق : قدمنا مكة وقدمها الذي يقال له المهدي ، فحضرت الثوري وقد خرج من عنده وهو مغضب فقال : أدخلت آنفا إلي ابن أبي جعفر ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، طلبناك فأعجزتنا فأمكننا الله منك في أحب المواضع إليه ، فارفع إلينا حوائجك ، قال : فقلت : وأي حاجة تكون لي إليك وأولاد المهاجرين وأولاد الأنصار يموتون خلف بابك جوعا ؟ فقال لي أبو عبيد الله: يا أبا عبد الله لا تكثر الفضول واطلب حوائجك من أمير المؤمنين، فقلت: مالي إليه من حاجة، لقد اخبرني إسماعيل بن أبي خالد أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - حج فقال لصاحب نفقته : كم أنفقنا في حجنا هذا ؟ قال : اثنا عشر دينارا، قال: أكثرنا ، أكثرنا ، أو قال: أسرفنا ، أسرفنا، وعلى أبوابكم أمور لا تقوم لها الجبال الراسيات. قال فقال لي ابن أبي جعفر: يا أبا عبد الله ، أفرأيت إن لم اقدر أن أوصل إلى كل ذي حق حقه فما أصنع ؟ قال: تفر بدينك وتلزم بيتك وتترك الأمر ومن يقدر أن يوصل إلى كل ذي حق حقه، قال فسكت، وقال لي أبو عبيد الله : أراك تكثر الفضول ، إن كانت لك حاجة فاطلبها وإلا فانصرف، قال فانصرفت.[2]
والله لكأن الأمر بالمعروف في زماننا يبكي على سفيان ؛ لكثرة علماء السوء الذين فرطحوا نعالهم أمام أبواب الحكام ، ودبّجـوا لهم فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان .[3]
قال أبو بكر ابن الطحان : كان في دولة الأفضل جعلوا الملاهي عند الدرج – يعني درج جيرون- ، فجاء الحافظ – الأثري عبد الغني المقدسي - فكسر شيئا كثيرا، ثم صعد المنبر يقرأ الحديث، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشبابة ، فقال: ذاك عندي حرام ولا أمشي إليه، ثم قرأ الحديث..فعاد الرسول فقال: لابد من المشي إليه، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول وخفنا، فما جاء أحد.[4]
وأما سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام ، فله السيرة الهمة العليا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. لما تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين ، تصدى له سلطان العلماء ، فحرم ذلك وحرم بيع السلاح للفرنج ، ولم يدعُ للصالح ... فاعتقله بعون حاشية الشيطان .. ثم سير الصالح إسماعيل بعض خواصه يستلطف الشيخ قائلا : بيني وبينك أن تعود إلى مناصبك ، وما كنت عليه وزيادة ، أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير .. وهنا قال سلطان العلماء كلمات استعلاء أهل العلم وعزة العقيدة : " والله يا مسكين ، ما أرضاه أن يقبل يدي ، فضلا أن أقبل يده .. يا قوم ، أنتم في واد وأنا في واد .. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به " ... ولما كان ملوك الفرنج يسمعون تلاوته ويرون حاله وعبادته في الحبس قالوا للصالح إسماعيل : لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه ، وشربنا مرقتها . [5]
هذا هو العالم الرباني .. أما علماء السوء فهم أقل من أن ننشغل بحكاية خبر بعضهم ، وأصدق وصف للفرد منهم :
يرمرمُ من فُتات الكفر قوتا == ويشرب من كؤوسهمُ الثمالهْ
يقبل راحة الطاغوت حينا == ويَلثَمُ دونما خجل نِعَالَهْ
[1] وحي القلم .. نقلا عن صلاح الأمة للعفاني .
[2] الجرح والتعديــــل .
[3] صلاح الأمـــة .
[4] سير أعلام النبــلاء .
[5] طبقات الشافعية مختصرا على الشاهد .
يقول مصطفى صادق الرافعي في "وحي القلم"
: أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء ، وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف ؟
أولئك في أخلاقهم كاللوح من البللور ، يُظهر النورُ نفسه فيه ، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب ، يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير !
وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها ، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ، ويغير ويبدل ، ويظهر ويخفي ، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة ، فهو معه في كل حالة ؛ يسأله : ماذا تفعل ؟ وماذا تقول ؟
والرجل الديني لا تتحول أخلاقه ، ولا تتفاوت ، ولا يجيء كل يوم من حوادث اليوم ، فهي بأخلاقه كلها ، لا يكون مرة ببعضها ومرة ببعضها ، ولن تراه مع ذوي السلطان وأهل الحكم والنعمة كعالم السوء هذا ؛ الذي لو نطقت أفعاله لقالت لله بلسانه : هم يعطوني الدراهم والدنانير ، فأين دراهمك أنت ودنانيرك ؟
إن الدينار يا ولدي إذا كان صحيحا في أحد وجهيه دون الآخر ، أو في بعضه دون بعض ، فهو زائف كله .[1]
قال عبد الرزاق : قدمنا مكة وقدمها الذي يقال له المهدي ، فحضرت الثوري وقد خرج من عنده وهو مغضب فقال : أدخلت آنفا إلي ابن أبي جعفر ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، طلبناك فأعجزتنا فأمكننا الله منك في أحب المواضع إليه ، فارفع إلينا حوائجك ، قال : فقلت : وأي حاجة تكون لي إليك وأولاد المهاجرين وأولاد الأنصار يموتون خلف بابك جوعا ؟ فقال لي أبو عبيد الله: يا أبا عبد الله لا تكثر الفضول واطلب حوائجك من أمير المؤمنين، فقلت: مالي إليه من حاجة، لقد اخبرني إسماعيل بن أبي خالد أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - حج فقال لصاحب نفقته : كم أنفقنا في حجنا هذا ؟ قال : اثنا عشر دينارا، قال: أكثرنا ، أكثرنا ، أو قال: أسرفنا ، أسرفنا، وعلى أبوابكم أمور لا تقوم لها الجبال الراسيات. قال فقال لي ابن أبي جعفر: يا أبا عبد الله ، أفرأيت إن لم اقدر أن أوصل إلى كل ذي حق حقه فما أصنع ؟ قال: تفر بدينك وتلزم بيتك وتترك الأمر ومن يقدر أن يوصل إلى كل ذي حق حقه، قال فسكت، وقال لي أبو عبيد الله : أراك تكثر الفضول ، إن كانت لك حاجة فاطلبها وإلا فانصرف، قال فانصرفت.[2]
والله لكأن الأمر بالمعروف في زماننا يبكي على سفيان ؛ لكثرة علماء السوء الذين فرطحوا نعالهم أمام أبواب الحكام ، ودبّجـوا لهم فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان .[3]
قال أبو بكر ابن الطحان : كان في دولة الأفضل جعلوا الملاهي عند الدرج – يعني درج جيرون- ، فجاء الحافظ – الأثري عبد الغني المقدسي - فكسر شيئا كثيرا، ثم صعد المنبر يقرأ الحديث، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشبابة ، فقال: ذاك عندي حرام ولا أمشي إليه، ثم قرأ الحديث..فعاد الرسول فقال: لابد من المشي إليه، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول وخفنا، فما جاء أحد.[4]
وأما سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام ، فله السيرة الهمة العليا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. لما تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين ، تصدى له سلطان العلماء ، فحرم ذلك وحرم بيع السلاح للفرنج ، ولم يدعُ للصالح ... فاعتقله بعون حاشية الشيطان .. ثم سير الصالح إسماعيل بعض خواصه يستلطف الشيخ قائلا : بيني وبينك أن تعود إلى مناصبك ، وما كنت عليه وزيادة ، أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير .. وهنا قال سلطان العلماء كلمات استعلاء أهل العلم وعزة العقيدة : " والله يا مسكين ، ما أرضاه أن يقبل يدي ، فضلا أن أقبل يده .. يا قوم ، أنتم في واد وأنا في واد .. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به " ... ولما كان ملوك الفرنج يسمعون تلاوته ويرون حاله وعبادته في الحبس قالوا للصالح إسماعيل : لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه ، وشربنا مرقتها . [5]
هذا هو العالم الرباني .. أما علماء السوء فهم أقل من أن ننشغل بحكاية خبر بعضهم ، وأصدق وصف للفرد منهم :
يرمرمُ من فُتات الكفر قوتا == ويشرب من كؤوسهمُ الثمالهْ
يقبل راحة الطاغوت حينا == ويَلثَمُ دونما خجل نِعَالَهْ
[1] وحي القلم .. نقلا عن صلاح الأمة للعفاني .
[2] الجرح والتعديــــل .
[3] صلاح الأمـــة .
[4] سير أعلام النبــلاء .
[5] طبقات الشافعية مختصرا على الشاهد .