من هناك
01-02-2011, 05:35 AM
الأحد, 02 يناير 2011
صدر حديثا كتاب "الحركة الإسلامية التركية.. معالم التجربة وحدود المنوال في العالم العربي"، تأليف: جلال ورغي عدد الصفحات: 120 الناشر: مركز الجزيرة للدراسات، والدار العربية للعلوم، الدوحة وبيروت الطبعة الأولى 2010. يدخل الكتاب في سياق الاهتمام المتزايد التي باتت تحظى به التجربة أو النموذج التركي في المجال الفكري والثقافي العربي، حيث صدرت في الآونة الأخيرة مؤلفات ودراسات عديدة من طرف كتاب وباحثين عرب، تناولوا تفاصيل مختلفة من التجربة التركية وتنامي الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن استقطاب هذه التجربة أنظار واهتمام قطاعات شعبية عربية واسعة، خاصة في بلدان المشرق العربي، إلى جانب اهتمام النخب السياسية والثقافية العربية.
http://veecos.net/portal/images/stories/jalecl1.jpg
ينطلق المؤلف من فرضية تفيد بأن التجربة التركية تبدو في أيامنا هذه، الأكثر قرباً من العالم العربي تاريخاً وجغرافيةً، والأوفر حظاً في أن تلهم العالم العربي معالم تجربة فريدة في النهوض والتنمية.
ويذهب إلى حد القول بأن تجربة التنظيمات العثمانية وما صاحبها من إصلاحات في تركيا العثمانية خلال القرن التاسع عشر، مثلت تاريخياً التجربة الأكثر إلهاماً للعرب في قضايا الإصلاح والنهوض. وتتأهل تركيا اليوم باقتدار لتلعب من جديد دوراً شبيهاً في عالم متغير، قد تكون فيه هذه التجربة أكثر نضجاً وأصلب عوداً من سابقتها، نظراً للتحول في موازين القوى واختلاف الأفق التاريخي بين تلك التجربة وتجربة القرن الواحد والعشرين.
علاقة الدين بالدولة
تستحق التجربة التركية الحديثة والمعاصرة التوقف عندها ملياً بغية إبراز أهم معالمها ومحطاتها ومقوماتها، خاصة التطور والتغير المستمر الذي طال علاقة الدين بالدولة فيها، وبالتحديد علاقة الدولة الأتاتوركية بالدين الإسلامي، ومن ثم تبيان الديناميكية التي ميزت علاقة التيار العلماني بالتيار الإسلامي، وإظهار أهم المحطات المفصلية التي طبعت هذه العلاقة.
وفي هذا المجال، يتناول المؤلف التجربة التركية منذ قيام الجمهورية الكمالية عام 1923، محاولاً إعادة قراءة التجربة الكمالية من منظور جديد ووضعها في سياقها التاريخي، وراصداً تجربة الحركة الإسلامية التركية وأطوارها المختلفة، وما عرفته من ديناميكية في التحول والتطور، وباحثاً في حدود الاستفادة من المثال أو النموذج التركي من قبل المهتمين في العالم العربي.
ولا شك في أن العلاقة التي طبعت الدولة التركية في نسختها الكمالية بالحركة الإسلامية بمختلف تياراتها، هي علاقة معقدة ومركبة، ومختلفة عن الفهم التبسيطي الذي يصور مسار التدافع بين الطرفين على أنه مواجهة واضحة بين العلمانية التركية والإسلام، كونها أكثر تعقيداً من هذا التفسير الذي ينحو منحى ايدولوجيا ثقافياً ضيقاً، حيث تقدم تركيا في أيامنا هذه نموذجاً حيوياً وفريداً في امتحان واختبار دور الإسلام في الحياة السياسية وتأثيراته في رسم معالم السياسات الخارجية للدول الكبرى.
ويعتبر المؤلف هذا "المنوال" الفريد الذي يشق طريقه بثقة وثبات على طريق مسيرة "ديمقراطية" مميزة، تجربة تطبعها إرادة القيادة السياسية التركية بالتحرك ليس فقط كإحدى القوى الغربية وكقوة أوروبية أيضاً، بل أيضاً بأريحية وسيادة كاملة في اجتراح سياسة خارجية بعيدة عن الارتهان لأي إملاءات خارجية، الأمر الذي مكنها من تحقيق نتائج مهمة في إحدى القضايا الداخلية الملتهبة بسبب أبعادها الدولية والإقليمية، ألا وهي القضية الكردية، ولعبت دوراً هاماً في مجمل قضايا منطقة الشرق الوسط والعالم المحيط بها.
وينظر المؤلف إلى موقع الدين في المشهد التركي الراهن على الصعيد العام والخاص، بوصفه عاكساً للتطور الطارئ على الفكر العلماني الذي وجد نفسه تحت ضغوطات الجدل والحوار الدائر بين نخبة من المثقفين الجدد، خصوصاً بعدما بات التدين حالة عامة، بل ومقبولة حتى في الممارسة الشخصية للعلمانيين، مع الحرص في نفس الوقت على أن لا يتم الخلط بين الإسلام والسياسة، وأن لا يتم الانزلاق إلى الحالة المتوترة التي يشهدها الشرق الأوسط بسبب هذا الخلط حسب رؤيتهم، ذلك أن الأساس الذي يوحد العلمانيين اليوم هو أن لا تتم التضحية بالقيم الغربية التي تشبعوا بها، ولا المصالح التي وحدت بينهم.
ويخلص المؤلف إلى أن الحاجة ملحة لاستدعاء "المنوال التركي"، خصوصاً في هذا المشهد القاتم لأوضاع الكثير من الحركات الإسلامية، حيث يبدو النموذج التركي في أيامنا هذه كفرصة تاريخية تساعد في إعادة رسم هذه العلاقة المتوترة بين النخب الحاكمة العربية والنخبة العلمانية من جهة، والتيار الإسلامي من جهة أخرى، وذلك مع استمرار المأزق السياسي العربي المجسد في غياب الديمقراطية.
المصدر: الجزيرة نت
صدر حديثا كتاب "الحركة الإسلامية التركية.. معالم التجربة وحدود المنوال في العالم العربي"، تأليف: جلال ورغي عدد الصفحات: 120 الناشر: مركز الجزيرة للدراسات، والدار العربية للعلوم، الدوحة وبيروت الطبعة الأولى 2010. يدخل الكتاب في سياق الاهتمام المتزايد التي باتت تحظى به التجربة أو النموذج التركي في المجال الفكري والثقافي العربي، حيث صدرت في الآونة الأخيرة مؤلفات ودراسات عديدة من طرف كتاب وباحثين عرب، تناولوا تفاصيل مختلفة من التجربة التركية وتنامي الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن استقطاب هذه التجربة أنظار واهتمام قطاعات شعبية عربية واسعة، خاصة في بلدان المشرق العربي، إلى جانب اهتمام النخب السياسية والثقافية العربية.
http://veecos.net/portal/images/stories/jalecl1.jpg
ينطلق المؤلف من فرضية تفيد بأن التجربة التركية تبدو في أيامنا هذه، الأكثر قرباً من العالم العربي تاريخاً وجغرافيةً، والأوفر حظاً في أن تلهم العالم العربي معالم تجربة فريدة في النهوض والتنمية.
ويذهب إلى حد القول بأن تجربة التنظيمات العثمانية وما صاحبها من إصلاحات في تركيا العثمانية خلال القرن التاسع عشر، مثلت تاريخياً التجربة الأكثر إلهاماً للعرب في قضايا الإصلاح والنهوض. وتتأهل تركيا اليوم باقتدار لتلعب من جديد دوراً شبيهاً في عالم متغير، قد تكون فيه هذه التجربة أكثر نضجاً وأصلب عوداً من سابقتها، نظراً للتحول في موازين القوى واختلاف الأفق التاريخي بين تلك التجربة وتجربة القرن الواحد والعشرين.
علاقة الدين بالدولة
تستحق التجربة التركية الحديثة والمعاصرة التوقف عندها ملياً بغية إبراز أهم معالمها ومحطاتها ومقوماتها، خاصة التطور والتغير المستمر الذي طال علاقة الدين بالدولة فيها، وبالتحديد علاقة الدولة الأتاتوركية بالدين الإسلامي، ومن ثم تبيان الديناميكية التي ميزت علاقة التيار العلماني بالتيار الإسلامي، وإظهار أهم المحطات المفصلية التي طبعت هذه العلاقة.
وفي هذا المجال، يتناول المؤلف التجربة التركية منذ قيام الجمهورية الكمالية عام 1923، محاولاً إعادة قراءة التجربة الكمالية من منظور جديد ووضعها في سياقها التاريخي، وراصداً تجربة الحركة الإسلامية التركية وأطوارها المختلفة، وما عرفته من ديناميكية في التحول والتطور، وباحثاً في حدود الاستفادة من المثال أو النموذج التركي من قبل المهتمين في العالم العربي.
ولا شك في أن العلاقة التي طبعت الدولة التركية في نسختها الكمالية بالحركة الإسلامية بمختلف تياراتها، هي علاقة معقدة ومركبة، ومختلفة عن الفهم التبسيطي الذي يصور مسار التدافع بين الطرفين على أنه مواجهة واضحة بين العلمانية التركية والإسلام، كونها أكثر تعقيداً من هذا التفسير الذي ينحو منحى ايدولوجيا ثقافياً ضيقاً، حيث تقدم تركيا في أيامنا هذه نموذجاً حيوياً وفريداً في امتحان واختبار دور الإسلام في الحياة السياسية وتأثيراته في رسم معالم السياسات الخارجية للدول الكبرى.
ويعتبر المؤلف هذا "المنوال" الفريد الذي يشق طريقه بثقة وثبات على طريق مسيرة "ديمقراطية" مميزة، تجربة تطبعها إرادة القيادة السياسية التركية بالتحرك ليس فقط كإحدى القوى الغربية وكقوة أوروبية أيضاً، بل أيضاً بأريحية وسيادة كاملة في اجتراح سياسة خارجية بعيدة عن الارتهان لأي إملاءات خارجية، الأمر الذي مكنها من تحقيق نتائج مهمة في إحدى القضايا الداخلية الملتهبة بسبب أبعادها الدولية والإقليمية، ألا وهي القضية الكردية، ولعبت دوراً هاماً في مجمل قضايا منطقة الشرق الوسط والعالم المحيط بها.
وينظر المؤلف إلى موقع الدين في المشهد التركي الراهن على الصعيد العام والخاص، بوصفه عاكساً للتطور الطارئ على الفكر العلماني الذي وجد نفسه تحت ضغوطات الجدل والحوار الدائر بين نخبة من المثقفين الجدد، خصوصاً بعدما بات التدين حالة عامة، بل ومقبولة حتى في الممارسة الشخصية للعلمانيين، مع الحرص في نفس الوقت على أن لا يتم الخلط بين الإسلام والسياسة، وأن لا يتم الانزلاق إلى الحالة المتوترة التي يشهدها الشرق الأوسط بسبب هذا الخلط حسب رؤيتهم، ذلك أن الأساس الذي يوحد العلمانيين اليوم هو أن لا تتم التضحية بالقيم الغربية التي تشبعوا بها، ولا المصالح التي وحدت بينهم.
ويخلص المؤلف إلى أن الحاجة ملحة لاستدعاء "المنوال التركي"، خصوصاً في هذا المشهد القاتم لأوضاع الكثير من الحركات الإسلامية، حيث يبدو النموذج التركي في أيامنا هذه كفرصة تاريخية تساعد في إعادة رسم هذه العلاقة المتوترة بين النخب الحاكمة العربية والنخبة العلمانية من جهة، والتيار الإسلامي من جهة أخرى، وذلك مع استمرار المأزق السياسي العربي المجسد في غياب الديمقراطية.
المصدر: الجزيرة نت