سائر في رحاب الله
12-15-2010, 10:32 AM
محمد علوش
ماذا لو ذهب القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى اتهام الأصولية السنية بالوقوف وراء عملية الاغتيال؟ سؤال يجد البعض غرابة في طرحه في الوقت الذي يتجه فيه المناخ العام السياسي والشعبي إلى توجيه الاتهام إلى حزب الله بالوقوف وراء الاغتيال بعد الذي سربته مجلة دير شبيغل الألمانية قبل عدة شهور وما تلاه من أحاديث داخل الصالونات السياسية بالشك الذي يرقى إلى مستوى الاعتقاد لدى قوى سياسية لبنانية بتورط الحزب.
لو أعدنا الشريط إلى يوم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005 كان الاتهام منذ اللحظة الأولى موجها لرأس النظام في سوريا وحده، ثم تحول الاتهام للحديث عن النظام الأمني اللبناني السوري المشترك، وكان من مفاعيل ذلك إلقاء القبض على قيادات الأجهزة الأمنية اللبنانية التي كانت تتحكم بمفاصل الدولة في حينها.
بعد سنوات تطور الأمر للحديث عن تورط حزب الله بقوة واستبعاد تدرجي للنظام في سوريا، وفي كل مرة يتم فيها توجيه اتهام جديد كان يسبقه ويواكبه مناخ سياسي دولي يهيئ الرأي العام اللبناني لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا الفريق أو ذاك.
اليوم وبعد أن حسم حزب الله موقفه من المحكمة ورفض أن يوجه له أو لأفراده تهمة الاغتيال، يدور الحديث عن مسعى إقليمي لمنع لبنان من الانزلاق إلى الهاوية عبر مخرج "لا يموت فيه الديب ولا يفنى الغنم" كما يقول المثل اللبناني. فهل منها إعادة توجيه الاتهام لجهة أخرى غير حزب الله؟
لعل جميعنا يذكر أنه منذ لحظة وقوع الجريمة خرج علينا شخص يدعى "أحمد أبو عدس" وهو ينتمي إلى تنظيم جهادي غير معروف أعلن تبنيه للعملية، بعدها وجه الاتهام إلى ستة أستراليين ينحدرون من أصول لبنانية كانوا جاؤوا إلى لبنان في زيارة عائلية، وكان الاشتباه حينها وجود آثار من مادة تفجيرية كانت قد استعملت في الجريمة على ثيابهم، بعدها تبين أن الأستراليين الذين وصفوا أنهم إسلاميون متشددون أبرياء، وأن شريط أبو عدس مفبرك لحرف التهمة عن فاعليها.
مناخ جديد يركز على الأصولية السنية
الذي استجد في الآونة الأخيرة وبعد خمس سنوات على الجريمة أن مناخا جديدا يهيئ له الرأي العام، ومداره هو التركيز على الأصولية السنية ودورها في الأزمات اللبنانية القائمة، ومن جملة ما يتم التداول به إعلاميا وصحفيا في لبنان ما يلي:
• أجهزة الإستخبارات الفرنسية تخبر نظيرتها اللبنانية بأن نشاطا لجماعات أصولية قادمة من دول عربية أفريقية بدأت تتجه إلى لبنان وتحديدا إلى مناطق سنية في مدينة بيروت تحت ستار الدراسة في الجامعات والمعاهد.
• تبادل التهم بين التيارات السياسية بتوزيع السلاح على مجموعات تخريبية، بعضها أصولي من صيدا إلى طرابلس وعكار.
• سيناريوات صحفية في إطار ما يعرف بـ"تحقيقات" عن وجود تسلح وتدريب في مناطق شمالية على أيدي "معممين" في إطار التهيؤ للرد على حزب الله إذا قام بانقلاب على الدولة.
• صدور أحكام قضائية قبيل عيد الأضحى المبارك عن المحكمة العسكرية بحق أكثر من 50 شخصا ينتمون كلهم إلى التيار السلفي يتهم بإنشاء تنظيمات مسلحة والتدرب على السلاح وزرع متفجرات.
• وفي إطار الحديث عن الأصولية السنية يستعرض ما قامت به الجماعات الأصولية أو اتهمت به، منها:
- أحداث مخيم نهر البارد في مايو/أيار 2007 ، التي قضى فيها 120 جنديا لبنانيا، وحوالي 300 عنصر من فتح الإسلام، فضلا عن تدمير المخيم وترحيل أهله البالغ عددهم 35 ألف شخص.
- اشتباه في تورطهم في اغتيال الضابط فرانسوا الحاج في ديسمبر/كانون الأول 2007 الذي كان مسؤولا عن أحداث نهر البارد والمرشح الأكبر لقائد الجيش آنذاك.
- تورط أصوليين في تفجيرات عين علق والبحصاص في طرابلس من العام 2007
- إلقاء القبض على خلية جهادية في أغسطس/آب من العام 2007 متهمة بمحاولة اغتيال السيد حسن نصر الله إضافة لاستهداف القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، كما اتهمت بمسؤوليتها عن إطلاق صواريخ "كاتيوشا" في فترات متباعدة بين العامين 2004 و2007 على شمال فلسطين المحتلة.
ولعل ما يعزز الارتياب من توجيه الاتهام للأصولية السنية في قضية اغتيال الحريري، إضافة لإشاعة المناخ بهذا الصدد هو ما بثه "تلفزيون الجديد" في نشرته الإخبارية، الثامنة إلا ربعا بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تقريرا حول التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سبقه "تحذير للمشاهدين" بأن التحقيق التلفزيوني "مبني على معلومات أمنية-سياسية دولية ومحلية".
هنا أريد أن أتوقف مع التقرير في نقطتين فقط:
- الأولى: أنه أكد بشكل لا يحتمل اللبس أن التحقيق الدولي وصل إلى معطيات تدين بشكل قاطع عناصر قيادية في حزب الله في الجريمة.
- النقطة الثانية: أنه أعاد تسليط الضوء على الأصولية من جديد في الوقت الذي لم يكن فيه أحد في لبنان ولا خارج لبنان يحكي عن تورط للأصولية في الملف.
وهنا يورد التقرير التلفزيوني الـ"مبني على معلومات أمنية-سياسية دولية ومحلية" على حد وصف مُعديه أن "مكتب المدعي العام أعاد فتح ملف أولئك الأشخاص الستة الذين سافروا إلى أستراليا من دون حقائب بعد ساعة من اغتيال الحريري، واطلع على مذكرات الشرطة الفدرالية الأسترالية والإنتربول بحقهم رغم طي صفحاتهم من قبل قاضي التحقيق الأول في اغتيال الحريري الألماني ديتليف ميليس".
ويتابع التقرير في موضع آخر "ويبدو أن للأصولية في ملفات التحقيق دورا تنفيذيا في جريمة العصر، وللمزيد من الربط نعود لأروقة المحكمة التي تجد مجموعة الـ 13 جمهورا لها هناك، وحين نسأل عن عدم اهتمام المحكمة في اعتراف فيصل أكبر باغتيال الحريري ومن ثم تراجعه، نقابل بسؤال، هل أعلنا فيصل أكبر غير ذي مصداقيه؟" انتهى التقرير.
من هي مجموعة 13 ومن هو فيصل أكبر؟
هي مجموعة شباب تترواح أعمارهم بين السابعة عشرة والخامسة والعشرين من جنسيات عربية عديدة، تنتمي إلى المقاومة العراقية، حيث كانت تعمل على توفير الدعم اللوجستي للمجاهدين الذاهبين إلى العراق منذ بدء الحرب على العراق 2003، وكانت تتخذ من سوريا مقرا لها.
زعيم المجموعة لبناني يدعى (ح . ن) وقد عينه تنظيم القاعدة في العراق أميرا على بلاد الشام، اقتصر عمله على إدارة مضافة للمجاهدين واستمر الأمر على هذه الحالة إلى أن اختلف إفراد المجموعة مع بعضهم على خلفية العمل الأمني في سوريا بين من يرى عدم الاحتكاك مع الأمن السوري حتى لا تفتح عليهم العيون وبين من يرى بضرورة تطوير عمل المجاهدين في سوريا للمساهمة بقلب نظام الحكم المهدد من الخارج والذي يمر بظروف صعبة مع المجتمع الدولي.
ونتيجة للاختلاف في وجهتي الرأي حصل الانفصال داخل المجموعة، فذهب بعضهم للمواجهة مع القوى الأمنية السورية وهذا ما حدث في أكثر من محافظة سورية، في حين ذهب الباقون إلى لبنان، على رأسهم زعيم المجموعة.
تتهم هذه المجموعة بأنها هي وراء اغتيال الرئيس الحريري، وأنها كانت وراء تجهيز أحمد أبو عدس للقيام بتفجير موكب الحريري. قبض على أول عناصرها في سبتمبر/ أيلول 2005، وقد جاءت هذه الاعترافات على لسان أحد عناصر المجموعة وهو سعودي اسمه الحركي فهد أكبر.
المحامية مهى فتحة المكلفة من دار الإفتاء بالدفاع عنهم تقول إن الاعترافات انتزعت تحت التعذيب، وتضيف أن هؤلاء الشبان وقعوا على اعترافاتهم دون أن يقرؤوها، وأحيانا دون أن يدلوا بها.
وكانت المجموعة وضعت بتصرف لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي سيرج براميرتس، بحيث خضعت لاستجوابات مطولة منها ما يزيد عن 36 ساعة على مدى ست جلسات قضتها لجنة التحقيق الدولية مع السعودي فيصل أكبر الذي اعترف بمسؤولية المجموعة عن اغتيال الحريري. وقد تقاطعت وجهتا النظر بين لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني آنذاك لجهة عدم الادعاء على أي شخص من هذه المجموعة بما بتعلق باغتيال الحريري.
ماذا لو تم اتهام الأصولية؟
بعيدا عن القضاء الذي لا أفهم فيه شيئا ولا أعرف على ماذا يعتمد من أدلة، لكن في إطار التحليل للاتهامات التي قد تصدر فإن الأمور لا تعدو أن تسير باتحاه اتهام حزب الله منفردا في الجريمة أو الأصولية السنية منفردة هي أيضا او اتهام الجهتين معا، رغم أن الاحتمال الأخير يعد الأقل منطقية وواقعية، نظرا لعدم إمكانية التعاون بين حزب الله والتيارات السلفية الجهادية، فكلاهما عدو للآخر.
وإذا كان اتهام حزب الله في الجريمة يعني إسقاط الشرعية عن مقاومته وسلاحه وجعله وجها لوجه مع الطائفة السنية في لبنان وإعطاء دليل إضافي لمن يعتقدون أن حرب إلغاء سنية شيعية قائمة، وهي تنطلق من إيران وصول إلى طنجة في المغرب مرورا بالخليج والعراق ولبنان، فإن إلقاء التهمة على الأصولية السنية أو إشراكها مع حزب الله قد يسرع عمليا من سيناريو الفوضى في لبنان.
وإذا كان البعض يقرؤون أن مساومة حزب الله على المحكمة سيكون ثمنها مدفوعا في ملفات أخرى كأن يحد حزب الله من نزعته العدائية المطلقة لواشنطن أو يقلل دعمه للفلسطينيين، فإن اتهام الأصولية سيفتح الباب على مصراعيه في مخاض سلفي جديد في البيئة السنية، حيث ستزداد الاعتقالات بما يدفع لبنان إلى أمرين:
- تزايد نزعة التشدد في البيئة السنية للشعور بالغبن والمظلومية، على اعتبار أنه تم تمييع قضية اغتيال الحريري، وبدل أن يقتص من المجرم إذا بالجريمة ترتد على الضحية نفسها، وهي البيئة التي جاء منها الحريري ورفع لواءها في بلد الطائفية فيه هي الهوية، وبناء عليه قد تنحصر الأصوات السنية المعتدلة ويضعف حضورها لصالح الأصوات المتشددة التي تجد في حماية السنة في لبنان هو خلق جناح عسكري مسلح لهم على غرار ما يمثله حزب الله للشيعة.
- أن يتحول لبنان إلى بيئة جاذبة للأصولية، حيث يعد الإسلام محاربا في هذا البلد وتحديدا القوى الجهادية فيه، وأن يتكرر ما حصل مع فتح الإسلام التنظيم الذي ولد من رحم معاناة أهل السنة آملا في أن يحميهم ويعيد لهم الاعتبار.
المصدر: الجزيرة
ماذا لو ذهب القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى اتهام الأصولية السنية بالوقوف وراء عملية الاغتيال؟ سؤال يجد البعض غرابة في طرحه في الوقت الذي يتجه فيه المناخ العام السياسي والشعبي إلى توجيه الاتهام إلى حزب الله بالوقوف وراء الاغتيال بعد الذي سربته مجلة دير شبيغل الألمانية قبل عدة شهور وما تلاه من أحاديث داخل الصالونات السياسية بالشك الذي يرقى إلى مستوى الاعتقاد لدى قوى سياسية لبنانية بتورط الحزب.
لو أعدنا الشريط إلى يوم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005 كان الاتهام منذ اللحظة الأولى موجها لرأس النظام في سوريا وحده، ثم تحول الاتهام للحديث عن النظام الأمني اللبناني السوري المشترك، وكان من مفاعيل ذلك إلقاء القبض على قيادات الأجهزة الأمنية اللبنانية التي كانت تتحكم بمفاصل الدولة في حينها.
بعد سنوات تطور الأمر للحديث عن تورط حزب الله بقوة واستبعاد تدرجي للنظام في سوريا، وفي كل مرة يتم فيها توجيه اتهام جديد كان يسبقه ويواكبه مناخ سياسي دولي يهيئ الرأي العام اللبناني لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا الفريق أو ذاك.
اليوم وبعد أن حسم حزب الله موقفه من المحكمة ورفض أن يوجه له أو لأفراده تهمة الاغتيال، يدور الحديث عن مسعى إقليمي لمنع لبنان من الانزلاق إلى الهاوية عبر مخرج "لا يموت فيه الديب ولا يفنى الغنم" كما يقول المثل اللبناني. فهل منها إعادة توجيه الاتهام لجهة أخرى غير حزب الله؟
لعل جميعنا يذكر أنه منذ لحظة وقوع الجريمة خرج علينا شخص يدعى "أحمد أبو عدس" وهو ينتمي إلى تنظيم جهادي غير معروف أعلن تبنيه للعملية، بعدها وجه الاتهام إلى ستة أستراليين ينحدرون من أصول لبنانية كانوا جاؤوا إلى لبنان في زيارة عائلية، وكان الاشتباه حينها وجود آثار من مادة تفجيرية كانت قد استعملت في الجريمة على ثيابهم، بعدها تبين أن الأستراليين الذين وصفوا أنهم إسلاميون متشددون أبرياء، وأن شريط أبو عدس مفبرك لحرف التهمة عن فاعليها.
مناخ جديد يركز على الأصولية السنية
الذي استجد في الآونة الأخيرة وبعد خمس سنوات على الجريمة أن مناخا جديدا يهيئ له الرأي العام، ومداره هو التركيز على الأصولية السنية ودورها في الأزمات اللبنانية القائمة، ومن جملة ما يتم التداول به إعلاميا وصحفيا في لبنان ما يلي:
• أجهزة الإستخبارات الفرنسية تخبر نظيرتها اللبنانية بأن نشاطا لجماعات أصولية قادمة من دول عربية أفريقية بدأت تتجه إلى لبنان وتحديدا إلى مناطق سنية في مدينة بيروت تحت ستار الدراسة في الجامعات والمعاهد.
• تبادل التهم بين التيارات السياسية بتوزيع السلاح على مجموعات تخريبية، بعضها أصولي من صيدا إلى طرابلس وعكار.
• سيناريوات صحفية في إطار ما يعرف بـ"تحقيقات" عن وجود تسلح وتدريب في مناطق شمالية على أيدي "معممين" في إطار التهيؤ للرد على حزب الله إذا قام بانقلاب على الدولة.
• صدور أحكام قضائية قبيل عيد الأضحى المبارك عن المحكمة العسكرية بحق أكثر من 50 شخصا ينتمون كلهم إلى التيار السلفي يتهم بإنشاء تنظيمات مسلحة والتدرب على السلاح وزرع متفجرات.
• وفي إطار الحديث عن الأصولية السنية يستعرض ما قامت به الجماعات الأصولية أو اتهمت به، منها:
- أحداث مخيم نهر البارد في مايو/أيار 2007 ، التي قضى فيها 120 جنديا لبنانيا، وحوالي 300 عنصر من فتح الإسلام، فضلا عن تدمير المخيم وترحيل أهله البالغ عددهم 35 ألف شخص.
- اشتباه في تورطهم في اغتيال الضابط فرانسوا الحاج في ديسمبر/كانون الأول 2007 الذي كان مسؤولا عن أحداث نهر البارد والمرشح الأكبر لقائد الجيش آنذاك.
- تورط أصوليين في تفجيرات عين علق والبحصاص في طرابلس من العام 2007
- إلقاء القبض على خلية جهادية في أغسطس/آب من العام 2007 متهمة بمحاولة اغتيال السيد حسن نصر الله إضافة لاستهداف القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، كما اتهمت بمسؤوليتها عن إطلاق صواريخ "كاتيوشا" في فترات متباعدة بين العامين 2004 و2007 على شمال فلسطين المحتلة.
ولعل ما يعزز الارتياب من توجيه الاتهام للأصولية السنية في قضية اغتيال الحريري، إضافة لإشاعة المناخ بهذا الصدد هو ما بثه "تلفزيون الجديد" في نشرته الإخبارية، الثامنة إلا ربعا بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تقريرا حول التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سبقه "تحذير للمشاهدين" بأن التحقيق التلفزيوني "مبني على معلومات أمنية-سياسية دولية ومحلية".
هنا أريد أن أتوقف مع التقرير في نقطتين فقط:
- الأولى: أنه أكد بشكل لا يحتمل اللبس أن التحقيق الدولي وصل إلى معطيات تدين بشكل قاطع عناصر قيادية في حزب الله في الجريمة.
- النقطة الثانية: أنه أعاد تسليط الضوء على الأصولية من جديد في الوقت الذي لم يكن فيه أحد في لبنان ولا خارج لبنان يحكي عن تورط للأصولية في الملف.
وهنا يورد التقرير التلفزيوني الـ"مبني على معلومات أمنية-سياسية دولية ومحلية" على حد وصف مُعديه أن "مكتب المدعي العام أعاد فتح ملف أولئك الأشخاص الستة الذين سافروا إلى أستراليا من دون حقائب بعد ساعة من اغتيال الحريري، واطلع على مذكرات الشرطة الفدرالية الأسترالية والإنتربول بحقهم رغم طي صفحاتهم من قبل قاضي التحقيق الأول في اغتيال الحريري الألماني ديتليف ميليس".
ويتابع التقرير في موضع آخر "ويبدو أن للأصولية في ملفات التحقيق دورا تنفيذيا في جريمة العصر، وللمزيد من الربط نعود لأروقة المحكمة التي تجد مجموعة الـ 13 جمهورا لها هناك، وحين نسأل عن عدم اهتمام المحكمة في اعتراف فيصل أكبر باغتيال الحريري ومن ثم تراجعه، نقابل بسؤال، هل أعلنا فيصل أكبر غير ذي مصداقيه؟" انتهى التقرير.
من هي مجموعة 13 ومن هو فيصل أكبر؟
هي مجموعة شباب تترواح أعمارهم بين السابعة عشرة والخامسة والعشرين من جنسيات عربية عديدة، تنتمي إلى المقاومة العراقية، حيث كانت تعمل على توفير الدعم اللوجستي للمجاهدين الذاهبين إلى العراق منذ بدء الحرب على العراق 2003، وكانت تتخذ من سوريا مقرا لها.
زعيم المجموعة لبناني يدعى (ح . ن) وقد عينه تنظيم القاعدة في العراق أميرا على بلاد الشام، اقتصر عمله على إدارة مضافة للمجاهدين واستمر الأمر على هذه الحالة إلى أن اختلف إفراد المجموعة مع بعضهم على خلفية العمل الأمني في سوريا بين من يرى عدم الاحتكاك مع الأمن السوري حتى لا تفتح عليهم العيون وبين من يرى بضرورة تطوير عمل المجاهدين في سوريا للمساهمة بقلب نظام الحكم المهدد من الخارج والذي يمر بظروف صعبة مع المجتمع الدولي.
ونتيجة للاختلاف في وجهتي الرأي حصل الانفصال داخل المجموعة، فذهب بعضهم للمواجهة مع القوى الأمنية السورية وهذا ما حدث في أكثر من محافظة سورية، في حين ذهب الباقون إلى لبنان، على رأسهم زعيم المجموعة.
تتهم هذه المجموعة بأنها هي وراء اغتيال الرئيس الحريري، وأنها كانت وراء تجهيز أحمد أبو عدس للقيام بتفجير موكب الحريري. قبض على أول عناصرها في سبتمبر/ أيلول 2005، وقد جاءت هذه الاعترافات على لسان أحد عناصر المجموعة وهو سعودي اسمه الحركي فهد أكبر.
المحامية مهى فتحة المكلفة من دار الإفتاء بالدفاع عنهم تقول إن الاعترافات انتزعت تحت التعذيب، وتضيف أن هؤلاء الشبان وقعوا على اعترافاتهم دون أن يقرؤوها، وأحيانا دون أن يدلوا بها.
وكانت المجموعة وضعت بتصرف لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي سيرج براميرتس، بحيث خضعت لاستجوابات مطولة منها ما يزيد عن 36 ساعة على مدى ست جلسات قضتها لجنة التحقيق الدولية مع السعودي فيصل أكبر الذي اعترف بمسؤولية المجموعة عن اغتيال الحريري. وقد تقاطعت وجهتا النظر بين لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني آنذاك لجهة عدم الادعاء على أي شخص من هذه المجموعة بما بتعلق باغتيال الحريري.
ماذا لو تم اتهام الأصولية؟
بعيدا عن القضاء الذي لا أفهم فيه شيئا ولا أعرف على ماذا يعتمد من أدلة، لكن في إطار التحليل للاتهامات التي قد تصدر فإن الأمور لا تعدو أن تسير باتحاه اتهام حزب الله منفردا في الجريمة أو الأصولية السنية منفردة هي أيضا او اتهام الجهتين معا، رغم أن الاحتمال الأخير يعد الأقل منطقية وواقعية، نظرا لعدم إمكانية التعاون بين حزب الله والتيارات السلفية الجهادية، فكلاهما عدو للآخر.
وإذا كان اتهام حزب الله في الجريمة يعني إسقاط الشرعية عن مقاومته وسلاحه وجعله وجها لوجه مع الطائفة السنية في لبنان وإعطاء دليل إضافي لمن يعتقدون أن حرب إلغاء سنية شيعية قائمة، وهي تنطلق من إيران وصول إلى طنجة في المغرب مرورا بالخليج والعراق ولبنان، فإن إلقاء التهمة على الأصولية السنية أو إشراكها مع حزب الله قد يسرع عمليا من سيناريو الفوضى في لبنان.
وإذا كان البعض يقرؤون أن مساومة حزب الله على المحكمة سيكون ثمنها مدفوعا في ملفات أخرى كأن يحد حزب الله من نزعته العدائية المطلقة لواشنطن أو يقلل دعمه للفلسطينيين، فإن اتهام الأصولية سيفتح الباب على مصراعيه في مخاض سلفي جديد في البيئة السنية، حيث ستزداد الاعتقالات بما يدفع لبنان إلى أمرين:
- تزايد نزعة التشدد في البيئة السنية للشعور بالغبن والمظلومية، على اعتبار أنه تم تمييع قضية اغتيال الحريري، وبدل أن يقتص من المجرم إذا بالجريمة ترتد على الضحية نفسها، وهي البيئة التي جاء منها الحريري ورفع لواءها في بلد الطائفية فيه هي الهوية، وبناء عليه قد تنحصر الأصوات السنية المعتدلة ويضعف حضورها لصالح الأصوات المتشددة التي تجد في حماية السنة في لبنان هو خلق جناح عسكري مسلح لهم على غرار ما يمثله حزب الله للشيعة.
- أن يتحول لبنان إلى بيئة جاذبة للأصولية، حيث يعد الإسلام محاربا في هذا البلد وتحديدا القوى الجهادية فيه، وأن يتكرر ما حصل مع فتح الإسلام التنظيم الذي ولد من رحم معاناة أهل السنة آملا في أن يحميهم ويعيد لهم الاعتبار.
المصدر: الجزيرة