من هناك
07-15-2010, 01:30 AM
سيف الإسلام القذافي : أبرمنا صفقة تاريخية لسفينة الأمل مع إسرائيل برعاية مصرية لإعادة إعمار غزة
كشف المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي رئيس مؤسسة القذافي للتنمية النقاب لـصحيفة«الشرق الأوسط» السعودية عما وصفه بـ«صفقة سياسية ناجحة تمكن من إبرامها مع مسؤولين في الحكومتين المصرية والإسرائيلية تقضي بالسماح لمؤسسة القذافي التي يترأسها بالبدء في مشروع طموح لإعادة الإعمار في قطاع غزة الفلسطيني المحتل».
وأنهت سفينة «الأمل» التي سيرتها مؤسسة القذافي قبل نحو أربعة أيام مغامرتها المحفوفة بالمخاطر وهى تحمل مساعدات إنسانية وطبية إلى قطاع غزة، بالرسو في ميناء العريش المصري بدلا من الوصول مباشرة إلى غزة، في إطار الصفقة التي كشف عنها نجل القذافي لـ«الشرق الأوسط». وبعد اتصالات مصرية - إسرائيلية رفيعة المستوى، كانت مؤسسة القذافي طرفا فيها بشكل غير مباشر، اتجهت السفينة التي تحمل نحو ألفي طن من المساعدات وعددا من النشطاء الليبيين والعرب والأجانب إلى ميناء العريش، بعدما طوقتها 8 بوارج إسرائيلية لمنعها من الوصول إلى غزة بينما كانت على بعد نحو 40 كيلومترا من شواطئها.
وعبر سيف الإسلام القذافي في مقابلة مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس عن سعادته وفخره بما تم التوصل إليه، وقال: «سنبدأ قريبا بضخ 50 مليون جنيه بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية ومواد البناء من دون فيتو من الحكومة الإسرائيلية». فإلى نص الحوار:
* هذه هي أول مرة تتحدث فيها علنا منذ فترة لأنك التزمت الصمت منذ انطلاق السفينة في رحلتها؟
- نعم، لم أكن أريد الخوض في هذه المسألة أمام وسائل الإعلام، كان تقديري أنني كمواطن ليبي وعربي وإنسان أقوم بدوري في مساعدة أشقائي الفلسطينيين من دون أية مزايدات إعلامية.
* هل أنت راض عما حدث من اتفاق بشأن الوجهة النهائية للسفينة؟
- نعم، وبكل تأكيد، ما حدث لم نكون نتوقعه أو نحلم به، وكالة «الأونروا»، أبلغتني أنها لم تتمكن حتى من صرف دولار واحد على إعادة الإعمار كما لم تتمكن حتى من إدخال «سيخ» حديد واحد إلى غزة ولا كيس إسمنت، وأبلغوني أيضا أنهم عجزوا وفشلوا تماما في تنفيذ أي مشروع نتيجة الحظر الإسرائيلي، وبالتالي من الناحية العملية موضوع إعادة الإعمار كان ميتا حتى هذه اللحظة.
لكن عبر الاتفاق الذي توصلنا إليه يمكنك القول إن عملية إعادة الإعمار قد بدأت فعلا، والإسرائيليون، طبعا بالاتفاق مع الإخوة في مصر، وافقوا على أن تصرف ليبيا خمسين مليون دولار بالكامل من خلال «الأونروا» من دون أي تدخل أو أي مشكلة، في دعم الفلسطينيين وإعادة الإعمار، بما ذلك إدخال مواد البناء والبيوت الجاهزة.
* تعني أنه حصل اتفاق مصري - إسرائيلي؟
- نعم، والمثل يقول: «هل تريد العنب أم قتل الناطور؟» نحن في الحقيقة نريد العنب وقد حصلنا عليه، وبالتالي ليس هناك أي داع لخلق مشكلات، الهدف لم يكن مواجهة البحرية الإسرائيلية، وإنما إعادة إعمار غزة ومساعدة الإخوة الفلسطينيين، خاصة أنت تعلم أن هناك خمسة آلاف منزل مدمر في غزة، وهناك آلاف الفلسطينيين يقيمون حاليا في العراء، والمشكلة هي أن يأتي شتاء آخر وهم على هذه الحال، لكن عبر هذه المبادرة إن شاء الله في الشتاء القادم سيقيمون في هذه البيوت، لأن الاتفاق يسمح بذلك والأولوية الأولى هي لمواد البناء والمساكن الجاهزة.
* وهل تعتبر هذه الصفقة نجاحا؟
- نعم، نعتبر هذا إنجازا كبيرا إذا ما قارنته بسفينة متهرئة (الأمل) وإذا بيعت في السوق قد لا تحصل على أكثر من 150 ألف دولار مقابلا لها، وفيها عشرة من الفتية الصغار وشباب متطوعون، هذه سفينة متهرئة و«تعبانة»، وقد تكون هذه هي آخر رحلاتها، لكن الحمد لله والشكر لله على ما تحقق وهذا درس للعرب، إذا كانوا يعرفون كيف يتفقون و«يشتغلوا كويس» كان من الممكن أن نحقق نتائج أحسن. أنا سعيد جدا وأعتبر أنني حققت انتصارا كبيرا للفلسطينيين.
* كيف حدث هذا الاتفاق المصري - الإسرائيلي؟
- أنت تعلم أن إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي قد اتصل باللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية، وهذا ليس سرا، والمصريون اتفقوا مع الإسرائيليين وأبلغونا برد كتابي رسمي أنهم موافقون على البدء في صرف الخمسين مليون الخاصة بليبيا والمقررة في القمة العربية، لإعادة الإعمار في غزة، وهناك تنسيق مصري إسرائيلي في هذا الموضوع، ومصر هي الضامنة لهذا الاتفاق.
* كيف ترى الدور المصري إذن؟
- بكل تأكيد كان دورا مهما وفاعلا، لأنه من دون مصر لا يمكن أن نفعل شيئا، مصر مهمة جدا، والحقيقة أن موقف الإخوان في مصر كان موقفا لا ينسى ويشكرون عليه.
* قيل إن أحد أسباب تأجيل لقاء الرئيس المصري حسني مبارك مع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية هو ترقب مصير سفينة «الأمل» وموقف إسرائيل منها.
- في الحقيقة، هذا لا علم لي به، وليست لدي معلومات في خصوصه، لكن الموقف المصري محترم، ونشعر بالامتنان.
* هل تعتبر ما حدث انتصارا شخصيا لك؟
- ربما، لكن أنا قمت بدوري على الأقل في وسط هذه الظروف. ما أراه أن هذا يعتبر درسا للعرب، وأيضا كاشفا لموقف المسؤولين الفلسطينيين.. في الحقيقة، لقد خذلونا، هناك صراعات بينهم على حساب الفلسطينيين البسطاء، كل الناس تسعى لـ«الشو» و«الاستعراض» والمواجهة وليس المساعدة، كلهم يريدون أن يقتلوا الناطور على حساب الحصول على العنب.
* أشعر بنبرة استياء في حديثك؟
- هذا صحيح، مع الأسف كل الإخوان الفلسطينيين لم يكونوا موفقين في هذه المشكلة، نحن نحب أن نساعدهم، ولكن أدهشنا أن كل طرف كان يريد استغلال الموقف سياسيا في إطار الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، نحن لسنا طرفا في هذا الصراع. وحقيقة أنا مستاء جدا من هذا الموضوع.
* لكن ماذا يعني ذلك للفلسطينيين البسطاء؟
- أولا، في بداية تفكيري في عملية السفينة، كثير من المسؤولين الليبيين حذروني وقالوا لي إنك ستدخل في مهاترات وتقاطعات الصراع الفلسطيني - الفلسطيني وإن الكل سيحاول توجيه العملية لتحقيق هدفه السياسي لأنه ليس هناك من يريد مساعدة الشعب الفلسطيني بشكل جاد، وجزء من معاناة ومشكلة الفلسطينيين أنهم ضحايا لهذا الصراع، وهذا ما لمسناه مع الأسف من خلال سفينة «الأمل».
* لكنك صمدت في مواجهة محاولات إثنائك عن العملية كلها؟
- نعم، وقلت للمسؤولين في الدولة الليبية إن هذا دعم للشعب الفلسطيني العادي وللبسطاء الذين هم من دون مأوى وينامون في العراء وبلا بيوت أو كساء. أما الإخوة السياسيون (الفلسطينيون) يهديهم الله، فيتصارعون ويحاولون أن يجيروا هذه المهمة لأهداف سياسية خاصة بهم في إطار الصراع الفلسطيني، ونحن ننأى عن هذا وليس لنا أي شأن به.
* نجحت «مؤسسة القذافي» إذن، فلماذا؟
- نجاحنا في تقديري يرجع لسببين؛ أولا كانت نيتنا صافية وحقيقية في مساعدة الفلسطينيين وليس لدينا أجندة سياسية، وحتى الإسرائيليون عرفوا أن مهمتنا إنسانية وليست سياسية، وشعارنا كان أننا «نريد العنب وليس قتل الناطور»، لسنا سلاح بحرية أو جيشا لكي ندخل في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي. العرب دائما يريدون قتل الناطور، وهذا هو الفارق، والمثل يقول: «إن درت إبلك فاحتلبها».
* لكن البعض قد يرى أنكم لم تحققوا هدفكم في الوصول إلى غزة؟
- لا، حققنا أكثر من هذا عندما وصلت الأمور إلى صفقة. أنا بصراحة لم أكن أحلم بها ولم أتوقعها. قلت «خلاص»، إذا أكملت إلى غزة سيتم قصف السفينة أو احتلالها بالقوة ويكون هناك موتى ولن نستفيد شيئا. لم تكن هناك أي مقدرة لهذه السفينة المتهرئة على مواجهة البحرية الإسرائيلية، وفى أول مواجهة حقيقية، سيموت من على متنها.
* ما الذي تعنيه هذه الصفقة لأهل غزة؟
- الصفقة التي وصلنا إليها مع الجانب الإسرائيلي تعتبر إنجازا تاريخيا. وفعلا بدأت اليوم وانطلقت شعلة وشرارة إعادة إعمار غزة على مستوى كبير وبشكل حقيقي. سنبدأ بدفعة أولى قدرها خمسون مليون دولار كما قلت. العرب إلى الآن لم يتمكنوا من صرف دولار واحد، وأتحدى أي عربي أرسل دولارا واحدا أو سيخ حديد واحدا أو كيس إسمنت واحدا لغزة، لا شيء منذ الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008 إلى الآن. اليوم أنت تتكلم عن موافقة مصرية - إسرائيلية لإنشاء مشاريع بقيمة خمسين مليون دولار وإدخال مواد البناء خاصة الحديد والإسمنت والبيوت الجاهزة، هل تعلم أن إدخال هذه البيوت كان ممنوعا بقرار إسرائيلي.. الآن سمحوا لنا للمرة الأولى، وهذا الحد الأقصى الذي من الممكن أن نصل إليه؟
* هل قدمت تنازلات للوصول إلى هذه الصفقة؟
- لا، إسرائيل كان شرطها واضحا منذ البداية، كي نكون واضحين وصريحين. هم لا يريدون تكرار ما حدث لسفينة «مرمرة» التي كانت ضمن قافلة «أسطول الحرة»، ومتخوفون من ضرب السفينة، هم تكلموا وقالوا إن طاقم السفينة عدائي ومستعد للدخول في مواجهة، وهم أعلنوا ذلك. وهم يعرفون أنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية ستستمر السفينة في المضي قدما نحو قطاع غزة، ومن الممكن أن تحصل معركة وفيها خسائر مادية وبشرية، وكما قلت لك؛ هدفنا لم يكن الاستعراض فقط.
* فهمت أن وسطاء غربيين لعبوا دورا في هذه الصفقة؟
- نعم هناك أطراف أوروبية دخلت في الوساطة وكل الاتصالات تمت بشكل غير مباشر عن طريق أطراف أوروبية، لكن إسرائيل كان هدفها عدم تكرار مشكلة «مرمرة»، ومقابل أن نتنازل عن الوصول إلى غزة ونقبل الرسو في ميناء العريش، وافقوا على الصفقة التي تمت بجهود مصرية أيضا، وأنا سعيد وفخور بما حققناه، هذه هي الصفقة بكل اختصار ووضوح.
* ما الذي يدفعك إلى فعل ما تفعله لدعم غزة؟
- أولا، أثناء حرب غزة الأخيرة، كانت «مؤسسة القذافي» من أهم المؤسسات التي ساهمت في الإغاثة، ونحن من أهم المؤسسات التي قامت بإرسال مساعدات إلى هناك، ولا تنس أنه بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان هناك قرار ليبي بعدم تقديم أي دعم للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكنت أنا أتحايل على الدولة والمؤسسات في ليبيا وأرسل الدعم من «صندوق الجهاد» إلى السلطة الفلسطينية، وكم من مرة يأتي (سلام) فياض وزير المالية الفلسطيني سابقا ورئيس الحكومة الحالي، إلى ليبيا، وكنت أهرب الأموال تهريبا لدعم الشعب الفلسطيني. وهكذا، فهذه المواقف ليست وليدة اليوم ولا الأمس.
* لكن البعض يقول إن الحصار كان إنهاؤه ممكنا بتفاهم فلسطيني - إسرائيلي؟
- نعتقد أنه من دون عمل كهذا الذي قمنا به، كان الحصار على غزة سيبقى إلى ما لا نهاية، لأن كل الأطراف الفلسطينية مرتاحة في ظله، ولن يرفع الحصار وكل طرف فلسطيني يريد استخدام معاناة شعبه لصالح أجندته السياسة. اليوم، الحظر الإسرائيلي على غزة انتهى وتكسر عمليا؛ مواد البناء والأموال ستدخل، وسيبدأ العمل. لم يعد هناك حظر، عملية إعادة البناء التي وعد بها العرب سابقا أصبحت الآن ملموسة وبدأناها.
* ماذا عن حملة الابتزاز والتشهير الأميركية التي ذكر سابقا أنكم تعرضتم لها على خلفية موضوع السفينة؟
- الأميركان طلعوا وقالوا إن التقرير الذي أصدره الطبيب وتقرر على أساسه الإفراج عن عبد الباسط المقرحي بسبب مرضه بالسرطان، مزور وإنهم يريدون إعادة التحقيق من جديد في ملابسات الإفراج عن المقرحي. طبعا التوقيت كان مقصودا ومتعمدا لأنني قمت بدور كبير حتى أكبر من الدولة الليبية التي لم تتدخل لا من قريب ولا من بعيد في موضوع المقرحي، وأيضا السفير الأميركي في طرابلس اتصل بنا وقال أرجوكم لا بد من الوصول إلى اتفاق لأن استمرار المضي في اتجاه غزة يعنى مواجهة مع البحرية الإسرائيلية وسيكون هناك قتلى وجرحى وضحايا. هذه رسالة رسمية وصلتنا منه.
*هل تغير موقفهم بعد التوصل إلى الصفقة؟
- نعم، الآن الأميركان، ولعلمك الخاص، رحبوا بهذا الاتفاق، وقالوا كفى الله المؤمنين شر القتال. وهذا رد الفعل الأولي الذي لمسناه من إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما.
كشف المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي رئيس مؤسسة القذافي للتنمية النقاب لـصحيفة«الشرق الأوسط» السعودية عما وصفه بـ«صفقة سياسية ناجحة تمكن من إبرامها مع مسؤولين في الحكومتين المصرية والإسرائيلية تقضي بالسماح لمؤسسة القذافي التي يترأسها بالبدء في مشروع طموح لإعادة الإعمار في قطاع غزة الفلسطيني المحتل».
وأنهت سفينة «الأمل» التي سيرتها مؤسسة القذافي قبل نحو أربعة أيام مغامرتها المحفوفة بالمخاطر وهى تحمل مساعدات إنسانية وطبية إلى قطاع غزة، بالرسو في ميناء العريش المصري بدلا من الوصول مباشرة إلى غزة، في إطار الصفقة التي كشف عنها نجل القذافي لـ«الشرق الأوسط». وبعد اتصالات مصرية - إسرائيلية رفيعة المستوى، كانت مؤسسة القذافي طرفا فيها بشكل غير مباشر، اتجهت السفينة التي تحمل نحو ألفي طن من المساعدات وعددا من النشطاء الليبيين والعرب والأجانب إلى ميناء العريش، بعدما طوقتها 8 بوارج إسرائيلية لمنعها من الوصول إلى غزة بينما كانت على بعد نحو 40 كيلومترا من شواطئها.
وعبر سيف الإسلام القذافي في مقابلة مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس عن سعادته وفخره بما تم التوصل إليه، وقال: «سنبدأ قريبا بضخ 50 مليون جنيه بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية ومواد البناء من دون فيتو من الحكومة الإسرائيلية». فإلى نص الحوار:
* هذه هي أول مرة تتحدث فيها علنا منذ فترة لأنك التزمت الصمت منذ انطلاق السفينة في رحلتها؟
- نعم، لم أكن أريد الخوض في هذه المسألة أمام وسائل الإعلام، كان تقديري أنني كمواطن ليبي وعربي وإنسان أقوم بدوري في مساعدة أشقائي الفلسطينيين من دون أية مزايدات إعلامية.
* هل أنت راض عما حدث من اتفاق بشأن الوجهة النهائية للسفينة؟
- نعم، وبكل تأكيد، ما حدث لم نكون نتوقعه أو نحلم به، وكالة «الأونروا»، أبلغتني أنها لم تتمكن حتى من صرف دولار واحد على إعادة الإعمار كما لم تتمكن حتى من إدخال «سيخ» حديد واحد إلى غزة ولا كيس إسمنت، وأبلغوني أيضا أنهم عجزوا وفشلوا تماما في تنفيذ أي مشروع نتيجة الحظر الإسرائيلي، وبالتالي من الناحية العملية موضوع إعادة الإعمار كان ميتا حتى هذه اللحظة.
لكن عبر الاتفاق الذي توصلنا إليه يمكنك القول إن عملية إعادة الإعمار قد بدأت فعلا، والإسرائيليون، طبعا بالاتفاق مع الإخوة في مصر، وافقوا على أن تصرف ليبيا خمسين مليون دولار بالكامل من خلال «الأونروا» من دون أي تدخل أو أي مشكلة، في دعم الفلسطينيين وإعادة الإعمار، بما ذلك إدخال مواد البناء والبيوت الجاهزة.
* تعني أنه حصل اتفاق مصري - إسرائيلي؟
- نعم، والمثل يقول: «هل تريد العنب أم قتل الناطور؟» نحن في الحقيقة نريد العنب وقد حصلنا عليه، وبالتالي ليس هناك أي داع لخلق مشكلات، الهدف لم يكن مواجهة البحرية الإسرائيلية، وإنما إعادة إعمار غزة ومساعدة الإخوة الفلسطينيين، خاصة أنت تعلم أن هناك خمسة آلاف منزل مدمر في غزة، وهناك آلاف الفلسطينيين يقيمون حاليا في العراء، والمشكلة هي أن يأتي شتاء آخر وهم على هذه الحال، لكن عبر هذه المبادرة إن شاء الله في الشتاء القادم سيقيمون في هذه البيوت، لأن الاتفاق يسمح بذلك والأولوية الأولى هي لمواد البناء والمساكن الجاهزة.
* وهل تعتبر هذه الصفقة نجاحا؟
- نعم، نعتبر هذا إنجازا كبيرا إذا ما قارنته بسفينة متهرئة (الأمل) وإذا بيعت في السوق قد لا تحصل على أكثر من 150 ألف دولار مقابلا لها، وفيها عشرة من الفتية الصغار وشباب متطوعون، هذه سفينة متهرئة و«تعبانة»، وقد تكون هذه هي آخر رحلاتها، لكن الحمد لله والشكر لله على ما تحقق وهذا درس للعرب، إذا كانوا يعرفون كيف يتفقون و«يشتغلوا كويس» كان من الممكن أن نحقق نتائج أحسن. أنا سعيد جدا وأعتبر أنني حققت انتصارا كبيرا للفلسطينيين.
* كيف حدث هذا الاتفاق المصري - الإسرائيلي؟
- أنت تعلم أن إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي قد اتصل باللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية، وهذا ليس سرا، والمصريون اتفقوا مع الإسرائيليين وأبلغونا برد كتابي رسمي أنهم موافقون على البدء في صرف الخمسين مليون الخاصة بليبيا والمقررة في القمة العربية، لإعادة الإعمار في غزة، وهناك تنسيق مصري إسرائيلي في هذا الموضوع، ومصر هي الضامنة لهذا الاتفاق.
* كيف ترى الدور المصري إذن؟
- بكل تأكيد كان دورا مهما وفاعلا، لأنه من دون مصر لا يمكن أن نفعل شيئا، مصر مهمة جدا، والحقيقة أن موقف الإخوان في مصر كان موقفا لا ينسى ويشكرون عليه.
* قيل إن أحد أسباب تأجيل لقاء الرئيس المصري حسني مبارك مع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية هو ترقب مصير سفينة «الأمل» وموقف إسرائيل منها.
- في الحقيقة، هذا لا علم لي به، وليست لدي معلومات في خصوصه، لكن الموقف المصري محترم، ونشعر بالامتنان.
* هل تعتبر ما حدث انتصارا شخصيا لك؟
- ربما، لكن أنا قمت بدوري على الأقل في وسط هذه الظروف. ما أراه أن هذا يعتبر درسا للعرب، وأيضا كاشفا لموقف المسؤولين الفلسطينيين.. في الحقيقة، لقد خذلونا، هناك صراعات بينهم على حساب الفلسطينيين البسطاء، كل الناس تسعى لـ«الشو» و«الاستعراض» والمواجهة وليس المساعدة، كلهم يريدون أن يقتلوا الناطور على حساب الحصول على العنب.
* أشعر بنبرة استياء في حديثك؟
- هذا صحيح، مع الأسف كل الإخوان الفلسطينيين لم يكونوا موفقين في هذه المشكلة، نحن نحب أن نساعدهم، ولكن أدهشنا أن كل طرف كان يريد استغلال الموقف سياسيا في إطار الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، نحن لسنا طرفا في هذا الصراع. وحقيقة أنا مستاء جدا من هذا الموضوع.
* لكن ماذا يعني ذلك للفلسطينيين البسطاء؟
- أولا، في بداية تفكيري في عملية السفينة، كثير من المسؤولين الليبيين حذروني وقالوا لي إنك ستدخل في مهاترات وتقاطعات الصراع الفلسطيني - الفلسطيني وإن الكل سيحاول توجيه العملية لتحقيق هدفه السياسي لأنه ليس هناك من يريد مساعدة الشعب الفلسطيني بشكل جاد، وجزء من معاناة ومشكلة الفلسطينيين أنهم ضحايا لهذا الصراع، وهذا ما لمسناه مع الأسف من خلال سفينة «الأمل».
* لكنك صمدت في مواجهة محاولات إثنائك عن العملية كلها؟
- نعم، وقلت للمسؤولين في الدولة الليبية إن هذا دعم للشعب الفلسطيني العادي وللبسطاء الذين هم من دون مأوى وينامون في العراء وبلا بيوت أو كساء. أما الإخوة السياسيون (الفلسطينيون) يهديهم الله، فيتصارعون ويحاولون أن يجيروا هذه المهمة لأهداف سياسية خاصة بهم في إطار الصراع الفلسطيني، ونحن ننأى عن هذا وليس لنا أي شأن به.
* نجحت «مؤسسة القذافي» إذن، فلماذا؟
- نجاحنا في تقديري يرجع لسببين؛ أولا كانت نيتنا صافية وحقيقية في مساعدة الفلسطينيين وليس لدينا أجندة سياسية، وحتى الإسرائيليون عرفوا أن مهمتنا إنسانية وليست سياسية، وشعارنا كان أننا «نريد العنب وليس قتل الناطور»، لسنا سلاح بحرية أو جيشا لكي ندخل في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي. العرب دائما يريدون قتل الناطور، وهذا هو الفارق، والمثل يقول: «إن درت إبلك فاحتلبها».
* لكن البعض قد يرى أنكم لم تحققوا هدفكم في الوصول إلى غزة؟
- لا، حققنا أكثر من هذا عندما وصلت الأمور إلى صفقة. أنا بصراحة لم أكن أحلم بها ولم أتوقعها. قلت «خلاص»، إذا أكملت إلى غزة سيتم قصف السفينة أو احتلالها بالقوة ويكون هناك موتى ولن نستفيد شيئا. لم تكن هناك أي مقدرة لهذه السفينة المتهرئة على مواجهة البحرية الإسرائيلية، وفى أول مواجهة حقيقية، سيموت من على متنها.
* ما الذي تعنيه هذه الصفقة لأهل غزة؟
- الصفقة التي وصلنا إليها مع الجانب الإسرائيلي تعتبر إنجازا تاريخيا. وفعلا بدأت اليوم وانطلقت شعلة وشرارة إعادة إعمار غزة على مستوى كبير وبشكل حقيقي. سنبدأ بدفعة أولى قدرها خمسون مليون دولار كما قلت. العرب إلى الآن لم يتمكنوا من صرف دولار واحد، وأتحدى أي عربي أرسل دولارا واحدا أو سيخ حديد واحدا أو كيس إسمنت واحدا لغزة، لا شيء منذ الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008 إلى الآن. اليوم أنت تتكلم عن موافقة مصرية - إسرائيلية لإنشاء مشاريع بقيمة خمسين مليون دولار وإدخال مواد البناء خاصة الحديد والإسمنت والبيوت الجاهزة، هل تعلم أن إدخال هذه البيوت كان ممنوعا بقرار إسرائيلي.. الآن سمحوا لنا للمرة الأولى، وهذا الحد الأقصى الذي من الممكن أن نصل إليه؟
* هل قدمت تنازلات للوصول إلى هذه الصفقة؟
- لا، إسرائيل كان شرطها واضحا منذ البداية، كي نكون واضحين وصريحين. هم لا يريدون تكرار ما حدث لسفينة «مرمرة» التي كانت ضمن قافلة «أسطول الحرة»، ومتخوفون من ضرب السفينة، هم تكلموا وقالوا إن طاقم السفينة عدائي ومستعد للدخول في مواجهة، وهم أعلنوا ذلك. وهم يعرفون أنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية ستستمر السفينة في المضي قدما نحو قطاع غزة، ومن الممكن أن تحصل معركة وفيها خسائر مادية وبشرية، وكما قلت لك؛ هدفنا لم يكن الاستعراض فقط.
* فهمت أن وسطاء غربيين لعبوا دورا في هذه الصفقة؟
- نعم هناك أطراف أوروبية دخلت في الوساطة وكل الاتصالات تمت بشكل غير مباشر عن طريق أطراف أوروبية، لكن إسرائيل كان هدفها عدم تكرار مشكلة «مرمرة»، ومقابل أن نتنازل عن الوصول إلى غزة ونقبل الرسو في ميناء العريش، وافقوا على الصفقة التي تمت بجهود مصرية أيضا، وأنا سعيد وفخور بما حققناه، هذه هي الصفقة بكل اختصار ووضوح.
* ما الذي يدفعك إلى فعل ما تفعله لدعم غزة؟
- أولا، أثناء حرب غزة الأخيرة، كانت «مؤسسة القذافي» من أهم المؤسسات التي ساهمت في الإغاثة، ونحن من أهم المؤسسات التي قامت بإرسال مساعدات إلى هناك، ولا تنس أنه بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان هناك قرار ليبي بعدم تقديم أي دعم للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكنت أنا أتحايل على الدولة والمؤسسات في ليبيا وأرسل الدعم من «صندوق الجهاد» إلى السلطة الفلسطينية، وكم من مرة يأتي (سلام) فياض وزير المالية الفلسطيني سابقا ورئيس الحكومة الحالي، إلى ليبيا، وكنت أهرب الأموال تهريبا لدعم الشعب الفلسطيني. وهكذا، فهذه المواقف ليست وليدة اليوم ولا الأمس.
* لكن البعض يقول إن الحصار كان إنهاؤه ممكنا بتفاهم فلسطيني - إسرائيلي؟
- نعتقد أنه من دون عمل كهذا الذي قمنا به، كان الحصار على غزة سيبقى إلى ما لا نهاية، لأن كل الأطراف الفلسطينية مرتاحة في ظله، ولن يرفع الحصار وكل طرف فلسطيني يريد استخدام معاناة شعبه لصالح أجندته السياسة. اليوم، الحظر الإسرائيلي على غزة انتهى وتكسر عمليا؛ مواد البناء والأموال ستدخل، وسيبدأ العمل. لم يعد هناك حظر، عملية إعادة البناء التي وعد بها العرب سابقا أصبحت الآن ملموسة وبدأناها.
* ماذا عن حملة الابتزاز والتشهير الأميركية التي ذكر سابقا أنكم تعرضتم لها على خلفية موضوع السفينة؟
- الأميركان طلعوا وقالوا إن التقرير الذي أصدره الطبيب وتقرر على أساسه الإفراج عن عبد الباسط المقرحي بسبب مرضه بالسرطان، مزور وإنهم يريدون إعادة التحقيق من جديد في ملابسات الإفراج عن المقرحي. طبعا التوقيت كان مقصودا ومتعمدا لأنني قمت بدور كبير حتى أكبر من الدولة الليبية التي لم تتدخل لا من قريب ولا من بعيد في موضوع المقرحي، وأيضا السفير الأميركي في طرابلس اتصل بنا وقال أرجوكم لا بد من الوصول إلى اتفاق لأن استمرار المضي في اتجاه غزة يعنى مواجهة مع البحرية الإسرائيلية وسيكون هناك قتلى وجرحى وضحايا. هذه رسالة رسمية وصلتنا منه.
*هل تغير موقفهم بعد التوصل إلى الصفقة؟
- نعم، الآن الأميركان، ولعلمك الخاص، رحبوا بهذا الاتفاق، وقالوا كفى الله المؤمنين شر القتال. وهذا رد الفعل الأولي الذي لمسناه من إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما.