أبو يونس العباسي
05-02-2010, 06:37 PM
ما في مقتل القيادات من معانٍ ودلالات
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي وهبَنَا النفس واشترى منا الدماء , فسارع الموحدون لعقد الصفقة مع رب الأرض والسماء , ورفعوا شعارات التوحيد والالتزام بالسنة والدين , فكان لها منهم كلَّ إخلاصٍِِ ووفاء , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , شهادةً منجيةً من كل بلاءٍ وشقاءٍ , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي علَّمنا كيف يكون الفداء , اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره أهلِ الشرفِ والفضلِ النبلاء.
[تمهيد]
كتبت هذا المقال بعد أن أكدت دولة العراق الإسلامية مقتل القائدين الفذين الحبيبين إلى قلبي:
1ـ أبو عمر البغدادي ـ رحمه الله ـ
2ـ أبو حمزة المهاجر ـ رحمه الله ـ
والمقال صالح كعظة وتذكرة كلما ارتقى قائد من قادة أهل الإيمان , نسأله تعالى أن يحفظ قادتنا وأمراءنا , اللهم آمين.
[الحالة الواجب على الأمة التزامها إذا ما نزل بها مصاب جلل]
لقد سمى الله ـ جل جلاله ـ الموت النازل بساحة البشر مصيبة , فكيف إذا نزل الموت بقادة الجهاد والمجاهدين , لا شك أنه مصيبة أكبر وأعظم.
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[المائدة]
والواجب على الإنسان المسلم تجاه مثل هذه المصائب أن يصبر وأن يحتسب وأن يقاوم حالة الضعف والخور التي تلم به لا أن يستسلم لها والعياذ بالله ـ سبحانه وتعالى ـ
قال الله تعالى:
{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}[آل عمران]
وأمر الله عباده بالصبر والمصابرة على طاعات الله وعن معاصيه وعلى قضائه وقدره ...
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}[آل عمران]
ويوم يسمع الإنسان خبر مقتل القادة لا يمكنه إلا أن يلتزم سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك وهاكم السنة إذا نزل الموت بمن نحبهم ونقدرهم ونوقرهم...
أخرج أحمد في مسنده عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
{مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَخَلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.}
قَالَتْ:
{ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي فَقُلْتُهَا اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.}
وأخرج البخاري عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
{ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ.}
فالحمد لله على كل حال , ونسأل الله تعالى أن يعوض الإسلام والمسلمين خيرا.
[أحوال الناس يوم يسمعون بمقتل القادة]
والناس يوم يسمعون بخبر مقتل قيادات المجاهدين على قسمين:
1ـ قسم فرح بهذا الخبر وهم أما كافر وإما منافق , وهذا هو حالهم يوم يقتل كل قائد لمشروع التوحيد والجهاد ...
قال عمر بن الخطاب يوم توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
{والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى نقتل المنافقين.}
قال ابن عمر معلقا على كلام أبيه :
{وقد كانوا اسبشروا بموت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفعوا رؤوسهم.}
ويوم قتل حسن البنا احتفلت النخبة في أمريكا بمقتله وعقدوا حفلا كبيرا بهذه المناسبة , وهذا ما حصل يوم قتل الزرقاوي والبغدادي والمهاجر وغيرهم من قيادات المجاهدين.
2ـ وقسم آخر هو حزين مكلوم بهذا الخبر وهذا هو حال كل مؤمن موحد ولكن رجاؤنا في الله أن يعوضنا خيرا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أخرج ابن ماجه في سننه عنْ أَنَسٍ قَالَ:
{لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا.}
وعلى كل:
فلن تأتي مصيبة أعظم على أهل الإيمان من مصيبة وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكل مصاب بعده هين وبسيط ...
أخرج الدارمي في سننه عن عطاء قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب.}
[بين نعي قادة المجاهدين والقادة المنحرفين المفسدين]
إن من عجائب هذا الزمان أن يسارع الكثيرون إلى نعي رموز الفساد والإفساد كجورج حبش ومحمود درويش وسيد طنطاوي وبابا الفاتيكان وغيرهم...
في الوقت الذي يهملون فيه نعي المجاهدين وقادتهم بل ويتبرأون من نعيهم فيما لو نسب إليهم , فأي مفارقة هذه وأي قانون هذا الذي يحكم مثل هذه التصرفات؟!!!
إن الواجب على كل مؤمن أن يوالي أخيه في الدين والعقيدة ويتبرأ من أعداء الدين والعقيدة لا أن يفعل العكس والعياذ بالله تعالى.
قال الله تعالى:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}[التوبة]
وقال أيضا:
{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال : 73]
وقال أيضا:
{ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية : 19]
[هل يحصل على الشهادة كل من تمناها؟]
إنه من المعلوم عند كل متأمل لكتاب الله تعالى أنه لا ينال الشهادة كل من تمناها , بل إن الله يصطفي لهذه المنزلة الرفيعة السامقة أناس تحققت فيهم شروط وصفات ونجحوا في اختبارات تلتها اختبارات وامتحانات تلتها امتحانات ...
قال الله تعالى:
{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}[آل عمران]
ويوم يقتل قادة من جماعة ما تلتزم السنة وتدعوا إلى التوحيد فهذا يدل على الخير الكبير الموجود عند هذه الجماعة ...
ولذلك فأنا أقول لإخواني جميعا:
إن الجهاد في العراق بخير , والدولة الإسلامية في العراق بخير , وذلك لأن الله يصطفي قادتها ويختارهم شهداء ـ نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله ـ
وإننا هنا نسأله تعالى أن يرزقنا جميعا الشهادة في سبيل الله ويوفقنا لتحقيق ما تحتاجه من شروط وصفات إن ربي سميع عليم.
[كيف يكون مقتل القيادات اختبارا لأهل الإسلام من بعدهم؟]
يوم تقتل القيادات أو تتوفى يمكنك أن تلاحظ نوعين من الناس:
1ـ صنف توقف عن العمل للدين وتجمد عن نصرته وقعد عن التفكير لصالحه متأثرا بقتل الأمير أو القائد الذي يحبه , فهذا والعياذ بالله كان يعبد مخلوقا ولم يكن يعبد الخالق الواحد الأحد ـ سبحانه وتعالى ـ
2ـ وصنف آخر لما أن وصله نبأ مقتل قادته زاد جده جدا ونشاطه نشاطا وعمله للدين تضاعف أضعافا كثيرة , فمن كانت هذه حالته فحقا يمكننا أن نقول عنه:
بأنه كان في عمله يعمل ابتغاء وجه الله وحده , وهذا ما رأيناه في رجال دولة العراق الإسلامية الذين ما توقف عملهم ونشاطهم في خدمة دين الله تعالى , سواء بعد مقتل الزرقاوي أو بعد مقتل البغدادي والمهاجر أو من سواهم من قادة الجهاد والتوحيد.
أخرج البزار في مسنده عن ابن عمر قال :
{لما قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ في ناحية المدينة قال : فدخل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقبله ويقول : بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا.
فلما خرج مر بعمرـ رحمة الله عليه ـ ويقول : والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى نقتل المفافقين
قال : وقد كانوا اسبشروا بموت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفعوا رؤوسهم
فمر به أبو بكر فقال : أيها الرجل أربع على نفسك فان رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد مات ألم تسمع الله تبارك وتعالى :{ إِنَّكَ مَيِّتٌوَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) }
قال : وأتى المنبر فصعد فحمدالله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم حي لا يموت
قال : ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} حتى ختم الآية قال :
ثم نزل وقد استبشر المؤمنون بذلك واشتد فرحهم وأخذ المنافقين الكآبة
قال عبد الله بن عمر : والذي نفسي بيده لكأنما كانت على وجوههما أغطية فكشفت.
قال الشاعر:
فما زادنـا القيد إلاثباتـاً ** وما زادنـا القتلإلا يقين
وما زاد تعذيـب إخواننـا ** وقتـل الدعـاة ولوبالمئـين
سوى رفـع رايـة إيماننـا**وإظهـار توحيد حق وديـن
[مقتل القادة درس في الثبات]
وقبل الولوج في الكلام على هذا العنوان يَحْسُن بنا أن نعرف ما هو المقصود بالثبات؟
والثبات هو:أن يموت الإنسان على ما عاش عليه من طاعات وقربات وجهاد وصلوات وكل ما يحبه رب الأرض والسموات.
ويوم يقتل قادة المجاهدين أو قادة المسلمين على المبادئ والشعارات والثوابت والطاعات التي عاشوا يلتزمونها ويدعون عليها فإنهم يعطوننا درسا في الثبات على الحق الذي يحبه الله ورسوله ...
إن المعنى الذي يمكن أن نستفيده من موت إنسان ما على التوحيد كان قد عاش عليه ... أنه نجح في الثبات وحتى الممات على هذا المنهج الرباني , فكانت الحياة لله وكان الموت أيضا لله رب العالمين
قال الله جل في علاه:
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام : 162] .
في الوقت ذاته الذي لا يدري أيُّ واحد منا أيموت على المنهج الحق أم إنه سيبدل ويغير؟
نعم ... إنها الفتنة في الدين وتقلب القلوب وهي الفتنة التي خاف منها أكرم الناس ـ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ـ
قال الله تعالى:
{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }[آل عمران :8] ,
قال ابن مليكة:
"لقد شهدت ثلاثين من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يخشى على نفسه من النفاق."
فيا ليتنا يختم لنا بعمل صالح , اللهم لا تقبضنا إلا وأنت راض عنا , يا أرحم الراحمين.
أخرج الترمذي في سننه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال يوفقه لعمل صالح قبل الموت.)
وأخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(وإنما الأعمال بالخواتيم )
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يعمل العامل عمل أهل النار تسعين سنة ثم يختم له بعمل أهل الجنة ويعمل العامل بعمل أهل الجنة تسعين سنة ثم يختم له بعمل أهل النار) .
[كيف يكون استشهاد القادة قوة للإسلام وأهله؟]
والإجابة على هذا التساؤل هي التالية:
لأن الشهادة دعوة إلى الإسلام ومبادئه بلغة الدم ... ولغة الدم أصدق لهجة وأصدق مضمونا ....
قال الشاعر:
الجود بالمال جود فيه مكرمة *** والجود بالنفس أسمى غاية الجود
هكذا كانت سنة الله في المبادئ والمفاهيم والعقائد , لا يكتب لها البقاء والوجود والاستمرار إلا يوم يضحي أصحابها من أجلها بالغالي والرخيص , بالنقير والقطمير , بما هو صغير وبما هو كبير , فانظروا إلى أهل الأخدود ضحوا بأرواحهم وأرواح أولادهم في مقابل أن يسلم لهم دينهم فَخُلِّدُوا في التاريخ وسُجل موقفهم في كتاب يتلى آناء الليل وأطراف النهار , وإلى يوم القيامة
قال الله تعالى:
{ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}[البروج]
ولله در غلام الأخدود الذي عرف أنه لن يكتب لمبادئه الانتشار إلا يوم يدفع روحه ثمنا لذلك.
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب:أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
{فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ}
قال الأستاذ سيد قطب:
"إن كلماتنا ستبقى أعراسا من الشمع لا حراك فيها جامدة حتى إذا متنا من أجلها وضحينا في سبيلها انتفضت فيها الروح فقامت حية بين الأحياء".
وقال أبو دجانة الخراساني:
"متى تشرب كلماتي من دمائي , فإن كلماتي لن يكتب لها الحياة إلا يوم تشرب من دمائي".
ولله در من قال :
"دم الشهيد نور ونار" .
حقا والله:إنه نور يبصر الناس بالمنهج الحق الذي بذل من أجله الدم وبسببه أهريق , ونار على أعداء الله يحرقهم وإلى الأبد , فإن الشهيد يُعَلِّم الناس في حياته , ويبدأ بعد مقتله بتعليمهم كذلك ولكن بصورة أروع وأبهى وأكثر تأثيرا وبلاغة , فالدماء أصدق لهجة من أي لهجة أخرى.
وإننا كثيرا ما ندعو بهذا الدعاء:
" اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا" والرد الجميل هو بإرجاع الأمة إلى الله باصطفاء الأخيار شهداء عند الرب الغفار القهار , فيتنبه الناس عند مقتلهم إلى منهجهم , فيرجعون رجعة صادقة إلى الله تعالى , والرد الجميل يضاده الرد غير الجميل والذي يكون عبر الزلازل والأعاصير والبراكين والفيضانات والكوارث .... إلخ والله أعلم.
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي وهبَنَا النفس واشترى منا الدماء , فسارع الموحدون لعقد الصفقة مع رب الأرض والسماء , ورفعوا شعارات التوحيد والالتزام بالسنة والدين , فكان لها منهم كلَّ إخلاصٍِِ ووفاء , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , شهادةً منجيةً من كل بلاءٍ وشقاءٍ , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي علَّمنا كيف يكون الفداء , اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره أهلِ الشرفِ والفضلِ النبلاء.
[تمهيد]
كتبت هذا المقال بعد أن أكدت دولة العراق الإسلامية مقتل القائدين الفذين الحبيبين إلى قلبي:
1ـ أبو عمر البغدادي ـ رحمه الله ـ
2ـ أبو حمزة المهاجر ـ رحمه الله ـ
والمقال صالح كعظة وتذكرة كلما ارتقى قائد من قادة أهل الإيمان , نسأله تعالى أن يحفظ قادتنا وأمراءنا , اللهم آمين.
[الحالة الواجب على الأمة التزامها إذا ما نزل بها مصاب جلل]
لقد سمى الله ـ جل جلاله ـ الموت النازل بساحة البشر مصيبة , فكيف إذا نزل الموت بقادة الجهاد والمجاهدين , لا شك أنه مصيبة أكبر وأعظم.
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[المائدة]
والواجب على الإنسان المسلم تجاه مثل هذه المصائب أن يصبر وأن يحتسب وأن يقاوم حالة الضعف والخور التي تلم به لا أن يستسلم لها والعياذ بالله ـ سبحانه وتعالى ـ
قال الله تعالى:
{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}[آل عمران]
وأمر الله عباده بالصبر والمصابرة على طاعات الله وعن معاصيه وعلى قضائه وقدره ...
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}[آل عمران]
ويوم يسمع الإنسان خبر مقتل القادة لا يمكنه إلا أن يلتزم سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك وهاكم السنة إذا نزل الموت بمن نحبهم ونقدرهم ونوقرهم...
أخرج أحمد في مسنده عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
{مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَخَلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.}
قَالَتْ:
{ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي فَقُلْتُهَا اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.}
وأخرج البخاري عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
{ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ.}
فالحمد لله على كل حال , ونسأل الله تعالى أن يعوض الإسلام والمسلمين خيرا.
[أحوال الناس يوم يسمعون بمقتل القادة]
والناس يوم يسمعون بخبر مقتل قيادات المجاهدين على قسمين:
1ـ قسم فرح بهذا الخبر وهم أما كافر وإما منافق , وهذا هو حالهم يوم يقتل كل قائد لمشروع التوحيد والجهاد ...
قال عمر بن الخطاب يوم توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
{والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى نقتل المنافقين.}
قال ابن عمر معلقا على كلام أبيه :
{وقد كانوا اسبشروا بموت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفعوا رؤوسهم.}
ويوم قتل حسن البنا احتفلت النخبة في أمريكا بمقتله وعقدوا حفلا كبيرا بهذه المناسبة , وهذا ما حصل يوم قتل الزرقاوي والبغدادي والمهاجر وغيرهم من قيادات المجاهدين.
2ـ وقسم آخر هو حزين مكلوم بهذا الخبر وهذا هو حال كل مؤمن موحد ولكن رجاؤنا في الله أن يعوضنا خيرا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أخرج ابن ماجه في سننه عنْ أَنَسٍ قَالَ:
{لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا.}
وعلى كل:
فلن تأتي مصيبة أعظم على أهل الإيمان من مصيبة وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكل مصاب بعده هين وبسيط ...
أخرج الدارمي في سننه عن عطاء قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب.}
[بين نعي قادة المجاهدين والقادة المنحرفين المفسدين]
إن من عجائب هذا الزمان أن يسارع الكثيرون إلى نعي رموز الفساد والإفساد كجورج حبش ومحمود درويش وسيد طنطاوي وبابا الفاتيكان وغيرهم...
في الوقت الذي يهملون فيه نعي المجاهدين وقادتهم بل ويتبرأون من نعيهم فيما لو نسب إليهم , فأي مفارقة هذه وأي قانون هذا الذي يحكم مثل هذه التصرفات؟!!!
إن الواجب على كل مؤمن أن يوالي أخيه في الدين والعقيدة ويتبرأ من أعداء الدين والعقيدة لا أن يفعل العكس والعياذ بالله تعالى.
قال الله تعالى:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}[التوبة]
وقال أيضا:
{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال : 73]
وقال أيضا:
{ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية : 19]
[هل يحصل على الشهادة كل من تمناها؟]
إنه من المعلوم عند كل متأمل لكتاب الله تعالى أنه لا ينال الشهادة كل من تمناها , بل إن الله يصطفي لهذه المنزلة الرفيعة السامقة أناس تحققت فيهم شروط وصفات ونجحوا في اختبارات تلتها اختبارات وامتحانات تلتها امتحانات ...
قال الله تعالى:
{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}[آل عمران]
ويوم يقتل قادة من جماعة ما تلتزم السنة وتدعوا إلى التوحيد فهذا يدل على الخير الكبير الموجود عند هذه الجماعة ...
ولذلك فأنا أقول لإخواني جميعا:
إن الجهاد في العراق بخير , والدولة الإسلامية في العراق بخير , وذلك لأن الله يصطفي قادتها ويختارهم شهداء ـ نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله ـ
وإننا هنا نسأله تعالى أن يرزقنا جميعا الشهادة في سبيل الله ويوفقنا لتحقيق ما تحتاجه من شروط وصفات إن ربي سميع عليم.
[كيف يكون مقتل القيادات اختبارا لأهل الإسلام من بعدهم؟]
يوم تقتل القيادات أو تتوفى يمكنك أن تلاحظ نوعين من الناس:
1ـ صنف توقف عن العمل للدين وتجمد عن نصرته وقعد عن التفكير لصالحه متأثرا بقتل الأمير أو القائد الذي يحبه , فهذا والعياذ بالله كان يعبد مخلوقا ولم يكن يعبد الخالق الواحد الأحد ـ سبحانه وتعالى ـ
2ـ وصنف آخر لما أن وصله نبأ مقتل قادته زاد جده جدا ونشاطه نشاطا وعمله للدين تضاعف أضعافا كثيرة , فمن كانت هذه حالته فحقا يمكننا أن نقول عنه:
بأنه كان في عمله يعمل ابتغاء وجه الله وحده , وهذا ما رأيناه في رجال دولة العراق الإسلامية الذين ما توقف عملهم ونشاطهم في خدمة دين الله تعالى , سواء بعد مقتل الزرقاوي أو بعد مقتل البغدادي والمهاجر أو من سواهم من قادة الجهاد والتوحيد.
أخرج البزار في مسنده عن ابن عمر قال :
{لما قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ في ناحية المدينة قال : فدخل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقبله ويقول : بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا.
فلما خرج مر بعمرـ رحمة الله عليه ـ ويقول : والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى نقتل المفافقين
قال : وقد كانوا اسبشروا بموت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفعوا رؤوسهم
فمر به أبو بكر فقال : أيها الرجل أربع على نفسك فان رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد مات ألم تسمع الله تبارك وتعالى :{ إِنَّكَ مَيِّتٌوَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) }
قال : وأتى المنبر فصعد فحمدالله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم حي لا يموت
قال : ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} حتى ختم الآية قال :
ثم نزل وقد استبشر المؤمنون بذلك واشتد فرحهم وأخذ المنافقين الكآبة
قال عبد الله بن عمر : والذي نفسي بيده لكأنما كانت على وجوههما أغطية فكشفت.
قال الشاعر:
فما زادنـا القيد إلاثباتـاً ** وما زادنـا القتلإلا يقين
وما زاد تعذيـب إخواننـا ** وقتـل الدعـاة ولوبالمئـين
سوى رفـع رايـة إيماننـا**وإظهـار توحيد حق وديـن
[مقتل القادة درس في الثبات]
وقبل الولوج في الكلام على هذا العنوان يَحْسُن بنا أن نعرف ما هو المقصود بالثبات؟
والثبات هو:أن يموت الإنسان على ما عاش عليه من طاعات وقربات وجهاد وصلوات وكل ما يحبه رب الأرض والسموات.
ويوم يقتل قادة المجاهدين أو قادة المسلمين على المبادئ والشعارات والثوابت والطاعات التي عاشوا يلتزمونها ويدعون عليها فإنهم يعطوننا درسا في الثبات على الحق الذي يحبه الله ورسوله ...
إن المعنى الذي يمكن أن نستفيده من موت إنسان ما على التوحيد كان قد عاش عليه ... أنه نجح في الثبات وحتى الممات على هذا المنهج الرباني , فكانت الحياة لله وكان الموت أيضا لله رب العالمين
قال الله جل في علاه:
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام : 162] .
في الوقت ذاته الذي لا يدري أيُّ واحد منا أيموت على المنهج الحق أم إنه سيبدل ويغير؟
نعم ... إنها الفتنة في الدين وتقلب القلوب وهي الفتنة التي خاف منها أكرم الناس ـ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ـ
قال الله تعالى:
{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }[آل عمران :8] ,
قال ابن مليكة:
"لقد شهدت ثلاثين من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يخشى على نفسه من النفاق."
فيا ليتنا يختم لنا بعمل صالح , اللهم لا تقبضنا إلا وأنت راض عنا , يا أرحم الراحمين.
أخرج الترمذي في سننه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال يوفقه لعمل صالح قبل الموت.)
وأخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(وإنما الأعمال بالخواتيم )
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يعمل العامل عمل أهل النار تسعين سنة ثم يختم له بعمل أهل الجنة ويعمل العامل بعمل أهل الجنة تسعين سنة ثم يختم له بعمل أهل النار) .
[كيف يكون استشهاد القادة قوة للإسلام وأهله؟]
والإجابة على هذا التساؤل هي التالية:
لأن الشهادة دعوة إلى الإسلام ومبادئه بلغة الدم ... ولغة الدم أصدق لهجة وأصدق مضمونا ....
قال الشاعر:
الجود بالمال جود فيه مكرمة *** والجود بالنفس أسمى غاية الجود
هكذا كانت سنة الله في المبادئ والمفاهيم والعقائد , لا يكتب لها البقاء والوجود والاستمرار إلا يوم يضحي أصحابها من أجلها بالغالي والرخيص , بالنقير والقطمير , بما هو صغير وبما هو كبير , فانظروا إلى أهل الأخدود ضحوا بأرواحهم وأرواح أولادهم في مقابل أن يسلم لهم دينهم فَخُلِّدُوا في التاريخ وسُجل موقفهم في كتاب يتلى آناء الليل وأطراف النهار , وإلى يوم القيامة
قال الله تعالى:
{ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}[البروج]
ولله در غلام الأخدود الذي عرف أنه لن يكتب لمبادئه الانتشار إلا يوم يدفع روحه ثمنا لذلك.
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب:أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
{فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ}
قال الأستاذ سيد قطب:
"إن كلماتنا ستبقى أعراسا من الشمع لا حراك فيها جامدة حتى إذا متنا من أجلها وضحينا في سبيلها انتفضت فيها الروح فقامت حية بين الأحياء".
وقال أبو دجانة الخراساني:
"متى تشرب كلماتي من دمائي , فإن كلماتي لن يكتب لها الحياة إلا يوم تشرب من دمائي".
ولله در من قال :
"دم الشهيد نور ونار" .
حقا والله:إنه نور يبصر الناس بالمنهج الحق الذي بذل من أجله الدم وبسببه أهريق , ونار على أعداء الله يحرقهم وإلى الأبد , فإن الشهيد يُعَلِّم الناس في حياته , ويبدأ بعد مقتله بتعليمهم كذلك ولكن بصورة أروع وأبهى وأكثر تأثيرا وبلاغة , فالدماء أصدق لهجة من أي لهجة أخرى.
وإننا كثيرا ما ندعو بهذا الدعاء:
" اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا" والرد الجميل هو بإرجاع الأمة إلى الله باصطفاء الأخيار شهداء عند الرب الغفار القهار , فيتنبه الناس عند مقتلهم إلى منهجهم , فيرجعون رجعة صادقة إلى الله تعالى , والرد الجميل يضاده الرد غير الجميل والذي يكون عبر الزلازل والأعاصير والبراكين والفيضانات والكوارث .... إلخ والله أعلم.