مقاوم
01-09-2010, 05:15 AM
الولايات المتحدة والسودان .. نهج جديد بنكهة أوباما!!
كتب أ. أحمد حسين الشيمي*
http://qawim.net/images/stories/obasudan10.jpg
الاستراتيجية الجديدة ركزت بداية على دارفور هدفا أول واستكمال تنفيذ اتفاقية السلام مع الجنوب هدفا ثانيا حتى الاستفتاء وتبعاته. وهذان الهدفان طبيعتهما مرحلية إلى حد ما, كما انهما يختصان بالشأن السوداني، بينما الهدف الثالث وهو العمل على منع تحول السودان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية, فهو الهدف الذي سيستمر على المدى الطويل .. علما بأن وضع السودان الاستراتيجي يجعل تأثيره السلبي في كل المنطقة المحيطة به, اكبر وأكثر خطورة.
-------------------------
http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngالسعي لنهاية مؤكدة للنزاع وانتهاك حقوق الإنسان والإبادة في دارفور ...
تطبيق اتفاقيه السلام بين الشمال والجنوب من اجل خلق إمكانية السلام البعيد الأمد ...
العمل بشده على ضمان عدم توفير السودان مأوى للإرهابيين الدوليين ...
تلك هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه السودان والتي أعلن عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكتوبر الماضي، والتي تعكس حسب العديد من المراقبين تخبط وصراعات داخلية داخل الإدارة الأمريكية تجاه التعامل مع السودان بين تيار يدعو إلى التشدد بزعامة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسوزان رايس السفيرة في الأمم المتحدة وآخر يرى ضرورة تعديل السياسات وتبني سياسة الحوار الفعال ويتزعمه الجنرال المتقاعد سكوت جريشن مبعوث اوباما الخاص للسودان.
ما بين بوش وأباما:
إنَّ كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية بزعامة أوباما مع القضية السودانية كانت محط أنظار الكثير من المحللين، خاصة أن النهج الديمقراطي جاء بعد ثمان سنوات عجاف تحت رئاسة جورج بوش، والتي شهدت تحولات وتغيرات كثيرة في المشهد السوداني وتعرضت الخرطوم لضغوط أمريكية خاصة وغربية عامة من أجل إتباع المسار الذي ترسمه لها القوى الكبرى، واستطاعت تلك الضغوط وبعد فترة كبيرة من عدم الاتفاق والتوتر من توقيع اتفاق بين شريكا الحكم ( الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان) اتفاق نيفاشا بكينيا عام 2005، والذي بمقتضاه سيتم إجراء استفتاء في الجنوب بداية العام 2011 لتحديد مصير الجنوب إما البقاء في الوحدة أو الانفصال وتكوين دولة مستقلة، وهي تعكس رغبة أمريكية بأن تتحول السودان إلى دوله واحدة بنظامين .
وشهدت أيضاً فترة بوش نشاطات مخابراتية أمريكية وصهيونية في منطقة دارفور ودعم للمتمردين هناك بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في السودان، حتى تكون دارفور عصا موسى التي تستطيع بها واشنطن توجيه دفة الأمور في الخرطوم كيفما تشاء، حتى دخلت السودان في نفق المساومات الظالمة بعدما صدر حكم المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير بزعم ارتكابه جرائم حرب في دارفور.
سياسة العصا والجزرة:
بيد أن إستراتيجية أوباما تجاه السودان يمكن تسجيل عدد من الملاحظات عليها، وتتجلى في التالي :
ـ أنها تستخدم سياسة العصا والجزرة في آن واحد، فمقابل حل النزاع في دارفور وتحقيق السلام مع الجنوب، ستحصل الخرطوم على مساعدات اقتصادية وتنموية أمريكية هائلة، كما سيحذف اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ـ على خلاف بوش، تخلت الإدارة الأمريكية عن سياسة تغيير القيادة السودانية، حيث حاولت إدارة بوش تغيير الرئيس عمر البشير وتنصيب آخر موالي لها على غرار كرزاي والمالكي، إلا أن إدارة أوباما ربما تأكدت أن هذا النهج لم يحقق أياً من الأهداف الأمريكية في أفغانستان والعراق. كما أن الخطة الجديدة لم تشمل على أي إشارة إلى قضية توقيف الرئيس البشير أو القبض عليه، وربما أردت واشنطن بذلك أن تمارس ضغطاً نفسياً على البشير حتى ينتهي من تنفيذ أجندتها في السودان وتمرير انفصال الجنوب عن الشمال وأن ينضم الى محور المعتدلين بعيداً عن محور إيران وسوريا وحزب الله وحماس، وعند هذه اللحظة ستحدد واشنطن إما استمراره أو تقديمه للجنائية الدولية.
ـ القضية السودانية تحولت منذ فترة كبيرة إلى قضية أمريكية داخلية وهذا مقصود بفعل ضغوط وسائل الإعلام وجماعات المصالح (أبرزها شركات البترول والجماعات المدعومة من اللوبي الصهيوني) التي تسعي إلى تحقيق مصالح من يقفون ورائها، وبوش نفسه اتهم بالتقصير في تحقيق الأهداف الأمريكية، برغم تشدده المعروف، في حين أن هناك مواقف أخرى كثيرة من داخل المنطقة ـ مثل بعض الأطراف الإقليمية وبعض الإطراف السودانية ـ كانت تري أن سياسة واشنطن القائمة على الضغط العنيف والمستمر على جانب واحد ـ هو حكومة البشير ـ ساهم إلى حد كبير في إحداث هذا التعقد والتشرذم الهائل على كل المستويات ووجه رسائل خاطئة إلى الإطراف السودانية المتنازعة , الأمر الذي أدى في النهاية إلى وضع كيان الدولة في السودان موضع التساؤل وجعل من سيناريو التفكك أو التحول إلى الفوضى أمراً محتملاً.
ـ سياسة بوش كانت تركز جملة وتفصيلاً على الحكومة السودانية، إلا أن إستراتيجية أوباما ضمت لها أيضا الحركة الشعبية لتحرير السودان ووضعت عدد من المتطلبات التي يتعين عليها القيام بها أبرزها المضي قدماً في تنفيذ اتفاقية السلام ووضع أولويات لفض النزاعات وبناء القدرات والشفافية وإعمال مبدأ المحاسبة.
عودة إلى صراع الصقور والحمائم:
يؤكد العديد من المراقبين على أن الإستراتيجية الجديدة ركزت بداية على دارفور هدفا أول واستكمال تنفيذ اتفاقيه السلام مع الجنوب هدفا ثانيا حتى الاستفتاء وتبعاته. وهذان الهدفان طبيعتهما مرحلية إلى حد ما, كما انهما يختصان بالشأن السوداني، بينما الهدف الثالث وهو العمل على منع تحول السودان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية, فهو الهدف الذي سيستمر على المدى الطويل, ويمكن النظر اليه من زاويتين : أحداهما : ألا يعود السودان إلى ما كان عليه في مطلع عهد الإنقاذ عندما كانت كل التنظيمات التي تصفها واشنطون بالإرهاب تجد الترحيب في الخرطوم والأخر ـ وهذا هو الأهم ـ ألا ينزلق السودان إلى "مرحله الصوملة", علما بأن وضع السودان الاستراتيجي يجعل تأثيره السلبي في كل المنطقة المحيطة به, اكبر وأكثر خطورة.
وعن رد فعل الجانب السوداني، فقد انتقد غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني ما تضمنته الإستراتيجية الأمريكية حول الوضع في إقليم دارفور والذي وصفته الإدارة الأمريكية بأنه "إبادة جماعية" وقال صلاح الدين: "ان مصطلح الإبادة الجماعية مضلل وخاطئ وسيعزل أمريكا عن بقية الدول،لأنه لا توجد دولة قد تبنت مصطلح الإبادة الجماعية." إلا أنه أشار في الوقت نفسه أنها تتضمن نقاط إيجابية.
يذكر أن مصطلح "الإبادة" قد استخدمه أوباما من قبل أثناء حملته الانتخابية عند الحديث عن الوضع في دارفور وقصد بها في المقام الأول كسب تأييد الرأي العام الأمريكي وشو إعلامي كما يسمونه، إلا أنه في الوقت نفسه غالباً ما لا تعبر التصريحات الانتخابية عن المضمون الحقيقي للسياسة المتبعة حين تولي الحكم.
كما أنه في الوقت نفسه تمثل الإستراتيجية الجديدة حلاً وسطاً بين الصقور والحمائم في أدارة أوباما، بين فريق يؤيد سياسة الترهيب والضغوط والعمل العسكري إن لزم الأمر بقيادة سوزان رايس المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة والقريبة من أوباما ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، و سكوت جريشون مبعوث أوباما إلى السودان ( ذو الأصول الأفريقية) الذي يرى عدم التعويل على لغة التهديد في التعاطي مع الواقع السوداني المتشابك والمعقد.
الملفت للنظر أن خطة أوباما لم تتضمن الحديث عن طبيعة التعاطي مع مستقبل التطورات السودانية، فبعد فترة قليلة في يناير (2011) ستم إجراء إستفتاء عام في الجنوب وهناك خلاف حالي بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان حول من لهم حق التصويت، وهل يشمل على الجنوبيين المقيمين في الشمال، أم سيقتصر الأمر على سكان الجنوب فقط، وتخشى حركة تحرير السودان من أن تفرض حكومة الخرطوم ضغوطاً على الجنوبيين في الشمال من اجل التصويت لصالح البقاء في الوحدة، لتبدو أن هذه الخطة مرحلية ومؤقتة، سيعاد النظر فيها ومراجعتها ثانية عند الإعلان عن نتيجة الاستفتاء.
إن المحفزات الاقتصادية والسياسية التي تضمنتها خطة أوباما في انتظار ما ستفسر عنه التحركات السودانية في المرحلة المقبلة، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي عن نيته تمديد العقوبات الأمريكية المفروضة على الخرطوم، والتي أقرها من قبل الرئيس بيل كلينتون عام 1997، وقام بوش بتمديدها عام 2006. وتشمل تجميد الممتلكات والودائع الخاصة بالحكومة السودانية وبعض المسئولين المتورطين في أعمال عنف بدارفور. وكذلك منع شركات النفط الأمريكية من التعامل في قطاع النفط السوداني.
ويمكن القول أن واشنطن بحاجة لرفع العقوبات المفروضة على السودان ولو بصورة جزئية حتى تتمكن شركات النفط الأمريكية ( المؤثرة بصورة كبيرة على ساكن البيت الأبيض) من العمل في السودان، ومواجهة النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا عامة والسودان على وجه الخصوص، والتي استغلت خروج الولايات المتحدة من السودان عام 1995 لتحظى باستثمارات نفطية هائلة، حتى أصبحت أكثر من نصف صادرات السودان النفطية يذهب إلى الصين، كما تبنت شركة الصين النفطية الوطنية إنشاء خط أنابيب طوله 1605 كيلومترات، يربط آبار النفط مع ميناء بورسودان على البحر الأحمر.
التغيير .. لماذا؟:
وبالرغم من أن خطة أوباما التهادنية والتطبيعية مع السودان تأتي في نفس الخط الذي يروج له الرئيس الأمريكي منذ وصوله الى سدة الحكم، وهو الحوار والتعاون بعيداً عن الصدام والمواجهات العسكرية، إلا أن هذا النهج الجديد الذي يختلف بصورة كبيرة عن مسار العلاقات الأمريكية السودانية في الفترات الأخيرة، يعكس عدد من الدوافع الأمريكية التي يمكن إيجازها في التالي :
ـ الدروس الأمريكية المستفادة من حروبها الخارجية الأخيرة ( العراق وأفغانستان) والتي أثبتت أن عملية تغيير القيادات مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر ونتائجها غير مضمونة. وبالتالي تركت هذه التجارب بصمة كبيرة في الفكر الاستراتيجي الديمقراطي بزعامة أوباما وأثبتت أن السياسة الامريكية خلفت وراءها دولاً فاشلة غير قادرة حتى على حفظ الأمن وشجعت من تسميهم واشنطن منظمات إرهابية.
ـ أي عمل عسكري سيؤدي حتماً إلى ارتفاع هائل في أسعار البترول، وهو ما يؤثر سلبا على الداخل الأمريكي, مع رغبة السلطات الأمريكية في الاستفادة من بحيرة البترول التي تعيش فوقها السودان في ظل بيئة أمنة نسبيا.
ـ رغبة إدارة أوباما في تحسين صورتها أمام العالم الإسلامي على وجه الخصوص.
إن هذه الاعتبارات جعلت الإدارة الأمريكية تختار أسلوب الحوار والتطبيع مع الإبقاء على بعض الضغوط حتى يتاح لها امتلاك معظم أدوات اللعبة السياسية مع الخرطوم، وها هي الكرة ملقاة في الملعب السوداني لنرى خلال الفترة القادمة أي اتجاه ستختار!!
* كاتب وصحفي مصري.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
كتب أ. أحمد حسين الشيمي*
http://qawim.net/images/stories/obasudan10.jpg
الاستراتيجية الجديدة ركزت بداية على دارفور هدفا أول واستكمال تنفيذ اتفاقية السلام مع الجنوب هدفا ثانيا حتى الاستفتاء وتبعاته. وهذان الهدفان طبيعتهما مرحلية إلى حد ما, كما انهما يختصان بالشأن السوداني، بينما الهدف الثالث وهو العمل على منع تحول السودان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية, فهو الهدف الذي سيستمر على المدى الطويل .. علما بأن وضع السودان الاستراتيجي يجعل تأثيره السلبي في كل المنطقة المحيطة به, اكبر وأكثر خطورة.
-------------------------
http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngالسعي لنهاية مؤكدة للنزاع وانتهاك حقوق الإنسان والإبادة في دارفور ...
تطبيق اتفاقيه السلام بين الشمال والجنوب من اجل خلق إمكانية السلام البعيد الأمد ...
العمل بشده على ضمان عدم توفير السودان مأوى للإرهابيين الدوليين ...
تلك هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه السودان والتي أعلن عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكتوبر الماضي، والتي تعكس حسب العديد من المراقبين تخبط وصراعات داخلية داخل الإدارة الأمريكية تجاه التعامل مع السودان بين تيار يدعو إلى التشدد بزعامة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسوزان رايس السفيرة في الأمم المتحدة وآخر يرى ضرورة تعديل السياسات وتبني سياسة الحوار الفعال ويتزعمه الجنرال المتقاعد سكوت جريشن مبعوث اوباما الخاص للسودان.
ما بين بوش وأباما:
إنَّ كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية بزعامة أوباما مع القضية السودانية كانت محط أنظار الكثير من المحللين، خاصة أن النهج الديمقراطي جاء بعد ثمان سنوات عجاف تحت رئاسة جورج بوش، والتي شهدت تحولات وتغيرات كثيرة في المشهد السوداني وتعرضت الخرطوم لضغوط أمريكية خاصة وغربية عامة من أجل إتباع المسار الذي ترسمه لها القوى الكبرى، واستطاعت تلك الضغوط وبعد فترة كبيرة من عدم الاتفاق والتوتر من توقيع اتفاق بين شريكا الحكم ( الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان) اتفاق نيفاشا بكينيا عام 2005، والذي بمقتضاه سيتم إجراء استفتاء في الجنوب بداية العام 2011 لتحديد مصير الجنوب إما البقاء في الوحدة أو الانفصال وتكوين دولة مستقلة، وهي تعكس رغبة أمريكية بأن تتحول السودان إلى دوله واحدة بنظامين .
وشهدت أيضاً فترة بوش نشاطات مخابراتية أمريكية وصهيونية في منطقة دارفور ودعم للمتمردين هناك بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في السودان، حتى تكون دارفور عصا موسى التي تستطيع بها واشنطن توجيه دفة الأمور في الخرطوم كيفما تشاء، حتى دخلت السودان في نفق المساومات الظالمة بعدما صدر حكم المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير بزعم ارتكابه جرائم حرب في دارفور.
سياسة العصا والجزرة:
بيد أن إستراتيجية أوباما تجاه السودان يمكن تسجيل عدد من الملاحظات عليها، وتتجلى في التالي :
ـ أنها تستخدم سياسة العصا والجزرة في آن واحد، فمقابل حل النزاع في دارفور وتحقيق السلام مع الجنوب، ستحصل الخرطوم على مساعدات اقتصادية وتنموية أمريكية هائلة، كما سيحذف اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ـ على خلاف بوش، تخلت الإدارة الأمريكية عن سياسة تغيير القيادة السودانية، حيث حاولت إدارة بوش تغيير الرئيس عمر البشير وتنصيب آخر موالي لها على غرار كرزاي والمالكي، إلا أن إدارة أوباما ربما تأكدت أن هذا النهج لم يحقق أياً من الأهداف الأمريكية في أفغانستان والعراق. كما أن الخطة الجديدة لم تشمل على أي إشارة إلى قضية توقيف الرئيس البشير أو القبض عليه، وربما أردت واشنطن بذلك أن تمارس ضغطاً نفسياً على البشير حتى ينتهي من تنفيذ أجندتها في السودان وتمرير انفصال الجنوب عن الشمال وأن ينضم الى محور المعتدلين بعيداً عن محور إيران وسوريا وحزب الله وحماس، وعند هذه اللحظة ستحدد واشنطن إما استمراره أو تقديمه للجنائية الدولية.
ـ القضية السودانية تحولت منذ فترة كبيرة إلى قضية أمريكية داخلية وهذا مقصود بفعل ضغوط وسائل الإعلام وجماعات المصالح (أبرزها شركات البترول والجماعات المدعومة من اللوبي الصهيوني) التي تسعي إلى تحقيق مصالح من يقفون ورائها، وبوش نفسه اتهم بالتقصير في تحقيق الأهداف الأمريكية، برغم تشدده المعروف، في حين أن هناك مواقف أخرى كثيرة من داخل المنطقة ـ مثل بعض الأطراف الإقليمية وبعض الإطراف السودانية ـ كانت تري أن سياسة واشنطن القائمة على الضغط العنيف والمستمر على جانب واحد ـ هو حكومة البشير ـ ساهم إلى حد كبير في إحداث هذا التعقد والتشرذم الهائل على كل المستويات ووجه رسائل خاطئة إلى الإطراف السودانية المتنازعة , الأمر الذي أدى في النهاية إلى وضع كيان الدولة في السودان موضع التساؤل وجعل من سيناريو التفكك أو التحول إلى الفوضى أمراً محتملاً.
ـ سياسة بوش كانت تركز جملة وتفصيلاً على الحكومة السودانية، إلا أن إستراتيجية أوباما ضمت لها أيضا الحركة الشعبية لتحرير السودان ووضعت عدد من المتطلبات التي يتعين عليها القيام بها أبرزها المضي قدماً في تنفيذ اتفاقية السلام ووضع أولويات لفض النزاعات وبناء القدرات والشفافية وإعمال مبدأ المحاسبة.
عودة إلى صراع الصقور والحمائم:
يؤكد العديد من المراقبين على أن الإستراتيجية الجديدة ركزت بداية على دارفور هدفا أول واستكمال تنفيذ اتفاقيه السلام مع الجنوب هدفا ثانيا حتى الاستفتاء وتبعاته. وهذان الهدفان طبيعتهما مرحلية إلى حد ما, كما انهما يختصان بالشأن السوداني، بينما الهدف الثالث وهو العمل على منع تحول السودان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية, فهو الهدف الذي سيستمر على المدى الطويل, ويمكن النظر اليه من زاويتين : أحداهما : ألا يعود السودان إلى ما كان عليه في مطلع عهد الإنقاذ عندما كانت كل التنظيمات التي تصفها واشنطون بالإرهاب تجد الترحيب في الخرطوم والأخر ـ وهذا هو الأهم ـ ألا ينزلق السودان إلى "مرحله الصوملة", علما بأن وضع السودان الاستراتيجي يجعل تأثيره السلبي في كل المنطقة المحيطة به, اكبر وأكثر خطورة.
وعن رد فعل الجانب السوداني، فقد انتقد غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني ما تضمنته الإستراتيجية الأمريكية حول الوضع في إقليم دارفور والذي وصفته الإدارة الأمريكية بأنه "إبادة جماعية" وقال صلاح الدين: "ان مصطلح الإبادة الجماعية مضلل وخاطئ وسيعزل أمريكا عن بقية الدول،لأنه لا توجد دولة قد تبنت مصطلح الإبادة الجماعية." إلا أنه أشار في الوقت نفسه أنها تتضمن نقاط إيجابية.
يذكر أن مصطلح "الإبادة" قد استخدمه أوباما من قبل أثناء حملته الانتخابية عند الحديث عن الوضع في دارفور وقصد بها في المقام الأول كسب تأييد الرأي العام الأمريكي وشو إعلامي كما يسمونه، إلا أنه في الوقت نفسه غالباً ما لا تعبر التصريحات الانتخابية عن المضمون الحقيقي للسياسة المتبعة حين تولي الحكم.
كما أنه في الوقت نفسه تمثل الإستراتيجية الجديدة حلاً وسطاً بين الصقور والحمائم في أدارة أوباما، بين فريق يؤيد سياسة الترهيب والضغوط والعمل العسكري إن لزم الأمر بقيادة سوزان رايس المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة والقريبة من أوباما ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، و سكوت جريشون مبعوث أوباما إلى السودان ( ذو الأصول الأفريقية) الذي يرى عدم التعويل على لغة التهديد في التعاطي مع الواقع السوداني المتشابك والمعقد.
الملفت للنظر أن خطة أوباما لم تتضمن الحديث عن طبيعة التعاطي مع مستقبل التطورات السودانية، فبعد فترة قليلة في يناير (2011) ستم إجراء إستفتاء عام في الجنوب وهناك خلاف حالي بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان حول من لهم حق التصويت، وهل يشمل على الجنوبيين المقيمين في الشمال، أم سيقتصر الأمر على سكان الجنوب فقط، وتخشى حركة تحرير السودان من أن تفرض حكومة الخرطوم ضغوطاً على الجنوبيين في الشمال من اجل التصويت لصالح البقاء في الوحدة، لتبدو أن هذه الخطة مرحلية ومؤقتة، سيعاد النظر فيها ومراجعتها ثانية عند الإعلان عن نتيجة الاستفتاء.
إن المحفزات الاقتصادية والسياسية التي تضمنتها خطة أوباما في انتظار ما ستفسر عنه التحركات السودانية في المرحلة المقبلة، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي عن نيته تمديد العقوبات الأمريكية المفروضة على الخرطوم، والتي أقرها من قبل الرئيس بيل كلينتون عام 1997، وقام بوش بتمديدها عام 2006. وتشمل تجميد الممتلكات والودائع الخاصة بالحكومة السودانية وبعض المسئولين المتورطين في أعمال عنف بدارفور. وكذلك منع شركات النفط الأمريكية من التعامل في قطاع النفط السوداني.
ويمكن القول أن واشنطن بحاجة لرفع العقوبات المفروضة على السودان ولو بصورة جزئية حتى تتمكن شركات النفط الأمريكية ( المؤثرة بصورة كبيرة على ساكن البيت الأبيض) من العمل في السودان، ومواجهة النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا عامة والسودان على وجه الخصوص، والتي استغلت خروج الولايات المتحدة من السودان عام 1995 لتحظى باستثمارات نفطية هائلة، حتى أصبحت أكثر من نصف صادرات السودان النفطية يذهب إلى الصين، كما تبنت شركة الصين النفطية الوطنية إنشاء خط أنابيب طوله 1605 كيلومترات، يربط آبار النفط مع ميناء بورسودان على البحر الأحمر.
التغيير .. لماذا؟:
وبالرغم من أن خطة أوباما التهادنية والتطبيعية مع السودان تأتي في نفس الخط الذي يروج له الرئيس الأمريكي منذ وصوله الى سدة الحكم، وهو الحوار والتعاون بعيداً عن الصدام والمواجهات العسكرية، إلا أن هذا النهج الجديد الذي يختلف بصورة كبيرة عن مسار العلاقات الأمريكية السودانية في الفترات الأخيرة، يعكس عدد من الدوافع الأمريكية التي يمكن إيجازها في التالي :
ـ الدروس الأمريكية المستفادة من حروبها الخارجية الأخيرة ( العراق وأفغانستان) والتي أثبتت أن عملية تغيير القيادات مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر ونتائجها غير مضمونة. وبالتالي تركت هذه التجارب بصمة كبيرة في الفكر الاستراتيجي الديمقراطي بزعامة أوباما وأثبتت أن السياسة الامريكية خلفت وراءها دولاً فاشلة غير قادرة حتى على حفظ الأمن وشجعت من تسميهم واشنطن منظمات إرهابية.
ـ أي عمل عسكري سيؤدي حتماً إلى ارتفاع هائل في أسعار البترول، وهو ما يؤثر سلبا على الداخل الأمريكي, مع رغبة السلطات الأمريكية في الاستفادة من بحيرة البترول التي تعيش فوقها السودان في ظل بيئة أمنة نسبيا.
ـ رغبة إدارة أوباما في تحسين صورتها أمام العالم الإسلامي على وجه الخصوص.
إن هذه الاعتبارات جعلت الإدارة الأمريكية تختار أسلوب الحوار والتطبيع مع الإبقاء على بعض الضغوط حتى يتاح لها امتلاك معظم أدوات اللعبة السياسية مع الخرطوم، وها هي الكرة ملقاة في الملعب السوداني لنرى خلال الفترة القادمة أي اتجاه ستختار!!
* كاتب وصحفي مصري.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"