تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة بين عام راحل ومستقبل قادم



مقاوم
01-05-2010, 10:17 AM
المقاومة بين عام راحل ومستقبل قادم

أ. نبيل شبيب

http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngعام 1430هـ أو عام 2009م كان في المنطقة العربية والإسلامية عام المقاومة دون جدال، سواء من حيث ظهور مفعول إنجازاتها على الساحات الإقليمية والدولية، أو من حيث ضراوة الجهود المضادة المبذولة لحصارها وخنقها والقضاء عليها، وقد بلغت درجات من العار غير مسبوقة، من علنية مخجلة، ووحشية مزرية، لتتلاقى ضربات القمع وطعنات الحصار من داخل الحدود، مع طعنات الحصار ومع القذائف والاغتيالات والغارات التي لا تميز بين إنسان وإنسان، كما في فلسطين وأفغانستان وأخواتهما.

ومن يسلك طريق المقاومة واعيا بالواقع العربي والإسلامي والعالمي، لا بد أن يضع في حسابه أن يبذل العدو الذي استهدفت المقاومة ردّ عدوانه فأصبح كالذئب الجريح، كل ما في وسعه للحيلولة دون أن يتحقق على أيدي المقاومة هدف التحرير، تحرير الأرض والإرادة، فالوصول إلى هذا الهدف يعني انطلاقة جديدة على طريق النهوض والبناء على كل صعيد.
ولكن ماذا عن المشككين والمخذّلين من وراء الصفوف؟..

استهداف الإنسان المقاوِم:

المقاومة ماضية ومتنامية.. على طريق لا تفصل بين مراحلها مناسبات زمنية كالتحول من عام إلى عام، ولا أحداث منحطّة المضمون مبهرجة الإخراج كالاحتفال بتسليم جائزة نوبل على "مسارح السلام" إلى من يرسل مزيدا من الجنود والمعدات إلى "ساحات القتال"، ولا محاولات اختراق الصفوف بأساليب بائسة لتمييز مزعوم بين معتدلين وغير معتدلين ومن تستهدفهم حوارات غبية ومن تستهدفهم أسلحة "ذكية"!..

جميع ذلك لا يضير كثيرا.. فصحيح أن "العدوان" يصنع بنفسه بداية طريق المقاومة، ولكنه لا يحدد مسارها، ولا يملك أن يحدد منتهاها، ما دام يوجد من ورائها عنصر الإنسان المقاوِم، بالمواصفات التي تجعل انتصار المقاومة حتما مقضيا، وهذا بالذات في مقدمة ما تتميز به المنطقة العربية والإسلامية، حيثما بلغ تكوين الإنسان إسلاميا مستوى العبودية الحقة لله وحده، الخالق القادر القاهر العزيز الجبار المتكبر، وبيده وحده مفاتيح القوة والنصر جميعا.. فبلغ بتلك العبودية لله مستوى التحرر من العبودية للهوى، بمختلف أشكالها، سواء تجلت في اتباع العبيد للعبيد، أو الغرق في لجج الانحراف مع المغريات والمرهبات، أو سوى ذلك من صورها المبعثرة على قارعة طريق الإيمان.

إن سرّ انتصارات المقاومة على امتداد تاريخ البشرية هو النفوس الكبيرة، ولهذا وجب عند كل وقفة تستعرض أحوال المقاومة في مناسبة كمناسبة بداية عام جديد، ألاّ نغفل عن جهود تُبذل للانحراف بالنفوس الكبيرة عن طريق المقاومة، فهي الجهود الأخطر مفعولا، إذا بلغت أغراضها.

في هذا الإطار تتردد على جنبات طريق "قوافل المقاومة" كلماتٌ ظاهرها الخير وباطنها غير ذلك، من ذلك القول إن الأمة لن تحقق انتصارا حاسما يحرر الأرض والإرادة ما لم يوجد على طريق النهوض والبناء مسبقا ما يكفي من الطاقات والإمكانات لتحقيق هدف النصر والتحرير..

ويتساءلون بكل براءة مزيفة: أوليس هذا ما تفرضه قاعدة أن نغيّر ما بأنفسنا ليغيّر الله ما بنا؟..

ويسترسل من يسترسل في هذا الإطار ليقول إن المقاومة قبل الإعداد تعني دخول معارك خاسرة، فتضيع الطاقات والإمكانات وتؤخر موعد النصر المرجو، فلا بد من اتباع طريق الهدنة وكف الأيدي عن القتال، إلى أن يتحقق من الاستعداد ما هو ضروري لخوض القتال..

ويتساءلون بكل دهاء مكشوف: أوليس هذا ما يعنيه درس الحديبية؟..

ويستشهد هؤلاء على ما يرونه ويطرحونه بأسلوب مواعظ، تلبس أحيانا لباسا إسلاميا لا يرتدونه في كثير من جوانب الحياة الأخرى التي يمارسونها، أو لباسا واقعيا "فضفاضا شفافا" لا يحجب وهنا ولا هوانا.. يستشهدون بما خاضه العرب والمسلمون حديثا، من معارك أدّت إلى أرتال من الشهداء ولم تؤدّ إلى استعادة الأرض، وساهمت في الفرقة لا التوحد، وفي التخلف لا النهوض، وفي ضياع الثروات والإمكانات دون جدوى.. وجميع ذلك -في نظرهم- لعدم التمييز بين مراحل الإعداد الكافي وسواها..

ويتساءلون من وراء قناع "الإخلاص والتقوى": أوليس هذا مخالفا لطريق الدعوة الأولى ما بين مرحلتي مكة والمدينة؟..

التثبيط والإعداد نقيضان لا يلتقيان:

كلام ظاهره الحرص على الهدف "نصرا"، وعلى الوسيلة "إعدادا"، وعلى عنصر الزمن "مرحلية"، أما مضمونه الواقعي فخليط من المعلومات الخاطئة، والمغالطات الخادعة، والتزييف المتعمد.

إن الذين يستخدمون هذه المقولات للتثبيط والتيئيس يوظفون أنفسهم ومقولاتهم وجهودهم على طريق آخر، يتناقض جملة وتفصيلا، ليس مع المقاومة وروحها طريقها فحسب، بل مع ما يزعمون الحديث عنه أيضا من هدف بعيد ووسيلة مجدية ومرحلية زمنية.

يتحدثون عن ضرورة الإعداد ومرحلية العمل وتنمية الطاقات والإمكانات وهم في مقدمة من لا يكادون يعرفون التخطيط إلا في ميادين المنافع الذاتية والأهواء الشخصية، ولا يتعاملون مع الطاقات والإمكانات المتوافرة إلا بهدرها وتقييدها وملاحقتها وقمعها وإعطاء مفاتيح صناعة القرار في جميع ذلك لأئمة الاستبداد والفساد في الأرض.

وأول ما ينبغي أن يقال لهم: امضوا حيث أنتم ماضون إن شئتم، ودعوا المقاومة لأهلها وشعوبها فلا علاقة لها بكلامكم ولا حاجة بها لمواعظكم!!..

أين هم من الإعداد لمعركة مستقبلية -كما يزعمون- في قضية كقضية فلسطين؟..

ما الذي يبقى من هدف التحرير "المستقبلي"، إذا انقلب الإعداد -على أيديهم- إلى عمل يجري على قدم وساق من أجل تثبيت الاغتصاب الاستعماري الاستيطاني اليهودي الجاري على قدم وساق، بل وحماية سلامته وأمنه، من خلال اتفاقات ومعاهدات وتوظيف "دايتونات" العدو في التخطيط والتنفيذ العاجل والآجل لحراسة حظيرة العدو في وجه الأخ الشقيق المقاوِم؟..

ما الذي يبقى من إيجاد الوسيلة الضرورية لتحقيق أي هدف تحرّر كريم "مستقبلا" -كما يزعمون- إذا كان جميع ما يتوافر من إمكانات ذاتية يُصرف على طريق حصار المقاومة وتوجيه الضربات لها، وتشنيع إنجازاتها، والحيلولة دون كل دعم لها لتنمو من أجل الوصول إلى مستوى تحقيق الهدف الكبير "المستقبلي"؟..

أين هي المرحلية في التخطيط والعمل والإنجاز من أجل نهوض وتقدم وبناء ووحدة، إذا كانت المراحل الماضية تنتقل بديار العرب والمسلمين وأوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية وبسائر قضاياهم الكبيرة والصغيرة من سيّئ إلى أسوأ، عاما بعد عام، وعقدا بعد عقد، ومرحلة بعد مرحلة، خضوعا بعد "تطبيع" و"تطبيعا" بعد خضوع، وتعاونا على القمع والحصار و"جدران العار" والتنكيل، من أجل تركيع من تأبى قامته الركوع لغير الله عز وجل؟..

هل المقاومة هي التي صنعت موبقات المراحل الماضية ونكباتها وكوارثها.. أم صنعتها الأيدي والألسنة والأقلام التي تستهدف المقاومة والإنسان المقاوم، وترحب وتحتفل بكل لون من ألوان الالتقاء مع عدو غاشم؟..

تشويه دروس التاريخ:

قال الله تعالى:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)...

نعم دون أدنى ريب في قلب المؤمن وعقله، إنما يتصدّر عمليةَ تغيير النفوس الانتقالُ بها من اليأس إلى الأمل، ومن القعود إلى العمل، ومن الاقتتال على كل تافه من الصغائر إلى التلاقي على الأهداف الكبرى، وليس التغيير الذاتي أو الشامل قابلا للتحقيق عن طريق التلاقي مع عدو شرس لا ينقطع عن العدوان على البشر والشجر والحجر، واصطناع المعارك الجانبية بعيدا عن ساحة مواجهته، وافتعال "داحس والغبراء" في كل أرض عربية وإسلامية، وفي ملاعب "كروية وغير كروية" بدلا من إيجاد مجتمع "المهاجرين والأنصار" ليتحقق التغيير في النفوس قاعدة صلبة حتمية للتغيير المطلوب على أرض الواقع.

وكان صلح الحديبية فتحا مبينا.. :

نعم، إنما لم يكن من موقع الضعف والتسليم، بل كانت لحظةُ الضعف عدة وعددا بالمقاييس المادية المحضة، منطلق الصادقين إلى غزوة بدر وإلى معركة مؤتة، فكانتا البوابة إلى اليرموك والقادسية بعد أعوام معدودات، كما كانت السيادة الذاتية على صناعة القرار أيام صلح الحديبية هي الضمان لمواصلة طريق البناء والنهوض دون التعرض للعدوان بعد العدوان، وما إن وقع العدوان على طرف من الأطراف المتعاهدة المتحالفة مع المسلمين حتى تحول صلح الحديبية إلى بوابة لفتح مكة.. فأين هذا مما يطلقونه من دعوات صلح وتسليم واتفاقات سلام، كاتفاق كامب ديفيد، الذي يريد أن يجعل من الأخ المسالم(!) حاجزا فولاذيا في وجه أخيه "المحاصَر"!..

لا مجال للمقارنة بين ما يقولون.. وما يفعلون، ولا يوجد قطعا أي عنصر من عناصر المقارنة بين المرحلية في عهدي مكة والمدينة، وبين عهود النكبات المتوالية والكوارث المتعاقبة داخل ديار العرب والمسلمين هذه الأيام..

وإن من أكبر تلك النكبات والكوارث وجود تيار التثبيط والتيئيس وراء الظهور وأهل المقاومة الصادقون يواجهون أعداءهم في معارك مفروضة، هي التي تجعل كل مقولات التثبيط والتيئيس جميعا منكرةً ومرفوضة.

لو صدقت النوايا في تلك "المواعظ" لبحث أصحابها عن دروس التاريخ حقا فيما كان من إعداد ومرحلية على الطريق الموصلة إلى حطين وعين جالوت، في حقب تاريخية تشابه حقبة الانحطاط المعاصرة.

ولا ينبغي الانشغال بمثل تلك المقولات، إلا بمقدار ما يعزز الرؤية الصائبة، وإن رؤية موقع المقاومة في حياة الأمة رؤية صائبة تؤكد أنها قائمة على محورين متلازمين متكاملين لا انفصال بينهما:
1- المقاومة بالإمكانات القليلة المتاحة بين أيدي من يمارسها في الصف الأول من وجود هذه الأمة، واجب مفروض لتحقيق الأهداف الجزئية المرحلية التي لا تقبل تأجيلا وتسويفا ولا تثبيطا ولا تيئيسا، كما هو الحال في فلسطين وأفغانستان والعراق وسواها من البلدان المنكوبة بالعدوان الخارجي..

2- والمقاومة هي في الوقت نفسه جزء حاسم في مسيرة أكبر وأشمل على طريق إعداد العرب والمسلمين، جيلا بعد جيلا، في بلد بعد بلد، وفي قضية بعد قضية، إلى أن يبلغ الإعداد مداه، وتتحقق عبر إنجازات المقاومة المتتابعة تلك "المرحلية" التي يزعمون الحديث عنها، نحو تحقيق إنجازات أكبر.

بين المقاومة.. والوهن:

النهوض والبناء لا يتحققان بحال من الأحوال عن طريق أصحاب نفوس تنشغل بما تُشغل به من ضروب الإلهاء بالمحرمات والموبقات وبالتوافه والصغائر، ولا عن طريق أصحاب نفوس تروّض عن طريق مثل تلك المقولات على التسليم والخضوع أمام كل عدوان على أرضها وقضاياها، ولا عن طريق أصحاب نفوس يمدون أيديهم للتلاقي مع من يوجه الضربات لأهليهم وبلادهم وقضاياهم ولا يمدون الأيدي إلى من يتلقى تلك الضربات ولا من يحاول ردّها بإمكانات محدودة.

الإمكانات تنمو من خلال دعمها لا التشهير بمن يستخدم القليل منها ويبلو به ما استطاع بلاء حسنا..

والطاقات تزداد بمقدار ما نزيدها بأنفسنا وتتطور باستخدامها، وليس بمحاصرتها ولا بزعم "تخزينها" ليوم قادم مزعوم..

والإنجازات تتراكم وتعظم من خلال متابعتها وتواصلها والإضافة إليها، وليس من خلال استصغارها وتحقيرها والتيئيس من تحقيقها..

ثم أين البديل عن المقاومة في واقع الأمة والعالم والعصر؟..

لا يكاد يوجد في هذا الواقع الرهيب المظلم في الوقت الحاضر بصيص ضوء أمام جيل المستقبل من الشبيبة والناشئة تجاه مستقبل "أفضل" وحياة كريمة، سوى ما تنشره مشاعل المقاومة، بتضحياتها رغم الحصار حولها، وبعطاءاتها رغم التنكر لفضلها، وبالارتقاء بنفسها وأهلها فوق تلك المستويات المتدنية من التشكيك فيها وفي جدواها وفي قدراتها وفي واقع إنجازاتها الملموسة، ومقابل تلك الحملات العدائية المستصغرة من شأنها، أصبحت هي -وليس سياسات الهوان والتسليم-ما يدفع العتاة من أعداء الأمة المتربصين بالمقاومة وبالأمة الدوائر، إلى إعادة النظر في "استراتيجياتهم" العدوانية، مرة بعد مرة، باحثين عن أي سبيل، مهما كان إجراميا، لتجنب هزيمة منكرة، يؤكد وقوعها، كما تؤكد سنن التاريخ، ما تعنيه كلمات القرآن الكريم المعجزة: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} -البقرة: 249-

لا تقع الهزائم في عصرنا هذا بسبب كثرة وقلة، بل بسبب الوهن في حياة قوم كغثاء السيل، وإنما يصنع الوهن في أنفسهم ويسوّقونه في أرض أمتهم، أولئك الذين يسلكون سبيل التثبيط والتيئيس، ويزعمون أنهم حريصون على انتزاع الأمة من واقعها المنكوب..فكأنهم ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم من الخاسرين في الدنيا والآخرة.

ولا ينتهي عهد الهزائم ما لم تتوافر لهذه الأمة من أعمق أعماقها فئات تقاوم الوهن والهوان، وتبذل الغالي والنفيس، وترفض العدوان وتقاومه، وتجد من ورائها من ينصرونها من المخلصين من هذه الأمة، ولا تضعفها أراجيف التثبيط والتيئيس عن المضي على طريقها حتى يأذن الله بالنصر، وما ذلك على الله بعزيز.

ثغور خالية.. ومقاومة مستهدفة:

المقاومة جزء من الإعداد الشامل لتحقيق التغيير الشامل، لا تنفصل عن بقية جوانب هذا الإعداد ولا يمكن أن يتحقق من دونها.

أما من يزعم نقيض ذلك، ويدعو إلى الإعداد للتغيير الشامل أولا.. لتنبثق عنه المقامة لاحقا، فليكن له ذلك، بالعمل الإيجابي الفعلي لا التثبيط والتيئيس.

من أراد تحقيق التغيير حقا، ولا يجد في نفسه أو في ظروفه القدرة على ممارسة المقاومة، ولا يراها جزءا من الإعداد وجسرا على طريق النهوض، فليعمل بدلا من التثبيط والتيئيس في ميدان آخر غير ميادين المقاومة المباشرة في ساحة المواجهة المفروضة.

ليست ميادين العمل لمن يريد العمل صادقا مقتصرة على مواجهة العدوان العسكري المباشر بمقاومة مسلحة مشروعة، فمن زعم الحرص عليها وهو يستصغر من شأنها فليكف لسانه وقلمه عنها، وليتحرك في ميدان آخر!..

من الميادين القريبة من المقاومة تلك الضربات الغادرة في ظهور المقاومين وشعوبهم المساندة لهم، باسم سياسة واقعية.. منحرفة، أو أمن قومي.. منتهَك، أو سيادة ذاتية.. مشروخة، فليعمل من أراد أن يعمل خارج ساحة القتال، على درء تلك الضربات والطعنات الغادرة في الظهور والنحور.

وإن أراد أن يبتعد أكثر فمن الثغور المفتوحة على مصراعيها ما يواجه معاول هدم لغتنا وثقافتنا وأدبنا وفكرنا بأسلحة الغزو اللغوي والثقافي والأدبي والفكري.. ناهيك عما يسمى الفنون وقد انحطت إلى حضيض يبرأ الفن منه، فليتحرك على هذا الصعيد على الأقل!..

وإن من الثغور المفتوحة افتعال الفتن بمختلف أشكالها وألوانها، حتى وصلت إلى الملاعب الرياضية، والمناسبات الدينية، والحجاب والنقاب والمآذن.. فأين من يتصدى لهذا وسواه، ويحقق التغيير على صعيده، من خلال حملات الدفاع عن حقوق الإنسان، وعن الحرية الدينية، وعن الأخوة العربية والإسلامية والإنسانية من وراء الحدود والسدود والأعلام والأنفاق والمعابر والحواجز!..

يجب أن يكون واضحا:

ليست مشكلة تيار التثبيط والتيئيس مع وجود المقاومة أو غيابها، بل مشكلته مع نفسه هو أولا، وليست قضيته قضية العمل للنهوض، بل هي إن صدق مع نفسه وأمته قضية الامتناع عن العمل على طريق السقوط على الأقل، وليست المقاومة عقبة في وجه التغيير الذي يزعم له الأولوية على سواه، بل العقبة ارلحقيقية هي في عدم ممارسة التغيير أصلا، في أعماق تلك النفوس التي تجند نفسها لإحباط كل تغيير على أرض الواقع، ولا تجند نفسها لتغيير أي جانب من الجوانب المظلمة على ارض الواقع!..

من شروط النصر والتغيير:

إن شروط التغيير الشامل على المدى البعيد والمتوسط، وشروط المقاومة الصادقة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، شروط متكاملة لا غنى عنها معا لبلوغ الأهداف الجليلة العزيزة.

وليس في شيء مما سبق ما يعفي المقاومة من العمل على تلافي الأخطاء إن وقعت، وعلى مضاعفة الإعداد المباشر للمعارك المتوالية التي تخوضها والتي تُفرض عليها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وعلى كسب المزيد من المناصرين والمؤيدين دون أن تلتفت إلى من يعمل على تثبيط الجهود عن دعمها والتيئيس من عملها.

ولا بد لتحقيق المزيد من الإنجازات، وبلوغ المزيد من الأهداف، وضمان الاستقامة على الطريق، من أن تتوافر للمقاومة ومن خلالها شروط عديدة، لا يتسع المجال للتفصيل فيها، إنما يكفي ذكر بعض العناوين أمثلة عليها:

1- تحرير الأرض والإرادة هو الهدف المباشر الأول للمقاومة، ولا ينبغي أن تشغل عنه أهداف أخرى وإن بدت ضرورية وعاجلة للوهلة الأولى.

2- العدو هو العدو الخارجي، ومهما وجد من أعوان وراء الصفوف، فلا ينبغي أن تتحول المقاومة عن ساحتها الرئيسية، ويجب أن تكون إنجازاتها المرئية على أرض الواقع، هي الوسيلة للكشف عما يصنعه أتباع العدو وراء الصفوف، وتلك هي الصيغة الفعالة لمواجهتهم والحيلولة دون تحقيق أغراضهم.

3- لا تتحقق الغلبة على عدو مباشر بتوسيع نطاق العداوة ليشمل من قد يدعمه دعما غير مباشر، فالتركيز على "رأس الأفعى" هو الذي يضاعف مفعول الإنجازات، ويساهم في كسب الأنصار بدلا من مضاعفة القوى المعادية.

4- التمسك بالثوابت الأصيلة يعني أن يتلاءم معها ولا يناقضها أي هدف مرحلي، أو عمل محدد، أو خطوة مؤقتة، مما قد يسبب نشوء عقبة من العقبات في وجه تحقيق الأهداف الكبرى البعيدة، تحررا وتوحّدا وتقدما على مستوى الأمة، كيلا يقع خلل في التمسك بتلك الثوابت، حتى وإن بدا في ظاهره محققا لغرض من الأغراض المشروعة القريبة المنال.

5- لا بد من تركيز الجهود المباشرة على الأهداف المباشرة، والامتناع عن توسيع نطاقها بما قد يؤدي إلى بعثرته، ولا بد في الوقت نفسه من توظيف الإمكانات والطاقات المتوافرة توظيفا راشدا، جنبا إلى جنب مع العمل لتطويرها ذاتيا ومضاعفتها كما ونوعا.

6- المقاومة المشروعة هي المقاومة التي تلتزم بالوسائل المشروعة، بالإضافة إلى الأهداف المشروعة، ولا ينبغي أن تغري وحشية العدو فيما يرتكبه من انتهاكات، فتدفع أحدا من فصائل المقاومة إلى ممارسات تهبط بها عن "مستواها" الأصيل المشروع، إلى مستوى "يماثل" ما يصنع العدو، فغلبتها الحقيقية بالتميز عنه هدفا ووسيلة وليس بالتشابه معه هدفا أو وسيلة.

7- ليست القيادات الحقيقية للمقاومة هي القيادات التي تتطلع إلى مواقع القيادة أو تتشبث بها، بل هي تلك التي تحملها إنجازاتها الفعلية على أرض الواقع إلى مواقع القيادة، والتي تعتبر القيادة وسيلة للمقاومة وحاضنة لها وليست هدفا بحد ذاته.

8- التواصل مع الشعوب رغم جميع العقبات والعراقيل جزء من أنشطة المقاومة التي تستمد قوتها -من بعد إيمانها بالله عز وجل- من التحامها بالشعوب والتحام الشعوب بها.

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6168&Itemid=1275 (http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6168&Itemid=1275)