طرابلسي
10-21-2009, 11:03 AM
علمـــــاء...منافقـــــون
خطورة النفاق:
كان سفيان الثوري يقول:خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاثة،..وذكر منها:نحن نقول: النفاق،وهم يقولون: لا نفاق([1] (http://muslm.net/vb/#_ftn1))
يقول ابن القيم رحمه الله : (إن بلية الإسلام بالمنافقين شديدة جدّاً ؛ لأنهم منسوبون إليه ، وهم أعداؤه في الحقيقة ، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وصلاح ، وهو غاية الجهل والإفساد .
فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ؟،وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟، وكم من عَلَم له قد طمسوه ؟ ، وكم ضربوا بمعاول الشّبه في أصول غراسه ليقلعوها ، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية ، ولا يزال يطرقه من شبههم سريّة بعد سريّة، يزعمون أنهم بذلك مصلحون،(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )([2] (http://muslm.net/vb/#_ftn2))) ([3] (http://muslm.net/vb/#_ftn3))
ويقول الله تعالى :( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنَّى يؤفكون)([4] (http://muslm.net/vb/#_ftn4))، (ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر ، والمراد : إثبات الأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف ، لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم ، بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوّاً من الكفار المجاهرين ، فإن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ، ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر ، وهؤلاء معهم في الديار والمنازل ، صباحاً ومساءً ، يدلون العدو على عوراتهم ، ويتربصون بهم الدوائر ، ولا يمكنهم مناجزتهم ...) ([5] (http://muslm.net/vb/#_ftn5)).
وورد التحذير من المنافقين وفضحهم وبيان صفاتهم في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية ، حتى قال ابن القيم - رحمه الله- : (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم ، لكثرتهم على ظهر الأرض ، وفي أحواف القبور ، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسبابُ المعايش ، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات ، سمع حذيفة - رضي الله عنه - رجلاً يقول : اللهم أهلك المنافقين، فقال:يا ابن أخي،لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك)([6] (http://muslm.net/vb/#_ftn6))، وأثر حذيفة ليس لا ينبغي أن يُفهم منه تعميم الحكم بالنفاق على الناس، ولكن النفاق شُعَب وأنواع ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً،بل فيهم المنافق المحض،وفيهم مَن فيه إيمان ونفاق، وفيهم مَن إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك:صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكن يعاتبون عليه قبل ذلك..) مجموع الفتاوى 7/523.وقال في موضع آخر : (فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه ،أن لا يرى وجوب تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به ، ولا يرى أيضاً وجوب طاعته فيما أمر به ) الإيمان الأوسط ص180.
حقيقة النفاق:
(وأساس النفاق الذي بنيَّ عليه أن المنافق لا بد أن تختلف سريرته وعلانيته وظاهره وباطنه ولهذا يصفهم الله في كتابه بالكذب كما يصف المؤمنين بالصدق ؛ قال تعالى: ( ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون ) ([7] (http://muslm.net/vb/#_ftn7))،وقال: ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) ([8] (http://muslm.net/vb/#_ftn8))،وأمثال هذا كثير) ([9] (http://muslm.net/vb/#_ftn9))
علماء...منافقون:
ومن أصناف المنافقين التي حذر منها الرسول – صلى الله عليه وسلم - المنافق عليم اللسان .. صاحب البيان .. بذيء اللسان ..
- فعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما – مرفوعاً-:"إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي:منافق عليم اللسان" ([10] (http://muslm.net/vb/#_ftn10)).
قال المناوي في (فيض القدير) [1/52]:(كل منافق عليم اللسان : أي:عالم للعلم،منطلق اللسان به،لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة ، مغر للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام) .وقال أيضاً [1/309]:(أي:كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل ،اتخذ العلم حرفة يتأكل بها، وأبهة يتعزز بها ،يدعو الناس إلى الله ،ويفرّ هو منه).
- وعن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( الحياء والعي شعبتان من الإيمان ،والبذاء البيان شعبتان من النفاق)([11] (http://muslm.net/vb/#_ftn11))، قال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف،قال: والعي قلة الكلام ،والبذاء هو الفحش في الكلام ،والبيان هو كثرة الكلام مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله)
- وقال - صلى الله عليه وسلم - :( أكثر منافقي أمتي قراؤها ) ([12] (http://muslm.net/vb/#_ftn12)) .
- وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمر - رضي الله عنه -: هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قال: قلت : لا . قال: (يهدمه زلة العالم ،وجدال المنافق بالكتاب،وحكم الأئمة المضلين) ([13] (http://muslm.net/vb/#_ftn13))،وخطورة هذا الصنف أنه يتحدث باسم الدين ليُفسد على الناس دينهم فينخدع الناس به ويميلوا إليه ، قال تعالى: ( يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ) ([14] (http://muslm.net/vb/#_ftn14)).
ولنا مع هذه النصوص وقفات :
الوقفة الأولى: أهمية قضية الإيمان وأن العبرة بمدى تحصيله وأن المرء قد يُحصل العلم حتى يصبح ( عليماً) ولا يحوز الإيمان فيصير من المنافقين ..
الوقفة الثانية : النفاق ليس قضية قلبية محضة – فقط - فمنه اعتقادي ومنه عملي ، وله آثار ولأهله أوصاف يُعرفون بها يقول الله تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، وكان ابن سلول معروفاً بين المسلمين بنفاقه ففي حادثة الإفك قال الصحابي الجليل أسيد بن الحضير- رضي الله عنه - لمن جادل عنه ( إنك منافق تجادل عن المنافقين ) وراجع عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه لنفاقه ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم -ذلك ، وكون حذيفة كاتم سر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلأنه أخبره أسماء جميع المنافقين ..
الوقفة الثالثة: أن المؤمن قد يكون عيي اللسان قليل الكلام وقد يكون المنافق عليم اللسان قوي البيان ولكن بيان المنافق جدالٌ بالكتاب – كما قال أمير المؤمنين الملهم عمر رضي الله عنه – وليس احتكاماً للكتاب ونزولاً على مقصود الوحي ، ولقد ذكر الله تعالى من أوصاف علماء القوم المغضوب عليهم أنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهذه من صور الجدال بالكتاب ..
الوقفة الرابعة: الإرشاد النبوي للجانب الخلقي في تمييز المؤمن من المنافق ، فالمؤمن حيي والحياء لايأتي إلا بخير والمنافق بذيء ، فكأن المنافق ينصر باطله بالبيان تارةً وبسوء الخلق والبذاءة على المخالف تارةً ، أما المؤمن فلا يحسن كثرة الكلام والتقعر فيه ولا يجيد ألوان البذاءة وصور الإساءة ..
الوقفة الخامسة: أن قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( أخوف ما أخاف عليكم...) يدل على خطورة هذه الفئة وضرورة التحذير منها وأنها - كما قال أمير المؤمنين – تهدم في الدين ، وأخطر ما في ذلك أنها تفعله باسم العلم وحماية المنهج ، قال تعالى ( اتخذوا أيمانهم جُنّةً فصدوا عن سبيل الله ) قال ابن كثير : ( أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم،فحصل بهذا صدٌ عن سبيل الله لبعض الناس ) ([15] (http://muslm.net/vb/#_ftn15))
فلا عجب إذاً بعد هذا أن نرى التشابه بين ما يرومه أعداء الدين وما يحققه هؤلاء المنافقون اللابسين لبوس العلم المتقعرين بلفظه ..أهل الكلام بلا عمل ..والبذاءة بلا حياء ، فكلا الفريقين يقوم بالإرجاف والتلبيس والتخويف من أولياء الشيطان ..
تنبيه : النفاق كما ذكرنا يتفاوت فقد يكون المرء متلبساً ببعض خصال النفاق ولا يكون منافقاً خالصاً ، وقد يكون فساد المرء أو المتصدر باسم العلم من جهة أخرى غير النفاق كالهوى أو المعاصي ،وغالبا ما يكون الأمر متقاطعاً بين ذاك وذاك ، لذا لزم التنبيه أن الأولى الاهتمام بالتحذير من الفعل دون الانشغال بإسقاط الوصف على أشخاص وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) ، وهو الأرجى لفتح باب التوبة والمراجعة لمن تلبس ببعض ذلك...
وفي النهاية أُذَّكِر بالحديث الذي رواه ابن عمر t عن النبي r قال: ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة) ،(وفي رواية: تكر في هذه مرة وفي هذه مرة) ([16] (http://muslm.net/vb/#_ftn16)) ، وهو مصداق قوله تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) ([17] (http://muslm.net/vb/#_ftn17))(والذبذبة:شدّة الاضطراب من خوف أو خجل...أي كانوا بحالة اضطراب وهو معنى التذبذب . والمقصود من هذا تحقيرهم وتنفير الفريقين من صحبتِهم لينبذهم الفريقان ) ([18] (http://muslm.net/vb/#_ftn18))...
فالذين يتلبسون بالنفاق هم الخاسرون فلا هم يحظون بما أعده الله للمؤمنين ولا هم أظهروا ولاءهم لأعداء الدين ... فهم المنبوذون في الدنيا والآخرة..
http://www.muslm.net/vb/images/smilies/A2.gif
الهوامش:
([1]) أخرجه الفريابي في (صفة المنافق) ، ص 93 .
([2])[البقرة : 12] .
([3]) مدارج السالكين ، 1/347.
([4])[المنافقون : 4].
([5]) طريق الهجرتين ص 402- 404 ، باختصار يسير.
([6]) مدارج السالكين ، 1/358.
([7]) [ البقرة :10 ].
([8]) [ المنافقون :1 ].
([9]) مجموع الفتاوى .
([10])رواه أحمد1/22و44،والطبراني في الكبير 18/237،وصححه الألباني في الجامع الصغير وفي الصحيحةح1013
([11]) رواه الترمذي ح 227) وصححه الألباني.
([12]) ورد من طريق عبد الله بن عمرو و عقبة بن عامر و عبد الله بن عباس و عصمة بن مالك ،ولكل طريق رواته (راجع أحمد (4/ 151 ، 154- 155) و(2/175)،وابن بطة في" الإبانة "(5/48 /2)، وابن قتيبة في "غريب الحديث " (1/105/1) و ابن عدي في الكامل (211/1) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/ 257/822) وغيرهم )،وصححه بطرقه الألباني في الصحيحة ح750 (2/386)
([13])رواه الدرامي ،وصححه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح للتبريزي – كتاب العلم – الفصل الأول ح 269.
([14]) [ التوبة:47].
([15]) تفسير ابن كثير :
([16]) صحيح مسلم ح 4990 .
([17]) [النساء 143].
([18]) التحرير والتنوير .
خطورة النفاق:
كان سفيان الثوري يقول:خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاثة،..وذكر منها:نحن نقول: النفاق،وهم يقولون: لا نفاق([1] (http://muslm.net/vb/#_ftn1))
يقول ابن القيم رحمه الله : (إن بلية الإسلام بالمنافقين شديدة جدّاً ؛ لأنهم منسوبون إليه ، وهم أعداؤه في الحقيقة ، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وصلاح ، وهو غاية الجهل والإفساد .
فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ؟،وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟، وكم من عَلَم له قد طمسوه ؟ ، وكم ضربوا بمعاول الشّبه في أصول غراسه ليقلعوها ، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية ، ولا يزال يطرقه من شبههم سريّة بعد سريّة، يزعمون أنهم بذلك مصلحون،(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )([2] (http://muslm.net/vb/#_ftn2))) ([3] (http://muslm.net/vb/#_ftn3))
ويقول الله تعالى :( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنَّى يؤفكون)([4] (http://muslm.net/vb/#_ftn4))، (ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر ، والمراد : إثبات الأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف ، لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم ، بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوّاً من الكفار المجاهرين ، فإن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ، ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر ، وهؤلاء معهم في الديار والمنازل ، صباحاً ومساءً ، يدلون العدو على عوراتهم ، ويتربصون بهم الدوائر ، ولا يمكنهم مناجزتهم ...) ([5] (http://muslm.net/vb/#_ftn5)).
وورد التحذير من المنافقين وفضحهم وبيان صفاتهم في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية ، حتى قال ابن القيم - رحمه الله- : (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم ، لكثرتهم على ظهر الأرض ، وفي أحواف القبور ، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسبابُ المعايش ، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات ، سمع حذيفة - رضي الله عنه - رجلاً يقول : اللهم أهلك المنافقين، فقال:يا ابن أخي،لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك)([6] (http://muslm.net/vb/#_ftn6))، وأثر حذيفة ليس لا ينبغي أن يُفهم منه تعميم الحكم بالنفاق على الناس، ولكن النفاق شُعَب وأنواع ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً،بل فيهم المنافق المحض،وفيهم مَن فيه إيمان ونفاق، وفيهم مَن إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك:صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكن يعاتبون عليه قبل ذلك..) مجموع الفتاوى 7/523.وقال في موضع آخر : (فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه ،أن لا يرى وجوب تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به ، ولا يرى أيضاً وجوب طاعته فيما أمر به ) الإيمان الأوسط ص180.
حقيقة النفاق:
(وأساس النفاق الذي بنيَّ عليه أن المنافق لا بد أن تختلف سريرته وعلانيته وظاهره وباطنه ولهذا يصفهم الله في كتابه بالكذب كما يصف المؤمنين بالصدق ؛ قال تعالى: ( ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون ) ([7] (http://muslm.net/vb/#_ftn7))،وقال: ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) ([8] (http://muslm.net/vb/#_ftn8))،وأمثال هذا كثير) ([9] (http://muslm.net/vb/#_ftn9))
علماء...منافقون:
ومن أصناف المنافقين التي حذر منها الرسول – صلى الله عليه وسلم - المنافق عليم اللسان .. صاحب البيان .. بذيء اللسان ..
- فعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما – مرفوعاً-:"إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي:منافق عليم اللسان" ([10] (http://muslm.net/vb/#_ftn10)).
قال المناوي في (فيض القدير) [1/52]:(كل منافق عليم اللسان : أي:عالم للعلم،منطلق اللسان به،لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة ، مغر للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام) .وقال أيضاً [1/309]:(أي:كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل ،اتخذ العلم حرفة يتأكل بها، وأبهة يتعزز بها ،يدعو الناس إلى الله ،ويفرّ هو منه).
- وعن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( الحياء والعي شعبتان من الإيمان ،والبذاء البيان شعبتان من النفاق)([11] (http://muslm.net/vb/#_ftn11))، قال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف،قال: والعي قلة الكلام ،والبذاء هو الفحش في الكلام ،والبيان هو كثرة الكلام مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله)
- وقال - صلى الله عليه وسلم - :( أكثر منافقي أمتي قراؤها ) ([12] (http://muslm.net/vb/#_ftn12)) .
- وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمر - رضي الله عنه -: هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قال: قلت : لا . قال: (يهدمه زلة العالم ،وجدال المنافق بالكتاب،وحكم الأئمة المضلين) ([13] (http://muslm.net/vb/#_ftn13))،وخطورة هذا الصنف أنه يتحدث باسم الدين ليُفسد على الناس دينهم فينخدع الناس به ويميلوا إليه ، قال تعالى: ( يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ) ([14] (http://muslm.net/vb/#_ftn14)).
ولنا مع هذه النصوص وقفات :
الوقفة الأولى: أهمية قضية الإيمان وأن العبرة بمدى تحصيله وأن المرء قد يُحصل العلم حتى يصبح ( عليماً) ولا يحوز الإيمان فيصير من المنافقين ..
الوقفة الثانية : النفاق ليس قضية قلبية محضة – فقط - فمنه اعتقادي ومنه عملي ، وله آثار ولأهله أوصاف يُعرفون بها يقول الله تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، وكان ابن سلول معروفاً بين المسلمين بنفاقه ففي حادثة الإفك قال الصحابي الجليل أسيد بن الحضير- رضي الله عنه - لمن جادل عنه ( إنك منافق تجادل عن المنافقين ) وراجع عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه لنفاقه ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم -ذلك ، وكون حذيفة كاتم سر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلأنه أخبره أسماء جميع المنافقين ..
الوقفة الثالثة: أن المؤمن قد يكون عيي اللسان قليل الكلام وقد يكون المنافق عليم اللسان قوي البيان ولكن بيان المنافق جدالٌ بالكتاب – كما قال أمير المؤمنين الملهم عمر رضي الله عنه – وليس احتكاماً للكتاب ونزولاً على مقصود الوحي ، ولقد ذكر الله تعالى من أوصاف علماء القوم المغضوب عليهم أنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهذه من صور الجدال بالكتاب ..
الوقفة الرابعة: الإرشاد النبوي للجانب الخلقي في تمييز المؤمن من المنافق ، فالمؤمن حيي والحياء لايأتي إلا بخير والمنافق بذيء ، فكأن المنافق ينصر باطله بالبيان تارةً وبسوء الخلق والبذاءة على المخالف تارةً ، أما المؤمن فلا يحسن كثرة الكلام والتقعر فيه ولا يجيد ألوان البذاءة وصور الإساءة ..
الوقفة الخامسة: أن قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( أخوف ما أخاف عليكم...) يدل على خطورة هذه الفئة وضرورة التحذير منها وأنها - كما قال أمير المؤمنين – تهدم في الدين ، وأخطر ما في ذلك أنها تفعله باسم العلم وحماية المنهج ، قال تعالى ( اتخذوا أيمانهم جُنّةً فصدوا عن سبيل الله ) قال ابن كثير : ( أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم،فحصل بهذا صدٌ عن سبيل الله لبعض الناس ) ([15] (http://muslm.net/vb/#_ftn15))
فلا عجب إذاً بعد هذا أن نرى التشابه بين ما يرومه أعداء الدين وما يحققه هؤلاء المنافقون اللابسين لبوس العلم المتقعرين بلفظه ..أهل الكلام بلا عمل ..والبذاءة بلا حياء ، فكلا الفريقين يقوم بالإرجاف والتلبيس والتخويف من أولياء الشيطان ..
تنبيه : النفاق كما ذكرنا يتفاوت فقد يكون المرء متلبساً ببعض خصال النفاق ولا يكون منافقاً خالصاً ، وقد يكون فساد المرء أو المتصدر باسم العلم من جهة أخرى غير النفاق كالهوى أو المعاصي ،وغالبا ما يكون الأمر متقاطعاً بين ذاك وذاك ، لذا لزم التنبيه أن الأولى الاهتمام بالتحذير من الفعل دون الانشغال بإسقاط الوصف على أشخاص وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) ، وهو الأرجى لفتح باب التوبة والمراجعة لمن تلبس ببعض ذلك...
وفي النهاية أُذَّكِر بالحديث الذي رواه ابن عمر t عن النبي r قال: ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة) ،(وفي رواية: تكر في هذه مرة وفي هذه مرة) ([16] (http://muslm.net/vb/#_ftn16)) ، وهو مصداق قوله تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) ([17] (http://muslm.net/vb/#_ftn17))(والذبذبة:شدّة الاضطراب من خوف أو خجل...أي كانوا بحالة اضطراب وهو معنى التذبذب . والمقصود من هذا تحقيرهم وتنفير الفريقين من صحبتِهم لينبذهم الفريقان ) ([18] (http://muslm.net/vb/#_ftn18))...
فالذين يتلبسون بالنفاق هم الخاسرون فلا هم يحظون بما أعده الله للمؤمنين ولا هم أظهروا ولاءهم لأعداء الدين ... فهم المنبوذون في الدنيا والآخرة..
http://www.muslm.net/vb/images/smilies/A2.gif
الهوامش:
([1]) أخرجه الفريابي في (صفة المنافق) ، ص 93 .
([2])[البقرة : 12] .
([3]) مدارج السالكين ، 1/347.
([4])[المنافقون : 4].
([5]) طريق الهجرتين ص 402- 404 ، باختصار يسير.
([6]) مدارج السالكين ، 1/358.
([7]) [ البقرة :10 ].
([8]) [ المنافقون :1 ].
([9]) مجموع الفتاوى .
([10])رواه أحمد1/22و44،والطبراني في الكبير 18/237،وصححه الألباني في الجامع الصغير وفي الصحيحةح1013
([11]) رواه الترمذي ح 227) وصححه الألباني.
([12]) ورد من طريق عبد الله بن عمرو و عقبة بن عامر و عبد الله بن عباس و عصمة بن مالك ،ولكل طريق رواته (راجع أحمد (4/ 151 ، 154- 155) و(2/175)،وابن بطة في" الإبانة "(5/48 /2)، وابن قتيبة في "غريب الحديث " (1/105/1) و ابن عدي في الكامل (211/1) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/ 257/822) وغيرهم )،وصححه بطرقه الألباني في الصحيحة ح750 (2/386)
([13])رواه الدرامي ،وصححه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح للتبريزي – كتاب العلم – الفصل الأول ح 269.
([14]) [ التوبة:47].
([15]) تفسير ابن كثير :
([16]) صحيح مسلم ح 4990 .
([17]) [النساء 143].
([18]) التحرير والتنوير .