تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المشاريع العربية العملاقة...عقدة نقص وتسويق للوهم



من هناك
10-02-2009, 01:01 AM
حين يتجذر التخلف، ويترسخ القصور والتقصير في النظم السياسية والمجتمعات التي تعاني من كبت الدكتاتوريات المشبعة بالفساد الإداري يكون الاهتمام مبالغا فيه بالمظاهر الفارغة وبالانجازات الوهمية العملاقة. مع الحرص شديد على ربط تلك المشاريع الضخمة بإسم الحاكم أو الزعيم والذي يقوم مشكورا وبتواضعه "الجم" بافتتاح تلك المشاريع مع ضجيج إعلامي صاخب في حفلات مميزة و"تاريخية".

مشاريع ضخمة، تكلف المليارات من أموال وميزانيات الدول، تخرج فجأة وقد تموت كما خرجت بشكل سريع ومفاجئ. وبطبيعة الحال فإن تلك المشاريع لم تكن نتاج دراسات واستشارات من أبناء البلد وخبرائه الحريصين عليه، ولن تتعرض في حال فشلها المؤكد والمحتوم – مع غياب الشفافية وآليات المحاسبة- للمساءلة والتي تحاسب المقصر وتستفيد من التجربة المرة حتى لا تقع مرة أخرى. ولعل الأمثلة على تلك المشاريع كثيرة وعديدة ومنذ عقود وتتكرر بشكل لافت ومتسارع هذه الأيام خصوصا مع انحسار دور النظام العربي الرسمي واحتضاره وغيابه التام عن الساحة الدولية والإقليمية -والتي يتنافس فيها اللاعبان الرئيسيان إيران وإسرائيل- وإكتفاءه بدور المتلقي للإوامر والتكليفات من القوى المنتفذة على الساحة الدولية. ولعل أول ما يقفز للذاكرة مشروع النهر العظيم والذي أطلقه القذافي ليدفن فيه ومعه المليارات من أموال الشعب الليبي والذي يعاني الكثير من أبنائه من نقص في الحاجات الأساسية تعليما وعلاجا.

المستفيد الأساس من تلك المشاريع "العملاقة" والتي يتم من خلالها تسويق الوهم للشعوب المغلوبة على أمرها، الشركات الأجنبية الدولية والتي تجنى الأرباح الطائلة، وأبناء النظام والمقربين منه خصوصا مع التزاوج الكاثوليكي في غالبية النظم السياسية العربية ما بين المال والسلطة. كما يستفيد المطبلون والمتملقون -والذين أصبح لهم مكانة كبيرة في المشهد العربي- من خلال توظيفهم للقيام بحملات إعلامية وفكرية لتزيين الخواء وتسويق السراب، أضف إلى ذلك الخبراء الأجانب والذين يتلقون رواتب ضخمة ومزايا كبيرة فيما يراد منهم أن يكونوا جزءا من ديكور انجازات النظام الفريدة، بمثل ما تستخدم المجالس البرلمانية العربية الديمقراطية المزعومة لتزيين دكتاتوريات عتيقة ومعتقة و"عريقة".

أوليس غريبا أن نجد أن دولة عربية يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على النفط تنشئ مراكز بحثية ضخمة بتكاليف باهظة وتستدعى خبراء أجانب ليشتغلوا في أبحاث و"ابتكارات" الطاقة البديلة والتي إن نجحت ستؤثر سلبا على اقتصاد الدولة المستثمرة؟

وإذا كان للتخلف وهو يتجذر في بلادنا عنواين كثيرة، فإن من أبرزها الاهتمام المبالغ فيه بالالقاب وبالاحتفالات الضخمة والانجازات الموهومة، والتي تمتد بشكل عامودي من أعلى الهرم الاجتماعي لتمس وبشكل شبه مباشر قطاعات المجتمع. وكأن المراد منها التغطية على عقد النقص ومسالك التقصير وغياب الانجازات الحقيقة والتي يمكن أن تورث للإجيال القادمة. فالاهتمام الإجتماعي بالالقاب وأحيانا بذل الغالي والنفيس والجهد الدراسي لتحصيل شهادات عليا –حتى لو كانت من جامعات دنيا- حتى يتم الاستماع بالالقاب الاجتماعية والترنم بها. وتظهر على صفحات الصحف العربية التهاني بانجازات الأبناء في التخرج من جامعات عربية والانضمام لطوابير العاطلين عن العمل والتبريكات في نجاح "باهر" من المدرسة أو حتى من انهاء مرحلة الروضة والدخول إلى الصف الأول الإبتدائي. ويشكل العالم العربي زبونا "غبيا" وجيدا لموسوعة جينيس للإرقام القياسية والتي يحاول أن يدخلها العرب بحرص شديد وبشكل مخجل ومعيب وانجازات وهمية مثل إعداد أكبر وجبة طعام أو بناء أعلى برج وما شابهه.

سنبقى نشاهد وبأسى انجازات علمية وصناعية عربية وهمية وسنقرأ عن أرقام مبرمجة يصاحب ذلك تصفيق وتلفيق وتزويق وتزييف للوعي وتزوير للحقائق. وهي أمور تعمق من تخلفنا وتباعد بيننا وبين الأمم الأخرى في المسارات العلمية والمكانة الدولية وتزيد من فساد النخب السياسية العربية وتنشر –بالإضافة لعوامل أخرى- في مجتمعاتنا ثقافة الاستهلاك المهلكة والظواهر المرضية المميتة من إهتمام وحرص على مظاهر زائفة وألقاب فارغة.

ياسر سعد