عزام
09-26-2009, 08:30 AM
وصلتني بالبريد
عزام
=================================== =======================
بوعلي وهلال العيد
في التاسع والعشرين من رمضان من كل عام يحبس الناس أنفاسهم ويتحلقون حول شاشات التلفزة بانتظار أن يخرج عليهم القاضي الشرعي الأول معلنا ثبوت أو عدم ثبوت رؤية هلال العيد... هذا هو السيناريو المعلن... لكن هل سبق وفكر أحدكم بالخطوات والتحضيرات والمباحثات التي تسبق هذا الإعلان التاريخي؟...
.........
أحد الشباب سهران مع أصدقائه على جبل قاسيون فرأى الهلال وأسرع إلى المحكمة، وطلب مقابلة القاضي بندق، وبعد سلسلة طويلة من الاستجوابات والتحقيقات والأسئلة السخيفة من قبل بعض المندسين حظي الشاب بفرصة العمر ودخل مكتب القاضي....
تفاجأ الشاب واحتار أين يجول ناظريه.. على الثريات الكريستالية الضخمة المدلاة من السقف، أم على اللوحات والبراويز المعلقة على الجدران، أم على المقاعد والطاولات التي لايخفى على أحد فخامتها وغلاء ثمنها... أم أم...
قاطع القاضي ذهول الشاب ودهشته طالبا منه الاقتراب بدل بقائه واقفا عند الباب...لكن الشاب العائد توا من الجبل لم تطاوعه نفسه أن يطأ بحذائه المغبّر أرض المكتب المفروشة بأفخم أنواع الموكيت والسجاد العجمي...
ألح القاضي على الشاب: قرب يا ابني.. خير شو جابك؟
قال الشاب: سيدنا شفت الهلال وجاية اشهد.
القاضي: مريت على قاضي التحقيق قبل ما تفوت لعندي؟
الشاب: شو تحقيق ما تحقيق سيدنا؟ !!!!
القاضي: لاتخاف يا ابني، إجراء روتيني بسيط، بس حتى نتثبت من شهادتك، ومن أهليتك للشهادة، بتعرف الشغلة مو لعبة هي مسؤولية ومصير أمة......
.......
أدخل الشاب غرفة صغيرة مظلمة سوداء، يتوسط سقفها مروحة، وبصيص ضوء خافت... وخلف طاولة خشبية قديمة، وعلى كرسي حديد صدئ جلس القاضي بوعلي وبيده سيجارة حمرا طويلة....
أحس الشاب وكأنه ارتكب غلطة عمره عندما فكر بتقديم خدمة للبلد....
سأل بوعلي: شو جابك ولك؟
- سيدي شفت الهلال وجاية اشهد متل ما طلبتوا منا عالتلفويون.
- وين وأيمتى...
- سيدي شفتو بالسما بعد المغرب.
- بالسماااااا، ولك شو عم تجدبا عليي؟
وما هي إلا دقة جرس حتى امتلأت الغرفة بالشبيحة، عندها أحس الشاب بأنه لم يندم يوما قط كندمه على هذا اليوم، وتمنى لو شقت الأرض وابتلعته، وأن يمسخه الله إلى قرد بدل وقوفه هذا الموقف اللعين... وبدأ المسلسل...
س سؤال: شو أخدك على قاسيون؟
- سيدي.. القاضي دعانا لالتماس الهلال.
- وقت فطور، وكل العالم ببيوتها عم تفطر، وانت على قاسيون؟!!!
- سيدي أخدنا معنا شاورما عربي وعلبتين كولا...
- أخدنا.. ؟.. ليش مين كان معك؟
- رفيقي سيدي رفيقي... ورحمة امك سيدي شفنا الهلال، خليني اشهد وامشي، وكل عام وانتو بخير....
- واضح انك كتير مستعجل، بس لسه ما خلصنا منك، بدك تقلي مين كان معك ووين تركك وراح، بدل ما يجي معك يشهد، وبدك تحكيلي بالتفصيل الممل كيف طلعتوا على قاسيون؟ ووين قعدتو؟ وشو أكلتو وشو حكيتو؟ وكيف شفتوا الهلال؟ بعيونكن المجردة والا كان معكن ناضور؟
- كان معنا ناضور سيدي... إذا هادا الشي مخالف لشروط الشهادة خلص مو مشكلة.. بلاها سيدي منصوم بكرة، شوعليه؟ اعتبروني لا شفت الهلال، ولا قللت عقلي واجيت، واستروا ما شفتو منا....
ظن الشاب المتوتر أنه إذا خفف دم فقد يلطف الجو قليلا, لكن أحدا في الغرفة لم يكلف نفسه عناء ابتسامة صغيرة، باستثناء بوعلي الذي اكتفى بهز رأسه....
وما هي إلا لحظات حتى أظلمت الدنيا بعيني الشاب المسكين وغاب عن الوعي.....
استيقظ الشاب على أوجاع مبرحة في كل أعضاء جسده، ووجد نفسه ملقى في زنزانة صغيرة مع عشرة شبان آخرين، لم تكن حالهم بأفضل من حاله....
قال أحدهم: أوعى تكون انت التاني مقلل عقلك وفرحان بحالك وجاية تشهد بالمحكمة انك شفت هلال العيد...
أجاب الشاب: يا ريتني شفت عزرائيل ولا شفت هالهلال.... لك يا زلمة.. بتعرف قصة الحمار اللي ضل ياكل قتل حتى اعترف انو غزال؟.. وحياتك أنا هو الحمار...
أحد الموقوفين: لا وحياتك... كل واحد بهالغرفة أحمر من التاني...
خربطت.... وبدال ما فوت مكتب القاضي بندق لقيت حالي بمرعب القاضي بوعلي.. بذكر اني قبل ما فوت كنت مواطن صالح وخدوم، شو قلبني جوا إرهابي وخائن وقاعدة؟... ؟؟ ... ما بعرف...
موقوف آخر: وأنا بدال ما اشهد اني شفت الهلال، لقيت حالي عم اشهد واعترف إني عميل سري للموساد، وعم اخدم مصالح الامبريالية والصهيونية والرجعية...
الشاب: الله وكيلكون.. أنا ذكرت بالتحقيق كلمة ناضور.. وحسيت بواب جهنم انفتحت بوشي.. وهات شي يقنع خيّك بوعلي اني ما كنت عم اتجسس عالقصر الجمهوري، وإني موعضو بخلية إرهابية عم تسعى لقلب نظام الحكم.... لك أللاه يلعنو لبييون...
......
أما القاضي بوعلي فقد تزايد الضغط عليه، وصار ملزما برفع تقرير للقاضي بندق عما تمخضت عنه التحقيقات والمساءلات، فجمع أعوانه وسألهم: قولولي.... مين ثبتا؟
-سيدي السعودية ثبتوها والأردن كمان...
- السعودية بكرة معيدين؟؟ ... عظيم... انحلت المشكلة...
.....
وبعد طول انتظار وترقب خرج القاضي الشرعي الأول مخاطبا الشعب السوري عبر شاشة التلفاز معلنا أن رؤية الهلال قد غمت.. وعميت عنها أبصار شبابنا الساهرين والمترقبين، وأن غدا هو المتمم لشهر رمضان المبارك، وبذلك يكون يوم الاثنين هو أول أيام عيد الفطر السعيد....
وكل عام وأنتم بألف خير....
هبة الله
عزام
=================================== =======================
بوعلي وهلال العيد
في التاسع والعشرين من رمضان من كل عام يحبس الناس أنفاسهم ويتحلقون حول شاشات التلفزة بانتظار أن يخرج عليهم القاضي الشرعي الأول معلنا ثبوت أو عدم ثبوت رؤية هلال العيد... هذا هو السيناريو المعلن... لكن هل سبق وفكر أحدكم بالخطوات والتحضيرات والمباحثات التي تسبق هذا الإعلان التاريخي؟...
.........
أحد الشباب سهران مع أصدقائه على جبل قاسيون فرأى الهلال وأسرع إلى المحكمة، وطلب مقابلة القاضي بندق، وبعد سلسلة طويلة من الاستجوابات والتحقيقات والأسئلة السخيفة من قبل بعض المندسين حظي الشاب بفرصة العمر ودخل مكتب القاضي....
تفاجأ الشاب واحتار أين يجول ناظريه.. على الثريات الكريستالية الضخمة المدلاة من السقف، أم على اللوحات والبراويز المعلقة على الجدران، أم على المقاعد والطاولات التي لايخفى على أحد فخامتها وغلاء ثمنها... أم أم...
قاطع القاضي ذهول الشاب ودهشته طالبا منه الاقتراب بدل بقائه واقفا عند الباب...لكن الشاب العائد توا من الجبل لم تطاوعه نفسه أن يطأ بحذائه المغبّر أرض المكتب المفروشة بأفخم أنواع الموكيت والسجاد العجمي...
ألح القاضي على الشاب: قرب يا ابني.. خير شو جابك؟
قال الشاب: سيدنا شفت الهلال وجاية اشهد.
القاضي: مريت على قاضي التحقيق قبل ما تفوت لعندي؟
الشاب: شو تحقيق ما تحقيق سيدنا؟ !!!!
القاضي: لاتخاف يا ابني، إجراء روتيني بسيط، بس حتى نتثبت من شهادتك، ومن أهليتك للشهادة، بتعرف الشغلة مو لعبة هي مسؤولية ومصير أمة......
.......
أدخل الشاب غرفة صغيرة مظلمة سوداء، يتوسط سقفها مروحة، وبصيص ضوء خافت... وخلف طاولة خشبية قديمة، وعلى كرسي حديد صدئ جلس القاضي بوعلي وبيده سيجارة حمرا طويلة....
أحس الشاب وكأنه ارتكب غلطة عمره عندما فكر بتقديم خدمة للبلد....
سأل بوعلي: شو جابك ولك؟
- سيدي شفت الهلال وجاية اشهد متل ما طلبتوا منا عالتلفويون.
- وين وأيمتى...
- سيدي شفتو بالسما بعد المغرب.
- بالسماااااا، ولك شو عم تجدبا عليي؟
وما هي إلا دقة جرس حتى امتلأت الغرفة بالشبيحة، عندها أحس الشاب بأنه لم يندم يوما قط كندمه على هذا اليوم، وتمنى لو شقت الأرض وابتلعته، وأن يمسخه الله إلى قرد بدل وقوفه هذا الموقف اللعين... وبدأ المسلسل...
س سؤال: شو أخدك على قاسيون؟
- سيدي.. القاضي دعانا لالتماس الهلال.
- وقت فطور، وكل العالم ببيوتها عم تفطر، وانت على قاسيون؟!!!
- سيدي أخدنا معنا شاورما عربي وعلبتين كولا...
- أخدنا.. ؟.. ليش مين كان معك؟
- رفيقي سيدي رفيقي... ورحمة امك سيدي شفنا الهلال، خليني اشهد وامشي، وكل عام وانتو بخير....
- واضح انك كتير مستعجل، بس لسه ما خلصنا منك، بدك تقلي مين كان معك ووين تركك وراح، بدل ما يجي معك يشهد، وبدك تحكيلي بالتفصيل الممل كيف طلعتوا على قاسيون؟ ووين قعدتو؟ وشو أكلتو وشو حكيتو؟ وكيف شفتوا الهلال؟ بعيونكن المجردة والا كان معكن ناضور؟
- كان معنا ناضور سيدي... إذا هادا الشي مخالف لشروط الشهادة خلص مو مشكلة.. بلاها سيدي منصوم بكرة، شوعليه؟ اعتبروني لا شفت الهلال، ولا قللت عقلي واجيت، واستروا ما شفتو منا....
ظن الشاب المتوتر أنه إذا خفف دم فقد يلطف الجو قليلا, لكن أحدا في الغرفة لم يكلف نفسه عناء ابتسامة صغيرة، باستثناء بوعلي الذي اكتفى بهز رأسه....
وما هي إلا لحظات حتى أظلمت الدنيا بعيني الشاب المسكين وغاب عن الوعي.....
استيقظ الشاب على أوجاع مبرحة في كل أعضاء جسده، ووجد نفسه ملقى في زنزانة صغيرة مع عشرة شبان آخرين، لم تكن حالهم بأفضل من حاله....
قال أحدهم: أوعى تكون انت التاني مقلل عقلك وفرحان بحالك وجاية تشهد بالمحكمة انك شفت هلال العيد...
أجاب الشاب: يا ريتني شفت عزرائيل ولا شفت هالهلال.... لك يا زلمة.. بتعرف قصة الحمار اللي ضل ياكل قتل حتى اعترف انو غزال؟.. وحياتك أنا هو الحمار...
أحد الموقوفين: لا وحياتك... كل واحد بهالغرفة أحمر من التاني...
خربطت.... وبدال ما فوت مكتب القاضي بندق لقيت حالي بمرعب القاضي بوعلي.. بذكر اني قبل ما فوت كنت مواطن صالح وخدوم، شو قلبني جوا إرهابي وخائن وقاعدة؟... ؟؟ ... ما بعرف...
موقوف آخر: وأنا بدال ما اشهد اني شفت الهلال، لقيت حالي عم اشهد واعترف إني عميل سري للموساد، وعم اخدم مصالح الامبريالية والصهيونية والرجعية...
الشاب: الله وكيلكون.. أنا ذكرت بالتحقيق كلمة ناضور.. وحسيت بواب جهنم انفتحت بوشي.. وهات شي يقنع خيّك بوعلي اني ما كنت عم اتجسس عالقصر الجمهوري، وإني موعضو بخلية إرهابية عم تسعى لقلب نظام الحكم.... لك أللاه يلعنو لبييون...
......
أما القاضي بوعلي فقد تزايد الضغط عليه، وصار ملزما برفع تقرير للقاضي بندق عما تمخضت عنه التحقيقات والمساءلات، فجمع أعوانه وسألهم: قولولي.... مين ثبتا؟
-سيدي السعودية ثبتوها والأردن كمان...
- السعودية بكرة معيدين؟؟ ... عظيم... انحلت المشكلة...
.....
وبعد طول انتظار وترقب خرج القاضي الشرعي الأول مخاطبا الشعب السوري عبر شاشة التلفاز معلنا أن رؤية الهلال قد غمت.. وعميت عنها أبصار شبابنا الساهرين والمترقبين، وأن غدا هو المتمم لشهر رمضان المبارك، وبذلك يكون يوم الاثنين هو أول أيام عيد الفطر السعيد....
وكل عام وأنتم بألف خير....
هبة الله