من هناك
09-16-2009, 04:16 AM
يومَ أخرجت حرب لبنان بيغن من التاريخ
http://www.al-akhbar.com/files/images/p06_20090916_pic2.full.jpg
مناحيم بيغن (الأوّل من اليمين) خلال توقيع اتفاق كامب دايفيد (أرشيف ــ أ ف ب)
فراس خطيب
في الخامس عشر من أيلول، عام 1983، وصل سكرتير الحكومة الشاب، دان مريدور (وزير الاستخبارات اليوم)، إلى ديوان الرئيس الإسرائيلي في حينه حاييم هرتسوغ، وسلّمه استقالة رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن من منصبه. كانت الرسالة مقتضبة للغاية، لا تتعدّى سطرين. لم يتطرّق من خلالها إلى أي تفاصيل تذكر، إلا للبند 23، من قانون أساس الحكومة، الذي يمنحه حق الاستقالة من منصبه. وعلى الرغم من عدم ذكر أسباب الاستقالة، إلا أنَّ الأسباب كانت واضحة، وحاضرة رغم غيابها عن الورق. لقد أخرجت حرب لبنان الأولى بيغن من لعبة التاريخ، ورسمت نهاية مأساوية لسيرته الذاتية، لخّصتها الاستقالة، والعزلة التي تلتها.
حاول مريدور تبرير قدومه إلى ديوان الرئاسة بدلاً من بيغن بقوله إن «رئيس الحكومة أجبر على البقاء في البيت». لكن من وراء حديث سكرتير الحكومة كانت قصة تجري. مسلسل درامي من الدرجة الأولى، و«خروج مأساوي من التاريخ» كما وصفه الصحافي الإسرائيلي يوئيل ماركوس في صحيفة «هآرتس» حين قال «إنَّ رئيس الحكومة (بيغن) لم يحلق ذقنه منذ عشرة أيام، يأكل بصعوبة، يمتنع عن العمل بشؤون الدولة. مقرّبوه قلقون وكأن وجوده الجسدي لم يعد يعنيه»، متسائلاً: «هل قرّر الانتحار؟».
أضاف ماركوس أنَّ «السيد مناحيم بيغن لم يحلق ذقنه. فمنذ أن شارك في جلسة الحكومة في الرابع من أيلول، لم تمرّ الموسى على وجهه. قابع بإرادته في الطابق الثاني لبيته الرئيسي. يرفض أن يقابل أحداً ما عدا سكرتيره الرسمي، أقرباءه وطبيبه الشخصي. يغرق أمام محيطه القريب ويكتفي بشرب الحساء».
هكذا كانت نهاية الفصل: شاب يميني متطرف، كان مطلوباً لدى الإنكليز بتهم الإرهاب ضد القوات الإنكليزية في فلسطين. ترأس عصابة الإيتسل الصهيونية المتطرفة أيام نكبة الشعب الفلسطيني. من شدّة يمينيته، كان معارضاً حتى لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 لأنه آمن بـ«أرض إسرائيل الكاملة».
ولد في حينه مصطلح جديد لا يزال يستعمل حتى هذه الساعة اسمه «الوحل اللبناني»
دخل المعترك السياسي على هذا الأساس، مؤسساً حركة «حيروت» (الليكود في ما بعد). فاز في انتخابات عام 1977، حيث وصف التلفزيون الإسرائيلي الفوز بأنه «انقلاب»، لكونه انتزع السلطة لأول مرة من «المعراخ» (العمل). اتخذ بيغن قرار قصف المفاعل النووي العراقي في عام 1981، قبل أسبوعين من انتخابه لولاية ثانية، الأمر الذي منحه تفوقاً وفاز على شمعون بيريز مرة أخرى. لكن تأييده لقرار الحرب على لبنان في عام 1982 جلب نهايته السياسية، وانتهى هو قبل أن تنتهي الحرب. ظل غارقاً في وحدته إلى أن فارق الحياة في عام 1992.
أطلق الإسرائيليون على الحرب اسم «سلام الجليل». وكان بيغن قد أعلن أنَّ الجيش الإسرائيلي لن يدخل إلى لبنان لاحتلالها. لكن الحرب صارت احتلالاً. صحيح أن منظمة التحرير غادرت لبنان متجهة إلى تونس، لكنَّ الجيش الإسرائيلي تورط في لبنان، وعانى خسارات كثيرة، وقد ولد في حينه مصطلح سياسي جديد ويتجدد دوماً، ولا يزال يستعمل حتى هذه الساعة الساعة اسمه «الوحل اللبناني». وصل الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، لكن طريقه إلى هناك كانت مرصّعةً بالخسائر وسجّلت أحداثًا مأساوية، منها مجزرة صبرا وشاتيلا. وعندما يبدأ الإسرائيليون بالخسارة، تبدأ حركات الاحتجاج على الحرب تكبر وتتسع. وصار المحتجون يصلون إلى بيت بيغن يومياً للتظاهر.
كان واضحاً أنَّ الثمن الذي دفعته الدولة العبرية جرّاء حرب لبنان الأولى ظهر جلياً على حال بيغن «القوي والكاريزماتي» ودفعه نحو العزلة، وقد استقال في أيلول عام 1983 قبل أن تنتهي الحرب. أنهى ماركوس مقالته التي أغضبت مكتب رئيس الحكومة بقوله: «في الحلقات السياسية يسمع السؤال: هل بيغن هو الضحية الـ 518 لحرب لبنان (الأولى)».
واصل ماركوس الحديث عن حرب لبنان الأولى، مشدداً على أنها كانت السبب المركزي الذي أدّى إلى نهاية حياة بيغن السياسية، وكتب مقالاً بعد الاستقالة قال فيه إنَّ الحرب: «قضت على بيغن، قضت على رفول (قائد هيئة الأركان، رفائيل إيتان)، قضت على الحكومة التي كانت ست سنوات. وقضت على 517 شاباً. حرب لبنان قضت تقريباً على مصممها أرييل شارون (الذي شغل منصب وزير الدفاع في حينه). لكن جميعهم ذهبوا وهو بقي».
http://www.al-akhbar.com/files/images/p06_20090916_pic2.full.jpg
مناحيم بيغن (الأوّل من اليمين) خلال توقيع اتفاق كامب دايفيد (أرشيف ــ أ ف ب)
فراس خطيب
في الخامس عشر من أيلول، عام 1983، وصل سكرتير الحكومة الشاب، دان مريدور (وزير الاستخبارات اليوم)، إلى ديوان الرئيس الإسرائيلي في حينه حاييم هرتسوغ، وسلّمه استقالة رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن من منصبه. كانت الرسالة مقتضبة للغاية، لا تتعدّى سطرين. لم يتطرّق من خلالها إلى أي تفاصيل تذكر، إلا للبند 23، من قانون أساس الحكومة، الذي يمنحه حق الاستقالة من منصبه. وعلى الرغم من عدم ذكر أسباب الاستقالة، إلا أنَّ الأسباب كانت واضحة، وحاضرة رغم غيابها عن الورق. لقد أخرجت حرب لبنان الأولى بيغن من لعبة التاريخ، ورسمت نهاية مأساوية لسيرته الذاتية، لخّصتها الاستقالة، والعزلة التي تلتها.
حاول مريدور تبرير قدومه إلى ديوان الرئاسة بدلاً من بيغن بقوله إن «رئيس الحكومة أجبر على البقاء في البيت». لكن من وراء حديث سكرتير الحكومة كانت قصة تجري. مسلسل درامي من الدرجة الأولى، و«خروج مأساوي من التاريخ» كما وصفه الصحافي الإسرائيلي يوئيل ماركوس في صحيفة «هآرتس» حين قال «إنَّ رئيس الحكومة (بيغن) لم يحلق ذقنه منذ عشرة أيام، يأكل بصعوبة، يمتنع عن العمل بشؤون الدولة. مقرّبوه قلقون وكأن وجوده الجسدي لم يعد يعنيه»، متسائلاً: «هل قرّر الانتحار؟».
أضاف ماركوس أنَّ «السيد مناحيم بيغن لم يحلق ذقنه. فمنذ أن شارك في جلسة الحكومة في الرابع من أيلول، لم تمرّ الموسى على وجهه. قابع بإرادته في الطابق الثاني لبيته الرئيسي. يرفض أن يقابل أحداً ما عدا سكرتيره الرسمي، أقرباءه وطبيبه الشخصي. يغرق أمام محيطه القريب ويكتفي بشرب الحساء».
هكذا كانت نهاية الفصل: شاب يميني متطرف، كان مطلوباً لدى الإنكليز بتهم الإرهاب ضد القوات الإنكليزية في فلسطين. ترأس عصابة الإيتسل الصهيونية المتطرفة أيام نكبة الشعب الفلسطيني. من شدّة يمينيته، كان معارضاً حتى لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 لأنه آمن بـ«أرض إسرائيل الكاملة».
ولد في حينه مصطلح جديد لا يزال يستعمل حتى هذه الساعة اسمه «الوحل اللبناني»
دخل المعترك السياسي على هذا الأساس، مؤسساً حركة «حيروت» (الليكود في ما بعد). فاز في انتخابات عام 1977، حيث وصف التلفزيون الإسرائيلي الفوز بأنه «انقلاب»، لكونه انتزع السلطة لأول مرة من «المعراخ» (العمل). اتخذ بيغن قرار قصف المفاعل النووي العراقي في عام 1981، قبل أسبوعين من انتخابه لولاية ثانية، الأمر الذي منحه تفوقاً وفاز على شمعون بيريز مرة أخرى. لكن تأييده لقرار الحرب على لبنان في عام 1982 جلب نهايته السياسية، وانتهى هو قبل أن تنتهي الحرب. ظل غارقاً في وحدته إلى أن فارق الحياة في عام 1992.
أطلق الإسرائيليون على الحرب اسم «سلام الجليل». وكان بيغن قد أعلن أنَّ الجيش الإسرائيلي لن يدخل إلى لبنان لاحتلالها. لكن الحرب صارت احتلالاً. صحيح أن منظمة التحرير غادرت لبنان متجهة إلى تونس، لكنَّ الجيش الإسرائيلي تورط في لبنان، وعانى خسارات كثيرة، وقد ولد في حينه مصطلح سياسي جديد ويتجدد دوماً، ولا يزال يستعمل حتى هذه الساعة الساعة اسمه «الوحل اللبناني». وصل الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، لكن طريقه إلى هناك كانت مرصّعةً بالخسائر وسجّلت أحداثًا مأساوية، منها مجزرة صبرا وشاتيلا. وعندما يبدأ الإسرائيليون بالخسارة، تبدأ حركات الاحتجاج على الحرب تكبر وتتسع. وصار المحتجون يصلون إلى بيت بيغن يومياً للتظاهر.
كان واضحاً أنَّ الثمن الذي دفعته الدولة العبرية جرّاء حرب لبنان الأولى ظهر جلياً على حال بيغن «القوي والكاريزماتي» ودفعه نحو العزلة، وقد استقال في أيلول عام 1983 قبل أن تنتهي الحرب. أنهى ماركوس مقالته التي أغضبت مكتب رئيس الحكومة بقوله: «في الحلقات السياسية يسمع السؤال: هل بيغن هو الضحية الـ 518 لحرب لبنان (الأولى)».
واصل ماركوس الحديث عن حرب لبنان الأولى، مشدداً على أنها كانت السبب المركزي الذي أدّى إلى نهاية حياة بيغن السياسية، وكتب مقالاً بعد الاستقالة قال فيه إنَّ الحرب: «قضت على بيغن، قضت على رفول (قائد هيئة الأركان، رفائيل إيتان)، قضت على الحكومة التي كانت ست سنوات. وقضت على 517 شاباً. حرب لبنان قضت تقريباً على مصممها أرييل شارون (الذي شغل منصب وزير الدفاع في حينه). لكن جميعهم ذهبوا وهو بقي».