التقوى اقوى
09-09-2009, 08:04 PM
إحدى الكلمات التي ألقيت في أحد مساجد بيت المقدس في ذكرى هدم الخلافة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالى في سورة النور وهي مدنية ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ .
وعد الله تعالى المسلمين بعد قيام دولتهم ثلاثة أمور : -
أولا - يصبح المسلمون في أرض الإسلام خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكاتهم وليس الأمر خاصا بالخلفاء الراشدين الأربعة أو بالمهاجرين، أو بأن الأرض هي أرض مكة فحسب، فالإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثانيا – تمكين دين الإسلام أي جعله ثابتاً مقرراً ويوسع الله تعالى في البلاد للمسلمين ويُظهر دينهم على جميع الأديان والمذاهب والحضارات.
ثالثا – يكون للمسلمين مكان يأمنون فيه فيذهب عنهم جميع أسباب الخوف الذي كانوا فيه قبل سلطان الإسلام ودولته .
أيها الإخوة الكرام: الإيمان بحتمية تحقيق هذه الوعود فرض والتصديق الجازم أمر لا بد منه وإلا كان المتشكك في ذلك ممن قال الله تعالى فيهم ﴿ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ والوعود الثلاثة يلازم بعضها بعضاً، بل إنّ تمكين الدين وظهوره على سائر الأديان وشيوع الأمن والإستقرار لا يكون إلا بعد قيام سلطان الإسلام، روى البيهقي عن علي بن أبي طالب قوله: لا يُصلح النّاس إلا أمير برّ أو فاجر، قالوا يا أمير المؤمنين: هذا البرّ فكيف الفاجر ؟ قال: إن الفاجر يؤمّنُ اللهُ به السبيل، ويجاهَد به العدو، ويُجبى به الفيء ويُقام به الحدود، ويُحج به البيت ويَعبد اللهَ به المسلمُ آمنا حتى يأتيَه أجله .
أيها الحاضرون: نختار للحديث في هذه الليلة ما أشار إليه الله تعالى من تحقيق الأمن في عهد حكم الإسلام ودولته، وقد ورد في الآية الكريمة نكرة وهي تفيد العموم لتشمل جميع صور الأمن والأمان في مختلف نواحي الحياة ونحن نتحدث عن عدد منها بمعونة الله وبركته وتيسيره .
أولا – الأمن الخارجي
ويكون بالجهاد وقتال الكفار لنشر الإسلام ورد العدوان وإلقاء الرعب في قلوب أعداء الله من الكافرين والمنافقين قال الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ وقال في سورة الأنفال أيضا ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ ﴾
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام وهو يذكر فضل وجود الإمام المسلم في تحقيق الأمن قال: " إنما الإمام جُنّة يُقاتل من ورائه ويُتقى به "
وكذلك ما ورد في حديث رسول الله لعدي بن حاتم حين وفد عليه: قال له: أتعرف الحيرة، قال لم أعرفها، ولكن قد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده ليُتَمَّنَّ هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جار أحد، ولتُفتَحَنَّ كنوز كسرى بن هرمز، قلت كسرى بن هرمز ؟ قال: نعم كسرى بن هرمز، وليُبذَلَنَّ المالُ حتى لا يقبَله أحد.
وفي هذا المعنى يقول شاعر الأنصار عن رسول الله بعد هجرته :
ثـوى في قريـش بضع عشرة حِجةً -------- يذّكـر لـو يلقى حبيبا مواتيـا
ويعـرض في أهل المـواسم نفسـه -------- فـلم ير من يؤوي ولم ير واعيـا
فلما أتـانا واستقرت بـه النـوى -------- وأصبـح مسرورا بطيبة راضيـا
وأصبح لا يخشى ظلامـة ظـالـم -------- بعيد ولا يخشى من النـاس باغيا
بذلنـا له الأمـوال من جُلّ مالنـا -------- وأنفسنا عند الوغـى والتآسيـا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم -------- جميعـا وإن كـان الحبيب المصافيا
ونـعلـم أن اللـه لا رب غـيره -------- وأن كتـاب اللـه أصبح هاديـا
إن تاريخ المسلمين حافل بالمواقف العظيمة في مقاتلة العدو وقطع دابره، بضربات تنسيه وساوس الشيطان، وتشرّد به من خلفه حتى لا يجرؤ عدو أن يرّوع مسلما أو مسلمة، ناهيك عن ارتكاب المجازر وانتهاك الحرمات.
ذكر الطبري في تاريخه من أحداث سنة 87 هـ أن قتيبة بنَ مسلم الباهلي أثناء فتوحاته في منطقة بخارى، قد ظفر بأحد مجرمي العدو الذين كانوا يجيّشون الجيوش ضد المسلمين، فحاول هذا المجرم أن يفدي نفسه فعرض مبلغ ألف ألف من نقدهم، لكن قتيبة رحمه الله أبى هذه الفدية الكبيرة ويطلق ذلك المجرم وقال قولته المشهورة " والله لا تروّعُ بك مسلمةٌ أبداً " وأُمر به فقُتل .
وإلى جانب الجهاد في تحقيق الأمن الخارجي، الإغتيالات السياسية التي تقوم بها الدولة الإسلامية في تصفية أعداء الإسلام ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تكليف نفر من المسلمين بقتل كعب بن الأشرف لمّا حرّض على رسول الله وأنشد الأشعار في ذلك وفي التشبيب بنساء المسلمين حتى آذاهم، وكذلك في قتل سلاّم بن أبي الحقيق واليسير بن رزام وخالد بن سفيان الهُدبي ورفاعه بن قيس الجُشمي وأبي عَفَك وعصماء بنت مروان، وقد كان هؤلاء رؤوسا يكيدون للإسلام وإذاعاتٍ معاديةً للدولة، وبناء على ذلك ترى الخلافة القادمة وتقرر تصفية مَنْ يُمكن تصفيتهم من رؤوس الكفر والضلال خارج حدود الدولة حين يشكلون خطراً على دولة الإسلام وأحكامه وحضارته وينالون من شخصية المصطفى عليه السلام، كما يفعل اليوم الكثير من أعداء الإسلام لغياب سلطانه وهيبته .
يتبع بإذن الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالى في سورة النور وهي مدنية ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ .
وعد الله تعالى المسلمين بعد قيام دولتهم ثلاثة أمور : -
أولا - يصبح المسلمون في أرض الإسلام خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكاتهم وليس الأمر خاصا بالخلفاء الراشدين الأربعة أو بالمهاجرين، أو بأن الأرض هي أرض مكة فحسب، فالإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثانيا – تمكين دين الإسلام أي جعله ثابتاً مقرراً ويوسع الله تعالى في البلاد للمسلمين ويُظهر دينهم على جميع الأديان والمذاهب والحضارات.
ثالثا – يكون للمسلمين مكان يأمنون فيه فيذهب عنهم جميع أسباب الخوف الذي كانوا فيه قبل سلطان الإسلام ودولته .
أيها الإخوة الكرام: الإيمان بحتمية تحقيق هذه الوعود فرض والتصديق الجازم أمر لا بد منه وإلا كان المتشكك في ذلك ممن قال الله تعالى فيهم ﴿ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ والوعود الثلاثة يلازم بعضها بعضاً، بل إنّ تمكين الدين وظهوره على سائر الأديان وشيوع الأمن والإستقرار لا يكون إلا بعد قيام سلطان الإسلام، روى البيهقي عن علي بن أبي طالب قوله: لا يُصلح النّاس إلا أمير برّ أو فاجر، قالوا يا أمير المؤمنين: هذا البرّ فكيف الفاجر ؟ قال: إن الفاجر يؤمّنُ اللهُ به السبيل، ويجاهَد به العدو، ويُجبى به الفيء ويُقام به الحدود، ويُحج به البيت ويَعبد اللهَ به المسلمُ آمنا حتى يأتيَه أجله .
أيها الحاضرون: نختار للحديث في هذه الليلة ما أشار إليه الله تعالى من تحقيق الأمن في عهد حكم الإسلام ودولته، وقد ورد في الآية الكريمة نكرة وهي تفيد العموم لتشمل جميع صور الأمن والأمان في مختلف نواحي الحياة ونحن نتحدث عن عدد منها بمعونة الله وبركته وتيسيره .
أولا – الأمن الخارجي
ويكون بالجهاد وقتال الكفار لنشر الإسلام ورد العدوان وإلقاء الرعب في قلوب أعداء الله من الكافرين والمنافقين قال الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ وقال في سورة الأنفال أيضا ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ ﴾
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام وهو يذكر فضل وجود الإمام المسلم في تحقيق الأمن قال: " إنما الإمام جُنّة يُقاتل من ورائه ويُتقى به "
وكذلك ما ورد في حديث رسول الله لعدي بن حاتم حين وفد عليه: قال له: أتعرف الحيرة، قال لم أعرفها، ولكن قد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده ليُتَمَّنَّ هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جار أحد، ولتُفتَحَنَّ كنوز كسرى بن هرمز، قلت كسرى بن هرمز ؟ قال: نعم كسرى بن هرمز، وليُبذَلَنَّ المالُ حتى لا يقبَله أحد.
وفي هذا المعنى يقول شاعر الأنصار عن رسول الله بعد هجرته :
ثـوى في قريـش بضع عشرة حِجةً -------- يذّكـر لـو يلقى حبيبا مواتيـا
ويعـرض في أهل المـواسم نفسـه -------- فـلم ير من يؤوي ولم ير واعيـا
فلما أتـانا واستقرت بـه النـوى -------- وأصبـح مسرورا بطيبة راضيـا
وأصبح لا يخشى ظلامـة ظـالـم -------- بعيد ولا يخشى من النـاس باغيا
بذلنـا له الأمـوال من جُلّ مالنـا -------- وأنفسنا عند الوغـى والتآسيـا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم -------- جميعـا وإن كـان الحبيب المصافيا
ونـعلـم أن اللـه لا رب غـيره -------- وأن كتـاب اللـه أصبح هاديـا
إن تاريخ المسلمين حافل بالمواقف العظيمة في مقاتلة العدو وقطع دابره، بضربات تنسيه وساوس الشيطان، وتشرّد به من خلفه حتى لا يجرؤ عدو أن يرّوع مسلما أو مسلمة، ناهيك عن ارتكاب المجازر وانتهاك الحرمات.
ذكر الطبري في تاريخه من أحداث سنة 87 هـ أن قتيبة بنَ مسلم الباهلي أثناء فتوحاته في منطقة بخارى، قد ظفر بأحد مجرمي العدو الذين كانوا يجيّشون الجيوش ضد المسلمين، فحاول هذا المجرم أن يفدي نفسه فعرض مبلغ ألف ألف من نقدهم، لكن قتيبة رحمه الله أبى هذه الفدية الكبيرة ويطلق ذلك المجرم وقال قولته المشهورة " والله لا تروّعُ بك مسلمةٌ أبداً " وأُمر به فقُتل .
وإلى جانب الجهاد في تحقيق الأمن الخارجي، الإغتيالات السياسية التي تقوم بها الدولة الإسلامية في تصفية أعداء الإسلام ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تكليف نفر من المسلمين بقتل كعب بن الأشرف لمّا حرّض على رسول الله وأنشد الأشعار في ذلك وفي التشبيب بنساء المسلمين حتى آذاهم، وكذلك في قتل سلاّم بن أبي الحقيق واليسير بن رزام وخالد بن سفيان الهُدبي ورفاعه بن قيس الجُشمي وأبي عَفَك وعصماء بنت مروان، وقد كان هؤلاء رؤوسا يكيدون للإسلام وإذاعاتٍ معاديةً للدولة، وبناء على ذلك ترى الخلافة القادمة وتقرر تصفية مَنْ يُمكن تصفيتهم من رؤوس الكفر والضلال خارج حدود الدولة حين يشكلون خطراً على دولة الإسلام وأحكامه وحضارته وينالون من شخصية المصطفى عليه السلام، كما يفعل اليوم الكثير من أعداء الإسلام لغياب سلطانه وهيبته .
يتبع بإذن الله تعالى