أبو طه
09-03-2009, 04:51 PM
الجيش الإسلامي في العراق / الأستاذ منقذ جبر - كلمة في فتنة غزة
--------------------------------------------------------------------------------
كلمة في فتنة غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وفي البخاري وغيره عن حُذَيْفَةَ يَقُولُ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى الْفِتْنَةِ. قَالَ: [فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ]. قَالَ لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنِ الّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْر. قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ عُمَرُ أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ قَالَ بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ عُمَرُ إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْتُ أَجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنِ الْبَابُ قَالَ عُمَرُ.
إن ما تمر به الأمة من صنوف الابتلاء والمحن وتسلط الأعداء وتفرق الصفوف وكثرة الأدعياء وإعجاب كل ذي رأي برأيه، على سائر أصعدة العمل الإسلامي من علم ودعوة وإصلاح وجهاد وسياسة، لا يخفى على كل لبيب عاقل، حتى أصبح الهمُّ الأول لكل مصلح ناصح عامل للدين دفع الشبهات والتشغيبات وإصلاح الداخل قبل التفرغ والتصدي للذب عن الدين وأهله بوجه أعدائه من خارج أمة الإسلام.
وهنا عظمت المصيبة وكبرت الجناية على الملة من أهل الملة وكان أعظم المجني عليهم هو منهج السلف الذي يعني بالأساس إتباع الكتاب الكريم والسنة الصحيحة على فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من القرون المفضلة فما بعدها ، قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) وهذا التعريف يعني الإسلام الحق والدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهله هم أهل السنة والجماعة وهم أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق، قال شيخ الإسلام (الرد على البكري/156): وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة ، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى: (كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون الشر لهم ابتداء ، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم ، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق. أهـ
نعم لقد كان من أبرز صفات أهل السنة والجماعة أنهم يعلمون الحق ويرحمون الخلق ، فإنهم أصحاب هدي واتباع ، وأرباب عمل وإقتداء ، ولذا كانوا أعلم الناس بالحق - حيث يقبلون الحق حيث كان ومع من كان - وأحرص الناس على تبليغ الدين والدعوة إليه ، ومنابذة أهل الأهواء والبدع ،وفي نفس الوقت فإنهم يرحمون الخلق ، ويريدون لهم الخير والهدى ، ولذا كانوا أوسع الناس رحمةً وأعظمهم شفقة ، وأصدقهم نصحاً.
يقول ابن رجب رحمه الله (شرح حديث ما ذئبان جائعان/19) : كان خلفاء الرسل وأتباعهم من أمراء العدل وأتباعهم وقضاتهم لا يدعون إلى تعظيم نفوسهم البتة ، بل إلى تعظيم الله وحده وإفراده بالعبودية والإلهية ومنهم من كان لا يريد الولاية إلا للاستعانة بها على الدعوة إلى الله وحده .
وكانت الرسل وأتباعهم يصبرون على الأذى في الدعوة إلى الله ويتحملون في تنفيذ أوامر الله من الخلق غاية المشقة وهم صابرون بل راضون بذلك ، كما كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لأبيه في خلافته: إذا حُرص على تنفيذ الحق وإقامة العدل يا أبت لوددت ُ أني غلت بي وبك القدور في الله عز وجل. أهـ
لقد كانت الجناية على هذا المنهج المكرم من أهل الملة عامة ومن المنتسبين إليه خاصة، ومن ذلك تسميته حركة أو جماعة أو مذهبا كسائر مذاهب العلماء المجتهدين .... إلى غير ذلك من الخلط المتعمد –ربما- النابع عن الجهل أو المغالطة.
ولسنا بصدد بسط هذا الموضوع بكل ما ذكر فالأمر يطول فيه الكلام والتفصيل. لكن المقصود هنا التنبيه على فرية أخرى وطعنة جديدة أصيب بها هذا المنهج الكريم وهي ما صار يعرف اليوم بـ(السلفية الجهادية) والتي أصبح ينادي بها بعض من حمل السلاح ليقيم ذروة سنام الدين وإن هدم الدين كله ليخص نفسه أو رهطه ببدعة جديدة يتميز بها عن الآخرين فلم يجد سوى الدين والمنهج لينهش منهما فيصطلح لنفسه ما يقضي رغباته ويستقطب من ألقى السمع وقلبه غائب من شباب الأمة وعوامها .. ونحن نقول لأصحاب هذه البدعة ما قال شيخنا (أمير الجماعة ورئيس مكتبها السياسي) حفظه الله في لقاءه مع مجلة العصر: نحن ننتسب إلى مدرسة الكتاب والسنة التي أرسى قواعدها الرسول صلى الله عليه وسلم وأئمة الدين والعلماء من بعده، في المسند وابن ماجة عن الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ يَقُولُ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: [قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ] قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ.
أما مصطلح السلفية الجهادية فنرى أنه مصطلح حادث وغير صحيح فإن كان هنالك سلفية جهادية فمعنى ذلك أن هنالك سلفية مصلية وسلفية علمية وأخرى زكوية الخ فإن الصلاة والزكاة من أركان الدين وإن ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.
فلا يجوز تبعيض الدين والجهاد جزء من الدين وهو واجب على المسلمين بحسب ما هو مفصل في كتب العلماء، والجهاد أشمل من القتال، فهو يشمل الجهاد بالسنان واللسان والقلب والأركان، في أبي داود والنسائي عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ]
ويجب الحذر الشديد من رمي المسلمين بالباطل، ويحرم حرمة مغلظة اتهام العلماء والدعاة الذين يدافعون وينافحون عن الدين ويعلمون الناس الخير بالتهم الجائرة، وحصر الخيرية في جهة باسم السلفية الجهادية أو غير ذلك من الأسماء.
ثم إن مصطلح السلفية بمفهومه الصحيح الشامل وهو إتباع منهج سلف الأمة الذي يجمع بين الأصالة والتجديد، والذي يشمل الدين كله، لا يحتاج إلى وصف الجهادية. وهل السلفية لا يجاهدون حتى يضاف لهم هذا الوصف؟
ومن ثم فإن الانتساب إلى أي اسم شريف لا ينفع شيئا ما لم يكن حقيقيا، في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ].
وما حصل من أخطاء في طروحات بعض الجماعات التي تسمونها أو تسمي نفسها السلفية الجهادية في مصر فمردودة عليهم وهكذا كل مخالفة تصدر من أي جهة فهي رد وكل محدثة بدعة، والخطأ في الفهم والتصور وتقدير الموقف وارد من كل أحد من هذه الأمة حاشا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. أهـ
وكان من الأخطاء الواضحة ما أعلنته جماعة أنصار الله في غزة ما أسموه الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس، ثم ما الذي حصل بعد ذلك؟ لم تدم هذه الإمارة أكثر من عشر ساعات كان نتيجتها مقتل وجرح العشرات من شباب القطاع، لم يبذل عدوهم من بني صهيون أي جهد للخلاص منهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا ندري كيف يفكر هؤلاء الإخوة وأي منهج ينتهجون؟ ألا يكفي أهل القطاع ما أصابهم ويصيبهم من تكالب العدو والصديق عليهم بالقتل والتشريد والحصار والتجويع مما لا يخفى على أحد؟ إن الناس ينتظرون من يساندهم ويسد عنهم شيئا من الخلة لا من يخرج على قيادتهم الشرعية فتهدر من دماء المسلمين أنهار جديدة؟
إن زعماء الجهاد في القطاع هم من يقيم الصلاة والجمعة والجماعة في الناس؟ والرَسُول صلى الله عليه وسلم يقول: [خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ]. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ: [لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ] رواه مسلم واستقرت أقوال العلماء بعد الخلاف القديم على تقديم أحاديث الصبر على جور الأئمة على أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إن كان عندهم ما ينقمونه وينتقدونه على قيادة حماس فإننا نتوجه لهم بهذا السؤال: هل هؤلاء القادة مسلمون؟ فإن قالوا نعم. فليعلموا أن سائر نصوص الكتاب والسنة ومذاهب العلماء في هذه المسألة توجب عليهم السمع والطاعة والصبر على جورهم إن جاروا، قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى: 28/180) : من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم كما هو من أصول أهل السنة والجماعة وكما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة عنه لما قال : [إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلَقَّوْنِي عَلَى الْحَوْضِ] وقال : [مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ] إلى أمثال ذلك . وقال : [أَدُّوا إلَيْهِمْ الَّذِي لَهُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ] وانهوا عن قتالهم ما صلوا ؛ وذلك لأن معهم أصل الدين المقصود وهو توحيد الله وعبادته ومعهم حسنات وترك سيئات كثيرة . وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه ؛ فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة كقوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك). اهـ
وقد قيل لعامر الشعبي رحمه الله في فتنة ابن الأشعث أين كنت يا عامر قال كنت حيث يقول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ....... وصوت إنسان فكدت أطير
أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء.
وقال رحمه الله (منهاج السنة 4/315) : استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم. أهـ
وقال (منهاج السنة 4/264): وإن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وإن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد، ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة. أهـ
قال ابن عبد البر (الاستذكار 5/11): وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عالما عدلا محسنا قويا على القيام كما يلزمه في الإمامة فإن لم يكن فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر، روى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر قال قال ابن عمر حين بويع ليزيد بن معاوية إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاءا صبرنا، وقد ذكرنا في ( التمهيد ) آثارا كثيرة تشهد لهذا المعنى وبالله التوفيق. أهـ
وان حكموا بكفر حكومة حماس فهي زلة عظيمة وحمالة ثقيل وقد قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ] رواه مسلم عن ابْن عُمَرَ
ونحن إذ نشد على أيدي إخواننا قيادة القطاع فإننا نوصيهم بالصبر والسماحة والاعتصام بحبل الله المتين وصدق الالتجاء إلى الله ورجاء ما عنده من خير الدنيا والآخرة، وعلى الإخوة في أنصار الله وغيرهم أن يعتبروا بغيرهم وأن يتعلموا الهدي النبوي وأن لا يجازفوا بأعمالهم.
ونوجه ندائنا إلى علماء الأمة ودعاتها ومصلحيها وأهل الرأي فيها ليقوموا بواجبهم في بيان الأحكام الشرعية ويبينوا للناس دينهم وما يجب عليهم فيه خاصة في مثل هذه الأمور العظيمة فإن الله سبحانه سائلهم ومحاسبهم عن ما استخلفهم فيه من العلم قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] رواه أبو داود
وإن السعي لإصلاح ذات البين من أعظم القربات، والعمل على حقن دماء المسلمين من أعظم الطاعات، وهو سبيل المؤمنين وعبادة المتقين، قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله (حلية الأولياء 1/363) : اجتنبوا نقض هذا الميثاق فإن الله تعالى قدم فيه وأوعد، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة، وإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند ذوي العقل والفهم والعلم بالله عز وجل، وإنا ما نعلم الله تعالى أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق، وإن المؤمن حي القلب حي البصر سمع كتاب الله فانتفع به ووعاه وحفظه وعقله عن الله، والكافر أصم أبكم لا يسمع خيراً ولا يحفظه ولا يتكلم بخير ولا يعلمه، في الضلالة متسكعاً فيها، لا يجد منها مخرجاً ولا منفذاً، أطاع الشيطان فاستحوذ عليه، وإن الله عز وجل علمكم فأحسن تعليمكم وأدبكم فأحسن تأديبكم، فأخذ رجل بما علمه الله ولا يتكلف ما لا علم به فيخرج من دين الله ويكون من المتكلفين، وإياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس، تواضعوا لله عز وجل لعل الله يرفعكم، قد رأينا والله أقواماً يسرعون إلى الفتن وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك هيبة لله ومخافة منه، فلما انكشفت إذا الذين أمسكوا أطيب نفساً وأثلج صدوراً وأخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها وينزعون فيها، وصارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها، وأيم الله، لو أن الناس يعرفون من الفتنة إذا أقبلت كما يعرفون منها إذا أدبرت لعقل فيها جيل من الناس كثير، والله ما بعثت فتنة قط إلا في شبهة وريبة إذا شبت، رأيت صاحب الدنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط ووالله لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها ليوشك أن تلفظه وتقضي منه. أهـ
قال شيخنا حامد العلي حفظه الله في رسالته (أربعوا على حماس وارحموا أنصار الله) -ما مختصره-: ولا يستبعد أنّ ثمّـة مكـرٍ خفيِّ وراء ما جرى في رفـح ، ولم يكن هؤلاء الشباب فيه إلاّ وقـوداً له ، وهـم لا يدرون من يقدح زنـاده وراءهــم ، كما يحدث في مواطـن أخـرى، وإنَّ غـزَّة تختلف عن كلِّ ما سواها من مواطن الجهاد ، وإنَّ معادلة فلسطين أعقـد من أنْ يقودهـا ، أو يُترك الرأي فيها ، لكلّ أحـد .
وقد تراكمت عنـد حركة المقاومة الإسلامية خبرة عظيمة في التعامل مع هذه المعادلـة ، وأثبتوا أنَّ قدرتهم على الصمود أقوى من الدول ، وعلى المواجهة المسلحة أشدُّ من الجيوش النظامية ، فهم أدرى (بفلسطين) وشعابها ، وأعرف بأرضها ، وضرابها.
وإنَّ الفوضى ، والإرتجالية ، والعشوائية ، والقفز على المراحل ، كما يحدث في بعض مواطن الجهـاد ، لـن تصنع شيئا في مقاومة الصهاينة في فلسطين ، إلاَّ القضاء على مشروع التحرير الفلسطيني ، ثـمَّ البكـاء عليه .
إنَّ حكومة غـزّة لم تُحاصر ، ولم يُستهدف قادتها ، ولـمْ يُزج بأنصارها في سجـون الضفـَّة ، حتـَّى صاروا بين قتيـلٍ ، وأسـير ، ومن هو تحت التعذيب إلاّ لأنهّـم حركة إسلاميـّة ، تربـَّت في محاضن القرآن ، ونشأت في بيوت الله، فصامت، وزكـَّت، وصلَّت، وحجَّبت نساءها ، وحفَّظت أولادها القرآن ، وجاهدت حتى قدمت آلاف الشهداء ، والأسرى ، والجرحى، أفلاَ يسعهم ما وسع الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، كما نقل الذهبي في تاريخه (4/170) عن ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، فأخاف ألاَّ تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا ، فإن أنكرت قلوبهم هـذا ، سكنت إلى هذا. وفي البداية والنهاية (9/200): وإني لأريد الأمر ، فما أنفذه إلاَّ مع طمع من الدنيا ، حتى تسكن قلوبهم.
فما أسهل أن تتكئ على أريكتك منتقداً قوما محاصريـن، تكالب عليهم الأعداء من كلِّ حدب وصوب.
وندعو حماس إلى القيام بواجب الراعـي المشفق على رعيّته تجاه جند أنصار الله ، ففي الحديث : (شـرُّ الرّعاء الحطمة)، وأن تأخذ المخالفين لها من السلفيين ، وجماعة الجهـاد ، وغيـرها بالرفق، واللين، والأخوة الإيمانية، وتعامل الجماعات الأخرى بالحُسـنى، وأن تدع للناس مراحـا يستريحون فيه في دعوتهـم على اختلاف مشاربهم ، فإنـَّه ما ضيَّق أحـدٌ واسعـا إلاّ ضيّق الله عليه ، وما شقّ راعٍ على رعية إلاَّ شقَّ الله عليه.أهـ
اللهم أصلح شأننا واغفر ذنبنا واغسل حوبتنا واقبل معذرتنا ووَلِّ أمورنا خيارنا ولا تولها شرارنا واعصمنا من الفتن والفواحش ظاهرها وباطنها انك نعم المولى ونعم النصير.
الأستاذ منقذ جبر
عضو المكتب السياسي
الجيش الإسلامي في العراق
8- رمضان- 1430
29-8-2009
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
كلمة في فتنة غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وفي البخاري وغيره عن حُذَيْفَةَ يَقُولُ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى الْفِتْنَةِ. قَالَ: [فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ]. قَالَ لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنِ الّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْر. قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ عُمَرُ أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ قَالَ بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ عُمَرُ إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْتُ أَجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنِ الْبَابُ قَالَ عُمَرُ.
إن ما تمر به الأمة من صنوف الابتلاء والمحن وتسلط الأعداء وتفرق الصفوف وكثرة الأدعياء وإعجاب كل ذي رأي برأيه، على سائر أصعدة العمل الإسلامي من علم ودعوة وإصلاح وجهاد وسياسة، لا يخفى على كل لبيب عاقل، حتى أصبح الهمُّ الأول لكل مصلح ناصح عامل للدين دفع الشبهات والتشغيبات وإصلاح الداخل قبل التفرغ والتصدي للذب عن الدين وأهله بوجه أعدائه من خارج أمة الإسلام.
وهنا عظمت المصيبة وكبرت الجناية على الملة من أهل الملة وكان أعظم المجني عليهم هو منهج السلف الذي يعني بالأساس إتباع الكتاب الكريم والسنة الصحيحة على فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من القرون المفضلة فما بعدها ، قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) وهذا التعريف يعني الإسلام الحق والدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهله هم أهل السنة والجماعة وهم أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق، قال شيخ الإسلام (الرد على البكري/156): وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة ، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى: (كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون الشر لهم ابتداء ، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم ، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق. أهـ
نعم لقد كان من أبرز صفات أهل السنة والجماعة أنهم يعلمون الحق ويرحمون الخلق ، فإنهم أصحاب هدي واتباع ، وأرباب عمل وإقتداء ، ولذا كانوا أعلم الناس بالحق - حيث يقبلون الحق حيث كان ومع من كان - وأحرص الناس على تبليغ الدين والدعوة إليه ، ومنابذة أهل الأهواء والبدع ،وفي نفس الوقت فإنهم يرحمون الخلق ، ويريدون لهم الخير والهدى ، ولذا كانوا أوسع الناس رحمةً وأعظمهم شفقة ، وأصدقهم نصحاً.
يقول ابن رجب رحمه الله (شرح حديث ما ذئبان جائعان/19) : كان خلفاء الرسل وأتباعهم من أمراء العدل وأتباعهم وقضاتهم لا يدعون إلى تعظيم نفوسهم البتة ، بل إلى تعظيم الله وحده وإفراده بالعبودية والإلهية ومنهم من كان لا يريد الولاية إلا للاستعانة بها على الدعوة إلى الله وحده .
وكانت الرسل وأتباعهم يصبرون على الأذى في الدعوة إلى الله ويتحملون في تنفيذ أوامر الله من الخلق غاية المشقة وهم صابرون بل راضون بذلك ، كما كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لأبيه في خلافته: إذا حُرص على تنفيذ الحق وإقامة العدل يا أبت لوددت ُ أني غلت بي وبك القدور في الله عز وجل. أهـ
لقد كانت الجناية على هذا المنهج المكرم من أهل الملة عامة ومن المنتسبين إليه خاصة، ومن ذلك تسميته حركة أو جماعة أو مذهبا كسائر مذاهب العلماء المجتهدين .... إلى غير ذلك من الخلط المتعمد –ربما- النابع عن الجهل أو المغالطة.
ولسنا بصدد بسط هذا الموضوع بكل ما ذكر فالأمر يطول فيه الكلام والتفصيل. لكن المقصود هنا التنبيه على فرية أخرى وطعنة جديدة أصيب بها هذا المنهج الكريم وهي ما صار يعرف اليوم بـ(السلفية الجهادية) والتي أصبح ينادي بها بعض من حمل السلاح ليقيم ذروة سنام الدين وإن هدم الدين كله ليخص نفسه أو رهطه ببدعة جديدة يتميز بها عن الآخرين فلم يجد سوى الدين والمنهج لينهش منهما فيصطلح لنفسه ما يقضي رغباته ويستقطب من ألقى السمع وقلبه غائب من شباب الأمة وعوامها .. ونحن نقول لأصحاب هذه البدعة ما قال شيخنا (أمير الجماعة ورئيس مكتبها السياسي) حفظه الله في لقاءه مع مجلة العصر: نحن ننتسب إلى مدرسة الكتاب والسنة التي أرسى قواعدها الرسول صلى الله عليه وسلم وأئمة الدين والعلماء من بعده، في المسند وابن ماجة عن الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَةَ يَقُولُ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: [قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ] قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ.
أما مصطلح السلفية الجهادية فنرى أنه مصطلح حادث وغير صحيح فإن كان هنالك سلفية جهادية فمعنى ذلك أن هنالك سلفية مصلية وسلفية علمية وأخرى زكوية الخ فإن الصلاة والزكاة من أركان الدين وإن ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.
فلا يجوز تبعيض الدين والجهاد جزء من الدين وهو واجب على المسلمين بحسب ما هو مفصل في كتب العلماء، والجهاد أشمل من القتال، فهو يشمل الجهاد بالسنان واللسان والقلب والأركان، في أبي داود والنسائي عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ]
ويجب الحذر الشديد من رمي المسلمين بالباطل، ويحرم حرمة مغلظة اتهام العلماء والدعاة الذين يدافعون وينافحون عن الدين ويعلمون الناس الخير بالتهم الجائرة، وحصر الخيرية في جهة باسم السلفية الجهادية أو غير ذلك من الأسماء.
ثم إن مصطلح السلفية بمفهومه الصحيح الشامل وهو إتباع منهج سلف الأمة الذي يجمع بين الأصالة والتجديد، والذي يشمل الدين كله، لا يحتاج إلى وصف الجهادية. وهل السلفية لا يجاهدون حتى يضاف لهم هذا الوصف؟
ومن ثم فإن الانتساب إلى أي اسم شريف لا ينفع شيئا ما لم يكن حقيقيا، في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ].
وما حصل من أخطاء في طروحات بعض الجماعات التي تسمونها أو تسمي نفسها السلفية الجهادية في مصر فمردودة عليهم وهكذا كل مخالفة تصدر من أي جهة فهي رد وكل محدثة بدعة، والخطأ في الفهم والتصور وتقدير الموقف وارد من كل أحد من هذه الأمة حاشا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. أهـ
وكان من الأخطاء الواضحة ما أعلنته جماعة أنصار الله في غزة ما أسموه الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس، ثم ما الذي حصل بعد ذلك؟ لم تدم هذه الإمارة أكثر من عشر ساعات كان نتيجتها مقتل وجرح العشرات من شباب القطاع، لم يبذل عدوهم من بني صهيون أي جهد للخلاص منهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا ندري كيف يفكر هؤلاء الإخوة وأي منهج ينتهجون؟ ألا يكفي أهل القطاع ما أصابهم ويصيبهم من تكالب العدو والصديق عليهم بالقتل والتشريد والحصار والتجويع مما لا يخفى على أحد؟ إن الناس ينتظرون من يساندهم ويسد عنهم شيئا من الخلة لا من يخرج على قيادتهم الشرعية فتهدر من دماء المسلمين أنهار جديدة؟
إن زعماء الجهاد في القطاع هم من يقيم الصلاة والجمعة والجماعة في الناس؟ والرَسُول صلى الله عليه وسلم يقول: [خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ]. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ: [لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ] رواه مسلم واستقرت أقوال العلماء بعد الخلاف القديم على تقديم أحاديث الصبر على جور الأئمة على أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إن كان عندهم ما ينقمونه وينتقدونه على قيادة حماس فإننا نتوجه لهم بهذا السؤال: هل هؤلاء القادة مسلمون؟ فإن قالوا نعم. فليعلموا أن سائر نصوص الكتاب والسنة ومذاهب العلماء في هذه المسألة توجب عليهم السمع والطاعة والصبر على جورهم إن جاروا، قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى: 28/180) : من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم كما هو من أصول أهل السنة والجماعة وكما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة عنه لما قال : [إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلَقَّوْنِي عَلَى الْحَوْضِ] وقال : [مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ] إلى أمثال ذلك . وقال : [أَدُّوا إلَيْهِمْ الَّذِي لَهُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ] وانهوا عن قتالهم ما صلوا ؛ وذلك لأن معهم أصل الدين المقصود وهو توحيد الله وعبادته ومعهم حسنات وترك سيئات كثيرة . وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه ؛ فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة كقوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك). اهـ
وقد قيل لعامر الشعبي رحمه الله في فتنة ابن الأشعث أين كنت يا عامر قال كنت حيث يقول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ....... وصوت إنسان فكدت أطير
أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء.
وقال رحمه الله (منهاج السنة 4/315) : استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم. أهـ
وقال (منهاج السنة 4/264): وإن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وإن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد، ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة. أهـ
قال ابن عبد البر (الاستذكار 5/11): وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عالما عدلا محسنا قويا على القيام كما يلزمه في الإمامة فإن لم يكن فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر، روى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر قال قال ابن عمر حين بويع ليزيد بن معاوية إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاءا صبرنا، وقد ذكرنا في ( التمهيد ) آثارا كثيرة تشهد لهذا المعنى وبالله التوفيق. أهـ
وان حكموا بكفر حكومة حماس فهي زلة عظيمة وحمالة ثقيل وقد قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ] رواه مسلم عن ابْن عُمَرَ
ونحن إذ نشد على أيدي إخواننا قيادة القطاع فإننا نوصيهم بالصبر والسماحة والاعتصام بحبل الله المتين وصدق الالتجاء إلى الله ورجاء ما عنده من خير الدنيا والآخرة، وعلى الإخوة في أنصار الله وغيرهم أن يعتبروا بغيرهم وأن يتعلموا الهدي النبوي وأن لا يجازفوا بأعمالهم.
ونوجه ندائنا إلى علماء الأمة ودعاتها ومصلحيها وأهل الرأي فيها ليقوموا بواجبهم في بيان الأحكام الشرعية ويبينوا للناس دينهم وما يجب عليهم فيه خاصة في مثل هذه الأمور العظيمة فإن الله سبحانه سائلهم ومحاسبهم عن ما استخلفهم فيه من العلم قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] رواه أبو داود
وإن السعي لإصلاح ذات البين من أعظم القربات، والعمل على حقن دماء المسلمين من أعظم الطاعات، وهو سبيل المؤمنين وعبادة المتقين، قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله (حلية الأولياء 1/363) : اجتنبوا نقض هذا الميثاق فإن الله تعالى قدم فيه وأوعد، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة، وإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند ذوي العقل والفهم والعلم بالله عز وجل، وإنا ما نعلم الله تعالى أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق، وإن المؤمن حي القلب حي البصر سمع كتاب الله فانتفع به ووعاه وحفظه وعقله عن الله، والكافر أصم أبكم لا يسمع خيراً ولا يحفظه ولا يتكلم بخير ولا يعلمه، في الضلالة متسكعاً فيها، لا يجد منها مخرجاً ولا منفذاً، أطاع الشيطان فاستحوذ عليه، وإن الله عز وجل علمكم فأحسن تعليمكم وأدبكم فأحسن تأديبكم، فأخذ رجل بما علمه الله ولا يتكلف ما لا علم به فيخرج من دين الله ويكون من المتكلفين، وإياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس، تواضعوا لله عز وجل لعل الله يرفعكم، قد رأينا والله أقواماً يسرعون إلى الفتن وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك هيبة لله ومخافة منه، فلما انكشفت إذا الذين أمسكوا أطيب نفساً وأثلج صدوراً وأخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها وينزعون فيها، وصارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها، وأيم الله، لو أن الناس يعرفون من الفتنة إذا أقبلت كما يعرفون منها إذا أدبرت لعقل فيها جيل من الناس كثير، والله ما بعثت فتنة قط إلا في شبهة وريبة إذا شبت، رأيت صاحب الدنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط ووالله لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها ليوشك أن تلفظه وتقضي منه. أهـ
قال شيخنا حامد العلي حفظه الله في رسالته (أربعوا على حماس وارحموا أنصار الله) -ما مختصره-: ولا يستبعد أنّ ثمّـة مكـرٍ خفيِّ وراء ما جرى في رفـح ، ولم يكن هؤلاء الشباب فيه إلاّ وقـوداً له ، وهـم لا يدرون من يقدح زنـاده وراءهــم ، كما يحدث في مواطـن أخـرى، وإنَّ غـزَّة تختلف عن كلِّ ما سواها من مواطن الجهاد ، وإنَّ معادلة فلسطين أعقـد من أنْ يقودهـا ، أو يُترك الرأي فيها ، لكلّ أحـد .
وقد تراكمت عنـد حركة المقاومة الإسلامية خبرة عظيمة في التعامل مع هذه المعادلـة ، وأثبتوا أنَّ قدرتهم على الصمود أقوى من الدول ، وعلى المواجهة المسلحة أشدُّ من الجيوش النظامية ، فهم أدرى (بفلسطين) وشعابها ، وأعرف بأرضها ، وضرابها.
وإنَّ الفوضى ، والإرتجالية ، والعشوائية ، والقفز على المراحل ، كما يحدث في بعض مواطن الجهـاد ، لـن تصنع شيئا في مقاومة الصهاينة في فلسطين ، إلاَّ القضاء على مشروع التحرير الفلسطيني ، ثـمَّ البكـاء عليه .
إنَّ حكومة غـزّة لم تُحاصر ، ولم يُستهدف قادتها ، ولـمْ يُزج بأنصارها في سجـون الضفـَّة ، حتـَّى صاروا بين قتيـلٍ ، وأسـير ، ومن هو تحت التعذيب إلاّ لأنهّـم حركة إسلاميـّة ، تربـَّت في محاضن القرآن ، ونشأت في بيوت الله، فصامت، وزكـَّت، وصلَّت، وحجَّبت نساءها ، وحفَّظت أولادها القرآن ، وجاهدت حتى قدمت آلاف الشهداء ، والأسرى ، والجرحى، أفلاَ يسعهم ما وسع الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، كما نقل الذهبي في تاريخه (4/170) عن ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، فأخاف ألاَّ تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا ، فإن أنكرت قلوبهم هـذا ، سكنت إلى هذا. وفي البداية والنهاية (9/200): وإني لأريد الأمر ، فما أنفذه إلاَّ مع طمع من الدنيا ، حتى تسكن قلوبهم.
فما أسهل أن تتكئ على أريكتك منتقداً قوما محاصريـن، تكالب عليهم الأعداء من كلِّ حدب وصوب.
وندعو حماس إلى القيام بواجب الراعـي المشفق على رعيّته تجاه جند أنصار الله ، ففي الحديث : (شـرُّ الرّعاء الحطمة)، وأن تأخذ المخالفين لها من السلفيين ، وجماعة الجهـاد ، وغيـرها بالرفق، واللين، والأخوة الإيمانية، وتعامل الجماعات الأخرى بالحُسـنى، وأن تدع للناس مراحـا يستريحون فيه في دعوتهـم على اختلاف مشاربهم ، فإنـَّه ما ضيَّق أحـدٌ واسعـا إلاّ ضيّق الله عليه ، وما شقّ راعٍ على رعية إلاَّ شقَّ الله عليه.أهـ
اللهم أصلح شأننا واغفر ذنبنا واغسل حوبتنا واقبل معذرتنا ووَلِّ أمورنا خيارنا ولا تولها شرارنا واعصمنا من الفتن والفواحش ظاهرها وباطنها انك نعم المولى ونعم النصير.
الأستاذ منقذ جبر
عضو المكتب السياسي
الجيش الإسلامي في العراق
8- رمضان- 1430
29-8-2009
--------------------------------------------------------------------------------