alsadeem
08-15-2009, 06:47 PM
موقف الشيعة من الصحابة
واتهمت الشيعة بتجريح الصحابة، والقول بعدم عدالتهم, وهو افتراء محض لا نصيب له من الصحة, فإن الشيعة تقدس صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) وتعظمهم, وتكن لهم أعمق الحب والاحترام، وترى لهم الحق على كل مسلم ومسلمة لأنهم نصروا الإسلام أيام محنته وغربته، ولولا جهودهم وجهادهم، وتضحياتهم لما قام الإسلام، ولا بد لنا من وقفة قصيرة لعرض:
تعريف بالصحابة:
المراد بالصحابة الممجدين هم الذين صحبوا النبي (صلى الله عليه وآله) آمنوا به, وماتوا على هديه ودينه, وليس المراد بالصحابي كل من رأى النبي (صلى الله عليه وآله), فإن هذا التحديد من الضحالة بمكان لأنه يوجب دخول الأطفال والكفار الذين رأوا النبي في إطار الصحابة مع إنه لا إشكال في خروجهم عنه، كما أنه بناء على اعتبار الرؤية تخرج بعض الصحابة عن هذا التعريف ممن فقدوا البصر كابن مكتوم ونحوه من المؤمنين الأخيار المتحرجين في دينهم مع أنه لا إشكال في شمول التعريف لهم, ولا يشمل التعريف الذين ذكرناه المنافقين الذين كانوا يكيدون للإسلام ويبغون له الغوائل في الليل إذا يغشى وفي النهار إذا تجلى وهم الذين نزلت فيهم سورة من القرآن الكريم وهي سورة المنافقين.
حكم الصحابة:
ولصحابة النبي (صلى الله عليه وآله) منزلة عظيمة, وكريمة عند الله تعالى, ومن المؤكد أن الصحبة بذاتها لا توجب العصمة, عن الخطأ ولا توجب النجاة من النار إلا بالعمل الصالح, والبعد عما حرمه الله فإنه المقياس عند الله تعالى, من تحرج في دينه وآمن واهتدى وعمل صالحا فإن الجنة هي المأوى, ومن زاغ عن ذلك, وانحرف عن الحق بعد ما تبين له الهدى فإن مصيره إلى النار، هذا هو حكم الإسلام، قال الله تعالى (وإن ليس للإنسان لا ما سعى وأن سعيه سوف يرى)(1) وقال تعالى: (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)(2) قد أناط الله تعالى ثوابه بالعمل الصالح, وأناط عقابه بالعمل السيئ، والصحابة وغيرهم سواء, فمن أطاع الله منهم كان له المزيد من الأجر ومن انحرف عن الحق كان له من العذاب ضعف لأنه ابتعد عن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) وشذ عن هديه.
في ظلال القرآن:
وإذا رجعنا إلى مائدة القرآن الكريم للنظر في شؤون الصحابة وجدنا طائفتين من آيات الله العظام وهما:
الطائفة الأولى: فيها ثناء عاطر وتعظيم لبعض الصحابة الذين أخلصوا لله وجاهدوا في سبيله بأعلى درجات الإيمان وهذه بعض الآيات:
1ـ قول الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا)(3).
2 ـ قال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(4).
3- قال الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين ابتعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)(5)
وحكت هذه الآيات عظيم منزلتهم، وسمو مكانتهم عند الله تعالى, ولهم في مدح الله غنى عن المدح المادحين, ووصف الواصفين وهؤلاء يجب على كل مسلم مودتهم والإخلاص لهم.
الطائفة الثانية: وهي تذم من مردوا على النفاق, وابتغوا الفتنة وأظهروا الإسلام بألسنتهم, وانطوت قلوبهم على الكفر بالله.
وهذه بعض الآيات:
1ـ قال تعالى: (وممن حولكم من الإعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)(6).
2ـ قال تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن)(7).
3ـ قال تعالى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)(8).
وحكت الآيات السابقة والتي بعدها أن الصحابة بعضهم أولياء الله وأحباؤه، أخلصوا لله كأعظم ما يكون الإخلاص, وجاهدوا في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد, وبعضهم يؤذون النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقولون ويفعلون ما يسوؤه وهؤلاء أعداء الله, وخصوم رسوله، قد مردوا على النفاق, وخلعوا جلباب الإيمان وهم ـ من دون شك ـ لا يجوز توقيرهم وتعظيمهم، ولا تشملهم قداسة الصحابة, وهذا ما تؤمن به الشيعة.
في رحاب السنة:
وأعلنت كوكبة من الأحاديث النبوية ارتداد بعض الصحابة ومروقهم من الدين, وهذه بعضها:
1ـ أخرج الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فإنهم لا يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول: كما قال العبد الصالح: أن تعذبهم فإنهم عبادك(9).
2- أخرج أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأصحابه: (أنا فرطكم على الحوض, ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا ربي أصحابي، فيقول أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك(10).
3 ـ وأخرج مسلم عن طريق عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم فوالله لينقطعن رجال فلأقولن أي ربي) الحديث(11).
4ـ روي الإمام محمد الباقر (عليه السلام): بسنده عن جده الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي, فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى)(12).
كثير من أمثال هذه الأحاديث أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي تدل بوضوح على وجود المنحرفين والضالين من الصحابة الذين آثروا الدنيا على الآخرة، وطبع الله على قلوبهم، اتبعوا أهوائهم.
منافقون ومرتدون:
وذكر الرواة طائفة من الذين صحبوا النبي (صلى الله عليه وآله) وهم مرتدون على أعقابهم، ولا رصيد لهم من التقوى والإيمان ونشير إلى بعضهم:
1ـ الوليد بن عقبة:
ابن أبي معيط سماه الله تعالى في كتابه فاسقا, وذلك حينما أرسله النبي (صلى الله عليه وآله) على صدقات بني المصطلق فعاد وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أنهم خرجوا لقتاله فأراد أن يجهز لهم جيشا لقتالهم فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة)(13)(14)
2- خذام وجماعته:
من المنافقين والضالين خذام بن خالد ومعتب بن قشير وأبو حبيبة ابن أبي الأزعر وجماعتهم وهم الذين بنوا مسجدا يتظاهرون فيه بإقامة الصلاة في أوقات لا يسعهم الوصول إلى النبي (صلى الله عليه وآله) حسب زعمهم, ولكن الله فضح سرهم وأنزل فيهم الآية (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسول من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون(15). وقد فضحتهم الآية وكشفت زيف ما يقولون(16).
3- ذو الثدية:
هو من جملة الصحابة الذين رأوا النبي (صلى الله عليه وآله) وكان يظهر النسك والعبادة إلا أنه لم يكن عن معرفة وإيمان، علم النبي (صلى الله عليه وآله) بضلاله, وإنه من عناصر السوء والشر فأمر بقتله فانبرى أبو بكر ليقتله فرآه يصلي فكف عنه, وسارع عمر كذلك، فلم يفعل, وبادر الإمام ليقتله فلم يدركه(17) وهو الذي تزعم الخوارج يوم النهروان فقتله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
4- الحكم بن أبي العاص:
خبيث دنس من رؤوس المنافقين كان من ألد أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أحقدهم عليه فكان يمر خلفه فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه(18)، والتفت النبي (صلى الله عليه وآله) فرآه يفعل ذلك، فقال: (كذلك فلتكن) فكان الحكم مختلجا يرتعش حتى هلك, وكان يثبط الناس عن الدخول في دين الإسلام, وقد قال مروان لحويطب تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث, فقال له حوطيب: والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك, يقول: تضيع شرفك, وتدع دين آباءك لدين محدث, وتصير تابعا(19).
استأذن الحكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم, ذوومكر وخديعة, يعطون الدنيا, وما لهم في الآخر, من خلاق(20)، نفاه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف، ولم يسمح له بالدخول إلى عاصمته(21) . وهذا الرجس معدود من الصحابة.
5- قزمان بن الحرث:
شهد أحدا، وقاتل مع النبي (صلى الله عليه وآله) قتال الأبطال, فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أنه من أهل النار, وأصابته جراحات وسقط فقيل له: هنيئا لك بالجنة يا أبا الغيداق فسخر منه، وقال: جنة من حرمل، والله ما قاتلنا إلا على الأحساب. فهل هذا يعد من الصحابة؟
6- أبو سفيان:
ألد أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن أخبث الحاقدين عليه, حاول جاهدا أن يرد صوت التوحيد لمصدره، يلف لواء الإسلام، ويطفئ نور الله، فجيش الجيوش وقاد الكتائب تلو الكتائب في واقعة بدر وأحد وغيرهما ولكن الله رد كيده, ودمر جيوشه وسحق عدوانه ونصر نبيه, وباءت جميع محاولاته بالفشل, وانتصر الإسلام وخفقت راياته, وفتحت مكة التي هي معقل القبائل القرشية المعادية لله والتي جرعت الرسول الغصص والآلام, ولولا فيض من رحمات الرسول (صلى الله عليه وآله) لسبى ذراريهم وقتل رجالهم، ولكنه عفى عنهم, وأطلق سراحهم, وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء, وممن عفي عنه الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان, فقد دخل في دين الإسلام حفظا لدمه، وظلت نفسه مترعة بأفكار الجاهلية وأوثانها, وهو الذي ركل قبر حمزة برجله, وقال له إن هذا الأمر الذي كنا نقاتل عليه أصبح بأيدي صبياننا. وأحاديثه في الكفر مشهورة تقضي بإلحاده وجاهليته، فكيف يعد صحابيا؟
7- معاوية بن أبي سفيان:
صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام, وهو الذي حارب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام أمير المؤمنين وقتل خيار الصحابة كحجر بن عدي وجماعته المؤمنين واستخلف ابنه يزيد من بعده فاقترف كل ما حرم الله فقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين وسبى حرائر النبوة والرسالة, وأباح مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهدم الكعبة إلى غير ذلك من جرائمه.
إن معاوية في جميع مراحل حياته لم يؤمن بالله, طرفة عين, وهو من أعمدة الجاهلية, وأركانها فقد فرض سب العترة الطاهرة على المنابر والمآذن وموبقاته ومنكراته لا تحصى, فكيف يعد هذا الذئب الجاهلي من أصحابه؟
8- أبو العادية:
الجهني واسمه يسار, وهو ممن سمع النبي (صلى الله عليه وآله) وروي عنه, ومن رواياته عنه قوله (صلى الله عليه وآله): (إن دماءكم وأموالكم حرام).
وهو قاتل الصحابي العظيم عمار بن ياسر الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله): (يا عمار تقتلك الفئة الباغية, وكان إذا أراد الدخول على معاوية يقول لحاجبه قل له: قاتل عمار بالباب(22))، وفي الحديث: (لو أن عمارا قتله أهل الأرض لدخلوا النار(23)).
وعلى أي حال فكيف يعد مثل هذا المجرم الوضيع صحابيا, ويحكم بعدالته.
9- قدامة بن مضعون:
كان من السابقين الأولين إلى الإسلام وهاجر الهجرتين، استعمله عمر بن الخطاب واليا على البحرين, شرب الخمر, وأقام عليه عمر الحد, فكيف يحكم بعدالته، لأنه من الصحابة.
ونكتفي بهذه النماذج اليسيرة من الصحابة الذين اقترفوا ما حرم الله, وابتعدوا عن الطريق القويم, وفارقوا ما سنه الرسول (صلى الله عليه وآله) من أحكام فكيف يحكم بعدالة جميع الصحابة أجمعين؟
واتهمت الشيعة بتجريح الصحابة، والقول بعدم عدالتهم, وهو افتراء محض لا نصيب له من الصحة, فإن الشيعة تقدس صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) وتعظمهم, وتكن لهم أعمق الحب والاحترام، وترى لهم الحق على كل مسلم ومسلمة لأنهم نصروا الإسلام أيام محنته وغربته، ولولا جهودهم وجهادهم، وتضحياتهم لما قام الإسلام، ولا بد لنا من وقفة قصيرة لعرض:
تعريف بالصحابة:
المراد بالصحابة الممجدين هم الذين صحبوا النبي (صلى الله عليه وآله) آمنوا به, وماتوا على هديه ودينه, وليس المراد بالصحابي كل من رأى النبي (صلى الله عليه وآله), فإن هذا التحديد من الضحالة بمكان لأنه يوجب دخول الأطفال والكفار الذين رأوا النبي في إطار الصحابة مع إنه لا إشكال في خروجهم عنه، كما أنه بناء على اعتبار الرؤية تخرج بعض الصحابة عن هذا التعريف ممن فقدوا البصر كابن مكتوم ونحوه من المؤمنين الأخيار المتحرجين في دينهم مع أنه لا إشكال في شمول التعريف لهم, ولا يشمل التعريف الذين ذكرناه المنافقين الذين كانوا يكيدون للإسلام ويبغون له الغوائل في الليل إذا يغشى وفي النهار إذا تجلى وهم الذين نزلت فيهم سورة من القرآن الكريم وهي سورة المنافقين.
حكم الصحابة:
ولصحابة النبي (صلى الله عليه وآله) منزلة عظيمة, وكريمة عند الله تعالى, ومن المؤكد أن الصحبة بذاتها لا توجب العصمة, عن الخطأ ولا توجب النجاة من النار إلا بالعمل الصالح, والبعد عما حرمه الله فإنه المقياس عند الله تعالى, من تحرج في دينه وآمن واهتدى وعمل صالحا فإن الجنة هي المأوى, ومن زاغ عن ذلك, وانحرف عن الحق بعد ما تبين له الهدى فإن مصيره إلى النار، هذا هو حكم الإسلام، قال الله تعالى (وإن ليس للإنسان لا ما سعى وأن سعيه سوف يرى)(1) وقال تعالى: (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)(2) قد أناط الله تعالى ثوابه بالعمل الصالح, وأناط عقابه بالعمل السيئ، والصحابة وغيرهم سواء, فمن أطاع الله منهم كان له المزيد من الأجر ومن انحرف عن الحق كان له من العذاب ضعف لأنه ابتعد عن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) وشذ عن هديه.
في ظلال القرآن:
وإذا رجعنا إلى مائدة القرآن الكريم للنظر في شؤون الصحابة وجدنا طائفتين من آيات الله العظام وهما:
الطائفة الأولى: فيها ثناء عاطر وتعظيم لبعض الصحابة الذين أخلصوا لله وجاهدوا في سبيله بأعلى درجات الإيمان وهذه بعض الآيات:
1ـ قول الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا)(3).
2 ـ قال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(4).
3- قال الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين ابتعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)(5)
وحكت هذه الآيات عظيم منزلتهم، وسمو مكانتهم عند الله تعالى, ولهم في مدح الله غنى عن المدح المادحين, ووصف الواصفين وهؤلاء يجب على كل مسلم مودتهم والإخلاص لهم.
الطائفة الثانية: وهي تذم من مردوا على النفاق, وابتغوا الفتنة وأظهروا الإسلام بألسنتهم, وانطوت قلوبهم على الكفر بالله.
وهذه بعض الآيات:
1ـ قال تعالى: (وممن حولكم من الإعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)(6).
2ـ قال تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن)(7).
3ـ قال تعالى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)(8).
وحكت الآيات السابقة والتي بعدها أن الصحابة بعضهم أولياء الله وأحباؤه، أخلصوا لله كأعظم ما يكون الإخلاص, وجاهدوا في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد, وبعضهم يؤذون النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقولون ويفعلون ما يسوؤه وهؤلاء أعداء الله, وخصوم رسوله، قد مردوا على النفاق, وخلعوا جلباب الإيمان وهم ـ من دون شك ـ لا يجوز توقيرهم وتعظيمهم، ولا تشملهم قداسة الصحابة, وهذا ما تؤمن به الشيعة.
في رحاب السنة:
وأعلنت كوكبة من الأحاديث النبوية ارتداد بعض الصحابة ومروقهم من الدين, وهذه بعضها:
1ـ أخرج الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فإنهم لا يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول: كما قال العبد الصالح: أن تعذبهم فإنهم عبادك(9).
2- أخرج أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأصحابه: (أنا فرطكم على الحوض, ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا ربي أصحابي، فيقول أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك(10).
3 ـ وأخرج مسلم عن طريق عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم فوالله لينقطعن رجال فلأقولن أي ربي) الحديث(11).
4ـ روي الإمام محمد الباقر (عليه السلام): بسنده عن جده الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي, فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى)(12).
كثير من أمثال هذه الأحاديث أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي تدل بوضوح على وجود المنحرفين والضالين من الصحابة الذين آثروا الدنيا على الآخرة، وطبع الله على قلوبهم، اتبعوا أهوائهم.
منافقون ومرتدون:
وذكر الرواة طائفة من الذين صحبوا النبي (صلى الله عليه وآله) وهم مرتدون على أعقابهم، ولا رصيد لهم من التقوى والإيمان ونشير إلى بعضهم:
1ـ الوليد بن عقبة:
ابن أبي معيط سماه الله تعالى في كتابه فاسقا, وذلك حينما أرسله النبي (صلى الله عليه وآله) على صدقات بني المصطلق فعاد وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أنهم خرجوا لقتاله فأراد أن يجهز لهم جيشا لقتالهم فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة)(13)(14)
2- خذام وجماعته:
من المنافقين والضالين خذام بن خالد ومعتب بن قشير وأبو حبيبة ابن أبي الأزعر وجماعتهم وهم الذين بنوا مسجدا يتظاهرون فيه بإقامة الصلاة في أوقات لا يسعهم الوصول إلى النبي (صلى الله عليه وآله) حسب زعمهم, ولكن الله فضح سرهم وأنزل فيهم الآية (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسول من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون(15). وقد فضحتهم الآية وكشفت زيف ما يقولون(16).
3- ذو الثدية:
هو من جملة الصحابة الذين رأوا النبي (صلى الله عليه وآله) وكان يظهر النسك والعبادة إلا أنه لم يكن عن معرفة وإيمان، علم النبي (صلى الله عليه وآله) بضلاله, وإنه من عناصر السوء والشر فأمر بقتله فانبرى أبو بكر ليقتله فرآه يصلي فكف عنه, وسارع عمر كذلك، فلم يفعل, وبادر الإمام ليقتله فلم يدركه(17) وهو الذي تزعم الخوارج يوم النهروان فقتله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
4- الحكم بن أبي العاص:
خبيث دنس من رؤوس المنافقين كان من ألد أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أحقدهم عليه فكان يمر خلفه فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه(18)، والتفت النبي (صلى الله عليه وآله) فرآه يفعل ذلك، فقال: (كذلك فلتكن) فكان الحكم مختلجا يرتعش حتى هلك, وكان يثبط الناس عن الدخول في دين الإسلام, وقد قال مروان لحويطب تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث, فقال له حوطيب: والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك, يقول: تضيع شرفك, وتدع دين آباءك لدين محدث, وتصير تابعا(19).
استأذن الحكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم, ذوومكر وخديعة, يعطون الدنيا, وما لهم في الآخر, من خلاق(20)، نفاه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف، ولم يسمح له بالدخول إلى عاصمته(21) . وهذا الرجس معدود من الصحابة.
5- قزمان بن الحرث:
شهد أحدا، وقاتل مع النبي (صلى الله عليه وآله) قتال الأبطال, فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أنه من أهل النار, وأصابته جراحات وسقط فقيل له: هنيئا لك بالجنة يا أبا الغيداق فسخر منه، وقال: جنة من حرمل، والله ما قاتلنا إلا على الأحساب. فهل هذا يعد من الصحابة؟
6- أبو سفيان:
ألد أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن أخبث الحاقدين عليه, حاول جاهدا أن يرد صوت التوحيد لمصدره، يلف لواء الإسلام، ويطفئ نور الله، فجيش الجيوش وقاد الكتائب تلو الكتائب في واقعة بدر وأحد وغيرهما ولكن الله رد كيده, ودمر جيوشه وسحق عدوانه ونصر نبيه, وباءت جميع محاولاته بالفشل, وانتصر الإسلام وخفقت راياته, وفتحت مكة التي هي معقل القبائل القرشية المعادية لله والتي جرعت الرسول الغصص والآلام, ولولا فيض من رحمات الرسول (صلى الله عليه وآله) لسبى ذراريهم وقتل رجالهم، ولكنه عفى عنهم, وأطلق سراحهم, وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء, وممن عفي عنه الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان, فقد دخل في دين الإسلام حفظا لدمه، وظلت نفسه مترعة بأفكار الجاهلية وأوثانها, وهو الذي ركل قبر حمزة برجله, وقال له إن هذا الأمر الذي كنا نقاتل عليه أصبح بأيدي صبياننا. وأحاديثه في الكفر مشهورة تقضي بإلحاده وجاهليته، فكيف يعد صحابيا؟
7- معاوية بن أبي سفيان:
صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام, وهو الذي حارب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام أمير المؤمنين وقتل خيار الصحابة كحجر بن عدي وجماعته المؤمنين واستخلف ابنه يزيد من بعده فاقترف كل ما حرم الله فقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين وسبى حرائر النبوة والرسالة, وأباح مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهدم الكعبة إلى غير ذلك من جرائمه.
إن معاوية في جميع مراحل حياته لم يؤمن بالله, طرفة عين, وهو من أعمدة الجاهلية, وأركانها فقد فرض سب العترة الطاهرة على المنابر والمآذن وموبقاته ومنكراته لا تحصى, فكيف يعد هذا الذئب الجاهلي من أصحابه؟
8- أبو العادية:
الجهني واسمه يسار, وهو ممن سمع النبي (صلى الله عليه وآله) وروي عنه, ومن رواياته عنه قوله (صلى الله عليه وآله): (إن دماءكم وأموالكم حرام).
وهو قاتل الصحابي العظيم عمار بن ياسر الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله): (يا عمار تقتلك الفئة الباغية, وكان إذا أراد الدخول على معاوية يقول لحاجبه قل له: قاتل عمار بالباب(22))، وفي الحديث: (لو أن عمارا قتله أهل الأرض لدخلوا النار(23)).
وعلى أي حال فكيف يعد مثل هذا المجرم الوضيع صحابيا, ويحكم بعدالته.
9- قدامة بن مضعون:
كان من السابقين الأولين إلى الإسلام وهاجر الهجرتين، استعمله عمر بن الخطاب واليا على البحرين, شرب الخمر, وأقام عليه عمر الحد, فكيف يحكم بعدالته، لأنه من الصحابة.
ونكتفي بهذه النماذج اليسيرة من الصحابة الذين اقترفوا ما حرم الله, وابتعدوا عن الطريق القويم, وفارقوا ما سنه الرسول (صلى الله عليه وآله) من أحكام فكيف يحكم بعدالة جميع الصحابة أجمعين؟