أم ورقة
08-14-2009, 04:07 PM
سوء التغذية في المتوسط إلى تفاقم
بالاستناد إلى تقارير منظمة الغذاء العالمي، أصدر مركز الدراسات الزراعية العليا، والخاص ببلدان حوض المتوسط، تقريراً يدحض ما يشاع عن عدم تأثر هذه البلدان بالأزمة المالية العالمية، وبالتالي بأزمة الغذاء
إعداد رنا حايك
للمرة الأولى تاريخياً، سيطال نقص الغذاء، مع نهاية عام 2009، أكثر من مليار إنسان على الكوكب، أي تقريباً شخصاً من بين كل ستة أشخاص. تشير هذه النتائج، التي خلص إليها تقرير منظمة الغذاء العالمي خلال شهر حزيران الفائت، إلى ارتفاع عدد الجياع في العالم بنسبة 11% مقارنة بعام 2008.
وبحسب التقرير، معظم من سيعانون نقص الغذاء هم سكان البلاد النامية: 624 مليون شخص في بلدان المحيط الهادئ في آسيا، 265 مليون في صحارى أفريقيا، 53 مليوناً في أميركا اللاتينية والكاريبي، 42 مليوناً في الشرق الأدنى وأفريقيا الشمالية، في مقابل 15 مليوناً في البلدان المتطورة. ويلفت التقرير إلى أنه، رغم تأثر المدن الشديد بالأزمة، إلا أن نقص الغذاء يطال تحديداً المناطق الزراعية في بلدان الجنوب. هكذا، يتوقع التقرير أن يمثّل صغار الفلاحين ما نسبته 50% ممن سيعانون الجوع، بينما يمثّل مربو الماشية 10% منهم، والفلاحون الذين لا يملكون الأراضي 20% في مقابل 20% يمثّلها فقراء المدن. ولا يعزو التقرير تفاقم الجوع هذا إلى سوء الحصاد، لأن بلدان المتوسط تنتظر محصولات زراعية جيدة هذا العام بسبب ارتفاع منسوب الأمطار فيها خلال الشتاء الماضي، (وخصوصاً في المغرب)، بل إلى الأزمة المالية العالمية التي تتفاعل في بلدان حوض المتوسط منذ أشهر عدة. فرغم ابتعاد هذه البلدان عن حلقة الاقتصاد العالمي، ما دفع بالكثير من المحللين إلى اعتبارها بمنأى عن الأزمة، إلا أن قنوات النقل والتحويل التي تربطها باقتصاديات الشمال تعرّضها حتماً للتأثر: فمن المتوقع أن تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تلك البلدان بنسبة 32%،
وقد لُحظ تراجع عوائد العمال المغتربين إلى أهاليهم في تلك البلدان بنسبة تتراوح بين 5% و8% خلال عام 2009 بحسب إحصائيات البنك الدولي. يضاف إلى ذلك طبعاً تراجع المساعدات التنموية التي كانت تلك البلدان تتلقاها من دول مانحة أرهقتها الأزمة المالية الأخيرة.
نتيجة لذلك، تشهد بلدان الحوض المتوسط انخفاض دخول العملات الأجنبية وتداولها في أسواقها، مع فقدان الكثيرين فيها وظائفهم.
ويجدر التذكير بأن الأزمة المالية قد حلّت مباشرة بعد أزمتي الغذاء والطاقة اللتين سبقتاها منذ عام 2006، وهما أزمتان قد استتبعتا ارتفاعاً هائلاً في أسعار المواد الأولية وفي السلع الزراعية الغذائية. ورغم أن أسعار السلع الغذائية قد تراجعت نسبياً على الساحة العالمية خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن ذلك لم ينعكس على أسعارها المحلية التي ظلت مرتفعة.
ويربط تقرير المنظمة البطالة التي استتبعتها الأزمة المالية في المدن بتعزيز الأزمة الغذائية في المناطق الريفية، إذ إن الملايين من العمال الذين كانوا قد نزحوا من قراهم ليعملوا في المدينة، يعودون اليوم إلى قراهم بعد أن يُصرفوا من وظائفهم في المدينة، ليزيدوا من تعقيدات ظروف الحياة ووسائل النمو الاقتصادية في مناطقهم الفقيرة أساساً.
إذاً، لم يستثن انعدام الأمن الغذائي أي بلد أو منطقة خلال السنوات الأخيرة. إلا أن المفاجأة التي يطرحها التقرير الذي بين أيدينا، هي تأكيده أنه رغم أن أفريقيا تسجل أعلى حالات سوء التغذية، إلا أن أفريقيا الشمالية والشرق الأدنى، هما المنطقتان اللتان تسجلان أعلى نسب من ارتفاع حالات ضحايا الجوع (الذين ازدادوا بنسبة 13.5% في 2009)، فهذه البلدان تتعرض حالياً لتباطؤ في النمو الاقتصادي يهدد مجدداً الأمن الغذائي فيها. وإن كان الجوع لا يعني سوى 42 مليون نسمة من سكان هذه البلدان، أي حوالى 10% من مجمل السكان، إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن نقص التغذية ينمو باطّراد في هذه البقعة من العالم، بإيقاع أسرع من أي بقعة أخرى.
فبحسب تقرير اقتصادي للّجنة الأوروبية صدر في حزيران الماضي، هنالك صدمتان خارجيتان ضربتا اقتصاديات بلدان جنوبي وشرقي المتوسط منذ عام 2008: التقلبات العالمية المهولة لأسعار السلع، والأزمة المالية العالمية. ورغم أن تداعيات هذه الأخيرة على بلدان المتوسط كانت بطيئة، إلا أنها كانت تصاعدية. فبعدما بدت هذه البلدان محمية من الأزمة المالية العالمية بسبب هيكلية اقتصادياتها المغلقة وقلة اندماجها في الاقتصاد العالمي، سرعان ما بدأت تبعات الأزمة بالظهور، وخصوصاً بعدما هبطت أسعار النفط وتوقف إغداق الرساميل من مردوداته في أسواقها.
هكذا، بعدما شهدت هذه البلدان انتعاشاً خلال عام 2008، يبدو النمو الاقتصادي فيها أكثر تواضعاً خلال عام 2009.
عدد الجمعة ١٤ آب ٢٠٠٩
بالاستناد إلى تقارير منظمة الغذاء العالمي، أصدر مركز الدراسات الزراعية العليا، والخاص ببلدان حوض المتوسط، تقريراً يدحض ما يشاع عن عدم تأثر هذه البلدان بالأزمة المالية العالمية، وبالتالي بأزمة الغذاء
إعداد رنا حايك
للمرة الأولى تاريخياً، سيطال نقص الغذاء، مع نهاية عام 2009، أكثر من مليار إنسان على الكوكب، أي تقريباً شخصاً من بين كل ستة أشخاص. تشير هذه النتائج، التي خلص إليها تقرير منظمة الغذاء العالمي خلال شهر حزيران الفائت، إلى ارتفاع عدد الجياع في العالم بنسبة 11% مقارنة بعام 2008.
وبحسب التقرير، معظم من سيعانون نقص الغذاء هم سكان البلاد النامية: 624 مليون شخص في بلدان المحيط الهادئ في آسيا، 265 مليون في صحارى أفريقيا، 53 مليوناً في أميركا اللاتينية والكاريبي، 42 مليوناً في الشرق الأدنى وأفريقيا الشمالية، في مقابل 15 مليوناً في البلدان المتطورة. ويلفت التقرير إلى أنه، رغم تأثر المدن الشديد بالأزمة، إلا أن نقص الغذاء يطال تحديداً المناطق الزراعية في بلدان الجنوب. هكذا، يتوقع التقرير أن يمثّل صغار الفلاحين ما نسبته 50% ممن سيعانون الجوع، بينما يمثّل مربو الماشية 10% منهم، والفلاحون الذين لا يملكون الأراضي 20% في مقابل 20% يمثّلها فقراء المدن. ولا يعزو التقرير تفاقم الجوع هذا إلى سوء الحصاد، لأن بلدان المتوسط تنتظر محصولات زراعية جيدة هذا العام بسبب ارتفاع منسوب الأمطار فيها خلال الشتاء الماضي، (وخصوصاً في المغرب)، بل إلى الأزمة المالية العالمية التي تتفاعل في بلدان حوض المتوسط منذ أشهر عدة. فرغم ابتعاد هذه البلدان عن حلقة الاقتصاد العالمي، ما دفع بالكثير من المحللين إلى اعتبارها بمنأى عن الأزمة، إلا أن قنوات النقل والتحويل التي تربطها باقتصاديات الشمال تعرّضها حتماً للتأثر: فمن المتوقع أن تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تلك البلدان بنسبة 32%،
وقد لُحظ تراجع عوائد العمال المغتربين إلى أهاليهم في تلك البلدان بنسبة تتراوح بين 5% و8% خلال عام 2009 بحسب إحصائيات البنك الدولي. يضاف إلى ذلك طبعاً تراجع المساعدات التنموية التي كانت تلك البلدان تتلقاها من دول مانحة أرهقتها الأزمة المالية الأخيرة.
نتيجة لذلك، تشهد بلدان الحوض المتوسط انخفاض دخول العملات الأجنبية وتداولها في أسواقها، مع فقدان الكثيرين فيها وظائفهم.
ويجدر التذكير بأن الأزمة المالية قد حلّت مباشرة بعد أزمتي الغذاء والطاقة اللتين سبقتاها منذ عام 2006، وهما أزمتان قد استتبعتا ارتفاعاً هائلاً في أسعار المواد الأولية وفي السلع الزراعية الغذائية. ورغم أن أسعار السلع الغذائية قد تراجعت نسبياً على الساحة العالمية خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن ذلك لم ينعكس على أسعارها المحلية التي ظلت مرتفعة.
ويربط تقرير المنظمة البطالة التي استتبعتها الأزمة المالية في المدن بتعزيز الأزمة الغذائية في المناطق الريفية، إذ إن الملايين من العمال الذين كانوا قد نزحوا من قراهم ليعملوا في المدينة، يعودون اليوم إلى قراهم بعد أن يُصرفوا من وظائفهم في المدينة، ليزيدوا من تعقيدات ظروف الحياة ووسائل النمو الاقتصادية في مناطقهم الفقيرة أساساً.
إذاً، لم يستثن انعدام الأمن الغذائي أي بلد أو منطقة خلال السنوات الأخيرة. إلا أن المفاجأة التي يطرحها التقرير الذي بين أيدينا، هي تأكيده أنه رغم أن أفريقيا تسجل أعلى حالات سوء التغذية، إلا أن أفريقيا الشمالية والشرق الأدنى، هما المنطقتان اللتان تسجلان أعلى نسب من ارتفاع حالات ضحايا الجوع (الذين ازدادوا بنسبة 13.5% في 2009)، فهذه البلدان تتعرض حالياً لتباطؤ في النمو الاقتصادي يهدد مجدداً الأمن الغذائي فيها. وإن كان الجوع لا يعني سوى 42 مليون نسمة من سكان هذه البلدان، أي حوالى 10% من مجمل السكان، إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن نقص التغذية ينمو باطّراد في هذه البقعة من العالم، بإيقاع أسرع من أي بقعة أخرى.
فبحسب تقرير اقتصادي للّجنة الأوروبية صدر في حزيران الماضي، هنالك صدمتان خارجيتان ضربتا اقتصاديات بلدان جنوبي وشرقي المتوسط منذ عام 2008: التقلبات العالمية المهولة لأسعار السلع، والأزمة المالية العالمية. ورغم أن تداعيات هذه الأخيرة على بلدان المتوسط كانت بطيئة، إلا أنها كانت تصاعدية. فبعدما بدت هذه البلدان محمية من الأزمة المالية العالمية بسبب هيكلية اقتصادياتها المغلقة وقلة اندماجها في الاقتصاد العالمي، سرعان ما بدأت تبعات الأزمة بالظهور، وخصوصاً بعدما هبطت أسعار النفط وتوقف إغداق الرساميل من مردوداته في أسواقها.
هكذا، بعدما شهدت هذه البلدان انتعاشاً خلال عام 2008، يبدو النمو الاقتصادي فيها أكثر تواضعاً خلال عام 2009.
عدد الجمعة ١٤ آب ٢٠٠٩