أبو يونس العباسي
08-06-2009, 08:25 AM
الإعلام المضلل والكذب المجلجل
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين.
سبب المقال
وأكتب هذا المقال بسبب الإعلام المضلل والتشهير والتنفير الذي تقوم به حكومة غزة وحركة حماس على المنهج السلفي الجهادي وأتباعه , والذي رأيناه على المنابر وعلى الشبكة العالمية وفي الأحاديث الجانبية لأتباع كل من الحركة والحكومة , وأقول بأنه إعلام مضلل: لأنه قائم على الهوى ويفتقر إلى الأدلة والبراهين , ولقد حدثني أحد أقربائي من أتباع حركة حماس أن هذا التشهير والاتهامات بالتفجير وغيرها يعلم الكل أنها شيء غير صحيح , قال الله تعالى:"إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل : 105]" , وقال أيضا:" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [النساء : 112]" , ولكنهم يفعلون ذلك للحد من الانتشار غير الطبيعي لهذا المنهج المبارك في غزة , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإعلام ... معناه والمقصود به
الإعلام عامة وفي أبسط معانيه: تواصل بين مرسل ومستقبل ووسيلة اتصال ومضمون رسالة لإحداث أثر في قضية من قضايا الحياة التي تهم الناس.
بحيث تعتمد كل دولة في إعلامها على مجمل النظريات والمبادئ التي تؤمن بها وتمثل جزء من وعي جماهيرها.
والإعلام الإسلامي لا يخرج عن هذا السياق إلا بقدر ما يستمده من الدين الإسلامي من صفات وخصائص وتعاليم سماوية تميزه عن غيره فيها من الثوابت ما لا يمكن أن يحيد عنها.
الحرب الإعلامية أسلوب قديم حديث في مواجهة المنهج الحق
أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام ؛ أسلوب قديم جدًا , أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد دعوة موسى ـ عليه السلام ـ ، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ, بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي ، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه ، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون: {...إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر26
وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير ؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}القصص38
أراد فرعون أن يبني صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني ؛ وليقول الجميع: إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى.
دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين ؛ يخطب فيهم ، يدلس ، يكذب ، يزور، يتهكم ، يَقلبُ الحقائق. .. اقرأ هذه الآية بعناية:{فَحَشَرَ فَنَادَى}النازعات23
إنها آيةٌ من لفظتين , الحشر والنداء ؛ أي أسلوب الحشر والحشد ، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية.
أما في العصر الحديث فنحن نرى كيف سلط التحالف الصهيوصليبي وحلفاؤه الحرب على أهل التوحيد والجهاد , فها هي العربية والجزيرة والحرة وبي بي سي وغيرها.
الإعلام المضلل وإثره في تخويف الناس
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الزخرف51
وهي آيةٌ ـ أخرى ـ تشي بجو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون ، جو الاستعلاء ، والاستكبار ، والعلو ، والعتو، والشخصنة ، والعجرفة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الباطل ، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان.
وانظروا إلى الدول العربية كيف تجعل من أجهزتها الاستخبارية غولا أو وحشا مفترسا في أعين الناس ويستخدمون كل ما بأيديهم من وسائل إعلامية لترسيخ هذا الخوف من هذه الأجهزة وهذا ما لمسناه في غزة فيما يسمى بالأمن الوقائي , وما يلمسه الإخوة المصريون فيما يسمى بأمن الدولة .... إلخ.
ويبقى أن نقول بأن التوحيد الذي ربينا عليه يأبى علينا أن نخاف من غير الله – جل في علاه - , قال الله تعالى:" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر : 36]"..
الإعلام المضلل وتنفير الناس من المنهج الحق
بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه ، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ ، زعموا أن موسى والمؤمنين ؛ هم سببُ الأزمات ، قال الله تعالى:{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}الأعراف131
وهذا أسلوب الكافرين مع كل رسول ومع خاتمهم وآخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن إسحاق : كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بها فمشى إليه رجال من قريش , وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا قالوا له: إنك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل - وهو الذي بين أظهرنا - فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شئ من قوله.
قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي : واثكل أمياه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد ! إن قومك قد قالوا لي : كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلى علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
قال ابن القيم تعليق على هذه القصة: وفيها : أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم ولا سيما تقليد من يمدح بهوى ويذم بهوى فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى.(أ.هـ)
وهذا التنفير والتشهير ما تفعله حكومات الطواغيت مع أصحاب المنهج الحق فيصفونهم بالغلو والتطرف والتنطع والتشدد وما شئت من الأوصاف الرذيلة , كما ويلصقون بهم أي عمل مشين يحدث في هذا الكون , كما حدث في غزة واتهموهم بتفجير الحفل الماجن , وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولكن بقي بأن نقول بأن هذا هو دين الله والله لا يسلم دينه لأعدائه , قال الله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]" , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبيعنبة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ).
المباريات الإعلامية بين الحق والباطل
ومن ممارسات أهل الباطل في الصد عن سبيل الله أيضًا أسلوب المباريات الإعلامية ، ومن الأمثلة عليها ما حدث بين موسى – عليه السلام – والسحرة , وكان فرعون قد واعد الناس على موعد إعلامي ومكان إعلامي ليري الناس بطلان ما عليه موسى قال الله تعالى على لسان فرعون:{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}طه59
وقبلُ قد أرسل الفرعونُ ـ لعنه الله ـ مبعوثيه إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر ، وذلك لجَمع السحرة على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم ، فجاءوا بالساحر العادي و"السَّحار" الماهر الخبير بالسحر، وكان موعدُ المبارة يومَ الزينة , وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب ، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة ، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل ، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ العرضِ والملك ، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}الشعراء، 39، 40
ولكنها سنة الله في هذا الكون يرد مكر الكافر عليه وينصر دينه ويؤيد أولياءه ولا يسلمهم لعدوهم فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ولا يتضرر منه إلا أصحابه وأربابه , قال الله تعالى:" فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العالمين (47) رب موسى وهارون (48)"(الشعراء).
إنني كلما أقرأ هذه القصة أتذكر قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتلح لها لسان حسود
ونحن في غزة لما قالت الحكومة لأنصارها أن يشهروا فينا فعلوا , فعلم بنا من لم يكن يعلم , وأخذ يبحث الناس عن دروسنا وعن منهجنا وعن مشائخنا , وبعد أن برأنا أنفسنا ونشرنا بيانات تنقي ساحتنا مما اتهمنا به حاسدونا أخذنا خير هذا الحدث وعلى من كذب علينا غرمه , فالحمد لله الذي يدبر لنصرة منهجه وعباده الصالحين ما لا يخطر على بال , قال الله تعالى:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال : 30]".
العاقبة والمصير لأصحاب لأرباب الإعلام المضلل
ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ ؛ كان العقاب من جنس العمل إعلاميًا أيضًا ، حيث أغرق اللهُ فرعونَ وأخرج بدنه من البحر ، ثم صار جسدًا محنطًا وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة , قال الله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}يونس92.
العجيب أيضًا أن تمثال فرعون موجودٌ حاليًا في أكبر ميادين مصر، وأجمل ما في الأمر أنك لو سألت طفلاً أو شيخًا يمر في الميدان: لمن هذا التمثال؟ لأجابك على التو: هذا الفرعون الملعون! , قال الله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} الزخرف: 56.
ولم يكن العقاب الإعلامي مقصورًا عليه في الدنيا فحسب ، بل فى الآخرة أيضًا , قال الله تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}هود98 , ومن عاش على شيء مات عليه , ومن مات على شيء بُعث عليه.
هذا مات يحاربُ الإسلام بالإعلام ؛ فقتله اللهُ قتلةً إعلاميةً ، وبعثه ـ يوم القيامة ـ بعثةً إعلامية.
ونبشركم يا من تستخدمون الإعلام في مواجهة دين الله الواحد العلام بالخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة , والله يعلم المفسد من المصلح ولينصرن الله من أصلح وليخذلن من أفسد , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" [الأنفال : 36].
الإعلام المضضل والحرب على الهوية الإسلامية
إن أبرز التحديات الذي يواجهها الإعلام الإسلامي الغزو الفكري بكل أشكاله والذي اتحدت غاياته وأهدافه قديماً وحديثاً وإن اختلفت مسمياته , فهو يهدف إلى طمس الهوية الإسلامية والعربية عبر ما يملكه من وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة ، ومن الأمثلة على هذا الغزو الفكري: التغريب والتنصير والاستشراق والدعوة إلى العامية بإحلال اللهجات العامية ورفض الفصحى والعولمة والصهيونية.
وأشهر ما يضلله الإعلام الصهيوني ويرافقه الغربي إدعاء أحقية اليهود في فلسطين وأن العرب والإسلام طارئين على أرضها أمام اليهودية الأصيلة!
ونقصد بهوية الإنسان أن يتميز عن غيره بفكره وثقافته وأسلوب حياته , ثم هو يثبت على ذلك رغم الضغوطات والمعوقات الخارجية , والغزو الفكري والذي يبثه الإعلام المضلل يستهدف بالدرجة هوية الإنسان المسلم وعقيدته ومبادئه وعاداته وتقاليده الإسلامية , فإياك أن تترك ما أنت عليه من الحق كما ترك الكثيرون , وخاصة بعدما جاء التحذير النبوي من ذلك , فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شداد أن الرسول قال :"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله آليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟" , وبينت نصوص الكتاب والسنة أن من ترك هويته إلى غيرها من الهويات تأثرا بلإعلام المضلل , وتشبه بالمشركين أنه منهم , فقد أخرج أبو داوود من حديث ابن عمر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :"من تشبه بقوم فهو منهم" , وعند الطبراني في الكبير قال : قال الرسول الكريم :"ليس منا من عمل بسنة غيرنا" , وعند الطبراني :"حليف القوم منهم" وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي يعلى من حديث ابن مسعود :" من كثر سواد قوم فهو منهم " , فتميز يا أخا التوحيد مظهرا ومخبرا , وليظهر عليك الإسلام في الأقوال والأفعال , حتى إذا ما رآك الناس علموا انك مسلم لله حنيفا , فالتمايز عن الكافرين سنة سيد المرسلين , أخرج مسلم في صحيحه أن اليهود قالوا عن محمد – صلى الله عليه وسلم - :"مال هذا الرجل لا يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه" , وها نحن ذا نوجه خطابا لأرباب الغزو الفكري قائلين ما قاله الرسول للمشركين في زمانه :" لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) "(يونس)
الإعلام المضلل وإسقاط الرموز
ومن ألوان الحرب الإعلامية إسقاط رموز المنهج الحق وإلصاق الإشاعات والاتهامات المغرضة بهم , فها هو فرعون ـ لعنه الله ـ يسيء إلى شخص النبي الكريم موسى ـ عليه السلام ـ ، فاستهزأ من لسان موسى ، وطريقته في الكلام ، وزعم أنه عييٌ لا يكاد يتكلم كلمةً واضحة كل ذلك من أجل إسقاطه حتى لا يثق الناس فيه قال الله تعالى على لسان فرعون:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}الزخرف52 .
وهذا ما فعله كفار قريش مع محمد – صلى الله عليه وسلم - فقد أورد البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما :أنه حين اجتمع الوليد بن المغيرة , و نفر من قريش , و قد حضر الموسم , ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد - صلى الله عليه وسلم - لوفود العرب , فقالوا
فأنت يا أبا عبد شمس ! فقل و أقم رأيا نقوم به
فقال : بل أنتم فقولوا أسمع
فقالوا : نقول كاهن
فقال : ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان , فما هو بزمزمة الكاهن , ولا سحره
فقالوا : نقول : هو مجنون
فقال : ما هو بمجنون , و لقد رأينا الجنون , وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه و لا وسوسته.
فقالوا : نقول : شاعر
قال : ما هو بشاعر , ولقد عرفنا الشعر برجزه و هزجه و قريضه
ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر
قالوا : فنقول : هو ساحر
قال : فما هو ساحر , لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.
فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟
قال : و الله إن لقوله لحلاوة , وإن أصله لمغدق , وإن فرعه لجنى , فما أنتم بقائلين من هذا شيئا , إلا عرف أنه باطل , وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء و أبيه , وبين المرء وبين أخيه , وبين المرء و بين زوجه , وبين المرء و بين عشيرته , فتفرقوا عنه بذلك , فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة: "ذرني ومن خلقت وحيدا" إلى قوله:" سأصليه سقر"
وهذا ما رأيناه من الاتهامات التي توجه لقادة المجاهدين بين الفينة والأخرى , كالقول بأنهم صنيعة أمريكا , أو اتهامهم بأنهم ينتهجون مبدأ الخوارج , أو أن علاقات بالشيعة الروافض أو أنهم شوهوا الإسلام ... إلخ , وهذه الاتهامات نفسها التي وجهت لنا بعد حادث التفجير في خانيونس من قبل أعداء هذا المنهج الذين لا يخفون على أحد , قال الله تعالى:"كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة : 118]".
الدور المنشود للإعلام المضلل
للإعلام الدور الأول في تضليل الرأي العام في قضايانا السياسية وتستخدم أنظمة الاستكبار العالمي الإعلام أداة فعالة قوية في تضليل الرأي العام وتحريفه.
والإعلام اليوم علم يدرس في الدراسات العليا ، ومهمة هذا العلم في أنظمة الاستكبار العالمي: إبطال الحقوق وإحقاق الباطل، وتقريب البعيد وإبعاد القريب، وتشويه صورة الصديق حتى نراه عدواً، وتجميل صورة العدو حتى نراه صديقاً.
فالإعلام المضلل غايته وهدفه أن يقلب الحقائق ويبديل الثوابت. وهذا شيء نلمسه في واقعنا المعاصر , فأصبح الموحد في زمننا مشركا , والمجاهد إرهابيا , وراعي الكفر والشرك وليا للأمر , والتمسك بالقرآن والسنة تشددا وأصولية , والأمر تماما كما أخبرانا الصادق المصدوق كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن الرسول قال :"إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة", وعند أبي داوود في سننه من حديث أبي مالك الأشعري أن الرسول قال :" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " , ولكم أن تنظروا إلى أهل الفساد والإفساد في العالم يخربون ويقتلون ويهلكون الحرث والنسل , ثم بعد هذا كله يظهرون أنفسهم على أنهم هم أهل الصلاح والإصلاح والتعمير , وأن الضحية التي افترسوها هي الظالمة الباغية , لا لشيء إلا لأنها حاولت الدفاع عن نفسها , قال الله تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) " (البقرة).
وعلى ذلك يمكننا القول أن الإعلام يدخل في معركتنا الحاضرة في العالم الإسلامي عنصراً أساسياً، لا غنى لنا عنه، وجزءاً أساسياً في المعركة لا ينبغي أن نغفله.
بين الإعلام المضلل والناس
ولست أدري إن كان رجال الإعلام المضلل الذين يبثون هذا الكلام يُقدّرون أن الجمهور الذي يتلقىّ هذا الإعلام فيه من هو عاقل ولا يمكن خداعه ولا الضحك عليه؟
إن من أكبر أخطاء الإعلاميين احتقار عقول الناس بهذا الحد ، واعتقادهم بأن الناس يصدّقون بكل ما يصلهم من الإعلام.
إن الجمهور يفهم ويدرك ، وليس كما يعتقد رجال الإعلام موضعاً للاستهلاك الإعلامي فقط.
قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات : 6]", وقال أيضا:" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور : 12]" , وعن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان , فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد ... القلوب أوعية فخيرها أوعاها , احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق ... يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ومع ذلك فترى كثيرا من الناس قد سلم عقله وفكره للإعلام المضلل ولا يسمح لفكره أن يفكر فيما يسمع حتى , قال الله تعالى عن فرعون:"فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف : 54]
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين.
سبب المقال
وأكتب هذا المقال بسبب الإعلام المضلل والتشهير والتنفير الذي تقوم به حكومة غزة وحركة حماس على المنهج السلفي الجهادي وأتباعه , والذي رأيناه على المنابر وعلى الشبكة العالمية وفي الأحاديث الجانبية لأتباع كل من الحركة والحكومة , وأقول بأنه إعلام مضلل: لأنه قائم على الهوى ويفتقر إلى الأدلة والبراهين , ولقد حدثني أحد أقربائي من أتباع حركة حماس أن هذا التشهير والاتهامات بالتفجير وغيرها يعلم الكل أنها شيء غير صحيح , قال الله تعالى:"إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل : 105]" , وقال أيضا:" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [النساء : 112]" , ولكنهم يفعلون ذلك للحد من الانتشار غير الطبيعي لهذا المنهج المبارك في غزة , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإعلام ... معناه والمقصود به
الإعلام عامة وفي أبسط معانيه: تواصل بين مرسل ومستقبل ووسيلة اتصال ومضمون رسالة لإحداث أثر في قضية من قضايا الحياة التي تهم الناس.
بحيث تعتمد كل دولة في إعلامها على مجمل النظريات والمبادئ التي تؤمن بها وتمثل جزء من وعي جماهيرها.
والإعلام الإسلامي لا يخرج عن هذا السياق إلا بقدر ما يستمده من الدين الإسلامي من صفات وخصائص وتعاليم سماوية تميزه عن غيره فيها من الثوابت ما لا يمكن أن يحيد عنها.
الحرب الإعلامية أسلوب قديم حديث في مواجهة المنهج الحق
أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام ؛ أسلوب قديم جدًا , أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد دعوة موسى ـ عليه السلام ـ ، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ, بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي ، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه ، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون: {...إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر26
وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير ؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}القصص38
أراد فرعون أن يبني صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني ؛ وليقول الجميع: إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى.
دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين ؛ يخطب فيهم ، يدلس ، يكذب ، يزور، يتهكم ، يَقلبُ الحقائق. .. اقرأ هذه الآية بعناية:{فَحَشَرَ فَنَادَى}النازعات23
إنها آيةٌ من لفظتين , الحشر والنداء ؛ أي أسلوب الحشر والحشد ، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية.
أما في العصر الحديث فنحن نرى كيف سلط التحالف الصهيوصليبي وحلفاؤه الحرب على أهل التوحيد والجهاد , فها هي العربية والجزيرة والحرة وبي بي سي وغيرها.
الإعلام المضلل وإثره في تخويف الناس
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الزخرف51
وهي آيةٌ ـ أخرى ـ تشي بجو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون ، جو الاستعلاء ، والاستكبار ، والعلو ، والعتو، والشخصنة ، والعجرفة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الباطل ، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان.
وانظروا إلى الدول العربية كيف تجعل من أجهزتها الاستخبارية غولا أو وحشا مفترسا في أعين الناس ويستخدمون كل ما بأيديهم من وسائل إعلامية لترسيخ هذا الخوف من هذه الأجهزة وهذا ما لمسناه في غزة فيما يسمى بالأمن الوقائي , وما يلمسه الإخوة المصريون فيما يسمى بأمن الدولة .... إلخ.
ويبقى أن نقول بأن التوحيد الذي ربينا عليه يأبى علينا أن نخاف من غير الله – جل في علاه - , قال الله تعالى:" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر : 36]"..
الإعلام المضلل وتنفير الناس من المنهج الحق
بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه ، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ ، زعموا أن موسى والمؤمنين ؛ هم سببُ الأزمات ، قال الله تعالى:{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}الأعراف131
وهذا أسلوب الكافرين مع كل رسول ومع خاتمهم وآخرهم محمد – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن إسحاق : كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بها فمشى إليه رجال من قريش , وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا قالوا له: إنك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل - وهو الذي بين أظهرنا - فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شئ من قوله.
قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي : واثكل أمياه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد ! إن قومك قد قالوا لي : كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلى علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
قال ابن القيم تعليق على هذه القصة: وفيها : أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم ولا سيما تقليد من يمدح بهوى ويذم بهوى فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى.(أ.هـ)
وهذا التنفير والتشهير ما تفعله حكومات الطواغيت مع أصحاب المنهج الحق فيصفونهم بالغلو والتطرف والتنطع والتشدد وما شئت من الأوصاف الرذيلة , كما ويلصقون بهم أي عمل مشين يحدث في هذا الكون , كما حدث في غزة واتهموهم بتفجير الحفل الماجن , وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولكن بقي بأن نقول بأن هذا هو دين الله والله لا يسلم دينه لأعدائه , قال الله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]" , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبيعنبة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ).
المباريات الإعلامية بين الحق والباطل
ومن ممارسات أهل الباطل في الصد عن سبيل الله أيضًا أسلوب المباريات الإعلامية ، ومن الأمثلة عليها ما حدث بين موسى – عليه السلام – والسحرة , وكان فرعون قد واعد الناس على موعد إعلامي ومكان إعلامي ليري الناس بطلان ما عليه موسى قال الله تعالى على لسان فرعون:{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}طه59
وقبلُ قد أرسل الفرعونُ ـ لعنه الله ـ مبعوثيه إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر ، وذلك لجَمع السحرة على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم ، فجاءوا بالساحر العادي و"السَّحار" الماهر الخبير بالسحر، وكان موعدُ المبارة يومَ الزينة , وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب ، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة ، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل ، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ العرضِ والملك ، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}الشعراء، 39، 40
ولكنها سنة الله في هذا الكون يرد مكر الكافر عليه وينصر دينه ويؤيد أولياءه ولا يسلمهم لعدوهم فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ولا يتضرر منه إلا أصحابه وأربابه , قال الله تعالى:" فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العالمين (47) رب موسى وهارون (48)"(الشعراء).
إنني كلما أقرأ هذه القصة أتذكر قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتلح لها لسان حسود
ونحن في غزة لما قالت الحكومة لأنصارها أن يشهروا فينا فعلوا , فعلم بنا من لم يكن يعلم , وأخذ يبحث الناس عن دروسنا وعن منهجنا وعن مشائخنا , وبعد أن برأنا أنفسنا ونشرنا بيانات تنقي ساحتنا مما اتهمنا به حاسدونا أخذنا خير هذا الحدث وعلى من كذب علينا غرمه , فالحمد لله الذي يدبر لنصرة منهجه وعباده الصالحين ما لا يخطر على بال , قال الله تعالى:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال : 30]".
العاقبة والمصير لأصحاب لأرباب الإعلام المضلل
ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ ؛ كان العقاب من جنس العمل إعلاميًا أيضًا ، حيث أغرق اللهُ فرعونَ وأخرج بدنه من البحر ، ثم صار جسدًا محنطًا وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة , قال الله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}يونس92.
العجيب أيضًا أن تمثال فرعون موجودٌ حاليًا في أكبر ميادين مصر، وأجمل ما في الأمر أنك لو سألت طفلاً أو شيخًا يمر في الميدان: لمن هذا التمثال؟ لأجابك على التو: هذا الفرعون الملعون! , قال الله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} الزخرف: 56.
ولم يكن العقاب الإعلامي مقصورًا عليه في الدنيا فحسب ، بل فى الآخرة أيضًا , قال الله تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}هود98 , ومن عاش على شيء مات عليه , ومن مات على شيء بُعث عليه.
هذا مات يحاربُ الإسلام بالإعلام ؛ فقتله اللهُ قتلةً إعلاميةً ، وبعثه ـ يوم القيامة ـ بعثةً إعلامية.
ونبشركم يا من تستخدمون الإعلام في مواجهة دين الله الواحد العلام بالخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة , والله يعلم المفسد من المصلح ولينصرن الله من أصلح وليخذلن من أفسد , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" [الأنفال : 36].
الإعلام المضضل والحرب على الهوية الإسلامية
إن أبرز التحديات الذي يواجهها الإعلام الإسلامي الغزو الفكري بكل أشكاله والذي اتحدت غاياته وأهدافه قديماً وحديثاً وإن اختلفت مسمياته , فهو يهدف إلى طمس الهوية الإسلامية والعربية عبر ما يملكه من وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة ، ومن الأمثلة على هذا الغزو الفكري: التغريب والتنصير والاستشراق والدعوة إلى العامية بإحلال اللهجات العامية ورفض الفصحى والعولمة والصهيونية.
وأشهر ما يضلله الإعلام الصهيوني ويرافقه الغربي إدعاء أحقية اليهود في فلسطين وأن العرب والإسلام طارئين على أرضها أمام اليهودية الأصيلة!
ونقصد بهوية الإنسان أن يتميز عن غيره بفكره وثقافته وأسلوب حياته , ثم هو يثبت على ذلك رغم الضغوطات والمعوقات الخارجية , والغزو الفكري والذي يبثه الإعلام المضلل يستهدف بالدرجة هوية الإنسان المسلم وعقيدته ومبادئه وعاداته وتقاليده الإسلامية , فإياك أن تترك ما أنت عليه من الحق كما ترك الكثيرون , وخاصة بعدما جاء التحذير النبوي من ذلك , فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شداد أن الرسول قال :"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله آليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟" , وبينت نصوص الكتاب والسنة أن من ترك هويته إلى غيرها من الهويات تأثرا بلإعلام المضلل , وتشبه بالمشركين أنه منهم , فقد أخرج أبو داوود من حديث ابن عمر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :"من تشبه بقوم فهو منهم" , وعند الطبراني في الكبير قال : قال الرسول الكريم :"ليس منا من عمل بسنة غيرنا" , وعند الطبراني :"حليف القوم منهم" وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي يعلى من حديث ابن مسعود :" من كثر سواد قوم فهو منهم " , فتميز يا أخا التوحيد مظهرا ومخبرا , وليظهر عليك الإسلام في الأقوال والأفعال , حتى إذا ما رآك الناس علموا انك مسلم لله حنيفا , فالتمايز عن الكافرين سنة سيد المرسلين , أخرج مسلم في صحيحه أن اليهود قالوا عن محمد – صلى الله عليه وسلم - :"مال هذا الرجل لا يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه" , وها نحن ذا نوجه خطابا لأرباب الغزو الفكري قائلين ما قاله الرسول للمشركين في زمانه :" لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) "(يونس)
الإعلام المضلل وإسقاط الرموز
ومن ألوان الحرب الإعلامية إسقاط رموز المنهج الحق وإلصاق الإشاعات والاتهامات المغرضة بهم , فها هو فرعون ـ لعنه الله ـ يسيء إلى شخص النبي الكريم موسى ـ عليه السلام ـ ، فاستهزأ من لسان موسى ، وطريقته في الكلام ، وزعم أنه عييٌ لا يكاد يتكلم كلمةً واضحة كل ذلك من أجل إسقاطه حتى لا يثق الناس فيه قال الله تعالى على لسان فرعون:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}الزخرف52 .
وهذا ما فعله كفار قريش مع محمد – صلى الله عليه وسلم - فقد أورد البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما :أنه حين اجتمع الوليد بن المغيرة , و نفر من قريش , و قد حضر الموسم , ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد - صلى الله عليه وسلم - لوفود العرب , فقالوا
فأنت يا أبا عبد شمس ! فقل و أقم رأيا نقوم به
فقال : بل أنتم فقولوا أسمع
فقالوا : نقول كاهن
فقال : ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان , فما هو بزمزمة الكاهن , ولا سحره
فقالوا : نقول : هو مجنون
فقال : ما هو بمجنون , و لقد رأينا الجنون , وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه و لا وسوسته.
فقالوا : نقول : شاعر
قال : ما هو بشاعر , ولقد عرفنا الشعر برجزه و هزجه و قريضه
ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر
قالوا : فنقول : هو ساحر
قال : فما هو ساحر , لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.
فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟
قال : و الله إن لقوله لحلاوة , وإن أصله لمغدق , وإن فرعه لجنى , فما أنتم بقائلين من هذا شيئا , إلا عرف أنه باطل , وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء و أبيه , وبين المرء وبين أخيه , وبين المرء و بين زوجه , وبين المرء و بين عشيرته , فتفرقوا عنه بذلك , فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة: "ذرني ومن خلقت وحيدا" إلى قوله:" سأصليه سقر"
وهذا ما رأيناه من الاتهامات التي توجه لقادة المجاهدين بين الفينة والأخرى , كالقول بأنهم صنيعة أمريكا , أو اتهامهم بأنهم ينتهجون مبدأ الخوارج , أو أن علاقات بالشيعة الروافض أو أنهم شوهوا الإسلام ... إلخ , وهذه الاتهامات نفسها التي وجهت لنا بعد حادث التفجير في خانيونس من قبل أعداء هذا المنهج الذين لا يخفون على أحد , قال الله تعالى:"كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة : 118]".
الدور المنشود للإعلام المضلل
للإعلام الدور الأول في تضليل الرأي العام في قضايانا السياسية وتستخدم أنظمة الاستكبار العالمي الإعلام أداة فعالة قوية في تضليل الرأي العام وتحريفه.
والإعلام اليوم علم يدرس في الدراسات العليا ، ومهمة هذا العلم في أنظمة الاستكبار العالمي: إبطال الحقوق وإحقاق الباطل، وتقريب البعيد وإبعاد القريب، وتشويه صورة الصديق حتى نراه عدواً، وتجميل صورة العدو حتى نراه صديقاً.
فالإعلام المضلل غايته وهدفه أن يقلب الحقائق ويبديل الثوابت. وهذا شيء نلمسه في واقعنا المعاصر , فأصبح الموحد في زمننا مشركا , والمجاهد إرهابيا , وراعي الكفر والشرك وليا للأمر , والتمسك بالقرآن والسنة تشددا وأصولية , والأمر تماما كما أخبرانا الصادق المصدوق كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن الرسول قال :"إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة", وعند أبي داوود في سننه من حديث أبي مالك الأشعري أن الرسول قال :" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " , ولكم أن تنظروا إلى أهل الفساد والإفساد في العالم يخربون ويقتلون ويهلكون الحرث والنسل , ثم بعد هذا كله يظهرون أنفسهم على أنهم هم أهل الصلاح والإصلاح والتعمير , وأن الضحية التي افترسوها هي الظالمة الباغية , لا لشيء إلا لأنها حاولت الدفاع عن نفسها , قال الله تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) " (البقرة).
وعلى ذلك يمكننا القول أن الإعلام يدخل في معركتنا الحاضرة في العالم الإسلامي عنصراً أساسياً، لا غنى لنا عنه، وجزءاً أساسياً في المعركة لا ينبغي أن نغفله.
بين الإعلام المضلل والناس
ولست أدري إن كان رجال الإعلام المضلل الذين يبثون هذا الكلام يُقدّرون أن الجمهور الذي يتلقىّ هذا الإعلام فيه من هو عاقل ولا يمكن خداعه ولا الضحك عليه؟
إن من أكبر أخطاء الإعلاميين احتقار عقول الناس بهذا الحد ، واعتقادهم بأن الناس يصدّقون بكل ما يصلهم من الإعلام.
إن الجمهور يفهم ويدرك ، وليس كما يعتقد رجال الإعلام موضعاً للاستهلاك الإعلامي فقط.
قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات : 6]", وقال أيضا:" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور : 12]" , وعن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان , فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد ... القلوب أوعية فخيرها أوعاها , احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق ... يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ومع ذلك فترى كثيرا من الناس قد سلم عقله وفكره للإعلام المضلل ولا يسمح لفكره أن يفكر فيما يسمع حتى , قال الله تعالى عن فرعون:"فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف : 54]