أبو يونس العباسي
07-23-2009, 02:55 PM
الظلم كما يصوره القرآن وسنة حبيب الرحمن
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا.
سبب المقال
لعل هذا المقال يأتي لينفس على الإنسان ما يشعر به من ظلم ممن هم حوله من الآدميين , هذا المقال يبشر المظلومين وينذر الظالمين ويروح عمن يبحثون عن العدل والأنصاف فلا يجدونه إلا عند الله - جل وعلا – وعند قليل من عباده الصالحين , اللهم فرج عنا ما نحن فيه وأنجز لنا نصرك الذي وعدتنا , إنك لا تخلف الميعاد.
الفلاح والظلم ضدان لا يلتقيان
ولكن دعونا قبل تبيين معنى هذا العنوان أن نعرف ما هو المقصود بالفلاح؟ , والفلاح هو:أن يحصل الإنسان على ما يريده في الدنيا ولآخرة , وأن ينجو مما يخاف في الدنيا والآخرة , والفلاح بهذا المعنى لا يحصل عليه ظالم ظلم نفسه بتعديه لحدود الله أو ظلم غيره بتعديه على حقوق الناس , قال الله تعالى:"إنه لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) " (الأنعام), وهذه الآية تمثل سنة من سنن الله في الكون فالظالم مهما علا شأنه فهو إلى هلاك ودمار وخسران وتبار , لأن الأمر وبكل بساطة وكما ذكر القرآن:الظالم لا يفلح , وهذه السنة لا تتقيد بوقت ولا تحدد بزمان.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال:" إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِحَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُقَالَ ثُمَّ قَرَأَ{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }"
من قدم الدنيا على الآخرة فهو ظالم
إن الله تبارك وتعالى إنما خلق الدنيا وما فيها أصالة ليستخدمها الإنسان في الوصول إلى جنته ودار كرامته , ولكن الكثير من البشر جعلوا الدنيا غاية والحصول على ما فيها من لذات وشهوات هدفا ومقصدًا , أولئك القوم من قال الله فيهم:"أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)"(البقرة) , وإنك إذا ذهبت تبحث عن أسباب غواية كثير من البشر مع توفر الهداية وسبلها , وجدت السبب الأبرز هو: حب الدنيا والبخل بها عن الله والوصول إلى رضاه , وإلا فإن هرقل ما منعه من الدخول في الإسلام إلا حب الملك والمنصب , وسادة قريش ما منعهم من الالتزام بدين محمد سوى الكبر وحب التعالى على الناس ولذلك طلبوا من النبي أن يطرد ضعفاء المسلمين من مجلسه ليجلسوا هم فنزل قول الله تعالى:" وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)"(ألأنعام) , وإلا فإن جل الكفار يعلمون أن الأنبياء جاؤوا بالحق من عند الله – جل وعلا – قال الله تعالى:"قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)"(الأنعام) , ولذلك استحق من قدم العاجلة على الآجلة أن يكون ظالما , قال الله تعالى:"فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)" (هود).
وطواغيت العرب ما صدهم عن الهدى وما دفعهم للدخول في طاعة أمريكا ومن والاها ومن تواليه إلا لأنهم اتبعوا ما أترفوا فيه ... اتبعوا الدنيا وملذاتها ... وقدموا الخوف عليها على دينهم وما عند الله , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)"(المائدة)
من جحد بآيات الله فهو ظالم
والجحود هو إنكار الحق بعد معرفته , فإن المسلم الأولى به أن يكون بحاثا عن الحق فإذا ما وجده وجب عليه أن يلزمه ولا يتزحزح عنه , وهذا ما لا نراه على مستوى الحكام والوزراء والجنود والحركات وأتباعها , يظهر لهم جميعا الحق أوضح من الشمس في رابعة النهار ثم هم ينكرونه ويجحدونه , وهذا ما يحدث مع فتح وأتباعها , ظهر لهم وبكل وضوح خيانة قيادة هذه الحركة وموالاتها لليهود ومع ذلك ترى لهذه الحركة أتباع ليسوا بالأقلة وما تبرأ منها إلا عددا هو أقل من القليل , وهذا هو حال المدافعين عن الطاغوت من مشائخ الإرجاء , وهذا هو حال المدافعين عن الحكومة في غزة والتي لم يقتصر جرمها على ترك تحكيم الشريعة بل وحكمت القانون الوضعي اللعين وهي تساهم الآن في نشره بين المسلمين عبر كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية وجامعة الأمة المختصة في تدريس القانون والعلوم الشرطية , وأما الدليل على أن من جحد آيات الله فهو ظالم قوله تعالى:" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَوَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)"(العنكبوت).
الإعراض عن نصوص الوحي ظلم
كم هي المرات التي انتقدنا فيه الحكومات لأنها تحكم بغير ما أنزل الله بالنص من قرآن أو سنة ومع ذلك لا نرى إلا الإعراض ؟!!!
كم هي المرات التي انتقدنا فيها الحكومات التي توالي أعداء الله من يهود ونصارى وروافض بالنص من قرآن وسنة ومع ذلك لا نرى إلا الإعراض؟!!!
كم هي المرات التي انتقدنا فيها الوحدة على غير أساس الدين بنص من قرآن أو سنة ومع ذلك لا نرى إلا الإعراض؟!!!!
كم هي المرات التي انتقدنا فيها الحكومات التي تسمح للناس بمزاولة المنكرات في المجتمع بالنص ومع ذلك لا نلقى إلا الإعراض؟!!!
إعراض من جل الناس تقول لهم قال الله قال رسوله فيعرضون ,ألا فاعلموا أن كل من سمع توجيهات الله في القرآن والسنة فلم يغير ساكنا فقد أعرض والمعرض عن نصوص الوحييين ظالم , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)"(السجدة).
من تعدى حدود الله فهو ظالم
إن حدود الله هي أوامره ونواهيه فمن لم يأتمر بأمر الله فقد تعدى حدوده ومن لم ينته عن نهيه فقد تعدى حدوده , أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - :" إن الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها و حرم أشياء فلا تنتهكوها و ترك أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها", والمتعدي لحدود الله ظالم , قال الله تعالى:" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَاوَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)"(البقرة)
من حكم القانون الوضعي فهو ظالم
والإنسان الذي يترك تحكيم الشرع وهو قائم بيننا ويأوي إلى القوانين الوضعية فهو ظالم بل هو أحق الناس بهذا الوصف لأنه تعدى حدود الله في جميع المجالات الحياتية سياسة أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها من المجالات , وظلم محكم القانون ذلكم الظلم المخرج من الملة كائنا من كان فاعله , قال الله تعالى:" وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)"(المائدة) , بل إن تحكيم القانون الوضعي هو أظلم ظلم , لأنه شرك بالله في حاكميته والله يقول:"وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)"(الكهف) , بل إن أظهر صفات الكفار أنهم ظلمة , قال الله تعالى:" وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)"(البقرة) ,
كما وإن الذي يتكلم في دين الله برأيه بغير حجة ولا برهان ويخالف نصوص السنة والقرآن هو ظالم , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)"(هود)
موالاة الكافرين ظلم
وكل من والى الكافرين فأحبهم أو بش في وجوههم أو ناصرهم أو توحد معهم فهو ظالم , ولو كان هؤلاء الكافرون أقرب الناس إليه , فمن والى اليهود أو النصارى أو الروافض أو بني جلدته من العلمانيين فيما يسمى بالوحدة الوطنية فهو ظالم , قال الله تعالى:"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)"(التوبة).
من منع الناس عن المساجد فهو ظالم
المساجد في الأرض هي بيوت الله ولا يجوز أن تكون وقفا لجهة أو حركة أو جماعة ما ... فهي لكل من أراد أن يعبد الله , ولا يجوز لأحد أن يمنع مسلما عن هذه المساجد , ولكننا نرى حكومات الطاغوت عربيا كان أو أعجميا تمنع المساجد من المسلمين ويلاحق من يلتزم بالصلوات كلها في المسجد , بل إنهم قصروا وظيفة المسجد على الصلاة وفقط , وحتى الخطبة فالخطيب لا يستطيع أن يقول إلا ما يمليه عليه الطاغوت .
إن ظاهرة السيطرة على المساجد ظاهرة واضحة في مجتمعاتنا الإسلامية , فحتى تعمل درسا تحتاج إلى إذن وحتى تعمل دورة تحتاج إلى إذن وإذا أردت أن تعمل حلقة لتعليم القرآن وتحفيظه تحتاج إلى إذن , وإذا استأذنتهم لا يأذنون .
أليس هذه كله من منع المساجد أن يذكر فيها اسم الله؟!!! , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)"(البقرة) , ويدخل في المنع أيضا هدم هذه المساجد وإتلافها ... ورأينا في غزة كيف اعتدى العلمانيون الفتحيون على مسجد الهداية وغيرها .. ورأينا كيف اعتدى اليهود في حرب غزة1430هـ على المساجد فحطموها وفعلوا بها الأفاعيل , فأين أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – يثأرون لهذه المساجد ويعيدون لها هيبتها وقداستها , قال الله تعالى:"الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)"(الحج).
من أعان الظالم كان شريكا له في الظلم
إن من القواعد التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة أن الراضي عن الشيء كفاعله , قال الله تعالى:"وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)"(النساء) , فكيف بمن شارك الظالم في ظلمه وكان أداة له في تنفيذ ما يريد ؟ قال الله تعالى:"إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)"(القصص) , قيا أعوان الظلمة من فقهاء ووزراء وجنود تبرؤوا من الظلمة وفارقوهم , ولا يكونن أحدكم جنديا في حكومة كافرة لا تحكم بغير ما أنزل الله ,أخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –" يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقه وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن ادرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابيا ولا عريفا ولا شرطيا" , بل إن السلامة تتحقق بالابتعاد عن الظلمة وعدم الاقتراب منهم إلا لنهيهم عن ظلمهم وإلا كنا مثلهم , قال الله تعالى:" وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)"(هود) , والركون كما يقول المفسرون:هو الميل القليل , فكيف بالميل الكبير للظلمة؟!!! سلم يا رب سلم.
ويوم القيامة يتبرأ قادة الظلمة من أتباعهم ويتخلون عنهم في أحلك الظروف , عندها لا ينفع الندم لمن ندم ولا الحسرة لمن تحسر , قال الله تعالى:"وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)"(سبأ)
وقال أيضا:" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)"(الفراقان)
أخرج الطبراني في المعجم الكبير قال عبد الله :"لا يكون أحدكم إمعة قالوا : وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : يقول : إنما أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطن أحدكم نفسه على أن كفر الناس أن لا يكفر"
كاتم الحق ظالم
كم هي الحقوق التي تنتهك بسبب سكوت الناس عن قول كلمة الحق؟!!
لما سكت العلماء عن قول كلمة الحق في وجه الطواغيت تعدى الطواغيت حدودهم وأكلوا حقوق الرعية وظلموهم وضربوا جلودهم.
لما سكت العلماء عن المنكرات التي يفعلها الناس ظنها الناس أمورا يجوز لهم فعلها ويحل لهم اقترافها , كيف لا ... والسكوت في معرض البيان بيان , والبيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.
ولما سكت الناس على كفر الحكام استأسدوا عليهم وملكوا رقابهم لعدوهم وسلبوا ممتلكاتهم وباعوا مقدساتهم وانتهكوا أعراضهم وساموهم سوء العذاب , وحق في الناس قول الشاعر:ومن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام , كما ولا يخفي على كل فطين أن الساكت عن الحق شيطان أخرس , لذلك كله كان السكوت عن قول الحق من أظلم الظلم , قال الله تعالى:" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)"(البقرة).
استخدام النعم فيى معصية المنعم ظلم
لقد أنعم الله تبارك وتعالى على الإنسان نعما لا تعد ولا تحصى , نعم من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله , قال الله تعالى :"وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)"(لقمان) , وكان الواجب على الإنسان أن يشكر هذه النعم بقلبه بأن يستشعر فضل ومنة وعظمة المنعم , ويشكرها بلسانه بدوام الحمد والذكر , ويشرها بجوارحه وأركانه بالمداومة على الأعمال الصالحة , ولكن الإنسان في جل أحواله استخدم نعم الله في مبارزته بالمعصية.
فانظروا إلى الإنسان كيف يستخدم نعمة الملك عندما يحكم الناس بقوانين الوسواس الخناس ؟!!.
وكيف يستخدم نعمة الصحة والعافية في خدمة الطواغيت والدفاع عن مشروعهم الخبيث؟!!! .
وكيف يستخدم نعمة المال في الصد عن سبييل الله ومبارزته بالمعصية؟!!! , نعم:إن من الظلم أن تستخدم النعم في معصية المنعم , قال الله تعالى:" آَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)"(إبراهيم) , وقال الله تعالى على لسان موسى – عليه السلام - :"قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)"(القصص).
الظلم يحرم أصحابه من الطيبات وأرزاق رب البريات
قال الله تعالى:" فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)"(النساء)
الظلم يحرم أصحابه الهداية ويلبسهم بالضلالة والغواية
قال الله تعالى:"وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)"(البقرة)
وقال أيضا:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)"(إبراهيم)
الظلم سبب للهلاك
قال الله تعالى:" قلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)"(الأنعام)
وقال أيضا:"وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)"(القصص)
وقال أيضا:"وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)"(النمل)
وقال أيضا:" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) "(الشعراء)
الظلم ظلمات يوم القيامة
أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"
دعاء المظلوم لا يرد
أخرج الطبراني من حديث خزيمة بن ثابت أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"
أيها المظلوم:لن يضيع حقك
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" , وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول قال:"مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ."
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
وبكى علي بن الفضل يوما فقيل له ما يبكيك؟ , قال:أبكي على من ظلمني إذا وقف غدا بين يدي الله ولم تكن له حجة.
الظلم يجلب لعنة وغضبا وعذابا من الله رب العالمين
قال الله تعالى:"أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)"(هود)
وقال أيضا:" وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)"(آل عمران)
وقال أيضا:"وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)"(الشورى)
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو يونس العباسي
1 شعبان 1430هـ
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا.
سبب المقال
لعل هذا المقال يأتي لينفس على الإنسان ما يشعر به من ظلم ممن هم حوله من الآدميين , هذا المقال يبشر المظلومين وينذر الظالمين ويروح عمن يبحثون عن العدل والأنصاف فلا يجدونه إلا عند الله - جل وعلا – وعند قليل من عباده الصالحين , اللهم فرج عنا ما نحن فيه وأنجز لنا نصرك الذي وعدتنا , إنك لا تخلف الميعاد.
الفلاح والظلم ضدان لا يلتقيان
ولكن دعونا قبل تبيين معنى هذا العنوان أن نعرف ما هو المقصود بالفلاح؟ , والفلاح هو:أن يحصل الإنسان على ما يريده في الدنيا ولآخرة , وأن ينجو مما يخاف في الدنيا والآخرة , والفلاح بهذا المعنى لا يحصل عليه ظالم ظلم نفسه بتعديه لحدود الله أو ظلم غيره بتعديه على حقوق الناس , قال الله تعالى:"إنه لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) " (الأنعام), وهذه الآية تمثل سنة من سنن الله في الكون فالظالم مهما علا شأنه فهو إلى هلاك ودمار وخسران وتبار , لأن الأمر وبكل بساطة وكما ذكر القرآن:الظالم لا يفلح , وهذه السنة لا تتقيد بوقت ولا تحدد بزمان.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال:" إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِحَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُقَالَ ثُمَّ قَرَأَ{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }"
من قدم الدنيا على الآخرة فهو ظالم
إن الله تبارك وتعالى إنما خلق الدنيا وما فيها أصالة ليستخدمها الإنسان في الوصول إلى جنته ودار كرامته , ولكن الكثير من البشر جعلوا الدنيا غاية والحصول على ما فيها من لذات وشهوات هدفا ومقصدًا , أولئك القوم من قال الله فيهم:"أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)"(البقرة) , وإنك إذا ذهبت تبحث عن أسباب غواية كثير من البشر مع توفر الهداية وسبلها , وجدت السبب الأبرز هو: حب الدنيا والبخل بها عن الله والوصول إلى رضاه , وإلا فإن هرقل ما منعه من الدخول في الإسلام إلا حب الملك والمنصب , وسادة قريش ما منعهم من الالتزام بدين محمد سوى الكبر وحب التعالى على الناس ولذلك طلبوا من النبي أن يطرد ضعفاء المسلمين من مجلسه ليجلسوا هم فنزل قول الله تعالى:" وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)"(ألأنعام) , وإلا فإن جل الكفار يعلمون أن الأنبياء جاؤوا بالحق من عند الله – جل وعلا – قال الله تعالى:"قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)"(الأنعام) , ولذلك استحق من قدم العاجلة على الآجلة أن يكون ظالما , قال الله تعالى:"فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)" (هود).
وطواغيت العرب ما صدهم عن الهدى وما دفعهم للدخول في طاعة أمريكا ومن والاها ومن تواليه إلا لأنهم اتبعوا ما أترفوا فيه ... اتبعوا الدنيا وملذاتها ... وقدموا الخوف عليها على دينهم وما عند الله , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)"(المائدة)
من جحد بآيات الله فهو ظالم
والجحود هو إنكار الحق بعد معرفته , فإن المسلم الأولى به أن يكون بحاثا عن الحق فإذا ما وجده وجب عليه أن يلزمه ولا يتزحزح عنه , وهذا ما لا نراه على مستوى الحكام والوزراء والجنود والحركات وأتباعها , يظهر لهم جميعا الحق أوضح من الشمس في رابعة النهار ثم هم ينكرونه ويجحدونه , وهذا ما يحدث مع فتح وأتباعها , ظهر لهم وبكل وضوح خيانة قيادة هذه الحركة وموالاتها لليهود ومع ذلك ترى لهذه الحركة أتباع ليسوا بالأقلة وما تبرأ منها إلا عددا هو أقل من القليل , وهذا هو حال المدافعين عن الطاغوت من مشائخ الإرجاء , وهذا هو حال المدافعين عن الحكومة في غزة والتي لم يقتصر جرمها على ترك تحكيم الشريعة بل وحكمت القانون الوضعي اللعين وهي تساهم الآن في نشره بين المسلمين عبر كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية وجامعة الأمة المختصة في تدريس القانون والعلوم الشرطية , وأما الدليل على أن من جحد آيات الله فهو ظالم قوله تعالى:" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَوَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)"(العنكبوت).
الإعراض عن نصوص الوحي ظلم
كم هي المرات التي انتقدنا فيه الحكومات لأنها تحكم بغير ما أنزل الله بالنص من قرآن أو سنة ومع ذلك لا نرى إلا الإعراض ؟!!!
كم هي المرات التي انتقدنا فيها الحكومات التي توالي أعداء الله من يهود ونصارى وروافض بالنص من قرآن وسنة ومع ذلك لا نرى إلا الإعراض؟!!!
كم هي المرات التي انتقدنا فيها الوحدة على غير أساس الدين بنص من قرآن أو سنة ومع ذلك لا نرى إلا الإعراض؟!!!!
كم هي المرات التي انتقدنا فيها الحكومات التي تسمح للناس بمزاولة المنكرات في المجتمع بالنص ومع ذلك لا نلقى إلا الإعراض؟!!!
إعراض من جل الناس تقول لهم قال الله قال رسوله فيعرضون ,ألا فاعلموا أن كل من سمع توجيهات الله في القرآن والسنة فلم يغير ساكنا فقد أعرض والمعرض عن نصوص الوحييين ظالم , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)"(السجدة).
من تعدى حدود الله فهو ظالم
إن حدود الله هي أوامره ونواهيه فمن لم يأتمر بأمر الله فقد تعدى حدوده ومن لم ينته عن نهيه فقد تعدى حدوده , أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - :" إن الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها و حرم أشياء فلا تنتهكوها و ترك أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها", والمتعدي لحدود الله ظالم , قال الله تعالى:" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَاوَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)"(البقرة)
من حكم القانون الوضعي فهو ظالم
والإنسان الذي يترك تحكيم الشرع وهو قائم بيننا ويأوي إلى القوانين الوضعية فهو ظالم بل هو أحق الناس بهذا الوصف لأنه تعدى حدود الله في جميع المجالات الحياتية سياسة أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها من المجالات , وظلم محكم القانون ذلكم الظلم المخرج من الملة كائنا من كان فاعله , قال الله تعالى:" وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)"(المائدة) , بل إن تحكيم القانون الوضعي هو أظلم ظلم , لأنه شرك بالله في حاكميته والله يقول:"وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)"(الكهف) , بل إن أظهر صفات الكفار أنهم ظلمة , قال الله تعالى:" وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)"(البقرة) ,
كما وإن الذي يتكلم في دين الله برأيه بغير حجة ولا برهان ويخالف نصوص السنة والقرآن هو ظالم , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)"(هود)
موالاة الكافرين ظلم
وكل من والى الكافرين فأحبهم أو بش في وجوههم أو ناصرهم أو توحد معهم فهو ظالم , ولو كان هؤلاء الكافرون أقرب الناس إليه , فمن والى اليهود أو النصارى أو الروافض أو بني جلدته من العلمانيين فيما يسمى بالوحدة الوطنية فهو ظالم , قال الله تعالى:"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)"(التوبة).
من منع الناس عن المساجد فهو ظالم
المساجد في الأرض هي بيوت الله ولا يجوز أن تكون وقفا لجهة أو حركة أو جماعة ما ... فهي لكل من أراد أن يعبد الله , ولا يجوز لأحد أن يمنع مسلما عن هذه المساجد , ولكننا نرى حكومات الطاغوت عربيا كان أو أعجميا تمنع المساجد من المسلمين ويلاحق من يلتزم بالصلوات كلها في المسجد , بل إنهم قصروا وظيفة المسجد على الصلاة وفقط , وحتى الخطبة فالخطيب لا يستطيع أن يقول إلا ما يمليه عليه الطاغوت .
إن ظاهرة السيطرة على المساجد ظاهرة واضحة في مجتمعاتنا الإسلامية , فحتى تعمل درسا تحتاج إلى إذن وحتى تعمل دورة تحتاج إلى إذن وإذا أردت أن تعمل حلقة لتعليم القرآن وتحفيظه تحتاج إلى إذن , وإذا استأذنتهم لا يأذنون .
أليس هذه كله من منع المساجد أن يذكر فيها اسم الله؟!!! , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)"(البقرة) , ويدخل في المنع أيضا هدم هذه المساجد وإتلافها ... ورأينا في غزة كيف اعتدى العلمانيون الفتحيون على مسجد الهداية وغيرها .. ورأينا كيف اعتدى اليهود في حرب غزة1430هـ على المساجد فحطموها وفعلوا بها الأفاعيل , فأين أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – يثأرون لهذه المساجد ويعيدون لها هيبتها وقداستها , قال الله تعالى:"الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)"(الحج).
من أعان الظالم كان شريكا له في الظلم
إن من القواعد التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة أن الراضي عن الشيء كفاعله , قال الله تعالى:"وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)"(النساء) , فكيف بمن شارك الظالم في ظلمه وكان أداة له في تنفيذ ما يريد ؟ قال الله تعالى:"إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)"(القصص) , قيا أعوان الظلمة من فقهاء ووزراء وجنود تبرؤوا من الظلمة وفارقوهم , ولا يكونن أحدكم جنديا في حكومة كافرة لا تحكم بغير ما أنزل الله ,أخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –" يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقه وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن ادرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابيا ولا عريفا ولا شرطيا" , بل إن السلامة تتحقق بالابتعاد عن الظلمة وعدم الاقتراب منهم إلا لنهيهم عن ظلمهم وإلا كنا مثلهم , قال الله تعالى:" وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)"(هود) , والركون كما يقول المفسرون:هو الميل القليل , فكيف بالميل الكبير للظلمة؟!!! سلم يا رب سلم.
ويوم القيامة يتبرأ قادة الظلمة من أتباعهم ويتخلون عنهم في أحلك الظروف , عندها لا ينفع الندم لمن ندم ولا الحسرة لمن تحسر , قال الله تعالى:"وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)"(سبأ)
وقال أيضا:" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)"(الفراقان)
أخرج الطبراني في المعجم الكبير قال عبد الله :"لا يكون أحدكم إمعة قالوا : وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : يقول : إنما أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطن أحدكم نفسه على أن كفر الناس أن لا يكفر"
كاتم الحق ظالم
كم هي الحقوق التي تنتهك بسبب سكوت الناس عن قول كلمة الحق؟!!
لما سكت العلماء عن قول كلمة الحق في وجه الطواغيت تعدى الطواغيت حدودهم وأكلوا حقوق الرعية وظلموهم وضربوا جلودهم.
لما سكت العلماء عن المنكرات التي يفعلها الناس ظنها الناس أمورا يجوز لهم فعلها ويحل لهم اقترافها , كيف لا ... والسكوت في معرض البيان بيان , والبيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.
ولما سكت الناس على كفر الحكام استأسدوا عليهم وملكوا رقابهم لعدوهم وسلبوا ممتلكاتهم وباعوا مقدساتهم وانتهكوا أعراضهم وساموهم سوء العذاب , وحق في الناس قول الشاعر:ومن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام , كما ولا يخفي على كل فطين أن الساكت عن الحق شيطان أخرس , لذلك كله كان السكوت عن قول الحق من أظلم الظلم , قال الله تعالى:" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)"(البقرة).
استخدام النعم فيى معصية المنعم ظلم
لقد أنعم الله تبارك وتعالى على الإنسان نعما لا تعد ولا تحصى , نعم من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله , قال الله تعالى :"وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)"(لقمان) , وكان الواجب على الإنسان أن يشكر هذه النعم بقلبه بأن يستشعر فضل ومنة وعظمة المنعم , ويشكرها بلسانه بدوام الحمد والذكر , ويشرها بجوارحه وأركانه بالمداومة على الأعمال الصالحة , ولكن الإنسان في جل أحواله استخدم نعم الله في مبارزته بالمعصية.
فانظروا إلى الإنسان كيف يستخدم نعمة الملك عندما يحكم الناس بقوانين الوسواس الخناس ؟!!.
وكيف يستخدم نعمة الصحة والعافية في خدمة الطواغيت والدفاع عن مشروعهم الخبيث؟!!! .
وكيف يستخدم نعمة المال في الصد عن سبييل الله ومبارزته بالمعصية؟!!! , نعم:إن من الظلم أن تستخدم النعم في معصية المنعم , قال الله تعالى:" آَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)"(إبراهيم) , وقال الله تعالى على لسان موسى – عليه السلام - :"قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)"(القصص).
الظلم يحرم أصحابه من الطيبات وأرزاق رب البريات
قال الله تعالى:" فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)"(النساء)
الظلم يحرم أصحابه الهداية ويلبسهم بالضلالة والغواية
قال الله تعالى:"وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)"(البقرة)
وقال أيضا:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)"(إبراهيم)
الظلم سبب للهلاك
قال الله تعالى:" قلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)"(الأنعام)
وقال أيضا:"وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)"(القصص)
وقال أيضا:"وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)"(النمل)
وقال أيضا:" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) "(الشعراء)
الظلم ظلمات يوم القيامة
أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"
دعاء المظلوم لا يرد
أخرج الطبراني من حديث خزيمة بن ثابت أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"
أيها المظلوم:لن يضيع حقك
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" , وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول قال:"مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ."
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
وبكى علي بن الفضل يوما فقيل له ما يبكيك؟ , قال:أبكي على من ظلمني إذا وقف غدا بين يدي الله ولم تكن له حجة.
الظلم يجلب لعنة وغضبا وعذابا من الله رب العالمين
قال الله تعالى:"أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)"(هود)
وقال أيضا:" وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)"(آل عمران)
وقال أيضا:"وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)"(الشورى)
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو يونس العباسي
1 شعبان 1430هـ