أبو يونس العباسي
07-07-2009, 12:42 PM
لا طاعة إلا لمن يحكم بما أنزل الله
الدخول في الطاعة أم العداوة والبغضاء والبراءة
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
سبب المقال
جاءني رجل وسألني من هو ولي أمرك والحكومة التي يجب عليك أن تطيعها , أهي حكومة الضفة أم غزة؟ فقلت له:كلتيهما والمسؤولون عنهما ليسوا أولياء أمور لي , كيف وقد بدلوا شريعة الرحمن بشريعة الشيطان , ثم قرأت فتوى تدعوا أهل غزة إلى الدخول في طاعة حكومة غزة كسلطة حاكمة , فكان هذا دافعا أن أجمع هذا المقال , والذي عنونته ب" الدخول في الطاعة أم العداوة والبغضاء والبراءة"
من هو ولي أمر المسلمين الذي تجب طاعته ؟من هو ولي الأمر الذي يجب على المسلمين التزام طاعته ، وما الجواب على من يستدل بحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم -:"اسمع وأطع وإن أخذ مالك وجلد ظهرك"الجواب:
ولي أمـــــر المسلمين الذي تجب طاعته هو الذي يتولى أمر دين المسلمين , لأن هذا هو أمر المسلمين ، فليس لهم أمر غير دينهم ، فبه صاروا أمة ، وبه تحققت شخصية أمتهم الحضارية ، وبه وُجــد كيانهم السياسي ، أما من يتولى أمرا آخر ، كالذي يحكم بالنظام الدستوري العلماني أيا كان ، أو بالنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي ، أو الفكر القومي الاشتراكي ، أو غير ذلك مما هو سوى النظام الإسلامي المحتكم إلى شريعة الله تعالى ، فهو ولي أمــر ما تولاه ، ليس هو ولي أمر للمسلمين ، وهو يدخل في قوله تعالى " ومن يشاققالرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولىونصله جهنم وساءت مصيرا "
فكيف يُولى أمر أمة الإسلام ، وقد تولى أمر غيرها ؟!!
صفة الحكومة الواجب طاعتها
وقدأجمع المسلمون على أنه يشترط في الإمام الذي يجب له السمع والطاعة :الإسلاموالعدالة، كما أجمعوا على وجوب طاعة الإمام العدل ـ وهو من تولى الأمر بالرضىوالشورى ـ فيما كان من طاعة الله ورسوله كما إذا أمر بالجهاد، وإقامة الحدود،والفصل بين الناس ....الخ.
والمقصود أن السمعوالطاعة ـ المجمع عليها بين الأئمة وسلف الأمة ـ إنما تكون للإمام المسلم العدل
كما أنه مجمع على أنه لا سمع ولا طاعة للكافر، أو لمن طرأ عليه الكفر، ولا خلاف بينالأمة في ذلك
وأما الإمام الجائر أو الفاسق فقد اختلف الأئمة، وسلف الأمة في السمعوالطاعة له اختلافا كبيرا
وهذا كله في الإمام الذي يصدق عليه أنه ولي أمر ليس فوقهمن هو أعلى منه سلطة وسيادة، وهو من يطلق عليه في الفقه الإمام العام أو الإمامالأعظم وهو الخليفة
أما من يأتي به العدو الكافر الغازي وينصبه على المسلمين أو من يسير على قوانين الكافرين في إدارة شؤون المسلمين فإنهخارج عن محل الخلاف بلا خلاف
إذ الحاكم في واقع الأمر هو العدو الكافر الذي نصبهإماما، وهو ولي أمره
فمن أوجب له السمع والطاعة فإنما يوجبها للعدو الغازي، ويرىأنه يدخل في عموم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
ومن يرىمثل الرأي الباطل، إنما يرد على الله ورسوله حكمهما، وينقض إجماع الأمة على أنالسمع والطاعة لا تكون إلا للإمام المسلم وليس لكل إمام
إذ الكافر أو المنافق الذييحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا واجب على الأمة جهاده، لا طاعته أو السمعله، وقد قال الله{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}
وإذا كان الله سبحانهلم يجعل للكافر على ابنته إذا أسلمت ولاية ولا سبيلا، فلا يعقد نكاحها، ولا يحل لهميراثها، ولا يتصرف في مالها
فكيف يكون له ذلك على الأمة كلها يتصرف في دمائهاوأرضها وشئونها؟!!
توجيه النصوص الشرعية الآمرة بطاعة ولاة الأمر
ولهذا وردت النصوص الآمرة بطاعة ولاة الأمر بقيد إقامة الدين كما في حديث " إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم ،والحديث الثاني " إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبهالله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين) " رواه البخاري ، فذكر أن الحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين كذلك ، شرط في صحة ولايتهم التي توجب طاعتهم
وقد وردت أحاديث تبين أنه إن وقع من ولي الأمر الشرعي ظلم في الرعيةلا يبلغ الكفر البواح , أي لم يبلغ مبلغ التنكر للشريعة ، ولا نبذ التحاكمإليها ، ولاترك إقامة الدين ، وإنما هو ظلم في دنياهم ، أو كما ورد في بعضالأحاديث " أثرة " ، أنه لا يجوز منازعتــه الأمر ، لئلا يؤدي ذلك إلى ضرب وحدة الأمة ، فالحفاظ على وحدتها أولى من إزالة ظلم السلطة ، كما في صحيح مسلم من حديث جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض ، فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان مماأخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة ، وفي منشطنا ومكرهنا وعسرناويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، قال : إلا أن تروا كفرابواحا عندكم من الله فيه برهان "
معنى حديث حذيفة:تسمع وتطيع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك
وأما حديث حذيفة ، فإذا جمعت الروايات تبين معناه ، وأن معناه إنه سيكون في زمن فرقة ، ظهور من وصفهم بالأوصاف المذكورة بين المسلمين ، فسأله حذيفة فإن كان زمن الفرقة هذا ، فما أصنع ، فقال تمسك بإمام المسلمين ، كما قال في رواية أخرى "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " وإمام المسلمين لا يجوز أن يكون محكما للقوانين أو مرتكبا لناقض من نواقض الدين حتى يُستدل بحديث حذيفة لصالح حكامنا المرتدين في هذا الزمان , والمقصود بالجماعة , ما فسرها به رسول الله :ما أنا عليه اليوم وأصحابي , وليس المقصود جماعة الحاكم الذي تلبس بالكفر , وهذه الجماعة قد تكون واحدا , كما قال ابن مسعود:الجماعة هي الحق ولو كنت وحدك , والسمع والطاعة واجب في المعروف ما لم يحصل كفر , وإن جلد الظهر وأخذ المال وظلم , ولكنه إذا كفر فلا نصبر عليه ففرق بين ما هو معصية وما هو كفر , والأحاديث دلت على الصبر على الإمام العاصي لا الكافر , وأما الكافر فدلت الأحاديث على وجوب الخروج عليه عند القدرة وتوفر المصلحة ، فهذا يفسر ذالك ويوضح معناه .
الرد على تنابلة السلطان وأحباره
أما الذين يقولون على المسلمين أن يكونوا خاضعين مطيعين لكل من تغلب عليهم ، حتى لو كانوا شياطين في جثامين إنس ، فإنما يريدون هدم الإسلام بالكلية ، وقد غلطوا في فهم حديث واحد ، وتركوا قطعيات الدين المدلول عليها بنصوص كثيرة لا تحصى ، من أن الله تعالى أوجب على هذه الأمة أن تنصب الإمامة لتحكم بالشريعة , وتجاهد لإعلاء كلمة الله تعالى ، فكيف تؤمر بطاعة الشياطين !! وهي إنما صارت خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتجاهد في الله حق جهاده ، وإنما يقام هذا كله في إمامة شرعية ، تحقق بها الأمة شخصيتها الحضارية ، وتقود الأمم إلى سعادة البشرية , نقول هذا إن أحسنا الظن بهؤلاء الذين يدندنون هذه الأيام ، حول الرضا بسلطان الطاغوت ، ويفتون الناس بأن الرضا بذلك هو دين الإسلام ، حتى نادوا بالخضوع لسلطان بريمر الصليبي في العراق قاتلهم الله ، بل بمشروع أمريكا الصليبي على أمتنا أخزاهم الله ، أقول هذا إذا أحسنا الظن بهم ، وإلا فلا أخالهم إلا قد خرجوا من عباءة الاستخبارات الأمريكية نفسها ، لأنهم يؤدون نفس دور القاديانية أيام الاحتلال البريطاني !! ومن أوضح الأحاديث التي تدل على أن سلطة الحاكم في الإسلام مقيدة حديث : الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك، ما إن استرحموا رحموا،وإن استحكموا عدلوا، وإن عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنةالله، والملائكة، والناس، أجمعين، لا يقبل منه صرف، ولا عدل"رواه أحمد والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه , والله أعلم .
بين الطاعة المطلقة والطاعة المقيدة
الواقع الآن ينطق بما لا يحتمل الشك فيه , أنه لا يوجد على وجه الكرة الأرضية دولة إسلامية تطبق الإسلام ، ولا يوجد حاكم يطبق الإسلام , ويجعل السيادة والسلطان للشرع ، فالله سبحانه وتعالى لم يفرد طاعة لأولي الأمر مستقلة عن طاعة الله ورسوله ، انظر وتفكر وتدبر ماذا قال الله سبحانه وتعالى {يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}إذن فهذه الطاعة ليست مطلقة كطاعة الله فإن الأية الكريمة الآنفة الذكر وهي قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} جاءت بأسلوب بديع معجز ، وضع هذه الطاعة في مكانها اللائق بها ، كما قاله الألوسي في روح المعاني: (وأعاد الفعل وإن كانت طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله اعتناء بشأنه عليه الصلاة والسلام، وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن الكريم وإيذاناً بأنه له ــ صلى الله عليه وسلم ــ استقلالا بالطاعة لم يثبت لغيره، ومن ثم لم يعد في قوله سبحانه : {وأولي الأمر منكم} إيذاناً بأنهم لا استقلال لهم فيها كاستقلال الرسول، صلى الله عليه وسلم) , إذن فطاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وليست مستقلة ، أما الطاعة في المعصية فقد اتفق أهل العلم على أن الطاعة في المعصية لا تجوز كما ذكر النووي في صحيح مسلم.
عندما تتعارض أوامر وتوجيهات الجهة العليا مع الجهة السفلى
والضرورة الشرعية والعقلية تقتضي ضرورة اندراج أوامر الجهة السفلى الفرعية والتي تتمثل في كل مخلوق أيا كان تحت أوامر الجهة العليا الأصلية وتتمثل في الخالق المعبود – جل جلاله -، فإن حصل تناقض بين توجيهات الخالق وتوجيهات المخلوق , نُفذ أمر الجهة العليا الأصلية حتماً، وبطل أمر الجهة السفلى الفرعية، وإلا حصل التناقض، وهو محال.
فإذا جوّزنا أن يأمر الله بطاعة غيره ، حتى ولو أمر هذا الغير بمعصية الله، وقعنا في التناقض المذكور أعلاه، وزدنا عليه أن هدمنا مبادئ العقل الأولية الضرورية ، فينهدم العقل ويتحطم ، ويسقط التكليف ، وتفقد اللغات معانيها، ويستحيل الفكر، وتنهدم الشريعة ، عياذاً بالله تعالى.
ثم جاءت السنة الصحيحة الصريحة مؤيدة لذلك، مذكرة به:
* كما روى عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - قال: «سيلي أموركم بعدى رجال يطفئون السنة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، قلت يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال تسألنى يا ابن أم عبد كيف تفعل؟! لا طاعة لمن عصى الله»رواه ابن ماجه ،كما رواه أحمد، ولفظه: «انه سيلى أمركم من بعدى رجال يطفؤون السنة، ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، قال ابن مسعود: يا رسول الله كيف بي اذا أدركتهم؟! قال: ليس ــ يا ابن أم عبد ــ طاعة لمن عصى الله، قالها ثلاث مرات»
الجريمة الكبرى والمفسدة العظمى في تقديم طاعة الورى على طاعة المولى
فطاعة المخلوق في معصية الله جريمة كبرى ومنكر عظيم (لما في ذلك من المفسدة الموبقة في الدارين أو أحدهما) والمطيع هنا له حكم الآمر , فهما شريكان في الإثم ، الذي ربما يصل إلى حد الردة والكفر، عياذاً بالله.
وهل فشا الضلال والفساد في الأرض إلا بمتابعة الضعفاء للكبراء والسادة؟ وسيذكر هؤلاء الأتباع في الآخرة فساد هذه المتابعة العمياء ، وأنهم ضالون مجرمون ،كما روى الله حوارهم اليائس الأخير: {... ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم، يرجع بعضهم إلى بعض القول، يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا: لولا أنتم لكنا مؤمنين! * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا: أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟! بل كنتم مجرمين! * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا: بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أنداداً! وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا: هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}، (سبأ؛ 34:31-33).
كما حكى عنهم وهم يتقلبون، بعد ذلك، في الجحيم: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون: يا ليتنآ أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا: ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعناً كبيراً!}.
قال الشوكاني في فتح القدير: (والمراد بالسادة والكبراء: الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم، وفي هذا زجر عن التقليد شديد).
أنواع المعصية التي تمارسها وتأمر بها الحكومات
والمقصود بالمعصية هنا: المعصية ثلاثة أنواع:
أــ الشرك أو الكفر
ب ــ كبائر الذنوب
جــ ــ صغائر الذنوب
وكلها داخلة في عموم المعصية المنهى عن الطاعة فيها في أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم -.
لا طاعة لمن ارتكب الكفر وحكم قوانين البشر
فإذا أمر الحاكم بإلغاء حكم شرعي ثابت كالحدود، أو أمر بالحكم بالقوانين المخالفة للشرع ، أو أباح الزنا، واللواط، فلا تجوز طاعته، بل تجب معصيته، والخروج المسلح عليه ، حالة القدرة ، لأن هذا كفر بواح.
وكذلك لو أمر بأخذ المكوس، والضرائب المحرمة، وأذن بأخذ الربا ، أو نهى العمال عن صيام شهر رمضان، أو أداء صلاة الجمعة، أو نهى عن رفع الأذان في المساجد , وكذلك لو أمر بتعليم اللغات الأجنبية مع إهمال اللغة العربية، أو نهى عن عقد الدروس والمحاضرات في المساجد، فلا تجوز طاعته، بل تحرم تحريماً باتاً مطلقاً , ودليل هذا ما جاء عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ــ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وعلى أن لاننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لانخاف في الله لومة لائم». حديث غاية في الصحة، مجمع على صحته ، أخرجه البخاري، ومسلم وغيرهم ، من طرق كثيرة، تفيد القطع واليقين.
والبواح هو: الظاهر، البادي، الذي لا خفاء فيه , من قولهم: باح بالشيء ، يبوح به، بوحاً، وبواحاً، إذا أظهره، وأذاعه، وجاهر به.
ووقع في رواية للطبراني: «كفراً صراحاً»، وهو بنفس المعنى.
ووقع في روايات أخرى صحاح: «إلا أن يكون معصية الله بواحاً»، «ما لم يأمروك بإثم بواحاً».
عندما يظهر الكفر البواح في السلطة هذا هو موقفنا
وإذا ظهر في السلطة الكفر البواح ، فهي سلطة كافرة ليس لها طاعة ، ويجب إزالتها مع القدرة ، فإن كان المسلمون عاجزين وجب عليهم إن يعدوا العدة ، كما قال تعالى " ولو أرادوا الخروج لأعدوا لــه عدة " ـ ومن إعداد العدة :إرجاع المسلمين إلى دينهم بالدعوة الإسلامية ، وتأهيل القيادات الإسلامية التي تقود الأمة إلى إيجاد كيانها السياسي الذي يتحقق به ظهور دينها في الأرض ، وتقيم به شريعة الإسلام ، وتحمله إلى العالم بالجهاد ، ومن إعدادالعدة: توجيه الأمة إلى ميادين الجهاد ، حيث يصبغ الله تعالى جنوده بصبغة الحق مع القوة ويضرب بهم أعداء الأمة ، عندما يحشد الإسلام أجناده.
الموقف من القوانين التي تحقق مصلحة الجماعة
وما كان من الأحكام والقوانين التي بها تتحقق مصلحة الجماعة جماعة المسلمين فعلى جماعة المسلمين التقيد بها ، حتى لو كان الحاكم كافرا ، من أجل تحقق مصلحة الجماعة ، وعود نفعها عليهم ، لا من أجل طاعة الكافر المتغلب ، فلا طاعة له ولا كرامة ولا نعمة عين ، بل له السيف إن قدر عليه ، وذلك كما ذكر من ذكر من العلماء أن المسلمين تحت سلطة الكفار يولون قاضيا يقضي بينهم ويكون نائبا عن الجماعة ، وليس نائبا عن السلطان.
العلاقة بين مبدأ السمع والطاعة ومفهوم الولاء والبراء
فمن المعلوم بالأدلة القطعية أن السمع والطاعة إنما هما فرع من فروع أصل المولاة، وهي ـ أي المولاة ـ أصل من أصول الإسلام ، وركن من أركان الإيمان ، وقد نص القرآن على هذا الأصل العظيم في آيات كثيرة، ورتب عليه أحكام خطيرة، ومن ذلك :
ـ أن الله جعل نفسه ولي المؤمنين ، وجعل الطاغوت ولي الكافرين ، كما قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا ... والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}(البقرة 257) , والولي هو النصير والظهير , فكيف ندخل في طاعة من حكم الطاغوت المتمثل بالقوانين الوضعية , أليس في هذا موالاة للطاغوت؟!!!
2ـ وحصر الولاية وقيدها فقال سبحانه {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(المائدة 55) , فكيف نزعم موالاتنا لله وحده , وفي نفس الوقت ندخل في موالاة من حكم الطاغوت وتحاكم إلى القانون؟!!!
3ـ وحرم مولاة غير المؤمنين تحريما قاطعا فقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة 1)، وقال{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء}(آل عمران 28)، وقال أيضا {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم}(الممتحنة 13) ,وهنا نتساءل: أفلا يكون من دخل في طاعة الحكومات المبدلة للشرع قد وقع فى موالاة الكافرين والذي تحدثت عنه الآيات آنفة الذكر؟
4ـ وجعل حكم من تولاهم كحكمهم فقال في شأنهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة 51) , فالحذر الحذر أيها الموحدون من الدخول في طاعة هذه الحكومات المبدلة للشرع , وإلا كنا منهم عياذا بالله تعالى.
6ـ وشرط لتحقق الإيمان عدم المولاة لهم فقال سبحانه{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}(المائدة 81) فدل على أن من اتخذهم أولياء لم يتحقق له الإيمان بالله والرسول والكتاب , وبينا آنفا أن السمع والطاعة للحكومات المبدلة من أنواع الولاء لهم.
7ـ وأوجب المولاة بين المؤمنين، كما جعل الظالمين والمشركين أولياء للظالمين والشياطين، فقال جلا وعلا {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(التوبة 71) ، وقال في شأن الظالمين{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}(الجاثية19)، وقال أيضا{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}(الأنفال73)، وقال{إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}(الأعراف 27) , وعليه فبدل الدخول في طاعة الحكومات المبدلة الدخول في طاعة الله والتوحد على أمره , وهذا موجه لعموم الموحدين , وللموحدين في غزة العزة على وجه الخصوص.
8 ـ وحرم على المؤمنين طاعتهم واتباعهم وجعل طاعتهم من الشرك به فقال {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}(الأنعام 121)، وقال أيضا{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}(الأعراف3) .
10ـ وأجب على المؤمنين البراءة منهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده فقال سبحانه {لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول الله فإن الله هو الغني الحميد}(الممتحنة 4ـ 6) , وعليه نقول: فوالله لن نظهر لهم طاعة , بل سنظهر لهم بغضاء وعداوة وبراءة , حتى يحكموا الشرع ويلتزموا بالإيمان الذي جاء به ولد عدنان -صلى الله عليه وسلم-
11_وجعل الله سلطان الشياطين والكافرين على أوليائهم ولم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا ولا سبيلا فقال سبحانه {فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}(النحل 98ـ 100) وقال أيضا {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}(النساء 141) , وهنا أتساءل مجددا: أليس من دخل في طاعة الحكومات المبدلة , قد جعل للكافرين سبيلا عليه , أليس الكافرون للشيطان مجندون , والداخل في تطبيق قوانينهم داخل في سلطانهم ومن ثم داخل في سلطان الشيطان , الذي ليس له على المؤمنين سبيل , وهذه سنة كونية , فإن كان للشيطان سبيل عليك , خاصة في مسائل الكفر والإيمان , فلست بمؤمن أيها الإنسان.
كيف يسوغ القول بمشروعية السمع والطاعة للحكومات المبدلة؟
فإذا كان أمر الولاية على النحو المذكور , فكيف يسوغ في دين الله القول بمشروعية السمع والطاعة للحكومات المبدلة للشرع والتي تقتضي النصرة , مع أن الولاية والنصرة محرمة بينهم وبين المسلمين، بل وتقتضي الردة عن الدين، والخروج عن سبيل المؤمنين؟!
وكيف يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدو لله ورسوله ممن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى{يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}(التوبة 73)؟!
وكيف يسعى المؤمن في نصرة من يريدون أن يطفئوا نور الله ، ويعطلوا شريعته، يبطلوا أحكامه، في الوقت الذي أوجب الله عليه الجهاد في سبيله حتى يكون الدين كله لله؟!
وكيف يبرأ المؤمن من المشركين والكافرين ويعاديهم ويبغضهم ولو كانوا عشيرته وفي الوقت نفسه يجب عليه طاعتهم وتوليهم ونصرتهم؟!
والمقصود أن أصل الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين، وأصل البراءة من المشركين والظالمين، يتناقضان كلية مع القول بوجوب السمع والطاعة للمشركين وأولياء المشركين أو لمن يوليه العدو على المؤمنين، إذ الولاية ـ التي تعني النصرة والتي هي خاصة لله ولرسوله وللمؤمنين ـ تتناقض مع الطاعة ـ التي تقتضي النصرة ـ .
هل يجب طاعة حكومة فيها ظلم وفسق لا يخرجها من الملة؟
فإن طرأ عليه فسق أو ظلم يخرجه من حد العدالة ،فقد اختلف السلف في وجوب طاعته، فمنهم من لا يرى إمامته أصلا، ولا يرى له طاعة،ويوجب الخروج عليه كالحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج منعلماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماماقال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين}(البقرة) فقالوا الظالم لا يكون إماماأبدا.
ومنهم من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته ، ولا يوجب الخروج عليه ، ولايمنع منه ، كمالك بن أنس ، وأبي حنيفة ، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى{ولا تركنواإلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فحرموا الركون والميل إليهم ، وإن لم يوجبوا الخروجعليهم ، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم ، فقال إنكان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه ، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا ،دع الله ينتقم من الظالم بمثله.
ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة اللهورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه كأحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه ،وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامةأمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس ....الخ.
هل تجب طاعة من بالله كفر وند وعن الإسلام ارتد ؟
أما إذا كفر الإمام، وارتد عن الإسلام، فقدأجمعوا على سقوط إمامته وطاعته، بل ووجوب الخروج عليه وخلعه ، إذ المقصود من الإمامةأصلا إقامة الدين ، وسياسة الأمة، وإقامة الجهاد في سبيل الله ، وتحكيم شرعه....الخ.
وقد نقل هذا الإجماع كثير من العلماء كالقاضي عياض ـ كما في شرح النووي علىمسلم (12/229) ـ وعبارته ( أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أوبدعة ـ أي مكفرة ـ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليهوخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة منهم وجب عليهمالقيام بخلع الكافر). ، وكذا نقل الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر كما في الفتح (3/123).
فالقول بوجوب السمع والطاعة لمن تلبس بكفر بواح يصطدم بالنصوص القطعية، والإجماع القطعي على وجوب الخروج على الإمام إذاطرأ عليه كفر، أو كان كافرا أصليا ، للحديث الصحيح (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكممن الله فيه برهان) أي فنابذوا الأمراء حينئذ بالسيف.
حكم من أطاع الحكومة المبدلة لدين الله
ولا تجب عليه طاعة سلطان كافر ، بل يجب على المسلم البراءة منه ومن طاعته ، ولو اعتقد طاعته من أجل سلطانه أثم ، وإن تدين بذلك فقد يكفر والله اعلم
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جمع وترتيب
أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة
13 رجب
1430هـ
الدخول في الطاعة أم العداوة والبغضاء والبراءة
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
سبب المقال
جاءني رجل وسألني من هو ولي أمرك والحكومة التي يجب عليك أن تطيعها , أهي حكومة الضفة أم غزة؟ فقلت له:كلتيهما والمسؤولون عنهما ليسوا أولياء أمور لي , كيف وقد بدلوا شريعة الرحمن بشريعة الشيطان , ثم قرأت فتوى تدعوا أهل غزة إلى الدخول في طاعة حكومة غزة كسلطة حاكمة , فكان هذا دافعا أن أجمع هذا المقال , والذي عنونته ب" الدخول في الطاعة أم العداوة والبغضاء والبراءة"
من هو ولي أمر المسلمين الذي تجب طاعته ؟من هو ولي الأمر الذي يجب على المسلمين التزام طاعته ، وما الجواب على من يستدل بحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم -:"اسمع وأطع وإن أخذ مالك وجلد ظهرك"الجواب:
ولي أمـــــر المسلمين الذي تجب طاعته هو الذي يتولى أمر دين المسلمين , لأن هذا هو أمر المسلمين ، فليس لهم أمر غير دينهم ، فبه صاروا أمة ، وبه تحققت شخصية أمتهم الحضارية ، وبه وُجــد كيانهم السياسي ، أما من يتولى أمرا آخر ، كالذي يحكم بالنظام الدستوري العلماني أيا كان ، أو بالنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي ، أو الفكر القومي الاشتراكي ، أو غير ذلك مما هو سوى النظام الإسلامي المحتكم إلى شريعة الله تعالى ، فهو ولي أمــر ما تولاه ، ليس هو ولي أمر للمسلمين ، وهو يدخل في قوله تعالى " ومن يشاققالرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولىونصله جهنم وساءت مصيرا "
فكيف يُولى أمر أمة الإسلام ، وقد تولى أمر غيرها ؟!!
صفة الحكومة الواجب طاعتها
وقدأجمع المسلمون على أنه يشترط في الإمام الذي يجب له السمع والطاعة :الإسلاموالعدالة، كما أجمعوا على وجوب طاعة الإمام العدل ـ وهو من تولى الأمر بالرضىوالشورى ـ فيما كان من طاعة الله ورسوله كما إذا أمر بالجهاد، وإقامة الحدود،والفصل بين الناس ....الخ.
والمقصود أن السمعوالطاعة ـ المجمع عليها بين الأئمة وسلف الأمة ـ إنما تكون للإمام المسلم العدل
كما أنه مجمع على أنه لا سمع ولا طاعة للكافر، أو لمن طرأ عليه الكفر، ولا خلاف بينالأمة في ذلك
وأما الإمام الجائر أو الفاسق فقد اختلف الأئمة، وسلف الأمة في السمعوالطاعة له اختلافا كبيرا
وهذا كله في الإمام الذي يصدق عليه أنه ولي أمر ليس فوقهمن هو أعلى منه سلطة وسيادة، وهو من يطلق عليه في الفقه الإمام العام أو الإمامالأعظم وهو الخليفة
أما من يأتي به العدو الكافر الغازي وينصبه على المسلمين أو من يسير على قوانين الكافرين في إدارة شؤون المسلمين فإنهخارج عن محل الخلاف بلا خلاف
إذ الحاكم في واقع الأمر هو العدو الكافر الذي نصبهإماما، وهو ولي أمره
فمن أوجب له السمع والطاعة فإنما يوجبها للعدو الغازي، ويرىأنه يدخل في عموم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
ومن يرىمثل الرأي الباطل، إنما يرد على الله ورسوله حكمهما، وينقض إجماع الأمة على أنالسمع والطاعة لا تكون إلا للإمام المسلم وليس لكل إمام
إذ الكافر أو المنافق الذييحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا واجب على الأمة جهاده، لا طاعته أو السمعله، وقد قال الله{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}
وإذا كان الله سبحانهلم يجعل للكافر على ابنته إذا أسلمت ولاية ولا سبيلا، فلا يعقد نكاحها، ولا يحل لهميراثها، ولا يتصرف في مالها
فكيف يكون له ذلك على الأمة كلها يتصرف في دمائهاوأرضها وشئونها؟!!
توجيه النصوص الشرعية الآمرة بطاعة ولاة الأمر
ولهذا وردت النصوص الآمرة بطاعة ولاة الأمر بقيد إقامة الدين كما في حديث " إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم ،والحديث الثاني " إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبهالله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين) " رواه البخاري ، فذكر أن الحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين كذلك ، شرط في صحة ولايتهم التي توجب طاعتهم
وقد وردت أحاديث تبين أنه إن وقع من ولي الأمر الشرعي ظلم في الرعيةلا يبلغ الكفر البواح , أي لم يبلغ مبلغ التنكر للشريعة ، ولا نبذ التحاكمإليها ، ولاترك إقامة الدين ، وإنما هو ظلم في دنياهم ، أو كما ورد في بعضالأحاديث " أثرة " ، أنه لا يجوز منازعتــه الأمر ، لئلا يؤدي ذلك إلى ضرب وحدة الأمة ، فالحفاظ على وحدتها أولى من إزالة ظلم السلطة ، كما في صحيح مسلم من حديث جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض ، فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان مماأخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة ، وفي منشطنا ومكرهنا وعسرناويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، قال : إلا أن تروا كفرابواحا عندكم من الله فيه برهان "
معنى حديث حذيفة:تسمع وتطيع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك
وأما حديث حذيفة ، فإذا جمعت الروايات تبين معناه ، وأن معناه إنه سيكون في زمن فرقة ، ظهور من وصفهم بالأوصاف المذكورة بين المسلمين ، فسأله حذيفة فإن كان زمن الفرقة هذا ، فما أصنع ، فقال تمسك بإمام المسلمين ، كما قال في رواية أخرى "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " وإمام المسلمين لا يجوز أن يكون محكما للقوانين أو مرتكبا لناقض من نواقض الدين حتى يُستدل بحديث حذيفة لصالح حكامنا المرتدين في هذا الزمان , والمقصود بالجماعة , ما فسرها به رسول الله :ما أنا عليه اليوم وأصحابي , وليس المقصود جماعة الحاكم الذي تلبس بالكفر , وهذه الجماعة قد تكون واحدا , كما قال ابن مسعود:الجماعة هي الحق ولو كنت وحدك , والسمع والطاعة واجب في المعروف ما لم يحصل كفر , وإن جلد الظهر وأخذ المال وظلم , ولكنه إذا كفر فلا نصبر عليه ففرق بين ما هو معصية وما هو كفر , والأحاديث دلت على الصبر على الإمام العاصي لا الكافر , وأما الكافر فدلت الأحاديث على وجوب الخروج عليه عند القدرة وتوفر المصلحة ، فهذا يفسر ذالك ويوضح معناه .
الرد على تنابلة السلطان وأحباره
أما الذين يقولون على المسلمين أن يكونوا خاضعين مطيعين لكل من تغلب عليهم ، حتى لو كانوا شياطين في جثامين إنس ، فإنما يريدون هدم الإسلام بالكلية ، وقد غلطوا في فهم حديث واحد ، وتركوا قطعيات الدين المدلول عليها بنصوص كثيرة لا تحصى ، من أن الله تعالى أوجب على هذه الأمة أن تنصب الإمامة لتحكم بالشريعة , وتجاهد لإعلاء كلمة الله تعالى ، فكيف تؤمر بطاعة الشياطين !! وهي إنما صارت خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتجاهد في الله حق جهاده ، وإنما يقام هذا كله في إمامة شرعية ، تحقق بها الأمة شخصيتها الحضارية ، وتقود الأمم إلى سعادة البشرية , نقول هذا إن أحسنا الظن بهؤلاء الذين يدندنون هذه الأيام ، حول الرضا بسلطان الطاغوت ، ويفتون الناس بأن الرضا بذلك هو دين الإسلام ، حتى نادوا بالخضوع لسلطان بريمر الصليبي في العراق قاتلهم الله ، بل بمشروع أمريكا الصليبي على أمتنا أخزاهم الله ، أقول هذا إذا أحسنا الظن بهم ، وإلا فلا أخالهم إلا قد خرجوا من عباءة الاستخبارات الأمريكية نفسها ، لأنهم يؤدون نفس دور القاديانية أيام الاحتلال البريطاني !! ومن أوضح الأحاديث التي تدل على أن سلطة الحاكم في الإسلام مقيدة حديث : الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك، ما إن استرحموا رحموا،وإن استحكموا عدلوا، وإن عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنةالله، والملائكة، والناس، أجمعين، لا يقبل منه صرف، ولا عدل"رواه أحمد والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه , والله أعلم .
بين الطاعة المطلقة والطاعة المقيدة
الواقع الآن ينطق بما لا يحتمل الشك فيه , أنه لا يوجد على وجه الكرة الأرضية دولة إسلامية تطبق الإسلام ، ولا يوجد حاكم يطبق الإسلام , ويجعل السيادة والسلطان للشرع ، فالله سبحانه وتعالى لم يفرد طاعة لأولي الأمر مستقلة عن طاعة الله ورسوله ، انظر وتفكر وتدبر ماذا قال الله سبحانه وتعالى {يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}إذن فهذه الطاعة ليست مطلقة كطاعة الله فإن الأية الكريمة الآنفة الذكر وهي قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} جاءت بأسلوب بديع معجز ، وضع هذه الطاعة في مكانها اللائق بها ، كما قاله الألوسي في روح المعاني: (وأعاد الفعل وإن كانت طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله اعتناء بشأنه عليه الصلاة والسلام، وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن الكريم وإيذاناً بأنه له ــ صلى الله عليه وسلم ــ استقلالا بالطاعة لم يثبت لغيره، ومن ثم لم يعد في قوله سبحانه : {وأولي الأمر منكم} إيذاناً بأنهم لا استقلال لهم فيها كاستقلال الرسول، صلى الله عليه وسلم) , إذن فطاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وليست مستقلة ، أما الطاعة في المعصية فقد اتفق أهل العلم على أن الطاعة في المعصية لا تجوز كما ذكر النووي في صحيح مسلم.
عندما تتعارض أوامر وتوجيهات الجهة العليا مع الجهة السفلى
والضرورة الشرعية والعقلية تقتضي ضرورة اندراج أوامر الجهة السفلى الفرعية والتي تتمثل في كل مخلوق أيا كان تحت أوامر الجهة العليا الأصلية وتتمثل في الخالق المعبود – جل جلاله -، فإن حصل تناقض بين توجيهات الخالق وتوجيهات المخلوق , نُفذ أمر الجهة العليا الأصلية حتماً، وبطل أمر الجهة السفلى الفرعية، وإلا حصل التناقض، وهو محال.
فإذا جوّزنا أن يأمر الله بطاعة غيره ، حتى ولو أمر هذا الغير بمعصية الله، وقعنا في التناقض المذكور أعلاه، وزدنا عليه أن هدمنا مبادئ العقل الأولية الضرورية ، فينهدم العقل ويتحطم ، ويسقط التكليف ، وتفقد اللغات معانيها، ويستحيل الفكر، وتنهدم الشريعة ، عياذاً بالله تعالى.
ثم جاءت السنة الصحيحة الصريحة مؤيدة لذلك، مذكرة به:
* كما روى عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - قال: «سيلي أموركم بعدى رجال يطفئون السنة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، قلت يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال تسألنى يا ابن أم عبد كيف تفعل؟! لا طاعة لمن عصى الله»رواه ابن ماجه ،كما رواه أحمد، ولفظه: «انه سيلى أمركم من بعدى رجال يطفؤون السنة، ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، قال ابن مسعود: يا رسول الله كيف بي اذا أدركتهم؟! قال: ليس ــ يا ابن أم عبد ــ طاعة لمن عصى الله، قالها ثلاث مرات»
الجريمة الكبرى والمفسدة العظمى في تقديم طاعة الورى على طاعة المولى
فطاعة المخلوق في معصية الله جريمة كبرى ومنكر عظيم (لما في ذلك من المفسدة الموبقة في الدارين أو أحدهما) والمطيع هنا له حكم الآمر , فهما شريكان في الإثم ، الذي ربما يصل إلى حد الردة والكفر، عياذاً بالله.
وهل فشا الضلال والفساد في الأرض إلا بمتابعة الضعفاء للكبراء والسادة؟ وسيذكر هؤلاء الأتباع في الآخرة فساد هذه المتابعة العمياء ، وأنهم ضالون مجرمون ،كما روى الله حوارهم اليائس الأخير: {... ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم، يرجع بعضهم إلى بعض القول، يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا: لولا أنتم لكنا مؤمنين! * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا: أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟! بل كنتم مجرمين! * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا: بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أنداداً! وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا: هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}، (سبأ؛ 34:31-33).
كما حكى عنهم وهم يتقلبون، بعد ذلك، في الجحيم: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون: يا ليتنآ أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا: ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعناً كبيراً!}.
قال الشوكاني في فتح القدير: (والمراد بالسادة والكبراء: الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم، وفي هذا زجر عن التقليد شديد).
أنواع المعصية التي تمارسها وتأمر بها الحكومات
والمقصود بالمعصية هنا: المعصية ثلاثة أنواع:
أــ الشرك أو الكفر
ب ــ كبائر الذنوب
جــ ــ صغائر الذنوب
وكلها داخلة في عموم المعصية المنهى عن الطاعة فيها في أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم -.
لا طاعة لمن ارتكب الكفر وحكم قوانين البشر
فإذا أمر الحاكم بإلغاء حكم شرعي ثابت كالحدود، أو أمر بالحكم بالقوانين المخالفة للشرع ، أو أباح الزنا، واللواط، فلا تجوز طاعته، بل تجب معصيته، والخروج المسلح عليه ، حالة القدرة ، لأن هذا كفر بواح.
وكذلك لو أمر بأخذ المكوس، والضرائب المحرمة، وأذن بأخذ الربا ، أو نهى العمال عن صيام شهر رمضان، أو أداء صلاة الجمعة، أو نهى عن رفع الأذان في المساجد , وكذلك لو أمر بتعليم اللغات الأجنبية مع إهمال اللغة العربية، أو نهى عن عقد الدروس والمحاضرات في المساجد، فلا تجوز طاعته، بل تحرم تحريماً باتاً مطلقاً , ودليل هذا ما جاء عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ــ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وعلى أن لاننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لانخاف في الله لومة لائم». حديث غاية في الصحة، مجمع على صحته ، أخرجه البخاري، ومسلم وغيرهم ، من طرق كثيرة، تفيد القطع واليقين.
والبواح هو: الظاهر، البادي، الذي لا خفاء فيه , من قولهم: باح بالشيء ، يبوح به، بوحاً، وبواحاً، إذا أظهره، وأذاعه، وجاهر به.
ووقع في رواية للطبراني: «كفراً صراحاً»، وهو بنفس المعنى.
ووقع في روايات أخرى صحاح: «إلا أن يكون معصية الله بواحاً»، «ما لم يأمروك بإثم بواحاً».
عندما يظهر الكفر البواح في السلطة هذا هو موقفنا
وإذا ظهر في السلطة الكفر البواح ، فهي سلطة كافرة ليس لها طاعة ، ويجب إزالتها مع القدرة ، فإن كان المسلمون عاجزين وجب عليهم إن يعدوا العدة ، كما قال تعالى " ولو أرادوا الخروج لأعدوا لــه عدة " ـ ومن إعداد العدة :إرجاع المسلمين إلى دينهم بالدعوة الإسلامية ، وتأهيل القيادات الإسلامية التي تقود الأمة إلى إيجاد كيانها السياسي الذي يتحقق به ظهور دينها في الأرض ، وتقيم به شريعة الإسلام ، وتحمله إلى العالم بالجهاد ، ومن إعدادالعدة: توجيه الأمة إلى ميادين الجهاد ، حيث يصبغ الله تعالى جنوده بصبغة الحق مع القوة ويضرب بهم أعداء الأمة ، عندما يحشد الإسلام أجناده.
الموقف من القوانين التي تحقق مصلحة الجماعة
وما كان من الأحكام والقوانين التي بها تتحقق مصلحة الجماعة جماعة المسلمين فعلى جماعة المسلمين التقيد بها ، حتى لو كان الحاكم كافرا ، من أجل تحقق مصلحة الجماعة ، وعود نفعها عليهم ، لا من أجل طاعة الكافر المتغلب ، فلا طاعة له ولا كرامة ولا نعمة عين ، بل له السيف إن قدر عليه ، وذلك كما ذكر من ذكر من العلماء أن المسلمين تحت سلطة الكفار يولون قاضيا يقضي بينهم ويكون نائبا عن الجماعة ، وليس نائبا عن السلطان.
العلاقة بين مبدأ السمع والطاعة ومفهوم الولاء والبراء
فمن المعلوم بالأدلة القطعية أن السمع والطاعة إنما هما فرع من فروع أصل المولاة، وهي ـ أي المولاة ـ أصل من أصول الإسلام ، وركن من أركان الإيمان ، وقد نص القرآن على هذا الأصل العظيم في آيات كثيرة، ورتب عليه أحكام خطيرة، ومن ذلك :
ـ أن الله جعل نفسه ولي المؤمنين ، وجعل الطاغوت ولي الكافرين ، كما قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا ... والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}(البقرة 257) , والولي هو النصير والظهير , فكيف ندخل في طاعة من حكم الطاغوت المتمثل بالقوانين الوضعية , أليس في هذا موالاة للطاغوت؟!!!
2ـ وحصر الولاية وقيدها فقال سبحانه {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(المائدة 55) , فكيف نزعم موالاتنا لله وحده , وفي نفس الوقت ندخل في موالاة من حكم الطاغوت وتحاكم إلى القانون؟!!!
3ـ وحرم مولاة غير المؤمنين تحريما قاطعا فقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة 1)، وقال{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء}(آل عمران 28)، وقال أيضا {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم}(الممتحنة 13) ,وهنا نتساءل: أفلا يكون من دخل في طاعة الحكومات المبدلة للشرع قد وقع فى موالاة الكافرين والذي تحدثت عنه الآيات آنفة الذكر؟
4ـ وجعل حكم من تولاهم كحكمهم فقال في شأنهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة 51) , فالحذر الحذر أيها الموحدون من الدخول في طاعة هذه الحكومات المبدلة للشرع , وإلا كنا منهم عياذا بالله تعالى.
6ـ وشرط لتحقق الإيمان عدم المولاة لهم فقال سبحانه{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}(المائدة 81) فدل على أن من اتخذهم أولياء لم يتحقق له الإيمان بالله والرسول والكتاب , وبينا آنفا أن السمع والطاعة للحكومات المبدلة من أنواع الولاء لهم.
7ـ وأوجب المولاة بين المؤمنين، كما جعل الظالمين والمشركين أولياء للظالمين والشياطين، فقال جلا وعلا {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(التوبة 71) ، وقال في شأن الظالمين{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}(الجاثية19)، وقال أيضا{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}(الأنفال73)، وقال{إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}(الأعراف 27) , وعليه فبدل الدخول في طاعة الحكومات المبدلة الدخول في طاعة الله والتوحد على أمره , وهذا موجه لعموم الموحدين , وللموحدين في غزة العزة على وجه الخصوص.
8 ـ وحرم على المؤمنين طاعتهم واتباعهم وجعل طاعتهم من الشرك به فقال {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}(الأنعام 121)، وقال أيضا{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}(الأعراف3) .
10ـ وأجب على المؤمنين البراءة منهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده فقال سبحانه {لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول الله فإن الله هو الغني الحميد}(الممتحنة 4ـ 6) , وعليه نقول: فوالله لن نظهر لهم طاعة , بل سنظهر لهم بغضاء وعداوة وبراءة , حتى يحكموا الشرع ويلتزموا بالإيمان الذي جاء به ولد عدنان -صلى الله عليه وسلم-
11_وجعل الله سلطان الشياطين والكافرين على أوليائهم ولم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا ولا سبيلا فقال سبحانه {فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}(النحل 98ـ 100) وقال أيضا {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}(النساء 141) , وهنا أتساءل مجددا: أليس من دخل في طاعة الحكومات المبدلة , قد جعل للكافرين سبيلا عليه , أليس الكافرون للشيطان مجندون , والداخل في تطبيق قوانينهم داخل في سلطانهم ومن ثم داخل في سلطان الشيطان , الذي ليس له على المؤمنين سبيل , وهذه سنة كونية , فإن كان للشيطان سبيل عليك , خاصة في مسائل الكفر والإيمان , فلست بمؤمن أيها الإنسان.
كيف يسوغ القول بمشروعية السمع والطاعة للحكومات المبدلة؟
فإذا كان أمر الولاية على النحو المذكور , فكيف يسوغ في دين الله القول بمشروعية السمع والطاعة للحكومات المبدلة للشرع والتي تقتضي النصرة , مع أن الولاية والنصرة محرمة بينهم وبين المسلمين، بل وتقتضي الردة عن الدين، والخروج عن سبيل المؤمنين؟!
وكيف يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدو لله ورسوله ممن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى{يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}(التوبة 73)؟!
وكيف يسعى المؤمن في نصرة من يريدون أن يطفئوا نور الله ، ويعطلوا شريعته، يبطلوا أحكامه، في الوقت الذي أوجب الله عليه الجهاد في سبيله حتى يكون الدين كله لله؟!
وكيف يبرأ المؤمن من المشركين والكافرين ويعاديهم ويبغضهم ولو كانوا عشيرته وفي الوقت نفسه يجب عليه طاعتهم وتوليهم ونصرتهم؟!
والمقصود أن أصل الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين، وأصل البراءة من المشركين والظالمين، يتناقضان كلية مع القول بوجوب السمع والطاعة للمشركين وأولياء المشركين أو لمن يوليه العدو على المؤمنين، إذ الولاية ـ التي تعني النصرة والتي هي خاصة لله ولرسوله وللمؤمنين ـ تتناقض مع الطاعة ـ التي تقتضي النصرة ـ .
هل يجب طاعة حكومة فيها ظلم وفسق لا يخرجها من الملة؟
فإن طرأ عليه فسق أو ظلم يخرجه من حد العدالة ،فقد اختلف السلف في وجوب طاعته، فمنهم من لا يرى إمامته أصلا، ولا يرى له طاعة،ويوجب الخروج عليه كالحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج منعلماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماماقال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين}(البقرة) فقالوا الظالم لا يكون إماماأبدا.
ومنهم من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته ، ولا يوجب الخروج عليه ، ولايمنع منه ، كمالك بن أنس ، وأبي حنيفة ، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى{ولا تركنواإلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فحرموا الركون والميل إليهم ، وإن لم يوجبوا الخروجعليهم ، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم ، فقال إنكان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه ، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا ،دع الله ينتقم من الظالم بمثله.
ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة اللهورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه كأحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه ،وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامةأمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس ....الخ.
هل تجب طاعة من بالله كفر وند وعن الإسلام ارتد ؟
أما إذا كفر الإمام، وارتد عن الإسلام، فقدأجمعوا على سقوط إمامته وطاعته، بل ووجوب الخروج عليه وخلعه ، إذ المقصود من الإمامةأصلا إقامة الدين ، وسياسة الأمة، وإقامة الجهاد في سبيل الله ، وتحكيم شرعه....الخ.
وقد نقل هذا الإجماع كثير من العلماء كالقاضي عياض ـ كما في شرح النووي علىمسلم (12/229) ـ وعبارته ( أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أوبدعة ـ أي مكفرة ـ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليهوخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة منهم وجب عليهمالقيام بخلع الكافر). ، وكذا نقل الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر كما في الفتح (3/123).
فالقول بوجوب السمع والطاعة لمن تلبس بكفر بواح يصطدم بالنصوص القطعية، والإجماع القطعي على وجوب الخروج على الإمام إذاطرأ عليه كفر، أو كان كافرا أصليا ، للحديث الصحيح (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكممن الله فيه برهان) أي فنابذوا الأمراء حينئذ بالسيف.
حكم من أطاع الحكومة المبدلة لدين الله
ولا تجب عليه طاعة سلطان كافر ، بل يجب على المسلم البراءة منه ومن طاعته ، ولو اعتقد طاعته من أجل سلطانه أثم ، وإن تدين بذلك فقد يكفر والله اعلم
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جمع وترتيب
أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة
13 رجب
1430هـ