أبو يونس العباسي
07-02-2009, 06:21 PM
خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا , أما بعد ...
سبب المقال
دعونا بادئ ذي بدء نتساءل هذه الأسئلة الهامة ... أليس مصدر عزتنا وسؤددنا موجود بين أظهرنا؟!!! قال الله تعالى:" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) "(الأنبياء) .
أليس ما يعصمنا من الضلال والضياع حاضر بيننا , أخرج مالك في موطئه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي", ألسنا مرضى والمعاصي مرضنا ونعرف الدواء وهو في منهج ربنا , فلماذا نقصر في التداوي , قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)"(الأعراف)
إن هذه الأسئلة تلح علي وبشدة وهي تدفعني أن أقول لنفسي وإياكم:خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كيف نأخذ الكتاب بقوة
قال سيد قطب في تفسير قوله تعالى:
{ وإذ أخذنا ميثاقكم ، ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة ، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين }
فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع
وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى ، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد ، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة , فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع ، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة , إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق ، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة ، نعم! ولكن هذه هي طبيعته ... إنه أمر عظيم ... أعظم من كل ما في هذا الوجود ... فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه ، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف ...
إذا أقبلت على طريق الله فقل وداعا للراحة والدعة
ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نودي للتكليف : « مضى عهد النوم يا خديجة » . وكما قال له ربه : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وكما قال لبني إسرائيل :{ خذوا ما آتيناكم بقوة } . { واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } . .
طريق الله جد وحماسة ومعها بصيرة وكياسة
ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه ، واستشعار حقيقته ، والتكيف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة , فعهد الله منهج حياة ، منهج يستقر في القلب تصوراً وشعوراً ، ويستقر في الحياة وضعاً ونظاماً ، ويستقر في السلوك أدباً وخلقاً ، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير ,ولكن هيهات! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها ، وغلبت عليها جبلتها :{ ثم توليتم من بعد ذلك }أ.هـ , فهل ستتولى عن الله ومنهجه كما تولى بنو إسرائيل ؟ إن فعلت فأنت وحدك الخاسر...
وقال سيد قطب في قول الله تعالى لموسى – عليه السلام -:
{ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } . .
والأمر الإلهي الجليل لموسى - عليه السلام - أن يأخذ الألواح بقوة وعزم ، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم . . هذا الأمر على هذا النحو فضلاً على أنه يشي بضرورة هذا الأسلوب في أخذ هذه الطبيعة الإسرائيلية ، التي أفسدها الذل وطول الأمد ، بالعزم والجد ، لتحمل تكاليف الرسالة والخلافة ، فإنه - كذلك - يوحي بالمنهج الواجب في أخذ كل أمة لكل عقيدة تأتيها . .
إن العقيدة أمر هائل عند الله - سبحانه - وأمر هائل في حساب هذا الكون ، وقدر الله الذي يصرفه ، وأمر هائل في تاريخ « الإنسان » وحياته في هذه الأرض وفي الدار الآخرة كذلك . . والمنهج الذي تشرعه العقيدة في وحدانية الله - سبحانه - وعبودية البشر لربوبيته وحده ، منهج يغير أسلوب الحياة البشرية بجملتها ، ويقيم هذه الحياة على أسلوب آخر غير الذي تجري عليه في الجاهلية ، حيث تقوم ربوبية غير ربوبية الله سبحانه ، ذات منهج للحياة كلها غير منهج الله الذي ينبثق من تلك العقيدة . .
طريق الله أمر ليس بالهين فلا بد أن يؤخذ بقوة وبعلوٍ للهمة
وأمر له هذه الخطورة عند الله ، وفي حساب الكون ، وفي طبيعة الحياة وفي تاريخ « الإنسان » . . يجب أن يؤخذ بقوة ، وأن تكون له جديته في النفس ، وصراحته وحسمه . ولا ينبغي أن يؤخذ في رخاوة ، ولا في تميع ، ولا في ترخص ، ذلك أنه أمر هائل في ذاته ، فضلاً على أن تكاليفه باهظة لا يصبر عليها من طبيعته الرخاوة والتميع والترخص ، أو من يأخذ الأمر بمثل هذه المشاعر . .
وليس معنى هذا - بطبيعة الحال - هو التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض! فهذا ليس من طبيعة دين الله . . ولكن معناه الجد والهمة والحسم والصراحة . . وهي صفات أخرى ومشاعر أخرى غير مشاعر التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض!
هل نستحق خطابا قاسيا كهذا الذي خوطب به بنو إسرائيل؟
ولقد كانت طبيعة بني إسرائيل - بصفة خاصة - بعدما أفسدها طول الذل والعبودية في مصر , تحتاج إلى هذا التوجيه . لذلك نلحظ أن كل الأوامر لبني إسرائيل كانت مصحوبة بمثل هذا التشديد وهذا التوكيد ، تربية لهذه الطبيعة الرخوة الملتوية المنحرفة الخاوية ، على الاستقامة والجد والوضوح والصراحة , ومثل طبيعة بني إسرائيل كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل ، والخضوع للإرهاب والتعبد للطواغيت ، فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال ، والأخذ بالأسهل تجنباً للمشقة . . كما هو الملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية التي نطالعها في زماننا هذا ، والتي تهرب من العقيدة لتهرب من تكاليفها ، وتسير مع القطيع؛ لأن السير مع القطيع لا يكلفها شيئاً!
لن تنال ما تريد وأنت غافل وإلى الدنيا مطمئن ومائل
إنبعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفي نفس الوقت يريد شقة واسعة ومحمولا وسيارةمكيفة ، وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم، وعشرة أولاد صبيان ، وبنتا تدلله ، وخدامه وما علم أو نسي أن الدنيا دار بلاء وعناء قال الله تعالى:"لقد خلقنا الانسان في كبد" البلد , وهي كذلك دار اختبار , قال الله تعالى:"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" الملك
المسلم في هذه الدنيا في شغل ...فمتى الفراغ؟
المؤمن في هذه الدنيا في شغل , فإذا تساءل أحدكم ومتى الفراغ؟
فنقول:الفراغ في الجنة ... فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت ..
الدنيادار عمل ، فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل ، فلست في فسحة من أمرك ولذلكقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"اخرجه مسلم (2956)... الدنيا سجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه ,وله أحكامه ومواعيده ، وله ضوابطه ... الدنيا سجن فلا تحاول في السجن أنتعيش في الجنة .
السجنله مواعيده ... مواعيد الفسح ... هناك مواعيد للصلاة , لا يصح النوم فيها , ولاالشغل أثنائها .. هذا هو سجن الدنيا .. ولا بد عليك أن تقطعها هكذا ... لكن الذييريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشي علىمزاجه وينام على مزاجه ويفعل ما يريد وما يشتهي سيضل الطريق لا محالة .
عش في الدنيا كما يريد الله لا كما تريد أنت
لابدأن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن في سجنالتكاليف الشرعية ... وإن كنت مكتفا بهذه التكاليف النبيلة ، فهناك أناسغيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد لكن ليس لهم أجر ولك أنت الأجر الجزيل من الرب الجليل ... فلو كنتتمرض فالكفار يمرضون ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون ... إذا كنت تؤذى فيسبيل الله فهناك من يؤذى من أجل مناهج باطلة بل وكفرية , قال الله تعالى:" إن تكونواتألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون )) النساء .
بمواصلة العمل يتواصل لك من الله الأجر بلا خلل
أنتترجو بالذي تعمله أجرا هم لا يرجونه , وهذا هو عزاؤك .. أن الله تعالىسيعطيك .. فضع نفسك في سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة بإذن الله تعالى.
من يوم أن نودي صلى الله عليه وسلمب " يأ يها المدثر * قم فأنذر " ولم يرقد أو يركد بعدها لحظةبلكان لسان حاله - صلى الله عليه وسلم -:"ذهب زمان النوم (http://quran.maktoob.com/vb/search.php?do=process&query=%D8%B0%D9%87%D8%A8%20%D8%B2%D 9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9% 86%D9%88%D9%85&mfs_type=forum&utm_source=Related-Search&utm_medium=Links&utm_campaign=Related)يا خديجة".
ولذلكلم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد : كفاكم ما حدث واقعدوا في بيوتكم ..لا.. بل قال سبحانه وتعالى : - "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)"(النساء) قال لهم:اثبتوا على مطاردتهم وظلواخلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم : شغل مستمر وعمل متواصل وجهد غير منقطع .
خذ الكتاب بقوة وإن أوذيت فالرسول أوذي وما تنازل
ومعذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وان يعيش دوما في عافية .. يا أخي إن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوذي وطرد وشتم بل وتفل في وجههالشريف , لقد اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الأرض ..- صلى الله عليه وسلم-شتموه ووضعوا التراب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه ... وحفرله حفرة في غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفرفي وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفيالطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده - فداه أبي وأمي ونفسي - صلى اللهعليه وسلم – ووقع أيضا من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى حتى لم يطقحماه أحد .. عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .. فداه أبي وأميونفسي رسول الله.
الراحة في الجنة بإذن الله تعالى
إن المتفقه في سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – لا يجد لحظة استراح فيهافأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشىكثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا .. وكان يأكل الدقل ( أردأ التمر ) وربمالا يجده .. سهر السنين الطويلة ... ونام على الحصير في كد ونصب ليقيم الحقويبلغ دعوة ربه .بأبيهو وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرامحتسبا فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتريد أنت أن تعيشها نظيفةحلوة ! تريد أن تعيشها ممتعا معافي ! ... تريد أن تعيشها في راحة وأمان ! لا يا أخي .. هذة دنيا .. الأصل فيها المشاكل والأحزان وإلا لما كان هناكاشتياق للآخرة .. فيا أخي ... هيا للعمل والتعب والجد والاجتهاد , ولا تلبسثياب الفراغ أثناء العمل .
لا تشغل نفسك بالدنيا وإن جاءتك ففي سبيل الله أنفقها
الدنياشغل .. شغل للآخرة فالزم الشغل حتى تمر هذه الدار بسلام .
الزم الشغل ... ولا تحزن على شيء فاتك منالدنيا ولا تفكر فيها , فان جاءتك أو ارتمت بين يديك ، فسخرها في خدمة ما أنت فيهمن عمل الآخرة , وإلا فاطرحها جانبا وامض في طريقك إلى الله .
إن الذي يسير على هذا النهج هو رجل الآخرة , الذي يريد الوصول فلا يخلع ثيابالعمل حتى يلقى الله , أما الذي يريد أن يلبس ثياب الفراغ أثناء العمل,فينشغل قلبه بالزوجة والمال والأولاد , فهو رجل الدنيا ... يعيش لها ولذا لن يصلإلى الله مطلقا حتى يخلع ثياب الفراغ ويلبس دائما ثياب العمل للآخرة. قال الله تعالى:"قلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)"(التوبة)
فوظف أخي في الله كل أركان حياتك في العمل للآخرة , وواصل الشغل ليل نهار , فأنت في مقام مستعبد , ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة في زمانالاستئجار , وكل زمان المتقي صوم نهار, فواصل السير ولا تنقطع.
من أين يستمد المسلم قوته؟
فالإسلام قد أمر بإعداد القوة وتحصيل العدة , قال الله تعالى:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ {الأنفال: 60}, وأما عن المصادر التي يستمد المسلم منها القوة فنعرض بعضا منها في النقاط التالية:
1. الإيمان والعمل الصالح.قال سبحانه: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {النور:55} .
2. موالاة الله ورسوله والمؤمنين.قال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ" {المائدة:56} .
3. الصبر على كيد الأعداء وأذاهم ومقابلة ذلك بعزيمة صلبة وإيمان قوي، قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120}.
4. الاتحاد وعدم التفرق، قال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ {الأنفال:46}.
5. اعتبار الغاية من النصر إقامة دين الله في الأرض، ونشر الخير فيها، وصرف الشر عنها، قال سبحانه:" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" {الحج:41}.
6.الاستغفار وذكر الله , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)"(الأنفال) , وقال أيضا:" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)" .
7.تأدية الفرائض والمحافظة على النوافل:أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ."
فالمنهجية في استعمال القوة تشمل -إذاً- الإعداد العلمي الشرعي، والتربية الإيمانية، كما تشمل العلم بالطب والاقتصاد والمجال الصناعي
والعسكري، وغير ذلك مما يحقق قوة واستقلالية للمسلمين عن أعدائهم , وجماع الخير كله هو في العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه بفهم سلف هذه الأمة.
حمل الأمانة والمسئولية تجاه قضايا الإسلام
التساهل في حمل الأمانة
فإنه من بين مخلوقات الله التي لا تحصى في كونه الفسيح يقف الإنسان- ذلك المخلوق العظيم- متفردًا متميزًا، بكل ما حباه الله تعالى من قدرات وملكات، ليكون متأهلا لحمل الأمانة الكبرى التي ارتضى حملها بعدما أشفقت السماوات والأرض من حملها ومن تبعاتها، أمانة المسئولية عن فعله ودوره، والخلافة عن الله تعالى في أرضه (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
هل كل من حمل الأمانة ظلوم جهول؟
وليس الوصف بالظلم والجهالة مرتبطًا بمجرد الرضا بحمل الأمانة ، بل بالغفلة عن مقتضاها، والتفريط الغالب من الإنسان في تبعاتها ، وهذا التفريط يفضي إلى الإفساد والشر، في ذات الوقت الذي يؤهله نجاحه في حمل الأمانة إلى ترقية الذات وإسعاد العالم، ومن رحمة الله به أنه ما طالبه بتحقيق الخلافة والوصول إلى الغاية إلا وآتاه وسيلة النجاح في ذلك، وأرشده إلى طريقة الفلاح فيه، وهو الاستمساك بمنهج الله وشريعته، والأخذ القوى به (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 38-39)، ومن رحمة الله تعالى له أن أرسل إليه رسله تترى، يحملون دين الحق وشرائع الهدى، ليقوِّموا مسيرة الإنسان، ويضعوا أقدامه على الطريق الصحيح.
التمازج بين المسؤلية الفردية والمسؤلية الجماعية
ثم جاءت رسالة الإسلام الخالدة خاتمة رسالات السماء لتكون جماع الخير كله، وكلمة الله الأخيرة إلى العالم، ليتحاكم الناس إليها في الدنيا، ويحاسبوا بمقتضاها في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه: 124-126)، (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) (طـه: 99-101).
ومع أن المسئولية عن إقامة الدين الحق ونصرته وتحقيق مراده وغاياته هي مسئولية جماعية تسأل عنها الأمة كلها (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية13) (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) (الجاثـية: من الآية28) إلا أن المسئولية العظمى أمام الله تعالى يوم القيامة تبقى في الأساس مسئولية كل فرد على حدة، وهل المسئولية الجماعية في حقيقتها إلا محصلة تلك المسئوليات الفردية؟ وهل نجاح الجماعة إلا نتيجة نجاحات الأفراد المكونين لها؟ (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 13-15) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم: 93-95).وهكذا تتمازج في الإسلام المسئوليتان الجماعية والفردية، ولا تلغي إحداهما الأخرى أو تقلص منها، فدور الجماعة لا يلغي دور الفرد، ولا نجاح للفرد إلا في مناخ جماعي ييسر أداءه، ويبارك جهده، وينمي ثمرته..
مسئولية الأمة وأبنائها
لقد أراد الله تعالى للأمة التي تحمل رسالته العظمى ودينه الخاتم، وتقوم بالدعوة إليه، والحركة من أجله، والجهاد في سبيله، أن تكون أمة شاهدة على العالمين، رائدة للبشرية، تسير في طليعة الدنيا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143)، وهذا هو الوضع اللائق بأمة نصبت نفسها لتحمل دين الله الحق، وتقوم بتبعاته الثقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78)
أفضلية أمة الإسلام مرهونة بأداء مهمتها ووظيفتها
ولا ينبغى أن يظن ظان أن في الأمر محاباة لهذه الأمة، أو استعلاء لها بغير الحق، تعالى الله عن ذلك، فليست أمة الإسلام أمة عنصرية تمجد عنصرًا بعينه من عناصر البشر، أو جنسًا خاصًا من أجناسه، بل هي أمة عقيدة تضم كل من أوى إليها، وآمن برسالتها، بغض النظر عن جنسه ولونه، كما أن أفضليتها مرهونة بأدائها لمهمتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (آل عمران: 110) فإن تقاعست عنها خسرت تلك المكانة العلية، وحوسبت عن تقصيرها أشد حساب، ثم استبدل بها غيرها ممن يستطيعون حمل الرسالة بحق (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39) نعوذ بالله من ذلك المصير.
دين الأمة كلها لا دين النخبة وحدها
إن مقتضى ذلك التوازن بين المسئولية الجماعية والفردية، وذلك التفضيل للأمة المرهون بأداء رسالتها، وذلك الاستبدال القائم خطره حين التقاعس والقعود، أن نفهم أن مهمة حمل الرسالة والجهاد في سبيلها هي مهمة الأمة كلها , التي ينبغي على مجموعها وأفرادها النهوض بها، وليست مهمة أفراد منها أو نخبة أو صفوة من أبنائها، وليست أيضًا مهمة جماعة من جماعاتها أو حزب أو فريق بعينه دون غيره، ونحن بذلك لا نلغي دور النخبة والصفوة من الأمة، أو نقلل منه، فلابد لكل أمة من جماعة تقود، وترتاد الطريق، وتعطي المثل والقدوة، ومثل ذلك في حال أمتنا أكثر فرضًا وأشد إلزامًا، كما لا نلغي دور بعض الأفراد من الأبطال والزعماء الحقيقيين الذين ينبهون الأمة إلى مواطن الخطر، أو مواضع الإنجاز، هؤلاء الملهمون الذين يصرخون حين تلتبس على الأمة السبل: "ها هنا الطريق".. لسنا نقلل من هذا الدور ولا ذاك , إنما ننبه إلى أن نجاح ذلك الدور مرهون بتفهم الأمة له، ومؤازرتها ونصرتها ودعمها لمن يقومون به، وفهمها أن دور أولئك الرواد ليس بديلاً لدورها، وليس مبررًا؛ لأن تنفض يدها من المسئولية الملقاة على عاتقها، والمحاسبة أمام ربها عنها، ظنًا أن فصيلاً من أبنائها كفوها مؤنة ذلك العبء الثقيل.
الفقه المعوج عند الناس لفرض العين وفرض الكفاية
إن بعض الناس يسيئون فهم قضية فروض الكفاية وفروض العين، ويضعون أمر نصرة الإسلام والدفاع عنه والجهاد في سبيله في خانة فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ويحسبون أن قيام البعض بذلك الفرض يعني الانصراف عنه أو خذلانه، وربما تعويقه والعمل على نقيضه، وذلك خطر ذميم، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل: 92)، كما أن الفهم الصحيح لفرض الكفاية يقضي بأنه "إذا قامت به جماعة سقط عن الباقين"، والله يعلم- والناس أجمعون يعلمون- أنه لم "يقم" بناء الإسلام الكامل بعد ما انتقصه منه أعداؤه.. وأن المتصدرين لنصرة الإسلام والعمل له غير قادرين وحدهم على القيام الحق بذلك الفرض في تلك الظروف العالمية المعادية للإسلام، والمتربصة بأهله.. وكيف يُظن بهم القدرة على ذلك وكثير من المسلمين يرتضي لنفسه مقام الغفلة من دينه، والجهل به، أو العداء له ممن ينتسبون إليه؟؟
قم ودع عنك الرقادا
قم ودع عنك الرقاد ***** إنه الإسلام عاد
في سبيل الله سرنا ***** وأعلنا الجهاد
نحن بالرشاش عدنا ***** نملك اليوم القياد
ومشينا صحوة الجيل ***** جموعاً وفراد
ما عرفنا العيش إلا ***** عنفوانا وجلاداً
هب جمع المؤمنين ***** للشباب الصادقين
في ليالي الكرب ساروا ***** خلف قرآن مبين
لم يبالوا بالرزايا ***** بين أنياب السنين
بشر الناس بصبح ***** مشرق بالبينات
وبه الفتح تجلى ***** في بطون الظلمات
وبصف وحدته ***** بالهدى أيدي الأباة
يا ليالي الظالمين ***** يا هوان العابثين
يا ضياعاً في السنين ***** قد أتى الوعد المبين
قد أتيناكم برشاش ***** وقرآن مبين
خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا , أما بعد ...
سبب المقال
دعونا بادئ ذي بدء نتساءل هذه الأسئلة الهامة ... أليس مصدر عزتنا وسؤددنا موجود بين أظهرنا؟!!! قال الله تعالى:" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) "(الأنبياء) .
أليس ما يعصمنا من الضلال والضياع حاضر بيننا , أخرج مالك في موطئه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي", ألسنا مرضى والمعاصي مرضنا ونعرف الدواء وهو في منهج ربنا , فلماذا نقصر في التداوي , قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)"(الأعراف)
إن هذه الأسئلة تلح علي وبشدة وهي تدفعني أن أقول لنفسي وإياكم:خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كيف نأخذ الكتاب بقوة
قال سيد قطب في تفسير قوله تعالى:
{ وإذ أخذنا ميثاقكم ، ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة ، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين }
فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع
وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى ، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد ، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة , فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع ، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة , إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق ، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة ، نعم! ولكن هذه هي طبيعته ... إنه أمر عظيم ... أعظم من كل ما في هذا الوجود ... فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه ، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف ...
إذا أقبلت على طريق الله فقل وداعا للراحة والدعة
ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نودي للتكليف : « مضى عهد النوم يا خديجة » . وكما قال له ربه : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وكما قال لبني إسرائيل :{ خذوا ما آتيناكم بقوة } . { واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } . .
طريق الله جد وحماسة ومعها بصيرة وكياسة
ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه ، واستشعار حقيقته ، والتكيف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة , فعهد الله منهج حياة ، منهج يستقر في القلب تصوراً وشعوراً ، ويستقر في الحياة وضعاً ونظاماً ، ويستقر في السلوك أدباً وخلقاً ، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير ,ولكن هيهات! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها ، وغلبت عليها جبلتها :{ ثم توليتم من بعد ذلك }أ.هـ , فهل ستتولى عن الله ومنهجه كما تولى بنو إسرائيل ؟ إن فعلت فأنت وحدك الخاسر...
وقال سيد قطب في قول الله تعالى لموسى – عليه السلام -:
{ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } . .
والأمر الإلهي الجليل لموسى - عليه السلام - أن يأخذ الألواح بقوة وعزم ، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم . . هذا الأمر على هذا النحو فضلاً على أنه يشي بضرورة هذا الأسلوب في أخذ هذه الطبيعة الإسرائيلية ، التي أفسدها الذل وطول الأمد ، بالعزم والجد ، لتحمل تكاليف الرسالة والخلافة ، فإنه - كذلك - يوحي بالمنهج الواجب في أخذ كل أمة لكل عقيدة تأتيها . .
إن العقيدة أمر هائل عند الله - سبحانه - وأمر هائل في حساب هذا الكون ، وقدر الله الذي يصرفه ، وأمر هائل في تاريخ « الإنسان » وحياته في هذه الأرض وفي الدار الآخرة كذلك . . والمنهج الذي تشرعه العقيدة في وحدانية الله - سبحانه - وعبودية البشر لربوبيته وحده ، منهج يغير أسلوب الحياة البشرية بجملتها ، ويقيم هذه الحياة على أسلوب آخر غير الذي تجري عليه في الجاهلية ، حيث تقوم ربوبية غير ربوبية الله سبحانه ، ذات منهج للحياة كلها غير منهج الله الذي ينبثق من تلك العقيدة . .
طريق الله أمر ليس بالهين فلا بد أن يؤخذ بقوة وبعلوٍ للهمة
وأمر له هذه الخطورة عند الله ، وفي حساب الكون ، وفي طبيعة الحياة وفي تاريخ « الإنسان » . . يجب أن يؤخذ بقوة ، وأن تكون له جديته في النفس ، وصراحته وحسمه . ولا ينبغي أن يؤخذ في رخاوة ، ولا في تميع ، ولا في ترخص ، ذلك أنه أمر هائل في ذاته ، فضلاً على أن تكاليفه باهظة لا يصبر عليها من طبيعته الرخاوة والتميع والترخص ، أو من يأخذ الأمر بمثل هذه المشاعر . .
وليس معنى هذا - بطبيعة الحال - هو التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض! فهذا ليس من طبيعة دين الله . . ولكن معناه الجد والهمة والحسم والصراحة . . وهي صفات أخرى ومشاعر أخرى غير مشاعر التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض!
هل نستحق خطابا قاسيا كهذا الذي خوطب به بنو إسرائيل؟
ولقد كانت طبيعة بني إسرائيل - بصفة خاصة - بعدما أفسدها طول الذل والعبودية في مصر , تحتاج إلى هذا التوجيه . لذلك نلحظ أن كل الأوامر لبني إسرائيل كانت مصحوبة بمثل هذا التشديد وهذا التوكيد ، تربية لهذه الطبيعة الرخوة الملتوية المنحرفة الخاوية ، على الاستقامة والجد والوضوح والصراحة , ومثل طبيعة بني إسرائيل كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل ، والخضوع للإرهاب والتعبد للطواغيت ، فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال ، والأخذ بالأسهل تجنباً للمشقة . . كما هو الملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية التي نطالعها في زماننا هذا ، والتي تهرب من العقيدة لتهرب من تكاليفها ، وتسير مع القطيع؛ لأن السير مع القطيع لا يكلفها شيئاً!
لن تنال ما تريد وأنت غافل وإلى الدنيا مطمئن ومائل
إنبعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفي نفس الوقت يريد شقة واسعة ومحمولا وسيارةمكيفة ، وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم، وعشرة أولاد صبيان ، وبنتا تدلله ، وخدامه وما علم أو نسي أن الدنيا دار بلاء وعناء قال الله تعالى:"لقد خلقنا الانسان في كبد" البلد , وهي كذلك دار اختبار , قال الله تعالى:"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" الملك
المسلم في هذه الدنيا في شغل ...فمتى الفراغ؟
المؤمن في هذه الدنيا في شغل , فإذا تساءل أحدكم ومتى الفراغ؟
فنقول:الفراغ في الجنة ... فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت ..
الدنيادار عمل ، فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل ، فلست في فسحة من أمرك ولذلكقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"اخرجه مسلم (2956)... الدنيا سجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه ,وله أحكامه ومواعيده ، وله ضوابطه ... الدنيا سجن فلا تحاول في السجن أنتعيش في الجنة .
السجنله مواعيده ... مواعيد الفسح ... هناك مواعيد للصلاة , لا يصح النوم فيها , ولاالشغل أثنائها .. هذا هو سجن الدنيا .. ولا بد عليك أن تقطعها هكذا ... لكن الذييريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشي علىمزاجه وينام على مزاجه ويفعل ما يريد وما يشتهي سيضل الطريق لا محالة .
عش في الدنيا كما يريد الله لا كما تريد أنت
لابدأن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن في سجنالتكاليف الشرعية ... وإن كنت مكتفا بهذه التكاليف النبيلة ، فهناك أناسغيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد لكن ليس لهم أجر ولك أنت الأجر الجزيل من الرب الجليل ... فلو كنتتمرض فالكفار يمرضون ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون ... إذا كنت تؤذى فيسبيل الله فهناك من يؤذى من أجل مناهج باطلة بل وكفرية , قال الله تعالى:" إن تكونواتألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون )) النساء .
بمواصلة العمل يتواصل لك من الله الأجر بلا خلل
أنتترجو بالذي تعمله أجرا هم لا يرجونه , وهذا هو عزاؤك .. أن الله تعالىسيعطيك .. فضع نفسك في سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة بإذن الله تعالى.
من يوم أن نودي صلى الله عليه وسلمب " يأ يها المدثر * قم فأنذر " ولم يرقد أو يركد بعدها لحظةبلكان لسان حاله - صلى الله عليه وسلم -:"ذهب زمان النوم (http://quran.maktoob.com/vb/search.php?do=process&query=%D8%B0%D9%87%D8%A8%20%D8%B2%D 9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9% 86%D9%88%D9%85&mfs_type=forum&utm_source=Related-Search&utm_medium=Links&utm_campaign=Related)يا خديجة".
ولذلكلم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد : كفاكم ما حدث واقعدوا في بيوتكم ..لا.. بل قال سبحانه وتعالى : - "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)"(النساء) قال لهم:اثبتوا على مطاردتهم وظلواخلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم : شغل مستمر وعمل متواصل وجهد غير منقطع .
خذ الكتاب بقوة وإن أوذيت فالرسول أوذي وما تنازل
ومعذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وان يعيش دوما في عافية .. يا أخي إن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوذي وطرد وشتم بل وتفل في وجههالشريف , لقد اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الأرض ..- صلى الله عليه وسلم-شتموه ووضعوا التراب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه ... وحفرله حفرة في غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفرفي وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفيالطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده - فداه أبي وأمي ونفسي - صلى اللهعليه وسلم – ووقع أيضا من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى حتى لم يطقحماه أحد .. عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .. فداه أبي وأميونفسي رسول الله.
الراحة في الجنة بإذن الله تعالى
إن المتفقه في سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – لا يجد لحظة استراح فيهافأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشىكثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا .. وكان يأكل الدقل ( أردأ التمر ) وربمالا يجده .. سهر السنين الطويلة ... ونام على الحصير في كد ونصب ليقيم الحقويبلغ دعوة ربه .بأبيهو وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرامحتسبا فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتريد أنت أن تعيشها نظيفةحلوة ! تريد أن تعيشها ممتعا معافي ! ... تريد أن تعيشها في راحة وأمان ! لا يا أخي .. هذة دنيا .. الأصل فيها المشاكل والأحزان وإلا لما كان هناكاشتياق للآخرة .. فيا أخي ... هيا للعمل والتعب والجد والاجتهاد , ولا تلبسثياب الفراغ أثناء العمل .
لا تشغل نفسك بالدنيا وإن جاءتك ففي سبيل الله أنفقها
الدنياشغل .. شغل للآخرة فالزم الشغل حتى تمر هذه الدار بسلام .
الزم الشغل ... ولا تحزن على شيء فاتك منالدنيا ولا تفكر فيها , فان جاءتك أو ارتمت بين يديك ، فسخرها في خدمة ما أنت فيهمن عمل الآخرة , وإلا فاطرحها جانبا وامض في طريقك إلى الله .
إن الذي يسير على هذا النهج هو رجل الآخرة , الذي يريد الوصول فلا يخلع ثيابالعمل حتى يلقى الله , أما الذي يريد أن يلبس ثياب الفراغ أثناء العمل,فينشغل قلبه بالزوجة والمال والأولاد , فهو رجل الدنيا ... يعيش لها ولذا لن يصلإلى الله مطلقا حتى يخلع ثياب الفراغ ويلبس دائما ثياب العمل للآخرة. قال الله تعالى:"قلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)"(التوبة)
فوظف أخي في الله كل أركان حياتك في العمل للآخرة , وواصل الشغل ليل نهار , فأنت في مقام مستعبد , ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة في زمانالاستئجار , وكل زمان المتقي صوم نهار, فواصل السير ولا تنقطع.
من أين يستمد المسلم قوته؟
فالإسلام قد أمر بإعداد القوة وتحصيل العدة , قال الله تعالى:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ {الأنفال: 60}, وأما عن المصادر التي يستمد المسلم منها القوة فنعرض بعضا منها في النقاط التالية:
1. الإيمان والعمل الصالح.قال سبحانه: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {النور:55} .
2. موالاة الله ورسوله والمؤمنين.قال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ" {المائدة:56} .
3. الصبر على كيد الأعداء وأذاهم ومقابلة ذلك بعزيمة صلبة وإيمان قوي، قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120}.
4. الاتحاد وعدم التفرق، قال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ {الأنفال:46}.
5. اعتبار الغاية من النصر إقامة دين الله في الأرض، ونشر الخير فيها، وصرف الشر عنها، قال سبحانه:" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" {الحج:41}.
6.الاستغفار وذكر الله , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)"(الأنفال) , وقال أيضا:" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)" .
7.تأدية الفرائض والمحافظة على النوافل:أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ."
فالمنهجية في استعمال القوة تشمل -إذاً- الإعداد العلمي الشرعي، والتربية الإيمانية، كما تشمل العلم بالطب والاقتصاد والمجال الصناعي
والعسكري، وغير ذلك مما يحقق قوة واستقلالية للمسلمين عن أعدائهم , وجماع الخير كله هو في العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه بفهم سلف هذه الأمة.
حمل الأمانة والمسئولية تجاه قضايا الإسلام
التساهل في حمل الأمانة
فإنه من بين مخلوقات الله التي لا تحصى في كونه الفسيح يقف الإنسان- ذلك المخلوق العظيم- متفردًا متميزًا، بكل ما حباه الله تعالى من قدرات وملكات، ليكون متأهلا لحمل الأمانة الكبرى التي ارتضى حملها بعدما أشفقت السماوات والأرض من حملها ومن تبعاتها، أمانة المسئولية عن فعله ودوره، والخلافة عن الله تعالى في أرضه (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
هل كل من حمل الأمانة ظلوم جهول؟
وليس الوصف بالظلم والجهالة مرتبطًا بمجرد الرضا بحمل الأمانة ، بل بالغفلة عن مقتضاها، والتفريط الغالب من الإنسان في تبعاتها ، وهذا التفريط يفضي إلى الإفساد والشر، في ذات الوقت الذي يؤهله نجاحه في حمل الأمانة إلى ترقية الذات وإسعاد العالم، ومن رحمة الله به أنه ما طالبه بتحقيق الخلافة والوصول إلى الغاية إلا وآتاه وسيلة النجاح في ذلك، وأرشده إلى طريقة الفلاح فيه، وهو الاستمساك بمنهج الله وشريعته، والأخذ القوى به (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 38-39)، ومن رحمة الله تعالى له أن أرسل إليه رسله تترى، يحملون دين الحق وشرائع الهدى، ليقوِّموا مسيرة الإنسان، ويضعوا أقدامه على الطريق الصحيح.
التمازج بين المسؤلية الفردية والمسؤلية الجماعية
ثم جاءت رسالة الإسلام الخالدة خاتمة رسالات السماء لتكون جماع الخير كله، وكلمة الله الأخيرة إلى العالم، ليتحاكم الناس إليها في الدنيا، ويحاسبوا بمقتضاها في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه: 124-126)، (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) (طـه: 99-101).
ومع أن المسئولية عن إقامة الدين الحق ونصرته وتحقيق مراده وغاياته هي مسئولية جماعية تسأل عنها الأمة كلها (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية13) (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) (الجاثـية: من الآية28) إلا أن المسئولية العظمى أمام الله تعالى يوم القيامة تبقى في الأساس مسئولية كل فرد على حدة، وهل المسئولية الجماعية في حقيقتها إلا محصلة تلك المسئوليات الفردية؟ وهل نجاح الجماعة إلا نتيجة نجاحات الأفراد المكونين لها؟ (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 13-15) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم: 93-95).وهكذا تتمازج في الإسلام المسئوليتان الجماعية والفردية، ولا تلغي إحداهما الأخرى أو تقلص منها، فدور الجماعة لا يلغي دور الفرد، ولا نجاح للفرد إلا في مناخ جماعي ييسر أداءه، ويبارك جهده، وينمي ثمرته..
مسئولية الأمة وأبنائها
لقد أراد الله تعالى للأمة التي تحمل رسالته العظمى ودينه الخاتم، وتقوم بالدعوة إليه، والحركة من أجله، والجهاد في سبيله، أن تكون أمة شاهدة على العالمين، رائدة للبشرية، تسير في طليعة الدنيا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143)، وهذا هو الوضع اللائق بأمة نصبت نفسها لتحمل دين الله الحق، وتقوم بتبعاته الثقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78)
أفضلية أمة الإسلام مرهونة بأداء مهمتها ووظيفتها
ولا ينبغى أن يظن ظان أن في الأمر محاباة لهذه الأمة، أو استعلاء لها بغير الحق، تعالى الله عن ذلك، فليست أمة الإسلام أمة عنصرية تمجد عنصرًا بعينه من عناصر البشر، أو جنسًا خاصًا من أجناسه، بل هي أمة عقيدة تضم كل من أوى إليها، وآمن برسالتها، بغض النظر عن جنسه ولونه، كما أن أفضليتها مرهونة بأدائها لمهمتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (آل عمران: 110) فإن تقاعست عنها خسرت تلك المكانة العلية، وحوسبت عن تقصيرها أشد حساب، ثم استبدل بها غيرها ممن يستطيعون حمل الرسالة بحق (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39) نعوذ بالله من ذلك المصير.
دين الأمة كلها لا دين النخبة وحدها
إن مقتضى ذلك التوازن بين المسئولية الجماعية والفردية، وذلك التفضيل للأمة المرهون بأداء رسالتها، وذلك الاستبدال القائم خطره حين التقاعس والقعود، أن نفهم أن مهمة حمل الرسالة والجهاد في سبيلها هي مهمة الأمة كلها , التي ينبغي على مجموعها وأفرادها النهوض بها، وليست مهمة أفراد منها أو نخبة أو صفوة من أبنائها، وليست أيضًا مهمة جماعة من جماعاتها أو حزب أو فريق بعينه دون غيره، ونحن بذلك لا نلغي دور النخبة والصفوة من الأمة، أو نقلل منه، فلابد لكل أمة من جماعة تقود، وترتاد الطريق، وتعطي المثل والقدوة، ومثل ذلك في حال أمتنا أكثر فرضًا وأشد إلزامًا، كما لا نلغي دور بعض الأفراد من الأبطال والزعماء الحقيقيين الذين ينبهون الأمة إلى مواطن الخطر، أو مواضع الإنجاز، هؤلاء الملهمون الذين يصرخون حين تلتبس على الأمة السبل: "ها هنا الطريق".. لسنا نقلل من هذا الدور ولا ذاك , إنما ننبه إلى أن نجاح ذلك الدور مرهون بتفهم الأمة له، ومؤازرتها ونصرتها ودعمها لمن يقومون به، وفهمها أن دور أولئك الرواد ليس بديلاً لدورها، وليس مبررًا؛ لأن تنفض يدها من المسئولية الملقاة على عاتقها، والمحاسبة أمام ربها عنها، ظنًا أن فصيلاً من أبنائها كفوها مؤنة ذلك العبء الثقيل.
الفقه المعوج عند الناس لفرض العين وفرض الكفاية
إن بعض الناس يسيئون فهم قضية فروض الكفاية وفروض العين، ويضعون أمر نصرة الإسلام والدفاع عنه والجهاد في سبيله في خانة فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ويحسبون أن قيام البعض بذلك الفرض يعني الانصراف عنه أو خذلانه، وربما تعويقه والعمل على نقيضه، وذلك خطر ذميم، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل: 92)، كما أن الفهم الصحيح لفرض الكفاية يقضي بأنه "إذا قامت به جماعة سقط عن الباقين"، والله يعلم- والناس أجمعون يعلمون- أنه لم "يقم" بناء الإسلام الكامل بعد ما انتقصه منه أعداؤه.. وأن المتصدرين لنصرة الإسلام والعمل له غير قادرين وحدهم على القيام الحق بذلك الفرض في تلك الظروف العالمية المعادية للإسلام، والمتربصة بأهله.. وكيف يُظن بهم القدرة على ذلك وكثير من المسلمين يرتضي لنفسه مقام الغفلة من دينه، والجهل به، أو العداء له ممن ينتسبون إليه؟؟
قم ودع عنك الرقادا
قم ودع عنك الرقاد ***** إنه الإسلام عاد
في سبيل الله سرنا ***** وأعلنا الجهاد
نحن بالرشاش عدنا ***** نملك اليوم القياد
ومشينا صحوة الجيل ***** جموعاً وفراد
ما عرفنا العيش إلا ***** عنفوانا وجلاداً
هب جمع المؤمنين ***** للشباب الصادقين
في ليالي الكرب ساروا ***** خلف قرآن مبين
لم يبالوا بالرزايا ***** بين أنياب السنين
بشر الناس بصبح ***** مشرق بالبينات
وبه الفتح تجلى ***** في بطون الظلمات
وبصف وحدته ***** بالهدى أيدي الأباة
يا ليالي الظالمين ***** يا هوان العابثين
يا ضياعاً في السنين ***** قد أتى الوعد المبين
قد أتيناكم برشاش ***** وقرآن مبين