عزام
05-14-2009, 08:20 AM
مصر تعلنها حرباً شعواء... على الإباحية!
هل يمكن حجب الصفحات الجنسيّة على شبكة الإنترنت؟ وهل يفيد هذا المنع أصلاً؟ أسئلة عديدة يطرحها صدور قرار قضائي يقضي بالتخلّص من مواقع «تنشر الرذيلة بين طوائف المجتمع المصري»
محمد خير
ليس غريباً أنّ الحكم الذي أصدرته محكمة قاهرية أول من أمس، بحجب المواقع «الإباحية»، لم يحدد أسماء تلك المواقع التي «تنفث سمومها في نشر الرذيلة بين طوائف المجتمع المصري». كما أن الدعوى نفسها التي أقامها المحامي نزار غراب، لم تسمِّ تلك المواقع، «كيف أحدد مواقع لا حصر لها» يعترف المحامي لوكالة «رويترز». في إطار هذا «اللاتحديد»، لم يكن صعباً على مسؤول مصري كبير، أن يعلّق على الحكم قائلاً إنّ الحكومة تفتقر إلى «التقنية التي نستطيع أن نحجب بها المواقع الإباحية». الإجابة ذكية بلا شكّ، رغم أنها تتجنب الحوار الأخلاقي أو الدستوري، وتتجاهل السؤال عن حرية المعلومات، إلا أنها تتخذ طريقاً «تقنياً»، قد يكون هو الأكثر تناسباً مع تلك القضية «التكنولوجية»: استخدام الإنترنت.
بعيداً عن تأمّل طبيعة علاقة العرب بالتكنولوجيا، وهي طبيعة تتلخّص عادة في تعطيل تلك التكنولوجيا أطول فترة ممكنة، قبل الاستسلام المحتوم لها في النهاية... فإنه ربما حان الوقت، لعملية توعية واسعة وشارحة لطبيعة قضية حجب مواقع الإنترنت. إذ إنّ كثيرين ممن يطالبون بمنع المواقع ذات الطبيعة الجنسية، ومنهم متعلّمون، نواب برلمانيون، بل مستخدمون نشطون للإنترنت، يظنون أن لدى السلطات زراً قد تضغطه، فتمنع المواقع التي تريد، لكنها تمتنع عن ذلك «لأنها تريد للشباب أن يظل غارقاً في الخطيئة فيبتعد عن السياسة»، كما تقول النظرية المعروفة.
وسواء كانت المطالبة بمنع تلك المواقع، ابنة نسق أخلاقي، أو محض مزايدات، أو حتى جهلاً، فإن واقع تكنولوجيا الإنترنت يقرّ بشبه استحالة تطبيق هذا المنع، رغم محاولات كبيرة، مكلفة وغير مجدية، في الخليج العربي ، وأخرى، ذات طابع سياسي، في الصين. وقد تستطيع الحكومة أن تحجب بعض عناوين الإنترنت عبر الخادم الرئيسي الذي يوفر الخدمة للبلاد. لكن ذلك ممكن فقط بالنسبة إلى مواقع محدودة. لذا تنجح الحكومات الشمولية في حجب مواقع سياسية معارضة على سبيل المثال، لأنّ عدد تلك الأخيرة، مهما زاد، فهو قليل، ويسهل تتبعه وحجبه. أما المواقع ذات الطبيعة الجنسية، فحجبها عملية مستحيلة، لأسباب عديدة. أولها أنّه لحجب مواقع إنترنت، تتوافر طريقتان لا ثالثة لهما: الأولى معرفة أسماء مواقع معينة ومنعها، وتلك طريقة سهلة ومضمونة، لكن لا يمكن لها متابعة آلاف المواقع الجنسية على الشبكة التي تحتوي ملايين الصفحات، وفوق ذلك، فهي تنمو بسرعة مذهلة، وبالتالي تحتاج إلى جيش هائل من التقنيين والموظفين، والبرامج المتطورة، لمتابعة المواقع الجديدة يومياً وضمها إلى قوائم المنع.
الطريقة الثانية، تعتمد على منع كلمات وعبارات معينة، وهي تؤدي إلى المشكلة المعروفة في عالم المنع «المنع أكثر من اللازم أو أقل من اللازم». مثلاً، لو قررت الحكومة منع العناوين التي تحتوي كلمة «جنس»، فإنها ستمنع، بالإضافة إلى المواقع الإباحية، عدداً كبيراً من المواقع العلميّة المخصصة للصحة الجنسية والتناسلية، الأسرية والإنجابية، والطبية والدوائية والتجارية... أما إذا اكتفى «المانع» بمنع الألفاظ الأكثر تخصصاً من كلمة «جنس»، فإنه سيمنع «أقل من اللازم»، لأنّ عدداً كبيراً من المواقع الجنسية سوف «يتسلل» إلى المستخدمين رغم جهود المنع.
لنفترض، أنّ جهةً ما، استطاعت، بمعجزة، أن تنفذ الطريقتين معاً، وتمنع، بالضبط وبالتحديد، كل ما تستهدف من عناوين إنترنت، هنا تبقى أمامها مشكلة «البروكسي». مواقع البروكسي هي مواقع مخصّصة لتجاوز الحجب، عن طريق ولوج تلك المواقع وكتابة عنوان الموقع المحظور. يستطيع المستخدم تجاوز الحظر والوصول إلى الموقع الذي يريد. وقد حجبت حكومات أشهر مواقع البروكسي ذاتها، لكنّها تقف مكتوفة الأيدي أمام برامج تغيير «آي بي». والأخير هو المعرّف الذي يميز كل جهاز كمبيوتر يدخل الإنترنت، وهو رقم يتكون من مقاطع عدة، تدل على الدولة والشركة والشبكة وجهاز الكمبيوتر المستخدم. هنا يغيّر البرنامج ذلك الرقم المعرّف، ويمنحه هوية أجنبية ورقماً يميّز مستخدماً من دولة أخرى، خادعاً الخادم الرئيس الذي يحجب المواقع، ومتسللاً رغماً عن ذلك الخادم إلى العنوان المستهدف.
مثل تلك الحيل ليست نادرة الاستخدام، لكنها شائعة بين مستخدمي الدول التي تمارس بانتظام حجب مواقع الإنترنت، وستزيد شعبية تلك الوسائل كلما ازداد الحجب، سواء كان حجباً سياسياً أو أخلاقياً. وفي الواقع، فإن كل تلك العلاقة بين القائم بالحظر والمستخدم العادي، هي في كفة، والعلاقة بين المستخدمين أنفسهم في كفة أخرى. إذ بعيداً عن الحظر والحجب والمنع، ثمة نشاط هائل يقوم على مشاركة الملفات بين المستخدمين أنفسهم، وهو نشاط بعيد تماماً عن تناول أي جهة رسمية أو أهلية، وقد أدت برامج التشارك تلك إلى خسائر هائلة لـ«هوليوود» على سبيل المثال لا الحصر، بسبب تشارك أفلامها بين المستخدمين مجاناً، بدلاً من شرائها أو حتى مشاهدتها في السينما.
كل هذه الجهود، والإجراءات والكلفة من أجل الحظر والحجب، يمكن تجنبها ببساطة لو توافرت القناعة بالحرية والمسؤولية الذاتية للمتلقي، فإذا نجحت السلطات العربية في «تطوير» وسائل حجب الإنترنت، فإنها ستكون قد قضت، أولاً، على الهدف من شبكة «المعلومات»، وثانياً ستعيد، مجدداً، شعبية فضائيات البورنو!
هل يمكن حجب الصفحات الجنسيّة على شبكة الإنترنت؟ وهل يفيد هذا المنع أصلاً؟ أسئلة عديدة يطرحها صدور قرار قضائي يقضي بالتخلّص من مواقع «تنشر الرذيلة بين طوائف المجتمع المصري»
محمد خير
ليس غريباً أنّ الحكم الذي أصدرته محكمة قاهرية أول من أمس، بحجب المواقع «الإباحية»، لم يحدد أسماء تلك المواقع التي «تنفث سمومها في نشر الرذيلة بين طوائف المجتمع المصري». كما أن الدعوى نفسها التي أقامها المحامي نزار غراب، لم تسمِّ تلك المواقع، «كيف أحدد مواقع لا حصر لها» يعترف المحامي لوكالة «رويترز». في إطار هذا «اللاتحديد»، لم يكن صعباً على مسؤول مصري كبير، أن يعلّق على الحكم قائلاً إنّ الحكومة تفتقر إلى «التقنية التي نستطيع أن نحجب بها المواقع الإباحية». الإجابة ذكية بلا شكّ، رغم أنها تتجنب الحوار الأخلاقي أو الدستوري، وتتجاهل السؤال عن حرية المعلومات، إلا أنها تتخذ طريقاً «تقنياً»، قد يكون هو الأكثر تناسباً مع تلك القضية «التكنولوجية»: استخدام الإنترنت.
بعيداً عن تأمّل طبيعة علاقة العرب بالتكنولوجيا، وهي طبيعة تتلخّص عادة في تعطيل تلك التكنولوجيا أطول فترة ممكنة، قبل الاستسلام المحتوم لها في النهاية... فإنه ربما حان الوقت، لعملية توعية واسعة وشارحة لطبيعة قضية حجب مواقع الإنترنت. إذ إنّ كثيرين ممن يطالبون بمنع المواقع ذات الطبيعة الجنسية، ومنهم متعلّمون، نواب برلمانيون، بل مستخدمون نشطون للإنترنت، يظنون أن لدى السلطات زراً قد تضغطه، فتمنع المواقع التي تريد، لكنها تمتنع عن ذلك «لأنها تريد للشباب أن يظل غارقاً في الخطيئة فيبتعد عن السياسة»، كما تقول النظرية المعروفة.
وسواء كانت المطالبة بمنع تلك المواقع، ابنة نسق أخلاقي، أو محض مزايدات، أو حتى جهلاً، فإن واقع تكنولوجيا الإنترنت يقرّ بشبه استحالة تطبيق هذا المنع، رغم محاولات كبيرة، مكلفة وغير مجدية، في الخليج العربي ، وأخرى، ذات طابع سياسي، في الصين. وقد تستطيع الحكومة أن تحجب بعض عناوين الإنترنت عبر الخادم الرئيسي الذي يوفر الخدمة للبلاد. لكن ذلك ممكن فقط بالنسبة إلى مواقع محدودة. لذا تنجح الحكومات الشمولية في حجب مواقع سياسية معارضة على سبيل المثال، لأنّ عدد تلك الأخيرة، مهما زاد، فهو قليل، ويسهل تتبعه وحجبه. أما المواقع ذات الطبيعة الجنسية، فحجبها عملية مستحيلة، لأسباب عديدة. أولها أنّه لحجب مواقع إنترنت، تتوافر طريقتان لا ثالثة لهما: الأولى معرفة أسماء مواقع معينة ومنعها، وتلك طريقة سهلة ومضمونة، لكن لا يمكن لها متابعة آلاف المواقع الجنسية على الشبكة التي تحتوي ملايين الصفحات، وفوق ذلك، فهي تنمو بسرعة مذهلة، وبالتالي تحتاج إلى جيش هائل من التقنيين والموظفين، والبرامج المتطورة، لمتابعة المواقع الجديدة يومياً وضمها إلى قوائم المنع.
الطريقة الثانية، تعتمد على منع كلمات وعبارات معينة، وهي تؤدي إلى المشكلة المعروفة في عالم المنع «المنع أكثر من اللازم أو أقل من اللازم». مثلاً، لو قررت الحكومة منع العناوين التي تحتوي كلمة «جنس»، فإنها ستمنع، بالإضافة إلى المواقع الإباحية، عدداً كبيراً من المواقع العلميّة المخصصة للصحة الجنسية والتناسلية، الأسرية والإنجابية، والطبية والدوائية والتجارية... أما إذا اكتفى «المانع» بمنع الألفاظ الأكثر تخصصاً من كلمة «جنس»، فإنه سيمنع «أقل من اللازم»، لأنّ عدداً كبيراً من المواقع الجنسية سوف «يتسلل» إلى المستخدمين رغم جهود المنع.
لنفترض، أنّ جهةً ما، استطاعت، بمعجزة، أن تنفذ الطريقتين معاً، وتمنع، بالضبط وبالتحديد، كل ما تستهدف من عناوين إنترنت، هنا تبقى أمامها مشكلة «البروكسي». مواقع البروكسي هي مواقع مخصّصة لتجاوز الحجب، عن طريق ولوج تلك المواقع وكتابة عنوان الموقع المحظور. يستطيع المستخدم تجاوز الحظر والوصول إلى الموقع الذي يريد. وقد حجبت حكومات أشهر مواقع البروكسي ذاتها، لكنّها تقف مكتوفة الأيدي أمام برامج تغيير «آي بي». والأخير هو المعرّف الذي يميز كل جهاز كمبيوتر يدخل الإنترنت، وهو رقم يتكون من مقاطع عدة، تدل على الدولة والشركة والشبكة وجهاز الكمبيوتر المستخدم. هنا يغيّر البرنامج ذلك الرقم المعرّف، ويمنحه هوية أجنبية ورقماً يميّز مستخدماً من دولة أخرى، خادعاً الخادم الرئيس الذي يحجب المواقع، ومتسللاً رغماً عن ذلك الخادم إلى العنوان المستهدف.
مثل تلك الحيل ليست نادرة الاستخدام، لكنها شائعة بين مستخدمي الدول التي تمارس بانتظام حجب مواقع الإنترنت، وستزيد شعبية تلك الوسائل كلما ازداد الحجب، سواء كان حجباً سياسياً أو أخلاقياً. وفي الواقع، فإن كل تلك العلاقة بين القائم بالحظر والمستخدم العادي، هي في كفة، والعلاقة بين المستخدمين أنفسهم في كفة أخرى. إذ بعيداً عن الحظر والحجب والمنع، ثمة نشاط هائل يقوم على مشاركة الملفات بين المستخدمين أنفسهم، وهو نشاط بعيد تماماً عن تناول أي جهة رسمية أو أهلية، وقد أدت برامج التشارك تلك إلى خسائر هائلة لـ«هوليوود» على سبيل المثال لا الحصر، بسبب تشارك أفلامها بين المستخدمين مجاناً، بدلاً من شرائها أو حتى مشاهدتها في السينما.
كل هذه الجهود، والإجراءات والكلفة من أجل الحظر والحجب، يمكن تجنبها ببساطة لو توافرت القناعة بالحرية والمسؤولية الذاتية للمتلقي، فإذا نجحت السلطات العربية في «تطوير» وسائل حجب الإنترنت، فإنها ستكون قد قضت، أولاً، على الهدف من شبكة «المعلومات»، وثانياً ستعيد، مجدداً، شعبية فضائيات البورنو!