راتب
05-11-2009, 08:45 AM
في ذكرى السابع من أيار:
يوم ترقرقت الدمعة في العين البهية!
فادي شامية-المستقبل - السبت 9 أيار 2009 - العدد 3298 - شؤون لبنانية - صفحة 8
ثمة من أراحه عدم تصديق التحليلات والتصريحات المحذرة من الخطر. الطيبون لم يظنوا أن يـُقتلوا بسلاحٍ حمَوه حتى توجه إليهم. الشرفاء لم يتخيّلوا أن يعبر إخوانهم "المقاومون" على جسر العمال نحو الفتنة. صوّروا لبعض الناس أن الرئيس السنيورة قد سرق مستقبلهم، فتظاهروا بغضب. مرّ اليوم الأول على سواده الحزين لاهثاً نحو فجر جديد، لكن خيوط الصبح حملت مزيداً من الأخبار الحزينة. هاجم "الفاتحون" بيوت "الخونة" في بيروت والجبل.
أخذوا من "تيار المستقبل" مكاتبه بجبروت سلاحهم. وحاولوا السيطرة على الجبل بسيل جحافلهم. أوصدت الصدمة أبواب الناس فاختبأوا خلف رفضهم الحرب الأهلية. تحمّلوا الإهانة واختزنوا الغضب. ثمة من تحمّس فمات، وثمة من نظر بأناة.
مساء الجمعة، التاسع في أيار، انهالت النيران على مكتبٍ لـ "تيار المستقبل" في صيدا.
الحارس الوحيد في المكان لم يتعرّف على قسوة الحقيقة إلا بعد أن صار حبيس الركلات. جاؤوه يحملون سلاحاً وآلة تصوير. أعطوه الأمر بتسليمهم السلاح والخمر!. كان إعلامهم الحربي متعطشاً لتأكيد تخرّصاته. لمَ لا؟، فإعلام "الأعداء"، المكتوب والمسموع والمرئي، أكلته نيران "العملية الموضعية". ولمّا لم يجدوا لدعايتهم دليلاً حملوا المسكين إلى شارع قريب، وقد غادر الوعي مدةً حتى وجد نفسه بعهدة مخابرات الجيش. ووسط زغاريد الرصاص بـ"الفتح الجديد"، حصد الموت روح أستاذ عروبي وزوجه، وضعهما القدر في المكان الخطأ، وأصيب خمسة أبرياء معهم!.
في مجدليون، كما في بيوت صيدا الأبية، كانت المشاعر متضاربة. المدينة استُبيحت وشقيقة الشهيد سلمت مركًزي التيار للجيش. الرعاع طالبوا بالمستوصفات والمراكز الاجتماعية والثقافية والمدارس، فسُلّمت للجيش أيضاً، لكن مشهد السلاح المزعوم لم يظهر. أخذ الناس يسمعون بمن يهدد باقتحام ذلك البيت المعطاء، فلما توافدوا إليه سمعوا سيدته تقول لهم: "لن نسمح لهم أن يقتلوا رفيق الحريري مرتين". فهـِم البعض وتبّرم الآخرون!.
ظُهر الأحد، الحادي عشر من أيار، وقفت النائب بهية الحريري وسط جموع الصيداويين، لتقول: "نحن باقون، ولسنا نادمين أننا استطعنا أن نحمي صيدا من كل الانزلاقات، فليبقَ رأسكم مرفوعاً. لا أحد يمكن أن يُركع صيدا وأبناءها. ليس مهماً أن نكون محاصرين، المهم أن نكون مؤمنين".
لهيب الغضب لم يهدأ لدى أحفاد من أحرقوا أنفسهم يوماً اتقاء الهوان. لم يكفّ "الغرباء" عن المطالبة بالسلاح. ولم يسلك في ذهن هؤلاء أن العلم هو السلاح، وأنه يُعلّم ولا يُسلّم. بحثوا، بلا صفة، في كل شيء، حتى يئسوا. وكان ظلم ذوي القربي مريراً، يوم ترقرقت الدمعة في عين سيدة المدينة الأولى، وهي تقول: "لقد سلّمنا كل المكاتب، والخان، والمدارس، ليل الجمعة، والسبت صباحاً سلّمنا المستوصفات، ولم يعد لديّ سوى هذا البيت لم يُسلّم!. منذ ثلاث سنوات، وعندما كان مطلوباً منا درء الفتنة، تعالينا فوق الجراح ووقفنا في وجه الفتنة. واليوم نفعل"!.
كم هو صعب أن يُسكِتَ المرء أنين الجراح. وكم هو أصعب أن يقرر المكلوم الاستمرار في المسير!. لكن، من قال إن بياض الصفح لا يذوب حينما يهجم عليه الظلام؟!. ومن قال إن الكلمة الطيبة تزهر في غير تربة طيبة؟!. ففي الثاني عشر من أيار، عبّر نائب المدينة الآخر، عن "عدم اطمئنانٍ لأمن الخط الوطني في مدينة صيدا". وبعد كل ما جرى قال: "إذا لم تُعالج الأمور في شكل صحيح، أنا مضطر أن أحمي الخط الوطني في المدينة، بكل الوسائل، وكل السبل، وليعرفوا ذلك"!. وعلى نهجه عقد شيخٌ في المدينة مؤتمراً ليشكر ملهـِمَه، الذي يمضي المقاتلون من تحت عباءته، لأنه كان "أكبر من الفتنة"، قائلاً والدمع في عينيه: أتوجه إليك يا بطل الإسلام، وبطل العروبة... لقد أثبتّ لهم بتجاربك العظيمة أنك أكبر من أراجيفهم وأضاليلهم"!!.
كانت ملامح المدينة توشك أن تتغير، لكن مدارس المدينة ومؤسساتها تضامنت مع بعضها فأقفلت. رفض ذلك الحريص على "الخط الوطني" ما اعتبره دلعاً. أما حليفه رئيس البلدية فقال في الثالث عشر من أيار: "إن في صيدا بعض ما يسمى البؤر التي تحتاج إلى المزيد من الإيضاح حول تواجد الأسلحة فيها. إن محاولة تعطيل المدارس تندرج في محاولة استعمال البعض التربية والصحة من أجل مصالحهم السياسية"!.
نجح الإضراب وعادت المدارس والمؤسسات إلى كنف من يرعاها، بعد أسبوع من "السبي". العودة لم تعجب رئيس بلدية صيدا، فقال في السابع عشر من أيار: "علمنا أن بعضاً من هذه المراكز والمؤسسات الخيرية والتربوية، سوف يُعاد فتحها، وهذا أمر ربما يكون نذيراً بعدم الخير، لأن هذا قد يؤدي الى عودة الاستفزاز في المدينة"!!. يا لضيعة تراث الوالد النزيه، حينما حمل حلمه ورحل، قبل أن يسمع وقع السقوط.
مضى أيار وجاء آخر. داس الرجلان معاً على ذاكرة المدينة. قال أحدهما عن المرشحَين المنافسين، الحريري والسنيورة، مهاجماً: "نحن نوافق أنهما من العيار الثقيل لأن دمهم على المدينة وأبنائها ثقيل". وقال الآخر مدافعاً: "نحن حمينا المدينة في السابع من أيار"!. ولو أنا محونا ذاكرتنا فصدّقنا القول. أفلا تفترض الحماية حصول اعتداء؟. وإذا كان ثمة من اعتدى أو أراد أن يعتدي، أفليس هؤلاء هم حلفاء هذا النائب "الحريص"، سابقاً وراهناً ومستقبلاً؟! فكيف لابن صيدا أن يأتمن صوته على من لم يحفظ له كرامةً أو ذاكرة؟! وكيف يعطي ثقته لمن يرى المعروف في الناس ثم يجحد وجوده؟! من يوزع مال "حلفائه" في الانتخابات وينسب فعلته لمن يساعد الناس في كل وقت؟!.
يوم ترقرقت الدمعة في العين البهية!
فادي شامية-المستقبل - السبت 9 أيار 2009 - العدد 3298 - شؤون لبنانية - صفحة 8
ثمة من أراحه عدم تصديق التحليلات والتصريحات المحذرة من الخطر. الطيبون لم يظنوا أن يـُقتلوا بسلاحٍ حمَوه حتى توجه إليهم. الشرفاء لم يتخيّلوا أن يعبر إخوانهم "المقاومون" على جسر العمال نحو الفتنة. صوّروا لبعض الناس أن الرئيس السنيورة قد سرق مستقبلهم، فتظاهروا بغضب. مرّ اليوم الأول على سواده الحزين لاهثاً نحو فجر جديد، لكن خيوط الصبح حملت مزيداً من الأخبار الحزينة. هاجم "الفاتحون" بيوت "الخونة" في بيروت والجبل.
أخذوا من "تيار المستقبل" مكاتبه بجبروت سلاحهم. وحاولوا السيطرة على الجبل بسيل جحافلهم. أوصدت الصدمة أبواب الناس فاختبأوا خلف رفضهم الحرب الأهلية. تحمّلوا الإهانة واختزنوا الغضب. ثمة من تحمّس فمات، وثمة من نظر بأناة.
مساء الجمعة، التاسع في أيار، انهالت النيران على مكتبٍ لـ "تيار المستقبل" في صيدا.
الحارس الوحيد في المكان لم يتعرّف على قسوة الحقيقة إلا بعد أن صار حبيس الركلات. جاؤوه يحملون سلاحاً وآلة تصوير. أعطوه الأمر بتسليمهم السلاح والخمر!. كان إعلامهم الحربي متعطشاً لتأكيد تخرّصاته. لمَ لا؟، فإعلام "الأعداء"، المكتوب والمسموع والمرئي، أكلته نيران "العملية الموضعية". ولمّا لم يجدوا لدعايتهم دليلاً حملوا المسكين إلى شارع قريب، وقد غادر الوعي مدةً حتى وجد نفسه بعهدة مخابرات الجيش. ووسط زغاريد الرصاص بـ"الفتح الجديد"، حصد الموت روح أستاذ عروبي وزوجه، وضعهما القدر في المكان الخطأ، وأصيب خمسة أبرياء معهم!.
في مجدليون، كما في بيوت صيدا الأبية، كانت المشاعر متضاربة. المدينة استُبيحت وشقيقة الشهيد سلمت مركًزي التيار للجيش. الرعاع طالبوا بالمستوصفات والمراكز الاجتماعية والثقافية والمدارس، فسُلّمت للجيش أيضاً، لكن مشهد السلاح المزعوم لم يظهر. أخذ الناس يسمعون بمن يهدد باقتحام ذلك البيت المعطاء، فلما توافدوا إليه سمعوا سيدته تقول لهم: "لن نسمح لهم أن يقتلوا رفيق الحريري مرتين". فهـِم البعض وتبّرم الآخرون!.
ظُهر الأحد، الحادي عشر من أيار، وقفت النائب بهية الحريري وسط جموع الصيداويين، لتقول: "نحن باقون، ولسنا نادمين أننا استطعنا أن نحمي صيدا من كل الانزلاقات، فليبقَ رأسكم مرفوعاً. لا أحد يمكن أن يُركع صيدا وأبناءها. ليس مهماً أن نكون محاصرين، المهم أن نكون مؤمنين".
لهيب الغضب لم يهدأ لدى أحفاد من أحرقوا أنفسهم يوماً اتقاء الهوان. لم يكفّ "الغرباء" عن المطالبة بالسلاح. ولم يسلك في ذهن هؤلاء أن العلم هو السلاح، وأنه يُعلّم ولا يُسلّم. بحثوا، بلا صفة، في كل شيء، حتى يئسوا. وكان ظلم ذوي القربي مريراً، يوم ترقرقت الدمعة في عين سيدة المدينة الأولى، وهي تقول: "لقد سلّمنا كل المكاتب، والخان، والمدارس، ليل الجمعة، والسبت صباحاً سلّمنا المستوصفات، ولم يعد لديّ سوى هذا البيت لم يُسلّم!. منذ ثلاث سنوات، وعندما كان مطلوباً منا درء الفتنة، تعالينا فوق الجراح ووقفنا في وجه الفتنة. واليوم نفعل"!.
كم هو صعب أن يُسكِتَ المرء أنين الجراح. وكم هو أصعب أن يقرر المكلوم الاستمرار في المسير!. لكن، من قال إن بياض الصفح لا يذوب حينما يهجم عليه الظلام؟!. ومن قال إن الكلمة الطيبة تزهر في غير تربة طيبة؟!. ففي الثاني عشر من أيار، عبّر نائب المدينة الآخر، عن "عدم اطمئنانٍ لأمن الخط الوطني في مدينة صيدا". وبعد كل ما جرى قال: "إذا لم تُعالج الأمور في شكل صحيح، أنا مضطر أن أحمي الخط الوطني في المدينة، بكل الوسائل، وكل السبل، وليعرفوا ذلك"!. وعلى نهجه عقد شيخٌ في المدينة مؤتمراً ليشكر ملهـِمَه، الذي يمضي المقاتلون من تحت عباءته، لأنه كان "أكبر من الفتنة"، قائلاً والدمع في عينيه: أتوجه إليك يا بطل الإسلام، وبطل العروبة... لقد أثبتّ لهم بتجاربك العظيمة أنك أكبر من أراجيفهم وأضاليلهم"!!.
كانت ملامح المدينة توشك أن تتغير، لكن مدارس المدينة ومؤسساتها تضامنت مع بعضها فأقفلت. رفض ذلك الحريص على "الخط الوطني" ما اعتبره دلعاً. أما حليفه رئيس البلدية فقال في الثالث عشر من أيار: "إن في صيدا بعض ما يسمى البؤر التي تحتاج إلى المزيد من الإيضاح حول تواجد الأسلحة فيها. إن محاولة تعطيل المدارس تندرج في محاولة استعمال البعض التربية والصحة من أجل مصالحهم السياسية"!.
نجح الإضراب وعادت المدارس والمؤسسات إلى كنف من يرعاها، بعد أسبوع من "السبي". العودة لم تعجب رئيس بلدية صيدا، فقال في السابع عشر من أيار: "علمنا أن بعضاً من هذه المراكز والمؤسسات الخيرية والتربوية، سوف يُعاد فتحها، وهذا أمر ربما يكون نذيراً بعدم الخير، لأن هذا قد يؤدي الى عودة الاستفزاز في المدينة"!!. يا لضيعة تراث الوالد النزيه، حينما حمل حلمه ورحل، قبل أن يسمع وقع السقوط.
مضى أيار وجاء آخر. داس الرجلان معاً على ذاكرة المدينة. قال أحدهما عن المرشحَين المنافسين، الحريري والسنيورة، مهاجماً: "نحن نوافق أنهما من العيار الثقيل لأن دمهم على المدينة وأبنائها ثقيل". وقال الآخر مدافعاً: "نحن حمينا المدينة في السابع من أيار"!. ولو أنا محونا ذاكرتنا فصدّقنا القول. أفلا تفترض الحماية حصول اعتداء؟. وإذا كان ثمة من اعتدى أو أراد أن يعتدي، أفليس هؤلاء هم حلفاء هذا النائب "الحريص"، سابقاً وراهناً ومستقبلاً؟! فكيف لابن صيدا أن يأتمن صوته على من لم يحفظ له كرامةً أو ذاكرة؟! وكيف يعطي ثقته لمن يرى المعروف في الناس ثم يجحد وجوده؟! من يوزع مال "حلفائه" في الانتخابات وينسب فعلته لمن يساعد الناس في كل وقت؟!.