سلطان المجايري
04-25-2009, 02:36 PM
بِسمِ اللّهِ الرّحمن الرَّحِيم
الحمد للّه الّذی أَنطق ورقاءَ البيان علی أفنان دوحة
التّبيان بفنون الألحان *
علی انّه لا إله إلّا هو *
قد
أبدع الأکوانَ و اخترع الامکان بمشيَّته الأوّليّة الّتی
بها خلق ما کان و ما يکون * و الحمد للّه الّذی زيَّن
سماءَ الحقيقة بشمس المعاني و العرفان الّتي رُقم عليها من
القلم الأعلی * الملك للّه المقتدر المهيمن القيّوم * الّذی
أظهر البحرَ الأعظم المجتمعَ من الماء الجاری من عين
الهاء المنتهية الی الاسم الأقدم الّذی منه فصّلت
النّقطة الأوّليّة و ظهرت الکلمة الجامعة و برزت
الحقيقة و الشّريعة * و منه طار الموحّدون الی هواء
المکاشفة و الحضور * و المخلصون الی منظر ربّهم العزيز
الودود * والصّلاة و السّلام علی مطلع الأسماء الحسنی
و الصّفات العليا الّذی فی کلّ حرف من اسمه کُنِزت
الأسماء و به زُيّن الوجود من الغيب و الشّهود * و سُمّی
بمحمّد فی ملکوت الأسماء * و بأحمدَ فی جبروت
البقاء * و علی آله و صحبه من هذا اليوم الی يوم فيه
ينطق لسان العظمة * الملك للّه الواحد القهّار * قد
حضر بين يدينا کتابُكَ و اطّلعنا علی ما فيه من
اشاراتك * نسأل اللّه أن يؤيّدَك علی ما يحبّ و يرضی
و يقرّبَك الی ساحل البحر الّذی يموج باسم ربّك
الأعلی * و تنطق کلّ قطرة منه انّه لا إله إلّا هو
و انّه لخالق الأسماء و فاطر السّماء *
يا أيّها السّائل اذا قصدتَ حظيرةَ القدس و سيناءَ
القرب طَهِّرْ قلبَك عن کلّ ما سواه * ثمّ اخْلَعْ نَعْلَيِ
الظّنونِ و الأوهام لتری بعين قلبك تجلّياتِ اللّه ربِّ
العرش و الثّری لأنّ هذا اليومَ يومُ المکاشفة و الشّهود *
قد مضی الفصل و أتی الوصل * و هذا من فضل ربّك
العزيز المحبوب * دع السّؤالَ و الجوابَ لأهل التّراب *
اصعد بجناحَی الانقطاع الی هواء قرب رحمة ربّك
الرّحمن الرّحيم * قل يا قوم قد فُصّلت النقطة الأوّليّة
و تمّت الکلمة الجامعة و ظهرَتْ ولايةُ اللّه المهيمن
القيّوم * قل يا قوم ءَإشتغلتم بالغدير و البحرُ العذب
يتموّج أمامَ وجوهکم فمالکم لا تفقهون * أتنطقون بما
عندکم من العلوم بعد ما ظهر من کان واقفاً علی
نقطةِ العلم الّتی منها ظهرت الأشياء و اليها رجعت
و عادت و منها ظهرَتْ حِکَمُ اللّه و العلومُ الّتی کانت
لم تزل مکنونةً فی خزائن عصمة ربّکم العليّ العظيم *
دعوا الاشاراتِ لأهلها * و اقصِدوا المقامَ الّذي تجدون
روائح العلم من هوائه کذلك يعظکم هذا العبد الّذی
يشهد کلّ جارحة من جوارحه و کلّ عرق من عروقه
انّه لا إله إلّاهو * لم يزل کان فی علوّ العظمة و الجلال
و سموّ الرّفعة و الاجلال * و الّذين أرسلهم بالحقّ
و الهدی أولئك مشارقُ وحيه بين خلقه و مطالعُ
أمره بين عباده و مهابطُ الهامه فی بريّته * وبهم ظهرت
الأسرار و شُرِعت الشّرائعُ و حُقّق أمراللّه المقتدر
العزيز المختار * لا إله إلّا هو العليم الخبير *
يا أيّها السّائل فاعلم بأنّ النّاس يفتخرون بالعلم
و يمدحونه ولکنَّ العبدَ أشکو منه لولاه ما حُبِس
البهاء فی سجن عکّاء بالذِلّة الکبری * و ما شرب کأس
البلاء من يد الأعداء * انّ البيانَ أبعدنی * و علمَ المعانی
أنزلنی * و بذکر الوصل انفصلت أرکانی * و الايجاز
صار سببَ الاطناب فی ضرّی و بلائی * و الصّرف
صرفني عن الرّاحة * و النّحو محا عن القلب سروری
و بهجتی * و علمی بأسرار اللّه صار سلاسلَ عنقی مع
ذلك کيف أقدر أن أذکر ما سألتَ فی الآيات الّتی
نزّلت من جبروت العزّة و العظمة و عجزت عن ادراکها
أفئدة أولی النّهی * و ما طارت الی هواء معانيها طيورُ
قلوب أولی الحجی * قد قُرِضَ جناحی بمقراض
الحسد و البغضاء * لو وجد هذا الطّير المقطوعة القوادم
و الخوافی جناحاً ليَطيرُ فی هواء المعانی و البيان و يغرّدُ
علی أفنان دوحة العلم و التّبيان بما تطير به أفئدة المخلصين
الی سماء الشّوق و الانجذاب بحيث يرون تجلّيات ربّهم
العزيز الوهّاب * ولکنّ الآن أکون ممنوعاً عن اظهار
ما خُزِنَ و بَسْطِ ما قُبِضَ وَ اجهار ما خَفِيَ * بل ينبغی
لنا الاضمار دون الاظهار * و لو نتکلّم بما علّمنا اللّهُ بمنّه
وجوده لينفضّ النَّاسُ عن حولی و يهرَبون و يفرُّون
الّا من شرب کوثَر الحيوان من کؤس کلمات ربّه
الرَّحمن * لأنَّ کلَّ کلمة نزّلت من سماء الوحی علی
النّبيّين و المرسلين انَّها ملئت من سلسبيل المعاني
و البيان و الحکمة و التّبيان طوبی للشّاربين * ولکن
لمَّا و جدنا منک رائحةَ الحبّ نذکر لک ما سألتَه
بالاختصار و الايجاز لتنقطعَ من أهل المجاز الَّذين
أعرضوا عن الحقيقة و سرّها و تمسّکوا بما عندهم من
الظُّنون و الأوهام * بعد ما نزِّل من قبل
(ا نَّ الظنَّ
لا يُغْنی من الحقّ شيئا )
و فی مقام آخر
( إنَّ بعض
الظنّ اثم )
ثمَّ اعلم بانَّ للشَّمس الّتي نزِّلت فی السُّورة المبارکة
اطلاقاتٍ شتَّی * و انَّها فی الرُّتبة الأوّلية و الطّراز
الواحديَّة و القصبة اللاَّهوتيَّة القدميَّة سرٌّ من سرّ اللّه
و حرز من حرز اللّه مخزون فی خزائن اللّه مکنون فی
علم اللّه مختوم بختام اللّه ما اطَّلع عليها أحدٌ إلَّا الواحدُ
الفرد الخبير * لأنَّ فی ذلک المقام انَّها هی نفس المشيَّة
الأوّليّة و اشراق الأحديّة * تجلَّت بنفسها علی الآفاق
و استضاء منها مَنْ أقبل اليها کما انَّ الشَّمس إذا طلعت
يحيط اشراقها علی العالم الَّا الأراضی التی احْتَجَبتْ بمانع *
فانظر فی الاراضی التی ليست لها عروش وجدار انها
تستضیء منها و الّتي لها جدار تُمْنَعُ من اشراقها کذلک
فانظر فی شمس الحقيقة انَّها تتجلّی بأنوار المعانی
و البيان علی الاکوان * و الَّذی أقبل اليها يستضئُ من
أنوارها و يستنير قلبُهُ من ضيائها و اشراقها * و الَّذی
أعرضَ لن يجدَ لنفسه نصيباً منها لأنّه حال بينه و بينها
حجابُ النَّفس و الهوی لذا بَعُدَ عن تجلّی شمس الحقيقة
الّتی أشرقت عن أُفق سماء الأسماء *
ثمَّ فی مقام * تُطلَقُ علی أنبياء اللّه و صفوته
لأنّهم شموس أسمائه و صفاته بين خلقه لو لا هم
ما استضاء أحدٌ بأنوار العرفان کما تری إنّ کلّ ملّة من
ملل الأرض استضاءت بشمس من هذه الشُّموس
المشرقات و الَّذی انکر انّه صار محروماً عنها * مثلاً
عباد اتّبعوا المسيحَ هم استضاؤا من شمس عرفانه
الی أن أشرق نيّر الآفاق من أُفق الحجاز * الَّذين
أنکروه من النّصاری و ملل أخری جُعِلوا محرومين
عن تلک الشّمس و أنوارها * و نفسُ انکارهم صار
جداراً لهم و منعهم عن النّور المشرق عن أُفق أمر
ربّک العزيز المستعان *
و فی مقام * تُطلق علی أولياء اللّه و أودّائه لأنّهم
شموس الولاية بين البريّة لو لا هم لأخذت الظلمةُ
مَنْ علی الأرض کلّها إلّا من شاء ربّک * و لها اطلاقات
شتّی لو يقوم عَشَرةُ کتّاب تلقاء الوجه و نلقی عليهم
سنةً أوسنتين ليرون عجزَ أنفسهم * و لو لا انکار
بعض الجهلاء لأمددنا المدّة و جاوز قلمُ اللّه المحمود
عن ذکر الحدود *
فاعلم بانّک کما أيقنتَ بان لا نفاد لکلماته تعالی
أيقن بانّ لمعانيها لا نفاد أيضاً ولکن عند مبيّنها
و خزنة أسرارها * و الّذين ينظرون الکتب و يتَّخذون
منها ما يعترضون به علی مطلع الولاية انّهم أموات
غير أحياء و لو يمشون و يتکلّمون و يأکلون و يشربون
فآه آه لو يظهر ما کُنِزَ فی قلب البهاء عمَّا علَّمه ربُّه
مالک الأسماء لينصعِقُ الَّذين تراهم علی الأرض * کم
من معان لا تحويها قمص الألفاظ * و کم منها ليست
لها عبارة و لم تُعطَ بياناً و لا اشارة * و کم منها لا يمکن
بيانه لعدم حضور أو انها کما قيل ( لا کلّ ما يُعلم
يُقال * و لا کلّ ما يُقال حان وقته * و لا کلّ ما حان
وقته حضر أهلهُ ) و منها ما يتوقّف ذکره علی عرفان
المشارق التی فيها فصَّلنا العلومَ و أظهرنا المکتوم *
نسأل اللّه أن يوفّقک و يؤيّدک علی عرفان المعلوم لِتَنقطعَ
عن العلوم لأنَّ طلبَ العلم بعد حصول المعلوم مذموم *
تمسّک بأصل العلم وَ معدِنِه لِتَری نفسَک غنيّاً عن
الَّذين يدَّعون العلمَ من دون بيّنة و لا کتاب منير *
و فی مقام انَّها تطلق علی الأسماء الحسنی بحيث
کلُّ اسم من أسمائه تعالی يکون شمساً مشرقةً علی
الآفاق * انظر فی اسم اللّه العليم انَّه شمس أشرقت عن
أفق ارادة ربّک الرَّحمن * و يلوح علی هياکل المعلوم
أنوارُها و آثارُها و اشراقُها * کلّ علم حقّ تراه عند
العلماء الذين ما اتبعوا النَّفس و الهوی و اعترفوا برکن
القضاء و تمسَّکوا بالعروة الوثقی فاعلم بانَّه حقّ
و علمه اشراق من اشراقات هذه الشّمس * انّا فسَّرنا
الأسماءَ و بيّنا أسرارَها و اشراقَها و أنوارَها و ظواهرَها
و بواطنَها و أسرارَ حروفاتِها و حکمةَ تراکيبها فی
الکتاب الّذی کتبناه لأحد من أحبائي الَّذی سأل
عن الأسماء و ما فيها *
فاعلم بانّ کلمةَ اللّه تبارک و تعالی فی الحقيقة
الأوّليّة و الرُّتبة الأولی تکون جامعةً للمعان الّتی
احتجب عن ادراکها أکثر النَّاس نشهد بانّ کلماته
تامّات * و فی کلّ کلمة منها سُتِرت معانی ما اطّلع بها
أحد إلّا نفسُه و من عنده علم الکتاب * لا إله إلا
هو المقتدر العزيز الوهّاب *
ثمّ اعلم بان المفسّرين الّذين فسَّروا القرآن کانوا
صِنفين صنف غفلوا عن الظّاهر و فسَّروه علی الباطن *
وَ صنف فسَّروه علی الظّاهر و غفلوا عن الباطن و لو
نذکر مقالاتهم و بياناتهم لَتأخذُک الکسالةُ بحيث تمنعک
عن قراءة ما کتبناه لک لذا ترکنا أذکارَهم فی هذا
المقام * طوبی للّذين أخذوا الظّاهر و الباطن أولئک
عباد آمنوا بالکلمة الجامعة *
فاعلم من أخذ الظّاهر و ترک الباطن انّه جاهل *
و من أخذ الباطنَ و ترک الظّاهِر انّه غافل * و من أخذ
الباطنَ بايقاع الظاهر عليه فهو عالم کامل * هذه کلمة
أشرقت عن أُفق العلم فاعْرِفْ قدرَها و أغْلِ مهرَها *
انَّا نذکر المقصود تلويحاً فی اشاراتنا و کلماتنا طوبی لمن
اطّلع عليه انّه من الفائزين * قل يا قوم تاللّه قد غنَّتِ
الورقاءُ علی الأفنان و دلع ديکُ العرش بالحکمة
و البيان * و انتشرت أجنحة الطّاوس فی الرَّضوان *
إلامَ تَرقدُون علی فراش الغفلة و الغوی * قوموا عن
مراقد الهوی * و أقْبِلوا الی مشرق رحمة ربّکم مالک
البقاء و منزل الأسماء * إيّاکم أن تعترضوا علی
الّذی يدعوکم الی اللّه و سننِه * اتّقوا اللّه و لا تکونُنَّ
من الغافلين *
ثمّ اعلم بانّه تبارک و تعالی أقسم لنبيِّه بشمس
الألوهيَّة * و شمس الولاية * و شمس المشيَّة * و شمس
الارادة * و شمس الاسماء و أنوارِ هذه الشُّموس
و اشراقِهنّ و تجلّياتهن و ظهوراتهنَّ و تأثيراتهنَّ *
و بالشَّمس الظّاهرة المُشرقة عن أُفق هذه السّماء المرتفعة
﴿و القمر اذا تلاها ﴾ و القمر رتبة الولاية الّذی تلا
شمسَ النّبوّة أی يظهر بعده ليقوم علی أمر النبيِّ
بين العباد * و انّا لو نذکر مقامات القمر لتری الکتاب
ذا حجم عظيم ﴿ و النّهار اذا جلّاها ﴾ و المقصود من
النّهار فی الحقيقة الأوّليّة کلّ يوم ظهر فيه نبيٌّ من
أنبياء اللّه و رسله لاقامة ذکره بين عباده و اجراء
حدوده بين بريّته * و فيه تجلّی مظهر الامر علی مظاهر
الاشياء * و فی ذلک اليوم تظهر أنوار الشّمس و انّه
مجلّيها بهذا المعنی أی فيه و به أضاءت و لاحت شمس
النُّبوّة * ﴿ و اللَّيل إذا يغشاها ﴾ و المقصود من اللّيل
هو حجاب الأحديّة الّذی کان مستوراً خلفه النّقطةُ
الحقيقيةُ و انها بعد تنزّلها عن مقامها استقرّت فی مقرّ
الوحدانيّة رتبة الواحديّة و کانت عنها الألف اللّينيّة
و تحت حجاب الواحديَّة ظهرت بالألف المتحرّکة
و هی الألف القائمة * و المُغَشّي الحجاب * و المُغَشَّی النقطةُ
الحقيقيّة الّتی کانت حقيقةَ شمس النّبوّة ﴿ و السّماء
و ما بناها ﴾ و للسّمآء عند أهل الحقيقة اطلاقات شتَّی *
سماء المعانی * و سماء العرفان * سماء الأديان * سماء العلم *
سماء الحکمة * سماء العظمة * سماء الرِّفعة * سماء
الاجلال ﴿ و مابناها ﴾ أی و الَّذی خلق هذه السّموات
المذکورةَ و ما تراه فی الظّاهر ﴿ و الأرض و ما طحاها ﴾
و المقصود من الأرض أرض القلوب * انّها أوسع من
الأرض و السّماء لأنَّ القلبَ العرشُ الأعظم لاستواء
تجلّي ربّک خالقِ الأُمم و مصوّرِ الرّمم * و انَّه أرض
أودع اللّه فيها حبوبَ معرفته و حبِّه لِتَنْبُتَ منها
سنبلات العلم و الايقان * قل يا قوم اليومُ يومُ الزّرع
ازرعوا فی قلوبکم بأيادی اليقين ما أوتيتم به من لدن
ربّکم العليم الحکيم * و للأرض معان لا تحصی و انّا
اکتفينا بواحدة منها ﴿ و ما طحاها ﴾ أی و الّذی
بسطها بيد قدرته و سلطان أمره ﴿ و نفس و ما سوَّاها ﴾
و للنّفس مراتبُ کثيرةٌ و مقامات شتَّی * و منها نفس
ملکوتيّة * و نفس جبروتيّة * و نفس لاهوتيّة * و نفس
إلهيّة * و نفس قدسيّة * و نفس مطمئنّة * و نفس راضية *
و نفس مرضيّة * و نفس ملهمة * و نفس لوّامة * و نفس
أمّارة * و المقصود فيما نزل هی النّفس الّتی جعلها اللّه
جامعةً لکلّ الأعمال من الاقبال و الاعراض و الضّلالة
و الهداية و الايمان و الکفر ﴿ و ما سوّاها ﴾ أی و الّذی
خلقها و أقامها ﴿ فألهمها فجورها و تقواها ﴾ أی علّمها
و أخبرها فجورها * أی الأعمال الّتی لا تنفعها و تبعدها
عن مالکها و موجدها ﴿ و تقواها ﴾ أی ألهمها ما
يقدّسها عمّا نهيت عنه أی خلقها و عرّفها سبيلَ الهداية
و الضّلالة و الحقّ و الباطل و النُّور و الظّلمة * ثمّ أمرَها
بترکها ما نُهِيتْ عنه و اقبالها الی ما أمِرتْ به
﴿ قد
أفلح من زکَّاها ﴾ هذا جواب القسم أی فاز من زکّاها
أی طهّرها عن النّقائص و الهوی و عن کلّ ما نهی عنه
فی الکتاب * فانظر فی الّذين زکُّوا أنفسَهم فی هذه
الأيام لعمری انّهم هم المفلحون * انّهم رجال ما منعتهم
الدُّنيا و ما فيها عن التوجّه الی السّبيل الواضح المستقيم *
انّهم مصاديق هذه الآية المبارکة و جعلوا التّقوی
سر ابيلهم و تشبّثوا بذيل عناية ربّهم فی هذه الأيَّام
التی فيها زلّت الأقدام * نشهد بما شهد اللّه و نعترف
بما نزّل من عنده انّه هو الحقّ و ما بعد الحقّ الّا
الضّلال ﴿ و قد خاب من دسّاها ﴾ أی و قد خسر من
دسّاها أی من ضيّعها و ما زکّاها و ما منعها عمّا نهی عنه
و ما أمرها بما أُمِر به ﴿کذَّبت ثمود بطغواها ﴾ و ثمود
علی ما هو المذکور فی الکتب طائفة بعث اللّه عليهم
صالحا عليه السّلام و أنکروه بعد ما أمرهم بالمعروف
ونهاهم عن المنکر و هم ما اتّبعوا أمرَ اللّه و ما أطاعوه
فيما أُمروا به و ترکوا أمرَ اللّه و سنَنَه الی أن عقَروا
النّاقة ﴿ فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم ﴾ أی غضب اللّه
عليهم وجعلهم عبرة للعالمين * ولکن فی الحقيقة کلّ
من أعرض عن الحقّ فهو من ثمود من أيّ نسل کان
فسوف يُدَمْدَمُ عليهم العذاب کما دُمْدِمَ علی الاحزاب
من قبلهم انّ ربک لهو المقتدر القدير * و الحمد للّه ربّ
العالمين * إنّا ما ذکرنا ما قاله المفسّرون فی تفسير
السّورة المبارکة لأنّ الکتبَ التفسيريّة عند القوم
موجودة من أراد أن يطّلع علی تفاسير هم و بياناتهم
فلينظر الی کتبهم انّهم فسّروا الشّمسَ بالشّمسِ
الظّاهرة و کذلک فی القمر الی آخر السُّورة سلکوا
سبيلَ الظّاهر و قَنِعُوا بما عندهم * ولکن إنّا فسّرنا بما
لم يُذکَرْ فی الکتب * نسأل اللّه أن يجعلَ کلّ حرف
عما ذکر کاسَ المعاني و المعارف ويَسْقيک منها ما تنقطع
به عمّا يَکرَهُهُ رضاه و يقرّبَک الی المقام الّذی قدَّره
لأصفيائه انّه لهو الغفور الرّحيم * و الحمد للّه ربّ
العالمين * سبحانک اللّهمّ يا إلهی أسألک باسمک الّذی
به ينطق کلّ شئ بثناء نفسک أن تفتح أبصار بريّتک
لِيَروا آثارَ عزّ أحديّتک و تجلّيات شمس عنايتک*
الحمد للّه الّذی أَنطق ورقاءَ البيان علی أفنان دوحة
التّبيان بفنون الألحان *
علی انّه لا إله إلّا هو *
قد
أبدع الأکوانَ و اخترع الامکان بمشيَّته الأوّليّة الّتی
بها خلق ما کان و ما يکون * و الحمد للّه الّذی زيَّن
سماءَ الحقيقة بشمس المعاني و العرفان الّتي رُقم عليها من
القلم الأعلی * الملك للّه المقتدر المهيمن القيّوم * الّذی
أظهر البحرَ الأعظم المجتمعَ من الماء الجاری من عين
الهاء المنتهية الی الاسم الأقدم الّذی منه فصّلت
النّقطة الأوّليّة و ظهرت الکلمة الجامعة و برزت
الحقيقة و الشّريعة * و منه طار الموحّدون الی هواء
المکاشفة و الحضور * و المخلصون الی منظر ربّهم العزيز
الودود * والصّلاة و السّلام علی مطلع الأسماء الحسنی
و الصّفات العليا الّذی فی کلّ حرف من اسمه کُنِزت
الأسماء و به زُيّن الوجود من الغيب و الشّهود * و سُمّی
بمحمّد فی ملکوت الأسماء * و بأحمدَ فی جبروت
البقاء * و علی آله و صحبه من هذا اليوم الی يوم فيه
ينطق لسان العظمة * الملك للّه الواحد القهّار * قد
حضر بين يدينا کتابُكَ و اطّلعنا علی ما فيه من
اشاراتك * نسأل اللّه أن يؤيّدَك علی ما يحبّ و يرضی
و يقرّبَك الی ساحل البحر الّذی يموج باسم ربّك
الأعلی * و تنطق کلّ قطرة منه انّه لا إله إلّا هو
و انّه لخالق الأسماء و فاطر السّماء *
يا أيّها السّائل اذا قصدتَ حظيرةَ القدس و سيناءَ
القرب طَهِّرْ قلبَك عن کلّ ما سواه * ثمّ اخْلَعْ نَعْلَيِ
الظّنونِ و الأوهام لتری بعين قلبك تجلّياتِ اللّه ربِّ
العرش و الثّری لأنّ هذا اليومَ يومُ المکاشفة و الشّهود *
قد مضی الفصل و أتی الوصل * و هذا من فضل ربّك
العزيز المحبوب * دع السّؤالَ و الجوابَ لأهل التّراب *
اصعد بجناحَی الانقطاع الی هواء قرب رحمة ربّك
الرّحمن الرّحيم * قل يا قوم قد فُصّلت النقطة الأوّليّة
و تمّت الکلمة الجامعة و ظهرَتْ ولايةُ اللّه المهيمن
القيّوم * قل يا قوم ءَإشتغلتم بالغدير و البحرُ العذب
يتموّج أمامَ وجوهکم فمالکم لا تفقهون * أتنطقون بما
عندکم من العلوم بعد ما ظهر من کان واقفاً علی
نقطةِ العلم الّتی منها ظهرت الأشياء و اليها رجعت
و عادت و منها ظهرَتْ حِکَمُ اللّه و العلومُ الّتی کانت
لم تزل مکنونةً فی خزائن عصمة ربّکم العليّ العظيم *
دعوا الاشاراتِ لأهلها * و اقصِدوا المقامَ الّذي تجدون
روائح العلم من هوائه کذلك يعظکم هذا العبد الّذی
يشهد کلّ جارحة من جوارحه و کلّ عرق من عروقه
انّه لا إله إلّاهو * لم يزل کان فی علوّ العظمة و الجلال
و سموّ الرّفعة و الاجلال * و الّذين أرسلهم بالحقّ
و الهدی أولئك مشارقُ وحيه بين خلقه و مطالعُ
أمره بين عباده و مهابطُ الهامه فی بريّته * وبهم ظهرت
الأسرار و شُرِعت الشّرائعُ و حُقّق أمراللّه المقتدر
العزيز المختار * لا إله إلّا هو العليم الخبير *
يا أيّها السّائل فاعلم بأنّ النّاس يفتخرون بالعلم
و يمدحونه ولکنَّ العبدَ أشکو منه لولاه ما حُبِس
البهاء فی سجن عکّاء بالذِلّة الکبری * و ما شرب کأس
البلاء من يد الأعداء * انّ البيانَ أبعدنی * و علمَ المعانی
أنزلنی * و بذکر الوصل انفصلت أرکانی * و الايجاز
صار سببَ الاطناب فی ضرّی و بلائی * و الصّرف
صرفني عن الرّاحة * و النّحو محا عن القلب سروری
و بهجتی * و علمی بأسرار اللّه صار سلاسلَ عنقی مع
ذلك کيف أقدر أن أذکر ما سألتَ فی الآيات الّتی
نزّلت من جبروت العزّة و العظمة و عجزت عن ادراکها
أفئدة أولی النّهی * و ما طارت الی هواء معانيها طيورُ
قلوب أولی الحجی * قد قُرِضَ جناحی بمقراض
الحسد و البغضاء * لو وجد هذا الطّير المقطوعة القوادم
و الخوافی جناحاً ليَطيرُ فی هواء المعانی و البيان و يغرّدُ
علی أفنان دوحة العلم و التّبيان بما تطير به أفئدة المخلصين
الی سماء الشّوق و الانجذاب بحيث يرون تجلّيات ربّهم
العزيز الوهّاب * ولکنّ الآن أکون ممنوعاً عن اظهار
ما خُزِنَ و بَسْطِ ما قُبِضَ وَ اجهار ما خَفِيَ * بل ينبغی
لنا الاضمار دون الاظهار * و لو نتکلّم بما علّمنا اللّهُ بمنّه
وجوده لينفضّ النَّاسُ عن حولی و يهرَبون و يفرُّون
الّا من شرب کوثَر الحيوان من کؤس کلمات ربّه
الرَّحمن * لأنَّ کلَّ کلمة نزّلت من سماء الوحی علی
النّبيّين و المرسلين انَّها ملئت من سلسبيل المعاني
و البيان و الحکمة و التّبيان طوبی للشّاربين * ولکن
لمَّا و جدنا منک رائحةَ الحبّ نذکر لک ما سألتَه
بالاختصار و الايجاز لتنقطعَ من أهل المجاز الَّذين
أعرضوا عن الحقيقة و سرّها و تمسّکوا بما عندهم من
الظُّنون و الأوهام * بعد ما نزِّل من قبل
(ا نَّ الظنَّ
لا يُغْنی من الحقّ شيئا )
و فی مقام آخر
( إنَّ بعض
الظنّ اثم )
ثمَّ اعلم بانَّ للشَّمس الّتي نزِّلت فی السُّورة المبارکة
اطلاقاتٍ شتَّی * و انَّها فی الرُّتبة الأوّلية و الطّراز
الواحديَّة و القصبة اللاَّهوتيَّة القدميَّة سرٌّ من سرّ اللّه
و حرز من حرز اللّه مخزون فی خزائن اللّه مکنون فی
علم اللّه مختوم بختام اللّه ما اطَّلع عليها أحدٌ إلَّا الواحدُ
الفرد الخبير * لأنَّ فی ذلک المقام انَّها هی نفس المشيَّة
الأوّليّة و اشراق الأحديّة * تجلَّت بنفسها علی الآفاق
و استضاء منها مَنْ أقبل اليها کما انَّ الشَّمس إذا طلعت
يحيط اشراقها علی العالم الَّا الأراضی التی احْتَجَبتْ بمانع *
فانظر فی الاراضی التی ليست لها عروش وجدار انها
تستضیء منها و الّتي لها جدار تُمْنَعُ من اشراقها کذلک
فانظر فی شمس الحقيقة انَّها تتجلّی بأنوار المعانی
و البيان علی الاکوان * و الَّذی أقبل اليها يستضئُ من
أنوارها و يستنير قلبُهُ من ضيائها و اشراقها * و الَّذی
أعرضَ لن يجدَ لنفسه نصيباً منها لأنّه حال بينه و بينها
حجابُ النَّفس و الهوی لذا بَعُدَ عن تجلّی شمس الحقيقة
الّتی أشرقت عن أُفق سماء الأسماء *
ثمَّ فی مقام * تُطلَقُ علی أنبياء اللّه و صفوته
لأنّهم شموس أسمائه و صفاته بين خلقه لو لا هم
ما استضاء أحدٌ بأنوار العرفان کما تری إنّ کلّ ملّة من
ملل الأرض استضاءت بشمس من هذه الشُّموس
المشرقات و الَّذی انکر انّه صار محروماً عنها * مثلاً
عباد اتّبعوا المسيحَ هم استضاؤا من شمس عرفانه
الی أن أشرق نيّر الآفاق من أُفق الحجاز * الَّذين
أنکروه من النّصاری و ملل أخری جُعِلوا محرومين
عن تلک الشّمس و أنوارها * و نفسُ انکارهم صار
جداراً لهم و منعهم عن النّور المشرق عن أُفق أمر
ربّک العزيز المستعان *
و فی مقام * تُطلق علی أولياء اللّه و أودّائه لأنّهم
شموس الولاية بين البريّة لو لا هم لأخذت الظلمةُ
مَنْ علی الأرض کلّها إلّا من شاء ربّک * و لها اطلاقات
شتّی لو يقوم عَشَرةُ کتّاب تلقاء الوجه و نلقی عليهم
سنةً أوسنتين ليرون عجزَ أنفسهم * و لو لا انکار
بعض الجهلاء لأمددنا المدّة و جاوز قلمُ اللّه المحمود
عن ذکر الحدود *
فاعلم بانّک کما أيقنتَ بان لا نفاد لکلماته تعالی
أيقن بانّ لمعانيها لا نفاد أيضاً ولکن عند مبيّنها
و خزنة أسرارها * و الّذين ينظرون الکتب و يتَّخذون
منها ما يعترضون به علی مطلع الولاية انّهم أموات
غير أحياء و لو يمشون و يتکلّمون و يأکلون و يشربون
فآه آه لو يظهر ما کُنِزَ فی قلب البهاء عمَّا علَّمه ربُّه
مالک الأسماء لينصعِقُ الَّذين تراهم علی الأرض * کم
من معان لا تحويها قمص الألفاظ * و کم منها ليست
لها عبارة و لم تُعطَ بياناً و لا اشارة * و کم منها لا يمکن
بيانه لعدم حضور أو انها کما قيل ( لا کلّ ما يُعلم
يُقال * و لا کلّ ما يُقال حان وقته * و لا کلّ ما حان
وقته حضر أهلهُ ) و منها ما يتوقّف ذکره علی عرفان
المشارق التی فيها فصَّلنا العلومَ و أظهرنا المکتوم *
نسأل اللّه أن يوفّقک و يؤيّدک علی عرفان المعلوم لِتَنقطعَ
عن العلوم لأنَّ طلبَ العلم بعد حصول المعلوم مذموم *
تمسّک بأصل العلم وَ معدِنِه لِتَری نفسَک غنيّاً عن
الَّذين يدَّعون العلمَ من دون بيّنة و لا کتاب منير *
و فی مقام انَّها تطلق علی الأسماء الحسنی بحيث
کلُّ اسم من أسمائه تعالی يکون شمساً مشرقةً علی
الآفاق * انظر فی اسم اللّه العليم انَّه شمس أشرقت عن
أفق ارادة ربّک الرَّحمن * و يلوح علی هياکل المعلوم
أنوارُها و آثارُها و اشراقُها * کلّ علم حقّ تراه عند
العلماء الذين ما اتبعوا النَّفس و الهوی و اعترفوا برکن
القضاء و تمسَّکوا بالعروة الوثقی فاعلم بانَّه حقّ
و علمه اشراق من اشراقات هذه الشّمس * انّا فسَّرنا
الأسماءَ و بيّنا أسرارَها و اشراقَها و أنوارَها و ظواهرَها
و بواطنَها و أسرارَ حروفاتِها و حکمةَ تراکيبها فی
الکتاب الّذی کتبناه لأحد من أحبائي الَّذی سأل
عن الأسماء و ما فيها *
فاعلم بانّ کلمةَ اللّه تبارک و تعالی فی الحقيقة
الأوّليّة و الرُّتبة الأولی تکون جامعةً للمعان الّتی
احتجب عن ادراکها أکثر النَّاس نشهد بانّ کلماته
تامّات * و فی کلّ کلمة منها سُتِرت معانی ما اطّلع بها
أحد إلّا نفسُه و من عنده علم الکتاب * لا إله إلا
هو المقتدر العزيز الوهّاب *
ثمّ اعلم بان المفسّرين الّذين فسَّروا القرآن کانوا
صِنفين صنف غفلوا عن الظّاهر و فسَّروه علی الباطن *
وَ صنف فسَّروه علی الظّاهر و غفلوا عن الباطن و لو
نذکر مقالاتهم و بياناتهم لَتأخذُک الکسالةُ بحيث تمنعک
عن قراءة ما کتبناه لک لذا ترکنا أذکارَهم فی هذا
المقام * طوبی للّذين أخذوا الظّاهر و الباطن أولئک
عباد آمنوا بالکلمة الجامعة *
فاعلم من أخذ الظّاهر و ترک الباطن انّه جاهل *
و من أخذ الباطنَ و ترک الظّاهِر انّه غافل * و من أخذ
الباطنَ بايقاع الظاهر عليه فهو عالم کامل * هذه کلمة
أشرقت عن أُفق العلم فاعْرِفْ قدرَها و أغْلِ مهرَها *
انَّا نذکر المقصود تلويحاً فی اشاراتنا و کلماتنا طوبی لمن
اطّلع عليه انّه من الفائزين * قل يا قوم تاللّه قد غنَّتِ
الورقاءُ علی الأفنان و دلع ديکُ العرش بالحکمة
و البيان * و انتشرت أجنحة الطّاوس فی الرَّضوان *
إلامَ تَرقدُون علی فراش الغفلة و الغوی * قوموا عن
مراقد الهوی * و أقْبِلوا الی مشرق رحمة ربّکم مالک
البقاء و منزل الأسماء * إيّاکم أن تعترضوا علی
الّذی يدعوکم الی اللّه و سننِه * اتّقوا اللّه و لا تکونُنَّ
من الغافلين *
ثمّ اعلم بانّه تبارک و تعالی أقسم لنبيِّه بشمس
الألوهيَّة * و شمس الولاية * و شمس المشيَّة * و شمس
الارادة * و شمس الاسماء و أنوارِ هذه الشُّموس
و اشراقِهنّ و تجلّياتهن و ظهوراتهنَّ و تأثيراتهنَّ *
و بالشَّمس الظّاهرة المُشرقة عن أُفق هذه السّماء المرتفعة
﴿و القمر اذا تلاها ﴾ و القمر رتبة الولاية الّذی تلا
شمسَ النّبوّة أی يظهر بعده ليقوم علی أمر النبيِّ
بين العباد * و انّا لو نذکر مقامات القمر لتری الکتاب
ذا حجم عظيم ﴿ و النّهار اذا جلّاها ﴾ و المقصود من
النّهار فی الحقيقة الأوّليّة کلّ يوم ظهر فيه نبيٌّ من
أنبياء اللّه و رسله لاقامة ذکره بين عباده و اجراء
حدوده بين بريّته * و فيه تجلّی مظهر الامر علی مظاهر
الاشياء * و فی ذلک اليوم تظهر أنوار الشّمس و انّه
مجلّيها بهذا المعنی أی فيه و به أضاءت و لاحت شمس
النُّبوّة * ﴿ و اللَّيل إذا يغشاها ﴾ و المقصود من اللّيل
هو حجاب الأحديّة الّذی کان مستوراً خلفه النّقطةُ
الحقيقيةُ و انها بعد تنزّلها عن مقامها استقرّت فی مقرّ
الوحدانيّة رتبة الواحديّة و کانت عنها الألف اللّينيّة
و تحت حجاب الواحديَّة ظهرت بالألف المتحرّکة
و هی الألف القائمة * و المُغَشّي الحجاب * و المُغَشَّی النقطةُ
الحقيقيّة الّتی کانت حقيقةَ شمس النّبوّة ﴿ و السّماء
و ما بناها ﴾ و للسّمآء عند أهل الحقيقة اطلاقات شتَّی *
سماء المعانی * و سماء العرفان * سماء الأديان * سماء العلم *
سماء الحکمة * سماء العظمة * سماء الرِّفعة * سماء
الاجلال ﴿ و مابناها ﴾ أی و الَّذی خلق هذه السّموات
المذکورةَ و ما تراه فی الظّاهر ﴿ و الأرض و ما طحاها ﴾
و المقصود من الأرض أرض القلوب * انّها أوسع من
الأرض و السّماء لأنَّ القلبَ العرشُ الأعظم لاستواء
تجلّي ربّک خالقِ الأُمم و مصوّرِ الرّمم * و انَّه أرض
أودع اللّه فيها حبوبَ معرفته و حبِّه لِتَنْبُتَ منها
سنبلات العلم و الايقان * قل يا قوم اليومُ يومُ الزّرع
ازرعوا فی قلوبکم بأيادی اليقين ما أوتيتم به من لدن
ربّکم العليم الحکيم * و للأرض معان لا تحصی و انّا
اکتفينا بواحدة منها ﴿ و ما طحاها ﴾ أی و الّذی
بسطها بيد قدرته و سلطان أمره ﴿ و نفس و ما سوَّاها ﴾
و للنّفس مراتبُ کثيرةٌ و مقامات شتَّی * و منها نفس
ملکوتيّة * و نفس جبروتيّة * و نفس لاهوتيّة * و نفس
إلهيّة * و نفس قدسيّة * و نفس مطمئنّة * و نفس راضية *
و نفس مرضيّة * و نفس ملهمة * و نفس لوّامة * و نفس
أمّارة * و المقصود فيما نزل هی النّفس الّتی جعلها اللّه
جامعةً لکلّ الأعمال من الاقبال و الاعراض و الضّلالة
و الهداية و الايمان و الکفر ﴿ و ما سوّاها ﴾ أی و الّذی
خلقها و أقامها ﴿ فألهمها فجورها و تقواها ﴾ أی علّمها
و أخبرها فجورها * أی الأعمال الّتی لا تنفعها و تبعدها
عن مالکها و موجدها ﴿ و تقواها ﴾ أی ألهمها ما
يقدّسها عمّا نهيت عنه أی خلقها و عرّفها سبيلَ الهداية
و الضّلالة و الحقّ و الباطل و النُّور و الظّلمة * ثمّ أمرَها
بترکها ما نُهِيتْ عنه و اقبالها الی ما أمِرتْ به
﴿ قد
أفلح من زکَّاها ﴾ هذا جواب القسم أی فاز من زکّاها
أی طهّرها عن النّقائص و الهوی و عن کلّ ما نهی عنه
فی الکتاب * فانظر فی الّذين زکُّوا أنفسَهم فی هذه
الأيام لعمری انّهم هم المفلحون * انّهم رجال ما منعتهم
الدُّنيا و ما فيها عن التوجّه الی السّبيل الواضح المستقيم *
انّهم مصاديق هذه الآية المبارکة و جعلوا التّقوی
سر ابيلهم و تشبّثوا بذيل عناية ربّهم فی هذه الأيَّام
التی فيها زلّت الأقدام * نشهد بما شهد اللّه و نعترف
بما نزّل من عنده انّه هو الحقّ و ما بعد الحقّ الّا
الضّلال ﴿ و قد خاب من دسّاها ﴾ أی و قد خسر من
دسّاها أی من ضيّعها و ما زکّاها و ما منعها عمّا نهی عنه
و ما أمرها بما أُمِر به ﴿کذَّبت ثمود بطغواها ﴾ و ثمود
علی ما هو المذکور فی الکتب طائفة بعث اللّه عليهم
صالحا عليه السّلام و أنکروه بعد ما أمرهم بالمعروف
ونهاهم عن المنکر و هم ما اتّبعوا أمرَ اللّه و ما أطاعوه
فيما أُمروا به و ترکوا أمرَ اللّه و سنَنَه الی أن عقَروا
النّاقة ﴿ فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم ﴾ أی غضب اللّه
عليهم وجعلهم عبرة للعالمين * ولکن فی الحقيقة کلّ
من أعرض عن الحقّ فهو من ثمود من أيّ نسل کان
فسوف يُدَمْدَمُ عليهم العذاب کما دُمْدِمَ علی الاحزاب
من قبلهم انّ ربک لهو المقتدر القدير * و الحمد للّه ربّ
العالمين * إنّا ما ذکرنا ما قاله المفسّرون فی تفسير
السّورة المبارکة لأنّ الکتبَ التفسيريّة عند القوم
موجودة من أراد أن يطّلع علی تفاسير هم و بياناتهم
فلينظر الی کتبهم انّهم فسّروا الشّمسَ بالشّمسِ
الظّاهرة و کذلک فی القمر الی آخر السُّورة سلکوا
سبيلَ الظّاهر و قَنِعُوا بما عندهم * ولکن إنّا فسّرنا بما
لم يُذکَرْ فی الکتب * نسأل اللّه أن يجعلَ کلّ حرف
عما ذکر کاسَ المعاني و المعارف ويَسْقيک منها ما تنقطع
به عمّا يَکرَهُهُ رضاه و يقرّبَک الی المقام الّذی قدَّره
لأصفيائه انّه لهو الغفور الرّحيم * و الحمد للّه ربّ
العالمين * سبحانک اللّهمّ يا إلهی أسألک باسمک الّذی
به ينطق کلّ شئ بثناء نفسک أن تفتح أبصار بريّتک
لِيَروا آثارَ عزّ أحديّتک و تجلّيات شمس عنايتک*