مقاوم
03-30-2009, 07:21 AM
«الملك» و«الباش» وحتميّة تفاهم عون ـ حزب اللّه
30 آذار 2009
غسان سعود
"الأخبار"
حول طاولة العشاء في منزل مرشح التيار الوطني الحر المفترض عن المقعد الماروني في عكار، المسؤول السابق لحزب الوطنيين الأحرار في الدائرة نفسها، جوزف مخايل، التقى نحو عشرة ناشطين سابقين في أحزاب الكتائب، القوات، والوطنيين الأحرار. بينهم منظّرون سابقون في ما كان يُعرف بالفكر اليميني، ومسؤولون تدرّجوا في العمل الحزبي ارتقاءً إلى مراكز قريبة من صناعة القرار.
على الطاولة، قلّة اهتمام بالطعام، رغم حرص سيدة المنزل على مراعاة صحون الضيوف باهتمام فائق، وانشغال كبير في المقابل بالتفاصيل السياسيّة، في وقت تتقاطع فيه وجهات النظر الكثيرة عند حقيقة يجمع عليها الحاضرون: ولى زمن أحزابنا، والعماد ميشال عون هو آخر ما يربطنا بالسياسة.
بعد العشاء، يجتمع الرفاق ـــــ الخصوم السابقون حول طاولة صغيرة في الصالون. الحديث الرئيسي هو العلاقة المسيحيّة ـــــ الشيعيّة عموماً، وعلاقة عون ـــــ حزب الله خصوصاً. والكلام، دائماً، لقياديين عُرف عن بعضهم يمينيته حتى في الأحزاب اليمينيّة.
يُفتتح الموضوع بالعودة إلى «فخامة الملك»، بالنسبة إلى المسيحيين. كان الرئيس كميل شمعون مؤمناً بالثنائية المسيحيّة ـــــ الشيعيّة. وحقق ذلك بالممارسة عبر محاولته إيجاد أكبر حيثيّة ممكنة في الأوساط الشعبيّة لهذه الطائفة. ويمرّ الدور سريعاً على المجتمعين، فيُدلي كل واحد منهم بما حفظته ذاكرته، ليستنتج أحدهم، أخيراً، أن إحدى أهم نقاط قوة «الملك» قبل تنصيبه رئيساً وخلال ولايته، وبعدها كانت علاقته وأبناء الطائفة الشيعيّة.
ومن شمعون إلى بشير الجميل، يقول أحد أصدقاء الأخير إن ابن بيار الجميل كان يكرر يومياً القول إن «صيغة 43 فشلت ويفترض دفنها ووضع صخرة لا يمكن أيّ قوة دحرجتها عن قبرها». وقبل أن يحاول أحدهم العودة إلى الحديث، يتابع القواتي العائد من الولايات المتحدة بعد غربة طويلة، مشيراً إلى أن «بشير لم يقل يوماً رأيه في الصيغة البديلة، لكنه كان حاسماً في استحالة استمرار الثنائية المسيحيّة ـــــ السنيّة بحكم البلد، كما كانت الأمور قبل الحرب». تُهز الرؤوس موافقة، ويبدأ تدفق الملاحظات: رواية عن علاقات سرية بين بشير ونبيه بري، وأخرى عن تنسيق ميليشياوي ميداني بين القوات وحركة أمل.
يطول الحديث قليلاً قبل أن يتدخل أحدهم ليعيد تصويب الكلام، مبرزاً نقطة جديدة، عنوانها: عدو مشترك للشيعة والمسيحيين. والعدو طبعاً، بحكم هوية الحاضرين، هو التوطين. باختصار، مثّل الشيعة القوة الأساسية في منع التوطين، وهم اليوم يتعرّضون لضغوط كبيرة تحاول فرض الأمر الواقع الفلسطيني عليهم. ومتصالحاً مع نفسه، يجاهر أحد الحاضرين باقتناعه بأن ركيزة التقاء عون وحزب الله كانت هذا الهاجس المشترك من تشريع التقدم الديموغرافي لطائفة على حساب الطوائف الأخرى.
خلال النقاش، يبدو أحد الحاضرين قابضاً على فكرته كمن يقبض على كنز، وفي أول فرصة يبادر إلى القول إن ثمة التقاءً حضارياً بين المسيحي والشيعي المستفيد من مرونة «الاجتهاد» ليراكم التطور. ولتدعيم الفكرة، ينتقل المجتمعون بسرعة إلى إيران: أحاديث عن أعاجيب تكنولوجيّة، وروايات عن بلاد يراها المستمع لألسنة الحاضرين واحات من التقدم في صحاري الدول الإسلاميّة.
هنا، تحضر خاطرة لإحدى السيدات، فتقولها صراحة: الشيعة هم مسيحيو الشرق الجدد. العبارة ـــــ الاكتشاف تستحق بعض الصمت احتراماً. ومن وحي العبارة، يشرح قيادي سابق في القوات أن تديُّن حزب الله مبرر، و«شعب المقاومة المسيحيّة» أكثر قدرة من غيره على تفهّم كل ما يحيط بمظاهر التديُّن هذه، لأن القواتي «كان يصلّب يده على وجهه ويطلق الرصاص»، و«كان يعلّق مسبحة فوق نيشان بندقيته ليحسّن التصويب». وفي السياق الثقافي ـــــ التاريخي تتذكر إحداهن أن المسيحيين والشيعة هم «الفلاحون» في الأصل، وثمة عائلات كثيرة يتداخل في تكوينها الشيعي والمسيحي.
تُناقش الفكرة الأخيرة بشغف رغم تعب الساهرين فتُدعم بمزيد من الحجج. وقرابة الساعة الثانية فجراً، تبدأ طقوس الوداع، وسط إجماع الحاضرين على أن العماد ميشال عون لم يعرف كيف يدافع عن التفاهم بصفته ركيزة في استمرار «الوجود المسيحي الحر في الشرق». وفي الطريق إلى السيارة، يختتم أحد «الرفاق» نظرية «حتمية اللقاء المسيحي ـــــ الشيعي»، مذكراً بانتقاد الصحافي ألفرد نقاش لصيغة صناعة الوطن عبر اللاءات، للقول إن وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله تمثّل الخطوة الأولى لبناء لبنان الـ 10452 كلم مربع الذي نادى به حزب الله بعد ربع قرن على اغتيال بشير الجميّل.
30 آذار 2009
غسان سعود
"الأخبار"
حول طاولة العشاء في منزل مرشح التيار الوطني الحر المفترض عن المقعد الماروني في عكار، المسؤول السابق لحزب الوطنيين الأحرار في الدائرة نفسها، جوزف مخايل، التقى نحو عشرة ناشطين سابقين في أحزاب الكتائب، القوات، والوطنيين الأحرار. بينهم منظّرون سابقون في ما كان يُعرف بالفكر اليميني، ومسؤولون تدرّجوا في العمل الحزبي ارتقاءً إلى مراكز قريبة من صناعة القرار.
على الطاولة، قلّة اهتمام بالطعام، رغم حرص سيدة المنزل على مراعاة صحون الضيوف باهتمام فائق، وانشغال كبير في المقابل بالتفاصيل السياسيّة، في وقت تتقاطع فيه وجهات النظر الكثيرة عند حقيقة يجمع عليها الحاضرون: ولى زمن أحزابنا، والعماد ميشال عون هو آخر ما يربطنا بالسياسة.
بعد العشاء، يجتمع الرفاق ـــــ الخصوم السابقون حول طاولة صغيرة في الصالون. الحديث الرئيسي هو العلاقة المسيحيّة ـــــ الشيعيّة عموماً، وعلاقة عون ـــــ حزب الله خصوصاً. والكلام، دائماً، لقياديين عُرف عن بعضهم يمينيته حتى في الأحزاب اليمينيّة.
يُفتتح الموضوع بالعودة إلى «فخامة الملك»، بالنسبة إلى المسيحيين. كان الرئيس كميل شمعون مؤمناً بالثنائية المسيحيّة ـــــ الشيعيّة. وحقق ذلك بالممارسة عبر محاولته إيجاد أكبر حيثيّة ممكنة في الأوساط الشعبيّة لهذه الطائفة. ويمرّ الدور سريعاً على المجتمعين، فيُدلي كل واحد منهم بما حفظته ذاكرته، ليستنتج أحدهم، أخيراً، أن إحدى أهم نقاط قوة «الملك» قبل تنصيبه رئيساً وخلال ولايته، وبعدها كانت علاقته وأبناء الطائفة الشيعيّة.
ومن شمعون إلى بشير الجميل، يقول أحد أصدقاء الأخير إن ابن بيار الجميل كان يكرر يومياً القول إن «صيغة 43 فشلت ويفترض دفنها ووضع صخرة لا يمكن أيّ قوة دحرجتها عن قبرها». وقبل أن يحاول أحدهم العودة إلى الحديث، يتابع القواتي العائد من الولايات المتحدة بعد غربة طويلة، مشيراً إلى أن «بشير لم يقل يوماً رأيه في الصيغة البديلة، لكنه كان حاسماً في استحالة استمرار الثنائية المسيحيّة ـــــ السنيّة بحكم البلد، كما كانت الأمور قبل الحرب». تُهز الرؤوس موافقة، ويبدأ تدفق الملاحظات: رواية عن علاقات سرية بين بشير ونبيه بري، وأخرى عن تنسيق ميليشياوي ميداني بين القوات وحركة أمل.
يطول الحديث قليلاً قبل أن يتدخل أحدهم ليعيد تصويب الكلام، مبرزاً نقطة جديدة، عنوانها: عدو مشترك للشيعة والمسيحيين. والعدو طبعاً، بحكم هوية الحاضرين، هو التوطين. باختصار، مثّل الشيعة القوة الأساسية في منع التوطين، وهم اليوم يتعرّضون لضغوط كبيرة تحاول فرض الأمر الواقع الفلسطيني عليهم. ومتصالحاً مع نفسه، يجاهر أحد الحاضرين باقتناعه بأن ركيزة التقاء عون وحزب الله كانت هذا الهاجس المشترك من تشريع التقدم الديموغرافي لطائفة على حساب الطوائف الأخرى.
خلال النقاش، يبدو أحد الحاضرين قابضاً على فكرته كمن يقبض على كنز، وفي أول فرصة يبادر إلى القول إن ثمة التقاءً حضارياً بين المسيحي والشيعي المستفيد من مرونة «الاجتهاد» ليراكم التطور. ولتدعيم الفكرة، ينتقل المجتمعون بسرعة إلى إيران: أحاديث عن أعاجيب تكنولوجيّة، وروايات عن بلاد يراها المستمع لألسنة الحاضرين واحات من التقدم في صحاري الدول الإسلاميّة.
هنا، تحضر خاطرة لإحدى السيدات، فتقولها صراحة: الشيعة هم مسيحيو الشرق الجدد. العبارة ـــــ الاكتشاف تستحق بعض الصمت احتراماً. ومن وحي العبارة، يشرح قيادي سابق في القوات أن تديُّن حزب الله مبرر، و«شعب المقاومة المسيحيّة» أكثر قدرة من غيره على تفهّم كل ما يحيط بمظاهر التديُّن هذه، لأن القواتي «كان يصلّب يده على وجهه ويطلق الرصاص»، و«كان يعلّق مسبحة فوق نيشان بندقيته ليحسّن التصويب». وفي السياق الثقافي ـــــ التاريخي تتذكر إحداهن أن المسيحيين والشيعة هم «الفلاحون» في الأصل، وثمة عائلات كثيرة يتداخل في تكوينها الشيعي والمسيحي.
تُناقش الفكرة الأخيرة بشغف رغم تعب الساهرين فتُدعم بمزيد من الحجج. وقرابة الساعة الثانية فجراً، تبدأ طقوس الوداع، وسط إجماع الحاضرين على أن العماد ميشال عون لم يعرف كيف يدافع عن التفاهم بصفته ركيزة في استمرار «الوجود المسيحي الحر في الشرق». وفي الطريق إلى السيارة، يختتم أحد «الرفاق» نظرية «حتمية اللقاء المسيحي ـــــ الشيعي»، مذكراً بانتقاد الصحافي ألفرد نقاش لصيغة صناعة الوطن عبر اللاءات، للقول إن وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله تمثّل الخطوة الأولى لبناء لبنان الـ 10452 كلم مربع الذي نادى به حزب الله بعد ربع قرن على اغتيال بشير الجميّل.