مقاوم
03-10-2009, 01:32 PM
هيا نقتل وقت الأمة...!!
بقلم مريم عبدالله النعيمي
هيا نقتل وقت الأمة ونتبادل الأدوار بذكاء نحسد عليه، والذكي منا البارع فينا هو من ينجح في قتل وقت أكبر عدد ممكن من أفراد هذه الأمة!!
هيا نقتل وقت الأمة دون أي تحفظ، أو شعور بالخجل، أو رغبة في حفظ ماء الوجه، كلا فكل هذه المسائل ليس لها قيمة مقارنة بالفوائد الكبار المترتبة على التنسيق الرائع بيننا في الأدوار حين نتنادى .. نبادر.. نتعاون على اختلاق الفرص والاستفادة من المتواجد منها لقتل وقت الأمة.
هيا إن كنا معلمين نتبادل بعض الأدوار السهلة في هدر أوقات بعضنا بعضا عبر الجلسات الطويلة، لتبادل الأحاديث والقصص والحكايات أو لشتم الواقع والتنديد بالحال.
لا يهم كم مرة في اليوم نفعل ذلك، ولا يهم أيضا إن كان الحديث الذي نقوله اليوم قد قلناه بالأمس القريب، والأمس الذاهب البعيد.. قبل عام أو قبل عشرة أعوام، لا يهم على الإطلاق أن نجلس ونسخر من طيش الجيل الجديد أو لضعف الإمكانات المادية المخصصة للتعليم، أو لندب الحظ العاثر الذي ألقى بنا في مهنة التدريس!!
لا يهم على الإطلاق كم مرة في اليوم نجتمع لنحتسي القهوة والشاي، إن كنا موظفين حكوميين، وكم مرة نتجاذب أخبار الترقيات والإحالات للتقاعد وما بينهما من هموم أو من مسرات تخص الآخرين، وتفرض نفسها علينا ذلك، وأن التعاون على قتل الوقت في الدوائر الحكومية، بمثل هذا الأسلوب التقليدي الضارب جذوره في الفكر العربي منذ أكثر من خمسة قرون وإلى يومنا هذا، يشجعنا نحن أفراد الأمة على المنافسة مع ذواتنا لترسيخ هذه العادة لزمن قادم قد يطول!!
وتشجعنا أيضا على تسجيل أرقام جديدة في الهدف الكبير (قتل وقت الأمة)، خاصة وأن العبرة بالنتائج الجيدة، ولقد وجدنا نحن الموظفين الحكوميين في اجتماعاتنا المستمرة، ولقاءاتنا المتكررة وجلساتنا الحوارية التي نصب فيها جام غضبنا على الأوضاع، وعلى غلاء المعيشة، وجدنا فيها وعاء يمتص شعورنا بالإحباط، فما إن يفرغ كلّ واحد منا شحنته السلبية، وشعوره بالمرارة من الواقع، حتى يشعر بكثير من التحسن والراحة مما يغريه أن يكرر في الغد بوحه المستمر، وتعريته الدائمة للواقع من حولنا!!
ولكون هذا الواقع يضغط بثقله على صدورنا، وكذلك لأن كل واحد منا يشارك بشكل يومي زملاءه المتحمسين في النيل من وقت الأمة.
وأيضا لأننا جميعا ننجح كما نجحوا في تلك اللقاءات النقدية الدائمة، فمن الطبيعي أن يظهر أحدنا حرصه الكامل على أن يكون أول الموجودين في الجلسات الحوارية في الأيام التالية، والتي تنفذ عادة في المكاتب أو في المطعم الصغير الملحق بالمؤسسة الحكومية، أو في أي مكان آخر، يقترحه علينا عقلنا المشغول بالبحث عن أفضل السبل لقتل وقت الأمة!!
لقد تحول التعاون لدينا نحن أفراد الأمة على قتل وقت الأمة من الهواية إلى الاحتراف، وتحولنا بفضل مواهبنا الخاصة إلى مهندسي أفكار ثورية غير تقليدية، نعلم الهواة الجدد والمبتدئين من الموظفين الجدد كيف يكون العمل الجاد في قتل وقت الأمة.
الطرق التي لدينا نحن الكبار المخضرمين لإنجاز هذا الهدف الكبير طرق مدروسة، ونهاياتها دائمة حسب توقعاتنا. ولأنه في بعض الأحيان يأتينا موظف جديد هو في الحقيقة خريج جديد لإحدى الجامعات، ورأسه مع الأسف يحمل بعض المفاهيم حول أهمية احترام الوقت، فإنه من الطبيعي أن نبدأ في إعطائه جرعات مركزة وبمقادير معلومة وثابتة ليرتقي لمستوانا، ويتخلص من بعض المفاهيم المشوشة، التي ربما قرأها في أحد الكتب حينما كان طالبا على مقاعد الدراسة!!
هذا الخريج الجامعي الجديد قد أصبح زميلا لنا في المهنة، وأصبح من الواجب تحيته بما يستحق من تقدير ومن رعاية ومن غيرنا ـ نحن موظفي الحكومة الكبار ـ ليتولى مهمة رعاية هذا البرعم الصغير.
من بين الدروس الأولى التي نبدأ في تعليمه إياها درس اسمه (أجّل عمل اليوم إلى الغد)، وهو درس بسيط وبالأسلوب العلمي والمشاهد المكثفة لنا، يبدأ هذا البرعم الجديد في فهم الدرس الأول!
الدرس الثاني في قتل وقت الأمة اسمه (لا ابتكار ولا تجديد في إنجاز مهام الوظيفة)، ومن الطبيعي أن يخضع هذا الشاب الجديد لدرس في تقوية مهاراته الذهنية، فخوفنا عليه يجعلنا نشعر بعد فترة وجيزة، أن علينا أن نحذره من عاقبة الاهتمام بتجويد أعماله الوظيفية، لذا نبادر نحن مبكرين في تعرية الواقع أمامه لكي يكف عن أي محاولة لتجويد أدائه ومضاعفة حصيلته الإنتاجية!!
إننا وباتفاق جماعي، نحن قدامى الموظفين الحكوميين قررنا أن نوالي الدروس الهامة للبرعم الجديد الذي لا نريده أن ترتفع توقعاته ويزداد حماسه للانهماك في العمل، والقيام بكافة واجباته فلدينا من التجربة المتراكمة، ما يؤكد أن هذا الطريق المفروش بالحماس، نهايته مسدودة، حيث لا ضوء في نهاية النفق!!
لقد جربنا نحن "الموظفين القدامى" هذا الطريق في سنوات العمل الأولى، وقمنا بأعمالنا على أكمل صورة، وبعد مرور عدة سنوات، اكتشفنا حقيقة "اللامعيارية" و"اللاإنصاف"، اللذين يصبغان أغلب مؤسساتنا الرسمية، ولذلك قمنا بتحويل مسارنا في العمل ورضينا من الغنيمة بالراتب الشهري، الذي وجدنا فيه بعض الضمان من قسوة الأيام وتقلبات الزمن.
نعم، بملء إرادتنا الكاملة، تصالحنا مع قيم التواكل والركود، ورضينا بتقديم أداء روتيني عادي لمهامنا اليومية، وارتضينا جلسات الحوار والفضفضة سبيلا لتفريغ شحنات الغضب من واقعنا الصعب.
الدرس الثالث الذي تطوعنا جميعا لتعليمه للبرعم الصغير، اسمه (مداهنة المدير وموافقته على كل حال)، هذا الدرس بطبيعة الحال من الدروس الهامة، التي ينبغي الإسراع في تعليمها كل برعم جديد، والخوف كل الخوف على هذا الخريج الجديد أن يتقدم بين يدي المدير بأفكار تخالف الأفكار المطبقة في بيئة العمل، فيحدث ما لا تحمد عقباه.
نعم إن من واجبنا حماية البرعم الصغير من كل الأخطار التي قد يتعرض لها، وتلقينه سريعا الخطوات للازمة لدمجه في مدرستنا الرائدة، وتعليمه أصول المهادنة والتصالح مع النظام السائد، وكذلك مع أفكارنا الراكدة، هذا إن أراد أن يصبح عضوا فاعلا فينا.
العضو النشط فينا، هو العضو المتطفل، الذي يهتم بجلب الأخبار من هنا وهناك، باحثا عن كل ما قد يشبع نهمنا وفضولنا لمعرفة الأخبار على تنوع مصادر واختلاف موضوعاتها.
أيضا، من الأعضاء الجيدين الذين يوجدون بكثرة في العديد من مؤسساتنا الأعضاء المثبطين للعزائم، الذين يضعون كل خطأ وانحراف في الأداء في رقبة الحكومة، مبرئين أفراد المجتمع من أي تبعة تقصير أو شعور بالمسؤولية.
هذا العضو الذي يتميز بقدرته الفائقة على تثبيط الهمم، هو شخص فعال وذو قدرات ديناميكية عالية، حيث لا يكاد يكف عن الثرثرة حول تردي الأوضاع الشخصية والعامة، ناسبا الأسباب الجوهرية لضعف الحكومة وتخيلها عن واجباتها الجسيمة. مثل هذا الموظف الجيد، شخص هام ومساعد نشط في هدر وقت الأمة وبعثرة الطاقات وذبح الهمم التي لديها بعض التطلع للإصلاح.
إنه معلم كبير في مدرستنا الكبيرة، مدرسة "إهدار وقت الأمة وطاقات أبنائها وشل فاعليتهم"، بطبيعة الحال نحن لم ننجح نجاحا كاملا، فهناك من تمرد علينا، ولم ترق له أذهاننا المترهلة وهممنا الضعيفة، وانطفاء حماسنا للتجويد والإبداع، فانبرى، مشمرا عن ساعد الجد وعاقدا العزم على التعبير عن أفكاره مؤمنا بمسؤوليته الفردية وقدرته على ترك بصمة على جبين الأيام.
مثل هذا الفرد المتألق موجود في مؤسساتنا، وبين أفراد المجتمع لكن العدد الإجمالي لهؤلاء الجادين، لا يكاد يتناسب وحجم الجهود المطلوبة لإحداث النقلة النوعية التي تحتاجها الأمة في كافة أوجه نشاطها.
نعم هناك أشخاص يتمردون على الرتابة والضعف ولديهم طاقة إيجابية تكفي للمئات من الناس لكن المعادلة التي يمثلون شقها الأول لا تكاد تتحقق نتيجتها لكون الصعوبات التي تواجههم تمثل في حجمها وقوتها قوة ضاربة لها جذورها العميقة والتي بطبيعة الحال تتطلب تكاتف الجهود وتضافر الإمكانات لإصلاح الضعف والتشوه وكل العوائق المحيطة بنا.
أما نحن الذي اتفقنا على قتل وقت الأمة، ونفضنا أيدينا من المشاركة في جهود الإصلاح، فنحن على انسجام مع أنفسنا، ولا نحتاج لمراجعة للذات، فذواتنا هي الأخرى تتطلب جهودا من نوع مختلف لإيقاظها من سباتها العميق.
لله ما أثقل نومنا وما أعمق حال السكون الذي يلف أعماقنا. إن الخدر الذي بداخل فريقنا النائم على درجة عالية من التأثير والانتشار. وها نحن ذا، نتمايز يوما بعد يوم في مجتمعاتنا العربية، ما بين أفراد احترفوا العمل على قتل وقت الأمة وآخرين قرروا الدخول في جهود الإحياء والإصلاح.
أما أنت يا قارئ هذا المقال، فلا تعجل على كيفية إيقاظنا فتلك قصة بها الكثير من التفاصيل، وصناعها يتمتعون بصفات استثنائية، من بينها قدرتهم على مواجهتنا بحقيقة أنفسنا.
لعل المجاملة والسكوت عنا هو جريمة لا تقل عن جريمتنا الكاملة في حق الأمة. إن الصمت عنا وتركنا دون عقاب، هو أحد أسباب تضييعنا للأمانات، وليت من يبادر بعقابنا وتأديبنا ويتولى زمام إيقافنا عند حدنا.
ليت الأيام تمر سريعا، ونجد من يواجهنا بسوء الحال الذي نحن عليه وبحجم الخراب الذي صنعته نفوسنا المريضة.ليتهم يباشرون في تفريق شملنا نحن الكسالى المحبطين ويعيدون تشكيل فرق العمل، وفقا لقاعدة تفويض القوي في تطوير الضعيف.
ليتهم ينتخبون الصالحين، ويمكنوهم من قيادتنا، لأننا بأمس الحاجة لمن يعيدنا إلى الرشد، فقد تباعدت انحرفت خطواتنا كثيرا عن طريق النجاة وحار دليلنا!!
بقلم مريم عبدالله النعيمي
هيا نقتل وقت الأمة ونتبادل الأدوار بذكاء نحسد عليه، والذكي منا البارع فينا هو من ينجح في قتل وقت أكبر عدد ممكن من أفراد هذه الأمة!!
هيا نقتل وقت الأمة دون أي تحفظ، أو شعور بالخجل، أو رغبة في حفظ ماء الوجه، كلا فكل هذه المسائل ليس لها قيمة مقارنة بالفوائد الكبار المترتبة على التنسيق الرائع بيننا في الأدوار حين نتنادى .. نبادر.. نتعاون على اختلاق الفرص والاستفادة من المتواجد منها لقتل وقت الأمة.
هيا إن كنا معلمين نتبادل بعض الأدوار السهلة في هدر أوقات بعضنا بعضا عبر الجلسات الطويلة، لتبادل الأحاديث والقصص والحكايات أو لشتم الواقع والتنديد بالحال.
لا يهم كم مرة في اليوم نفعل ذلك، ولا يهم أيضا إن كان الحديث الذي نقوله اليوم قد قلناه بالأمس القريب، والأمس الذاهب البعيد.. قبل عام أو قبل عشرة أعوام، لا يهم على الإطلاق أن نجلس ونسخر من طيش الجيل الجديد أو لضعف الإمكانات المادية المخصصة للتعليم، أو لندب الحظ العاثر الذي ألقى بنا في مهنة التدريس!!
لا يهم على الإطلاق كم مرة في اليوم نجتمع لنحتسي القهوة والشاي، إن كنا موظفين حكوميين، وكم مرة نتجاذب أخبار الترقيات والإحالات للتقاعد وما بينهما من هموم أو من مسرات تخص الآخرين، وتفرض نفسها علينا ذلك، وأن التعاون على قتل الوقت في الدوائر الحكومية، بمثل هذا الأسلوب التقليدي الضارب جذوره في الفكر العربي منذ أكثر من خمسة قرون وإلى يومنا هذا، يشجعنا نحن أفراد الأمة على المنافسة مع ذواتنا لترسيخ هذه العادة لزمن قادم قد يطول!!
وتشجعنا أيضا على تسجيل أرقام جديدة في الهدف الكبير (قتل وقت الأمة)، خاصة وأن العبرة بالنتائج الجيدة، ولقد وجدنا نحن الموظفين الحكوميين في اجتماعاتنا المستمرة، ولقاءاتنا المتكررة وجلساتنا الحوارية التي نصب فيها جام غضبنا على الأوضاع، وعلى غلاء المعيشة، وجدنا فيها وعاء يمتص شعورنا بالإحباط، فما إن يفرغ كلّ واحد منا شحنته السلبية، وشعوره بالمرارة من الواقع، حتى يشعر بكثير من التحسن والراحة مما يغريه أن يكرر في الغد بوحه المستمر، وتعريته الدائمة للواقع من حولنا!!
ولكون هذا الواقع يضغط بثقله على صدورنا، وكذلك لأن كل واحد منا يشارك بشكل يومي زملاءه المتحمسين في النيل من وقت الأمة.
وأيضا لأننا جميعا ننجح كما نجحوا في تلك اللقاءات النقدية الدائمة، فمن الطبيعي أن يظهر أحدنا حرصه الكامل على أن يكون أول الموجودين في الجلسات الحوارية في الأيام التالية، والتي تنفذ عادة في المكاتب أو في المطعم الصغير الملحق بالمؤسسة الحكومية، أو في أي مكان آخر، يقترحه علينا عقلنا المشغول بالبحث عن أفضل السبل لقتل وقت الأمة!!
لقد تحول التعاون لدينا نحن أفراد الأمة على قتل وقت الأمة من الهواية إلى الاحتراف، وتحولنا بفضل مواهبنا الخاصة إلى مهندسي أفكار ثورية غير تقليدية، نعلم الهواة الجدد والمبتدئين من الموظفين الجدد كيف يكون العمل الجاد في قتل وقت الأمة.
الطرق التي لدينا نحن الكبار المخضرمين لإنجاز هذا الهدف الكبير طرق مدروسة، ونهاياتها دائمة حسب توقعاتنا. ولأنه في بعض الأحيان يأتينا موظف جديد هو في الحقيقة خريج جديد لإحدى الجامعات، ورأسه مع الأسف يحمل بعض المفاهيم حول أهمية احترام الوقت، فإنه من الطبيعي أن نبدأ في إعطائه جرعات مركزة وبمقادير معلومة وثابتة ليرتقي لمستوانا، ويتخلص من بعض المفاهيم المشوشة، التي ربما قرأها في أحد الكتب حينما كان طالبا على مقاعد الدراسة!!
هذا الخريج الجامعي الجديد قد أصبح زميلا لنا في المهنة، وأصبح من الواجب تحيته بما يستحق من تقدير ومن رعاية ومن غيرنا ـ نحن موظفي الحكومة الكبار ـ ليتولى مهمة رعاية هذا البرعم الصغير.
من بين الدروس الأولى التي نبدأ في تعليمه إياها درس اسمه (أجّل عمل اليوم إلى الغد)، وهو درس بسيط وبالأسلوب العلمي والمشاهد المكثفة لنا، يبدأ هذا البرعم الجديد في فهم الدرس الأول!
الدرس الثاني في قتل وقت الأمة اسمه (لا ابتكار ولا تجديد في إنجاز مهام الوظيفة)، ومن الطبيعي أن يخضع هذا الشاب الجديد لدرس في تقوية مهاراته الذهنية، فخوفنا عليه يجعلنا نشعر بعد فترة وجيزة، أن علينا أن نحذره من عاقبة الاهتمام بتجويد أعماله الوظيفية، لذا نبادر نحن مبكرين في تعرية الواقع أمامه لكي يكف عن أي محاولة لتجويد أدائه ومضاعفة حصيلته الإنتاجية!!
إننا وباتفاق جماعي، نحن قدامى الموظفين الحكوميين قررنا أن نوالي الدروس الهامة للبرعم الجديد الذي لا نريده أن ترتفع توقعاته ويزداد حماسه للانهماك في العمل، والقيام بكافة واجباته فلدينا من التجربة المتراكمة، ما يؤكد أن هذا الطريق المفروش بالحماس، نهايته مسدودة، حيث لا ضوء في نهاية النفق!!
لقد جربنا نحن "الموظفين القدامى" هذا الطريق في سنوات العمل الأولى، وقمنا بأعمالنا على أكمل صورة، وبعد مرور عدة سنوات، اكتشفنا حقيقة "اللامعيارية" و"اللاإنصاف"، اللذين يصبغان أغلب مؤسساتنا الرسمية، ولذلك قمنا بتحويل مسارنا في العمل ورضينا من الغنيمة بالراتب الشهري، الذي وجدنا فيه بعض الضمان من قسوة الأيام وتقلبات الزمن.
نعم، بملء إرادتنا الكاملة، تصالحنا مع قيم التواكل والركود، ورضينا بتقديم أداء روتيني عادي لمهامنا اليومية، وارتضينا جلسات الحوار والفضفضة سبيلا لتفريغ شحنات الغضب من واقعنا الصعب.
الدرس الثالث الذي تطوعنا جميعا لتعليمه للبرعم الصغير، اسمه (مداهنة المدير وموافقته على كل حال)، هذا الدرس بطبيعة الحال من الدروس الهامة، التي ينبغي الإسراع في تعليمها كل برعم جديد، والخوف كل الخوف على هذا الخريج الجديد أن يتقدم بين يدي المدير بأفكار تخالف الأفكار المطبقة في بيئة العمل، فيحدث ما لا تحمد عقباه.
نعم إن من واجبنا حماية البرعم الصغير من كل الأخطار التي قد يتعرض لها، وتلقينه سريعا الخطوات للازمة لدمجه في مدرستنا الرائدة، وتعليمه أصول المهادنة والتصالح مع النظام السائد، وكذلك مع أفكارنا الراكدة، هذا إن أراد أن يصبح عضوا فاعلا فينا.
العضو النشط فينا، هو العضو المتطفل، الذي يهتم بجلب الأخبار من هنا وهناك، باحثا عن كل ما قد يشبع نهمنا وفضولنا لمعرفة الأخبار على تنوع مصادر واختلاف موضوعاتها.
أيضا، من الأعضاء الجيدين الذين يوجدون بكثرة في العديد من مؤسساتنا الأعضاء المثبطين للعزائم، الذين يضعون كل خطأ وانحراف في الأداء في رقبة الحكومة، مبرئين أفراد المجتمع من أي تبعة تقصير أو شعور بالمسؤولية.
هذا العضو الذي يتميز بقدرته الفائقة على تثبيط الهمم، هو شخص فعال وذو قدرات ديناميكية عالية، حيث لا يكاد يكف عن الثرثرة حول تردي الأوضاع الشخصية والعامة، ناسبا الأسباب الجوهرية لضعف الحكومة وتخيلها عن واجباتها الجسيمة. مثل هذا الموظف الجيد، شخص هام ومساعد نشط في هدر وقت الأمة وبعثرة الطاقات وذبح الهمم التي لديها بعض التطلع للإصلاح.
إنه معلم كبير في مدرستنا الكبيرة، مدرسة "إهدار وقت الأمة وطاقات أبنائها وشل فاعليتهم"، بطبيعة الحال نحن لم ننجح نجاحا كاملا، فهناك من تمرد علينا، ولم ترق له أذهاننا المترهلة وهممنا الضعيفة، وانطفاء حماسنا للتجويد والإبداع، فانبرى، مشمرا عن ساعد الجد وعاقدا العزم على التعبير عن أفكاره مؤمنا بمسؤوليته الفردية وقدرته على ترك بصمة على جبين الأيام.
مثل هذا الفرد المتألق موجود في مؤسساتنا، وبين أفراد المجتمع لكن العدد الإجمالي لهؤلاء الجادين، لا يكاد يتناسب وحجم الجهود المطلوبة لإحداث النقلة النوعية التي تحتاجها الأمة في كافة أوجه نشاطها.
نعم هناك أشخاص يتمردون على الرتابة والضعف ولديهم طاقة إيجابية تكفي للمئات من الناس لكن المعادلة التي يمثلون شقها الأول لا تكاد تتحقق نتيجتها لكون الصعوبات التي تواجههم تمثل في حجمها وقوتها قوة ضاربة لها جذورها العميقة والتي بطبيعة الحال تتطلب تكاتف الجهود وتضافر الإمكانات لإصلاح الضعف والتشوه وكل العوائق المحيطة بنا.
أما نحن الذي اتفقنا على قتل وقت الأمة، ونفضنا أيدينا من المشاركة في جهود الإصلاح، فنحن على انسجام مع أنفسنا، ولا نحتاج لمراجعة للذات، فذواتنا هي الأخرى تتطلب جهودا من نوع مختلف لإيقاظها من سباتها العميق.
لله ما أثقل نومنا وما أعمق حال السكون الذي يلف أعماقنا. إن الخدر الذي بداخل فريقنا النائم على درجة عالية من التأثير والانتشار. وها نحن ذا، نتمايز يوما بعد يوم في مجتمعاتنا العربية، ما بين أفراد احترفوا العمل على قتل وقت الأمة وآخرين قرروا الدخول في جهود الإحياء والإصلاح.
أما أنت يا قارئ هذا المقال، فلا تعجل على كيفية إيقاظنا فتلك قصة بها الكثير من التفاصيل، وصناعها يتمتعون بصفات استثنائية، من بينها قدرتهم على مواجهتنا بحقيقة أنفسنا.
لعل المجاملة والسكوت عنا هو جريمة لا تقل عن جريمتنا الكاملة في حق الأمة. إن الصمت عنا وتركنا دون عقاب، هو أحد أسباب تضييعنا للأمانات، وليت من يبادر بعقابنا وتأديبنا ويتولى زمام إيقافنا عند حدنا.
ليت الأيام تمر سريعا، ونجد من يواجهنا بسوء الحال الذي نحن عليه وبحجم الخراب الذي صنعته نفوسنا المريضة.ليتهم يباشرون في تفريق شملنا نحن الكسالى المحبطين ويعيدون تشكيل فرق العمل، وفقا لقاعدة تفويض القوي في تطوير الضعيف.
ليتهم ينتخبون الصالحين، ويمكنوهم من قيادتنا، لأننا بأمس الحاجة لمن يعيدنا إلى الرشد، فقد تباعدت انحرفت خطواتنا كثيرا عن طريق النجاة وحار دليلنا!!