تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مؤتمر شرم الشيخ: براءة المجرم



شيركوه
03-03-2009, 03:46 PM
بفضل الانحطاط العربي تمكّن الإسرائيليون من تسجيل سوابق في السياسة الدولية تؤهلهم لارتكاب مزيد من الجرائم. فبدلا من مفاهيم العقاب والمحاسبة والتعويض بحق المجرم تتداول مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية تقوم على أساس تجريم الضحية ووضع قيود واشتراطات على المساعدات الإنسانية.

هل حصل هذا مع بشر غير الفلسطينيين؟ حتى الفلسطينيون خارج القطاع لم يتعرضوا لهذه المعاملة "التفضيلية". الضفة محتلة، وتورطت بالمقاومة في انتفاضة الأقصى الثانية ولم تتعرض لمثل ما تتعرض له غزة اليوم. حتى في لحظة استعار الحروب ينظم القانون الدولي الإنساني دخول المساعدات. اليوم يوجد وقف إطلاق نار فبأي حق يستمر الحصار؟

لم تتعرض غزة إلى زلزال، ولم تقيد جريمتها ضد مجهول. عندما تتبرع الولايات المتحدة بـ900 مليون دولار إعادة للإعمار، فهذا لا يمثل حلا للصراع العربي الإسرائيلي، بل يفاقمه لأنها باليد الأخرى تمد إسرائيل بأسلحة التدمير وبالغطاء السياسي لمواصلة العدوان. وهذه المساعدات المغشوشة ما هي إلا سلاح آخر للانقلاب على حكومة المقاومة.

منذ عام 1996 تتكرر الأخطاء في شرم الشيخ. سنتها انعقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب. بسبب العمليات الاستشهادية التي قتل فيها عشرات الإسرائيليين. وقدمت حماس في وقتها ذات المبررات التي يقدمها الإسرائيليون عندما يُقتل مدنيون غير محاربين. ومع فارق التسلح المفتوح بين الضحية والمعتدي نسي المجتمعون حينها أن الإرهاب يتجسد في دولة الاحتلال، تماما كما يتناسون اليوم كل هذا الدمار، وكأنهم يقولون للإسرائيلي "دمر واحنا منعمر".

كيس الإسمنت لا يقل أهمية عن كيس الطحين، وكلاهما لا يدخلان غزة. فالمطلوب أن يدفع الشعب الفلسطيني الأعزل كلفة المقاومة تشريدا وجوعا. أو أن يقبض رشوة الخنوع والذل والاستسلام. تقتضي أبسط مفاهيم القانون الدولي والإنساني أن يدفع المحاربون كلفة حربهم، وهذا ما تدفعه المقاومة عن طيب خاطر. أما أن تكون الشعوب رهينة بيند الطرف الأقوى فهذا غير مسبوق.

ليس تعاطفا مع الضحية، بل تواطؤا مع الجلاد. إلى اليوم تدفع تعويضات عن الهولكوست، وبدلا من ذلك تترجم وعود نتنياهو بالسلام الاقتصادي بلغة أوروبية مهذبة "مشروع مارشال"! لم يكن لينجح مشروع مارشال لولا تخلص أوروبا من النازي، ولو ظل النازي لما نجح مشروع مارشال ولا غيره.

المشكلة سياسية أولا وأخيرا. وقبل الحديث عن البيوت التي دمرت في غزة على الغرب أن يتحدث علن المستوطنات التي تبنى والجدار الذي يمزق فلسطين. من يتذكر اليوم قرار محكمة العدل الدولية بخصوص الجدار؟

لا شك أن غزة الفاضحة (على وصف صاحب التغريبة الفلسطينية وليد سيف) فضحت المجتمع الدولي وجاء تحركه اضطرارا لا اختيارا. وبدا في الاجتماع نوع من تحمل المسؤولية تجاه المعاناة الإنسانية. إلا أن ذلك لا يجوز أن يتحول إلى "غسل" للعدوان الوسخ. وتنتهي المأساة بهذه "الجاهة" الدولية.

على العرب أن يتجاوزا مرحلة الانحطاط، ويرتقوا إلى مستوى البطولة والصمود والنصر الذي تحقق في غزة المدمرة المحاصرة. وهذا ما يبني الوطن الفلسطيني على أرض الفلسطينيين الطبيعية. فالمضحك المبكي أن المجتمعين يتحدثون عن إعادة إعمار مخيمات، مع أن القانون الدولي يتحدث عن حق العودة. بل إعادة إعمار سجون، فغزة ما هي إلا سجن تمرد على السجان.