عزام
01-29-2009, 08:08 PM
من خواطري
عزام
مكعبات سكر، كيس شاي، كوب بلاستيكي، ماء ساخن جاهز من براد المياه.. هذا كل ما يلزمك لتحضير كوب شاي لذيذ.. كل شي جاهز والعملية عملية تركيب فقط... اصبحت حياتنا خالية من المشاق والتعب والتعقيد فكل ما فيها مكعبات ومعلبات وعملية تركيب.. كل شيء في حياتنا يتحول تدريجيا الى قطع بازل جاهزة للتركيب بطريقة ميكانيكية: العمل الاكل الشرب الحب الجنس.. حتى العبادة للاسف ..
تتألم حقا حينما تجد ان اجمل شيء في حياتنا... الشيء الذي ضرب فيه القرآن الكريم المثل باعتباره اية من آياته اصبح هو الآخر عملية تركيب ميكانيكية: رجل، امراة، مسكن وسيارة يربط بينهم عقد فتحصل على زواج لا روح فيه – هو بالصفقة التجارية اشبه - عملية تبادل مصالح خالية من المودة والرحمة..
تحمل كوب الشاي وتجلس امام الحاسوب.. من المفروض ان تبرمجه.. هكذا علموك في الجامعة.. ولكنك لا تعرف من منكم يبرمج الآخر؟؟ ومن منكم يتحكم بحياة الآخر؟؟ ها هو يحدق فيك وتشعر بنظرات الكراهية والنفور في نظراته.. وفي كل حركة وسكنة من تصرفاته: صورته الباهتة الكالحة.. كحته المزمنة.. عصيانه المستديم لاوامرك..
تفكران في الطلاق ولكن عبثا فقد تعلق كل منكما بالاخر تعلقا ادمانيا مريضا.. فهو قد اصبح "العلبة" التي تحتوي جميع اصدقاءك بعد ان آثروا ان يهجروا هذا البلد التعيس ويسافروا في انحاء المعمورة فتحولت وجوههم المشرقة الى دوائر خضراء ورمادية وتحولت ضحكاتهم المجلجلة الى اقواس معكوفة.. لقد امست هذه العلبة الصدئة النافذة الوحيدة التي ترى حياتك من خلالها.. تسجل فيها ذكرياتك وماضيك واحلامك.. ذكريات تدفنها في غياهب الاقراص الصلبة.. بعد ان عجز قلبك عن استيعاب أي جرح جديد..
تستغني عن ساعة اليد والرزنامة وتستعيض عنها بارقام تراقبها على يمين شاشتك.. تتعجب كيف يجري الزمن بهذه السرعة .. وكيف ان هذه الايام الطويلة من الملل والكآبة والحسرة تجتمع سوية لتبني سنينا قصيرة لا تعرف كيف مرت بهذه السرعة.. والعمر يمضي بل يجري ولا تشعر انك حققت شيئا مما كنت تحلم به.. تفكر في كتابة كتاب يعبر عنك.. عن خواطرك وتجاربك.. وتشرع في ذلك فعلا حتى تقرأ مقولة –من المفروض انها ساخرة- تساءل فيها كاتبها لماذا يقضي سنة في كتابة شي تستطيع ان تشتريه ببضعة دولارات وتقرأه بساعتين واحيانا ترميه جانبا حتى قبل قراءته؟؟؟ تتذكر هذه الكتب المرمية على الارصفة امام مقر عملك – يبيعها بائع لا يميز بينها وبين اوراق لف السندويش- وتتذكر معها كلاما قاله لك صديق من هواة القراءة.. هل يا ترى ترضى الاطعمة التي نغذي بها بطوننا -والتي تصير الى ما نعرف- هذه المعاملة؟؟ هل ترضى بأن تلقى على الارصفة؟ واذا رضيت فهل ستجد من يشتريها؟
تشرب رشفة شاي وتحرق لسانك .. تتألم قليلا ولكن تبتسم فمع الالم تتذكر انك موجود.. انك حي ترزق.. لا تعرف ان كنت تتألم من آلامك الشخصية ام آلام من تحب وتعرف؟؟ فلطالما اختلطت الامور عليك وحملت همومهم واهتممت لهم اكثر مما تهتم لنفسك.. حتى اصبحت مخلوقا هلاميا مع الوقت لا وزن له ولا شكل... مجبولا من الاحزان وكأن حزنك لا يكفيك.. تعرف انك تتكلم عن غيرك قبل ان تتكلم عن نفسك.. فحياة كل من تعرفه اصبحت مكعبات وعمليات تركيب روتينية.. لا مشقة.. لا اهداف.. بل لا احلام حتى.. كالسمكة التي جرفها تيار يتلاعب بقذفها في كل واد.. كل هذا وسط غياب خيوط حريرية منشودة تنسج مفهوما متكاملا لهذه الحياة.. لطالما ايقنت انه كي تفهم الناس عليك ان تنظر عميقا في نفسك .. وكي تفهم نفسك عليك ان تنظر الى الناس.. هذه هي المعادلة السهلة الصعبة.. كي تجد اعذارا للناس تذكر ضعفك وتقصيرك وكي تفهم نفسك إقرأ في ما كتبه غيرك عن الانسان وطباعه.. بادئا بالكتاب الذي انزله علينا خالق هذا الانسان – والذي هجره معظمنا للاسف- فهو وحده يعلم خصائص صنعته..
تشرب رشفة اخرى من الشاي فتجده مرا هذه المرة.. تعرف ان السعادة ليست في هذه الدنيا.. تعرف ان حياتك حزينة كانت هكذا دوما وستظل.. ولكن بين نقطتي حزن تستطيع ان تعمل وتنتج.. تقرر ان تتخلى عن السلبية وان تتدفق كالنهر فياض.. متكيفا مع نتوءات الصخور ووهدات الحفر فهذا افضل من مصارعة حياة ستصرعنا في النهاية مهما تكبرنا و كابرنا... تعود وترمق حاسوبك القديم بابتسامة ولاول مرة تشعر انه يطيعك او يطاوعك .. تنساب اناملك على لوحة مفاتيحه كمياه نهر متدفق..
كل السر يمكن هنا.. ان نتقبل الحياة كما هي.. ونضيف شيئا عليها.. ان نتقبل ان السعادة هي هدف لن نستطيع الوصول اليه ولكنه خلق فقط ليظل لدينا امل نستطيع ان نعيش به.. ان نتقبل ان نعيش كل لحظة من حياتنا .. ان تعيش كل مرحلة من حياتك.. طفلا، تلميذا ،مراهقا، رجلا، استاذا وأبا وان تعيش كل هذه المراحل في لحظة واحدة حينما تحب وتجد نفسك في من يحبك ويفهمك ويقدرك.
تاخذ رشفة اخيرة من الشاي فتجده حلوا هذه المرة ذلك انك وصلت الى قاع الكوب حيث تجمع السكر الذي نسيت ان تحركه وتكتشف ان المرارة لم تكن يوما ذنب المكعبات بل كانت ذنبك انت حين نسيت تحريكه.. وتكتشف مدى حاجتنا للحركة.. للثورة.. لانتفاضة عارمة على اكوام من الجهل اوالسلبية المعششة في العقول.. مدى حاجتنا للبحث عن قضية نعيش لاجلها ونموت لاجلها.. فالموت مكتوب علينا شئنا ام ابينا.. لكن منا من يفضله على سريره ومنا من يفضله بالاباتشي.. هذه هي المعادلة .. فهل من يطبق؟؟
عزام
مكعبات سكر، كيس شاي، كوب بلاستيكي، ماء ساخن جاهز من براد المياه.. هذا كل ما يلزمك لتحضير كوب شاي لذيذ.. كل شي جاهز والعملية عملية تركيب فقط... اصبحت حياتنا خالية من المشاق والتعب والتعقيد فكل ما فيها مكعبات ومعلبات وعملية تركيب.. كل شيء في حياتنا يتحول تدريجيا الى قطع بازل جاهزة للتركيب بطريقة ميكانيكية: العمل الاكل الشرب الحب الجنس.. حتى العبادة للاسف ..
تتألم حقا حينما تجد ان اجمل شيء في حياتنا... الشيء الذي ضرب فيه القرآن الكريم المثل باعتباره اية من آياته اصبح هو الآخر عملية تركيب ميكانيكية: رجل، امراة، مسكن وسيارة يربط بينهم عقد فتحصل على زواج لا روح فيه – هو بالصفقة التجارية اشبه - عملية تبادل مصالح خالية من المودة والرحمة..
تحمل كوب الشاي وتجلس امام الحاسوب.. من المفروض ان تبرمجه.. هكذا علموك في الجامعة.. ولكنك لا تعرف من منكم يبرمج الآخر؟؟ ومن منكم يتحكم بحياة الآخر؟؟ ها هو يحدق فيك وتشعر بنظرات الكراهية والنفور في نظراته.. وفي كل حركة وسكنة من تصرفاته: صورته الباهتة الكالحة.. كحته المزمنة.. عصيانه المستديم لاوامرك..
تفكران في الطلاق ولكن عبثا فقد تعلق كل منكما بالاخر تعلقا ادمانيا مريضا.. فهو قد اصبح "العلبة" التي تحتوي جميع اصدقاءك بعد ان آثروا ان يهجروا هذا البلد التعيس ويسافروا في انحاء المعمورة فتحولت وجوههم المشرقة الى دوائر خضراء ورمادية وتحولت ضحكاتهم المجلجلة الى اقواس معكوفة.. لقد امست هذه العلبة الصدئة النافذة الوحيدة التي ترى حياتك من خلالها.. تسجل فيها ذكرياتك وماضيك واحلامك.. ذكريات تدفنها في غياهب الاقراص الصلبة.. بعد ان عجز قلبك عن استيعاب أي جرح جديد..
تستغني عن ساعة اليد والرزنامة وتستعيض عنها بارقام تراقبها على يمين شاشتك.. تتعجب كيف يجري الزمن بهذه السرعة .. وكيف ان هذه الايام الطويلة من الملل والكآبة والحسرة تجتمع سوية لتبني سنينا قصيرة لا تعرف كيف مرت بهذه السرعة.. والعمر يمضي بل يجري ولا تشعر انك حققت شيئا مما كنت تحلم به.. تفكر في كتابة كتاب يعبر عنك.. عن خواطرك وتجاربك.. وتشرع في ذلك فعلا حتى تقرأ مقولة –من المفروض انها ساخرة- تساءل فيها كاتبها لماذا يقضي سنة في كتابة شي تستطيع ان تشتريه ببضعة دولارات وتقرأه بساعتين واحيانا ترميه جانبا حتى قبل قراءته؟؟؟ تتذكر هذه الكتب المرمية على الارصفة امام مقر عملك – يبيعها بائع لا يميز بينها وبين اوراق لف السندويش- وتتذكر معها كلاما قاله لك صديق من هواة القراءة.. هل يا ترى ترضى الاطعمة التي نغذي بها بطوننا -والتي تصير الى ما نعرف- هذه المعاملة؟؟ هل ترضى بأن تلقى على الارصفة؟ واذا رضيت فهل ستجد من يشتريها؟
تشرب رشفة شاي وتحرق لسانك .. تتألم قليلا ولكن تبتسم فمع الالم تتذكر انك موجود.. انك حي ترزق.. لا تعرف ان كنت تتألم من آلامك الشخصية ام آلام من تحب وتعرف؟؟ فلطالما اختلطت الامور عليك وحملت همومهم واهتممت لهم اكثر مما تهتم لنفسك.. حتى اصبحت مخلوقا هلاميا مع الوقت لا وزن له ولا شكل... مجبولا من الاحزان وكأن حزنك لا يكفيك.. تعرف انك تتكلم عن غيرك قبل ان تتكلم عن نفسك.. فحياة كل من تعرفه اصبحت مكعبات وعمليات تركيب روتينية.. لا مشقة.. لا اهداف.. بل لا احلام حتى.. كالسمكة التي جرفها تيار يتلاعب بقذفها في كل واد.. كل هذا وسط غياب خيوط حريرية منشودة تنسج مفهوما متكاملا لهذه الحياة.. لطالما ايقنت انه كي تفهم الناس عليك ان تنظر عميقا في نفسك .. وكي تفهم نفسك عليك ان تنظر الى الناس.. هذه هي المعادلة السهلة الصعبة.. كي تجد اعذارا للناس تذكر ضعفك وتقصيرك وكي تفهم نفسك إقرأ في ما كتبه غيرك عن الانسان وطباعه.. بادئا بالكتاب الذي انزله علينا خالق هذا الانسان – والذي هجره معظمنا للاسف- فهو وحده يعلم خصائص صنعته..
تشرب رشفة اخرى من الشاي فتجده مرا هذه المرة.. تعرف ان السعادة ليست في هذه الدنيا.. تعرف ان حياتك حزينة كانت هكذا دوما وستظل.. ولكن بين نقطتي حزن تستطيع ان تعمل وتنتج.. تقرر ان تتخلى عن السلبية وان تتدفق كالنهر فياض.. متكيفا مع نتوءات الصخور ووهدات الحفر فهذا افضل من مصارعة حياة ستصرعنا في النهاية مهما تكبرنا و كابرنا... تعود وترمق حاسوبك القديم بابتسامة ولاول مرة تشعر انه يطيعك او يطاوعك .. تنساب اناملك على لوحة مفاتيحه كمياه نهر متدفق..
كل السر يمكن هنا.. ان نتقبل الحياة كما هي.. ونضيف شيئا عليها.. ان نتقبل ان السعادة هي هدف لن نستطيع الوصول اليه ولكنه خلق فقط ليظل لدينا امل نستطيع ان نعيش به.. ان نتقبل ان نعيش كل لحظة من حياتنا .. ان تعيش كل مرحلة من حياتك.. طفلا، تلميذا ،مراهقا، رجلا، استاذا وأبا وان تعيش كل هذه المراحل في لحظة واحدة حينما تحب وتجد نفسك في من يحبك ويفهمك ويقدرك.
تاخذ رشفة اخيرة من الشاي فتجده حلوا هذه المرة ذلك انك وصلت الى قاع الكوب حيث تجمع السكر الذي نسيت ان تحركه وتكتشف ان المرارة لم تكن يوما ذنب المكعبات بل كانت ذنبك انت حين نسيت تحريكه.. وتكتشف مدى حاجتنا للحركة.. للثورة.. لانتفاضة عارمة على اكوام من الجهل اوالسلبية المعششة في العقول.. مدى حاجتنا للبحث عن قضية نعيش لاجلها ونموت لاجلها.. فالموت مكتوب علينا شئنا ام ابينا.. لكن منا من يفضله على سريره ومنا من يفضله بالاباتشي.. هذه هي المعادلة .. فهل من يطبق؟؟