من هناك
01-27-2009, 01:41 AM
شركة مصرية زودت الجيش الإسرائيلي بالغذاء خلال عدوانه علي* غزة
http://images.alwatanvoice.com/images/topics/images/9655142272.jpg
(http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-134617.html#)
نشرت صحيف الاسبوع المصرية التقرير التالي كتبه أكرم خميس:لا تجعل صدمة العنوان،* تنسيك أن شعب مصر هو الذي قدم أروع أشكال التضامن مع أشقائه في* غزة طوال أيام العدوان الإسرائيلي،* وعليك أن تتذكر،* وأنت تقرأ تفاصيل هذه الفضيحة المثيرة،* أن ظاهرة تجار الحروب وسماسرة الموت ليست جديدة ولا* غريبة،* فقد عرفها العالم في كل صراعاته،* بما في ذلك الخفية منها*.. مثل هؤلاء التجار يمارسون حرفتهم الملعونة بأشكال عدة،* فمنهم من يستغل الحروب للسمسرة في السلاح،* ومنهم من يوظف الدماء علي جبهات القتال للتأثير علي حركة الأسواق بما يخدم مصالح الجهات التي يخدمها،* فيما يقوم البعض بالمتاجرة بالبشر بتجنيدهم إما لخوض المعارك كمرتزقة،* أو لجمع المعلومات كجواسيس*. أما أخطر هؤلاء التجار،* فهو من يزود عدوه باحتياجاته الغذائية والعسكرية خلال القتال،* مفضلا تحقيق ربح مادي لنفسه علي حساب دماء
أهله،* ومستقبل أمته*.. وتدخل الفضيحة التي تنفرد* 'الأسبوع*' بنشر تفاصيلها في إطار النوع الأخير من المتاجرة بالحروب،* فبينما كانت مصر كلها تنتفض حزنا علي ما يحدث لغزة،* والدعاة والائمة والقساوسة يتوجهون لله بالدعوات لنصرة الأبرياء الجائعين في القطاع المحاصر،* كان جنود العدو يتزودون بأغذية مصرية اسمها* 'لذة*'،* تنتجها شركة 'الاتحاد الدولي للصناعات الغذائية المتكاملة*' في مصانعها بالمنطقة الصناعية في مدينة السادات* . أما التفاصيل نفسها فتتضمن الكثير من الأسماء والأرقام والمستندات الصادمة لكل ذي كرامة*..
• • •
الصدمة الأولي*
في العاشر من شهر يوليو الماضي سحب الضابط هشام خلاف رخصة السائق محمد محمد إسماعيل،* ثم منحه إيصالا ذكر فيه ان الرخصة سحبت لأن صاحبها خالف القانون حين سار بشاحنته في يسار طريق مصر* - الإسماعيلية*. لحظتها لم يكترث السائق كثيرا بالمخالفة،* فقد* كان همه الحقيقي هو إكمال الرحلة،* دون شوشرة من أي نوع*.
كانت الشاحنة تحمل حوالي* 20* طنا من المواد الغذائية مرسلة من طرف الشركة المصرية إلي شركة* 'تشانل فوود*' الإسرائيلية لتقوم الأخيرة بتزويد جيش الاحتلال بها*.
ورغم أن السائق،* كان علي دراية بان أحدا لا يستطيع منعه من إكمال الرحلة،* إلا إن خوفه من تسرب سر حمولته لأي من الواقفين في كمين لجنة المرور،* جعله يتسلم الإيصال من يد الضابط بسرعة،* قبل أن يطويه ويضعه دون أن يقرأه،* داخل حافظة ألقاها أمامه،* ثم تحرك بشاحنته جهة الشرق*.. وقبل أن يصل محمد الذي يقطن بعرب جهينة التابعة لمركز شبين القناطر إلي معبر العوجة،* كان زميله عادل محمد حنفي* (50* عاما*) يقف بشاحنة ثانية رقمها* 195507* (نقل القاهرة*) أمام مصانع الشركة بمدينة السادات،* منتظرا أمين المخازن محمد السيد كي يتسلم منه* 18* طنا من الفاصوليا المتجهة لنفس المكان الذي اعتاد علي الذهاب إليه منذ التحق بالعمل لدي الشركة*... إسرائيل*.
كان عادل قد دخل دولة العدو مرات عدة قبل ذلك،* لكنه كان يخفي ذلك* عن أقاربه،* وكذا جيرانه بحارة البدري في مدينة السلام،* مكتفيا بإبلاغ* من يسأله بأنه ينقل منتجات الشركة لدول عربية،* أو إلي موانئ بعيدة كسفاجا والسويس،* وحينما قام ضابط المرور أحمد عبدالهادي من مرور البحر الأحمر يوم* 31* مايو الماضي بسحب رخصة المقطورة التي تجرها شاحنته،* استغل* عادل الفرصة،* فحول الإيصال إلي دليل يثبت صحة مزاعمه*.
أما داخل الشركة،* فكان عادل ومحمد وزملاء لهما خاضوا نفس التجربة يبررون قبولهم لهذه المهام،* بضغوط أصحاب الشركة وعدم وجود بديل يحقق لهم نفس العائد المادي*.
وفي بعض الأحيان كان السائقون ينزعون قناع الخجل،* ويقولون لمن يسألهم*: إن الشركة تطبع مع إسرائيل منذ سنوات،* فلماذا لم يتخذ أي من الاداريين أو الفنيين موقفا شجاعا؟*!
لقد بدا نجاح الشركة في الحفاظ علي سرها الكبير أمرا مذهلا*.. تخيلوا أن اسم هذه الشركة التي تتعامل مع إسرائيل ليل نهار لم يظهر في أي من قوائم المطبعين التي نشرت من قبل،* وكانت تركز علي شركات،* مثل* 'أجرولاند*' التي تقوم بتسويق وإنتاج البذور والمخصبات الزراعية الصهيونية والمبيدات وبذور الطماطم*،* و'سيف أجريت*' التي تعمل كوكيل لشركة* 'تتانيم*' الإسرائيلية المتخصصة في عمليات الري بالتنقيط،* وشركة* 'ستار سيدس إيجبت*' التي تقوم باستيراد الفلفل والطماطم من إسرائيل وشركة* 'بيكو*' التي تقوم بزراعة شتلات الفاكهة والخضار الإسرائيلية*.
• • •
الصدمة الثانية*
بينما كانت مصر الرسمية ترفض بعناد فتح معبر رفح أمام المعونات الاغاثية المقدمة لأهالي* غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عليهم،* كانت الشاحنات المحملة بمنتجات* 'الاتحاد الدولي*' تمر من معبر العوجة إلي داخل دولة العدو بسلاسة كي تفرغ* حمولتها الضخمة من المواد الغذائية داخل معسكرات جيش الاحتلال*.
حدث ذلك في أول أيام العدوان،* واستمر خلاله،* بل إنه ما زال يحدث حتي كتابة هذه السطور،* وكأن المتورطين فيه لم يقرأوا صحيفة،* أو يتابعوا شاشة أو يدخلوا مسجدا أو كنيسة كي يعرفوا أن من يتم تزويدهم بتلك الأغذية هم أنفسهم من يلقون بالأسلحة المحرمة علي أجساد الأبرياء في القطاع المحاصر،* وهم من يقتل الأطفال ويمزقون الأشلاء ويهدمون بيوت الله*..
تخيلوا،* كانت* غزة تحترق والدماء فيها بحور،* بينما أسطول شاحنات مصري يتحرك ذهابا وإيابا* علي الطريق الممتد من مدينة السادات حتي معبر العوجة أقصي شرق مصر،* ليسلم منتجات شركة* 'الاتحاد الدولي للصناعات الغذائية لشركة*' 'تشانل فوود*' الإسرائيلية لتقوم بتوريده إلي جيش الاحتلال*.
عادل نفسه الذي يحمل رخصة قيادة درجة أولي صادرة عن وحدة مرور شبرا برقم * 95985،* كان* - للمفارقة - قائد أول شاحنة أغذية تتحرك من مخازن الشركة في مدينة السادات باتجاه إسرائيل بعد أقل من* 24* ساعة فقط من بدء العدوان،* بينما كان زميله إسماعيل كامل إسماعيل* (40* عاما - يحمل الرخصة رقم* 216098* - مرور عبود*) قائدا للشاحنة الثانية،* وكلتاهما كانت تحمل فاصوليا خضراء*.
تقريبا كان العمال ينقلون الكمية الخاصة بالشاحنتين* وهي* 17* طنا و820* كجم للشاحنة الأولي ورقمها * 95507،* ومثلها بالضبط للشاحنة الثانية التي تحمل الرقم* 158068* ( نقل جيزة*)،* بينما كانت الفضائيات تنقل أخبارا تقول*: إن الطائرات الإسرائيلية المزودة بأحدث القنابل قد ألقت بحممها علي عدد من أحياء* غزة وتسببت في قتل العشرات وإصابة المئات من المدنيين،* ما رفع عدد الشهداء حينها إلي* 350* والجرحي إلي حوالي* 009.
وحسب ما قاله مصدر بالشركة ل'الأسبوع،* فإن العمال كانوا* غاضبين* لما يتعرض له أهل* غزة،* لكن أحدا منهم لم يتوقف عن حمل الأغذية التي وضعت في عبوات مدون عليها تاريخ الإنتاج وفترة الصلاحية باللغة* العبرية*. ويضيف المصدر*: مستوي المرتبات في الشركة متدن بالمقارنة بشركات مجاورة،* حيث يبدأ أجر العامل الحاصل علي دبلوم فني ب360* جنيها فقط،* ومع ذلك لا أحد يريد المغامرة،* خصوصا أن الإدارة لوحت مؤخرا برغبتها في تخفيض عدد العمال لمواجهة آثار الأزمة العالمية*.
• • •
الصدمة الثالثة*
لدواع كثيرة،* انحاز قطاع شعبي لا يستهان به للموقف الرسمي المصري من العدوان،* إلا أن هذا الانحياز لم يكن عفويا في أوساط مالية معينة،* وبالذات بين المطبعين مع إسرائيل،* فقد شعر هؤلاء بأن علاقاتهم بشركائهم الإسرائيليين ستتعرض للتدهور،* خلافا لما كان متوقعا اثر الزيادة الملحوظة في حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل خلال عام* 2008* إلي* 4* مليارات دولار بخلاف صادرات الغاز والنفط*.
وبالنسبة ل* 'شركة الاتحاد الدولي*' تحديدا،* كان الخوف مضاعفا،* أولا* لأن العدوان قد أحيا الحملة الشعبية الداعية لقطع جميع العلاقات مع إسرائيل،* وثانيا لشعور الإدارة بأنها ستتعرض لحملة شعبية واسعة إذا تسرب أي خبر عن قيامها بتصدير الأغذية لجيش الاحتلال*.. لذلك كثفت الإدارة - بمجرد بدء الحرب* - من رقابتها علي تحركات العمال واتصالاتهم حتي يبقي السر الخطير طي الكتمان*.
ونتيجة لهذه المخاوف حظي عادل وإسماعيل وزملاؤهما السائقون بنصيب وافر من الرقابة،* لكنهم لم يفقدوا وضعهم المتميز،* الذي اكتسبوه،* وحسب ما قيل لهم مرات عدة،* من تصديهم للمهمة الأصعب داخل الشركة،* وهي نقل المنتجات إلي مستهلكيها بأمان وسرية*.
وعلي ما ذكر المصدر،* الذي رفض ذكر اسمه،* فقد حظي عادل وإسماعيل بعد عودتهما من رحلة* 29* ديسمبر،* بتقدير خاص من* الإدارة،* التي قررت أن توكل اليهما القيام بمعظم الرحلات التالية*.. عادل هو الذي حمل بشاحنته يوم* 10* يناير،* حين وصل عدد الشهداء إلي 830 والجرحي إلي2350* ،* 19* طنا و800* كجم من البازلاء والفول الأخضر،* ومعها* 56* كيسا من عدة أصناف كهدايا لرجال الجمارك،* ثم عاد ليحمل بتاريخ* 14* يناير* (أي مع وصول عدد الشهداء إلي أكثر من ألف*) 12* طنا و250* كجم من البامية المجمدة،* إضافة إلي* 72* كيسا من مختلف المنتجات كهدايا لرجال الجمارك*. أما إسماعيل فأوصل بشاحنته في نفس اليوم* 19* طنا و800* كجم من الفول إلي داخل إسرائيل،* كما قام بنقل* 18* كيسا ودوىن في أذون الصرف عبارة أمامها* 'هدايا الحاج أحمد*'.
• • •
الصدمة الرابعة*
الحاج أحمد هو نفسه رجل الأعمال أحمد الشناوي رئيس مجلس الإدارة،* والذي اعتاد هو وشقيقه إبراهيم علي* إرسال هدايا لرجال الجمارك لتسهيل دخول الشاحنات إلي داخل إسرائيل*.
لكن العادة الأخطر التي يصر الرجلان عليها - وكما قالت مصادر الأسبوع - هي وضع* منتجات الشركة في عبوات بلاستيكية* مكتوبة بياناتها باللغة العبرية لتكون جاهزة للتوزيع المباشر بمجرد وصولها إلي داخل إسرائيل*.. أحد مصادر الأسبوع قال*: إنه سال عن السبب وراء الإصرار علي هذه العادة المدهشة،* فأخبر بان الشركة الإسرائيلية المستوردة هي التي طلبت ذلك حتي تتمكن من توصيل المواد الغذائية* بسرعة إلي هدفها الأخير*. أما الملصقات التي توضع علي كل كرتونة،* وهي أيضا مكتوبة بالعبرية،* فتحدد نوعية المنتج داخلها،* وبلد الإنتاج،* فضلا عن إشارة تقليدية لطمأنة المتدينين اليهود بأن هذا الغذاء مطابق تماما لعقيدتهم*.
وعلي الرغم من جرأتها في استخدام هذه الملصقات،* إلا أن إدارة الشركة تفرض طوقا مشددا حول مكان تخزين الأكياس والملصقات والكراتين الفارغة،* وهي لا تسمح لأي من العمال أو الموظفين بالاقتراب منها،* وغالبا ما يتم تفتيش من يتعامل مع هذه المواد لحظة مغادرته الشركة*.
أحد العمال قال ل'الأسبوع*': إنه يشعر بالغثيان كلما شاهد أوراقا مكتوبة بالعبرية،* لكنه لا يستطيع فعل شيء،* في حين ذكر موظف قريب من حركة البضائع الخارجة من المخازن*: إن إدارة الشركة أقدمت منذ شهرين علي تصرف* غريب،* هو تغيير نموذج إذن الصرف الذي يتم التعامل به بين المخازن وسائقي الشاحنات،* حيث تم وضع اسم إسرائيل بشكل صريح،* بينما كانت في النموذج السابق تذكر فقط اسم شركة* 'تشانل فوود*'. ويضيف المصدر نفسه*: 'النموذج السابق كان يحمل اسم العائلة المالكة للشركة،* لكنهم قرروا حذفه فجأة ودون ذكر أسباب*'.
وعلي سبيل التخمين،* قال الموظف نفسه*: 'اعتقد أن الشركة أصبحت تتعامل بشكل مباشر مع الحكومة الإسرائيلية ولم تعد بحاجة لوسيط*'.
http://images.alwatanvoice.com/images/topics/images/9655142272.jpg
(http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-134617.html#)
نشرت صحيف الاسبوع المصرية التقرير التالي كتبه أكرم خميس:لا تجعل صدمة العنوان،* تنسيك أن شعب مصر هو الذي قدم أروع أشكال التضامن مع أشقائه في* غزة طوال أيام العدوان الإسرائيلي،* وعليك أن تتذكر،* وأنت تقرأ تفاصيل هذه الفضيحة المثيرة،* أن ظاهرة تجار الحروب وسماسرة الموت ليست جديدة ولا* غريبة،* فقد عرفها العالم في كل صراعاته،* بما في ذلك الخفية منها*.. مثل هؤلاء التجار يمارسون حرفتهم الملعونة بأشكال عدة،* فمنهم من يستغل الحروب للسمسرة في السلاح،* ومنهم من يوظف الدماء علي جبهات القتال للتأثير علي حركة الأسواق بما يخدم مصالح الجهات التي يخدمها،* فيما يقوم البعض بالمتاجرة بالبشر بتجنيدهم إما لخوض المعارك كمرتزقة،* أو لجمع المعلومات كجواسيس*. أما أخطر هؤلاء التجار،* فهو من يزود عدوه باحتياجاته الغذائية والعسكرية خلال القتال،* مفضلا تحقيق ربح مادي لنفسه علي حساب دماء
أهله،* ومستقبل أمته*.. وتدخل الفضيحة التي تنفرد* 'الأسبوع*' بنشر تفاصيلها في إطار النوع الأخير من المتاجرة بالحروب،* فبينما كانت مصر كلها تنتفض حزنا علي ما يحدث لغزة،* والدعاة والائمة والقساوسة يتوجهون لله بالدعوات لنصرة الأبرياء الجائعين في القطاع المحاصر،* كان جنود العدو يتزودون بأغذية مصرية اسمها* 'لذة*'،* تنتجها شركة 'الاتحاد الدولي للصناعات الغذائية المتكاملة*' في مصانعها بالمنطقة الصناعية في مدينة السادات* . أما التفاصيل نفسها فتتضمن الكثير من الأسماء والأرقام والمستندات الصادمة لكل ذي كرامة*..
• • •
الصدمة الأولي*
في العاشر من شهر يوليو الماضي سحب الضابط هشام خلاف رخصة السائق محمد محمد إسماعيل،* ثم منحه إيصالا ذكر فيه ان الرخصة سحبت لأن صاحبها خالف القانون حين سار بشاحنته في يسار طريق مصر* - الإسماعيلية*. لحظتها لم يكترث السائق كثيرا بالمخالفة،* فقد* كان همه الحقيقي هو إكمال الرحلة،* دون شوشرة من أي نوع*.
كانت الشاحنة تحمل حوالي* 20* طنا من المواد الغذائية مرسلة من طرف الشركة المصرية إلي شركة* 'تشانل فوود*' الإسرائيلية لتقوم الأخيرة بتزويد جيش الاحتلال بها*.
ورغم أن السائق،* كان علي دراية بان أحدا لا يستطيع منعه من إكمال الرحلة،* إلا إن خوفه من تسرب سر حمولته لأي من الواقفين في كمين لجنة المرور،* جعله يتسلم الإيصال من يد الضابط بسرعة،* قبل أن يطويه ويضعه دون أن يقرأه،* داخل حافظة ألقاها أمامه،* ثم تحرك بشاحنته جهة الشرق*.. وقبل أن يصل محمد الذي يقطن بعرب جهينة التابعة لمركز شبين القناطر إلي معبر العوجة،* كان زميله عادل محمد حنفي* (50* عاما*) يقف بشاحنة ثانية رقمها* 195507* (نقل القاهرة*) أمام مصانع الشركة بمدينة السادات،* منتظرا أمين المخازن محمد السيد كي يتسلم منه* 18* طنا من الفاصوليا المتجهة لنفس المكان الذي اعتاد علي الذهاب إليه منذ التحق بالعمل لدي الشركة*... إسرائيل*.
كان عادل قد دخل دولة العدو مرات عدة قبل ذلك،* لكنه كان يخفي ذلك* عن أقاربه،* وكذا جيرانه بحارة البدري في مدينة السلام،* مكتفيا بإبلاغ* من يسأله بأنه ينقل منتجات الشركة لدول عربية،* أو إلي موانئ بعيدة كسفاجا والسويس،* وحينما قام ضابط المرور أحمد عبدالهادي من مرور البحر الأحمر يوم* 31* مايو الماضي بسحب رخصة المقطورة التي تجرها شاحنته،* استغل* عادل الفرصة،* فحول الإيصال إلي دليل يثبت صحة مزاعمه*.
أما داخل الشركة،* فكان عادل ومحمد وزملاء لهما خاضوا نفس التجربة يبررون قبولهم لهذه المهام،* بضغوط أصحاب الشركة وعدم وجود بديل يحقق لهم نفس العائد المادي*.
وفي بعض الأحيان كان السائقون ينزعون قناع الخجل،* ويقولون لمن يسألهم*: إن الشركة تطبع مع إسرائيل منذ سنوات،* فلماذا لم يتخذ أي من الاداريين أو الفنيين موقفا شجاعا؟*!
لقد بدا نجاح الشركة في الحفاظ علي سرها الكبير أمرا مذهلا*.. تخيلوا أن اسم هذه الشركة التي تتعامل مع إسرائيل ليل نهار لم يظهر في أي من قوائم المطبعين التي نشرت من قبل،* وكانت تركز علي شركات،* مثل* 'أجرولاند*' التي تقوم بتسويق وإنتاج البذور والمخصبات الزراعية الصهيونية والمبيدات وبذور الطماطم*،* و'سيف أجريت*' التي تعمل كوكيل لشركة* 'تتانيم*' الإسرائيلية المتخصصة في عمليات الري بالتنقيط،* وشركة* 'ستار سيدس إيجبت*' التي تقوم باستيراد الفلفل والطماطم من إسرائيل وشركة* 'بيكو*' التي تقوم بزراعة شتلات الفاكهة والخضار الإسرائيلية*.
• • •
الصدمة الثانية*
بينما كانت مصر الرسمية ترفض بعناد فتح معبر رفح أمام المعونات الاغاثية المقدمة لأهالي* غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عليهم،* كانت الشاحنات المحملة بمنتجات* 'الاتحاد الدولي*' تمر من معبر العوجة إلي داخل دولة العدو بسلاسة كي تفرغ* حمولتها الضخمة من المواد الغذائية داخل معسكرات جيش الاحتلال*.
حدث ذلك في أول أيام العدوان،* واستمر خلاله،* بل إنه ما زال يحدث حتي كتابة هذه السطور،* وكأن المتورطين فيه لم يقرأوا صحيفة،* أو يتابعوا شاشة أو يدخلوا مسجدا أو كنيسة كي يعرفوا أن من يتم تزويدهم بتلك الأغذية هم أنفسهم من يلقون بالأسلحة المحرمة علي أجساد الأبرياء في القطاع المحاصر،* وهم من يقتل الأطفال ويمزقون الأشلاء ويهدمون بيوت الله*..
تخيلوا،* كانت* غزة تحترق والدماء فيها بحور،* بينما أسطول شاحنات مصري يتحرك ذهابا وإيابا* علي الطريق الممتد من مدينة السادات حتي معبر العوجة أقصي شرق مصر،* ليسلم منتجات شركة* 'الاتحاد الدولي للصناعات الغذائية لشركة*' 'تشانل فوود*' الإسرائيلية لتقوم بتوريده إلي جيش الاحتلال*.
عادل نفسه الذي يحمل رخصة قيادة درجة أولي صادرة عن وحدة مرور شبرا برقم * 95985،* كان* - للمفارقة - قائد أول شاحنة أغذية تتحرك من مخازن الشركة في مدينة السادات باتجاه إسرائيل بعد أقل من* 24* ساعة فقط من بدء العدوان،* بينما كان زميله إسماعيل كامل إسماعيل* (40* عاما - يحمل الرخصة رقم* 216098* - مرور عبود*) قائدا للشاحنة الثانية،* وكلتاهما كانت تحمل فاصوليا خضراء*.
تقريبا كان العمال ينقلون الكمية الخاصة بالشاحنتين* وهي* 17* طنا و820* كجم للشاحنة الأولي ورقمها * 95507،* ومثلها بالضبط للشاحنة الثانية التي تحمل الرقم* 158068* ( نقل جيزة*)،* بينما كانت الفضائيات تنقل أخبارا تقول*: إن الطائرات الإسرائيلية المزودة بأحدث القنابل قد ألقت بحممها علي عدد من أحياء* غزة وتسببت في قتل العشرات وإصابة المئات من المدنيين،* ما رفع عدد الشهداء حينها إلي* 350* والجرحي إلي حوالي* 009.
وحسب ما قاله مصدر بالشركة ل'الأسبوع،* فإن العمال كانوا* غاضبين* لما يتعرض له أهل* غزة،* لكن أحدا منهم لم يتوقف عن حمل الأغذية التي وضعت في عبوات مدون عليها تاريخ الإنتاج وفترة الصلاحية باللغة* العبرية*. ويضيف المصدر*: مستوي المرتبات في الشركة متدن بالمقارنة بشركات مجاورة،* حيث يبدأ أجر العامل الحاصل علي دبلوم فني ب360* جنيها فقط،* ومع ذلك لا أحد يريد المغامرة،* خصوصا أن الإدارة لوحت مؤخرا برغبتها في تخفيض عدد العمال لمواجهة آثار الأزمة العالمية*.
• • •
الصدمة الثالثة*
لدواع كثيرة،* انحاز قطاع شعبي لا يستهان به للموقف الرسمي المصري من العدوان،* إلا أن هذا الانحياز لم يكن عفويا في أوساط مالية معينة،* وبالذات بين المطبعين مع إسرائيل،* فقد شعر هؤلاء بأن علاقاتهم بشركائهم الإسرائيليين ستتعرض للتدهور،* خلافا لما كان متوقعا اثر الزيادة الملحوظة في حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل خلال عام* 2008* إلي* 4* مليارات دولار بخلاف صادرات الغاز والنفط*.
وبالنسبة ل* 'شركة الاتحاد الدولي*' تحديدا،* كان الخوف مضاعفا،* أولا* لأن العدوان قد أحيا الحملة الشعبية الداعية لقطع جميع العلاقات مع إسرائيل،* وثانيا لشعور الإدارة بأنها ستتعرض لحملة شعبية واسعة إذا تسرب أي خبر عن قيامها بتصدير الأغذية لجيش الاحتلال*.. لذلك كثفت الإدارة - بمجرد بدء الحرب* - من رقابتها علي تحركات العمال واتصالاتهم حتي يبقي السر الخطير طي الكتمان*.
ونتيجة لهذه المخاوف حظي عادل وإسماعيل وزملاؤهما السائقون بنصيب وافر من الرقابة،* لكنهم لم يفقدوا وضعهم المتميز،* الذي اكتسبوه،* وحسب ما قيل لهم مرات عدة،* من تصديهم للمهمة الأصعب داخل الشركة،* وهي نقل المنتجات إلي مستهلكيها بأمان وسرية*.
وعلي ما ذكر المصدر،* الذي رفض ذكر اسمه،* فقد حظي عادل وإسماعيل بعد عودتهما من رحلة* 29* ديسمبر،* بتقدير خاص من* الإدارة،* التي قررت أن توكل اليهما القيام بمعظم الرحلات التالية*.. عادل هو الذي حمل بشاحنته يوم* 10* يناير،* حين وصل عدد الشهداء إلي 830 والجرحي إلي2350* ،* 19* طنا و800* كجم من البازلاء والفول الأخضر،* ومعها* 56* كيسا من عدة أصناف كهدايا لرجال الجمارك،* ثم عاد ليحمل بتاريخ* 14* يناير* (أي مع وصول عدد الشهداء إلي أكثر من ألف*) 12* طنا و250* كجم من البامية المجمدة،* إضافة إلي* 72* كيسا من مختلف المنتجات كهدايا لرجال الجمارك*. أما إسماعيل فأوصل بشاحنته في نفس اليوم* 19* طنا و800* كجم من الفول إلي داخل إسرائيل،* كما قام بنقل* 18* كيسا ودوىن في أذون الصرف عبارة أمامها* 'هدايا الحاج أحمد*'.
• • •
الصدمة الرابعة*
الحاج أحمد هو نفسه رجل الأعمال أحمد الشناوي رئيس مجلس الإدارة،* والذي اعتاد هو وشقيقه إبراهيم علي* إرسال هدايا لرجال الجمارك لتسهيل دخول الشاحنات إلي داخل إسرائيل*.
لكن العادة الأخطر التي يصر الرجلان عليها - وكما قالت مصادر الأسبوع - هي وضع* منتجات الشركة في عبوات بلاستيكية* مكتوبة بياناتها باللغة العبرية لتكون جاهزة للتوزيع المباشر بمجرد وصولها إلي داخل إسرائيل*.. أحد مصادر الأسبوع قال*: إنه سال عن السبب وراء الإصرار علي هذه العادة المدهشة،* فأخبر بان الشركة الإسرائيلية المستوردة هي التي طلبت ذلك حتي تتمكن من توصيل المواد الغذائية* بسرعة إلي هدفها الأخير*. أما الملصقات التي توضع علي كل كرتونة،* وهي أيضا مكتوبة بالعبرية،* فتحدد نوعية المنتج داخلها،* وبلد الإنتاج،* فضلا عن إشارة تقليدية لطمأنة المتدينين اليهود بأن هذا الغذاء مطابق تماما لعقيدتهم*.
وعلي الرغم من جرأتها في استخدام هذه الملصقات،* إلا أن إدارة الشركة تفرض طوقا مشددا حول مكان تخزين الأكياس والملصقات والكراتين الفارغة،* وهي لا تسمح لأي من العمال أو الموظفين بالاقتراب منها،* وغالبا ما يتم تفتيش من يتعامل مع هذه المواد لحظة مغادرته الشركة*.
أحد العمال قال ل'الأسبوع*': إنه يشعر بالغثيان كلما شاهد أوراقا مكتوبة بالعبرية،* لكنه لا يستطيع فعل شيء،* في حين ذكر موظف قريب من حركة البضائع الخارجة من المخازن*: إن إدارة الشركة أقدمت منذ شهرين علي تصرف* غريب،* هو تغيير نموذج إذن الصرف الذي يتم التعامل به بين المخازن وسائقي الشاحنات،* حيث تم وضع اسم إسرائيل بشكل صريح،* بينما كانت في النموذج السابق تذكر فقط اسم شركة* 'تشانل فوود*'. ويضيف المصدر نفسه*: 'النموذج السابق كان يحمل اسم العائلة المالكة للشركة،* لكنهم قرروا حذفه فجأة ودون ذكر أسباب*'.
وعلي سبيل التخمين،* قال الموظف نفسه*: 'اعتقد أن الشركة أصبحت تتعامل بشكل مباشر مع الحكومة الإسرائيلية ولم تعد بحاجة لوسيط*'.