تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أولمرت يبيع الوهم وحماس ربحت المعركة/ياسر الزعاترة



شيركوه
01-22-2009, 01:58 AM
للتذكير فإن الجيش الذي خاض المعركة ضد قطاع غزة هو «الجيش الذي لا يقهر»، وهو رابع قوة عسكرية في العالم، والأكبر في الشرق الأوسط، وهو صاحب القدرة على توجيه الضربات الحاسمة وتحقيق الانتصارات السريعة.

تلك معادلة نسيها أولمرت وهو يتحدث في مؤتمره الصحافي عن العملية العسكرية التي حققت أهدافها، بل أكثر من أهدافها، والسبب هو أن الجيش الذي تحدث عنه عملياً هو الجيش الذي هزم في معركة يوليو 2006، وهو الجيش الذي نسي القتال وتحول إلى قوة شرطة في الانتفاضة الأولى والثانية، وعندما قاتل قتالاً حقيقياً في مخيم جنين ربيع عام 2000 لقي هزيمة كبيرة، بينما كان لا يزال يلملم جراحه النازفة إثر هزيمة مايو 2000 في لبنان.

في القطاع، لم يكن ثمة جيش دولة كبرى يواجهه الجيش الصهيوني حتى يفتخر أولمرت بانتصاره عليه، بل قوة مقاومة معزولة ومحاصرة في شريط ضيق لا تتعدى مساحته كاملة 360 كيلومترا مربعا، ومع ذلك لم يجرؤ «الجيش الذي لا يقهر» على التقدم صوب المقاومة، حيث اكتفى بالقصف الجوي، ومن ثم التقدم في المناطق المفتوحة تحت نيران الطيران والمدفعية، بينما كان جنوده في حالة ذعر يُجرّون إلى المعركة جراً.

كيف يجرؤ أولمرت على القول إن المعركة قد حققت أهدافها؟

لقد أعلنوا في البداية أنهم سيغيرون الوضع في القطاع وينهون حكم حماس، وها هم يوقفون العمليات وحماس باقية، بل في ذروة تألقها. ثم قالوا إنهم سيوقفون إطلاق الصواريخ، وها هي الصواريخ تنطلق حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد، كما أن المقاومة ستعود من جديد إذا بقي الغزاة داخل غزة بعد مهلة الأسبوع التي أعلنت عنها قوى المقاومة. وحتى لو قالوا إنهم سيوقفون تهريب الأسلحة، ولا يعرف كيف سيفعلون ذلك، فإن التهريب سيتواصل، مع العلم أن حماس لم تهرّب إلى القطاع لا دبابات ولا طائرات، بل مجرد صواريخ عادية. ثم قالوا إنهم سيفرضون تهدئة متواصلة، وهو ما لم يحدث أيضاً، ثم قال بعضهم إنهم سيعيدون الجندي الأسير شاليط إلى الديار، وها هم يوقفون النار من دون أن يعيدوه.

أما قول أولمرت إن حماس قد تلقت ضربة موجعة في قيادتها وقوتها العسكرية، فليس صحيحاً، حتى لو صدقنا الرواية الصهيونية عن خسارتها 400 من مقاتليها (القسام اعترفت باستشهاد 48، لكن ذلك لا يشمل ضحايا جهاز الشرطة)، ليس فقط لأن لديها عشرات أضعاف هذا العدد، بل أيضاً لأن ما جرى سيمنحها مزيداً من التألق الذي يمنحها الفرصة والقدرة على تجنيد أعداد أكبر بكثير، فيما ستحصل على دعم استثنائي متعدد الأشكال لم تحلم به.

إن ما لم يدركه أولمرت هو أن حماس ما بعد المعركة ليست حماس التي قاتلها، فقد قاتل حركة كانت تعيش بعض التراجع إثر مشاركتها في الانتخابات والحسم العسكري وإشكالات السلطة في القطاع، أما اليوم فثمة حماس بشرعية شعبية داخلية وخارجية أكثر رسوخاً بكثير، وهي ستستثمر هذه الشعبية على نحو أفضل في المستقبل، ليس على صعيدها كحركة، وإنما على صعيد برنامج المقاومة الذي ازداد قوة مقابل سقوط البرنامج الآخر.

لقد منحت هذه الحرب لحماس مكاسب لم تكن تحلم بها، وهتف لها وباسمها الملايين في العالم أجمع، بينما سقط خصومها في الساحة، في ذات الوقت الذي سقط فيه أعداؤها، وظهروا بأنهم قتلة الأطفال والنساء، لاسيما في ظل التغطية الإعلامية القوية للمجازر الصهيونية، ولا تسأل بعد ذلك عن سقوط خيار التسوية والتعايش والتطبيع مع هذا الكيان الغاصب.

مكاسب كثيرة حققتها حماس وقوى المقاومة، وسيكون بوسعها استثمارها على نحو مختلف خلال المرحلة المقبلة، وبخاصة في سياق تكريس برنامج المقاومة، وقد كان للدكتور رمضان شلّح رأي مهم على هذا الصعيد، سبق أن دعونا إليه مراراً، يتمثل في تشكيل حكومة مقاومة وحل السلطة التي ثبت للقاصي والداني أنها مصمَّمَة لخدمة الاحتلال ولا يمكن أن تخدم أهداف الشعب الفلسطيني في الكرامة والتحرير.

لقد كانت معركة رائعة أجمعت عليها الأمة كما لم تجمع على معركة أخرى من قبل، وهي معركة ألهبت مشاعر الجماهير وساهمت في إيقاظ همتها وتشكيل وعيها، ما يعني أنها معركة سيكون لها بُعدها على صعيد التغيير الداخلي ومواجهة الغطرسة الخارجية في آن واحد.