شيركوه
01-20-2009, 10:11 AM
قاهر لعدوه حياً وميتاً!(2-2)
(1)
حماس: هي الطائفة الظاهرة على الحق في هذا الزمن
منذ زمن بعيد؛ وواقع في روعي أن حماس هي الطائفة الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة، ليس في كونها تنظيماً وإنما في كونها حقيقة إيمانية وجهادية، ولا عبرة بالاسم والتنظيم إلا بقدر ما يعبر عن هذه الحقيقة، فحماس هي تلك الطائفة ما بقيت معبرة عن تلك الحقيقة في بيت المقدس. ويشهد الله أن قناعتي هذه غير مؤسسة على عصبية حزبية لما أعرفه في نفسي –ويعرفه عني القريبون مني- من شدة في النقد، وصراحة فيما أحسبه حقاً، وصعوبة في الرضا عن الأشياء.
وربما كان يحول دون الإفصاح القاطع عن هذه القناعة الموقف المتردد حديثياً من الزيادات على الأصل الصحيح للحديث النبوي، وجزم كثير من المحدثين أن هذه الطائفة هي أهل الحديث، أي أنها طائفة علمية جريئة في الحق ومخالفة السائد من الباطل بين الناس، غير أن المتن الصحيح ذاته يصادم هذا الاعتقاد لصالح أنها جماعة مجاهدة بالدرجة الأولى تبقى على ذلك إلى حين نزول المسيح عليه السلام وصلاته خلف أميرها، ولعل كثيراً من الجماعات المجاهدة تشترك في هذه الصفة مع زيادة خصوصية للجماعة المقدسية منها، وهنا سأستعرض بعض روايات وألفاظ الحديث توطئة للدخول في المقصود من المقال:
لفظ البخاري من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه اقتصر على هذا القدر من الحديث: (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)، وقد جزم البخاري في ترجمته للباب تحت كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة أنهم أهل العلم (أي علماء الشريعة) قائلاً: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون)، "وهم أهل العلم"، ونقل الترمذي في سننه عن البخاري عن علي بن المديني قوله أنهم أصحاب الحديث، وأخرج الخطيب البغدادي الحديث في شرف أصحاب الحديث ونقل عن يزيد بن هارون قوله : "إن لم يكونوا أصحاب الحديث، فلا أدري من هم"، ونقل ذلك عن ابن المبارك وعن أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان .
وفي ترجمة الباب (في صحيح البخاري) كما نرى لفظ (يقاتلون) مع أنه لم يدرج هذه اللفظة في متن الحديث في هذا الباب، أو في الموضوعين الآخرين الذين أخرج فيهما الحديث. وإذا كان أهل العلم أو أصحاب الحديث يقاتلون معنويا (وليس كلهم كذلك)، فالأجدر بهذا الحديث من يقاتل بكل ما في الكلمة من إطلاق، خاصة إذا كان مرد قتاله عن بصيرة وفي سبيل الله.
أما لفظ مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)، قال : (فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة) وهذا اللفظ الصحيح حدد الطائفة كجماعة لها أميرها، أي أنها أوسع وأشمل من أهل العلم أو أهل الحديث، وأنها في الشام حيث نزول المسيح عليه السلام وصلاته خلف أميرها، وقد أخرجه مسلم بألفاظ أخرى ليس فيها نزول المسيح عليه السلام.
أما فيما هو زيادات عما في الصحيحين وفيما هي أقوال أخرى في تحديد هذه الطائفة من أقوال أهل العلم فسأعرض بعضاً من تلك الروايات والأقوال على اقتصار واختصار يخدم غرضنا هنا، إذ لا ننوي التوسع في بحث حديثي علمي خالص:
فقد أخرج أحمد في المسند أن مالك بن يخامر رضي الله عنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: "وهم بالشام"، وكذلك روى ابن أبي عوانة في مستخرجه والبزار في مسنده والطبري في تهذيب الآثار عن مطرّف بن عبد الله –رحمه الله- وهو أحد الأعلام ثقة ثبت باتفاق قوله: "فنظرت في هذه العصابة فإذا هم أهل الشام". وقد أخرج الطبري في تهذيب الآثار بعد سياقة الحديث في أحد ألفاظه: "فكانوا يرون أنهم من أهل الشام".
وقد أخرجه الترمذي في سننه في: باب ما جاء في الشام، بهذا اللفظ: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، ثم ذكر قول ابن المديني الذي أسلفناه في كونهم أصحاب الحديث وأتبع ذلك بقوله: "وفي الباب عن عبد الله بن حوالة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرج أحمد في مسنده من حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه: أخبرهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أسمت الخيل، وألقيت السلاح، ووضعت الحرب أوزارها، قلت: لا قتال. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن جاء القتال، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس، يزيغ الله قلوب أقوام، فيقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). وقد أخرج أحمد وغيره كالطيالسي وعبد الله بن حميد وابن القانع وأبي نعيم الأصبهاني تحديد النبي لها أنها في الشام.
وقد أخرج الطبراني في تهذيب الآثار من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، فهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك). قالوا : يا رسول الله: وأين هم؟ قال : (ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس). وقد أخرج ذلك (أي أنهم في بيت المقدس وأكنافه) أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير وفي مسند الشاميين والمحاملي في أماليه كلهم من حديث أبي أمامة. وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين إلى أن تقوم الساعة).
والحقيقة أن روايات الحديث كثيرة جداً، ولا أريد استيعابها، ولم أتقصد أي بحث حديثي، ولن أتناول الروايات من أي جانب حديثي، ومن أراد التوسع فيمكنه الرجوع لكتب السنة، والكتب التي تحدثت في فضائل الشام وبيت المقدس، غير أن ما ورد يشير إلى أنها ليست أهل العلم أو أصحاب الحديث، وأنها في الشام، وأن المسيح عليه السلام يصلي خلف أميرها، وأن آخرها يقاتل المسيح الدجال، مما يعني حتماً وبلا شك أن نواتها في الشام.
وبتتبع سريع لصفات هذه الطائفة والملابسات التي تحيط بها، خاصة آخرها الذي هو في آخر الزمان، نجد التالي:
- تقاتل على الحق قائمة بأمر الله ظاهرة منصورة إلى يوم القيامة، ويصلي المسيح عليه السلام خلف أميرها، ويقاتل آخرها الدجال.
- قتالهم لعدوهم قتال شامل بالسلاح وغيره كما في حديث سلمة بن نفيل.
- لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ولا من خالطهم ولا من ناوأهم.
- تقاتل أعداءها كلما ذهب حزب قوم تستحرب قوم أخرى [يزيغ الله عز وجل لهم قلوب أقوام يقاتلونهم] يرفع الله عز وجل قلوب قوم ليرزقهم منه حتى تأتيهم الساعة كأنها قطع الليل المظلم. (أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني).
- لعدوهم قاهرين.
- يصيبهم اللأواء فقط (واللأواء: الشدة والمشقة وضيق المعيشة).
- كالإناء بين الأكلة.
- هم من أهل الشام وعلى أبواب دمشق وفي بيت المقدس وأكناف بيت المقدس (الكَنَفُ والكَنَفةُ ناحية الشيء وناحِيتا كلِّ شيء كنَفاه والجمع أَكناف: لسان العرب).
إننا لا نقصد بهذا أن الجماعة التي يصلي معها المسيح عليه السلام ويقاتل آخرها الدجال هي حماس بالمعني التنظيمي الصرف، وإنما تلك الطائفة من الأمة نتاج تتابعات جهادية في بيت المقدس كانت حماس واحدة منها في مرحلة تاريخية هي هذه المرحلة، كما كان مجموع العلماء والمربين والقادة والمجاهدين واحدة من تلك التتابعات الجهادية التي أفضت إلى تحرير بيت المقدس زمن صلاح الدين، تماماً كما أن مجموع العلماء والمجاهدين ابتداء من ابن تيمية إلى العز بن عبد السلام واحدة من تلك التتابعات التي أفضت إلى هزيمة التتار في عين جالوت، وهذا يعني أن ثمة مركزية مكانية تحرّك الأمة تخلص إلى مركزية إنسانية، وهذه المركزية المكانية تكاد تكون ما بين النيل والفرات وهي أرجح تحديدات العلماء للشام جغرافياً وقلبها بيت المقدس في الجغرافيا والقداسة والحدث، ويظهر أن هذه المركزية المكانية تتكثف في آخر الزمان بحيث يكاد ينحصر المحرّك الفعلي للأمة والموحّد لها ببيت المقدس أكثر من أي بقعة ملتهبة أخرى، ويبقى بيت المقدس مركز الحدث حيث يصير مقر الخلافة، ومن ثم مركز المسيح عليه السلام ومنتهى الأحداث البشرية الكبرى كقتل الدجال والخلاص من يأجوج ومأجوج.
لكن أجد الصفات في روايات الأحاديث المختلفة أكثر ما تكون انطباقاً على حماس في هذه المرحلة، وإن كان يلزم المراحل السابقة من تاريخ الأمة وتاريخ المنطقة معايشة غير ممكنة ودراسة وافية، كما أننا غير قادرين على معرفة ظروف وملابسات المستقبل من بعد هذه المرحلة التي نعيشها.
إن الأحاديث تفصح عن كون هذه الطائفة ضمانة حياة الأمة، وبقاء الجهاد فيها، فإذا فسدت فسد الناس، وكأن احتلال بيت المقدس شرط موضوعي لحياة الأمة، ومن ثم دفعها للنهضة، وكأن تحوله لاحقاً لمقر للخلافة شرط موضوعي آخر لمواجهة التحديات الكبرى في طريق الأمة الناهضة، وهذا يعني أن الطائفة التي تتبنى قضية بيت المقدس إنما تتبنى قضية نهوض الأمة، وهذا يعني بكل تأكيد أنها تقاتل في ظروف موضوعية لا تواتيها بكل المقاييس المادية حيث ستكون الأمة في منتهى (الخذلان) كما عبرت عنه الأحاديث، وقد يتخذ الخذلان أشكالاً أفظع كالمؤامرة والعداء السافر والتحالف مع عدو الأمة.
(2)
الحمساوي قاهر لعدوه حياً وميتاً
هذه الطائفة كالإناء بين الأكلة، فلا يحيط بها إلا العدو أو المتخاذل أو المتآمر، لتكون صغيرة في حجمها وقدراتها المادية، وأظهر ما يكون هذا الحال في حرب غزة، التي لا يحيط بها إلا العدو أو قريب متخاذل إلى درجة العداء ألا وهو مصر، أما من (يخالطها) كما في واحد من الآثار إما عدو مسفر العداء كما في حالة عصابة عباس، أو حاسد كثير المزايدة وقت السعة، قليل الفعل وقت الشدة.
إننا نجد روح النص النبوي توحي بإعجاب بالغ بهذه الطائفة التي تحافظ على الأمة من جهة، وتثبت في ظرف لا يواتيها أبداً مما لا يجعلها متكلة إلا على الله تعالى من جهة أخرى، وإن أبرز عناوين هذه المرحلة الخذلان، حتى تكون هذه الطائفة كالإناء بين الأكلة، ولأن بقاء هذه الطائفة شرط موضوعي ضروري للحفاظ على الدين من التأويل الفاسد أو التعطيل لحقيقته الشاملة فإنه لن يصيبها إلا اللأواء، وستبقى قاهرة لعدوها ببقائها، وستبقى الحروب عليها تتلى، ليكون معنى النصر في هذه المرحلة البقاء على الحق والقيام بأمر الله رغم العداء المجرم والخذلان الفاجر.
وفي مثل هذا الظرف فإن كل أشكال العداء ستكون متضخمة وخارجة عن حدود العقل والمتصور، بما في ذلك الخذلان، فإنه سيتجاوز الصمت المطبق إلى الصوت العالي في العداء السافر، والتحالف مع العدو، والفجور في الخصومة، والانعتاق من أي بقية من مروءة أو حياء، والوقاحة المسفة في الانتقاص من الطائفة الظاهرة على الحق ورموزها، والإيغال في استفزازها برخص متناه لا يمكن لهذه الطائفة مجاراته، ولأن هذا شديد جداً على النفس قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، وقال: (وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقال: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ).
إنه أمر مؤثر جد، وباعث على الحزن العميق في النفس، حينما يصل خذلان الأقربين إلى درجة تفتقر لأخلاق الخلاف أو حتى الخصومة وتتجرد من الصدق والموضوعية، وتقوم على خالص الغل والحقد والحسد، فتستحل كل محرم، وتتجاوز بكل برود الحقائق، وتكذب بكل استخفاف غير عابئة بأية حقيقة مهما كانت صارخة وواضحة، وحتى لو كانت بطعم الدم والصمود والثبات.
دفعني لهذا العرض ما وجدته في حق قيادات حماس، حيث عدت عبر شبكة الإنترنت لأرى ما قيل في حقهم قبل استشهاد القادة نزار ريان وسعيد صيام وبعد ذلك، مما بسط أمام الذاكرة وفرة من نماذج الخصومة المنحطة، هذا بعضها:
- اتهمت حماس عقب انطلاقتها بأنها صنيعة إسرائيلية من طرف فتح وفصائل منظمة التحرير ومن لحقهم من سفلة العالم العربي، هكذا فقط بلا بينة ولا دليل ولا برهان، فقط هو حسد وأنانية فتح، وبغض وطفيلية فصائل منظمة التحرير، ولم يشفع لحماس بلاؤها في الانتفاضة الأولى، ولا كونها الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي خطف جنوداً صهاينة بعد تأسيسه بعامين، ولا دفعه ثمن ذلك باعتقال كامل القيادة والجيل المؤسس في سجون الصهاينة.
واتهام حماس بأنها صنعة اسرائيلية، يعني حتماً أن قيادتها المؤسسة عميلة لإسرائيل، وقد خرجت هذه النتيجة الطبيعية لهذه المعادلة الرياضية شديدة البساطة على ألسنتهم صراحة، وأذاقوا الدكتور الرنتيسي –رحمه الله- مرّ تفوسهم المتقيحة، وكشفوا عن شديد بغضهم له قولاً وفعلاً، ولعل ذلك يرجع لحسدهم هذه الشخصية مكانتها وكاريزميتها، أما الشيخ أحمد ياسين فقالوا في حقه كثيراً من القول الفاحش، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية.
- بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي، تمسحوا بدمهم، وجعلوهم مثلاً لتراجع القيادة اللاحقة عن سلفها، وأصبح كل من الشهيدين فجأة مثال القيادة النظيفة. أما كيف تراجع اللاحق عن منهج سلفه فلا نعلم، إلا أن ذلك غير مهم، المهم هذا المستوى من الانحطاط الذي لا يجارى، والسلاح القذر في الخصومة، والمفارقة واضحة ولا تحتاج مزيداً من التعليق.
- بعد استشهاد الدكتور نزار ريان رحمه الله، تصفحت موقعاً وجدت فيه كلاماً قديماً عن الشهيد قبل استشهاده، ووجدت أحدهم ينسب نفسه لسلفية مجاهدة في فلسطين لا أدري أين محلها ولا مكانها من إعراب معارك البطولة، فإذا بنزار ريان: رجل يرائي يخرج مع المجاهدين مرتدياً زيهم ليستعرض أمام الكاميرات، محب للأكل والطعام والدليل سمنته، مزواج يحب النساء والدليل زواجه من أربع! وأغرب ما في هذا التجريح اعتراض (سلفي) على زواجه من أربع، مما لا يكشف إلا عن قيح معتمل في ضمير خرّبه البغض والحسد، أو فتحاوي يتستر بالعباءة السلفية، وباتت هذه عادة للفتحاويين في منتديات السلفيين بأشكالها المتباينة لسهولة استحضار الكلاشيهات السلفية.
- بعد استشهاد الشيخ، ترحموا عليه، وأسفوا على غياب النموذج السلفي الجهادي في حماس، والوحيد المعول عليه في إصلاح هذه الحركة الإخوانية المفلسة!
- عند بداية المعركة تساءل بعض الخصوم كثيراً عن سر نجاة قيادة حماس من القصف، وكأن شهادة البراءة الوحيدة لدى الحماسي أن يكون قتيلاً، وزعمواً أنهم يقدمون الجنود والشعب ثمناً لكرسيهم المنسوج من دم الأبرياء والمغرر بهم، وزعم بعضهم أنهم هربوا إلى سيناء عبر الأنفاق انتظاراً لنهاية المعركة.
- بعد استشهاد كل من الدكتور نزار ريان والأستاذ سعيد صيام، قالوا إن إسرائيل تحقق الإنجازات المتوالية بقتل قيادات مهمة في حماس، وأنها في نزهة تمارس فيها هواية صيد تلك القيادات، وأن ثمة اختراقات خطيرة في البنية الأمنية لهذه الحركة، وأن حركة لا تحسن أن تحمي قياداتها وقت المعركة لا تستحق أن تقود شعباً، وأن هذه الحركة كان حرياً بها أن تحافظ على القيادة كضرورة لتماسكها والحفاظ على معنويات الجنود وحرمان الاحتلال من أي مكسب مادي أو معنوي! والمفارقة بلا شك تغني عن كثير من التعليق.
- والشهداء القادة نزار ريان وسعيد صيام من أكثر الذين طالهم الفحش الفتحاوي بكل ما عرف عنه من قذارة ووضاعة وإسفاف وكذب! وبعد استشهادهم أسفر البغض الفتحاوي عن شماتة لا تعرف أبداً في صاحب مروءة، حتى بات يصدق القول أن الحمساوي في المنظور الفتحاوي المتهالك بالمرض والغل: لن يكون جيداً لا حياً ولا ميتاً!
- وما يقال عن طريقتهم مع الأشخاص، يقال عن طريقتهم في الخصومة السياسة كلها، فحينما لم تدخل حماس الانتخابات قالوا لها: لو خضت معنا الانتخابات وفزت لخضنا معك البحر، فلا تعترضي على شرعية برنامجنا، وحينما قررت الخوض: اتهموها بالتراجع عن برنامجها والدرب الجهادي الذي خطته دماء قادتها الشهداء، وحينما فازت: رفضوا أن يخوضوا البحر معها واتهموها بالحرص على الكرسي ولو بجوع الشعب. وحينما وافقت حماس على تهدئة طالبوها بها هم كثيراً: اتهموها بأنها لم تعد تقاتل وأنها مثلهم كل الذي يعنيها البحث عن تسوية سياسية ولو كان اسمها تهدئة، وحينما قاتلت حماس بصمود خرافي: قالوا أنه لا يهمها إلا الخروج بنصر وهمي ولو أبيدت غزة بأكملها!
- تصوروا مثلاً أحمد عبد الرحمن يطالب حماس أن ترد السلاح لفتح في غزة لكي تدافع عن القطاع، هكذا! في الإعلام! وبكل وقاحة! من يجرؤ على هكذا وقاحة؟! ألم يتوقع أحمد عبد الرحمن أن يتساءل الناس لماذا لا تقاتلون في الضفة بسلاحكم المرخص من الاحتلال؟! من الذي يمنعكم أن تدافعوا عن وطنكم في الضفة؟! لماذا يستبيح الاحتلال مدن الضفة كلها يومياً ويعتقل العشرات ولا تطلق رصاصة واحدة؟! ولماذا تعتقلون أبناء حماس بجرم امتلاكهم السلاح، وتحولون بينهم وبين المقاومة؟!
بالتأكيد لن أملك القدرة ولا الوقت ولا المتسع لاستعراض كل هذه الألوان من الخصومة الفاجرة، ولدى القراء منها الكثير، لكن في هذا الصنف من الخصومة تأكيد جديد على أن حماس هي الطائفة الظاهرة على الحق، وأنها أقرب ما تكون إلى الإناء بين الأكلة، كما أن فيها تأكيداً على انحدار متواصل في المستوى الخلقي لخصومها من الأطراف المختلفة سواء الاحتلال أو العرب كعصابة عباس وقبيلة فتح أو المصريين أو الإعلام السعودي المتصهين، انحدروا إلى درجة فقدوا فيها الأخلاق تماماً، فلا يمكن بعد اليوم مخاطبة ضمائرهم أو محاولة استفزاز الأخلاق لديهم، فهم يعلمون أنهم سفلة، وأنهم يكذبون، وأن الناس تعرف كذبهم، إنهم يعرفون أنهم بلا أخلاق ولا مروءة، وأنهم أجراء وعملاء وأصحاب مصالح ضيقة ورخيصة.
إنهم أخس من جولدمائير التي قالت أن العربي الجيد هو العربي الميت! ففي زمن الطائفة الظاهرة على الحق بات الشهيد من حماس اسوأ من الحي! فالحي يقهرهم بثباته المحيّر في ظرف موضوعي مختل كما أسلفنا! والقتيل يقهرهم بدمه، بشهادة شرفه، باختيار ربه له دون العالمين، يقهرهم حينما يحرجهم ويربكهم، وحينما يتهمهم بالتواطئ على قتله! يقهرهم لأن حياته أبقى من حيواتهم كلهم، وأمد في الحاضر والتاريخ والحياة الآخرة، ولأنه شاهد عليهم في الدنيا والآخرة! إن الشهيد من حماس عدو لهم في الدنيا والآخرة!
==== منقول بطبيعة الحال ====
(1)
حماس: هي الطائفة الظاهرة على الحق في هذا الزمن
منذ زمن بعيد؛ وواقع في روعي أن حماس هي الطائفة الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة، ليس في كونها تنظيماً وإنما في كونها حقيقة إيمانية وجهادية، ولا عبرة بالاسم والتنظيم إلا بقدر ما يعبر عن هذه الحقيقة، فحماس هي تلك الطائفة ما بقيت معبرة عن تلك الحقيقة في بيت المقدس. ويشهد الله أن قناعتي هذه غير مؤسسة على عصبية حزبية لما أعرفه في نفسي –ويعرفه عني القريبون مني- من شدة في النقد، وصراحة فيما أحسبه حقاً، وصعوبة في الرضا عن الأشياء.
وربما كان يحول دون الإفصاح القاطع عن هذه القناعة الموقف المتردد حديثياً من الزيادات على الأصل الصحيح للحديث النبوي، وجزم كثير من المحدثين أن هذه الطائفة هي أهل الحديث، أي أنها طائفة علمية جريئة في الحق ومخالفة السائد من الباطل بين الناس، غير أن المتن الصحيح ذاته يصادم هذا الاعتقاد لصالح أنها جماعة مجاهدة بالدرجة الأولى تبقى على ذلك إلى حين نزول المسيح عليه السلام وصلاته خلف أميرها، ولعل كثيراً من الجماعات المجاهدة تشترك في هذه الصفة مع زيادة خصوصية للجماعة المقدسية منها، وهنا سأستعرض بعض روايات وألفاظ الحديث توطئة للدخول في المقصود من المقال:
لفظ البخاري من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه اقتصر على هذا القدر من الحديث: (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)، وقد جزم البخاري في ترجمته للباب تحت كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة أنهم أهل العلم (أي علماء الشريعة) قائلاً: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون)، "وهم أهل العلم"، ونقل الترمذي في سننه عن البخاري عن علي بن المديني قوله أنهم أصحاب الحديث، وأخرج الخطيب البغدادي الحديث في شرف أصحاب الحديث ونقل عن يزيد بن هارون قوله : "إن لم يكونوا أصحاب الحديث، فلا أدري من هم"، ونقل ذلك عن ابن المبارك وعن أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان .
وفي ترجمة الباب (في صحيح البخاري) كما نرى لفظ (يقاتلون) مع أنه لم يدرج هذه اللفظة في متن الحديث في هذا الباب، أو في الموضوعين الآخرين الذين أخرج فيهما الحديث. وإذا كان أهل العلم أو أصحاب الحديث يقاتلون معنويا (وليس كلهم كذلك)، فالأجدر بهذا الحديث من يقاتل بكل ما في الكلمة من إطلاق، خاصة إذا كان مرد قتاله عن بصيرة وفي سبيل الله.
أما لفظ مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)، قال : (فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة) وهذا اللفظ الصحيح حدد الطائفة كجماعة لها أميرها، أي أنها أوسع وأشمل من أهل العلم أو أهل الحديث، وأنها في الشام حيث نزول المسيح عليه السلام وصلاته خلف أميرها، وقد أخرجه مسلم بألفاظ أخرى ليس فيها نزول المسيح عليه السلام.
أما فيما هو زيادات عما في الصحيحين وفيما هي أقوال أخرى في تحديد هذه الطائفة من أقوال أهل العلم فسأعرض بعضاً من تلك الروايات والأقوال على اقتصار واختصار يخدم غرضنا هنا، إذ لا ننوي التوسع في بحث حديثي علمي خالص:
فقد أخرج أحمد في المسند أن مالك بن يخامر رضي الله عنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: "وهم بالشام"، وكذلك روى ابن أبي عوانة في مستخرجه والبزار في مسنده والطبري في تهذيب الآثار عن مطرّف بن عبد الله –رحمه الله- وهو أحد الأعلام ثقة ثبت باتفاق قوله: "فنظرت في هذه العصابة فإذا هم أهل الشام". وقد أخرج الطبري في تهذيب الآثار بعد سياقة الحديث في أحد ألفاظه: "فكانوا يرون أنهم من أهل الشام".
وقد أخرجه الترمذي في سننه في: باب ما جاء في الشام، بهذا اللفظ: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، ثم ذكر قول ابن المديني الذي أسلفناه في كونهم أصحاب الحديث وأتبع ذلك بقوله: "وفي الباب عن عبد الله بن حوالة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرج أحمد في مسنده من حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه: أخبرهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أسمت الخيل، وألقيت السلاح، ووضعت الحرب أوزارها، قلت: لا قتال. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن جاء القتال، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس، يزيغ الله قلوب أقوام، فيقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). وقد أخرج أحمد وغيره كالطيالسي وعبد الله بن حميد وابن القانع وأبي نعيم الأصبهاني تحديد النبي لها أنها في الشام.
وقد أخرج الطبراني في تهذيب الآثار من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، فهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك). قالوا : يا رسول الله: وأين هم؟ قال : (ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس). وقد أخرج ذلك (أي أنهم في بيت المقدس وأكنافه) أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير وفي مسند الشاميين والمحاملي في أماليه كلهم من حديث أبي أمامة. وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين إلى أن تقوم الساعة).
والحقيقة أن روايات الحديث كثيرة جداً، ولا أريد استيعابها، ولم أتقصد أي بحث حديثي، ولن أتناول الروايات من أي جانب حديثي، ومن أراد التوسع فيمكنه الرجوع لكتب السنة، والكتب التي تحدثت في فضائل الشام وبيت المقدس، غير أن ما ورد يشير إلى أنها ليست أهل العلم أو أصحاب الحديث، وأنها في الشام، وأن المسيح عليه السلام يصلي خلف أميرها، وأن آخرها يقاتل المسيح الدجال، مما يعني حتماً وبلا شك أن نواتها في الشام.
وبتتبع سريع لصفات هذه الطائفة والملابسات التي تحيط بها، خاصة آخرها الذي هو في آخر الزمان، نجد التالي:
- تقاتل على الحق قائمة بأمر الله ظاهرة منصورة إلى يوم القيامة، ويصلي المسيح عليه السلام خلف أميرها، ويقاتل آخرها الدجال.
- قتالهم لعدوهم قتال شامل بالسلاح وغيره كما في حديث سلمة بن نفيل.
- لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ولا من خالطهم ولا من ناوأهم.
- تقاتل أعداءها كلما ذهب حزب قوم تستحرب قوم أخرى [يزيغ الله عز وجل لهم قلوب أقوام يقاتلونهم] يرفع الله عز وجل قلوب قوم ليرزقهم منه حتى تأتيهم الساعة كأنها قطع الليل المظلم. (أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني).
- لعدوهم قاهرين.
- يصيبهم اللأواء فقط (واللأواء: الشدة والمشقة وضيق المعيشة).
- كالإناء بين الأكلة.
- هم من أهل الشام وعلى أبواب دمشق وفي بيت المقدس وأكناف بيت المقدس (الكَنَفُ والكَنَفةُ ناحية الشيء وناحِيتا كلِّ شيء كنَفاه والجمع أَكناف: لسان العرب).
إننا لا نقصد بهذا أن الجماعة التي يصلي معها المسيح عليه السلام ويقاتل آخرها الدجال هي حماس بالمعني التنظيمي الصرف، وإنما تلك الطائفة من الأمة نتاج تتابعات جهادية في بيت المقدس كانت حماس واحدة منها في مرحلة تاريخية هي هذه المرحلة، كما كان مجموع العلماء والمربين والقادة والمجاهدين واحدة من تلك التتابعات الجهادية التي أفضت إلى تحرير بيت المقدس زمن صلاح الدين، تماماً كما أن مجموع العلماء والمجاهدين ابتداء من ابن تيمية إلى العز بن عبد السلام واحدة من تلك التتابعات التي أفضت إلى هزيمة التتار في عين جالوت، وهذا يعني أن ثمة مركزية مكانية تحرّك الأمة تخلص إلى مركزية إنسانية، وهذه المركزية المكانية تكاد تكون ما بين النيل والفرات وهي أرجح تحديدات العلماء للشام جغرافياً وقلبها بيت المقدس في الجغرافيا والقداسة والحدث، ويظهر أن هذه المركزية المكانية تتكثف في آخر الزمان بحيث يكاد ينحصر المحرّك الفعلي للأمة والموحّد لها ببيت المقدس أكثر من أي بقعة ملتهبة أخرى، ويبقى بيت المقدس مركز الحدث حيث يصير مقر الخلافة، ومن ثم مركز المسيح عليه السلام ومنتهى الأحداث البشرية الكبرى كقتل الدجال والخلاص من يأجوج ومأجوج.
لكن أجد الصفات في روايات الأحاديث المختلفة أكثر ما تكون انطباقاً على حماس في هذه المرحلة، وإن كان يلزم المراحل السابقة من تاريخ الأمة وتاريخ المنطقة معايشة غير ممكنة ودراسة وافية، كما أننا غير قادرين على معرفة ظروف وملابسات المستقبل من بعد هذه المرحلة التي نعيشها.
إن الأحاديث تفصح عن كون هذه الطائفة ضمانة حياة الأمة، وبقاء الجهاد فيها، فإذا فسدت فسد الناس، وكأن احتلال بيت المقدس شرط موضوعي لحياة الأمة، ومن ثم دفعها للنهضة، وكأن تحوله لاحقاً لمقر للخلافة شرط موضوعي آخر لمواجهة التحديات الكبرى في طريق الأمة الناهضة، وهذا يعني أن الطائفة التي تتبنى قضية بيت المقدس إنما تتبنى قضية نهوض الأمة، وهذا يعني بكل تأكيد أنها تقاتل في ظروف موضوعية لا تواتيها بكل المقاييس المادية حيث ستكون الأمة في منتهى (الخذلان) كما عبرت عنه الأحاديث، وقد يتخذ الخذلان أشكالاً أفظع كالمؤامرة والعداء السافر والتحالف مع عدو الأمة.
(2)
الحمساوي قاهر لعدوه حياً وميتاً
هذه الطائفة كالإناء بين الأكلة، فلا يحيط بها إلا العدو أو المتخاذل أو المتآمر، لتكون صغيرة في حجمها وقدراتها المادية، وأظهر ما يكون هذا الحال في حرب غزة، التي لا يحيط بها إلا العدو أو قريب متخاذل إلى درجة العداء ألا وهو مصر، أما من (يخالطها) كما في واحد من الآثار إما عدو مسفر العداء كما في حالة عصابة عباس، أو حاسد كثير المزايدة وقت السعة، قليل الفعل وقت الشدة.
إننا نجد روح النص النبوي توحي بإعجاب بالغ بهذه الطائفة التي تحافظ على الأمة من جهة، وتثبت في ظرف لا يواتيها أبداً مما لا يجعلها متكلة إلا على الله تعالى من جهة أخرى، وإن أبرز عناوين هذه المرحلة الخذلان، حتى تكون هذه الطائفة كالإناء بين الأكلة، ولأن بقاء هذه الطائفة شرط موضوعي ضروري للحفاظ على الدين من التأويل الفاسد أو التعطيل لحقيقته الشاملة فإنه لن يصيبها إلا اللأواء، وستبقى قاهرة لعدوها ببقائها، وستبقى الحروب عليها تتلى، ليكون معنى النصر في هذه المرحلة البقاء على الحق والقيام بأمر الله رغم العداء المجرم والخذلان الفاجر.
وفي مثل هذا الظرف فإن كل أشكال العداء ستكون متضخمة وخارجة عن حدود العقل والمتصور، بما في ذلك الخذلان، فإنه سيتجاوز الصمت المطبق إلى الصوت العالي في العداء السافر، والتحالف مع العدو، والفجور في الخصومة، والانعتاق من أي بقية من مروءة أو حياء، والوقاحة المسفة في الانتقاص من الطائفة الظاهرة على الحق ورموزها، والإيغال في استفزازها برخص متناه لا يمكن لهذه الطائفة مجاراته، ولأن هذا شديد جداً على النفس قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، وقال: (وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقال: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ).
إنه أمر مؤثر جد، وباعث على الحزن العميق في النفس، حينما يصل خذلان الأقربين إلى درجة تفتقر لأخلاق الخلاف أو حتى الخصومة وتتجرد من الصدق والموضوعية، وتقوم على خالص الغل والحقد والحسد، فتستحل كل محرم، وتتجاوز بكل برود الحقائق، وتكذب بكل استخفاف غير عابئة بأية حقيقة مهما كانت صارخة وواضحة، وحتى لو كانت بطعم الدم والصمود والثبات.
دفعني لهذا العرض ما وجدته في حق قيادات حماس، حيث عدت عبر شبكة الإنترنت لأرى ما قيل في حقهم قبل استشهاد القادة نزار ريان وسعيد صيام وبعد ذلك، مما بسط أمام الذاكرة وفرة من نماذج الخصومة المنحطة، هذا بعضها:
- اتهمت حماس عقب انطلاقتها بأنها صنيعة إسرائيلية من طرف فتح وفصائل منظمة التحرير ومن لحقهم من سفلة العالم العربي، هكذا فقط بلا بينة ولا دليل ولا برهان، فقط هو حسد وأنانية فتح، وبغض وطفيلية فصائل منظمة التحرير، ولم يشفع لحماس بلاؤها في الانتفاضة الأولى، ولا كونها الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي خطف جنوداً صهاينة بعد تأسيسه بعامين، ولا دفعه ثمن ذلك باعتقال كامل القيادة والجيل المؤسس في سجون الصهاينة.
واتهام حماس بأنها صنعة اسرائيلية، يعني حتماً أن قيادتها المؤسسة عميلة لإسرائيل، وقد خرجت هذه النتيجة الطبيعية لهذه المعادلة الرياضية شديدة البساطة على ألسنتهم صراحة، وأذاقوا الدكتور الرنتيسي –رحمه الله- مرّ تفوسهم المتقيحة، وكشفوا عن شديد بغضهم له قولاً وفعلاً، ولعل ذلك يرجع لحسدهم هذه الشخصية مكانتها وكاريزميتها، أما الشيخ أحمد ياسين فقالوا في حقه كثيراً من القول الفاحش، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية.
- بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي، تمسحوا بدمهم، وجعلوهم مثلاً لتراجع القيادة اللاحقة عن سلفها، وأصبح كل من الشهيدين فجأة مثال القيادة النظيفة. أما كيف تراجع اللاحق عن منهج سلفه فلا نعلم، إلا أن ذلك غير مهم، المهم هذا المستوى من الانحطاط الذي لا يجارى، والسلاح القذر في الخصومة، والمفارقة واضحة ولا تحتاج مزيداً من التعليق.
- بعد استشهاد الدكتور نزار ريان رحمه الله، تصفحت موقعاً وجدت فيه كلاماً قديماً عن الشهيد قبل استشهاده، ووجدت أحدهم ينسب نفسه لسلفية مجاهدة في فلسطين لا أدري أين محلها ولا مكانها من إعراب معارك البطولة، فإذا بنزار ريان: رجل يرائي يخرج مع المجاهدين مرتدياً زيهم ليستعرض أمام الكاميرات، محب للأكل والطعام والدليل سمنته، مزواج يحب النساء والدليل زواجه من أربع! وأغرب ما في هذا التجريح اعتراض (سلفي) على زواجه من أربع، مما لا يكشف إلا عن قيح معتمل في ضمير خرّبه البغض والحسد، أو فتحاوي يتستر بالعباءة السلفية، وباتت هذه عادة للفتحاويين في منتديات السلفيين بأشكالها المتباينة لسهولة استحضار الكلاشيهات السلفية.
- بعد استشهاد الشيخ، ترحموا عليه، وأسفوا على غياب النموذج السلفي الجهادي في حماس، والوحيد المعول عليه في إصلاح هذه الحركة الإخوانية المفلسة!
- عند بداية المعركة تساءل بعض الخصوم كثيراً عن سر نجاة قيادة حماس من القصف، وكأن شهادة البراءة الوحيدة لدى الحماسي أن يكون قتيلاً، وزعمواً أنهم يقدمون الجنود والشعب ثمناً لكرسيهم المنسوج من دم الأبرياء والمغرر بهم، وزعم بعضهم أنهم هربوا إلى سيناء عبر الأنفاق انتظاراً لنهاية المعركة.
- بعد استشهاد كل من الدكتور نزار ريان والأستاذ سعيد صيام، قالوا إن إسرائيل تحقق الإنجازات المتوالية بقتل قيادات مهمة في حماس، وأنها في نزهة تمارس فيها هواية صيد تلك القيادات، وأن ثمة اختراقات خطيرة في البنية الأمنية لهذه الحركة، وأن حركة لا تحسن أن تحمي قياداتها وقت المعركة لا تستحق أن تقود شعباً، وأن هذه الحركة كان حرياً بها أن تحافظ على القيادة كضرورة لتماسكها والحفاظ على معنويات الجنود وحرمان الاحتلال من أي مكسب مادي أو معنوي! والمفارقة بلا شك تغني عن كثير من التعليق.
- والشهداء القادة نزار ريان وسعيد صيام من أكثر الذين طالهم الفحش الفتحاوي بكل ما عرف عنه من قذارة ووضاعة وإسفاف وكذب! وبعد استشهادهم أسفر البغض الفتحاوي عن شماتة لا تعرف أبداً في صاحب مروءة، حتى بات يصدق القول أن الحمساوي في المنظور الفتحاوي المتهالك بالمرض والغل: لن يكون جيداً لا حياً ولا ميتاً!
- وما يقال عن طريقتهم مع الأشخاص، يقال عن طريقتهم في الخصومة السياسة كلها، فحينما لم تدخل حماس الانتخابات قالوا لها: لو خضت معنا الانتخابات وفزت لخضنا معك البحر، فلا تعترضي على شرعية برنامجنا، وحينما قررت الخوض: اتهموها بالتراجع عن برنامجها والدرب الجهادي الذي خطته دماء قادتها الشهداء، وحينما فازت: رفضوا أن يخوضوا البحر معها واتهموها بالحرص على الكرسي ولو بجوع الشعب. وحينما وافقت حماس على تهدئة طالبوها بها هم كثيراً: اتهموها بأنها لم تعد تقاتل وأنها مثلهم كل الذي يعنيها البحث عن تسوية سياسية ولو كان اسمها تهدئة، وحينما قاتلت حماس بصمود خرافي: قالوا أنه لا يهمها إلا الخروج بنصر وهمي ولو أبيدت غزة بأكملها!
- تصوروا مثلاً أحمد عبد الرحمن يطالب حماس أن ترد السلاح لفتح في غزة لكي تدافع عن القطاع، هكذا! في الإعلام! وبكل وقاحة! من يجرؤ على هكذا وقاحة؟! ألم يتوقع أحمد عبد الرحمن أن يتساءل الناس لماذا لا تقاتلون في الضفة بسلاحكم المرخص من الاحتلال؟! من الذي يمنعكم أن تدافعوا عن وطنكم في الضفة؟! لماذا يستبيح الاحتلال مدن الضفة كلها يومياً ويعتقل العشرات ولا تطلق رصاصة واحدة؟! ولماذا تعتقلون أبناء حماس بجرم امتلاكهم السلاح، وتحولون بينهم وبين المقاومة؟!
بالتأكيد لن أملك القدرة ولا الوقت ولا المتسع لاستعراض كل هذه الألوان من الخصومة الفاجرة، ولدى القراء منها الكثير، لكن في هذا الصنف من الخصومة تأكيد جديد على أن حماس هي الطائفة الظاهرة على الحق، وأنها أقرب ما تكون إلى الإناء بين الأكلة، كما أن فيها تأكيداً على انحدار متواصل في المستوى الخلقي لخصومها من الأطراف المختلفة سواء الاحتلال أو العرب كعصابة عباس وقبيلة فتح أو المصريين أو الإعلام السعودي المتصهين، انحدروا إلى درجة فقدوا فيها الأخلاق تماماً، فلا يمكن بعد اليوم مخاطبة ضمائرهم أو محاولة استفزاز الأخلاق لديهم، فهم يعلمون أنهم سفلة، وأنهم يكذبون، وأن الناس تعرف كذبهم، إنهم يعرفون أنهم بلا أخلاق ولا مروءة، وأنهم أجراء وعملاء وأصحاب مصالح ضيقة ورخيصة.
إنهم أخس من جولدمائير التي قالت أن العربي الجيد هو العربي الميت! ففي زمن الطائفة الظاهرة على الحق بات الشهيد من حماس اسوأ من الحي! فالحي يقهرهم بثباته المحيّر في ظرف موضوعي مختل كما أسلفنا! والقتيل يقهرهم بدمه، بشهادة شرفه، باختيار ربه له دون العالمين، يقهرهم حينما يحرجهم ويربكهم، وحينما يتهمهم بالتواطئ على قتله! يقهرهم لأن حياته أبقى من حيواتهم كلهم، وأمد في الحاضر والتاريخ والحياة الآخرة، ولأنه شاهد عليهم في الدنيا والآخرة! إن الشهيد من حماس عدو لهم في الدنيا والآخرة!
==== منقول بطبيعة الحال ====