فـاروق
01-15-2009, 08:29 AM
قد بدت البغضاء من افواههم..
---
جان عزيز-
مهما كانت نتيجة المفاوضات الدائرة في القاهرة بين حماس والإسرائيليين، تظلّ القاعدة ثابتة، بأن هناك مماثَلة دقيقة ومتكاملة، بين حرب غزة في كانون 2008 وحرب لبنان في تموز 2006. ومهما كان الموقع الزمني لخطابَي إسماعيل هنيّة في 31 الشهر الماضي، وفي 12 الجاري، على روزنامة الحرب والنصر، يظلّ واضحاً أن ثمّة مماثَلة بينهما وبين خطب السيّد حسن نصر الله، إبّان حرب تموز.
غير أن خطاب هنيّة الأخير، بدا ـــــ في جوانب كثيرة منه ـــــ مماثَلةً للنداء الشهير الذي وجهه السيّد نصر الله إلى المقاومين رداً على رسالتهم إليه. وهو النداء الذي تحوّل مع جوليا الرائعة مشهديةً أروع.
بعض المقتطفات من كلمة هنيّة تؤكد «التشابه». يقول هنيّة لمقاتلي حماس، إنهم «يرسمون اليوم فجراً جديداً، ونصراً بإذن الله»، قبل أن يختم بشعور الجميل المنكسر نفسه الذي باح به السيّد نصر الله. فيكرر هنيّة: «إنّا نقبّل رؤوسكم وأيديكم. ونقبّل الأرض من تحت نعالكم. أنتم تدافعون عن عرضكم وحماكم وعن كرامة الأمة. أنتم اليوم أصحاب القرار وصنّاع النصر. أنتم تاج رؤوسنا، بل تاج هذه الأمة...» إلى آخر الكلام الذي بدا... مسموعاً ومسبوقاً.
غير أن تلك المماثَلة ـــــ المصادفة (؟!) بين الخطابين، لا تلبث أن تتباين عند نقطتين اثنتين؛ الأولى، ندرة ذكر فلسطين الوطن والكيان والهوية في كلام هنيّة، في مقابل غزارة لافتة في ذكر الاستشهادات القرآنية والإسنادات الدينية في كلام القائد الحمساوي. فيما العكس كان الواقع في كلام السيّد حسن نصر الله، إن لم يكن في رسالة «أحبّائي» تحديداً، لكن قطعاً في كل «خطابه التموزي الجديد».
مرة واحدة ذكر هنيّة «جبال فلسطين» عنواناً للصمود. ومرة أخرى عرّج على ذكر «شعبنا الفلسطيني»، فيما السيّد نصر الله عرف وحرص وأتقن وأبدع، طيلة 33 يوماً من حرب تموز 2006 و«خطابها»، محاكاة «لبنان» و«جبال الأرز» و«الشعب اللبناني» و«وطننا لبنان»، وسوى ذلك من المنظومة الألسنية للفكر التوافقي الكياني اللبناني.
أما الغزارة «الإسلاموية» في خطاب هنيّة، فتخطّت نصف الكلام كميّةً. وتعدّت في المضمون حدود المواجهة مع إسرائيل.
قال هنيّة: «نستشعر معيَّةَ الله... ما يجري هو بحق آية من آيات الله تعالى... نستشعر عون الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم، فثبّتوا الذين آمنوا، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان». وأضاف هنيّة: «لكأننا نستشعر آيات الله وقرآنه يتنزّل علينا... بحسب قوله تعالى: الذين قال لهم الناسُ إنّ الناسَ قد جمعوا...».
وتابع بهذا المضمون لما يوازي حوالى ثلثي كلمات الخطاب.
قد يبادر قائل إلى التأكيد أن هذا الواقع مفهوم. فحماس هي أولاً حركة مقاومة إسلامية، ثم إن حرباً بهذا العداء المطلق، تقتضي مصدر دعم مقابل مطلق، لا يوفّرها غير الدين. وقد يتذكّر البعض مقولة شارل مالك، إن أزمة الشرق الأوسط هي في النهاية حرب موسى وعيسى ومحمد. وقد يجتهد كثيرون التبرير والتفسير والشرح.
لكن بمعزل عن مبدئية التضامن المطلق مع حرب غزة، وبمعزل عن البعدين المتلازمين لهذا التضامن؛ البعد الإنساني في وجه الفظائع الصهيونية، والبعد السياسي تأييداً لقضية حق وشعب فقد وطنه. بمعزل عن كل ذلك، يظلّ السؤال مطروحاً: هل يفتح انتصار غزة المرجوّ نافذة لإعادة النظر في ألسنيّة هذا الخطاب، حرصاً على فلسطين أولاً، وعلى مكان بين الملتزمين بفلسطين وقضية فلسطين، لناسٍ مثل عزمي بشارة وعطا الله حنّا، والشهيدة الأميركية لفلسطين رايتشيل كوري؟ مجرّد سؤال.
---
جان عزيز-
مهما كانت نتيجة المفاوضات الدائرة في القاهرة بين حماس والإسرائيليين، تظلّ القاعدة ثابتة، بأن هناك مماثَلة دقيقة ومتكاملة، بين حرب غزة في كانون 2008 وحرب لبنان في تموز 2006. ومهما كان الموقع الزمني لخطابَي إسماعيل هنيّة في 31 الشهر الماضي، وفي 12 الجاري، على روزنامة الحرب والنصر، يظلّ واضحاً أن ثمّة مماثَلة بينهما وبين خطب السيّد حسن نصر الله، إبّان حرب تموز.
غير أن خطاب هنيّة الأخير، بدا ـــــ في جوانب كثيرة منه ـــــ مماثَلةً للنداء الشهير الذي وجهه السيّد نصر الله إلى المقاومين رداً على رسالتهم إليه. وهو النداء الذي تحوّل مع جوليا الرائعة مشهديةً أروع.
بعض المقتطفات من كلمة هنيّة تؤكد «التشابه». يقول هنيّة لمقاتلي حماس، إنهم «يرسمون اليوم فجراً جديداً، ونصراً بإذن الله»، قبل أن يختم بشعور الجميل المنكسر نفسه الذي باح به السيّد نصر الله. فيكرر هنيّة: «إنّا نقبّل رؤوسكم وأيديكم. ونقبّل الأرض من تحت نعالكم. أنتم تدافعون عن عرضكم وحماكم وعن كرامة الأمة. أنتم اليوم أصحاب القرار وصنّاع النصر. أنتم تاج رؤوسنا، بل تاج هذه الأمة...» إلى آخر الكلام الذي بدا... مسموعاً ومسبوقاً.
غير أن تلك المماثَلة ـــــ المصادفة (؟!) بين الخطابين، لا تلبث أن تتباين عند نقطتين اثنتين؛ الأولى، ندرة ذكر فلسطين الوطن والكيان والهوية في كلام هنيّة، في مقابل غزارة لافتة في ذكر الاستشهادات القرآنية والإسنادات الدينية في كلام القائد الحمساوي. فيما العكس كان الواقع في كلام السيّد حسن نصر الله، إن لم يكن في رسالة «أحبّائي» تحديداً، لكن قطعاً في كل «خطابه التموزي الجديد».
مرة واحدة ذكر هنيّة «جبال فلسطين» عنواناً للصمود. ومرة أخرى عرّج على ذكر «شعبنا الفلسطيني»، فيما السيّد نصر الله عرف وحرص وأتقن وأبدع، طيلة 33 يوماً من حرب تموز 2006 و«خطابها»، محاكاة «لبنان» و«جبال الأرز» و«الشعب اللبناني» و«وطننا لبنان»، وسوى ذلك من المنظومة الألسنية للفكر التوافقي الكياني اللبناني.
أما الغزارة «الإسلاموية» في خطاب هنيّة، فتخطّت نصف الكلام كميّةً. وتعدّت في المضمون حدود المواجهة مع إسرائيل.
قال هنيّة: «نستشعر معيَّةَ الله... ما يجري هو بحق آية من آيات الله تعالى... نستشعر عون الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم، فثبّتوا الذين آمنوا، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان». وأضاف هنيّة: «لكأننا نستشعر آيات الله وقرآنه يتنزّل علينا... بحسب قوله تعالى: الذين قال لهم الناسُ إنّ الناسَ قد جمعوا...».
وتابع بهذا المضمون لما يوازي حوالى ثلثي كلمات الخطاب.
قد يبادر قائل إلى التأكيد أن هذا الواقع مفهوم. فحماس هي أولاً حركة مقاومة إسلامية، ثم إن حرباً بهذا العداء المطلق، تقتضي مصدر دعم مقابل مطلق، لا يوفّرها غير الدين. وقد يتذكّر البعض مقولة شارل مالك، إن أزمة الشرق الأوسط هي في النهاية حرب موسى وعيسى ومحمد. وقد يجتهد كثيرون التبرير والتفسير والشرح.
لكن بمعزل عن مبدئية التضامن المطلق مع حرب غزة، وبمعزل عن البعدين المتلازمين لهذا التضامن؛ البعد الإنساني في وجه الفظائع الصهيونية، والبعد السياسي تأييداً لقضية حق وشعب فقد وطنه. بمعزل عن كل ذلك، يظلّ السؤال مطروحاً: هل يفتح انتصار غزة المرجوّ نافذة لإعادة النظر في ألسنيّة هذا الخطاب، حرصاً على فلسطين أولاً، وعلى مكان بين الملتزمين بفلسطين وقضية فلسطين، لناسٍ مثل عزمي بشارة وعطا الله حنّا، والشهيدة الأميركية لفلسطين رايتشيل كوري؟ مجرّد سؤال.