مقاوم
01-10-2009, 03:43 PM
فشل الزيارات والنصائح السرية للحكام: جولة القرضاوي وصحبه أنموذجا
د. محمد الأحمري
قصّ أكرم الحوراني في مذكراته قصة زيارة له ولحزبه إلى الملك سعود آل سعود، ومما أذكره من القراءة أن الملك اتهم الحوراني ومن معه في المقابلة بأنهم شيوعيون، وحاولوا أن يقنعوه بخلاف ذلك، فلم يسمع منهم، قال الحوراني: وفي المساء قابلنا فيصل في قصره المتواضع، وشكونا له موقف أخيه سعود وتهمته لهم، فرد عليهم فيصل بأن موقف سعود بلٍّغ له عن طريق الأمريكان، وأنه إن كنتم تريدون أن ترفعوا عن أنفسكم هذه التهمة، فاتصلوا بالسفارة الأمريكية في دمشق وصححوا خطأهم. انتهى ما أذكره من الحادثة.
منذ أيام، جاء الشيخ القرضاوي ومعه وفد من العلماء والوجهاء لنصح الملوك والزعماء العرب أو لمطالبتهم أن تقف بلدانهم مع الفلسطينيين في أزمة الإبادة التي يتعرضون لها، ونشرت القدس العربي بعض مجريات اللقاءات المحزنة، وأشارت إلى أن بعضهم كان حادا ضد حماس، ومدافعا عن مصر، واستنكر تهييج الرأي العام والقنوات التلفزيونية ضد مصر، منتقدا بطريق غير مباشر سوريا وقطر، وكانت بعض اللقاء قصيرة مزعجة، كما نشرت القدس العربي.
الذين اضطروا إلى تسريب المحادثات التي جرت، إنما فعلوا تحت ضغط القهر وفشل مسعاهم، وفي هذه الأزمة إذ لم يعد هناك سفارات أمريكية ولا إسرائيلية يمكن الاتصال بها لتصحيح الموقف كما حدث قديما من قبل في قصة طلب فيصل من الحوراني، ففيصل كان يعلم أن أخاه لا يسمع كلامه، ولم يكن له من مستشارين يفكرون بغير قول السفارة، فكلام السفارة هو القول الفصل وله الأثر الفعال!
ولهذا، فإن هذه الزيارات من العلماء والنصائح السرية لا تصبح ذات فائدة، ومثلها تلك المطالبات والنصائح السرية التي يقدمها المشايخ، طيبو القلوب، ويكون الرد عليها بأن نصائحهم لم يرها أحد ولم يقرأها أحد، وخلط المشايخ بين أمرين مختلفين تماما، بين دور السكرتير أو مستشار القصر وبين دور المصلحين، فالسكرتير أو المستشار من أهل القصر، وكاتمي السر، يقول ما يرغب أو يرى أو ما يوحي له به السفراء، أما الناصح فإنه في زماننا هذا الذي حرم فيه العربي والمسلم من المشاركة في قرارات بلاده، واستقل بالقرار سفراء أمريكا وإسرائيل وبطانة هؤلاء السفراء من مستشاري الحكام، فقد أصبح لا محيص للأمة المستبعدة من أمرها من أن تتحدث للناس بما تراه، ولو كان شكوى وبكاء، فلن يسمع الحاكم لشيخ يتسلل بذل لواذا إلى القصر بعد معاناة ومطالبات طويلة، فيسمح له بأن يضع ورقته السرية خجلا في يد أحد الخدم، وهذا بدوره يهملها أو يرميها أمام أعينهم أو بعد خروجهم.
كان أليق بهم أن يقولوا ما يؤمنون به علانية للناس، وأن يقلدوا إعلام المحور الإسرائيلي الأمريكي في توضيح مصالحهم وشرح قناعاتهم، ف المحور الإسرائيلي وإعلامه أصبح يتحكم في القصور العربية وفي العيون والآذان، والمشايخ يهمسون ويسرون على إخوانهم حتى المطالبات والمعاريض الواهية، ويحهم إنهم مازالوا تتخيلون أن النصيحة السرية من شيخ مستضعف سيكون لها قيمة!
أيها المشايخ إنكم لستم في قصر هارون الرشيد، ولن يحاوركم المأمون، كل هؤلاء ماتوا، وزال زمانهم، وتغيرت الفتوى بتغير الحال، كان بعض العلماء قديما يقدمون النصيحة للحاكم سرا لأنهم كانوا مستشاريه، أو لأن القرار كان له وبيده ولمن حوله، أما الآن فالقرار في الخارج، وبيد السفراء والمستشارين في القصور (من مندوبيهم) والأثر للإعلام الخارجي، فكيف يختار أن يسرّ عاقل فضلا عن متعلم أو شيخ بنصيحة هنا!
إن كان عندكم ما تقولون من نصح للحكومات، فارفعوا الصوت به عاليا، وصرحوا به للناس، عبر المتاح من التلفاز، وعلى البريد والمواقع الإليكترونية، وعلى بقية المنابر، حتى يسمع الحكام، فلا قيمة لأسراركم عند أحد، ولا لأفكاركم ما لم تحملها أمة تؤمن بها أو سفير يلزم بها حاكم، وليس لكم سفراء، ولا رجال في البلاطات، لأنه لا قوة لكم فلا أقل من أن يكون الإعلام سفيرا!
إنكم في هذه الزيارات والنصائح السرية تقابلون أناسا، يحسن بكم درس حالهم قبل الدخول عليهم، فأنتم أمام حكام لهم ظروف مختلفة، أو مغلوبين على أمورهم، مقهورين، قهرهم السفراء والخبراء وأذلوهم وصادروا قراراتهم، لأنه لا صوت يسمعونه من الشعب، فقد سكرّت أفواه الشعوب، وأذّلت وطوردت وأهينت، فأصبحت القوة خارج البلاد، والأفكار والإعلام توجه من خارج البلاد، والقيمة في الخارج، والدور في الخارج، لا شيء بيد سكان بلادكم لا شيء!
فلا قوة يراها الحكام ولا قدر ولا قيمة إلا في الخارج ولمندوبيه في الداخل، أو إنكم أمام ضعيف ليس له من الأمر شيء، تقضى باسمه الأمور، أو أمام حقود على الإسلام كاره له، يراه شرا مستطيرا يهدد منافعه ومنافع أولاده، ويرى أنه إن عطف على المسلمين أو رحمهم فسوف يعزل أو يقتل.
وبهذا، فإن هؤلاء الحكام إن كان منهم طيب أو مجامل يحب أن يفعل خيرا، ولكنهم مابين معذور بجهله أو معذور بقهره، لأنه سيضطر بعد خروجكم من عنده أن يبلغ الخبراء والسفراء أنه قابلكم بكل حزم وحسم، وأراكم العين الحمراء، وبين لكم فساد مسعاكم! فاعذروهم فهم مقهورون مغلوبون، وليسوا كما تتوقعون ولا تلوموهم ولوموا أنفسكم!
أيها المشايخ والعلماء زيارات التوعية أو رفع العتب أو الإعذار أو المناصحة، قد أصبحتم ترون وتخبرون كساد نتائجها، فابحثوا عن الإعلام والطرق الأجدى، ولو كان مجرد درس لتلاميذكم أو مع زملائكم سيكون أنفع.
لقد وفد زوار عظام، يتوسطون في أمر عظيم، فلا تقولوا مات فيصل، وبقيت السفارة، بل يبقى الأمل.
د. محمد الأحمري
قصّ أكرم الحوراني في مذكراته قصة زيارة له ولحزبه إلى الملك سعود آل سعود، ومما أذكره من القراءة أن الملك اتهم الحوراني ومن معه في المقابلة بأنهم شيوعيون، وحاولوا أن يقنعوه بخلاف ذلك، فلم يسمع منهم، قال الحوراني: وفي المساء قابلنا فيصل في قصره المتواضع، وشكونا له موقف أخيه سعود وتهمته لهم، فرد عليهم فيصل بأن موقف سعود بلٍّغ له عن طريق الأمريكان، وأنه إن كنتم تريدون أن ترفعوا عن أنفسكم هذه التهمة، فاتصلوا بالسفارة الأمريكية في دمشق وصححوا خطأهم. انتهى ما أذكره من الحادثة.
منذ أيام، جاء الشيخ القرضاوي ومعه وفد من العلماء والوجهاء لنصح الملوك والزعماء العرب أو لمطالبتهم أن تقف بلدانهم مع الفلسطينيين في أزمة الإبادة التي يتعرضون لها، ونشرت القدس العربي بعض مجريات اللقاءات المحزنة، وأشارت إلى أن بعضهم كان حادا ضد حماس، ومدافعا عن مصر، واستنكر تهييج الرأي العام والقنوات التلفزيونية ضد مصر، منتقدا بطريق غير مباشر سوريا وقطر، وكانت بعض اللقاء قصيرة مزعجة، كما نشرت القدس العربي.
الذين اضطروا إلى تسريب المحادثات التي جرت، إنما فعلوا تحت ضغط القهر وفشل مسعاهم، وفي هذه الأزمة إذ لم يعد هناك سفارات أمريكية ولا إسرائيلية يمكن الاتصال بها لتصحيح الموقف كما حدث قديما من قبل في قصة طلب فيصل من الحوراني، ففيصل كان يعلم أن أخاه لا يسمع كلامه، ولم يكن له من مستشارين يفكرون بغير قول السفارة، فكلام السفارة هو القول الفصل وله الأثر الفعال!
ولهذا، فإن هذه الزيارات من العلماء والنصائح السرية لا تصبح ذات فائدة، ومثلها تلك المطالبات والنصائح السرية التي يقدمها المشايخ، طيبو القلوب، ويكون الرد عليها بأن نصائحهم لم يرها أحد ولم يقرأها أحد، وخلط المشايخ بين أمرين مختلفين تماما، بين دور السكرتير أو مستشار القصر وبين دور المصلحين، فالسكرتير أو المستشار من أهل القصر، وكاتمي السر، يقول ما يرغب أو يرى أو ما يوحي له به السفراء، أما الناصح فإنه في زماننا هذا الذي حرم فيه العربي والمسلم من المشاركة في قرارات بلاده، واستقل بالقرار سفراء أمريكا وإسرائيل وبطانة هؤلاء السفراء من مستشاري الحكام، فقد أصبح لا محيص للأمة المستبعدة من أمرها من أن تتحدث للناس بما تراه، ولو كان شكوى وبكاء، فلن يسمع الحاكم لشيخ يتسلل بذل لواذا إلى القصر بعد معاناة ومطالبات طويلة، فيسمح له بأن يضع ورقته السرية خجلا في يد أحد الخدم، وهذا بدوره يهملها أو يرميها أمام أعينهم أو بعد خروجهم.
كان أليق بهم أن يقولوا ما يؤمنون به علانية للناس، وأن يقلدوا إعلام المحور الإسرائيلي الأمريكي في توضيح مصالحهم وشرح قناعاتهم، ف المحور الإسرائيلي وإعلامه أصبح يتحكم في القصور العربية وفي العيون والآذان، والمشايخ يهمسون ويسرون على إخوانهم حتى المطالبات والمعاريض الواهية، ويحهم إنهم مازالوا تتخيلون أن النصيحة السرية من شيخ مستضعف سيكون لها قيمة!
أيها المشايخ إنكم لستم في قصر هارون الرشيد، ولن يحاوركم المأمون، كل هؤلاء ماتوا، وزال زمانهم، وتغيرت الفتوى بتغير الحال، كان بعض العلماء قديما يقدمون النصيحة للحاكم سرا لأنهم كانوا مستشاريه، أو لأن القرار كان له وبيده ولمن حوله، أما الآن فالقرار في الخارج، وبيد السفراء والمستشارين في القصور (من مندوبيهم) والأثر للإعلام الخارجي، فكيف يختار أن يسرّ عاقل فضلا عن متعلم أو شيخ بنصيحة هنا!
إن كان عندكم ما تقولون من نصح للحكومات، فارفعوا الصوت به عاليا، وصرحوا به للناس، عبر المتاح من التلفاز، وعلى البريد والمواقع الإليكترونية، وعلى بقية المنابر، حتى يسمع الحكام، فلا قيمة لأسراركم عند أحد، ولا لأفكاركم ما لم تحملها أمة تؤمن بها أو سفير يلزم بها حاكم، وليس لكم سفراء، ولا رجال في البلاطات، لأنه لا قوة لكم فلا أقل من أن يكون الإعلام سفيرا!
إنكم في هذه الزيارات والنصائح السرية تقابلون أناسا، يحسن بكم درس حالهم قبل الدخول عليهم، فأنتم أمام حكام لهم ظروف مختلفة، أو مغلوبين على أمورهم، مقهورين، قهرهم السفراء والخبراء وأذلوهم وصادروا قراراتهم، لأنه لا صوت يسمعونه من الشعب، فقد سكرّت أفواه الشعوب، وأذّلت وطوردت وأهينت، فأصبحت القوة خارج البلاد، والأفكار والإعلام توجه من خارج البلاد، والقيمة في الخارج، والدور في الخارج، لا شيء بيد سكان بلادكم لا شيء!
فلا قوة يراها الحكام ولا قدر ولا قيمة إلا في الخارج ولمندوبيه في الداخل، أو إنكم أمام ضعيف ليس له من الأمر شيء، تقضى باسمه الأمور، أو أمام حقود على الإسلام كاره له، يراه شرا مستطيرا يهدد منافعه ومنافع أولاده، ويرى أنه إن عطف على المسلمين أو رحمهم فسوف يعزل أو يقتل.
وبهذا، فإن هؤلاء الحكام إن كان منهم طيب أو مجامل يحب أن يفعل خيرا، ولكنهم مابين معذور بجهله أو معذور بقهره، لأنه سيضطر بعد خروجكم من عنده أن يبلغ الخبراء والسفراء أنه قابلكم بكل حزم وحسم، وأراكم العين الحمراء، وبين لكم فساد مسعاكم! فاعذروهم فهم مقهورون مغلوبون، وليسوا كما تتوقعون ولا تلوموهم ولوموا أنفسكم!
أيها المشايخ والعلماء زيارات التوعية أو رفع العتب أو الإعذار أو المناصحة، قد أصبحتم ترون وتخبرون كساد نتائجها، فابحثوا عن الإعلام والطرق الأجدى، ولو كان مجرد درس لتلاميذكم أو مع زملائكم سيكون أنفع.
لقد وفد زوار عظام، يتوسطون في أمر عظيم، فلا تقولوا مات فيصل، وبقيت السفارة، بل يبقى الأمل.